من فضلك ، أعطني ثانية واحدة فقط من عمرك!
في كل ثانية من حياتك أنت تدين بوجودك لله عز وجل
في كل ثانية من حياتك أنت تحتاج الهواء
قد يستطيع البعض أن يحبس نفسه برهة من الزمن، ولكن هذا لا يعني أن جسدنا يستطيع الإستغناء عن الأكسجين، فإنْ أنت حبست نَفَسَك، فإن الهواء موجود داخل رئتيك، يستفيد منه الإنسان في كل ثانية من ثواني حياته، كذلك الأمر بالنسبة للطعام والشراب، فقد يصوم الإنسان عن الطعام والشراب فترة من الوقت، ولكن الطعام مختزن في أمعاك، يستفيد منه الجسم في كل ثانية، وكذلك الأمر بالنسبة للماء، فالقلب ينبض في الدقيقة أكثر من 60 نبضة، ومع كل نبضة يتدفق الدم في الجسد ليمر برحلة طويلة يمر خلالها على الرئتين ويأخذ منها الإكسجين، ويمر بالأمعاء الدقيقة ويأخذ منها الطعام والماء، ويمر عبر الجسد ليصل إلى كل خلية من خلاياه ويعطيها حاجتها من الأكسجين والطعام والماء، ويأخذ منها ثاني أكسيد الكربون والفضلات، ليمر في رحلة العودة إلى الرئتين من جديد فيلقي لها ثاني أكسيد الكربون ليخرج عن طريق الزفير، ويمر بالمثانى ليلقي لها الماء المشبع بالسموم ليخرج عند التبول، ويمر بالأمعاء الغليطة فيلقي لها الفضلات لتخرج عند الإخراج، هذا ما يحدث في عجالة في كل ثانية من ثواني حياتنا، ولكن، هل سألنا أنفسنا مرة، كم خلية في جسدنا تأخذ حاجتها من الطعام والماء والهواء في كل ثانية من ثواني حياتنا؟ في المعدل فإن في جسم الإنسان 200 ألف مليار خلية، أي ما يقارب 30 ألف ضعف عدد سكان الكرة الأرضية حاليا، في كل ثانية تأخذ هذه المليارات من الخلايا حاجتها وتعيد فضلاتها، ولو أننا سألنا أنفسنا، لو أننا نحن المسؤولين عنها، ونريد أن نأخذ الأكسجين من الهواء، ولا تنسى أن عليك أولا صنع جهاز يقوم بفرز الأكسجين عن باقي الغازات الموجودة في الهواء، وأن علينا أن نأخذ الطعام من الطبيعة، ولا تنسى أن عليك أن تصنع جهاز آخر يقوم بتحويل الطعام لمواد أولية بسيطة تستطيع الخلايا الإستفادة منها، ثم عليك بعدها أن تمرر هذا الأكسجين لكل خلية داخل جسدك، وتمرر الطعام لكل خلية داخل جسدك، ولنفترض أنك نجحت في الحصول على طريقة تمكنك من الوصول لكل خلية داخل جسدك، سؤالي هو، كم تحتاج من الوقت للمرور على كل خلايا جسدك؟ ودعني أساعدك بعملية الحساب، لنفترض أنك سريع تستطيع أن تعطي كل خلية من خلايا جسدك حاجتها من الأكسجين والطعام والماء في ثانية واحدة بلا كلل ولا ملل، فعلى هذا المعدل فإنك ستحتاج لحوالي 6300 مليون سنة لتمر دورة واحدة على كل خلايا جسدك. قم بإجراء العمليات الحسابية بنفسك إن لم تكن مصدق. أما الله، فقد جعل في جسدك القدرة على إختصار هذا الزمن الضخم لثانية واحدة في حياتك، فسبحان الله، (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون 23: 14).
