المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > المنتدى الفكري
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #31  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تقدير الواجب بالخرص

تقدير الواجب بالخرص
شرعية الخرص وفوائده
سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النخيل والأعناب: تقدير النصاب ومقدار الواجب فيها بالخرص دون الكيل أو الوزن.
ومعنى الخرص في اللغة: الحزر والتخمين، فهو إذن تقدير ظني يقوم به رجل عارف مجرب أمين، وذلك إذا بدا صلاح الثمار، فيحصى الخارص ما على النخيل والأعناب من الرطب والعنب ثم يقدِّره تمرًا وزبيبًا، ليعرف مقدار الزكاة فيه، فإذا جفت الثمار أخذ الزكاة التي سبق تقديرها منها.
وفائدة الخرص مراعاة مصلحة الطرفين: رب المال والمستحقين، فرب المال يملك بالخرص التصرف في نخيله وعنبه بما شاء، على أن يضمن قدر الزكاة.
والعامل على الزكاة -وهو وكيل المستحقين- قد عرف الحق الواجب فيطالب به المهذب مع المجموع: 5/477.
قال الخطابى: وفائدة الخرص ومعناه: أن الفقراء شركاء أرباب الأموال في الثمر، فلو منع أرباب المال من حقوقهم ومن الانتفاع بها، إلى أن تبلغ الثمرة غاية جفافها، لأضر ذلك بهم، ولو انبسطت أيديهم فيها لأخلّ ذلك بحصة الفقراء منها، إذ ليس مع كل أحد من التقية (التقوى) ما تقع به الوثيقة في أداء الأمانة، فوضعت الشريعة هذا العيار، ليتوصل به أرباب الأموال إلى الانتفاع، ويحفظ على المساكين حقوقهم، وإنما يفعل ذلك عند أول وقت بدو صلاحها، قبل أن يؤكل ويستهلك، ليعلم حصة الصدقة منها، فيخرج بعد الجفاف بقدرها: تمرًا وزبيبًا معالم السنن: 2/210.
وممن كان يرى الخرص عمر بن الخطاب وسهل بن أبى حثمة، ومروان والقاسم بن محمد والحسن وعطاء والزهري وعمرو بن دينار، ومالك والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور وأكثر أهل العلم.
وأنكره أبو حنيفة؛ لأنه رجم بالغيب، وظن وتخمين لا يلزم به حكم، كما أنكر القرعة انظر: الأموال ص492،493، واحتج الجمهور بالأحاديث التالية:
1- ما رواه سعيد بن المسيب رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وفيه انقطاع، لأن سعيد بن المسيب لم يسمع من عتاب، فالحديث مرسل، ولكنه اعتضد بغيره من الأحاديث وبعمل الصحابة، وعمل أكثر أهل العلم، كما قال النووي (التلخيص ص181) عن عتاب بن أسيد: " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم ".
2- وعن سعيد بن المسيب -في رواية عنه- قال:"أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُخرص العنب كما يُخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيبًا، كما تؤخذ زكاة النخل تمرًا " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان والدارقطني، وفيه الانقطاع الذي ذكرناه (المصدر السابق).
3- وقد عمل به النبي -صلى الله عليه وسلم- فخرص على امرأة بوادي القرى حديقة لها -عام تبوك- وكان خرصه عشرة أوسق، وقال للمرأة: أحصي ما يخرج منها، فأحصته فكان كما قال -صلى الله عليه وسلم- متفق عليه من حديث أبى حميد الساعدي (المصدر نفسه).
4- وروى أبو داود عن عائشة قالت -وهى تذكر شأن خيبر-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود، فيخرص النخل حين يطيب، قبل أن يؤكل منه" قال المنذري: في إسناده رجل مجهول (مختصر السنن للمنذري: 2/213).
5- وعن سهل بن أبى حثمة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وإذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" رواه الخمسة إلا ابن ماجة، ورواه ابن حبان والحاكم في المستدرك: 1/402، وأبو عبيد في الأموال ص485، والبيهقي في السنن: 4/123، وابن حزم في المحلى: 5/255 وقد سكت عنه أبو داود والمنذري، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي قال الحاكم: "وله شاهد بإسناد متفق على صحته: أن عمر بن الخطاب أمر به" ولم يحكم الترمذي عليه بشىء، ولكنه ذكر أن العمل عليه عند أكثر أهل العلم (انظر مختصر السنن: 2/213).
قال الخطابى -في معالم السنن-: في هذا الحديث إثبات الخرص والعمل به، وهو قول عامة أهل العلم، إلا ما روى عن الشعبي: الخرص بدعة، وأنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم، إنما كان ذلك الخرص تخويفًا للأكرة (الزراع) لئلا يخونوا فأما أن يلزم به حكم فلا وذلك أنه ظن وتخمين، وفيه غرر وإنما كان جوازه قبل تحريم الربا والقمار.
قال الخطابى ردًا عليهم: " العمل بالخرص ثابت، وتحريم الربا والقمار والميسر متقدم، وبقى الخرص يعمل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طول عمره، وعمل به أبو بكر وعمر -رضى الله عنهما- في زمانهما، وعامة الصحابة على تجويزه، ولم يُذكر عن أحد منهم فيه خلاف.
"فأما قولهم: إنه ظن وتخمين فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمار، وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعايير، كما يعلم ذلك بالمكاييل والموازين، وإن كان بعضها أحصر من بعض.
وإنما هذا كإباحة الحكم بالاجتهاد عند عدم النص، مع كونه معرَّضا للخطأ، وفى معناه تقويم المتلفات عن طريق الاجتهاد، وباب الحكم بالظاهر باب واسع لا ينكره عالم معالم السنن: 2/212.

وقت الخرص
ووقت الخرص: حين يبدو صلاح الثمر، لقول عائشة: "كان -صلى الله عليه وسلم- يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم النخل حين يطيب "ولأن فائدة الخرص معرفة ما يجب بالزكاة، وإطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها، والحاجة إنما تدعو إلى ذلك حين يبدو الصلاح وتجب الزكاة المغنى: 2/707.

خطأ الخارص
إذا أخطأ الخارص التقدير -فزاد أو نقص- فقد روى عن القاسم بن محمد -أحد الفقهاء السبعة بالمدينة- أن رجلاً سأله في ذلك فقال: إنما عليك ما خرص، إنما هو الخراص كاسمه الأموال ص494، 495.
وإلى هذا ذهب مالك، قال: إذا كان الخارص مأمونًا سالمًا فتحرى الصواب فزاد أو نقص، فهو جائز على ما خرص الأموال ص494، 495 (يذهب مالك إلى أنه حكم واقع لا نقض له).
قال أبو عبيد - معقبًا على هذا القول:" وإنما وجه هذا عندي، إذا كان ذلك الغلط مما يتغابن الناس في مثله، ويغلطون به، فإذا جاء من ذلك ما يفحش، فإنه يرد إلى الصواب وليس هذا بالمفسد لأمر الخرص؛ لأن هذا الغلط الفاحش لو وقع في الكيل لكان مردودًا أيضًا، كما يرد في الخرص، إلا أن يكون ما زاد أو نقص بقدر ما يكون بين الكيلين، فيجوز حينئذ" الأموال ص494، 495.
وقال ابن حزم: إذا غلط الخارص أو ظلم فزاد أو نقص: رد الواجب إلى الحق، فأعطى ما زيد عليه، وأخذ منه ما نقص، لقول الله تعالى: (كونوا قوَّامين بالقسط)النساء: 135 والزيادة من الخارص ظلم لصاحب الثمرة، ونقصان الخارص ظلم لأهل الصدقات، وإسقاط لحقهم، وكل ذلك إثم وعدوان قال: فإن ادعى أن الخارص ظلمه أو أخطأ لم يصدق إلا ببينة إن كان الخارص عدلاً عالمًا " المحلى: 5/256 ولكن تفصيل أبى عبيد أرفق وأقرب إلى الواقع وأولى بالاختيار.

