إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #11  
قديم 12-20-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق

تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق

{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


بالإشراف على أسرار أوليائه والتجلى لأرواح أنبيائه والرحيم بالعطف على أنفس الخلائق برهم وفاجرهم يبسط معايشهم فى الدنيا.

وقيل: الرحمن خاص الاسم خاص الفعل والرحيم عام الاسم عام الفعل.

وقيل: الرحمن بالنعمة والرحيم بالعصمة.

وقيل: الرحمن بالتجلى والرحيم بالتولى.

وقيل: الرحمن بكشف الأنوار والرحيم لحفظ ودائع الأسرار.

وقيل: الرحمن بذاته والرحيم فى نعوته وصفاته وجل الحق أن يدرك حقيقة أساميه أحد؛ لأن أسماءه بلا علة، وإنما يظهر للخلق نصيبهم من الأسامى لا حقيقة حقه فمن ظن أنه يفسر أساميه على حقيقة حقه فقد ضل ضلالاً بعيدًا؛ لأنه أظهر الأسامى للإثبات رحمة لخلقه لا إشرافًا على صفاته ونعوته قال الله تعالى

{ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [طه20: 110]

وكيف يدرك شئ من صفات من الجهات لا يضمنه والسمات لا يأخذه والأوقات لا تداوله ومصنوعةٌ لا تجاوله والترجمة لا تجليه والآداب لا تؤدبه والإشارات لا تدانيه، لم تلتبس به حالٌ ولا ينازعه باك، لا الصفات أوجدته ولا الأسامى زينته، بل هو موجد كل موجود وخالق كل موصوف - جل وتعالى-.


سمعت منصورًا بإسناده يقول عن جعفر قال: الرحمن الذى يرزق الخلق ظاهرًا وباطناً، فرزق الظاهر الأقوات من المأكولات والمشروبات والعوافى، والباطن العقل والمعرفة والفهم وما ركب فيه من أنواع البدائع كالسمع والبصر والشم والذوق واللمس والهمة والظن.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #12  
قديم 12-20-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق

تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمة صفة أزلية وهي إرادة النعمة وهما اسمان موضوعان للمبالغة ولا فضل بينهما عند أهل التحقيق.

وقيل الرحمن أشد مبالغة وأتم في الإفادة، وغير الحق سبحانه لا يسمى بالرحمن على الإطلاق، والرحيم ينعت به غيره، وبرحمته عرف العبد أنه الرحمن، ولولا رحمته لما عرف أحد أنه الرحمن، وإذا كانت الرحمة إرادة النعمة، أو نفس النعمة كما هي عند قوم فالنعم في أنفسها مختلفة، ومراتبها متفاوتة فنعمة هي نعمة الأشباح والظواهر، ونعمة هي نعمة الأرواح والسرائر.

وعلى طريقة من فرَّق بينهما فالرحمن خاص الاسم عام المعنى، والرحيم عام الاسم خاص المعنى؛ فلأنه الرحمن رزق الجميع ما فيه راحة ظواهرهم، ولأنه الرحيم وفق المؤمنين لما به حياة سرائرهم، فالرحمن بما روَّح، والرحيم بما لوَّح؛ فالترويح بالمَبَارِّ، والتلويح بالأنوار: والرحمن بكشف تَجَلِّيه والرحيم بلطف تولِّيه، والرحمن بما أولى من الإيمان والرحيم بما أسدى من العرفان، والرحمن بما أعطى من العرفان والرحيم بما تولَّى من الغفران، بل الرحمن بما ينعم به من الغفران والرحيم بما يَمُنُّ به من الرضوان، بل الرحمن بما يكتم به والرحيم بما ينعم به من الرؤية والعيان، بل الرحمن بما يوفق، والرحيم بما تحقق، والتوفيق للمعاملات، والتحقيق للمواصلات، فالمعاملات للقاصدين، والمواصلات للواجدين، والرحمن بما يصنع لهم والرحيم بما يدفع عنهم؛ فالصنع بجميل الرعاية والدفع بحسن العناية.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #13  
قديم 12-20-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 404 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى

تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 404 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى



{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


وقوله تعالى { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } بالرحمن سبقت رحمته غضبه وبالرَّحيم حجب كرمه سخطه ٱلرَّحْمـٰنِ اسم القدم والرّحيم اسم البقاء وٱلرَّحْمـٰنِ اسم الحقيقة والرّحيم اسم الصفة وقيل ٱلرَّحْمـٰنِ بالإشراف على اسرار أوليائه والتجلى لارواح انبيائه وقيل الرحمن خاص الاسم خاص الفعل والرّحيم عام الاسم عام الفعل وقيل الرحمن بالنعمة والرحيم بالعصمة وقيل الرحمن بالتجلى والرّحيم بالتدلّى وقيل الرحمن بكشف الانوار والرّحيم بحفظ ودائع الاسرار وقيل الرحمن بذاته والرّحيم بنعوته وصفاته وقال سهل بنسيم روح الله اخترع من ملكه ما شاء رحمة لأنه رحمن رحيم وقال الواسطى الرحمانية تشوق الروح شوقاً والالهية تذوق الحق ذوقاً وقال ابراهيم الخواص من عرفَهَ بأنه الرحمنُ الرّحيم لَزِمه معرفته بالرحمة الثقة به في حياته ومماته والعطف بالرحمة على الخلائق اجمع في الدنيا بالعوافى والارزاق بالمغفرة والرحمة والغفران قال جعفر الصادق الرحمنُ العاطفُ على خلقه السَابق المقدور عليهم والمراقِبُ لهم والرحيم المتعطف لهم في امر المعاشِ والعوافى وقال الجنيد في قوله { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } الرحمة على وجهين رحمة لطفه ورحمةُ عطفه فإشارة باسمه الرّحمن الى لطفه واشارة باسمه الرَّحيم الى عطفه وقال الاستاذ الرحمنُ خاص الاسم عام المعنى والرّحيم عام الاسم خاصّ المعنى فالرحمن بما رَوَّح والرّحيم بما لَوَّحَ فالتَرويح للمباد والتلويح بالانوار والرّحمن بكشف تجليه والرّحيم بلطف توليه والرحمن بما اولى من الايمان والرّحيم بما اسرى من العرفان والرحمن بما اعطى من العرفان والرحيم بما تولّى من الغفران والرحيم بما منّ به من الرضوان والرحمن بما يكرم به من الرضوان والرحيم بما يكرم به من الرّؤية والعيان فالرحمن بما يوافق والرحيم بما يحقق فالتوفيق للمعاملات والتحقيق للمواصلات فالمعاملات للقاصدين والمواصلات للواجدين والرحمن بما يَصْنَعُ لهم والرحيم بما يدفع عنهم والصنع بجمع العناية والدفع بحسن الرعاية الى هٰهنا كلام الاستاذ امّا من اخترعى ان اسم الرحمن محل طلوع انوار العناية والرحيم محل اشراق شمس الكفاية فبالعناية تهدى اهل العرفان الى مشاهد القدم وبالكفاية يحفظ حقائق ايمانهم ابداً لوجه بقاء الديموميّة فالبرحمن تأيدهم وبالرحيم ترقّيهم وتحفظهم فالاوّل للعناية والاخر للكفاية تغمرهم بنور الازلية بين الصفتين حتى يصيروا بالرحمن مشتاقين وبالرّحيم والهِين وقال حَمِيد هل يكون من الرحمن لأهل الايمان الا الأمنَ والامان والرّؤية والعيانَ وقال سهل الرحمن على عباده بالمغفرة والرّضوان والرّحيمُ عليهم بالعوافى والارزاق.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #14  
قديم 12-20-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


