إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #41  
قديم 12-08-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق

تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } [آية: 1]

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ، يعني الشكر لله، { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [آية: 2]، يعنى الجن والإِنس، مثل قوله:


{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [آية:3]، اسمان رفيقان، أحدهما أرق من الآخر { ٱلرَّحْمـٰنِ } ، يعني المترحم، { ٱلرَّحِيمِ } ، يعني المتعطف بالرحمة، { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [آية: 4]، يعنى يوم الحساب، كقوله سبحانه،


يعنى لمحاسبون، وذلك أن ملوك الدنيا يملكون فى الدنيا، فأخبر سبحانه أنه لا يملك يوم القيامة أحد غيره، فذلك قوله تعالى:

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #42  
قديم 12-08-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) مصنف و مدقق

فصل في قوله

بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ

قال أبو بكر: سئل سهل عن معنى: { بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } فقال:

الباء بَهاء الله عزَّ وجلَّ: والسين سناء الله عزَّ وجلَّ. والميم مجد الله عزَّ وجلَّ.

والله: هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها، وبين الألف واللام منه حرف مكنى غيب من غيب إلى غيب، وسر من سر إلى سر، وحقيقة من حقيقة إلى حقيقة. لا ينال فهمه إلاَّ الطاهر من الأدناس، الآخذ من الحلال قواماً ضرورة الإيمان.

والرحمن: اسم فيه خاصية من الحرف المكنى بين الألف واللام.

والرحيم: هو العاطف على عباده بالرزق في الفرع والابتداء في الأصل رحمة لسابق علمه القديم.

قال أبو بكر: أي بنسيم روح الله اخترع من ملكه ما شاء رحمة لأنه رحيم. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " الرحمن الرحيم " اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ من الآخر، فنفى الله تعالى بهما القنوط عن المؤمنين من عباده.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #43  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق 1-5

تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق 1-5

قال أبو القاسم الحكيم: { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } إشارة إلى المودة بدءًا.

حُكى عن العباس بن عطاء أنه قال: الباء بره لأرواح الأنبياء بإلهام الرسالة والنبوة، والسين سره مع أهل المعرفة بإلهام القربة والأنس.

والميم منته على المريدين بدوام نظره إليهم بعين الشفقة والرحمة.

وقال الجنيد في { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ }: بسم الله هيبته، وفي الرحمن عونه، وفي الرحيم مودته ومحبته. وقيل الباء في { بسم ٱلله } بالله ظهرت الأنبياء وبه فنيت وبتجليه حسنت المحاسن وباستناره فتحت وسمحت.

وحكى عن الجنيد رحمه الله أنه قال: إن أهل المعرفة نفوا عن قلوبهم كل شئ سوى الله عز وجل، وصفُّوا قلوبهم لله، وكان أول ما وهب الله تعالى لهم فناهم عن كل شئ سوى الله قولوا بسم الله إلينا فانتسبوا ودعوا انتسابكم إلى آدم عليه السلام.

وقيل أيضاً: إن { بسم } لبقاء هياكل الخلق، فلو افتتح كتابه باسمه؛ لذابت تحت حقيقتها الخلائق إلا من كان من نبى أو ولى، والاسم بنور نعيم الحق على قلوب أهل معرفته.

وقيل في { بسم ٱلله }: إنه صفاة أهل الحقيقة لئلا يتزينوا إلا بالحق، ولا يقسموا إلا به.

وقال أبو بكر بن طاهر: الباء سر الله بالعارفين، والسين السلام عليهم، والميم محبته لهم.

وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنْ صح هذا، الباء بهاؤه والسين سناؤه، والميم مجده.

وقيل: إن الباء في { بسم ٱلله } إلينا وصلهم إلى { بسم ٱلله }.

سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندرانى يقول: سمعت أبا جعفر الملطى يذكر عن على بن القاسم موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: { بسم } الباء بقاؤه والسين أسماؤه والميم ملكه، فإيمان المؤمن ذكره ببقائه وخدمة المريد ذكره بأسمائه، والعارف عن المملكة بالمالك لها.

وقال أيضاً: { بسم } ثلاثة أحرف: باء وسين وميم فالباء باب النبوة، والسين سر النبوة الذي أسرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم به إلى خواص أمته، والميم مملكة الدين الذى أنعم به للأبيض والأسود، وأما { ٱلله } فإن محمد بن موسى الواسطى قال: ما دعى الله أحد باسم من أسمائه، إلا ولنفسه في ذلك نصيب إلا قوله { ٱلله } ، فإن هذا الاسم يدعوه إلى الوحدانية وليس للنقص فيه نصيب، وقيل: كل أسمائه تقتضى عوضًا عند الدعاء إلا { ٱلله } ، فإنه اسم تفرد الحق به. وقيل: كل من قال: { ٱلله } فمن عادة قالها إلا من غيب عن شاهده، وقام الحق بتوليته عنه، عند ذاك زالت العيوب والزلل.

وقال الحسين: بسم الله منك منزلة " كن " منه فإذا أحسنت أن تقول: { بسم ٱلله } وأنكرت فيه فضل من الله أن تقول الله وأنتم عند الغفلة والحيرة تحققت الأشياء بقولك { بسم ٱلله } كما يتحقق له كن.

-1-

وحُكى عن الشبلى أنه قال: ما قال الله أحد سوى الله، فإن كل من قاله قاله بحظ وأنَّى يدرك الحقائق الحظوظ.

وقال أبو سعيد الخراز في كتاب درجات المريدين: ومنهم من جاوز نسيان حظوظ نفسه، فوقع في نسيان حظه من الله ونسيان حاجته إلى الله فهو يقول: لا أوركها أريد وما أقواه وما أنا ومن أين أنا، ضاع اسمى فلا اسم لى، وجهلت فلا علم لى، وضللت فلا جهل لى، وأسوق إلى من يعرف أقول فيساعدنى فيما أقول، وإذا قيل لأحدهم ما تريد قال: الله وما تقول الله قال وما علمت قال: الله فلو تكلمت جوارحه لقالت: الله وأعضاؤه ومفاصله ممتلئة من نور الله المخزون عنده، ثم يصيرون فى القرب إلى غاية لا يقدر أحد منهم أن يقول الله؛ لأنه ورد في الحقيقة على الحقيقة ومن الله على الله ولا حيرة، ومعناه لا حيرة فيما فيه الحيرة.

وسُئل الحسين بن منصور هل ذكره أحد على الحقيقة فقال: كيف يذكر على الحقيقة من لا أمد لكونه ولا علة لفعله ليس له كدُّك، ولا لغيبه هدَّك له من الأسماء معناها والحروف مجراها إذ الحروف مبدوعة والأنفاس مصنوعة، والحروف قول القائل تنزغن ذلك من الأحوال خلقة، رجع الوصف في الموصف، وعمى العقل عن الفهم، والفهم عن الدرك، والدرك عن الاستنباط، ودار المُلكُ في المِلك، وانتهى المخلوق إلى مثله، عدا قدره الظن، ودها نوره الغيبة.

وقيل: إن الألف الأول من اسمه الله ابتداؤه، واللام الأول لام المعرفة، واللام الثاني لام الآلاء والنعماء والسطر الذي بين اللامين معانى مخاطبات الأمر والنهى، والهاء نهاية مما تكن العبادة عنه من الحقيقة لا غير.

وقيل: إن الألف آلاء الله، واللام لطف الله واللام الثانى لقاء الله والهاء هيبة بآلاء الله فَوَلِهَ به المحبون والمشتاقون حين عجزوا عن علم شئ منه.

وحكى أن أبا الحسين النورى بقى في منزله سبعة أيام لم يأكل ولم ينم ولم يشرب، ويقول في ولَهِه ودهشه: الله الله، وهو قائم يدور فأُخبر الجنيد بذلك فقال: انظروا أمحفوظ عليه أوقاته أم لا؟ فقيل: إنه يصلى الفرائض فقال: الحمد لله الذى لم يجعل للشيطان عليه سبيلاً ثم قال: قوموا حتى نزوره إما نستفيد منه أو نفيده فدخل عليه وهو في ولهه قال: يا أبا الحسين ما الذي دهاك؟ قال: أقول: الله الله زيدوا علىَّ فقال له الجنيد: انظر هل قولك الله الله أم قولك قولك إن كنت القائل الله فالله ولست القائل له وإن كنت تقوله بنفسك فأنت مع نفسك فما معنى الوله فقال: نعم الود فسكنت وسكن عن ولهه فكان الشبلى يقول: الله فقيل له لم لا يقول لا إله إلا الله؟ فقال: لا أنفى به ضدًا.

-2-
وقيل في قوله: الله هو المانع الذى يمنع الوصول إليه لما امتنع هذا الاسم عن الوصول إليه حقيقة كانت اللذات أشد امتناعاً لعجزهم في إظهار اسم الله، ليعلموا بذلك عجزهم عن ذكر ذاته.

وقيل في قوله الله: الألف إشارة إلى الوحدانية واللام إشارة إلى محو الإشارة، واللام الثانى إشارة إلى محو المحو في كشف الهاء.

وقيل: إن الإشارة في الألف هو قيام الحق بنفسه وانفصاله عن جميع خلقه ولا اتصال له بشئ من خلقه كامتناع الألف أن يتصل بشئ من الحروف ابتداء بل تتصل الحروف به على حد الاحتياج إليه واستغنائه عنها.

وقيل: إنه ليس من أسماء الله عز وجل اسم يبقى على إسقاط كل حرف منه اسم الله إلا الله فإنه الله، فإذا أسقطت منه الألف يكون { ٱلله } فإذا أسقطت إحدى لاميه يكون " له " فإذا أسقطت اللامين بقى " الهاء " وهو غاية الإشارات.

وأما وَلَهِ الخلق في تولهم فمنهم من وَلِهَ سره في عظمة جلاله، ومنهم من وَلِهَ قلبه في وجوه معرفته، ومنهم من وَلِهَ لسانه بدوام ذكره.

وحكى عن ابن الشبلى قال في تجلى الجنيد في ولهه: الله فقال له الجنيد: يا أبا بكر الغيبة حرام أى أن ذكر الغائب غيبة فإن كنت غائبًا فالذكر غيبه وإن كنت تذكره عن مشاهدة فهو ترك الحرمة.

وقيل: من قال الله بالحروف، فإنه لم يقل الله لأنه خارج عن الحروف والخصوص والأوهام ولكن رضى منك بذلك لأنه لا سبيل إلى توحيده من حيث لا حال ولا قال.

وقيل إن معنى قول الله: إن الأسماء كلها داخل فى هذا الاسم وخارج منه، يخرج من هذا الاسم معنى الأسماء كلها ولا يخرج هذا الاسم من اسم سواه وذلك أن الله عز وجل يفرد به الاسم دون خلقه وشارك خلقه في اشتقاقات أساميه.

وقال بعض البغدادين: ليس الله ما يبدو لكم وبكم ووالله والله ما هذا فهو الله هذه حروف تبدو لكم وبكم، فإذا انظهر انتقيت فمعناه ها هو الله، وقال أبو العباس بن عطاء: قوله { ٱلله } هو إظهار هيبته وكبريائه.

وكتب أبو سعيد الخراز إلى بعض إخوانه: هل هو إلا الله، وهل يقدر أحد أن يقول الله إلا الله، وهل يرى الله إلا الله، وهل عرف الله أو يعرفه إلا الله، وهل كان قبل العبد وقبل الخلق إلا الله، وهل الآن فى السماوات وفى الأرضين وما بينهما إلا الله؟ إذ لم تكونوا فكونوا بالله ولله.

قال أبو سعيد الخراز: رأيت حكيماً من الحكماء فقلت له: ما غاية هذا الأمر قال: الله.
-3-

قلت: فما معنى قولك الله؟ قال: يقول اللهم دلنى عليك وثبتنى عند وجودك ولا تجعلنى ممن يرضى بجميع ما هو ذلك عوضاً وأقر قرارى عند لقائك.

وقال أبو سعيد: إن الله عز وجل أول ما دعا عباده دعاهم إلى كلمة واحدة فمن فهمها فقد فهم ما وراءها وهى قوله { ٱلله } ألا يراه يقول قل هو الله فتم به الكلام لأهل الحقائق ثم زاد بيانًا للخاص فقال: أحد، ثم زاد بيانًا للأولياء فقال: الصمد، ثم زاد بيانًا للعوام، فقال: لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فأهل الحقائق استغنوا باسمه الله وهذه الزيادات لمن نزلت مرتبته عن مراتبهم.

