حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع شاهد فور يو لمشاهدة احدث الافلام والمسلسلات  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > منتدى الزوار - يحتاج لتسجيل دخول

 
 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي من أطراف الهند ومن قبائل الزولو ومن متسوّلة الطريق يأتينا الدعاء

السبت 26 ربيع الأول 1433

مقالات وآراء

من أطراف الهند ومن قبائل الزولو ومن متسوّلة الطريق يأتينا الدعاء

18/02/2012 | 08:11 بقلم: الشيخ كمال خطيب - نائب رئيس الحركة الاسلامية

كتاب "مسافر في قطار الدعوة" من أروع ما كـُتب في فقه الدعوة، وهو من تأليف المرحوم الدكتور عادل الشويخ؛ ابن مدينة البصرة في العراق، أما مقدمة الكتاب فكانت لأستاذه وشيخه الأستاذ محمد أحمد الراشد، أما الدكتور الشويخ فقد توفاه الله في حادث سير يوم 24/7/1993 قرب مدينة السليمانية، حينما كان قاصدًا كردستان العراق مبشرًا وداعيًا إلى الأخوّة الإيمانية التي تجمع القوميات، ومشجعًا للتيار الإسلامي الكردي الصاعد المتنامي، وكان عمره يومها رحمه الله لا يزيد عن سبع وأربعين سنة.
ويتحدث الشيخ محمد أحمد الراشد كيف أن الظروف الصعبة وتردد الكثيرين في الاستجابة لدعوة الخير يحملها الدعاة والعلماء؛ حملت الدكتور الشويخ والأستاذ الراشد على التفكير بالتوقف عن الكتابة وإلقاء المحاضرات، فيقول في صفحة 9 من المقدمة: "وقد استبد به الزهد في الكلام وإلقاء الدروس قبل سنوات واشتكى من سلبية بعض السامعين وعدم مجاراتهم له من خلال الأسئلة الواعية التي تحرك المدرس عادةً لمزيد من العطاء، حتى ذكر لي أنه ينوي التوقف عن الكتابة والكلام احتجاجًا، فوجد عندي من هذا المعنى ما هو أكثر منه، واستولى علينا التبرم، وتعاهدنا على السكوت، فساق الله إلينا شابًا يخرجنا من الخطأ، إذ كنت أجلس مع عادل في مطار اسطنبول ننتظر الطائرة قافلين إلى دبي من دورة لم نصادف فيها من أسئلة الدعاة ما يشجع، وإذ نحن نتبارى في التلفظ بمرادفات اليأس، إذا بشاب يُقبل علينا ثانيًا ركبته (دلالة على الاحترام والتواضع لمن أمامه) يسأل؛ قال لي: أأنت محمد أحمد الراشد؟ قلت: نعم، هل التقينا سابقًا؟ قال: لا، ولكنني عرفتك من خلال كلمة فيديو ومحاضرة لك في مؤتمر في مدينة هيوستن في أمريكا. قلت: ومن تكون؟ قال: اسمي خالد الموساوي، وأنا جزائري من أهل واحة وادي سوف على بعد ألف كيلومتر من العاصمة جنوبًا على مشارف الصحراء الأفريقية الكبرى، قرب أقصى الحدود التونسية، ونحن هناك نقرأ لك ونسمع أشرطتك ونرى بعض دروسك من خلال الفيديو. فرحّبنا به وأبدى سروره لهذا اللقاء على غير موعد، وسألني عن أمور، وسألته ثم تنهد مستدركًا وقال: لقد تحقق نصف حلمي في الحياة ولكن النصف الآخر لم يتحقق، إنني أحلم وأتمنى أن التقي بالأستاذ الدكتور عادل الشويخ، قلت: فكيف بك إذا أنزلتك معي في دبي لأعرفك به! قال: إذن يكون يوم عيدي، فنحن نسمع دروسه بواسطة أشرطة التسجيل ولم نر صورته عبر الفيديو، وهنا تدخل عادل رحمه الله، فسأله عما سمعه من أشرطة دروسه دون أن يُعرّف بنفسه، فعدد له عناوين دروس عديدة، فسأله عادل ممتحنًا: الدرس الفلاني ماذا يقول فيه؟ قال: كذا وكذا.. وأتى بمختصر معانيه على وجهها، ثم امتحنه مرارًا يسأله عن دروس أخرى، والفتى يأتي بالمعاني على وجهها بإتقانٍ أدهشنا.