هل يخرص غير النخيل والأعناب؟
والجمهور على أنه لا يخرص غير النخيل والكرم، فلا يخرص الزيتون مثلاً، لأن حبه -كما قالوا- متفرق في شجره، مستور بورقه، ولا حاجة بأهله إلى أكله، بخلاف النخل والكرم، فإن ثمرة النخل مجتمعة في عذوقه، والعنب في عناقيده، فيمكن أن يأتي الخرص عليه، والحاجة داعية إلى أكلهما في حال رطوبتهما، وبهذا قال مالك وأحمد المغنى:2/710، 711.
وقال الزهري والأوزاعى والليث: يخرص الزيتون ونحوه، لأنه ثمر تجب فيه الزكاة ويخرص كالرطب والعنب البحر الزخار: 2/172.
والذي أختاره في هذا: أن يكون مدار الجواز هو إمكان الخرص والحاجة إليه، وأن يترك الرأي فيه لأهل الاختصاص والخبرة، فما رأوا أن تقديره ميسور لهم بوسائلهم الفنية، وكانت إدارة الزكاة تحتاج إلى ذلك، لضبط أمورها، وتحديد إيراداتها، أو كان أرباب المال محتاجين أيضًا إليه ليمكنهم التصرف في الثمر رطبًا، أخذ به قياسًا على ما ورد به النص من خرص الرطب والعنب، وما لا فلا.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #32  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي ماذا يترك لأصحاب الزرع والثمر

ماذا يترك لأصحاب الزرع والثمر


1- تقدم في المبحث السابق حديث سهل بن أبى حثمة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ".
2- وروى ابن عبد البر عن جابر مرفوعًا "خففوا في الخرص".(ذكره في نيل الأوطار: 2/144 - طبع العثمانية، وقال: في إسناده ابن لهيعة).
3- وروى أبو عبيد بإسناده عن مكحول قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث الخراص قال: خففوا فإن في المال العرية والوطية" (الأموال ص487، وأخرجه أيضًا الطحاوي ص315 بإسناد جيد بلفظ: "خففوا في الصدقات، فإن في المال العرية والوطية " - انظر: فيض الباري: 3/47).
4- وروى أيضًا عن الأوزاعي قال: "بلغنا أن عمر بن الخطاب قال: خففوا عن الناس في الخرص! فإن في المال العرية والواطئة والآكلة " (الأموال، المرجع السابق).
والعرية -كما قال أبو عبيد-: هي النخلة يعريها صاحبها رجلاً محتاجًا، والإعراء: أن يجعل له ثمرة عامها.
والواطئة: السابلة، سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين.
والوطية: الأرض التي تطؤها الأرجل.
والآكلة: هم أرباب الثمر وأهلوهم ومن لصق بهم، فكان معهم .(المرجع السابق).
5- وروى أيضًا عن بشير بن يسار: أن عمر بن الخطاب بعث أبا حثمة الأنصاري على خرص أموال المسلمين، فقال إذا وجدت القوم في نخلهم قد خرفوا، فدع لهم ما يأكلون، لا تخرصه عليهم .(ورواه أيضًا الحاكم مختصرًا (1/402، 403)، ورواه ابن حزم في المحلى: 5/359).
6- وعن سهل بن أبى حثمة أن مروان بعثه خارصًا للنخل، فخرص مال سعد بن أبى سعد سبعمائة وسق، وقال لولا أنى وجدت فيه أربعين عريشًا لخرصته تسعمائة وسق، ولكنى تركت لهم قدر ما يأكلون .(المحلى:5/260).
وكان تلك العرش مظال ومساكن لهؤلاء الأكلة أيام الثمار، كما قال أبو عبيد.
والحديث الأول قد صححه جماعة من الأئمة، وقد اعتضد بحديث جابر ومرسل مكحول، وبالآثار المذكورة عن الصحابة، وهم أعلم الناس بهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحرصهم على اتباعه، قال ابن حزم: "هذا فعل عمر بن الخطاب وأبى حثمة وسهل: ثلاثة من الصحابة بحضرة الصحابة -رضى الله عنهم- لا مخالف لهم يُعرف منهم" .(المحلى:5/260)، وقد دلّت هذه الأحاديث والآثار على وجوب الرفق بأرباب الأموال والتخفيف عنهم، والترك لهم، تقديرًا لحاجتهم وظروفهم.
قال في المغنى: على الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع، توسعة على أرباب الأموال، لأنهم يحتاجون إلى الأكل هم وأضيافهم، ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقاءهم وسؤالهم ويكون في الثمرة السقاطة، وينتابها الطير، ويأكل منها المارة، فلو استوفى الكل منهم أضرَّ بهم، وبهذا قال إسحاق، ونحوه قال الليث وأبو عبيد والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهاده، فإن رأى الأكلة كثيرًا ترك الثلث، وإن كانوا قليلاً ترك الربع، فإن لم يترك لهم الخارص شيئًا، فلهم الأكل قدر ذلك، ولا يحتسب عليهم به، لأنه حق لهم.
فإن لم يخرج الإمام خارصًا، فاحتاج رب المال إلى التصرف في الثمرة، فأخرج خارصًا، جاز أن يأخذ بقدر ذلك وإن خرص هو وأخذ بقدر ذلك جاز، ويحتاط في ألا يأخذ أكثر مما له أخذه " ا هـ .(المغنى: 2/709، 710).
وما لم يخرص من الثمار والزروع، وترك لأمانة أهله، فقد قال فيه صاحب المغنى: "لا بأس أن يأكلوا منه ما جرت العادة بأكله، ولا يحتسب عليهم، وسئل أحمد عما يأكل أرباب الزروع من الفريك، قال: لا بأس به أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه، وذلك لأن العادة جارية به، فأشبه ما يأكله أرباب الثمار من ثمارهم" .(المغنى: 2/709، 710).
وقال أبو يوسف ومحمد: يراعى ما يأكل الرجل وصاحبه وجاره حتى لو أكل جميعه رطبًا لم يجب عليه شيء.
وخالف مالك وأبو حنيفة في ذلك، فلم يريا أن يترك لأرباب الزرع والثمر شيء، حتى حسبا عليهم ما أكلوه أو أطعموه، قبل الحصاد والجني .(انظر: بداية المجتهد 0جـ1، وبدائع الصنائع: 2/64).
قال ابن العربى: وساعدهما الثوري على أنه لا يُترك لهم شيء، وهذا يدل على أن مالكًا وسفيان لم يراعيا حديث سهل بن أبى حثمة في الرفق في الخرص وترك الثلث أو الربع، أو لم يرياه .(شرح الترمذي: 3/143).
وقال أبو محمد بن حزم في المحلى: لا يجوز أن يعد على صاحب الزرع في الزكاة ما أكل هو وأهله فريكًا أو سويقًا، قلّ أو كثر، ولا السنبل الذي يسقط فيأكله الطير أو الماشية أو يأخذه الضعفاء، ولا ما تصدَّق به حين الحصاد لكن ما صفى فزكاته عليه، برهان ذلك ما ذكرنا قبل، أن الزكاة لا تجب إلا حين إمكان الكيل، فما خرج عن يده قبل ذلك، فقد خرج قبل وجوب الصدقة فيه، وقال الشافعي والليث كذلك، وقال مالك وأبو حنيفة: يعدّ على كل ذلك.
قال أبو محمد: "هذا تكليف ما لا يُطاق، وقد يسقط من السنبل ما لو بقى لأتم خمسة أوسق، وهذا لا يمكن ضبطه، ولا منه المنع أصلاً، الله تعالى يقول: (لاَ يكلف اللهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا)(البقرة: 286).
قال: "وأما التمر ففُرِض على الخارص أن يترك له ما يأكل هو وأهله رطبًا على السعة، لا يُكلَّف عنه زكاة وهو قول الشافعي والليث بن سعد .(المحلى: 5/259) واستدل ابن حزم لذلك بحديث سهل بن أبى حثمة، والآثار التي ذكرناها عن عمر وأبى حثمة وسهل من الصحابة.
واختلف الذين تركوا العمل بحديث سهل هنا في الإجابة عنه.
فمنهم من قال: كان في حالة خاصة وهى أرض خيبر.
ومنهم من قال: معنى الحديث أن يترك لهم الثلث أو الربع من العُشر الواجب، ليفرقوه بأنفسهم على الفقراء من أقاربهم وجيرانهم، ومن يعرفهم ويطلب منهم، فلا يحتاج المالك أن يغرم ذلك مرة أخرى من ماله وهذا التفسير مروى عن الشافعي.
وله قول آخر قديم: أن يترك له نخلة أو نخلات يأكله أهله، ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في كثرة عياله وقلَّتهم .(قال النووي في الروضة (2/250): هذا القديم، نص عليه أيضًا في البويطي، ونقله البيهقي عن نصه في البويطى، والبيوع والقديم).
وأجاب بعضهم بأن المراد به مؤونة الزرع -أي نفقته- أو مؤونة الأرض، فيوضع ذلك ولا يُحسب في النصاب.
قال ابن العربى في شرح الترمذي: والمتحصل من صحيح النظر أن يُعمل بالحديث، وهو قدر المؤونة، ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب مما يؤكل رطبًا، وسيأتي ذلك في المبحث القادم.
والذي أختاره: هو الأخذ بما دلّ عليه حديث سهل وما عضده من أخبار وآثار، وهو الذي عمل به أمير المؤمنين عمر، وذهب إليه أحمد وإسحاق والليث والشافعي في القديم، وابن حزم.
والحق: أن هذا الحديث قد أعطانا مبدأ هامًا في باب الزكاة، وهو رعاية الحاجات المعقولة لصاحب المال وعائلته، وتقدير الظروف المخففة عنه ووضعها في الاعتبار، عند تقدير الواجب عليه.
وهذا يؤكد الشرط العام الذي شرحناه من قبل في فصل "المال الذي تجب فيه الزكاة" وهو شرط "الفضل عن الحوائج الأصلية".
ورعاية الظروف الشخصية والعائلية للمكلَّف التي حرص عليها الإسلام، أمر لم يعرفه التفكير والتشريع الضريبي إلا في وقت قريب، إذ كان المعروف هو فرض الضريبة على "عَيْن" المال دون التفات إلى ظروف صاحبه وحاجاته وديونه.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #33  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي اقتطاع الديون والنفقات وتزكية الباقي