وقيل: إن كل أسمائه تتهيئ أن يتخلق به إلا قوله الله فإنما هو للتعلق دون التخلق وقيل: إن الإشارة في { ٱلله } هو اتصال اللامين والهاء وانفصال الألف عنه أى إنما أشرتم به إلى الله من ألف التعريف منفصل عنى لا بكم بإياكم.

يقولون: وما كان من صفاتى فإنه متصل به كلله حيث اتصلت حروفه.

سمعت منصوراً بإسناده عن جعفر أنه قال فى قوله { ٱلله }: إنه اسم تام لأنه أربعة: أحرف الألف وهى عمود التوحيد واللام الأول لوح القلم واللام الثانى لوح النبوة والهاء النهاية فى الإشارة، والله هو الاسم المتفرد لا يضاف إلى شئ بل تضاف الأشياء كلها إليه، وتفسير المعبود الذى هو إله الخلق منزه عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته وهو المستور عن الأبصار، والأفهام والمتحجب بجلاله عن الإدراك.

قوله تعالى: { الرَّحْمٰنِ }.

باسم الرحمن خرجت جميع الكرامات للمؤمنين مثل الإيمان والطاعات والولاية والعصمة وسائر المنن وكل نعمة تدوم ولا يستحق أحد من المخلوقين هذا الاسم لإن المخلوق عاجز عن إعطاء شئ لأحد يدوم ويبقى.

وأيضًا فإن رحمة الرحمانية للمريدين بها ينفصلون عما دون الرحمن، ولما عمت رحمته في العاجلة على الولى والعدو في معايشهم وأرزاقهم وغير ذلك سمى رحمن.

وقيل فى اسمه الرحمن: حلاوة المنة ومشاهدة القربة ومحافظة الخدمة.

وقيل: إن المحبين يتنعمون بأسرارهم فى رياض معانى اسمه الرحمن فيجتنون منها ثمرة الأنس ويشربون منها ماء القربة ويتنعمون على ضفاف أنهار القدس ويرجعون منها برؤية الآلاء والنعماء، والخائفون يتلذذون فى قلوبهم فى معانى اسمه الرحمن ويتزودون منها حلاوة السكون والأمن، والتائبون يتروحون بأسرارهم فى معانى اسمه الرحمن فيرجعون منها بصفا السر وطهارة القلوب، والعاصون يمرون على ميادين اسمه الرحمن فيرجعون منها بالندم والاستغفار.

وقال ابن عطاء: فى اسمه الرحمن عونه ونصرته.

وقال الواسطى: الرحمن لا يتقرب إليه أحد إلا بصرف رحمانيته، والرحيم يتقرب إليه بالطاعات لأنه يشارك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:



قوله تعالى: { الرَّحِيـمِ }.

يقال: إن معنى الرحيم هو ما يخرج من الرحمة الرحيمية لمعاش الخلق ومصالح أبدانهم فلذلك لم يمنعوا أن يتسمَّوا بالرحيم ومنعوا بالتسمية بالرحمن.
-4-

وقيل: إن معنى الرحيم أى بالرحيم وصلتم إلى الله وإلى الرحمن والرحيم بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم في قوله:

{ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة9: 128]

كأن معناه يقول بسم الله الرحمن الرحيم وبالرحيم محمد وصلتم إلى أن قلتم بسم الله الرحمن الرحيم، والرحيم هو الذى يقبلك بجميع عيوبك إذا أقبلت عليه، ويحفظك أتم الحفظ فى العاجلة وإن أدبرت عنه، لاستغنائه عنك مقبلاً ومدبرًا.


قال ابن عطاء: فى اسمه { الرَّحِيـمِ } مودته ورحمته، سمعت منصورًا بإسناده عن جعفر فى قوله { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } قال: هو واقع على المريدين والمرادين، فاسم الرحمن للمرادين لاستغراقهم فى الأنوار والحقائق، والرحيم للمريدين لبقائهم مع أنفسهم واشتغالهم بإصلاح الظواهر، والرحمن المنتهى بكرامته إلى ما غاية له لأنه قد أوصل الرحمة بالأزل وهو غاية الكرامة ومنتهاه بدءًا وعاقبة، والرحيم وصل رحمته بالياء والميم وهو ما يتصل به من رحمة الدنيا والهدى والأرزاق.

-5-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #44  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق

تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق

الباء في بسم الله حرف التضمين؛ أي بالله ظهرت الحادثات، وبه وجدت المخلوقات، فما من حادث مخلوق، وحاصل منسوق، من عين وأثر وغبر، وغيرٍ من حجر ومدر، ونجم وشجر، ورسم وطلل، وحكم وعلل - إلا بالحق وجوده، والحق مَلِكُه، ومن الحق بدؤه، وإلى الحق عوده، فبه وَجَدَ من وَحَّد، وبه جحد من الحد، وبه عرف من اعترف، وبه تخلَّف من اقترف.

وقال: { بسم ٱلله } ولم يقل بالله على وجه التبرك بذكر اسمه عند قوم، وللفَرْقِ بين هذا وبين القَسَم عند الآخرين، ولأن الاسم هو المسمى عند العلماء، ولاستصفاء القلوب من العلائق ولاستخلاص الأسرار عن العوائق عند أهل العرفان، ليكون ورود قوله { ٱلله } على قلبٍ مُنقَّىً وسرٍ مُصَفَّىً. وقوم عند ذكر هذه الآية يتذكرون من الباء (بره) بأوليائه ومن السين سره مع أصفيائه ومن الميم منته على أهل ولايته، فيعلمون أنهم ببره عرفوا سرّه، وبمنته عليهم حفظوا أمره، وبه سبحانه وتعالى عرفوا قدره. وقوم عند سماع بسم الله تذكروا بالباء براءة الله سبحانه وتعالى من كل سوء، وبالسين سلامته سبحانه عن كل عيب، وبالميم مجده سبحانه بعز وصفه، وآخرون يذكرون عند الباء بهاءه، وعند السين سناءه، وعند الميم ملكه، فلما أعاد الله سبحانه وتعالى هذه الآية أعني بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة وثبت أنها منها أردنا أن نذكر في كل سورة من إشارات هذه الآية كلمات غير مكررة، وإشارات غير معادة، فلذلك نستقصي القول ها هنا وبه الثقة.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #45  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 404 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى

تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 404 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ بِسْمِ } الباء كشف البقاءِ لأهل الفَنَاء والسين كشف سناء القدس لأهل الأنس والميم كشف الملكوت لأهل النعوت والباء بره للعموم والسين سره للخصوص والميم محبّته لخصوص الخصوص والباء بدو العبودية والسين سِرّ الربوبية والميم منه في أزليته على أهل الصفوة والباء من بِسمِ أي ببهائي بقاء ارواح العارفين في بحار العظمة والسين من بسم اي بسنائى سمت أسرار السابقين في هواء الهوية والميم من بسم اى بمجدى وَرَدَت المواجيد الى قلوب الواجدين من انوار المشاهدة وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم " إنَّ الباء بهاؤه والسين سناؤه والميم مجده " وقيل في بسم الله بالله ظهرت الأشياء وبه فنيت وبتجلّيه حُسنتِ المحاسنُ وباستناره فتحت المفاتح وحكى عن الجنيد انه قال ان اهل المعرفة نفوا عن قلوبهم كل شيء سوى الله فقال لهم قولوا بسم الله اى بى فتسمّوا ودعوا انتسابكم الى آدم وقيل ان بسم يبقى به كلُّ الخلق فلو افتتح كتابه باسمه لذاب تحته حقيقةُ الخلائق الا من كان محفوظاً من نبىّ او ولىٍّ وروى علىّ بن موسى الرضا عن ابيه عن جعفر بن محمد قال بسم الباء بقاؤه والسين أسماؤه والميم ملكه فايمان المؤمن ذكره ببقائه وخدمةُ المريد ذكره باسمائه والعارف فناؤه عن المملكة بالمالك لها واما { ٱلله } فانه اسم الجمع لا ينكشف الا لاهل الجمع وكلُّ اسم يتعلق بصفة من صفاته الا الله فانه يتعلق بذاته وجميع صفاته لاجل ذلك وهو اسم الجمع اخبر الحق عن نفسه باسمه الله فما يعرفه الا هو ولا يسمعه الا هو ولا يتكلّم به الا هو لان الالف اشارة الى الانانيّة والوحدانيّة ولا سبيل للخلق الى معرفتها الا الحق تعالى وفي اسمه الله لامان الاول اشارة الى الجمال والثاني اشارة الى الجلال والصفتان لا يعرفها الا صاحب الصفات والهاؤ اشارةٌ الى هويته وهويته لا يعرفها الا هو والخلق معزولون عن حقائقه فيحتجبون بحروفه عن مَعْرفَته بالالف تجلى الحقُّ من انانيته لقلوب الموحدين فتوحدوا به وباللام الاول تجلّى الحق من ازليته لارواح العارفين فانفرد بانفراده وباللام الثاني تجلّى الحق من جمال مشاهدته لاسرار المحبّين فغابوا في بحار حبّه وبالهاء تجلى الحق من هويته لفؤاد المقربين فَتَاهُوا في بيداء التحير من سَطَوات عظمته قال الشبلى ما قال الله احد سوى الله فان كان من قاله بحظ وانّى يدرك الحقائق بالحظوظ وقال الشبلىُّ الله فقيل له لِمَ لا تقول لا اله الا الله فقال لا ابقى به ضدّا وقيل في قوله الله هو المانع الذى يمنع الوصول اليه كما امتنع هذا الاسم عن الوصول اليه حقيقة كان الذات اشد امتناعاً عجزهم في اظهار اسمه لهم ليعلموا بذلك عجزهم عن درك ذاته وقيل فى قوله ان الالف اشارة الى الوحدانية واللام الاولى اشارة الى محو الاشارات واللام الثاني اشارة الى محو المحوق كشف الهاء وقيل الاشارة فى الالف هو قيام الحق بنفسه وانفصاله عن جميع خلقه فلا اتصال له بشئ من خلقه كامتناع الالف ان يتصل بشئ من الحروف ابتداءً بل يتصل الحروف به على حد الاحتياج اليه واستغنائه عنهم وقيل ليس من اسماء الله اسمًّ يبقى على اسقاط كل حرف منه الا الله فانه الله فاذا اسْقطََت منه الالف يكون لله فاذا اسقطت احد لامَيْه يكون له فاذا اسقطت اللامين بقى الهاء وهو غايةُ الاشارة وقال بعضهم الباء باب خزانة الله والسين سين الرسالة والميم ملك الولاية وقال بعضهم بالله سلم قلوب اولياء الله من عذاب الله وبنقطته تطرقت اسرار اصفياء الله الى حضرته وبرحمته تفردَّت افئدة خواص عباده معه وقال بعضهم بالله تحيّرت قلوب العارفين فى علم ذات الله وبشفقته توصّلَتُ علوم العالمين الى صفات الله وبرحمته ادركت عقول المؤمنين شواهد ما اشهدهُم الله من بيان الله وقيل بإلهيته تفرَّدت قلوب عباد الله وبتعطُّفِه صفت ارواحُ محبيه وبرحمته ذكرت نفوس عابديه وقيل بسم الله ترياق اعطى المؤمنين يدفع الله به عنهم سم الدنيا وضَررهَا وقالَ جعفر الصادق بسم للعامة والله لخاص الخاص وقال سهل الله هو اسم الله الاعظم الذي حوى الاسماء والاسامى كلها وبين الالف واللام منه حرف مكنّى غيب من غيب الى غيبه وسرُّ من سرٍّ الى سِرّه حقيقةٌ من حقيقةٍ الى حقيقته لا ينال فهمه الا الطاهر من الادناس الاخذ من الحلال قواماً ضرورة الايمان وقيل من قال بالحروف فانه لم يقل الله لانه خارج عن الحروف والحسوس والاوهَام والافهام ولكن رضى منا بذلك لانه لا سبيل إلى توحيده من حيث لا حال ولا قال وحكى ان ابا الحسَنِ النوريَّ بقى في منزله سبعة ايّامٍ لم يأكل ولم يشرب ولم يَنَمُ ويقول فى وَلهة ودهشة الله الله وهو قائمٌ يَدُور فأخبر الجنيد قال انظروا محفوظ عليه اوقاته فقيل انه يصلّى الفرائض فقال الحمد لله الذى لم يجعل للشيطان له سبيلاً ثم قال قوموا حتى نزوره امّا ان نستفيد منه او نفيده فدخل عليه وهو في وَلَهه وقال يا ابا الحسن ما الذى ولهك قال ثم قول الله الله زيدوا عليّ فقال له الجنيد انظر هل قولك الله الله ام قولك ان كان كنت القائل الله الله فلست القائل له وان كنت تقول بنفسك فانت مع نفسك فما معنى الوله قال نِعمَ المؤدب كنت وسكن من ولَهه امّا قوله { الرَّحْمٰنِ } رحم على اوليائه بسم الرحمٰن بتعريف نفسه لهم حتّى عَرَفوا به أسماءه وصفاته وجلاله وجماله وبه خرجت جميع الكرامات للابدال والصديقين وبه تهيّات اسرار المقامات للاصفياء والمقربين وبه تجلت انوار المعارف للاتقياء والعارفين لان اسم الرحمٰن مخبرٌ عن خلق الخلق وكرمه على جميع الخلق وفى اسمه الرحمن ترويح ارواح الموحدين ومزيد افراح العارفين وتربية اشباح العالمين وفيه نزهة المحبّين وبَهْجة الشائقين وفرحة العاشقين وامان المذنبين ورجاء الخائفين وقال بعضهم اسمه الرحمن حلاوة المنّة ومشاهدة القرية ومحافظة الحرمة وقال ابن عطاء في اسمه الرحمن عونه ونصرته وقوله { الرَّحِيـمِ } موهبة الخاص لاهل الخاص هو مستند لذوي العثرات ومسرّة لاهل القربات والرّحمن مطيّة السالكين تسير بهم الى معدن العناية والرحيم حبل الحق المجذوبين تجذبهم به الى حِجَال الوصلة باسم الرحمن اَمَنهم من العقاب وباسمه الرّحيم اَتَاهُم من نفائس الثواب الاول مفتاح المكاشفة والاخر مرقاة المشاهدة باسمه الرحمن فتح لَهُمُ الغيوب وباسمه الرحيم غفر لهم الذنوب وقال ابن عطاء في اسمه الرحيم مودّة ومحبّة وعن جعفر بن محمد فى قوله { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } انه قال هو واقع على المريدين والمرادين فاسم الرحمن للمرادين لاستغراقهم فى انوار الحقائق والرحيم للمريدين لبقائهم مع انفسهم واشتغالهم بالظاهر.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #46  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق 1-2