{ الرحمن الرحيم } فى التكرار وجوه. احدها ما سبق من ان رحمتى البسملة ذاتيتان ورحمتى الفاتحة صفاتيتان كماليتان والثانى ليعلم ان البسملة ليست من الفاتحة ولو كانت منها لما اعادهما لخلوا الإعادة عن الفائدة والثالث انه ندب العباد الى كثرة الذكر فان من علامة حب الله حب ذكر الله وفى الحديث " من احب شيئا اكثر ذكره "

والرابع انه ذكر رب العالمين فبين ان رب العالمين هو الرحمن الذى يرزقهم فى الدنيا الرحيم، الذى يغفر لهم فى العقبى ولذلك ذكر بعده مالك يوم الدين يعنى ان الربوبية اما بالرحمانية وهى رزق الدنيا وما بالرحيمية وهى المغفرة فى المغفرة فى العقبى والخامس انه ذكر الحمد وبالحمد تنال الرحمة فان اول من حمد الله تعالى من البشر آدم عطس فقال الحمد لله واجيب للحال يرحمك ربك ولذلك خلقك فعلم خلقه الحمد وبين انهم ينالون رحمته بالحمد. والسادس ان التكرار للتعليل لان ترتيب الحمد على هذه الأوصاف امارة علية مأخذها فالرحمانية والرحيمية من جملتها لدلالتهما على انه مختار في الاحسان لا موجب وفى ذلك استيفاء اسباب استحقاق الحمد من فيض الذات برب العالمين وفيض الكمالات بالرحمن الرحيم ولا خارج عنهما فى الدنيا وفيض الاثوبة لطفا والأجزية عدلا فى الآخرة ومن هذا يفهم وجه ترتيب الاوصاف الثلاثة. والفرق بين الرحمن والرحيم اما باختصاص الحق بالاول او بعمومه او بجلائل النعم فعلى الاول هو الرحمن بما لا يصدر جنسه من العباد والرحيم بما يتصور صدوره منهم فذا كما روى عن ذى النون قدس سره وقعت ولولة فى قلبى فخرجت الى شط النيل فرأيت عقربا يعدو فتبعته فوصل الى ضفدع على الشط فركب ظهره وعبر به النيل فركبت السفينة واتبعته فنزل وعدا الى شاب نائم واذا افعى بقربه تقصده فتواثبا وتلادغا وماتا وسلم النائم – ويحكى – ان ولد الغراب اذا خرج من القشر يكون كلحم احمر ويفر الغراب منه فيجتمع عليه البعوض فليتقمه الى ان ينبت ريشه فعند ذلك تعود الام اليه ولهذا قيلا يا رازق النعاب فى عشه واما على ان الرحمن عام فقيل كيف ذلك وقلما يخلو أحد بل حالة له عن نوع بلوى قلنا الحوادث منها ما يظن انه رحمة ويكون نقمة وبالعكس قال الله تعالى

{ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً } [النساء4: 19]

الآية فالاول كما قال

ان الشاب والفراغ والجدهمفسدة للمرء أى مفسده


وكل منها فى الظاهر نعمة والثانى كحبس الولد فى المكتب وحمله على التعليم بالضرب وكقطع اليد المتأكلة فالابله يعتبر بالظواهر والعاقل ينظر الى السرائر فما من بلية ومحنة الا وتحتها رحمة ومنحة وترك الخير الكثير للشر القليل شر كبير فالتكاليف لتطهير الارواح عن العلائق الجسدانية وخلق النار لصرف الاشرار الى اعمال الابرار وخلق الشيطان لتميز المخلصين من العباد فشأن المحقق ان يبنى على الحقائق كالخضر عليه السلام فى قصة موسى عليه السلام معه فكل ما يكره الطبع فتحته اسرار خفية وحكمة بالغة فلولا الرحمة وسبقها للغضب لم يكن وجود الكون ولما ظهر للاسم المنعم عين وإما على ان الرحمن لجلائل النعم فانما اتبعه بالرحيم لدفع توهم ان يكون طلب العبد الشيء اليسير سوء ادب كما قيل لبعضهم جئتك لحاجة يسيرة قال اطلب لها رجلا يسيرا فكأن الله يقول لو اقتصرت على الرحمن لاحتشمت عني ولكنى رحيم فاطلب منى حتى شراك نعلك وملح قدرك: قال الشيخ السعدى قدس سره العزيز
-1-

محالست اكر سربرين درنهىكه باز آيدت سدت حاجت تهى


قال اهل الحقيقة الحضرات الكلية المختصة بالرحمن صلاة حضرة الظهور وحضرة البطون وحضرة الجمع وكل موجود فله هذه المراتب ولا يخلو عن حكمها وعلى هذه المراتب تنقسم احكام الرحمة فى السعداء والاشقياء والمتنعمين بنفوسهم دون ابدانهم كالارواح المجردة وبالعكس والجامعين بين الامرين وكذا من اهل الجنة منهم سعداء من حيث نفوسهم بعلومهم دون صورهم لكونهم لم يقدموا فى الجنة الاعمال ما يستوجبون به النعيم الصورى وان كان فنزر يسير بالنسبة الى من سواهم وعكس ذلك كالزهاد والعباد الذين لا علم لهم فان ارواحهم قليلة الحظ من النعيم الروحانى لعدم المناسب بينهم وبين الحضرات العلمية الآلهية ولهذا لم تتعلق هممهم زمان العمل بما وراء العمل بل ظنوه الغاية فوقفوا عنده واقتصروا عليه رغبة فيما وعدوا به ورهبة مما حذروا منه واما الجامعون بين النعيمين تماماً فهم الفائزون بالحظ الكامل فى العلم والعمل كالرسل عليهم الصلاة والسلام ومن كملت وراثته منهم اعنى الكمل من الاولياء: قال المولى جلال الدين قدس سره