اقتطاع الديون والنفقات وتزكية الباقي


هل يدفع قدر الدَّيْن والنفقة من الخارج ويزكى الباقي؟
أما الدَّيْن الذي يكون على رب الزرع والثمر فهو نوعان:
منه ما يكون لأجل النفقة على الزرع، كما إذا استدان في ثمن البذر والسماد أو أجرة العمال، ونحو ذلك من النفقات.
ومنه ما يكون لأجل نفقة صاحب الزرع على نفسه وأهله.
فما الحكم في كلا الدَّيْنين؟
روى أبو عبيد في الأموال بسنده عن جابر بن زيد، قال في الرجل يستدين فينفق على أهله وأرضه، قال: قال ابن عباس: يقضى ما أنفق على أرضه، وقال ابن عمر: يقضى ما أنفق على أرضه وأهله .(الأموال ص509).
ورواه يحيى بن آدم في الخراج عنه قال: قال ابن عمر: يبدأ بما استقرض، فيقضيه ويزكِّي ما بقى، وقال: قال ابن عباس: يقضي ما أنفق على الثمرة ثم يزكِّي ما بقى (الخراج ص162، وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه: إسناده صحيح).
فقد اتفق ابن عباس وابن عمر على قضاء الدّيْن الذي أنفقه على الأرض والثمرة، وزكاة الباقي فقط، واختلفا في الدّيْن إذا كان على نفسه وأهله.
وكذلك روى أبو عبيد عن مكحول أنه قال في صاحب الزرع المدين: لا تؤخذ منه الزكاة حتى يقضى دينه، وما فضل بعد ذلك زكّاه، إذا كان مما تجب فيه الزكاة .(الأموال ص 509).
وكذلك يرى عن عطاء وطاووس .(المرجع السابق).
وقالت طائفة من أهل العراق بمثل ما جاء عن ابن عمر وعطاء وطاووس ومكحول .(نفس المرجع).
ومن فقهاء العراق الذين ذهبوا هذا المذهب: سفيان الثوري:كما روى ذلك يحيى بن آدم .(الخراج ص 163).
وعن أحمد بن حنبل روايتان: قال في إحداهما: من استدان ما أنفق على زرعه، واستدان ما أنفق على أهله، احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله؛ لأنه من مؤونة الزرع والرواية الثانية: أن الدَّيْن كله يمنع الزكاة .(المغنى: 2/727).
فهو في الرواية الأولى وافق ابن عباس، وفي الثانية وافق ابن عمر.
قال في المغنى: فعلى هذه الرواية يحسب كل دَيْن عليه، ثم يُخرج العُشر مما بقى إن بلغ نصابًا، وإن لم يبلغ نصابًا فلا عُشر فيه، وذلك لأن الواجب زكاة، فيمنع الدَّيْن وجوبها، كزكاة الأموال الباطنة، ولأنه دَيْن فيمنع وجوب العُشر كالخراج وما أنفق على زرعه، والفرق بينهما على الرواية الأولى: أن ما كان من مؤونة الزرع فالحاصل في مقابلته يجب صرفه إلى غيره، فكأنه لم يحصل .(المغنى: 2/727).
وقد رجح أبو عبيد مذهب ابن عمر ومَن وافقه في رفع كل الديون من الخارج، وتزكية الباقي، بشرط أن تثبت صحة الدَّيْن، قال:" إذا كان الدَّيْن صحيحًا قد علم أنه على رب الأرض فإنه لا صدقة عليه فيها، ولكنها تسقط عنه لدَيْنه كما قال ابن عمر وطاووس وعطاء ومكحول، ومع قولهم أيضًا إنه موافق لاتباع السُنَّة، ألا ترى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما سنَّ أن تؤخذ الصدقة من الأغنياء، فتُردّ في الفقراء، وهذا الذي عليه دَيْن يحيط بماله ولا مال له، هو من أهل الصدقة، فكيف تؤخذ منه الصدقة وهو من أهلها؟، أم كيف يجوز أن يكون غنيًا فقيرًا، في حال واحدة؟ ومع هذا إنه من الغارمين -أحد الأصناف الثمانية- فقد استوجبها من جهتين " ا هـ .(الأموال ص510).
أما الخراج -وهو تلك الضريبة العقارية المفروضة على رقبة الأرض- فهل يطرح مقداره من الخارج ويزكى الباقي أم لا؟
روى يحيى بن آدم عن سفيان بن سعيد الثوري أنه قال فيما أخرجت الخراجية: "ارفع دَيْنك وخراجك، فإن بلغ خمسة أوسق بعد ذلك، فزكها" .(الخراج ص163).
وروى أبو عبيد عن إبراهيم بن أبى عبلة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الله بن عوف -أو ابن أبى عوف- عامله على فلسطين، فيمن كانت في يده أرض بجزيتها من المسلمين: أن يقبض جزيتها، ثم يأخذ منها زكاة ما بقى بعد الجزية .(الأموال ص88) والمراد بجزية الأرض هنا "الخراج".
فعمر وسفيان يعفيان ما يقابل الخراج من الزكاة، ويزكيان الباقي فقط إن بلغ نصابًا، وكان عمر من أئمة الهدى.
وإلى نحو هذا ذهب أحمد، واستدل له في "المغنى" بأن الخراج من مؤونة الأرض، فيمنع وجوب الزكاة في قدره، كما ذهب إليه ابن عباس وابن عمر من قضاء ما أنفق على الزرع وتزكية الباقي .(المغنى: 2/727).
وينبغي أن يقاس على الخراج أجرة الأرض على الزارع المستأجر، فإن جمهور الفقهاء عدّوا الخراج بمنزلة أجرة الأرض، وقد روى عن شريك نحو ذلك، قال يحيى بن آدم: سألتُ شريكًا عن الرجل يسـتأجر أرضًا بيضاء من أرض العُشر، بطعام مسمى، فزرعها طعامًا، قال: يعزل ما عليه من الطعام ثم يزكِّى ما بقى: العُشر أو نصف العُشر، ثم قال: كما يعزل الرجل ما عليه من الدّيْن، ثم يزكِّى ما بقى من ماله .(الخراج ص161).
بقى أن نعرف حكم النفقة على الزرع والثمر إذا لم تكن دَيْنًا ولا خراجًا، مثل ما ينفقه من ماله هو على البذر والسماد والحرث والري والتنقية والحصاد وغير ذلك: هل ترفع هذه النفقات والتكاليف -أعنى القدر المقابل لها من المحصول ويزكِّى الباقي، كما اخترناه في رفع ما يقابل الدَّيْن والخراج؟ أم تجب الزكاة في جميع المحصول؟