اسم الشيء ما يعرف به، فأسماء الله تعالى هي الصور النوعية التي تدلّ بخصائصها وهوياتها على صفات الله وذاته، وبوجودها على وجهه، وبتعينها على وحدته، إذ هي ظواهره التي بها يعرف. و { الله } اسم للذات الإلهية من حيث هي هي على الإطلاق، لا باعتبار اتصافها بالصفات، ولا باعتبار لا اتصافها.

و { الرحمن } هو المفيض للوجود والكمال على الكل بحسب ما تقتضي الحكمة وتحتمل القوابل على وجه البداية. و { الرحيم } هو المفيض للكمال المعنويّ المخصوص بالنوع الإنساني بحسب النهاية، ولهذا قيل: " يا رحمن الدنيا والآخرة " ، ورحيم الآخرة. فمعناه بالصورة الإنسانية الكاملة الجامعة الرحمة العامّة والخاصة، التي هي مظهر الذات الإلهي والحق الأعظمي مع جميع الصفات ابدأ واقرأ، وهي الاسم الأعظم وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " أوتيت جوامع الكلم، وبعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، إذ الكلمات حقائق الموجودات وأعيانها. كما سمي عيسى عليه السلام كلمة من الله، ومكارم الأخلاق حالاتها وخواصها التي هي مصادر أفعالها جميعها محصورة في الكون الجامع الإنساني. وههنا لطيفة وهي أن الأنبياء عليهم السلام وضعوا حروف التهجي بإزاء مراتب الموجودات. وقد وجدت في كلام عيسى عليه الصلاة والسلام وأمير المؤمنين علي عليه السلام وبعض الصحابة ما يشير إلى ذلك. ولهذا قيل: ظهرت الموجودات من باء بسم الله إذ هي الحرف الذي يلي الألف الموضوعة بإزاء ذات الله. فهي إشارة إلى العقل الأول الذي هو أول ما خلق الله المخاطب بقوله تعالى: " ما خلقت خلقاً أحب إليّ ولا أكرم عليّ منك، بك أعطي، وبك آخذ، وبك أثيب، وبك أعاقب... " الحديث.

والحروف الملفوظة لهذه الكلمة ثمانية عشر، والمكتوبة تسعة عشر. وإذا انفصلت الكلمات انفصلت الحروف إلى اثنين وعشرين، فالثمانية عشر إشارة إلى العوالم المعبر عنها بثمانية عشر ألف عالم، إذ الألف هو العدد التام المشتمل على باقي مراتب الأعداد فهو أمّ المراتب الذي لا عدد فوقه، فعبر بها عن أمّهات العوالم التي هي عالم الجبروت، وعالم الملكوت، والعرش، والكرسي، والسموات السبع، والعناصر الأربعة، والمواليد الثلاثة التي ينفصل كل واحد منها إلى جزئياته.

والتسعة عشر إشارة إليها مع العالم الإنساني، فإنه وإن كان داخلاً في عالم الحيوان إلا أنه باعتبار شرفه وجامعيته للكل وحصره للوجود عالم آخر له شأن وجنس برأسه له برهان، كجبريل من بين الملائكة في قوله تعالى:

{ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ } [البقرة2، الآية: 98].


والألفات الثلاثة المحتجبة التي هي تتمة الاثنين والعشرين عند الانفصال إشارة إلى العالم الإلهيّ الحقّ، باعتبار الذات، والصفات، والأفعال. فهي ثلاثة عوالم عند التفصيل، وعالم واحد عند التحقيق، والثلاثة المكتوبة إشارة إلى ظهور تلك العوالم على المظهر الأعظميّ الإنسانيّ ولاحتجاب العالم الإلهي.

-1-

حين " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ألف الباء من أين ذهبت؟ قال صلى الله عليه وسلم: " سرقها الشيطان " " وأمر بتطويل باء بسم الله تعويضاً عن ألفها إشارة إلى احتجاب ألوهية الإلهية في صورة الرحمة الانتشارية وظهورها في الصورة الإنسانية بحيث لا يعرفها إلا أهلها، ولهذا نكرت في الوضع.

وقد ورد في الحديث: " إن الله تعالى خلق آدم على صورته " ، فالذات محجوبة بالصفات، والصفات بالأفعال، والأفعال بالأكوان والآثار. فمن تجلّت عليه الأفعال بارتفاع حجب الأكوان توكل، ومن تجلّت عليه الصفات بارتفاع حجب الأفعال رضي وسلّم. ومن تجلّت عليه الذات بانكشاف حجب الصفات فني في الوحدة فصار موحداً مطلقاً فاعلاً ما فعل وقارئاً ما قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فتوحيد الأفعال مقدّم على توحيد الصفات وهو على توحيد الذات وإلى الثلاثة أشار صلوات الله عليه في سجوده بقوله: " أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك ".

-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #47  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق 1-5

تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق 1-5

{ بسم الله الرحمن الرحيم } الاصح المقبول عند متأخرى الحنفية ان البسملة آية فذة ليست جزأ من سورة انزلت للفصل والتبرك بالابتداء كما بذكرها في كل أمر ذى بال وهى مفتاح القرآن واول ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ واول ما نزل على آدم عليه السلام وحكمة تأخرها واول ما جرى به القلم فى اللوح المحفوظ واول ما نزل على آدم عليه السلام وحكمة تأخرها عن الاستعاذة تقدم التخلية بالمعجمة على التحلية والاعراض عما سوى الله على الاقبال والتوجه اليه.

{ بسم الله } كانت الكفار يبدؤون باسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات والعزى فوجب ان يقصد الموحد معنى اختصاص اسم الله عز وجل بالابتداء وذلك بتقديمه وتأخير الفعل فلذلك قدر المحذوف متأخرا اى باسم الله اقرأ او اتلو أو غير ذلك مما جعلت التسمية مبدأ له.

قالوا واودع جميع العلوم في الباء اى بى كان ما كان وبى يكون ما يكون فوجود العوالم بى وليس لغيرى وجود حقيقى الا بالاسم والمجاز وهو معنى قولهم ما نظرت شياً الا ورأيت الله فيه او قبله ومعنى قوله عليه السلام " لا تسبوا الدهر فان الدهر هو الله " فان قلت ما الحكمة والسر في أن الله تعالى جعل افتتاح كتابه بحرف الباء واختارها من سائر الحروف لا سيما على الألف فإنه أسقط الألف من الاسم واثبت مكانه الباء في باسم فالجواب في افتتاح الله بالباء عشرة معان. احدها ان فى الالف ترفعا وتكبرا وتطاولا وفى الباء انكسارا وتواضعا وتساقطا فمن تواضع لله رفعه الله. وثانيها ان الباء مخصوصة بالالصاق بخلاف اكثر الحروف خصوصا الالف من حروف القطع ثالثها: أن الباء مكسوره أبداً فلما كانت فيها كسرة وانكسار في الصوره وجدت شرف العندية من الله تعالى كما قال الله تعالى " انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلى " ورابعها ان فى الباء تساقطا وتكسرا فى الظاهر ولكن رفعة درجة وعلوهمة فى الحقيقة وهى من صفات الصديقين وفى الالف ضدها اما رفعة درجتها فبانها اعطيت نقطة وليست للالف هذه الدرجة واما علو الهمة فانه لما عرضت عليها النقط ما قبلت الا واحدة ليكون حالها كحال محب لا يقبل الا محبوبا واحدا. وخامسها ان فى الباء صدقا فى طلب قربة الحق لانها لما وجدت درجة حصول النقطة وضعتها تحت قدمها وما تفاخرت بها ولا يناقضه الجيم والياء لان نقطهما فى وضع الحروف ليست تحتهما بل فى وسطهما وانما موضع النقط تحتهما عند اتصالهما بحرف آخر لئلا يشتبها بالخاء والتاء بخلاف الباء فان نقطتها موضوعة تحتها سواء كانت مفردة أو متصلة بحرف آخر.

-1-

وسادسها ان الالف حرف علة بخلاف الباء. وسابعها ان الباء حرف تام متبوع فى المعنى وان كان تابعا صورة من حيث ان موضعه بعد الالف فى وضع الحروف وذلك لان الالف فى لفظ الباء يتبعه بخلاف لفظ الالف فان الباء لا يتبعه والمتبوع فى المعنى اقوى وثامنها ان الباء حرف عامل ومتصرف فى غيره فظهر لها من هذا الوجه قدر وقدرة فصلحت للابتداء بخلاف الالف فانه ليس بعامل. وتاسعها أن الباء حرف كامل فى صفات نفسه بانه للالصاق والاستعانة والاضافة مكمل لغيره بان يخفض الاسم التابع له ويجعله مكسوراً متصفاً بصفات نفسه وله علو وقدرة في تكميل الغير بالتوحيد والارشاد كما اشارة اليه سيدنا على رضى الله عنه بقوله [ان النقطة تحت الباء] فالباء له مرتبة الارشاد والدلالة على التوحيد وعاشرها ان الباء حرف شفوى تنفتح الشفة به ما لا تنفتح بغيره من الحروف الشفوية ولذلك كان اول انفتاح فم الذرة الانسانية فى عهد الست بربكم بالباء فى جواب بلى فلما كان الباء اول حرف نطق به الانسان وفتح به فمه وكان مخصوصا بهذه المعانى اقتضت الحكمة الالهية اختياره من سائر الحروف فاختارها ورفع قدرها واظهر برهانها وجعلها مفتاح كتابه ومبدأ كلامه وخطا به تعالى وتقدس كذا فى التأويلات النجمية. واسم الله ما يصح ان يطلق عليه بالنظر الى ذاته او باعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس او الثبوتية كالعليم او باعتبار فعل من افعاله كالخالق ولكنها توقيفية عند بعض العلماء كما فى الشرح المشارق لابن الملك ثم المختار ان كلمة الله هو الاسم الاعظم فان سأل سائل وقال أن من شرط الاسم الاعظم انه إن دعي الله به أجاب وان سئل به أعطى فنحن ندعو به ونسأل ولم نر الاجابه في أكثر الاوقات قلنا ان للدعاء آدابا وشرائط لا يستجاب الدعاء الا بها كما ان للصلاة كذلك فاول شرائطه اصلاح الباطن باللقمة الحلال وقد قيل " الدعاء مفتاح السماء واسنانه لقمة الحلال " وآخر شرائطه الاخلاص وحضور القلب كما قال الله تعالى { فادعوا الله مخلصين له الدين } فان حركة الانسان باللسان وصياحه من غير حضور القلب ولولة الواقف على الباب وصوت الحارث على السطح اما اذا كان حاضرا فالقلب الحاضر فى الحضرة شفيع له.