هركبوتر مى برد در مذهبىوين كبوتر جانب بى جانبى

-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #15  
قديم 12-20-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


القراءة ـ

قرأ عاصم والكسائي وخلف ويعقوب: مالك بالألف. الباقون ملك بغير الف؛ ولم يمل أحد الف مالك، وكسر جميعهم الكاف. وروي عن الأعمش، انه فتحها على النداء، وربيعة بن نزار يخففون مالك ويسقطون الألف، فيقولون: ملك بتسكين اللام وفتح الميم كما قال ابو النجم.

تمشي الملك عليه حلله.

والألف ساقط في الخط في القراءتين والمعول على الأولتين دون النصب وإسكان اللام ومعنى ملك يوم الدين باسقاط الألف أنه الملك يومئذ لا ملك غيره وأنه لا يؤتى في ذلك الوقت أحداً الملك كما اتاه في الدنيا، وقوى ذلك بقوله تعالى:

{ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } (غافر40: 16)

وبانه يطابق ما تقدم من قوله: { رب العالمين الرحمن الرحيم }


ومن قرأ مالك بالف معناه انه مالك يوم الدين والحساب لا يملكه غيره ولا يليه سواه.

اللغة

والمالك هو القادر على التصرف في ماله، وأن يتصرف فيه على وجه ليس لأحدٍ منعه منه، ويوصف العاجز بأنه مالك من جهة الحكم. والملك هو القادر الواسع القدرة الذي له السياسة والتدبير، ويقال ملك بيِّن الملك مضمومة الميم، ومالك بيِّن الملك والمِلك بفتح الميم وكسرها، وضم الميم فيه لغة شاذة ذكرها ابو علي الفارسي. ويقال طالت مملكة الأمير ومملَكته بكسر اللام وفتحها وطال مُلكه ومَلكه اذا طال رقه، واعطاني من ملكه وملكه، ولي في هذا الوادي ملك ومَلك ومِلك ويقال نحن عبيد مملكة وليس بعبيدقن اي سبياً لم يملك في الأصل، ويقال: شهدنا املاك فلان وملكه، ولا يقال ملاكه، فأصل الملك الشد من قول الشاعر:

ملكت بها كفي وانهرت فقعها


اي شددت. وملكت العجين اي شددت عجنه. ويقال: هذا ملك فلان اذا كان له التصرف فيه على ما بيناه. فأمّا من رجح قراءة ملك من حيث انه وصف نفسه بأنه ملك كل شيء بقوله: { رب العالمين } فلا فائدة في تكرير ما قد مضى فقد ابعد لأن في القرآن له نظائر تقدّمها العام وذكر بعد العام الخاص:

{ اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِن عَلَقٍ } (العلق96: 1-2)

فعمّ في الأول ثم خص ذكر الأنسان تنبيهاً على تأمل ما فيه من اتقان الصنعة ووجوه الحكمة، كما قال:

{ وَفِي أَنفُسِكُم أَفَلَا تُبْصِرُونَ } (الذاريات51: 21)

ولذلك نظائر كثيرة.


وفي الناس من قال ان ملك ابلغ في المدح من مالك. لأن ملك مالك وليس كل مالك ملكاً. وقال تغلب: إن مالك ابلغ من ملك لأنه قد يكون الملك على من لا يملك، كما يقال ملك الروم وان كان لا يملكهم ولا يكون مالكا إلا على ما يملك. وقال بعضهم: ان مالك أبلغ في المدح للخالق من ملك. وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك، لأن مالك من المخلوقين قد يكون غير ملك.
-1-

واذا كان الله تعالى مالكا كان ملكا. والاقوى أن يكون مالك أبلغ في المدح فيه تعالى؛ لانه ينفرد بالملك ويملك جميع الاشياء فكان أبلغ.

وقوله تعالى: { يوم الدين }

الاعراب ـ مجرور بالاضافة قي القراءتين معاً، وهو من باب يا سارق الليلة أهل الدار. اتسع في الظرف فنصب. نصب المفعول به ثم اضيف على هذا الحد وليس ذلك مثل قوله: { وعنده علم الساعة } مفعول بها على الحقيقة، ولا أن جعل الظرف مفعولا على السعة، لأن الظرف اذا جعل مفعولا على السعة فمعناه معنى الظرف. ولو جعل ظرفاً لكان المعنى: يعلم في الساعة. وذلك لا يجوز لانه تعالى يعلم في كل وقت والمعنى: انه يعلم الساعة أي يعرفها. ومن نصب انما هرب ان يخرج من خطاب الغائب إلى المواجه في قوله { اياك نعبد واياك نستعين } وليس ذلك ببديع، لأنه مستعمل في القرآن وفى الشعر.

قال الله تعالى:

{ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } (يونس10: 22)

فعدل عن خطاب المواجه إلى الكنانة عن الغائب. وقال الشاعر:

كذبتم وبيت الله لا تنكحونهابني شاب قرناها تصر وتحلب


وقال ابو كثير الهلالي:

يا لهف نفسي، كان جدة خالدوبياض وجهك للتراب الاعفر


وقال لبيد بن ربيعة:

قامت تشكي اليَّ النفس مجهشةوقد حملتك سبعاً بعد سبعينا


فرجع الى مخاطبة نفسه، وقد تقدم الاخبار عنها.

وقال الكسائي التقدير: قولوا اياك نعبد. فيكون على حكاية ما امروا به.