قال ابن حزم: لا يجوز أن يعد الذي له الزرع والثمر ما أنفق في حرث أو حصاد أو جمع أو درس أو تزبيل -أو تسميد بالزبل- أو جذاذ أو حفر أو غير ذلك، فيسقطه من الزكاة، وسواء تداين في ذلك أم لم يتداين، أتت النفقة على جميع قيمة الزرع أو الثمر أو لم تأت، وهذا مكان قد اختلف السلف فيه.
ثم ذكر ابن حزم بسنده عن جابر بن زيد عن ابن عباس وابن عمر في الرجل ينفق على ثمرته، فقال أحدهما: يزكيها وقال الآخر: يرفع النفقة، ويزكى الباقي.
وعن عطاء: أنه يسقط مما أصاب النفقة، فإن بقى مقدار ما فيه الزكاة زكى، وإلا فلا، ورد ابن حزم على هذا القول بأنه لا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سُنَّة ثابتة قال: وهذا قول مالك والشافعي وأبى حنيفة وأصحابنا أ.هـ .(المحلى: 5/258).
والأثر الذي رواه ابن حزم هنا عن ابن عباس وابن عمر يفيد أن أحدهما يقول برفع النفقة وتزكية الباقي، والآخر يخالفه في ذلك، وقد ذكرناه قريبًا، من رواية يحيى بن آدم وأبى عبيد: أنهما سئلا عما يستدينه الرجل فينفق على ثمرته وعلى أهله، وأن ابن عباس أفتى بأنه يقضى ما أنفق على الثمرة ثم يزكى ما بقى، وأن ابن عمر وافقه على ذلك، وزاد عليه قضاء ما أنفق على نفسه وأهله.
فهذه الفتوى من الصحابيين الجليلين فيما أنفقه الزارع على زرعه وثمرته استسلافًا واستدانة، أما ما أنفقه من ماله دون استسلاف، فقد سكتا عنه، إلا على رواية ابن حزم المذكورة هنا.
وأصرح وأشمل ما ورد عن السلف في رفع ما يقابل النفقة والمؤونة من الخارج، وتزكية الباقي، سواء أكانت النفقة دَيْنًا أم غير دَيْن هو مذهب عطاء الذي ذكره ابن حزم، ورواه يحيى بن آدم عن إسماعيل بن عبد الملك، قال قلتُ لعطاء: الأرض أزرعها، فقال: ارفع نفقتك، وزكِّ ما بقى .(الخراج ص161، ورواه ابن أبى شيبة: 4/23 - طبع ملتان بالهند).
وتعرض ابن العربى في شرح الترمذي لهذه المسألة فقال: اختلف قول علمائنا، هل تحط المؤونة من المال المزكى، وحينئذ تجب الزكاة -أي في الصافي- أو تكون مؤونة المال وخدمته -حتى يصير حاصلاً- في رب المال، وتؤخذ الزكاة من الرأس -أي من إجمالي الحاصل؟ فذهب إلى أنه الصحيح أن تحط وترفع من الحاصل، وأن الباقي هو الذي يؤخذ عُشره، واستدل لذلك بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دعوا الثلث أو الربع"، وأن الثلث أو الربع يعادل قدر المؤونة تقريبًا، فإذا حسب ما يأكله رطبًا، وما ينفقه من المؤونة تخلص الباقي ثلاثة أرباع، أو ثلثين، قال: ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب .(شرح الترمذي: 3/143).
ومعنى كلام ابن العربى: أنه لا يجمع بين ترك الثلث أو الربع الذي جاء الحديث به، وبين حط المؤن والنفقات وطرح قدرها من الحاصل، فإنها داخلة في الثلث أو الربع المتروك غالبًا، ومقتضى كلامه: أنها إذا زادت عن الثلث تحط أيضًا، وأن ذلك يُعمل به في كل زرع وثمر، سواء أكان يخرص أم لا.
وردّ ابن الهمام على هذا الرأي: بأن الشارع حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤونة، فلو رفعت المؤونة كان الواجب واحدًا، وهو العُشر دائمًا في الباقي؛ لأنه لم ينزل إلى نصفه إلا المؤونة، والفرض أن الباقي بعد رفع قدر المؤنة لا مؤنة فيه، فكان الواجب دائمًا العُشر، لكن الواجب قد تفاوت شرعًا، مرة العُشر ومرة نصفه، بسبب المؤونة، فعلمنا أنه لم يعتبر شرعًا عدم عُشر بعض الخارج -وهو القدر المساوي للمؤونة- أصلاً أ.هـ .(فتح القدير: 2/8).
الذي يلوح لنا أن الشارع حكم بتفاوت الواجب في الخارج بناء على تفاوت المشقة والجهد المبذول في سقي الأرض، فقد كان ذلك أبرز ما تتفاوت به الأراضي الزراعية، أما النفقات الأخرى فلم يأت نص باعتبارها ولا بإلغائها، ولكن الأشبه بروح الشريعة إسقاط الزكاة، عما يقابل المؤونة من الخارج، والذي يؤيد هذا أمران:
الأول: أن للكلفة والمؤونة تأثيرًا في نظر الشارع، فقد تقلل مقدار الواجب، كما في سقي بآلة، جعل الشارع فيه نصف العُشر فقط، وقد تمنع الوجوب أصلاً كما في الأنعام المعلوفة أكثر العام، فلا عجب أن تؤثر في إسقاط ما يقابلها من الخارج من الأرض.
الثاني: أن حقيقة النماء هو الزيادة، ولا يعد المال زيادة وكسبًا إذا كان أنفق مثله في الحصول عليه، ولهذا قال بعض الفقهاء: إن قدر المؤونة بمنزلة ما سلم له بعوض، فكأنه اشتراه، وهذا صحيح.
هذا على ألا تحسب في ذلك نفقات الري التي أنزل الشارع الواجب في مقابلها من العُشر إلى نصفه.
فمن كانت له أرض أخرجت عشرة قناطير من القطن تساوى مائتي جنيه، وقد أنفق عليها -في غير الري- مع الضريبة العقارية، مبلغ ستين جنيهًا (أي ما يعادل ثلاثة قناطير) فإنه يخرج الزكاة عن سبعة قناطير فقط، فإذا كانت سقيت سيحًا ففيها العُشر أو بآلة فنصف العُشر والله أعلم.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #34  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي زكاة الأرض المستأجرة

زكاة الأرض المستأجرة


الزكاة على المالك إذا زرعها
1- مالك الأرض إما أن يزرعها بنفسه، إن كان من أهل الزرع، وهذا أمر محمود شرعًا، فزكاة ما يخرج منها حينئذ -عُشر أو نصف العُشر عليه؛ لأن الأرض أرضه والزرع زرعه.