قال الشيخ مؤيد الدين الجندى قدس سره ان للاسم الاعظم الذى اشتهر ذكره وطاب خبره ووجب طيه وحرم نشره من عالم الحقائق والمعانى حقيقة ومعنى ومن عالم الصور والالفاظ صورة ولفظا اما حقيقته فهى احدية جمع جميع الحقائق الجمعية الكمالية كلها واما معناه فهو الانسان الكامل فى كل عصر وهو قطب الاقطاب حامل الامانة الالهية خليفة الله واما صورته فهى صورة كامل ذلك العصر وعلمه كان محرما على سائر الامم لما لم تكن الحقيقة الانسانيه ظهرت بعد في أكمل صورته بل كانت في ظهورها بحسب قابلية كامل ذلك العصر فحسب فلما وجد معنى الاسم الاعظم وصورته بوجود الرسول صلى الله عليه وسلم اباح الله العلم به كرامة له.

-2-

{ الرحمن } الرحمة فى اللغة رقة القلب والانعطاف ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها والمراد بها ههنا هو التفضل والاحسان او ارادتهما بطريق اطلاق اسم السبب بالنسبة الينا على مسببه البعيد او القريب فان اسماء الله تؤخذ باعتبار الغايات التى هي افعال دون المبادى التي هى انفعالات فالمعنى العاطف على خلقه بالرزق لهم ودفع الآفات عنهم لا يزيد فى رزق المتقى لقبل تقواه ولا ينقص من رزق الفاجر لقبل فجوره بل يرزق الكل بما يشاء { الرحيم } المترحم اذا سئل اعطى واذا لم يسأل غضب وبنى آدم حين يسأل يغضب. واعلم ان الرحمة من صفات الذات وهو ارادته ايصال الخير ودفع الشر والارادة صفة الذات لان الله تعالى لو لم يكن موصوفا بهذه الصفة لما خلق الموجودات فلما خلق الخلق علمنا ان رحمته صفة ذاتية لان الخلق ايصال خير الوجود الى المخلوق ودفع شر العدم عنهم فان الوجود خير كله.

قال الشيخ القيصرى اعلم ان الرحمة صفة من الصفات الآلهية وهى حقيقة واحدة لكنها تنقسم بالذاتية والصفاتية اى تقتضيها اسماء الذات واسماء الصفات وكل منهما عامة وخاصة فصارت اربعا ويتفرع منها الى ان يصير المجموع مائة رحمة واليها اشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله " ان لله مائة رحمة اعطى واحدة منها لاهل الدنيا كلها وادخر تسعا وتسعين الى الآخرة يرحم بها عباده ".

فالرحمة العامة والخاصة الذاتيتان ما جاء فى البسملة من الرحمن الرحيم والرحمة الرحمانية عامة لشمول الذات جميع الاشياء علما وعينا والرحيمية خاصة لانها تفصيل تلك الرحمة العامة الموجب لتعيين كل من الأعيان بالاستعداد الخاص بالفيض الاقدس والصفاتية ما ذكره فى الفاتحة من الرحمن الرحيم الاولى عامة الحكم لترتبها على ما افاض الوجود العام العلمى من الرحمة العامة الذاتية والثانية خاصة وتخصيصها بحسب استعداد الاصلى الذى لكل عين من الاعيان وهما نتيجتان للرحمتين الذاتيتين العامة والخاصة انتهى كلامه. قالوا لله تعالى ثلاثة آلاف اسم الف عرفها الملائكة لا غير والف عرفها الانبياء لا يغر وثلاثمائة فى التوراة وثلاثمائة فى الانجيل وثلاثمائة فى الزبور وتسعة وتسعون في القرآن وواحد استأثر الله به ثم معنى هذه الثلاثة آلاف فى هذه الاسماء الثلاثة فمن علمها وقالها فكأنما ذكر الله تعالى بكل اسمائه وفى الخبر ان النبى عليه السلام قال " ليلة اسرى بى الى السماء عرض على جميع الجنان فرأيت فيها اربعة انهار نهرا من ماء ونهرا من لبن ونهرا نم خمر ونهرا من عسل فقلت يا جبريل من اين تجيئ هذه الانهار والى اين تذهب قال تذهب الى حوض الكوثر ولا ادرى من اين تجئ فادع الله تعالى ليعلمك او يريك فدعا ربه فجاء ملك فسلم على النبى عليه السلام ثم قال يا محمد غمض عينيك قال فغمضت عينى ثم قال افتح عينيك ففتحت فاذا انا عند شجرة ورأيت قبة من درة بيضاء ولها باب من ذهب احمر وقفل لو أن جميع ما فى الدنيا من الجن والانس وضعوا على تلك القبة لكانوا مثل طائر جالس على جبل فرأيت هذه الانهار الاربعة تخرج من تحت هذه القبة فلما اردت ان ارجع قال لى ذلك الملك لم لا تدخل القبة قلت كيف ادخل وعلى بابها قفل لا مفتاح له عندى قال مفتاحه بسم الله الرحمن الرحيم فلما دنوت من القفل وقلت بسم الله الرحمن الرحيم انفتح القفل فدخلت فى القبة فرأيت هذه الانهار تجرى من اربعة اركان القبة ورأيت مكتوبا على اربعة اركان القبة بسم الله الرحمن الرحيم ورأيت نهر الماء يخرج من ميم بسم الله ورأيت نهر اللبن يخرج من هاء الله ونهر الخمر يخرج من ميم الرحمن ونهر العسل من ميم الرحيم فعلمت ان اصل هذه الانهار الاربعة من البسملة فقال الله عز وجل يا محمد من ذكرنى بهذه الاسماء من امتك بقلب خالص من رياء وقال بسم الله الرحمن الرحيم سقيته من هذه الانهار ".

-3-

وفى الحديث " لا يرد دعاء اوله بسم الله الرحمن الرحيم ".

وفي الحديث ايضا " من رفع قرطاسا من الارض مكتوبا عليه بسم الله الرحمن الرحيم اجلالا له ولاسمه عن ان يدنس كان عند الله من الصديقين وخفف عن والديه وان كانا مشركين ".

وذكر الشيخ احمد البونى فى لطائف الاشارات ان شجرة الوجود تفرعت عن بسم الله الرحمن الرحيم وان العالم كله قائم بها جملة وتفصيلا فلذلك من اكثر من ذكرها رزق الهيبة عند العالم العلوى والسفلى. وكتب قيصر ملك الروم الى عمررضى الله عنه أن بي صداعاً لا يسكن فابعث لي دواء إن كان عندك فإن الأطباء عجزوا عن المعالجة فبعث عمر رضي الله عنه قلنسوة فكان اذا وضعها على رأسه سكن صداعه واذا رفعها عن رأسه عاد صداعه فتعجب منه ففتش فى القلنسوة فاذا فيها كاغد مكتوب عليه بسم الله الرحمن الرحيم.

قال الشيخ الاكبر في الفتوحات اذا قرأت فاتحة الكتاب فصل بسملتها معها في نفس واحد من غير قطع وعن محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم حالفاً عن جبريل عليه السلام حالفا عن ميكائيل عليه السلام حالفا عن اسرافيل عليه السلام قال الله تعالى

-4-

" يا اسرافيل بعزتي وجلالى وجودى وكرمى من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم متصلة بفاتحة الكتاب مرة واحدة فاشهدوا على انى قد غفرت له وقبلت منه الحسنات وتجاوزت له عن السيآت ولا احرق لسانه بالنار واجيره من عذاب القبر وعذاب النار وعذاب يوم القيامة والفزع الاكبر وتلقانى قبل الانبياء والاولياء اجميعن ".

(سورة فاتحة الكتاب).

وجه التسمية بفاتحة الكتاب اما لافتتاح المصاحف والتعليم وقراءة القرآن والصلاة بها واما لان الحمد فاتحة كل كلام واما لانها اول سورة نزلت واما لانها اول ما كتب في اللوح المحفوظ واما لانها فاتحة ابواب المقاصد فى الدنيا وابواب الجنان فى العقبى واما لان انفتاح ابواب خزائن اسرار الكتاب بها لانها مفتاح كنوز لطائف الخطاب بانجلائها ينكشف جميع القرآن لاهل البيان لان من عرف معانيها يفتح بها اقفال المتشابهات ويتقبس بسناها انوار الآيات. وسميت بام القرآن وما الشئ اصله لان المقصود من كل القرآن تقرير امور اربعة اقرار بالالوهية والنبوة واثبات القضاء والقدرة لله تعالى فقوله (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم يدل على الألوهيه وقوله (مالك يوم الدين) يدل على المعاد وقوله


{ إياك نعبد وإياك نستعين } [الفاتحة1: 5]

على نفى الجبر والقدر وعلى اثبات ان الكل بقضاء الله تعالى وسميت بالسبع المثانى لانها سبع آيات او لان كل آية منها تقوم مقام سبع من القرآن فمن قرأها اعطى ثواب قراءة الكل او لان من فتح فاه بقراءة آياتها السبع غلقت عنه ابواب النيران السبعة هذه وجوه التسمية بالسبع واما بالمثانى فلانها تثنى فى كل صلاة او فى كل ركعة بالنسبة الى الاخرى او المراد تشفع فى كل ركعة سورة حقيقية او حكما او لان نزولها مرتين مرة فى مكة ومرة فى المدينة.

وسميت بسورة الصلاة وسورة الشفاء والشافية واساس القرآن والكافية والوافية وسورة الحمد وسورة السؤال وسورة الشكر وسورة الدعاء لاشتمالها عليها وسورة الكنز لما يروى ان الله تعالى قال " فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشى ".


-5-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #48  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق 1-5

تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق 1-5

قلت: { الحمد } مبتدأ، و { الله } خبر، وأصله النصب، وقرئ به، والأصل: أحمد الله حمداً، وإنما عدل عنه إلى الرفع ليدل على عموم الحمد وثباته، دون تجدده وحدوثه، وفيه تعليم اللفظ مع تعريض الاستغناء. أي: الحمد لله وإن لم تحمدوه. ولو قال (أحمد الله) لما أفاد هذا المعنى، وهو من المصادر التي تُنْصَب بأفعال مضمرة لا تكاد تذكر معها. والتعريف للجنس؛ أي: للحقيقة من حيث هي، من غير قيد شيوعها، ومعناه: الإشارة إلى ما يَعْرِفه كل أحد أن الحمد ما هو. أو للاستغراق؛ إذ الحمد في الحقيقة كُلُّه لله؛ إذ ما من خير إلا وهو مُولِيهِ بواسطة وبغير واسطة. كما قال:

{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [النّحل16: 53]،

وقيل: للعهد، والمعهودُ حمدُه تعالى نَفْسَه في أزله.


وقُرِئ { الحمد لله } بإتباع الدال للام، وبالعكس، تنزيلاً لهما من حيث إنهما يستعملان معاً منزلة كلمة واحدة.

ومعناه في اللغة: الثناءُ بالجميل على قصد التعظيم والتبجيل، وفي العُرف: فعل يُنبئ عن تعظيم المُنعم بسبب كونه منعماً. والشكر في اللغة: فعل يُشعر بتعظيم المنعم، فهو مرادف للحمد العرفي، وفي العرف: صرفُ العبد جميعَ ما أنعم الله عليه من السمع والبصر إلى ما خُلِقَ لأجله وأعطاه إياه. وانظر شرحنا الكبير للفاتحة في النَّسَبِ التي بيناها نظماً ونثراً.

و { الله } اسم مُرْتَجَلٌ جامد، والألف واللام فيه لازمة لا للتعريف، قال الواحدي: اسم تفرِّد به الباري - سبحانه - يجري في وصفه مجرى الأسماء الأعلام، لا يُعرف له اشتقاق، وقال الأقْلِيشي: إن هذا الاسم مهما لم يكن مشتقّاً كان دليلاً على عين الذات، دون أن يُنظر فيها إلى صفة من الصفات، وليس باسمٍ مشتق من صفة، كالعالِم والحق والخالق والرازق، فالألف واللام على هذا في (الله) من نفس الكلمة، كالزاي من زيد، وذهب إلى هذا جماعة، واختاره الغزالي، وقال: كل ما قيل في اشتقاقه فهو تعسُّف.

وقيل: مشتق من التَّأَلُّهِ وهو التعبد، وقيل: من الوَلَهَان، وهو الحيرة؟ لتحيُّر العقول في شأنه. وقيل: أصله: الإلهُ، ثم حذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى اللام، ثم وقع الإدغام وفُخمت للتعظيم، إلا إذا كان قبلها كسر.