اللغة:

والدين الحساب، والدين الجزاء ايضاً. قال كعب بن جعيل:

اذا ما رمونا رميناهمودناهم فوق ما يقرضونا


وقال آخر:

واعلم وايقن ان ملكك زائلواعلم بانك ما تدين تدان


يعني: ما تجزي تجزى. ومنه قوله تعالى: { كلا بل تكذبون بالدين } يعني بالجزاء. وقوله: { فلولا إن كنتم غير مدينين } أي غير مجزيين. وبهذا قال جماعة من التابعين كسعيد بن جبير وقتادة. وروي عن ابن عباس ومجاهد وابي جعفر: انه الحساب. والدين ايضاً الطاعة. وقال عمرو بن كلثوم:

وايام لنا غر طوالعصينا الملك فيها ان ندينا


والدين الملك قال زهير:

لئن حللت بجو في بني أسدفي دين عمرو وحالت بيننا فدك


والدين القهر والاستعلاء قال الأعشى:

هو دان الرباب اذ كرهوا الدين دراكا بغزوة وصقال


يعني ذللهم للطاعة. والدين العادة قال المثقب العبدي:

تقول وقد درأت لها وضينىأهذا دينه ابداً وديني


التفسير

{ ويوم الدين } عبارة عن زمان الجزاء كله، وليس المراد به ما بين المشرق والمغرب وطلوع الشمس إلى غروبها
-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #16  
قديم 12-20-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


ليكون تفضيلا لها وقد مضى تحقيق الصّفتين وجعلهما هاهنا صفتين لله يشعر بجعلهما فى التّسميّة صفتين لاسم الله ليكون تأسيساً واشارة الى انّ القارى ينبغى ان يكون فى قرائته مرتقياً من النّظر الى الاسماء والاتّسام بها وتوصيفها بصفات الله الى النّظر الى الذّات وتوصيفها بصفاتها حتّى يتحقّق فى حقّه امتثال امر: اقرء وارق.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #17  
قديم 12-20-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) مصنف و مدقق




{ الرحمٰن } المنعم بنعم الدنيا والدين. { الرحيم } واسع الرحمة. { مٰلك } قرأ عاصم مالك بالألف. { يوم الدين } يوم الجزاء، وقيل: يوم القهر، وقيل: يوم الحساب، ومنه: " كما تدين تدان ". { إياك نعبد } أي نخضع لك بالعبادة والاستعانة، لا نعبد غيرك ولا نستعينه، إلتفات خرج من الغيبة إلى الخطاب، والإلتفات يكون من الغيبة الى الخطاب مثل هذا، ومن الخطاب الى الغيبة مثل قوله تعالى:

{ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس10: 22]

ومن الغيبة الى المتكلم مثل قوله تعالى:

{ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ } [فاطر35: 9]

وقد التفت امرئ القيس ثلاثة التفاتات في ثلاثة أبيات وهو قوله:



تطاول ليلك بالاثمدونام الخلي ولم يرقد
وبات وباتت له ليلةكليلة ذي العابر الارمِد
وذلك من نبإ جاءنيوخُبِّرْته عن أبي الاسوَدِ


العابر: انسان العين، والرمد: وجع العين، وكان من حقه ان يقول: تطاول ليلي بالاُثمد، لأنه يخاطب نفسه. { واياك نستعين } اي نطلب المعونة منك على عبادتك.

{ اهدنا } اي دلنا { الصراط المستقيم } الطريق الواضح، ومنه:

{ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ } [الأعراف7: 86]

وقيل: طريق الإسلام، وقيل: القرآن، وقيل: طريق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واصحابه، قال أمير المؤمنين على صراط:



إذا اعوج الموارد مستقيم


وقيل: الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره. { صراط الذين أنعمت عليهم } قرأ ابن مسعود صراط من أنعمت عليهم، وقرأ حمزة الزراط بالزاي، وابن كثير بالسين عليهم: قرأ حمزة برفع الها حيث وقع وهم النبيّون والصديقون والشهداء والصالحون، وعن ابن عباس هم أصحاب موسى قبل ان يغيروا، وقيل: هم الانبياء. { غير المغضوب عليهم } هم اليهود. { ولا الضالين } هم النصارى، وقيل: المغضوب عليهم هم اليهود والنصارى، ولا الضالين هم الكفار، وقيل: هم اهل البدع، يستحبُّ للقارئ أن يقول بعد فراغه من قراءة الفاتحة: آمين، بعد سكتة على نون ولا الضالين، ليميز ما هو قرآن بما ليس بقرآن، تجريد.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #18  
قديم 12-20-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق

{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


{ الرَّحْمَٰن } المنعم بالنعم العظيمة، أو مريد الإنعام به، وليس معرّبا من رحمن بالخاء المعجمة كما قيل { الرَّحِيم } المنعم بالنعم التي دون تلك، أو مريدها، وليس بينها عموم وخصوص على هذا، فضلا عن أن يقال، قدمت الخاصة على العامة، وإنما ذلك لو فسر الرحيم بالمنعم بمطلق النعم، أو هما سواء، كنديم وندمان، جمعا تأكيدا، كما روى، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وعلى الأخصية، فقد قيل بجواز تقديم الصفة الخاصة على العامة للفاصلة، كما في قوله تعالى " رَءوف رَحيم ". وقوله تعالى: " رَسولا نبيا ". وقيل: يا رحمن الدنيا، لأنه يعم المؤمن والكافر، ورحيم الآخرة، لأنه يخص المؤمن. وقيل: يا رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا، لأن نعم الآخرة كلها عظام، وأما نعيم الدنيا فجليلة وحقيرة، وهي هنا مبنية على الميم، نظير النون في العالمين والدين.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #19  
قديم 12-20-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 1-4

تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 1-4

{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


سبق تفسيرهما وبقى النظر في إعادتهما وللمفسرين في ذلك آراء منهم من يرى هذه الإعادة دليلا على أن البسملة ليست من الفاتحة إذ لو كانت من الفاتحة لما كان معنى لتكرار ما جاء فيها من غير داع إلى ذلك، ومن هؤلاء ابن جرير الطبري فقد جعل من هذه الإعادة دليلا على خطأ القائلين بأن البسملة من الفاتحة ثم التفت إلى ما جاء في القرآن مما ظاهره التكرار نحو قوله تعالى:

{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } في سورة الرحمن55 وقوله:
{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } في سورة المرسلات77

وأجاب بأن ذلك إنما يكون مع الفاصل وما قبل { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } في سورة الفاتحة لا يكفي لأن يعد فاصلا وبنى ذلك في رأيه على ما حكاه عن جماعة من أهل التأويل بأن في التركيب تقديما وتأخيراً والأصل { الحمد لله الرحمن الرحيم رب العالمين مالك يوم الدين } وبين سبب هذه الدعوى أن الأصل في التركيب أن يكون كل شيء مع مناسبه وفي الآيات وصف الله سبحانه بالربوبية والرحمة والملك، والربوبية أليق أن تكون بجانب الملك والرحمة بجانب الالوهية المستفادة من اسم الجلالة، وذكر أن التقديم والتأخير مما لا يستنكر في الوضع العربي والشواهد عليهما قائمة في القرآن نفسه ومن سائر الكلام العربي، وذكر من القرآن شاهدا على ذلك قول الله تعالى:

{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا *قَيِّماً.. } [الكهف18: 1- 2]

فإن في التركيب - حسبما يقول - تقديما وتأخيرا والأصل { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا } واستشهد لذلك من كلام العرب بقول جرير:

طاف الخيال وأين منك لمامافارجع لزورك بالسلام سلاما


فالأصل: طاف الخيال لماماً منك هو.. وهذا الذي اعتمده ابن جرير ونسبه إلى جماعة من أهل التأويل نسبه أبو حيان في البحر المحيط إلى مكي وقال: لولا جلالة قائله لنزهت كتابي عن ذكره ثم ذكر أبو حيان علوَّ بلاغة القرآن وجمال أسلوبه في تركيب كلماته ورصف جمله فلا وجه للدعوى بأنه قدم فيه ما حقه التأخير أو أخر ما حقه التقديم وأضاف إلى ذلك بأن الله سبحانه وصف نفسه في الفاتحة بالربوبية والرحمة، وذكر فيها حمده وعبادته، ووصف الربوبية يقتضي استحقاق الحمد، ووصف الرحمة يقتضى استحقاق العبادة، وقد وُضع كل واحد من الوصفين بجوار ما يلائمه.

هذا وضعف كلام ابن جرير أظهر من أن يحتاج إلى الكشف، فان عبارات القرآن الكريم لا يصح أن تُحمل على خلاف الأصل إلاّ لأمر يقتضي الخروج عنه ولا داعي هنا للتقديم والتأخير، ولا يصح أن يُحمل التركيب القرآني الذي هو أبلغ تركيب في الكلام على ما قد يضطر الشعراءَ إليه في شعرهم محافظتُهم على الوزن والقافية، فإن للشعر أحكاما لا تكون حتى للكلام المنثور، وقد يفضى الإِضطرار بالشعراء إلى الإِتيان بتركيب ممجوج تأباه الفصاحة، نحو قول الفرزدق:
-1-
وما مثله في الناس إلا مملكاأبو أمه حيٌّ أبوه يقاربه


وقد أجمع علمَاء البلاغة على رداءة هذا التركيب، فهل يصح أن يُحمل عليه أو على مثله شيء من التركيب القرآنى الذى يتعالى عن الضرورات، ويعلو على كل العبارات، وأما قول الله تعالى في فاتحة الكهف

فإن كل كلمة فيه قد جاءت في موضعها من غير تقديم ولا تأخير، فإن الله سبحانه ابتدأ بنفي العوج عن كتابه ثم أكد هذا النفي بوصفه أنه قيّم والتأكيد يأتي بعد المؤكد، وقد اجتمع من نفي العوج عن الكتاب ووصفه أنه قيّم نفى النقص عنه وإثبات الكمال له، وإذا ألقينا نظرة على ترتيب كلمات الفاتحة الشريفة وجدنا كل كلمة جاءت في موضعها بحسب ما يقتضيه معناها، وتصدير الفاتحة بعد البسملة بجملة { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أمر تقتضيه الرسالة التي بُعث بها النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وبُعث بها النبيون من قبله فإن رسالات جميع المرسلين تلتقي على الدعوة إلى توحيد الله تعالى { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } وقد كانت دعوة كل رسول يواجه بها قومه

{ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [الأعراف7: 59]

فلا غرو أذا رأينا أم القرآن الكريم تُصدَّر - بعد البسملة التي تشترك فيها مع غيرها من السور - بجملة تستأصل جذور الشرك والوثنية من قلوب العباد وتغرس فيها شجرة التوحيد الخالص، كيف وقد جمعت الفاتحة مقاصد القرآن، والتوحيد أسمى مقاصده، وقد كان القرآن منذ بداية نزوله يواجه تلك الوثنية العاتية المتأصلة في نفوس العرب، فما أنسب أن تكون بداية هذه السورة الكريمة معنية ببناء صرح العقيدة الصّحيحة التي ترجع إليها جزئيات الأعمال في الإِسلام، إذ ما من شيء من أعمال المسلم التي يطالب بها إلا وهو إما أن يكون مددا للعقيدة أو منبثقا منها، فالشعائر التعبدية كلها وقود لمشكاتها وصقل لمرآتها والشريعة الجامعة التي شرعها الله هي من مقتضياتها ولوازمها، فإن إنفراد الله سبحانه بالربوبية والألوهية يقتضي أن لا يُستمد منهج الحياة إلاّ منه، ولا ريب أن ذوي الفطرة السليمة إذا قرع مسامعهم قول الحق سبحانه: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } وتصوروا معناه داخلت قلوبهم هيبة تجف منها نفوسهم وترتجف منها أوصالهم لما يدركونه من عظمة الخالق سبحانه الذي يخضع لجلاله كل كائن في الوجود، ويذل لكبريائه كل عزيز وعظيم، فلا عجب إذا تُلِّيَ ذلك بوصف الرحمن الرحيم لإِفاضة الطمأنينة على هذه القلوب الواجفة وإنزال السكينة على هذه النفوس المضطربة عندما تشعر بأن هذه الربوبية هي ربوبية رحمة وإحسان، والألوسي الذي تشدد في إنكار كون البسملة آية من الفاتحة يتفق هنا معنا على ضعف هذه الحجة، وأوضح أن هذا التكرار لفائدة وهي أن ذكرهما في البسملة تعليل للابتداء باسمه عزّ شأنه وذكرهما هنا تعليل لاستحقاقه تعالى الحمد، والرّازي يرى أن حكمة التكرار تشويق القلوب إلى رحمة الله تعالى كأنه قيل: اذكر أني إله ورب مرة واحدة، واذكر أني رحمن رحيم مرتين لتعلم أن العناية بالرحمه أكثر منها بسائر الأمور، ثم لما بين الرحمة المضاعفة فكأنه قال: لا تغتروا بذلك فإني مالك يوم الدين، ونظيره قوله تعالى:

-2-

{ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ } [غافر40: 3]

وتعقب الألوسي كلام الرازي بأن الألوهية مكررة أيضا يشير بذلك إلى ذكر اسم الجلالة في البسملة وإعادته في جملة الحمد لله، وذكر الإِمام محمد عبده نكتة ظاهرة في إعادة هذين الوصفين الكريمين وهي أن تربيته تعالى للعالمين ليست لحاجة به إليهم كجلب منفعة أو دفع مضرة وإنما هي لعموم رحمته وشمول إحسانه، ثم أشار إلى النكتة التي ذكرناها من قبل وهي أن مراده تعالى بهذا التكرير أن يتحبب إلى عباده فعرفهم أن ربوبيته ربوبية رحمة وإحسان ليكون في ذلك حافز لهم على اكتساب مرضاته وتجنب ما يؤدي إلى سخطه.. إلى آخر ما ذكر.