فقلت له بعد أن ازددت فراسة في صدق توجهه: فهذا عادل الشويخ أمامك، إنه الذي يمتحنك. فطار الفتى من الفرح وأدهشته المفاجأة وقال: كلنا في وادي سوف على هذه الشاكلة، نقرأ ونحفظ ونعيد السماع. ثم أخرج من حقيبته كتاب "الموافقات" للإمام الشاطبي، وقال لعادل: سمعتك في شريط تثني على الكتاب وتوجب على الدعاة أن يطالعوه، فاقتنيته ليكون صاحبي في السفر أقرأ فيه.
هذه الحادثة هزت عادلًا هزًا وجعلته يوقن بوجود مُبلغين أوعى من سامعين، ومال إلى التوبة من اليأس ومن الزهد بالكلام وطفق يقول بعدها: "نتكلم لأهل الواحات والغابات إذا خذلنا أهل الحواضر". فكان من ثمّ إكثاره من الكتابة في السنوات الأخيرة، رحمه الله".
لعلها بعض المواقف والظروف التي يمر بها أحدنا، والتي لقسوتها قد تساهم سلبيًا في معنويات صاحب الرسالة وحامل الفكرة، وهنا تكون الحاجة كبيرة وكبيرة جدًا لمن يسانده ويشد الأزر ولو بكلمة طيبة، فكيف إذا كان ذلك مساندة حقيقية وفاعلة؛ (قال سنشد عضدك بأخيك) (القصص: 35).
كم هي الكلمات والمواقف التي تكون سببًا في قوة معنوية تترك بصماتها على نفس السامع دون أن يتنبه صاحبها إلى عظيم تأثيرها.
ليس لأننا في حالة يأس معاذ الله، فلم يكن ولن يكون بإذن الله اليوم الذي نتبرم فيه ونيأس، هكذا كنا يوم كان حال دعوتنا وأمتنا ضعيفًا، فكيف لنا أن نيأس اليوم ودعوتنا قد اصلبّ عودها واستوت على الجودي وأمتنا تعيش ربيعًا مزهرًا ونسمات خير تبعث في الأموات روح الحياة؟ وإنني دائمًا على يقين أن المستقبل لنا ولدعوتنا ولشعبنا ولأمتنا لأننا أصحاب حق وحملة رسالة حق مهما تجبر المتجبرون وظلم الظالمون.
ووالله الذي لا إله غيره إنني كنت وما زلت أنظر إلى مستقبل دعوتنا وإلى أمتنا كمن يمسك بيديه خارطة على هديها يسير في اتجاه قطع مسافة طويلة وطويلة جدًا، وفي التالي فإنه كان يسير على هُدى وهو على يقين أنه يومًا سيصل حيث تتلاشى تلك المسافات البعيدة، ويقترب اليوم الذي يصل فيه إلى هدفه ومبتغاه. وإنني على يقين أننا على موعد قريب من الوصول إلى موعود الله تعالى لنا بأن يتم نوره وينصر دينه ويذل الظالمين وأعوانهم وأن تكون الغلبة لنا والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، لذلك فإنني كنت على يقين أن كل ما نقوله ونكتبه ليس نفخًا في رماد ولا صرخة في واد ولا كتابة على الرمل ولا رسمًا على وجه الماء، وإنما هو كله مثل غيث السماء ينزل إلى الأرض فترتوي منه لتصبح الأرض مُخضرة.
ولكن هذا ليس معناه أن لا يكون تأثيرٌ إيجابي أو أن تأتيك دفعة معنوية من حيث لا تحتسب، مثلما حصل مع شيخنا الأستاذ الراشد ومع المرحوم الدكتور عادل الشويخ. وإنني إذ أسجل هذه المواقف لما كان لهما من عظيم تأثير ومساهمة مباركة في استمرار أن نظل ندعو إلى الله تعالى بالكلمة المسموعة والكلمة المكتوبة ما حيينا، وأن تظل ألسنتنا تصدع بالحق، وأن تظل أقلامنا تصارع بالحق كل أصحاب الأقلام التي شابت على الباطل.