و { رب } نعت { لله } ، وهو في الأصل: مصدر بمعنى التربية، وهو تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً، ثم وُصف به للمبالغة كالصوم والعدل.

وقيل: هو وصفٌ من رَبِّه يَرُبُّهُ، وأصله: رَبَبَ ثم أُدغم، سُمي به المالكُ؛ لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه، ولا يطلق على غيره تعالى إلا بقيد كقوله تعالى:

{ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ } [يُوسُف12: 50].


قال ابن جُزَيّ: ومعانيه أربعة: الإله والسيد والمالك والمصلح، وكلها تصلح في رب العالمين، إلا أن الأرجح في معناه، الإله؛ لاختصاصه بالله تعالى.
-1-

و { العالمين } جمع عالَم، والعالَمُ: اسم لما يُعْلَمُ به، كالخاتم لما يُختم به، والطابع لما يطبع به. غلب فيما يُعلم به الصانع. وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض، فإنها لإمكانها وافتقارها إلى مُؤثِرٍ واجبٍ لذاته، تدل على وجوده، وإنما جُمع ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة، وغلب العقلاء منهم فجُمِعَ بالياء والنون كسائر أوصافهم، فهو جمع، لا اسم جمع، خلافاً لابن مالك.

وقيل: اسم وضع لذوي العلم من الملائكة والثقلين، وتناولُه لغيرهم على سبيل الاستتباع، وقيل: عني به هنا الناس، فإن كل واحد منهم عالَمٌ، حيث إنه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير، ولذا سوّى بين النظر فيهما فقال:

{ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذّاريَات51: 21].


{ قلت }: وإليه يشير قول الشاعر:


يا تَائهاً في مَهْمَهٍ عَنْ سِرِّهانْظُرْ تجِدْ فِيكَ الوُجُودُ بأَسْره
أنْتَ الكمَالُ طَرِيقَةً وحَقِيقَةًيا جَامِعاً سِرَّ الإلّهِ بِأَسْرِه


و { الرحمن الرحيم } اسمان بُنيا للمبالغة، من رَحِمَ، كالغضبان من غضب، والعليم من علم، والرحمة في اللغة، رَقَّةُ القلب، وانعطافٌ يقتضي التفضل والإحسان، ومنه الرَّحِم؛ لانعطافها على ما فيها. وأسماء الله تعالى إنما تُؤخذ باعتبار الغايات، التي هي أفعال، دون المبادئ التي هي انفعالات، و { الرحمن } أبلغ من { الرحيم }؛ لأن زيادةَ المبنى تدل على زيادة المعنى، كقَطَّعَ وقَطَعَ، وذلك إنما يُؤخذ تارة باعتبار الكمية، وأخرى باعتباره الكيفية.

فعلى الأول: قيل: يا رحمنَ الدنيا؛ لأنه يَعُمُّ المؤمنَ والكافر، ورحيمَ الآخرة؛ لأنه يختص بالمؤمن، وعلى الثاني قيل: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا؛ لأن النعم الأخروية كلها جِسَام، وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.

وإنما قدّم { الرحمن } - والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى - لتقدُّم رحمة الدنيا، ولأنه صار كالعَلَم من حيث إنه لا يوصف به غيره، لأن معناه المنعم الحقيقي البالغُ في الرحمة غايتَها، وذلك لا يصدُق على غيره تعالى. انظر البيضاوي. وسيأتي الكلام عليهما في المعنى.

و { مَلِكَ } نِعت لما قبله، قراءةُ الجماعة بغير ألف من (المُلك) بالضم، وقرأ عاصم والكسائي بالألف، من (المِلك) بالكسر، والتقدير على هذا: مالك مجيء يوم الدين، أو مالك الأمر يوم الدين. وقراءةُ الجماعة أرجح، لثلاثة أوجه: الأول: أن الملك أعظم من مالك، إذ قد يوصف كل أحد بالمالك لماله، وأما المَلِكُ فهو سيد الناس، والثاني: قوله:

{ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ } [الأنعَام6: 73]،

والثالث: أنها لا تقتضي حذفاً، والحدف خلاف الأصل.


و { يوم الدين } ظرف مضاف إلى ما قبله على طريق الاتساع، وأُجري الظرف مجرى المفعول به، والمعنى على الظرفية، أي: الملك في يوم الدين، أو ملك الأمر يوم الدين، فيكون فيه حذف. وقد رُويت القراءتان - أي: القصر والمد - عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وقد قرئ { ملك } بوجوه كثيرة تركنا ذكرها لشذوذها.
-2-

فإن قيل: ملك ومالك نكرة؛ لأن إضافة اسم الفاعل لا تُخصص، وكيف يُنعت به { الرحمان الرحيم } وهما معرفتان؟ قلت: إنما تكون إضافةُ اسم الفاعل لا تخصص إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال؛ لأنها حينئذٍ غيرُ مَحْضَةٍ، وأما هذا فهو مستمر دائماً، فإضافته محضة. قاله ابن جُزَيّ.

يقول الحقّ جلّ جلاله مُعلَّماً لعباده كيف يُثْنُونَ عليه ويعظمونه ثم يسألونه: يا عبادي قولوا { الحمد لله رب العالمين } أي: الثناء الجميل إنما يستحقه العظيم الجليل، فلا يستحق الحمدَ سواه، إذ لا منعم علىالحقيقة إلا الله،

{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [النّحل16: 53].

أو جميعُ المحامدِ كلُّها لله، أو الحمدُ المعهودُ في الأذهان هو حمدُ الله تعالى نفسَه في أزله، قبل أن يُوجِدَ خلقّه، فلما أوجد خلقه قال لهم: الحمد لله، أي: احْمَدُوني بذلك المعهود في الأزل.


وإنما استحق الحمد وحده لأنه { ربّ العالمين } ، وكأن سائلاً سأله: لم اختصصت بالحمد؟ فقال: لأني ربُّ العالمين، أنا أوجدتُهم برحمتي، وأمددتهم بنعمتي، فلا منعم غيري، فاستحققت الحمد وحدي، مِنِّي كان الإيجاد وعليَّ توالي الإِمْدَاد، فأنا ربُّ العباد، فالعوالم كلها - على تعدد أجناسها واختلاف أنواعها - في قبضتي وتحت تربيتي ورعايتي.

قال بعضهم: خلق الله ثمانيةَ عَشرَ ألف عالَم، نصفها في البر ونصفها في البحر. وقال الفخرُ الرازي: رُوِيَ أن بني آدم عُشْرُ الجن، وبنو آدم والجنُ عُشْرُ حيوانات البر، وهؤلاء كلُّهم عشر الطيور، وهؤلاء كلهم عشر حيوانات البحار، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة الأرض الموكلين ببني آدم، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة سماء الدنيا، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة السماء الثانية، ثم على هذا الترتيب إلى ملائكة السماء السابعة، ثم الكلُّ في مقابلة الكرسي نَزْرٌ قليل، ثم هؤلاء عشر ملائكة السُّرَادِق الواحد من سُرادقات العرش، التي عددُها: مائةُ ألف، طول كل سرادق وعرضُه - إذا قُوبلتْ به السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما - يكون شيئاً يسيراً ونَزْراً قليلاً. وما من موضع شِبْرٍ، إلا وفيه مَلَكٌ ساجد أو راكع أو قائم، وله زَجَل بالتسبيح والتهليل. ثم هؤلاء كلهم في مقابلة الذين يَجُولُون حول العرش كالقطرة في البحر، ولا يَعلم عددّهم إلا الله تعالى:

{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [المدَّثِّر: 31]. هـ.


وقال وَهْبُ بن مُنّبِّه: (قائمُ العرش ثلاثُمائةٍ وست وستون قائمة، وبين كل قائمة وقائمة ستون ألف صحراء، وفي كل صحراء ستون ألف عالم، وكل عالم قَدْرُ الثقلين).

فهذه العوالم كلها في قبضة الحق وتحت تربيته وحفظه، يوصل المدد إلى كل واحد وهو في مستقرِّه ومستودعه، إما إلى روحانيته من قوة العلوم والمعارف، وإما إلى بشريته من قوة الأشباح، من العرش إلى الفرش، كلها مقدَّرة أرزاقها محصورة آجالُها، محفوظة أشباحُها، معلومات أماكنها، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.

-3-
ثم هذه التربية التي ربى سبحانه بها خلقه إنما هي رحمة منه وإحسان، لا لزوم عليه وإيجاب، ولذلك وصلَه بقوله: { الرحمن الرحيم } ، أي: الرحمن بنعمة الإيجاد، الرحيم بنعمة الإمداد. " نعمتان ما خلا موجود عنهما، ولا بد لكل مُكَوَّنَ منهما: نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، أنعم أولاً بالإيجاد، وثنى بتوالي الإمداد ". كما في (الحِكَم). فاسمُه { الرحمن } يقتضي إيجادَ الأشياء وإبرازها، واسمه { الرحيم } يقتضي تربيتَها وإمدادها. ولذلك لا يجوز إطلاق اسم { الرحمان } على أحد، ولم يَتَسَمَّ أحد به؛ إذ الإيجاد لا يصح من غيره تعالى، بخلاف اسمه { الرحيم } فيجوز إطلاقه على غيره تعالى؛ لمشاركة صدور الإمداد في الظاهر من بعض المخلوقات مجازاً وعاريةً.

أو: الرحمن في الدنيا والآخرة، والرحيم في الآخرة: لأن رحمة الآخرة خاصة بالمؤمنين. أو الرحمن بجلائل النعم والرحيم بدقائقها، فجلائل النعم مثل: نعمة الإسلام والإيمان والإحسان، والمعرفة والهداية، وكشف الحجاب وفتح الباب والدخول مع الأحباب، ودقائقُ النعم مثل: الصحة والعافية والمال الحلال، وغير ذلك مما يأتي ذكره في المُنْعَم عليهم.

ثم من تحقق منه الإيجادُ والإمداد استحق أن يكون ملكاً لجميع العباد، ولذلك ذكرَهِ بِأَثَره فقال: { ملك يوم الدين } أي: المتصرف في عباده كيف شاء، لا رادّ لما قضى ولا مانع لما أعطى، فهو ملكُ الملوك رب الأرباب في هذه الدار وفي تلك الدار..

وإنما خصّ يوم الدين - وهو يوم الجزاء - بالملكية؛ لأن ذلك اليوم يظهرُ فيه المُلْكُ لله عيَاناً لجميع الخلق، فإن الله تعالى يتجلّى لفصل عباده، حتى يراه المؤمنون عياناً، بخلاف الدنيا فإن تصرفه تعالى لا يفهمه إلا الكَمَلَةُ من المؤمنين، ولذلك ادَّعى كثير من الجهلة الملكَ ونسبوه لأنفسهم. ويوم القيامة ينفرد الملك لله عند الخاص والعام، قال تعالى:

{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غَافر40: 16].


الإشارة: لما تلجَّى الحق سبحانه من عالَم الجبروت إلى عالم الملكوت، أو تقول: من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، حمد نفسه بنفسه، ومجَّد نفسه بنفسه، ووحَّد نفسه بنفسه، ولله دَرُّ الهَرَوِيّ، حيث قال:


ما وَحَّدَ الواحِدَ مِنْ واحِدِإذ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ
توحيدُ مَنْ ينطقُ عن نَعْتِهِعاريةُ أَبْطَلَهَا الواحِدُ
توحيدُه إياه توحيدُهونعتُ من يَنْعَتُه لاَحِدُ


فقال في توحيد نفسه بنفسه مترجماً عن نفسه بنفسه: { الحمد لله رب العالمين } ، فكأنه يقول في عنوان كتابه وسر خطابه: أنا الحامد والمحمود، وأنا القائم بكل موجود، أنا رب الأرباب، وأنا مسبب الأسباب لمن فهم الخطاب، أنا رب العالمين، أنا قيوم السموات والأرَضين، بل أنا المتوحِّدُ في وجودي، والمتجلِّي لعبادي بكرمي وجودي، فالعوالم كلها ثابتة بإثباتي، مَمْحُوَّةٌ بأحدية ذاتي.