الزكاة في إعارة الأرض على المستعير
2- وإما أن يعيرها لغيره من أهل الزراعة يزرعها ويستفيد منها، بدون مقابل، وهذا أمر حمده الإسلام وحث عليه .(وفي هاتين الطريقتين جاءت الأحاديث الصحيحة: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه" ومن السلف من رأى ذلك واجبًا، ومنهم من رأى أنه كان واجبًا فى أول الأمر ثم نسخ، ويرى ابن عباس أن الأمر هنا للندب والاستحباب لا للوجوب - انظر: كتابنا " الحلال والحرام " ص228، 229 - الطبعة الرابعة) فالزكاة هنا على الزارع الذي منح الأرض وانتفع بها بغير أجرة ولا كراء .(المغنى: 2/728).

المالك والشريك في المزارعة يشتركان في الزكاة
3- وإما أن يزارع عليها مزارعة صحيحة بربع ما يخرج منها أو ثلثه أو نصفه -حسب اتفاقهما- فالزكاةعلى كل واحد من الطرفين في حصته إذا بلغت النصاب، أو كان له زرع آخر إذا ضم إليها بلغت نصابًا.
وإن بلغت حصة أحدهما النصاب دون صاحبه، فعلى من بلغت حصته النصاب زكاتها ولا شيء على الآخر؛ لأنه مالك لما دون النصاب فلا يعد غنيًا شرعًا، والزكاة إنما تؤخذ من الأغنياء، وقد جاء عن الشافعي -كما نقلت رواية عن أحمد- أنهما يعاملان معاملة شخص واحد فيلزمهما العُشر، إذا بلغ الزرع جميعه خمسة أوسق، ويخرج كل واحد منهما عُشر نصيبه .(المغنى: 2/728).

الزكاة على المالك أم المستأجر؟
4- وإما أن يؤجرها بالنقود أو بشيء معلوم -كما أجاز ذلك جمهور الفقهاء فمن الذي يدفع العُشر أو نصفه؟ مالك الأرض الذي يملك رقبتها، وينتفع بما يتقاضاه من إيجارها؟ أم المستأجر الذي ينتفع بزراعتها فعلاً، وتخرج له الحب والثمر؟

مذهب أبى حنيفة
قال أبو حنيفة: العُشر على المالك بناء على أصل عنده: أن العُشر حق الأرض النامية لا حق الزرع، والأرض هنا أرض المالك، ولأن العُشر من مؤونة الأرض فأشبه الخراج .(المغنى: 2/728)، ولأن الأرض كما تستنمي بالزراعة، تستنمي بالإجارة فكانت الأجرة مقصودة كالثمر، فكان النماء له معنى، مع تمتعه بنعمة الملك، فكان أولى بالإيجاب عليه (فتح القدير: 2/8).
وروى ذلك عن إبراهيم النخعي (الخراج ليحيى بن آدم ص172 - طبع السلفية رواه من طريق الحسن بن عمارة -معروف وهو متروك، كما هو معروف).

مذهب الجمهور
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن العُشر على المستأجر: لأن العُشر حق الزرع لا حق الأرض، والمالك لم يخرج له حب ولا ثمر، فكيف يزكى زرعًا لا يملكه بل هو لغيره؟

سبب الاختلاف
قال ابن رشد: والسبب في اختلافهم: هل العُشر حق الأرض أو حق الزرع؟ أو حق مجموعهما؟ إلا أنه لم يقل أحد: إنه حق لمجموعهما، وهو في الحقيقة حق مجموعهما.
فلما كان عندهم أنه حق الأمرين اختلفوا في أيهما أولى أن ينسب إلى الموضع الذي فيه الاتفاق -وهو كون الزرع والأرض لمالك واحد.
فذهب الجمهور إلى أنه للشيء الذي تجب فيه الزكاة، وهو الحب.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه للشيء الذي هو أصل الوجوب وهو الأرض .(بداية المجتهد: 1/239).