ويرى السيد رشيد رضا أنه لا وجه للبحث في عد ذكر { الرحمن الرحيم } في سورة الفاتحة تكرارا أو إعادة مطلقا، وبين أن ذلك ظاهر على القول بأن البسملة ليست آية منها، وأما على القول بأنها آية منه فيحتاج إلى بيان، وأوضح وجهه وهو أن المراد من جعلها آية منها ومن كل سورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقنها ويبلغها الناس إعلانا منه بأن السورة التي صُدرت بها منزلة من عند الله لتكون رحمة لخلقه بما تشتمل عليه من هدايه، وأنه عليه أفضل الصلاة والسلام لم يكن له كسب فيها ولا صنع، وما هو إلا مبلغ لها بأمر الله تعالى، فلذلك كانت مقدمة للسور كلها إلا سورة براءة المنزلة بالسيف وكشف الستار عن نفاق المنافقين، فهي بلاء على من أنزل أكثرها في شأنه لا رحمة بهم، ثم قال: وإذا كان المراد ببدء الفاتحة بالبسملة أنها منزلة من الله رحمة بعباده فلا ينافي ذلك أن يكون من موضوع هذه السورة بيان رحمة الله تعالى مع بيان ربوبيته للعالمين، وكونه الملك الذي يملك وحده جزاء العاملين على أعمالهم وأنه بهذه الأسماء والصفات كان مستحقا للحمد من عباده، كما أنه مستحق له في ذاته، ولهذا نُسب الحمد إلى اسم الذات الموصوف بهذه الصفات، ثم أضاف إلى ذلك أن الحاصل أن معنى الرحمة في بسملة كل سورة هو أن السورة منزلة برحمة الله وفضله فلا يُعد ما عساه يكون في أول السورة أو أثنائها من ذكر الرحمة مكررا مع ما في البسملة وإن كان مقرونا بذكر التنزيل كأول سورة فصلت
-3-

{ حـمۤ *تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [فصلت41: 1- 2]

لأن الرحمة في البسملة للمعنى العام في الوحي والتنزيل وفي السور للمعنى الخاص الذي تبينه السوره.. الخ.

هذا وبما أن القرآن الكريم أنزله الله ليكون هدًى للمؤمنين، فإن كل كلمة منه تشع منها الهداية، وبإمكان تاليه أن يستفيد بكل ما يتلوه في تهذيب نفسه وتربية ضميره، وذكر صاحب " المنار " أن حظ العبد من وصف الله تعالى بالربوبية أن يحمده تعالى ويشكره باستعمال نعمه التي تتربى بها القوى الجسدية والعقلية فيما خلقت لأجله مستشعرا عظم المنة من الله سبحانه عليه من غير أن يكون تعالى محتاجا إليه، وفي هذا ما يدعوه إلى إحسان تربية نفسه وتربية من يوكل إليه تربيته من أهل وولد ومريد وتلميذ، واستعمال نعمته بهداية الدين في تربية نفسه الروحية والإِجتماعية، وكذا تربية من يوكل إليه تربيتهم، وأن لا يبغي كما بغى فرعون فيدعى أنه رب الناس، وكما بغى فراعنة كثيرون ولا يزالون يبغون بجعل أنفسهم شارعين يتحكمون في دين الناس بوضع العبادات التي لم ينزلها الله تعالى، وبقولهم هذا حلال وهذا حرام من عند أنفسهم أو من عند أمثالهم فيجعلون أنفسهم شركاء لله في ربوبيته قال تعالى:

{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } [الشورى42: 21]

وفسر النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله بمثل هذا.


وذكر صاحب المنار أيضا أن حظ العبد من وصف الله بالرحمة أن يطالب نفسه بأن يكون رحيما بكل من يراه مستحقا للرحمة من خلق الله تعالى حتى الحيوان الأعجم، وأن يتذكر دائما أن ذلك هو طريقه إلى رحمة الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما يرحم الله من عباده الرحماء " رواه الطبراني عن جرير بسند صحيح وقال: " الراحمون يرحمهم الله تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " رواه أحمد وأبو داود والحاكم من حديث ابن عمر، وقال صلى الله عليه وسلم: " من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله تعالى يوم القيامة " رواه البخاري في " الأدب المفرد " والطبراني عن أبي أمامه وأشار السيوطي إلى صحته.
-4-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #20  
قديم 12-20-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-4

تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-4

{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


وصفان مشتقان من رَحِم، وفي «تفسير القرطبي» عن ابن الأَنباري عن المبرد أن الرحمٰن اسم عبراني نقل إلى العربية قال وأصله بالخاء المعجمة (أي فأبدلت خاؤه حاء مهملة عند أكثر العرب كشأن التغيير في التعريب) وأنشد على ذلك قول جرير يخاطب الأخطل:

أو تتركُنَّ إلى القسّيس هِجْرَتكمومسْحَكُم صُلْبَكم رَخْمان قُربَانا


(الرواية بالخاء المعجمة) ولم يأت المبرد بحجة على ما زعمه، ولم لا يكون الرحمٰن عربياً كما كان عبرانياً فإن العربية والعبرانية أختان وربما كانت العربية الأصلية أقدم من العبرانية ولعل الذي جرأه على ادعاء أن الرحمٰن اسم عبراني ما حكاه القرآن عن المشركين في قوله:

{ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـنُ } [الفرقان25: 60]

ويقتضي أن العرب لم يكونوا يعلمون هذا الاسم لله تعالى كما سيأتي وبعض عرب اليمن يقولون رَخِم رخمة بالمعجمة.