قال رجل بين يدي الجنيد: { الحمد لله } ولم يقل: { رب العالمين } ، فقال له الجنيد: كَمِّلْهَا يا أخي، فقال الرجل: وأيّ قَدْر للعالمين حتى تُذكر معه؟! فقال الجنيد: قُلها يا أخي؛ فإن الحادث إذا قُرن بالقديم تلاشى الحادُ وبقي القديم.
-4-
يقول سبحانه: " يا مَن هو مني قريب، تَدبر سِرِّي فإنه غريب أنا المحبُ، وأنا الحبيب، وأنا القريب، وأنا المجيب، أنا الرحيم الرحمن، وأنا الملك الديّان، أنا الرحمن بنعمة الإيجاد، والرحيمُ بتوالي الإمداد. منِّي كان الإيجاد، وعليَّ دوام الإمداد، وأنا رب العباد، أنا الملك الديَّان، وأنا المجازي بالإحسان على الإحسان، أنا الملك على الإطلاق، لولا جهالة أهل العناد والشقاق، الأمر لنا على الدوام، لمن فهم عنا من الأنام ".

قال في الرسائل الكبرى: لا عبرة بظواهر الأشياء، وإنما العبرة بالسر المكنون، وليس ذلك إلا بظهور أمر الحق وارتفاع غَطَائه وزوال أستاره وخفائه، فإذا تحقق ذلك التجلّي والظهور، واستولى على الأشياء الفناءُ والدُّثُور، وانقشعت الظلمات بإشراق النور، فهناك يبدو عينُ ويَحِقُّ الحق المبين، وعند ذلك تبطل دعوى المدعين، كما يفهم العامة بطلان ذلك في يوم الدين، حين يكون الملك لله رب العالمين، وليت شعري أيُّ وقت كان الملكُ لسواه حتى يقع التقييد بقوله:

{ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الحَجّ22: 56]، وقوله:
{ وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفِطار83: 19]؟!

لولا الدعاوَى العريضة من القلوب المريضة. هـ.


-5-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #49  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق 1-2

الاعراب ـ اجمع القراء على ضم الدال من الحمد وكسر اللام الاولى من لله وكان يجوز أن يفتح الدال مع كسر اللام ويكسر الدال واللام لكن لم يقرأ به إلا أهل البوادي. ومن نصب فعلى المصدر. ومن كسرهما اتبع كسرة الدال كسرة اللام ومن ضمهما اتبع ضم الدال بضمة اللام.

ونصب الدال لغة في قريش والحارث بن اسامة بن لؤي. وكسرها لغة في تمميم وغطفان. وضمها لغة في ربيعة توهموا انه حرف واحد مثل الحلم. وقوله: لله مخفوض بالاضافة ورب العالمين مخفوض لانه نعت ويجوز نصبه على الحال والنداء وما قرىء به. والعالمين مخفوض بالاضافة ونونها مفتوحة لانها نون الجمع فرقاً بينها وبين نون التثنية. وبعض قيس يحذف الالف التي قبل الهاء ويخلس الهاء ويشددها ويقصرها. انشد بعضهم:

ألا لا بارك الله في سهيلاذا ما بارك الله في الرجال


اختلس الاولى واشبع الثانية. ولا يقرأ بهذا.

ومعنى الحمد لله الشكر لله خالصاً دون سائر ما يعبد بما أنعم على عباده من ضروب النعم الدينية والدنياوية وقال بعضهم: الحمد لله ثناء عليه باسمائه وصفاته وقوله الشكر لله ثناء على نعمه وأياديه؛ والأول أصح في اللغة، لأن الحمد والشكر يوضع كل واحد منهما موضع صاحبه. ويقال أيضاً: الحمد الله شكراً فنصب شكراً على المصدر، ولو لم يكن في معناه لما نصبه، ودخول الألف واللام فيه لفائدة الاستيعاب، فكانه قال جميع الحمد لله، لأن التالي مخبر بذلك، ولو نصبه فقال حمداً لله أفاد أن القائل هو الحامد فحسب وليس ذلك المراد، ولذلك اجتمعت القراء على ضم الدال على ما بيناه، والتقدير: قوله الحمد لله. واذا كان الحمد هو الشكر، والشكر هو الاعتراف بالنعمة على ضرب من التعظيم فالمدح ليس من الشكر في شيء وانما هو القول المنبىء عن عظم حال الممدوح مع القصد اليه.

وأما الرب فله معان في اللغة: فيسمى السيد المطاع رباً، قال لبيد بن ربيعة:

فاهلكن يوماً رب كندة وابنهورب معد بين خبت وعرعر


يعني سيد كندة. ومنه قوله تعالى: { أما أحدكما فيسقي ربه خمراً } يعني سيده ويسمى الرجل المصلح رباً. قال الفرزدق بن غالب:

كانوا كسالئة حمقاء اذ حقنتسلائها في اديم غير مربوب


يعني غير مصلح ومنه قيل فلان رب ضيعة اذا كان يحاول اتمامها. والربانيون من هذا من حيث كانوا مدبرين لهم. واشتق رب من التربية يقال ربيته وربيته بمعنى واحد والربىّ الشاة ولدت حديثاً لأنها تربى. وقوله { رب العالمين } أي المالك لتدبيرهم. والمالك للشيء يسمى ربه ولا يطلق هذا الاسم إلا على الله، وأما في غيره فبقيد فيقال: رب الدار ورب الضيعة.
-1-
وقيل انه مشتق من التربية ومنه قوله تعالى: { وربائبكم اللاتي في حجوركم } ومتى قيل في الله انه رب بمعنى انه سيد فهو من صفات ذاته. واذا قيل بمعنى انه مدبر مصلح فهو من صفات الأفعال

والعالمين جمع عالم وعالم لا واحد له من لفظه كالرهط والجيش وغير ذلك، والعالم في عرف اللغة عبارة عن الجماعة من العقلاء لأنهم يقولون جاءني عالم من الناس ولا يقولون جاءني عالم من البقر وفي عرف الناس عبارة عن جميع المخلوقات وقيل انه ايضاً اسم لكل صنف من الأصناف وأهل كل زمن من كل صنف يسمى عاماً ولذلك جمع. وقيل عالمون لعالم كل زمان. قال العجاج:

فخندف هامة هذا العالم

وهذا قول اكثر المفسرين كابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم. واشتقاقه من العلامة لأنه علامة ودلالة على الصانع تعالى. وقيل انه من العلم ـ على ما روى ابن عباس ـ قال هم صنف من الملائكة والانس والجن لأنه يصح ان يكون كل صنف منهم عالماً. فان قيل كيف يجوز ان يقول الحمد لله والقائل هو الله تعالى وان كان يجب ان يقول الحمد لنا. قيل العالي الرتبة اذا خاطب من دونه لا يقول كما يقول للنظير. ألا ترى ان السيد يقول لعبده الواجب ان تطيع سيدك ولا تعصيه، وكذلك يقول الأب لابنه يلزمك أن تبر أباك والمنة لأبيك. والخلفاء يكتبون عن انفسهم إن أمير المؤمنين رأى كيت وكيت ليقع ذلك موقع اجلال واكرام واعظام. على انا قد بينا ان المراد بذلك: قولوا الحمد لله، وحذف لدلالة الكلام عليه.
-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #50  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق 1-10

تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق 1-10


(بيـان)

قوله تعالى: { بسم الله الرحمن الرحيم } الناس ربما يعملون عملاً أو يبتدؤون في عمل ويقرنونه باسم عزيز من أعزتهم أو كبير من كبرائهم، ليكون عملهم ذاك مباركاً بذلك متشرفاً، أو ليكون ذكرى يذكرهم به، ومثل ذلك موجود أيضاً في باب التسمية، فربما يسمون المولود الجديد من الإِنسان، أو شيئاً مما صنعوه أو عملوه كدار بنوها أو مؤسسة أسسوها باسم من يحبونه أو يعظمونه، ليبقى الاسم ببقاء المسمى الجديد، ويبقى المسمى الأول نوع بقاء ببقاء الاسم كمن يسمي ولده باسم والده ليحيي بذلك ذكره فلا يزول ولا ينسى.

وقد جرى كلامه تعالى هذا المجرى، فابتدأ الكلام باسمه عز إسمه، ليكون ما، يتضمنه من المعنى معلماً باسمه مرتبطاً به، وليكون أدباً يؤدب به العباد في الأعمال والأفعال والأقوال، فيبتدؤوا باسمه ويعملوا به، فيكون ما يعملونه معلماً باسمه منعوتاً بنعته تعالى مقصوداً لأجله سبحانه فلا يكون العمل هالكاً باطلاً مبتراً، لأنه باسم الله الذي لا سبيل للهلاك والبطلان إليه.

وذلك أن الله سبحانه يبيّن في مواضع من كلامه: أن ما ليس لوجهه الكريم هالك باطل، وأنه: سيقدم إلى كل عمل عملوه مما ليس لوجهه الكريم، فيجعله هباءً منثوراً، ويحبط ما صنعوا ويبطل ما كانوا يعملون، وانه لا بقاء لشيء إلاَّ وجهه الكريم فما عمل لوجهه الكريم وصنع باسمه هو الذي يبقى ولا يفنى، وكل أمر من الأمور إنما نصيبه من البقاء بقدر ما لله فيه نصيب، وهذا هو الذي يفيده ما رواه الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر الحديث " والأبتر هو المنقطع الآخر، فالأنسب أن متعلق الباء في البسملة ابتدئ بالمعنى الذي ذكرناه فقد ابتدأ بها الكلام بما أنه فعل من الأفعال، فلا محالة له وحدة، ووحدة الكلام بوحدة مدلوله ومعناه، فلا محالة له معنى ذا وحدة، وهو المعنى المقصود إفهامه من إلقاء الكلام، والغرض المحصّل منه.

وقد ذكر الله سبحانه الغرض المحصل من كلامه الذي هو جملة القرآن إذ قال تعالى:

{ قَد جَاءَكُم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ } [المائدة5: 15-16] الآية.

إلى غير ذلك من الآيات التي أفاد فيها: أن الغاية من كتابه وكلامه هداية العباد، فالهداية جملة هي المبتدئة باسم الله الرَّحمن الرَّحيم، فهو الله الذي إليه مرجع العباد، وهو الرَّحمن يبيَّن لعباده سبيل رحمته العامة للمؤمن والكافر، مما فيه خيرهم في وجودهم وحياتهم، وهو الرحيم يبيّن لهم سبيل رحمته الخاصة بالمؤمنين وهو سعادة آخرتهم ولقاء ربهم وقد قال تعالى:

-1-

{ وَرَحْمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [الأعراف7: 156]

فهذا بالنسبة إلى جملة القرآن.

ثم إنه سبحانه كرّر ذكر السورة في كلامه كثيراً كقوله تعالى:

{ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ } [يونس10: 38] وقوله:
{ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } [هود11: 13] وقوله تعالى:
{ وَإِذَا أُنزِلَت سُورَةٌ } [التوبة9: 86] وقوله:
{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } [النور24: 1]

فبان لنا من ذلك: أن لكل طائفة من هذه الطوائف من كلامه (التي فصَّلها قطعاً قطعاً، وسمى كل قطعة سورة) نوعاً من وحدة التأليف والتمام، لا يوجد بين أبعاض من سورة ولا بين سورة وسورة، ومن هنا نعلم: أن الأغراض والمقاصد المحصلة من السور مختلفة، وأن كل واحدة منها مسوقة لبيان معنى خاص ولغرض محصل لا تتم السورة إلاَّ بتمامه، وعلى هذا فالبسملة في مبتدأ كل سورة راجعة إلى الغرض الخاص من تلك السورة.


فالبسملة في سورة الحمد راجعة إلى غرض السورة والمعنى المحصل منه، والغرض الذي يدل عليه سرد الكلام في هذه السورة هو حمد الله بإظهار العبودية له سبحانه بالإِفصاح عن العبادة والاستعانة وسؤال الهداية، فهو كلام يتكلم به الله سبحانه نيابة عن العبد، ليكون متأدباً في مقام إظهار العبودية بما أدبه الله به.

وإظهار العبودية من العبد هو العمل الذي يتلبس به العبد، والأمر ذو البال الذي يقدم عليه، فالابتداء باسم الله سبحانه الرَّحمن الرَّحيم راجع إليه، فالمعنى باسمك أظهر لك العبودية.

فمتعلق الباء في بسملة الحمد الابتداء ويراد به تتميم الإِخلاص في مقام العبودية بالتخاطب. وربما يقال انه الاستعانة ولا بأس به ولكن الابتداء انسب لاشتمال السورة على الاستعانة صريحاً في قوله تعالى: { وإيّاك نستعين }.