الترجيح في هذه المسألة
رجح صاحب "المغنى" رأي الجمهور بأن العُشر واجب فى الزرع فكان على مالكه، قال: ولا يصح قولهم: إنه من مؤونة الأرض؛ لأنه لو كان من مؤونتها لوجب فيها وإن لم تزرع كالخراج، ولوجب على الذمي كالخراج ولتقدر بقدر الأرض لا بقدر الزرع ولوجب صرفه إلى مصارف الفيء دون مصرف الزكاة .(المغنى: 2/728).
وقال الرافعي في الشرح الكبير: لا فرق بين ما تنبته الأرض المملوكة والأرض المكتراة (المُستأجرة) في وجوب العُشر، ويجتمع على المكترى العُشر والأجرة، كما لو اكترى حانوتًا للتجارة تجب عليه الأجرة وزكاة التجارة جميعًا .(شرح الرافعي الكبير مع المجموع: 5/566).
وهذا التشبيه غير مسلم؛ فإن زكاة التجارة تجب في كل حول فيما بقى لدى التاجر من رأس مال نام - بعد أن يكون قد دفع في أثناء الحول أجرة حانوته وغيرها من الأجور والنفقات، ولو كان عليه أجرة سنة أو أشهر لكانت دينًا عليه يطرحه مما في يديه ثم يزكى ما بقى، أما زكاة الزرع فلا يعتبر لها حول، بل تجب عند الحصاد، فليس بممكن دفع الأجرة من الزرع قبل الزكاة كما هو الشأن في أجرة الحانوت.
لهذا قد يبدو من الإجحاف بالمستأجر أن يبذل في الأرض جهده وعرقه، ثم يدفع أجرتها ثم يطالب بعد ذلك بالعشر على حين يتسلم مالك الأرض أجرته خالصة سائغة ولا يطالب بشيء إلا أن يحول الحول على الأجرة أو بعضها.
إن العدل أن يشترك الطرفان في الزكاة: كل فيما استفاده، فلا يعفى المستأجر إعفاءً كليًا من وجوب الزكاة -كما ذهب أبو حنيفة-، ولا يعفى المالك إعفاءً كليًا ويجعل عبء الزكاة كلها على المستأجر - كما ذهب الجمهور.
ولقد انتبه ابن رشد -بعقله الفلسفي- إلى أن الواجب في الأرض المزروعة ليس حق الأرض وحدها، ولا حق الزرع فقط، ولكنه حق مجموعهما.
ومعنى هذا: أن يشترك صاحب الأرض وصاحب الزرع فيما يجب من العُشر أو نصفه، وهذا -فيما أرى- هو الراجح.
ولكن كيف يشتركان في أداء الواجب وعلى أي أساس يقوم ذلك؟.
لقد اخترنا مذهب القائلين بأن الزكاة في صافى الربع من الزرع، وأن الديون والخراج ونفقات الزراعة والبذر يرفع ما يوازيها من المحصول ثم يزكى ما بقى إن بلغ نصابًا.
وأجرة الأرض بلا شك من نفقات الزرع، وهى كالخراج فيجب أن تعد دينًا على المستأجر، فيقتطع من الخارج ما يقابل الأجرة -مع باقي الديون والنفقات- ثم يخرج العُشر أو نصفه من الباقي إذا بلغ النصاب.
فإذا كان إيجار الأرض 20 (عشرين جنيهًا) مثلاً، وأخرجت من القمح 10 (عشرة) أرادب، وكان الإردب يساوى خمسة جنيهات (فيكون مقدار الخارج 10 × 5 = 50 جنيهًا) فإنه يخرج عن 6 أرادب فقط، والأربعة الأخرى تُطرح مقابل الإيجار.
ولو كان الإيجار 30 جنيهًا (أي ما يوازي ثمن 6 أرادب، لكان الباقي 4 (أربعة) أرادب -48 كيلة- وهو دون النصاب فلا زكاة فيه).
أما مالك الأرض فليس عليه أن يُخرج العُشر أو نصف العُشر من الزرع والثمر، فإنه ملك لغيره وإنما عليه -فيما نرى- أن يزكى ما دفع إليه بدلاً من الزرع وهو الأجرة التي يقبضها.
وذلك: أنه لو زارع عليها بنصف ما يخرج منها مثلاً لكان عليه أن يخرج زكاة حصته من المحصول إذا بلغ نصابًا، فيخرج العُشر أو نصف العُشر حسب سقى الأرض أيضًا.
وهناك كذلك يُخرج المالك زكاة الأجرة - التي هي مقابل نصف الخارج مثلاً في الزراعة- عُشرًا أو نصف عُشر حسب سقي الأرض المستأجرة وهذا بشرط أن تبلغ قيمة نصاب من الزرع القائم بالأرض لأنها بدل عنه، فإن كان عليه دَيْن أو خراج (ضريبة على الأرض) أخرجه من الأجرة وزكى ما بقى، ومثل الدَّيْن والخراج ما يفتقر إليه في حوائجه الأصلية، كالقوت له ولعائلته والملبس والمسكن والعلاج.
فإن المحتاج إليه في هذا كالمعدوم، ولهذا شبَّهه الفقهاء بالماء المحتاج إليه للشرب في جواز التيمم مع وجوده، لأنه اعتبر كأن لم يكن.
وبما قلناه يكون كل من مالك الأرض وزارعها المستأجر قد اشتركا في زكاتها بما يوافق العدل المنشود، ويناسب ما انتفع به منها.
فالمستأجر يؤدى زكاة ما أخرج الله له منها -من زرع حصده وثمر اجتناه- سالمًا من الدَّيْن والأجرة ونفقات الزرع.
والمالك يؤدى زكاة ما يسر الله له من أجرة عادت عليه من الأرض خالصة سائغة سالمة من الدَّيْن وضريبة الأرض ونحوها.
فالجزء الذي طرح من نصيب المستأجر الزارع -وهو ما يقابل الأجرة من المحصول والذي أعفى من زكاته- دخل في نصيب المالك وأدى عنه الزكاة الواجبة وهو أحق بها وأولى بأدائها من المستأجر في هذا القدر.
وبهذه المساهمة العادلة من المالك والمستأجر نكون قد أخذنا بأحسن ما قال أبو حنيفة وأحسن ما قال الجمهور، وأوجبنا على كل من الطرفين -المالك والزارع- ما هو أحق به وما هو مالك له، مع تفادى ازدواج الزكاة الواجبة، وتكررها في مال واحد، فإن القدر الذي زكى عنه المالك قد طرح ما يعادله من نصيب المستأجر.
ونوضح ذلك بمثال: رجل يملك عشرة أفدنة أجرها ليزرعها أرزًا مثلاً، وكانت أجرة الفدان 20 جنيهًا، فأخرجت الأرض 100 (مائة إردب) من الأرز، الذي يقدر ثمن الإردب منه بـ 4 (أربعة) جنيهات، فكيف يخرجان الزكاة؟
أما المستأجر فيطرح من الخارج ما يساوى الإيجار وهو 50 (خمسون) إردبًا (50 × 4 = 200 جنيه وهو إيجار 10 × 20 = 200 جنيه)، وإذا كان قد أنفق على زرعه في البذر والسماد 40 (أربعين) جنبهًا أخرى (أي ما يعادل 10 أرادب) يكون الصافي المتبقي له 40 إردبًا، فإذا كان الواجب عليه نصف العشر مثلاً فهو يخرج عنها 2 (إردبين) وأما المالك فيخرج زكاة الجنيهات المائتين التي قبضها، فإن كان عليه خراج أو ضريبة تساوى 40 (أربعين) جنيهًا، ويكون الباقي له = 160 جنيهًا، فعليه إذن نصف عشرها أي 8 (ثمانية) جنيهات.
كتبت هذا الرأي منذ سنة 1383 هـ (1963م) ولم يقبله كثير من علماء الأزهر آنذاك، وقد قرأت أخيرًا في كتاب " تنظيم الإسلام للمجتمع " لأستاذنا الشيخ أبو زهرة (ص 159) قوله: "لقد اقترح بعض علماء هذا العصر في مشروع قانون للزكاة: أن تؤخذ من المالك والمستأجر، فيؤخذ من كل واحد منهما زكاة عما يصل إليه صافيًا، بعد أخذ الضرائب بالنسبة للمالك، وبعد تكليفات الزرع بالنسبة للمستأجر"، وهذا بحمد الله نفس ما رجحته وانتهيت إليه.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #35  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي هل يجتمع العُشر والخراج؟

هل يجتمع العُشر والخراج؟



وهذا الأمر قد أحدث مشكلة فقهية؛ فمن المعلوم أن الأرض إذا زرعها مسلم يجب عليه أن يخرج من زرعها أو ثمرها العُشر أو نصفه زكاة مفروضة، فهل يجب عليه هذا العُشر مع الخراج أم يعفى من أحدهما؟
أما الخراج فهو مؤبد -كما قلنا- ولا سبيل إلى إسقاطه، فهل يمكن إسقاط العُشر عنه أم يجب الاثنان معًا؟
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #36  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي الأرض العُشرية

الأرض العُشرية


اشترط الحنفية لوجوب العُشر أو نصفه في الزروع والثمار: ألا تكون الأرض خراجية، فإذا كانت الأرض خراجية لم يجب فيها إلا ما فُرض على رقبتها من خراج سنوي معلوم، وهو شبيه بما يسمى الآن "ضريبة الأملاك العقارية"، وأما الزكاة في الخارج من الأرض -أعنى العُشر أو نصفه- فليس بواجب في هذه الحال عند الحنفية.
وخالفهم جمهور الفقهاء، وأوجبوا العُشر في كل أرض سواء أكانت عُشرية أم خراجية، ولهذا كان مما لا بد منه في هذا المبحث بيان الأرض العُشرية ما هي، والأرض الخراجية ما هي، وأن نعرف منشأ الخلاف بين الفريقين، ثم نعرض أدلة كل منهما، ونرجح ما نراه راجحًا.
فمتى تكون الأرض عُشرية؟ ومتى تكون خراجية؟
الأرض العُشرية
تكون الأرض عُشرية من أحد أنواع ذكرها أبو عبيد في "الأموال":
أحدهما: كل أرض أسلم عليها أهلها فهم مالكون لرقابها، كالمدينة، والطائف، واليمن، والبحرين، وكذلك مكة، إلا أنها كانت افتتحت بعد القتال، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عليهم فلم يعرض لهم في أنفسهم، ولم يغنم أموالهم، فلما خلصت لهم أموالهم، ثم أسلموا بعد ذلك، كان إسلامهم على ما في أيديهم، فلحقت أرضوهم بالعُشرية.
والنوع الثاني: كل أرض أخذت عنوة (أي فتحت بعد حرب وقتال بين أصحابها وبين المسلمين)، ثم إن الإمام لم ير أن يجعلها فيئًا موقوفًا، ولكنه رأى أن يجعلها غنيمة فخمسها، وقسم أربعة أخماسها بين الذين افتتحوها خاصة كفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأرض خيبر (وكانت مِلكًا لليهود قبل قتالهم)، فهذا أيضًا ملك أيمانهم ليس فيها غير العُشر، وكذلك الثغور كلها إذا قسمت بين الذين افتتحوها خاصة، وعزل عنها الخمس لمن سمى الله تبارك وتعالى.
والنوع الثالث: كل أرضعادية (قديمة) لا رب لها ولا عامر، أقطعها الإمام رجلاً إقطاعًا، من جزيرة العرب أو غيرها، كفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء بعده، فيما أقطعوا من بلاد اليمن واليمامة والبصرة وما أشبهها.
والنوع الرابع: كل أرض ميتة استخرجها (استحياها) رجل من المسلمين فأحياها بالماء والنبات.
فهذه الأرضون التي جاءت فيها السنة بالعُشر أو نصف العُشر، وكلها موجودة في الأحاديث، فما أخرج الله تبارك وتعالى من هذه فهي صدقة إذا بلغت خمسة أوسق فصاعدًا.
توضع في الأصناف الثمانية التي ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة براءة من أهل الصدقة خاصة لهم دون الناس " .(الأموال ص512، 513).