في كل ثانية من حياتك أنت تحتاج الطعام
ذكرنا أن الطعام يتم توزيعه على 200 ألف مليار خلية في جسدك، ولكننا نريد أن نتذكر ونذكر أنفسنا، من أين أتى طعامنا؟ وكم يد سخرها لنا الله لنتناول هذا الطعام؟ لنأخذ أبسط الأمور، رغيف الخبز، ونسأل أنفسنا، كيف وصلنا لنا هذا الرغيف؟ ربما عليك أن تتصور أنك الوحيد الذي عليه أن يصنع رغيف الخبز حتى تستطيع أن ترى العظمة في وصول رغيف الخبز لك، لنبدأ من أول المشوار، من المزارع، حاول أن تتصور أنك أنت المزارع، ثم تفكر بمراحل العمل الذي ستقوم فيه في رحلة زراعة الأرض من وقت وضع البذرة حتى حصاد السنابل، ولا تنسى أنك تريد صناعة أدوات الزراعة بيدك، من سكة وتوصيلات مياه وغيرها، لن أطيل عليك، ولكني أنصحك أن تجالس مزارعاً في يوم من الأيام وتسأله عن عمله، ثم بعد حصاد السنابل، عليك أن تجففها تحت الشمس، وأن تنقلها إلى المطحنة، مهلاً، نسينا كيف علينا أن ننقلها، أنضعها داخل أكياس؟ أما نحملها بأكفنا، فإن قررنا نقلها بأكياس، فمن أين تأتي الأكياس، ماذا عليك أن تفعل لتصنع الكيس؟ فإن أنت صنعت الكيس، ووضعت به الحب، أتترك الكيس مفتوحاً أما أنك تريد أن تغلقه، فإن أنت قررت أنك ستغلقه، ماذا ستحتاج؟ أتحتاج الخيط والإبرة، فمن أين سيأتي الخيط ومن سيصنع الأبرة، ولنفرض أنك قررت تعلم الغزل والحدادة وأستطعت أن تحل هذه المشكلة، وجمعت أكياس الحب، فكيف ستنقلها، هل ستحملها على ظهرك، أم ستنقلها على دابة خلقها لك الله، أم أنك ستنقلها على ظهر تركتور أو سيارة، لن أقول لك أن عليك أن تصنع السيارة بنفسك، ولكني سأطلب منك أن تتفكر في صناعة السيارة التي نقلت لك حمولة الحب إلى المطحنة، فإن وصلنا المطحنة، سأسألك، من بنى هذه المطحنة، ومن بنى أقسامها ومن صنع معداتها وأدواتها، ثم بعد الخروج من المطحنة، سنتوجه صوب الفرن، ونسأل من بنى هذا الفرن وكم احتاج في بناءه، وعلى كم من إنسان يعتمد الفران ليستطيع أن يخبز لك رغيف الخبز، وبعد كل هذه الرحلة الطويلة الشاقة، والتي لم نذكر تفاصيلها، لأن تفاصيلها تحتاج آلاف الصفحات، يخرج لك رغيف الخبز، الذي تضعه على طاولتك ليكون جزءاً أساسيا من طعامك، وأسألك كيف ننظر لرغيف الخبز، كيف علّمت أبناءك أن ينظروا لرغيف الخبز، أيحترموه حق الإحترام، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام (أكرموا الخبز)؟ أم أنهم يبطروا النعمة، فلا نسمعهم قالوا (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل تناول الطعام، ولا نراهم قالوا (الحمد لله رب العالمين، الذي أطعمنا وسقانا) بعد الإنتهاء من الأكل، لا بل قد نرى كيس الخبز شبه كامل في آخر النهار في حاوية النفايات. وما الخبز إلا مثلا، أما دائرة طعامنا فعريضة وممتدة، تتنوع وتتشكل وتختلف، حتى أن بعض الناس تتشكل أطعمتها حتى لا يكاد يكرر نفس الطعام في العام مرتين. فهلا تفكرنا في كل لقمة طعام نضعها في فمنا، من أين أتت؟ وكيف صنعت؟ وكم إنسان عمل فيها؟
في كل ثانية من حياتك أنت تحتاج الماء