وأما الاسم، فهو اللفظ الدال على المسمى مشتق من السمة بمعنى العلامة أو من السمو بمعنى الرفعة وكيف كان فالذي يعرفه منه اللغة والعرف هو اللفظ الدال ويستلزم ذلك، أن يكون غير المسمى، وأما الاسم بمعنى الذات مأخوذاً بوصف من أوصافه فهو من الأعيان لا من الألفاظ وهو مسمى الاسم بالمعنى الأول كما أن لفظ العالم (من أسماء الله تعالى) اسم يدل على مسماه وهو الذات مأخوذة بوصف العلم وهو بعينه اسم بالنسبة إلى الذات الذي لا خبر عنه إلاَّ بوصف من أوصافه ونعت من نعوته والسبب في ذلك أنهم وجدوا لفظ الاسم موضوعاً للدال على المسمى من الألفاظ، ثم وجدوا أن الأوصاف المأخوذة على وجه تحكي عن الذات وتدل عليه حال اللفظ المسمى بالاسم في أنها تدل على ذوات خارجية، فسموا هذه الأوصاف الدالة على الذوات أيضاً أسماء فانتج ذلك أن الاسم كما يكون أمراً لفظياً كذلك يكون أمراً عينياً، ثم وجدوا أن الدال على الذات القريب منه هو الاسم بالمعنى الثاني المأخوذ بالتحليل، وأن الاسم بالمعنى الأول إنما يدل على الذات بواسطته، ولذلك سموا الذي بالمعنى الثاني اسماً، والذي بالمعنى الأول اسم الاسم، ولكن هذا كله أمر أدى إليه التحليل النظري ولا ينبغي أن يحمل على اللغة، فالاسم بحسب اللغة ما ذكرناه.

-2-

وقد شاع النزاع بين المتكلمين في الصدر الأول من الإِسلام في أن الاسم عين المسمى أو غيره وطالت المشاجرات فيه، ولكن هذا النوع من المسائل قد اتضحت اليوم اتضاحاً يبلغ إلى حد الضرورة ولا يجوز الاشتغال بها بذكر ما قيل وما يقال فيها والعناية بإبطال ما هو الباطل وإحقاق ما هو الحق فيها، فالصفح عن ذلك أولى.

وأما لفظ الجلالة، فالله أصله الإِله، حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، وإله من أله الرجل يأله بمعني عبد، أو من اله الرجل أو وله الرجل أي تحيّر، فهو فعال بكسر الفاء بمعنى المفعول ككتاب بمعنى المكتوب سمي إلهاً لأنه معبود أو لأنه مما تحيرت في ذاته العقول، والظاهر أنه علم بالغلبة، وقد كان مستعملاً دائراً في الألسن قبل نزول القرآن يعرفه العرف الجاهلي كما يشعر به قوله تعالى:

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَن خَلَقَهُم لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [الزخرف43: 87]، وقوله تعالى:
{ فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِم وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا } [الأنعام6: 136].

ومما يدل على كونه علماً أنه يوصف بجميع الأسماء الحُسنى وسائر أفعاله المأخوذة من تلك الأسماء من غير عكس، فيُقال: الله الرَّحمن الرَّحيم ويقال: رحم الله وعَلم الله، ورزق الله، ولا يقع لفظ الجلالة صفة لشيء منها ولا يؤخذ منه ما يوصف به شيء منها.


ولما كان وجوده سبحانه، وهو إله كل شيء يهدي إلى اتصافه بجميع الصفات الكمالية كانت الجميع مدلولاً عليها بالالتزام به، وصحَّ ما قيل إن لفظ الجلالة اسم للذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال وإلاَّ فهو علم بالغلبة لم تعمل فيه عناية غير ما يدل عليه مادة إله.

واما الوصفان: الرَّحمن الرَّحيم، فهما من الرحمة، وهي وصف انفعالي وتأثر خاص يلم بالقلب عند مشاهدة من يفقد أو يحتاج إلى ما يتم به أمره فيبعث الإِنسان إلى تتميم نقصه ورفع حاجته، إلاَّ أن هذا المعنى يرجع بحسب التحليل إلى الإِعطاء والإِفاضة لرفع الحاجة وبهذا المعنى يُتصف سبحانه بالرحمة.

والرَّحمن، فعلان صيغة مبالغة تدل على الكثرة، والرحيم فعيل صفة مشبّهة تدل على الثبات والبقاء ولذلك ناسب الرَّحمن أن يدل على الرحمة الكثيرة المفاضة على المؤمن والكافر وهو الرحمة العامة، وعلى هذا المعنى يستعمل كثيراً في القرآن، قال تعالى:

{ الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه20: 5]. وقال
{ قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُد لَهُ الرَّحْمَـنُ مَدّاً } [مريم19: 75].

إلى غير ذلك، ولذلك أيضاً ناسب الرحيم أن يدل على النِعمَةِ الدائمة والرَّحمة الثَّابتَة الباقية التي تقاض على المؤمن كما قال تعالى:

{ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب33: 43]. وقال تعالى:
{ إِنَّهُ بِهِم رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة9: 117].

إلى غير ذلك، ولذلك قيل: إن الرَّحمن عامّ للمؤمن والكافر والرحيم خاص بالمؤمن.

-3-

وقوله تعالى: { الحمد لله } ، الحمد على ما قيل: هو الثناء على الجميل الاختياري والمدح أعم منه، يقال: حمدتُ فلاناً أو مدحته لكرمه، ويقال: مدحت اللؤلؤ علي صفائه ولا يقال: حمدته على صفائه، واللام فيه للجنس أو الاستغراق والمآل ها هُنا واحد.

وذلك أن الله سبحانه يقول:

{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُم خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [غافر40: 62].

فأفاد أن كل ما هو شيء فهو مخلوق لله سبحانه، وقال:

{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة32: 7].

فأثبت الحسن لكل شيء مخلوق من جهة أنه مخلوق له منسوب إليه، فالحسن يدور مدار الخلق وبالعكس، فلا خلق إلاَّ وهو حسن جميل بإحسانه ولا حسن إلا وهو مخلوق له منسوب إليه، وقد قال تعالى:

{ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [الزمر39: 4]. وقال:
{ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ } [طه20: 111].

فأنبأ انه لم يخلق ما خلق بقهر قاهر ولا يفعل ما فعل بإجبار من مجبر بل خلقه عن علم واختيار فما من شيء إلاَّ وهو فعل جميل اختياري له فهذا من جهة الفعل، وأما من جهة الاسم فقد قال تعالى:

{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [طه20: 8]. وقال تعالى:
{ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } [الأعراف7: 180].

فهو تعالى جميل في أسمائه وجميل في أفعاله، وكل جميل منه.


فقد بان أنه تعالى محمود على جميل أسمائه ومحمود على جميل أفعاله، وأنه ما من حمد يحمده حامد لأمر محمود إلاَّ كان لله سبحانه حقيقه لأن الجميل الذي يتعلق به الحمد منه سبحانه، فللَّه سبحانه جنس الحمد وله سبحانه كل حمد.

ثم أن الظاهر من السياق وبقرينة الالتفات الذي في قوله: { إِيَّاك نعبدُ } الآية إن السورة من كلام العبد، وانه سبحانه في هذه السورة يلقّن عبده حمد نفسه وما ينبغي ان يتأدب به العبد عند نصب نفسه في مقام العبودية، وهو الذي يؤيده قوله: { الحمد لله }.

وذلك أن الحمد توصيف، وقد نزه سبحانه نفسه عن وصف الواصفين من عباده حيث قال:

{ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ *إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ } [الصافات37: 159-160].

والكلام مطلق غير مقيّد، ولم يرد في كلامه تعالى ما يؤذن بحكاية الحمد عن غيره إلاَّ ما حكاه عن عدة من أنبيائه المخلصين، قال تعالى في خطابه لنوح عليه السلام

{ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [المؤمنون23: 28].

وقال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام:

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } [إبراهيم14: 39].

وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بضعة مواضع من كلامه:

{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ } [الإسراء17: 111].

وقال تعالى حكاية عن داود وسليمان عليهما السلام


-4-

{ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ } [النمل27: 15].

وإلاَّ ما حكاه عن أهل الجنة وهم المطهَّرون من غل الصدور ولغو القول والتأثيم كقوله:

{ وَءَاخِرُ دَعْوَاهُم أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [يونس10: 10].

وأما غير هذه الموارد فهو تعالى وإن حكى الحمد عن كثير من خلقه بل عن جميعهم، كقوله تعالى:

{ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم } [الشورى42: 5]. وقوله
{ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } [الرعد15: 13]. وقوله
{ وَإِن مِن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإسراء17: 44].

إلاَّ أنه سبحانه شفع الحمد في جميعها بالتسبيح بل جعل التسبيح هو الأصل في الحكاية وجعل الحمد معه، وذلك أن غيره تعالى لا يحيط بجمال أفعاله وكمالها كما لا يحيطون بجمال صفاته وأسمائه التي منها جمال الأفعال، قال تعالى:

{ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [طه20: 110].

فما وصفوه به فقد أحاطوا به وصار محدوداً بحدودهم مقدّراً بقدر نيلهم منه، فلا يستقيم ما أثنوا به من ثناء إلاَّ من بعد أن ينزهوه ويسبّحوه عن ما حدوه وقدروه بإفهامهم، قال تعالى:

{ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُم لَا تَعْلَمُونَ } [النحل16: 74]،

وأما المخلصون من عباده تعالى فقد جعل حمدهم حمده ووصفهم وصفه حيث جعلهم مخلصين له، فقد بان أن الذي يقتضيه أدب العبودية أن يحمد العبد ربه بما حمد به نفسه ولا يتعدى عنه، كما في الحديث الذي رواه الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " الحديث فقوله في أول هذه السورة: { الحمد لله } ، تأديب بأدب عبودي، ما كان للعبد ان يقوله لو لا ان الله تعالى قاله نيابة وتعليما لما ينبغي الثناء به.


وقوله تعالى: { رب العالمين الرَّحمن الرَّحيم مالك يوم الدين } (وقرأ الأكثر ملك يوم الدين) فالرب هو المالك الذي يدبّر أمر مملوكه، ففيه معنى الملك، ومعنى الملك (الذي عندنا في ظرف الاجتماع) هو نوع خاص من الاختصاص وهو نوع قيام شيء بشيء يوجب صحة التصرفات فيه، فقولنا العين الفلانية ملكنا معناه: أن لها نوعاً من القيام والاختصاص بنا يصح معه تصرفاتنا فيها ولولا ذلك لم تصح تلك التصرفات وهذا في الاجتماع معنى وضعيّ اعتباريّ غير حقيقي وهو مأخوذ من معنى آخر حقيقي نسميه أيضاً ملكاً، وهو نحو قيام أجزاء وجودنا وقوانا بنا فإن لنا بصراً وسمعاً ويداً ورجلاً، ومعنى هذا الملك أنها في وجودها قائمة بوجودنا غير مستقلة دوننا بل مستقلة باستقلالنا ولنا أن نتصرف فيها كيف شئنا وهذا هو الملك الحقيقي.

والذي يمكن انتسابه إليه تعالى بحسب الحقيقة هو حقيقة الملك دون الملك الاعتباري الذى يبطل ببطلان الاعتبار والوضع، ومن المعلوم أن الملك الحقيقي لا ينفك عن التدبير فإن الشيء إذا افتقر في وجوده إلى شيء فلم يستقل عنه في وجوده لم يستقل عنه في آثار وجوده، فهو تعالى رب لما سواه لأن الربّ هو المالك المدبّر وهو تعالى كذلك.

-5-

وأما { العالمين }: فهو جمع العالم بفتح اللام بمعنى ما يعلم به كالقالب والخاتم والطابع بمعنى ما يقلب به وما يختم به وما يطبع به يطلق على جميع الموجودات وعلى كل نوع مؤلف الأفراد والأجزاء منها كعالم الجماد وعالم النبات وعالم الحيوان وعالم الإِنسان وعلى كل صنف مجتمع الأفراد أيضاً كعالم العرب وعالم العجم وهذا المعنى هو الأنسب لما يؤول إليه عدّ هذه الأسماء الحسنى حتى ينتهي إلى قوله { مالك يوم الدين } على أن يكون الدين وهو الجزاء يوم القيمة مختصاً بالإِنسان أو الإِنس والجن فيكون المراد بالعالمين عوالم الإِنس والجن وجماعاتهم ويؤيده ورود هذا اللفظ بهذه العناية في القرآن كقوله تعالى

{ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ } [آل عمران3: 42]. وقوله تعالى:
{ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان25: 1]. وقوله تعالى:
{ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِن أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } [الأعراف7: 80].

وأما { مالك يوم الدين }: فقد عرفت معنى المالك وهو المأخوذ من الملك بكسر الميم، وأما الملك وهو مأخوذ من الملك بضم الميم، فهو الذي يملك النظام القومي وتدبيرهم دون العين، وبعبارة أخرى يملك الأمر والحكم فيهم.