1. عناق بعد فراق: تشرفت في العام 1997 بالمشاركة في المؤتمر السنوي لاتحاد الطلبة المسلمين في الهند، الذي عقد في مدينة "بنغلور" جنوبي الهند. وقبيل بدء جلسات المؤتمر ونشاطاته وخلال لقاء تعارف جمع بين المدعوين من المحاضرين -وكانوا من الكويت واليمن ولبنان ومصر والأردن وغيرها وكنت أنا أحدهم- وخلال جلوسنا في إحدى القاعات دخلت علينا مجموعة من الطلاب قيل لنا إنهم قد وصلوا الآن من إحدى الجامعات في أقصى شمال الهند، وقد سلم هؤلاء الطلاب الشبان مصافحة على من كانوا جالسين في جلسة دائرية من الضيوف، غير أن أحدهم لما وصل إلي ليصافحني عانقني، قائلًا لي بالعامية: "بدي أبوسك". ولأنني كنت لا أعرفه من قبل توجهت إليه -بعد انتهاء اللقاء- مستوضحًا عن خصوصية المعانقة مع تلك الجملة، فقال لي -وهنا كانت المفاجأة- إنه شاب من إحدى قرى مدينة نابلس، وإنه كان يعمل في القصارة وأعمال البناء لجمع ما تيسر له من المال من أجل إكمال دراسته الجامعية، وكانت كفركنا -حيث إقامتي- هي محطته الأخيرة حيث كان يبيت هناك، وكان ذلك في العام 1995. وقال إنه كان يحضر إلى المسجد، وبخاصة مساء كل يوم ثلاثاء، لحضور الدرس الأسبوعي الذي كنت ألقيه. وللتأكيد على ما قاله وهو صادق قال: "لقد كنت تُدرّس من كتاب "مسافر في قطار الدعوة" للدكتور عادل الشويخ، وكنت استمتع بدرسك. وعند نهاية كل لقاء كنت أهم بالاقتراب منك لمصافحتك ومعانقتك غير أنني كنت أخجل، لأنك لا تعرفني.
وتابع الشاب: حتى كان اليوم القريب الذي اتصل بي أهلي يخبرونني بوصول رسالة قبول لي في إحدى جامعات الهند. ولأنني كنت على أحر من الجمر لسماع خبر قبولي فقد جمعت حوائجي في نفس الليلة ورجعت صباحًا إلى بلدي ثم سافرت إلى الهند. وها أنذا في السنة الثانية الجامعية والحمد لله، وما أن قرأت أنك ستكون أحد المشاركين في المؤتمر حتى عزمت على المشاركة وقطعت مسافة 1,100 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، وطوال الطريق وأنا أشجع نفسي على أن أفعل ما لم أفعله في كفركنا، وهذا ما كان.
إن هذا المشهد بالنسبة إلي ليؤكد أن ما كتبه الدكتور عادل الشويخ لم يكن على وجه الماء ولم يلق آذانًا صماء وإنما هو الذي وقع على قلوب متعطشة وآذان مرهفة، ولعله وهو مستريحٌ في قبره رحمه الله هناك في كردستان العراق لا يعلم -ولعله يعلم بإذن الله وقدرته- أن زرعه الذي زرعه قد آتى أكله وقد أثمر، فهو بلّغ ونحن بلّغنا عنه، وإنه مشوار الخير يتواصل فلا يأس، وإنما هو العزم واستمرار العطاء إعلاءً لصوت الحق والخير والاستقامة والفضيلة.
2. قبائل الزولو يقرأون ما نكتب: كان ذلك خلال زيارتي لجنوب أفريقيا مطلع العام 2010 وفي إحدى المدن القريبة من العاصمة جوهنسبرغ، وفي مسجدها ألقيت محاضرة عن القدس والأقصى وقيمتهما الدينية والتاريخية عندنا نحن المسلمين والمخاطر التي تحدق بها عبر مشاريع الاحتلال التهويدية هناك.