قلنا أن في كل ثانية من ثواني حياتك أنت تحتاج الماء، ولكن هل تفكرنا كيف صنع الله لنا دورة الماء في الحياة، كيف تبخره أشعة الشمس، فتخرج الماء النقي من بين الفضلات والقاذورات فترفعه إلى السماء، وكيف يتراكم ويتجمع ليصبح غيوم، وكيف تتراكب حباته لتصبح قطرات تهبط من جديد إلى الناس ماءا نظيفا طاهرا مباركا، هل تفكرت في يوم من الأيام في صفات الماء وخصائصه؟ هل درست جزيء الماء وكيف يتركب؟ هل تعلم أن الماء يختلف عن المواد الأخرى في الطبيعة، حيث أنه يتمدد في الحرارة وفي البرودة أيضاً؟ هل تفكرت كيف يصعد الماء من باطن الأرض ليصعد إلى أعلى الشجرة، والشجرة ليس عندها محرك كهربائي لرفع الماء، هل تفكرت في حجم نقطة الماء، لماذا هو بهذا الحجم، ليس أكبر ولا أصغر! حيث أنه لو كان أكبر لما هبط داخل التربة، ولو كان أصغر ما أستطاعت التربة أن تمسكه ولغار فيها عميقاً؟ هل قمت في يوم من الأيام بمقارنة جزيء الماء مع جزيئات أخرى للمواد شبيه به؟ فإن أنت فعلت لوجدت أن الماء كان يجب أن يكون في صورته الغازية في درجات الحرارة التي يستطيع أن يعيش فيها الإنسان، ولكن رحمة الله جعلته في صورتة السائلة شاذا بذلك عن كل القواعد! الأسئلة كثيرة، والمطوية لا تتسع، لذلك سأتركك فقط مع هذه التساؤلات البسيطة.
في كل ثانية من حياتك أنت تحتاج الدفء والحرارة
نعم، أنت تحتاج الدفء في كل ثانية من حياتك، فلولا وجود مصادر الطاقة والحرارة لتجمدت الكائنات الحية وماتت برداً، لذلك خلق الله لك الشمس، ووضعها في مكانها المناسب، ليس أقرب فنحترق بها، وليس أبعد فنشتاق لحرارتها، وجعل مدار الكرة الأرضية حولها بيضاوي، حتى نمر بكل المراحل من إعتدال وبرد وحر في الفصول الأربعة، لتدرك عظمة هذه النعمة عليك التي تمدك بالحرارة والدفء الذي يُبقي على حياتك في كل ثانية من حياتك.
في كل ثانية من حياتك أنت محمي من أخطار السماء والشمس
نعم، لقد بنى لك الله الغلاف الجوي، الذي يحمي مَنْ بداخله من أخطار السماوات، مِنْ صخور وحجارة تفلت من إنفجارات الكويكبات، حيث أنها تحترق قبل أن تصلك فتؤذيك، وأيضاً يحميك الغلاف الجوي من الإشعاعات الضارة التي تطلقها الشموس والنجوم، فلولا هذا البناء العظيم، لمات كلٌ منا بامراض سرطان الجلد.
في كل ثانية من حياتك أنت تقف على الكرة الأرضية
نعم، هذه نعمة عظيمة عليك، في كل ثانية من ثواني حياتك، فقد خلق لك الله، الجاذبية الأرضية، التي تجذبك إليها، فلا هي قوية، تمسك فلا تطلقك، ولا هي ضعيفه بحيث تفلت من أقطار الأرض وتهيم في السماء. ولا ننسى أننا في نفس الثانية نبصر في أعيننا إثنتي وعشرون صورة، ونسمع بأذننا آلاف الأصوات ونتكلم بلساننا، ونحرك أعضائنا ونمشي، فنحن في رعاية دائمة من الله عز وجل، فالنعم علينا كثيرة وعظيمة ولا يمكن إحصائها ولا عدها، علينا التفكر بها لمعرفة عظمة خالقها، وقبل الختام، لي رجاءٌ عندك يا مسلم، يا حبيب الله، رجاءي هو أن تتفكر في النعم التي تقع عليك في كل ثانية من ثواني حياتك، فإن أنت أقررت أن نعم الله عليك عظيمة وجليلة، فإني ارجوك أن لا تعصي الله، في اللحظة التي تستشعر نعمه عليك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.