__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #37  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي أنواع الأرض الخراجية ومنشؤها

أنواع الأرض الخراجية ومنشؤها


قال أبو عبيد:وما سوى هذه البلاد، فلا تخلوا من أن تكون أرض عنوة صيرت فيئًا كأرض السواد (سواد العراق) والأهواز وفارس وكرمان وأصبهان والري وأرض الشام -سوى مدنها- ومصر والمغرب.
أو تكون أرض صلح مثل: نجران وأيلة وأذرح ودومة الجندل وفدك، وما أشبهها مما صالحهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلحًا، أو فعلته الأئمة بعده، كبلاد الجزيرة وبعض بلاد أرمينية، وكثير من كور خراسان.
فهذان النوعان من الأرضين: الصلح والعنوة التي تصير فيئًا، تكونان عامًا للناس في الأعطية وأرزاق الذرية، وما ينوب الإمام من أمور العامة أ.هـ .(الأموال ص531 - 614، وانظر الخراج لأبى يوسف ص 69).
يعنى أن ما يؤخذ عنهما من خراج يوضع في ميزانية الدولة العامة ويصرف منها على الجيش والرواتب ونحوها، وفي المصالح العامة للأمة كلها في جانب الإنتاج أو الخدمات.
ويقصد أبو عبيد بما فتح عنوة: الأرض التي حارب أهلها المسلمين ولم يعقدوا معهم صلحًا، بل حكم بينهم وبين المسلمين السيف وحده، فهذه الأرض للإسلام فيها سياسة خاصة، أومأ إليها القرآن .(في آيات سورة الحشر(7 - 11) التي ذكر فيها تقسيم الفيء، والتي استدل بها سيدنا عمر على وقف رقبة الأرض لأجيال المسلمين جميعًا) وبدأ بتنفيذها الرسول -صلى الله عليه وسلم- .(حيث قسم نصف أرض خيبر على الفاتحين، ووقف نصفها الآخر لما ينويه من أمر المسلمين كما دلت على ذلك بعض الروايات) ووضح تطبيقها في عهد عمر بن الخطاب، وملخص هذه السياسة نقل ملكية رقبة هذه الأرض من الأفراد المالكين إلى مجموع الأمة الإسلامية كلها في سائر الأجيال؛ فليس ملكها لشخص أو أشخاص بل هي للمسلمين جميعًا، وذلك لما لملكية الأرض من أهمية اقتصادية وسياسية واجتماعية، ويجب أن نذكر أن توزيع تلك الأراضي في عصور الجاهلية كان في غالبه توزيعًا ظالمًا، تختص فيه الأسر الحاكمة ومن يلوذ بها من الإقطاعيين وأمثالهم بصفوة الأرض، ويعيش الفلاحون فيها رقيقًا أو كالرقيق.
وقد عبر الفقهاء عن حكم الإسلام فيها بأنها تصير وقفًا للمسلمين، يضرب عليها خراج معلوم يؤخذ منها في كل عام -ويقدر حسب طاقة الأرض يكون أجرة لها، وتقر في أيدي أربابها ما داموا يؤدون خراجها، سواء أكانوا مسلمين أم من أهل الذمة ولا يسقط خراجها بإسلام أربابها ولا بانتقالها إلى مسلم؛ لأنه بمنزلة أجرتها .(المغنى: 2/716).
هذا ما صنعه عمر -رضى الله عنه- بما افتتح في عهده من أرض العراق والشام، ولم يستجب لبلال ومن معه، الذين سألوه أن يقسم الأرض على الفاتحين، كما تقسم بينهم غنيمة العسكر، فأبى عمر عليهم وتلا عليهم آيات سورة الحشر: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) ثم قال: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) الآية، ثم قال تعالى: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم) ثم قال: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) الآية.(الحشر: 7-10).
قال عمر: قد أشرك الله الذين يأتون من بعدكم في هذا الفى، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء ولئن بقيت ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه من هذا الفيء ودمه في وجهه .(الخراج لأبى يوسف ص23 - 24).
ومعنى: "دمه في وجهه" أن كرامته مصونة؛ إذ يقال لمن يسأل الناس: أراق ماء وجهه.
وقد نبهت الآية الكريمة على حكمة توزيع هذا الفيء على الطبقات الضعيفة المحتاجة بهذه الكلمة الرائعة: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) فسبق بهذا المبدأ ما نادى به -بعد قرون طويلة- دعاة العدالة الاجتماعية وأنصار الاشتراكية.
وقررت الآيات توزيع عائد الفيء توزيعًا عادلاً، لا زال غرة في جبين الإنسانية، فجعلت نصيبًا فيه للجيل الحاضر من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وصودرت ملكياتهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، ومن الأنصار الذين فتحوا صدورهم ودورهم لإخوانهم المهاجرين فآووا ونصروا، وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
وأشركت مع هذا الجيل الذي بذل وضحى أجيالاً أخرى، عبر عنهم القرآن بقوله: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا).(الحشر:10).
وبهذا علمتنا الآيات الكريمة أن الأمة كلها وحدة متكاملة على اختلاف الأمكنة، وامتداد الأزمنة، وأنها -على مر العصور- حلقات متماسكة، يعمل أولها لخير آخرها، ويغرس سلفها ليجنى خلفها، ثم يأتي الآخر فيكمل ما بدأه الأول، ويفخر الأحفاد بما فعله الأجداد، ويستغفر اللاحق للسابق، ولا يلعن آخر الأمة أولها.
وبهذا التوزيع العادل تفادى الإسلام خطأ الرأسمالية التي تؤثر مصلحة الجيل الحاضر ومنفعته، مغفلة -في الغالب- ما وراءه من الأجيال، كما تجنب خطأ الشيوعية التي تتطرف كثيرًا إلى حد التضحية بجيل أو أجيال قائمة، في سبيل أجيال لم تطرق بعد أبواب الحياة.
ولهذا قال الفقيه الجليل معاذ بن جبل لأمير المؤمنين عمر - حين هم بقسمة الأرض أول الأمر على الفاتحين: والله ! إذن ليكونن ما تكره: إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد والمرأة !! ثم يأتي بعدهم قوم يسدون من الإسلام سدا، وهم لا يجدون شيئًا فانظر أمرًا يسع أولهم وآخرهم" ..قال: فصار عمر إلى قول معاذ (الأموال ص 59).
ومن هنا قال عمر لبلال وغيره ممن عارض وقف الأرض على الأمة كلها: تريدون أن يأتي آخر الناس ليس لهم شيء؟! (الأموال ص58).
قال في "المغنى": ولم نعلم شيئًا مما فتح عنوة قسم بين المسلمين إلا خيبر، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسم نصفها فصار ذلك لأهله (يعنى ملاكه) لا خراج عليه، وسائر ما فتح عنوة مما فتحه عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومن بعده كأرض الشام والعراق ومصر وغيرها، لم يقسم منه شيء (المغنى: 2/716).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #38  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي شراء الأرض الخراجية وبيعها