وقد وقف أحد الإخوة ليترجم ما أقوله إلى لغة "الأفريقان" وهي اللغة الأصلية التي يتكلم بها أهل تلك المنطقة، وكان اسم ذلك الأخ سراج الدين، وقد تبيّن لي أنه على إطلاع عميق ومستمر بما يجري في القدس والأقصى، فلما سألته عن هذه المعلومات الوافرة ابتسم قائلًا: إنه يقرأ مقالاتي وما أكتبه أسبوعيًا عبر موقع "فلسطينيو 48"، الموقع الإلكتروني الإخباري للحركة الإسلامية. وكم كانت سعادتي غامرة وأنا أسمع وأرى من يقرأ ما أكتبه وباهتمام ومتابعة، هناك؛ بعيدًا بعيدًا في جنوب إفريقيا. ولقد ازدادت فرحتي لما عرفني الأخ سراج الدين على شابين من قبائل الزولو قد أسلما منذ زمن، وقد أتيا لحضور المحاضرة، وإنه هو -أي سراج الدين- سيذهب إلى قريتهما في مناطق الزولو لإلقاء محاضرة في مسجد قريتهما؛ حيث قسم قليل من أهل الزولو هم مسلمون، مستفيدًا مما يقرأه مِما أكتب ومن كل ما يُكتب في موقع "فلسطينيو 48".
هكذا إذن يأتي المدد المعنوي من حيث لا يحتسب أحدنا، مع قناعتي والحمد لله ويقيني بأن كل ما يعمله الإنسان مخلصًا به لوجه الله تعالى فلا بد أن تكون له نتائجه ويبارك به الله تعالى ويثيب عليه أجزل الثواب.
ولئن كنت والحمد لله لم أمرّ ولو للحظة واحدة بما مر به الفاضلان محمد أحمد الراشد وعادل الشويخ؛ إلا أن مثل هذا الحدث المفاجئ قد زادني إصرارًا وقناعة على استمرار الدعوة إلى الله تعالى بكل الأساليب والوسائل الممكنة وأن نظل الجنود الأوفياء لهذه الدعوة وهذا الدين.
لقد عزّى الدكتور الشويخ نفسه بذلك الشاب الجزائري؛ ابن الواحات الصحراوية في عمق الصحراء الأفريقية، وهو يقول لنفسه لئن لم يسمعنا أهل الحواضر فإن أهل الصحراء يسمعوننا، وأنا أقول إنه إن لم يسمعنا ولم يقرأ لنا أبناء شعبنا فها هم أبناء شعب الزولو في غابات جنوب أفريقيا يقرأون لنا، وإذا زهد بما نقول أصحاب البشرة البيضاء، فها هم أصحاب البشرة السمراء يتلهفون على سماع وقراءة ما نكتب. فلله الحمد والمِنة.
3. والمرأة المتسولة تشجعني: كان ذلك عصر أحد الأيام قبل شهرين من الزمان ولا يزيد، وقد تزاحمت الهموم الدعوية والاجتماعية منذ صباح ذلك اليوم فكانت ثقيلة ثقيلة، وفي طريق العودة، وقد امتد طابور من السيارات عند الشارة الضوئية في المدخل الرئيس لمدينة أم الفحم، فبينما كنا ننتظر وإذا بامرأة تنتقل من السيارة إلى التي تليها تتسول فتقف عند شباك كل سائق تمد يدها إليه تطلب المال، وأصدقكم القول إن هذا المشهد دائمًا يستفزني؛ فإنه تؤلمني رؤية هؤلاء النسوة والأطفال ممن امتهنوا حرفة التسول يقفون عند الشارات الضوئية، وليس فقط عند القرى العربية؛ بل إنهم باتوا يقفون في أماكنَ اليهودُ فيها وغيرُ العرب هم أكثر المارّين، وإن إحداهن لا تتردد بمد يدها إلى اليهودي تسأله. ويؤلمني أكثر أن أغلب هؤلاء هن من الفتيات صغيرات السن، وأن بعض السائقين يتعمدون إسماعهن كلامًا نابيًا، ولا يقلّ ألمًا أولئك الأطفال بملابسهم الوسخة وأجسادهم الغضة، ممن سمعنا وعرفنا أن قسمًا كبيرًا منهم يعملون عند بعض المجرمين والبلطجية الذين يأتون بهم من قرى الضفة الغربية في كل صباح ثم يعودون إليهم في المساء فيأخذون كل ما جمعوه ولا يعطونهم إلا شيكلات قليلة، ويعيشون في ظروف حياتية دون مستوى عيش الحيوان وتحت تسلط أولئك المجرمين عليهم، لأجل ذلك فإنني لا أعطي هؤلاء ولا أقدم لهم، مع ما قد يقوله البعض عن قسوة قلبي بامتناعي عن التصدق على هؤلاء.