وقد ذكر لكل من القراءتين، ملك ومالك، وجوه من التأييد غير أن المعنيين من السلطنة ثابتان في حقه تعالى، والذي تعرفه اللغة والعرف أن الملك بضم الميم هو المنسوب إلى الزمان يقال: مَلِكُ العصر الفلاني، ولا يقال مالك العصر الفلاني إلاَّ بعناية بعيدة، وقد قال تعالى: { ملك يوم الدين } فنسبه إلى اليوم، وقال أيضاً:

{ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [غافر40: 16].

(بحث روائي)


في العيون والمعاني عن الرضا عليه السلام في معنى قوله: { بسم الله } قال عليه السلام: يعني اسمُ نفسي بسمة من سمات الله وهي العبادة، قيل له: ما السمة؟ قال العلامة.

أقول: وهذا المعنى كالمتولد من المعنى الذي أشرنا إليه في كون الباء للابتداء فإن العبد إذا وسم عبادته باسم الله لزم ذلك أن يسم نفسه التي ينسب العبادة إليها بسمة من سماته.

وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام وفي العيون وتفسير العياشي عن الرضا عليه السلام: أنها أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها.

أقول: وسيجيء معنى الرواية في الكلام على الاسم الأعظم.

وفي العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنها من الفاتحة وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرؤها ويعدّها آية منها، ويقول فاتحة الكتاب هي السبع المثاني.

أقول: وروي من طرق أهل السنة والجماعة نظير هذا المعنى، فعن الدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، فإنها أُمّ القرآن والسبع المثاني، وبسم الله الرَّحمن الرَّحيم إحدى آياتها "


-6-

وفي الخصال عن الصادق عليه السلام قال: ما لهم؟ قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها.

وعن الباقر عليه السلام: سرقوا أكرم آية في كتاب الله؛ بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، وينبغي الإِتيان به عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير ليبارك فيه.

أقول: والروايات عن أئمة أهل البيت في هذا المعنى كثيره، وهي جميعاً تدل على أن البسملة جزء من كل سورة إلاَّ سورة البراءة، وفي روايات أهل السُنَّة والجماعة ما يدل على ذلك.

ففي صحيح مسلم عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أُنزل عليَّ آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرَّحمن الرحيم "

وعن أبي داود عن ابن عباس (وقد صححوا سندها) قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يعرف فصل السورة، (وفي رواية انقضاء السورة) حتى ينزل عليه، بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.

أقول: وروي هذا المعنى من طرق الخاصة عن الباقر عليه السلام.

وفي الكافي والتوحيد والمعاني وتفسير العياشي عن الصادق عليه السلام في حديث: والله إله كل شيء، الرَّحمن بجميع خلقه، الرحيم بالمؤمنين خاصة.

وروي عن الصادق عليه السلام: الرَّحمن اسم خاص بصفة عامة والرَّحيم اسم عام بصفة خاصة.

أقول: قد ظهر مما مرّ وجه عموم الرَّحمن للمؤمن والكافر واختصاص الرَّحيم بالمؤمن، وأما كون الرَّحمن اسماً خاصاً بصفة عامة والرَّحيم اسماً عاماً بصفة خاصة فكأنه يريد به أن الرَّحمن خاص بالدنيا ويعم الكافر والمؤمن والرَّحيم عام للدنيا والآخرة ويخص المؤمنين، وبعبارة أُخرى: الرَّحمن يختص بالإِفاضة التكوينية التي يعم المؤمن والكافر، والرَّحيم يعم التكوين والتشريع الذي بابه باب الهداية والسعادة، ويختص بالمؤمنين لأن الثبات والبقاء يختص بالنعم التي تفاض عليهم والعاقبة للتقوي.

وفي كشف الغمة عن الصادق عليه السلام قال: فُقِد لأبي عليه السلام بغلة فقال: لئن ردها الله عليَّ لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتى بها بسرجها ولجامها - فلما استوى وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء وقال: الحمد لله ولم يزد، ثم قال: ما تركت ولا أبقيت شيئاً جعلت أنواع المحامد لله عز وجل، فما من حمد إلاَّ وهو داخل فيها.

قلت: وفي العيون عن علي عليه السلام: أنه سُئِلَ عن تفسيرها، فقال: هو ان الله عرَّف عباده بعض نعمه عليهم جملاً إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف، فقال: قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا.

أقول: يشير عليه السلام إلى ما مرّ من أن الحمد، من العبد وإنما ذكره الله بالنيابة تأديباً وتعليماً.


-7-

(بحث فلسفي)

البراهين العقلية ناهضة على أن استقلال المعلول وكل شأن من شؤونه إنما هو بالعلة، وان كل ما له من كمال فهو من إظلال وجود علته، فلو كان للحسن والجمال حقيقة في الوجود فكماله واستقلاله للواجب تعالى لأنه العلة التي ينتهي إليه جميع العلل، والثناء والحمد هو إظهار موجود ما بوجوده كمال موجود آخر وهو لا محالة علته، وإذا كان كل كمال ينتهي إليه تعالى فحقيقة كل ثناء وحمد تعود وتنتهى إليه تعالى، فالحمد لله رب العالمين.

قوله تعالى: { إِيَّاك نعبدُ وإيَّاك نستعين } الآية، العبد هو المملوك من الإِنسان أو من كل ذي شعور بتجريد المعنى كما يعطيه قوله تعالى:


{ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا ءَاتِي الرَّحْمَـنِ عَبْداً } [مريم19: 93].

والعبادة مأخوذة منه وربما تفرقت اشتقاقاتها أو المعاني المستعملة هي فيها لاختلاف الموارد، وما ذكره الجوهري في الصحاح أن أصل العبودية الخضوع فهو من باب الأخذ بلازم المعنى وإلاَّ فالخضوع متعد باللام والعبادة متعدية بنفسها.


وبالجملة فكأنَّ العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية لربه ولذلك كانت العبادة منافية للاستكبار وغير منافية للاشتراك، فمن الجائز أن يشترك أزيد من الواحد في ملك رقبة أو في عبادة عبد، قال تعالى:

{ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر40: 60]. وقال تعالى:
{ وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } [الكهف18: 110].

فعد الإِشراك ممكناً ولذلك نهى عنه، والنهى لا يمكن إلاَّ عن ممكن مقدور بخلاف الاستكبار عن العبادة فإنه لا يجامعها.


والعبودية إنما تستقيم بين العبيد ومواليهم فيما يملكه الموالي منهم، وأما ما لا يتعلق به الملك من شؤون وجود العبد ككونه ابن فلان أو ذا طول في قامته فلا يتعلق به عبادة ولا عبودية، لكن الله سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت فلا ملكه يشوبه ملك ممن سواه ولا أن العبد يتبعض في نسبته إليه تعالى فيكون شيء منه مملوكاً وشيء، آخر غير مملوك، ولا تصرّف من التصرفات فيه جائز وتصرف آخر غير جائز كما أن العبيد فيما بيننا شيء منهم مملوك وهو أفعالهم الاختيارية وشيء غير مملوك وهو الأوصاف الاضطرارية، وبعض التصرفات فيهم جائز كالاستفادة من فعلهم وبعضها غير جائز كقتلهم من غير جرم مثلاً، فهو تعالى مالك على الاطلاق من غير شرط ولا قيد وغيره مملوك على الاطلاق من غير شرط ولا قيد فهناك حصر من جهتين، الرب مقصور في المالكية، والعبد مقصور في العبودية، وهذه هي التي يدل عليه قوله: { إيَّاك نعبد } حيث قُدِّم المفعول واطلقت العبادة.

ثم ان الملك حيث كان متقوم الوجود بمالكه كما عرفت مما مرّ، فلا يكون حاجباً عن مالكه ولا يحجب عنه، فإنك إذا نظرت إلى دار زيد فان نظرت إليها من جهة أنها دار أمكنك أن تغفل عن زيد، وإن نظرت إليها بما أنها ملك زيد لم يمكنك الغفلة عن مالكها وهو زيد.


-8-

ولكنك عرفت أن ما سواه تعالى ليس له إلاَّ المملوكية فقط وهذه حقيقتة، فشيء منه في الحقيقة لا يحجب عنه تعالى، ولا النظر إليه يجامع الغفلة عنه تعالى، فله تعالى الحضور المطلق، قال سبحانه:

{ أَوَلَم يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُم فِي مِرْيَةٍ مِن لِقَاءِ رَبِّهِم أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } [فصلت41: 53-54].

وإذا كان كذلك فحق عبادته تعالى أن يكون عن حضور من الجانبين.


أما من جانب الرب عزّ وجل، فإن يُعبد عبادةَ معبودٍ حاضر وهو الموجب للالتفات (المأخوذ في قوله تعالى: { إيَّاك نعبد } ) عن الغيبة إلى الحضور.

وأما من جانب العبد، فأن يكون عبادته عبادة عبد حاضر من غير أن يغيب في عبادته فتكون عبادته صورة فقط من غير معنى وجسداً من غير روح، أو يتبعض فيشتغل بربه وبغيره، إما ظاهراً وباطناً كالوثنيين في عبادتهم لله ولأصنامهم معاً، أو باطناً فقط كمن يشتغل في عبادته بغيره تعالى بنحو الغايات والاغراض، كأن يعبد الله وهمّه في غيره، أو يعبد الله طمعاً في جنة أو خوفاً من نار فإن ذلك كله من الشرك في العبادة الذي ورد عنه النهي، قال تعالى:

{ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ } [الزمر39: 2]. وقال تعالى:
{ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُم إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُم فِي مَا هُم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الزمر39: 3].

فالعبادة إنما تكون عبادة حقيقة، إذا كان على خلوص من العبد وهو الحضور الذي ذكرناه، وقد ظهر أنه إنما يتم إذا لم يشتغل بغيره تعالى في عمله فيكون قد أعطاه الشركة مع الله سبحانه في عبادته ولم يتعلق قلبه في عبادته رجاءً أو خوفاً هو الغاية في عبادته كجنة أو نار فيكون عبادته له لا لوجه الله، ولم يشتغل بنفسه فيكون منافياً لمقام العبودية التي لا تلائم الإِنيّة والاستكبار، وكأن الإِتيان بلفظ المتكلم مع الغير للإِيماء إلى هذه النكتة فإن فيه هضماً للنفس بإلغاء تعينها وشخوصها وحدها المستلزم لنحو من الإِنية والاستقلال بخلاف ادخالها في الجماعة وخلطها بسواد الناس فإن فيه امحاء التعين وإعفاء الأثر فيؤمن به ذلك.


وقد ظهر من ذلك كله: أن إظهار العبودية بقوله: { إيّاك نعبدُ }؛ لا يشتمل على نقص من حيث المعنى ومن حيث الإِخلاص إلاَّ ما في قوله: { إيَّاك نعبد } من نسبة العبد العبادة إلى نفسه المشتمل بالاستلزام على دعوى الاستقلال في الوجود والقدرة والإِرادة مع أنه مملوك والمملوك لا يملك شيئاً، فكأنه تدورك ذلك بقوله تعالى: { وإيَّاك نستعين } ، أي إنما ننسب العبادة إلى أنفسنا وندّعيه لنا مع الاستعانة بك لا مستقلين بذلك مدعين ذلك دونك، فقوله: { إِيَّاك نعبد وإِيَّاك نستعين }؛ لإِبداء معنىً واحد وهو العبادة عن إخلاص، ويمكن أن يكون هذا هو الوجه في اتحاد الاستعانة والعبادة في السياق الخطابي حيث قيل: { إِيَّاك نعبد وإِيَّاك نستعين } من دون أن يقال: إياك نعبد اعنّا واهدنا الصراط المستقيم وأما تغيير السياق في قوله: { اهدنا الصراط }.


-9-

الآية، فسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

فقد بان بما مرٌ من البيان في قوله، { إِيَّاك نعبُد وإِيَّاك نستعين } الآية؛ الوجه في الالتفات من الغيبة إلى الحضور، والوجه في الحصر الذي يفيده تقديم المفعول، والوجه في إطلاق قوله: نعبد، والوجه في اختيار لفظ المتكلم مع الغير، والوجه في تعقيب الجملة الأولى بالثانية، والوجه في تشريك الجملتين في السياق، وقد ذكر المفسرون نكات أُخرى في أطراف ذلك من أرادها فليراجع كتبهم وهو الله سبحانه غريم لا يقضى دينه.


-10-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:01 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.