شراء الأرض الخراجية وبيعها


أكثر أهل العلم -ومنهم مالك والشافعي وأحمد- أن الأرض الخراجية لا يجوز شراؤها لأنها أرض موقوفة، فلم يجز بيعها، كسائر الوقوف، وقال عمر رضى الله عنه لعتبة بن فرقد - وقد اشترى أرضًا منها: ممن اشتريتها؟ قال: من أربابها، فلما اجتمع المهاجرين والأنصار، قال: هؤلاء أربابها، فهل اشتريت منهم شيئًا؟! قال: لا ..قال فارددها على من اشتريتها منه، وخذ مالك (المرجع السابق: 2/821).
وقال بعض العلماء: إذا أقر الإمام أهل العنوة في أرضهم توارثوها وتبايعوها ! لما روى: أن ابن مسعود اشترى من دهقان (الدهقان: كلمة فارسية من معانيها: رئيس الإقليم) أرضًا على أن يكفيه جزيتها (المغنى: 2/720) يعنى خراجها.
وبعضهم لم يجز البيع وإنما أجاز الشراء فقط ! لأنه استخلاص للأرض من أهل الذمة، فيقوم فيها مقام من كانت في يده (المرجع السابق).
قال ابن قدامة: وإذا قلنا بصحة الشراء، فإنها تكون في يد المشترى على ما كانت عليه في يد البائع يؤدى خراجها، ويكون معنى الشراء ههنا نقل اليد من البائع إلى المشترى بعوض، وإن شرط الخراج على البائع -كما فعل ابن مسعود- يكون اكتراء لا اشتراء، وينبغي أن يشترط بيان مدته كسائر الإجارات (المغنى: 2/722).
ثم قال: وإذا بيعت هذه الأرض، فحكم بصحة البيع حاكم -يعنى قضى بها قاض- صح؛ لأنه مختلف فيه، فصح بحكم الحاكم كسائر المجتهدات (يقصد الأمور المجتهد فيها) وإن باع الإمام شيئًا لمصلحة رآها -مثل أن يكون في أرض ما يحتاج إلى عمارة لا يعمرها إلا من يشتريها- صح أيضًا؛ لأن فعل الإمام كحكم الحاكم (المرجع السابق ص 722، 723).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #39  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي الخراج مفروض على التأبيد

الخراج مفروض على التأبيد


وأحسب أنه -بعد هذا البيان- قد اتضحت لنا طبيعة الأرض الخراجية ونظرة المسلمين إليها منذ عهد عمر، وأنها ملك للأمة كلها، وأن ملكية أربابها لها ملكية يد لا ملكية رقبة، وأن الخراج المضروب عليها بمنزلة أجرة لها، تدفع إلى الدولة الإسلامية لتنفقها في المصالح العامة للأمة، من ذلك العمل على تعمير أرض الخراج نفسها، وتيسير ريها وإصلاح جسورها، وتحقيق كل ما يزيد في إنتاجها.
فإذا أسلم أرباب هذه الأرض بعد ذلك، أو انتقلت ملكيتها إلى مسلم بالبيع والشراء -كما حدث فعلاً- فإن الخراج يبقى مضروبًا عليها، بإجماع الفقهاء في سائر العصور؛ لأن أحدًا لا يملك إسقاطه حسب النظرة الفقهية له، إذ هو ملك الأجيال الإسلامية، في شتى الأزمنة كما وضحنا ذلك قبل -ولا يملك جيل منهم- ممثلاً في إمام أو حكومة- إسقاط حق الأجيال اللاحقة في هذا الخراج المفروض في أصله على التأبيد.




__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #40  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي مذهب الحنفية وأدلتهم

مذهب الحنفية وأدلتهم


ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن العُشر هنا غير واجب، وأن من شروط وجوبه ألا تكون الأرض خراجية وكذلك روى أبو عبيد عن الليث بن سعد، وابن أبى شيبة عن الشعبي وعكرمة: لا يجتمع خراج وعُشر في أرض (انظر الأموال ص91، والمصنف: 3/201 - طبع حيدر آباد)، واستند الحنفية في ذلك إلى أدلة.
أولاً: ما روى عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يجتمع عُشر وخراج في أرض مسلم"(قال في فتح القدير (2/14): رواه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود مرفوعًا) وهو نص في المطلوب.
ثانيًا: ما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها(القفيز: مكيال، والمدى: مكيال لأهل الشام، وهو غير المد) ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم". قالها ثلاثًا. شهد على ذلك لحم أبى هريرة ودمه (رواه مسلم وأبو داود) (قال الشيخ أحمد شاكر فى هامش المحلى (5/ 247): رواه يحيى بن آدم في الخراج رقم (227)، ومسلم: 3/129، وابن الجارود ص499) ومعنى منعت: أي ستمنع كقوله تعالى: (أتى أمر الله)(النحل: 1) ووجه الدلالة في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- أخبر عما يكون في آخر الزمان من منع الحقوق الواجبة، وبين تلك الحقوق بما ذكر في الحديث، وهو عبارة عن الخراج المطلوب عليهم من الدرهم والقفيز لا العُشر، فلو كان العُشر واجبًا معه لاقترن به في الإخبار.
ثالثًا: ما رواه أبو عبيد بسنده عن طارق بن شهاب قال: كتب عمر بن الخطاب في دهقانة نهر الملك (نهر الملك: كورة واسعة ببغداد) أسلمت، فكتب: " أن ادفعوا إليها أرضها تؤدى عنها الخراج " (الأموال ص87) فأمر بأخذ الخراج ولم يأمر بأخذ العُشر ولو كان واجبًا لأمر به.
رابعًا: أن عدم الجمع بين العُشر والخراج هو ما جرى عليه العمل منذ فرض عمر -ووافقه الصحابة- الخراج على أرض السواد وغيرها، ولم ينقل أن أحدًا من أئمة العدل أو ولاة الجور أخذ من أرض السواد عُشرًا مع كثرة امتلاك المسلمين للأراضي الخراجية وتوافر الدواعي على النقل، فكان ذلك منهم إجماعًا عمليًا لا تصح مخالفته.
خامسًا: أن الخراج يجب بالمعنى الذي يجب فيه العُشر، وهو صلاحية الأرض للزراعة والنماء، ولهذا لو كانت سبخة لا منفعة لها، لم يجلب فيها خراج ولا عُشر، فسبب الوجوب فيها هو الأرض النامية؛ بدليل أنهما يضافان إليها، فيقال: خراج الأرض وعُشر الأرض، والإضافة تدل على السببية فلم يجز إيجابهما معًا، كما لو ملك نصابًا من الماشية السائمة بنية الاتجار لمدة سنة، لا تلزمه زكاتان بالإجماع: منعًا لوجوب زكاتين في مال واحد بسبب واحد، اتباعًا للحديث النبوي: "لا ثنى في الصدقة".
سادسًا: الخراج إنما وجب أصلاً بسبب الكفر؛ لأنه إنما وجب عقوبة في أرض فتحت عنوة وأقر فيها أربابها، أما العُشر فإنما وجب بسبب الإسلام؛ لأنه عبادة وجبت شكرًا لله وتطهيرًا للنفس والمال، فهما متباينان في مبدأ الإيجاب، فلم يجز اجتماعهما (انظر أحكام القرآن للجصاص: 3/17 - 19 - طبع البهية المصرية).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:48 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.