وبالعودة إلى تلك المرأة المتسولة التي تجولت على سيارات الطابور تقف عند شباك كل سائق، ثم تنتقل إلى السيارة التي تليها، فلما وصلت إليّ وكان شباك السيارة مغلقًا، حيث كان الطقس باردًا؛ لم أفتح الشباك ولم أتفاعل معها متعمدًا، وظننتها انتقلت إلى السيارة التي خلفي، ولكني انتبهت إلى نقر أصابعها على زجاج الشباك، فأشرت إليها أن تمضي، ولكنها عادت ونقرت بأصابعها على الزجاج مرة ثانية وثالثة بما لم تفعله مع السائق الذي يقف أمامي.. ومع ذلك أشرت إليها أن تمضي، ولكنني رأيت في ملامح وجهها الجدية والإلحاح بفتح الشباك، وفعلًا فتحت الشباك وإذا بها تبادرني بالقول: "أنا لا أريد المال، ولكن ألست أنت الشيخ كمال خطيب؟ فقلت لها: نعم، ومن أين تعرفينني، فقالت: أنا أقرأ مقالاتك كل يوم جمعة، وأدعو لك ولوالديك، الله يوفقك.. الله يكثر من أمثالك، أنا متعلمة ولكن الأيام جارت علي".. إنها قالت تلك الكلمات وقد تحولت الشارة الضوئية إلى خضراء، ومع تعالي أبواق السائقين المتعجلين ما كان منا إلا الانطلاق.
نعم انطلقت وما يزال وقع تلك الكلمات يرنّ في أذني من تلك المتسولة، التي أحوجتها الظروف -كما تقول- إلى أن تقف تلك الوقفة التي أمقتها وتستفزني كثيرًا. وإذا كانت الظروف قد أحوجت البعض إلى الوقوف في مثل هذه الوقفات إلا أنها العادة والمهنة عند البعض وهي سيطرة العصابات والبلطجية في حالات أخرى كثيرة.
ولكن وفي المقابل؛ كم كان وقع ما قالته تلك المرأة كبيرًا وهي تعطيني العزيمة من غير قصد، مع أنني كنت أنوي عدم إعطائها المال بقصد. فلقد كانت هي أكرم مني مع أن موقفي ذلك لم يكن قسوة مني ولا بخلًا وإنما محاربة لظاهرة تسيء إلينا، بل ينتفع منها الكثيرون من الكاذبين في مقابل القليلين من الصادقين وأصحاب الحاجات الحقيقيين.
هكذا إذن يكون وقع كلام أهل صحراء الجزائر وغابات جنوب أفريقيا وطلاب العلم في أطراف الهند، والمتسولة عند الشارة الضوئية، هكذا يكون وقع كلامهم؛ فيه من القوة والتأثير ما يدفعنا إلى خلع النظارة السوداء وعباءة اليأس لننظر إلى المستقبل بالأمل والبشر والتفاؤل، وإننا والحمد لله لا نحرث في رماد ولا نصرخ في واد ولا نكتب على وجه الماء، وإنما هي كلماتنا أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.. فإنها تقع على آذان مصغية وقلوب واعية، أسأل الله أن ينفع بها وأن ينالنا من قارئها الدعاء.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)

المصدر :
http://www.pls48.net/?mod=articles&ID=1141252

علماً أنه نشر كذلك في ص 4 من جريدة صوت الحق والحرية الجمعة 17ـ 2 ـ 2012
رد مع اقتباس
 
 

أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:33 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.