واسم الرحمة موضوع في اللغة العربية لرقة الخاطر وانعطافه نحو حيّ بحيث تحمل من اتصف بها على الرفق بالمرحوم والإحسان إليه ودفع الضر عنه وإعانته على المشاق. فهي من الكيفيات النفسانية لأنها انفعال، ولتلك الكيفية اندفاع يحمل صاحبها على أفعال وجودية بقدر استطاعته وعلى قدر قوة انفعاله، فأصل الرحمة من مَقُولة الانفعال وآثارُها من مقولة الفِعل، فإذا وصف موصوف بالرحمة كان معناه حصول الانفعال المذكور في نفسه، وإذا أخبر عنه بأنه رحم غيره فهو على معنى صدَر عنه أثر من آثار الرحمة، إذ لا تكون تعدية فعل رحم إلى المرحوم إلا على هذا المعنى فليس لماهية الرحمة جزئيات وجودية ولكنها جزئيات من آثارها. فوصف الله تعالى بصفات الرحمة في اللغات ناشىء على مقدار عقائد أهلها فيما يجوز على الله ويستحيل، وكان أكثر الأمم مجسِّمة ثم يجيء ذلك في لسان الشرائع تعبيراً عن المعاني العالية بأقصَى ما تسمح به اللغات مع اعتقاد تنزيه الله عن أعراض المخلوقات بالدليل العام على التنزيه وهو مضمون قول القرآن:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى42: 11]

فأهل الإيمان إذا سمعوا أو أطلقوا وصفي الرحمٰن الرحيم لا يفهمون منه حصول ذلك الانفعال الملحوظ في حقيقةِ الرحمة في متعارف اللغة العربية لسطوع أدلة تنزيه الله تعالى عن الأعراض، بل إنه يراد بهذا الوصف في جانب الله تعالى إثباتُ الغرض الاسمى من حقيقة الرحمة وهو صدور آثار الرحمة من الرفق واللطف والإحسان والإعانة؛ لأن ما عدا ذلك من القيود الملحوظة في مسمى الرحمة في متعارف الناس لا أهمية له لولا أنه لا يمكن بدونه حصول آثاره فيهم ألا ترى أن المرء قد يرحم أحداً ولا يملك له نفعاً لعَجز أو نحوه.


وقد أشار إلى ما قلناه أبو حامد الغزالي في «المقصد الأسنى» بقوله: «الذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها فإن كان قادراً على قضائها لم يسمَّ رحيماً إذ لو تمت الإرادة لوفَّى بها وإن كان عاجزاً فقد يسمى رحيماً باعتبار ما اعتوره من الرحمة والرقة ولكنه ناقص».
-1-

وبهذا تعلم أن إطلاق نحو هذا الوصف على الله تعالى ليس من المتشابه لتبادر المعنى المراد منه بكثرة استعماله وتحقق تنزه الله عن لوازم المعنى المقصود في الوضع مما لا يليق بجلال الله تعالى كما نطلق العليم على الله مع التيقن بتجرد علمه عن الحاجة إلى النظر والاستدلال وسبق الجهل، وكما نطلق الحي عليه تعالى مع اليقين بتجرد حياته عن العادة والتكون، ونطلق القدرة مع اليقين بتجرد قدرته عن المعالجة والاستعانة. فوصفه تعالى بالرحمٰن الرحيم من المنقولات الشرعية فقد أثبت القرآن رحمة الله في قوله:

{ وَرَحْمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيْءٍ } [الأعراف7: 156]

فهي منقولة في لسان الشرع إلى إرادة الله إيصال الإحسان إلى مخلوقاته في الحياة الدنيا وغالبُ الأسماء الحسنى من هذا القبيل. وأما المتشابه فهو ما كانت دلالته على المعنى المنزه عنه أقوى وأشد وسيأتي في سورة آل عمران (7) عند قوله تعالى:

{ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } (آل عمران3: 7)

والذي ذهب إليه صاحب الكشاف وكثير من المحققين أن الرحمٰن صفة مشبهة كغضبان وبذلك مثله في «الكشاف».


وفعل رَحِم وإن كان متعدياً والصفة المشبهة إنما تصاغ من فِعلٍ لازم إلا أن الفعل المتعدي إذا صار كالسجية لموصوفه ينزل منزلة أفعال الغرائز فيحول من فِعَل بفتح العين أو كسرها إلى فَعُل بضم العين للدلالة على أنه صار سجية كما قالوا فقُه الرجل وظرف وفهم، ثم تشتق منه بعد ذلك الصفة المشبهة، ومثله كثير في الكلام، وإنما يعرف هذا التحويل بأحد أمرين إما بسماع الفعل المحول مثل فقُه وإما بوجود أثره وهو الصفة المشبهة مثل بليغ إذا صارت البلاغة سجية له، مع عدم أو قلة سماع بلغ. ومن هذا رحمٰن إذ لم يسمع رحُم بالضم. ومن النحاة من منع أن يكون الرحمٰن صفة مشبهة بناء على أن الفعل المشتق هو منه فعل متعد وإليه مال ابن مالك في «شرح التسهيل» في باب الصفة المشبهة ونظره برب وملك..

وأما الرحيم فذهب سيبويه إلى أنه من أمثلة المبالغة وهو باق على دلالته على التعدي وصاحب «الكشاف» والجمهور لم يثبتوا في أمثلة المبالغة وزن فعيل فالرحيم عندهم صفة مشبهة أيضاً مثل مريض وسقيم، والمبالغة حاصلة فيه على كلا الاعتبارين. والحق ما ذهب إليه سيبويه.

ولا خلاف بين أهل اللغة في أن الوصفين دالان على المبالغة في صفة الرحمة أي تمكنها وتعلقها بكثير من المرحومين وإنما الخلاف في طريقة استفادة المبالغة منهما وهل هما مترادفان في الوصف بصفة الرحمة أو بينهما فارق؟ والحق أن استفادة المبالغة حاصلة من تتبع الاستعمال وأن الاستعمال جرى على نكتة في مراعاة واضعي اللغة زيادة المبنى لقصد زيادة في معنى المادة قال في «الكشاف»: «ويقولون إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى وقال الزجاج في الغضبان هو الممتلىء غضباً ومما طن على أذني من ملح العرب أنهم يسمون مَرْكَباً من مراكبهم بالشُّقْدُف وهو مركب خفيف ليس في ثقل محامل العراق فقلت في طريق الطائف لرجل منهم ما اسم هذا المحمل - أردت المحمل العراقي - فقال: أليس ذاك اسمه الشقندف؟ قلت: بلى فقال: هذا اسمه الشِّقِنْدَاف فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمى» وهي قاعدة أغلبية لا تتخلف إلا في زيادات معروفة موضوعة لزيادة معنى جديد دون زيادة في أصل معنى المادة مثل زيادة ياء التصغير فقد أفادت معنى زائداً على أصل المادة وليس زيادة في معنى المادة.
-2-

وأما نحو حَذِر الذي هو من أمثلة المبالغة وهو أقل حروفاً من حاذر فهو من مستثنيات القاعدة لأنها أغلبية.

وبعد كون كل من صفتي الرحمٰن الرحيم دالة على المبالغة في اتصافه تعالى بالرحمة فقد قال الجمهور إن الرحمٰن أبلغ من الرحيم بناء على أن زيادة المبنى تؤذن بزيادة المعنى وإلى ذلك مال جمهور المحققين مثل أبي عبيدة وابن جني والزجاج والزمخشري وعلى رعي هذه القاعدة أعني أن زيادة المبنى تؤذن بزيادة المعنى فقد شاع ورود إشكال على وجه إرداف وصفه الرحمٰن بوصفه بالرحيم مع أن شأن أهل البلاغة إذا أجروا وصفين في معنى واحد على موصوف في مقام الكمال أن يرتقوا من الأعم إلى الأخص ومن القوي إلى الأقوى كقولهم: شجاع باسل وجواد فياض، وعالم نحرير، وخطيب مصقع، وشاعر مفلق، وقد رأيت للمفسرين في توجيه الارتقاء من الرحمٰن إلى الرحيم أجوبة كثيرة مرجعها إلى اعتبار الرحمٰن أخص من الرحيم فتعقيب الأول بالثاني تعميم بعد خاص ولذلك كان وصف الرحمٰن مختصاً به تعالى وكان أول إطلاقه مما خصه به القرآن على التحقيق بحيث لم يكن التوصيف به معروفاً عند العرب كما سيأتي. ومدلول الرحيم كون الرحمة كثيرة التعلق إذ هو من أمثلة المبالغة ولذلك كان يطلق على غير الله تعالى كما في قوله تعالى في حق رسوله

{ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة9: 128]

فليس ذكر إحدى الصفتين بمغن عن الأخرى:


وتقديم الرحمٰن على الرحيم لأن الصيغة الدالة على الإتصاف الذاتي أولى بالتقديم في التوصيف من الصفة الدالة على كثرة متعلقاتها. وينسب إلى قطرب أن الرحمٰن والرحيم يدلان على معنى واحد من الصفة المشبهة فهما متساويان وجعل الجمع بينهما في الآية من قبيل التوكيد اللفظي ومال إليه الزجاج وهو وجه ضعيف إذ التوكيد خلاف الأصل والتأسيس خير من التأكيد والمقام هنا بعيد عن مقتضى التوكيد. وقد ذكرت وجوه في الجمع بين الصفتين ليست بمقنعة.

وقد ذكر جمهور الأئمة أن وصف الرحمٰن لم يطلق في كلام العرب قبل الإسلام وأن القرآن هو الذي جاء به صفة لله تعالى فلذلك اختص به تعالى حتى قيل إنه اسم له وليس بصفة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:
-3-

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـنُ} [الفرقان25: 60] وقال:
{ وَهُم يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ } [الرعد13: 30]


وقد تكرر مثل هاتين الآيتين في القرآن وخاصة في السور المكية مثل سورة الفرقان وسورة الملك وقد ذكر الرحمٰن في سورة الملك باسمه الظاهر وضميره ثماني مرات مما يفيد الاهتمام بتقرير هذا الاسم لله تعالى في نفوس السامعين فالظاهر أن هذا الوصف تنوسي في كلامهم، أو أنكروا أن يكون من أسماء الله.

ومن دقائق القرآن أنه آثر اسم الرحمٰن في قوله:

{ ما يمسكهن إلا الرحمٰن } (سورة الملك67: 19)، وقال:
{ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ } (سورة النحل16: 79)

إذ كانت آية سورة الملك مكية وآية سورة النحل القدر النازل بالمدينة من تلك السورة، وأما قول بعض شعراء بني حنيفة في مسيلمة:

سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أباًوأنت غيث الورى لا زلت رحمانا


فإنما قاله بعد مجىء الإسلام وفي أيام ردة أهل اليمامة، وقد لقبوا مسيلمة - أيامئذٍ - رحمٰن اليمامة وذلك من غلوهم في الكفر. وإجراء هذين الوصفين العليين على اسم الجلالة بعد وصفه بأنه رب العالمين لمناسبة ظاهرة للبليغ لأنه بعد أن وصف بما هو مقتضى استحقاقه الحمد من كونه رب العالمين أي مدبر شؤونهم ومبلغهم إلى كمالهم في الوجودين الجثماني والروحاني، ناسب أن يتبع ذلك بوصفه بالرحمٰن أي الذي الرحمة له وصف ذاتي تصدر عنه آثاره بعموم واطراد على ما تقدم، فلما كان رباً للعالمين وكان المربوبون ضعفاء كان احتياجهم للرحمة واضحاً وكان ترقبهم إياها من الموصوف بها بالذات ناجحاً.

فإن قلت إن الربوبية تقتضي الرحمة لأنها إبلاغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً وذلك يجمع النعم كلها، فلماذا احتيج إلى ذكر كونه رَحماناً؟ قلت لأن الرحمة تتضمن أن ذلك الإبلاغ إلى الكمال لم يكن على وجه الإعنات بل كان برعاية ما يناسب كل نوع وفرد ويلائم طوقه واستعداده، فكانت الربوبية نعمة، والنعمة قد تحصل بضرب من الشدة والأذى، فأتبع ذلك بوصفه بالرحمٰن تنبيهاً على أن تلك النعم الجليلة وصلت إلينا بطريق الرفق واليسر ونفي الحرج، حتى في أحكام التكاليف والمناهي والزواجر فإنها مرفوقة باليسر بقدر ما لا يبطل المقصود منها، فمعظم تدبيره تعالى بنا هو رحمات ظاهرة كالتمكين من الأرض وتيسير منافعها، ومنه ما رحمته بمراعاة اليسر بقدر الإمكان مثل التكاليف الراجعة إلى منافعنا كالطهارة وبث مكارم الأخلاق، ومنها ما منفعته للجمهور فتتبعها رحمات الجميع لأن في رحمة الجمهور رحمة بالبقية في انتظام الأحوال كالزكاة.

وقد اختلف في أن لفظ رحمٰن لو لم يقرن بلام التعريف هل يصرف أو يمنع من الصرف؟ قال في الكافية: «النون والألف إذا كانا في صفة فشرط منعه من الصرف انتفاء فَعلانة، وقيل وجود فَعْلى، ومن ثم اختلف في رحمٰن، وبنو أسد يصرفون جميع فَعلان لأنهم يقولون في كل مؤنث له فعلانة» واختار الزمخشري والرضى وابن مالك عدم صرفه.
-4-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:27 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.