مكتب انجاز استخراج تصاريح الزواج  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #21  
قديم 12-30-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 1-8

تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 1-8


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }: تقدم إعراب هذه الجملة مستأنفة وغير مستأنفة، وعلى الاستئناف، فهو بيانى، فكأنه قيل ما حالهم مع ذلك البرق العظيم؟ فأجيب بأنه من عظمة يكاد يخطف أبصارهم او كأنه قيل ما مضرة البرق فإنه نور حسن؟ فأجيب بأنه هائل يكاد يضر أبصارهم.. هكذا أقول. وقا القاضى: كأنه جواب لمن يقول ما حالهم من تلك الصواعق؟ فأجيب بأن من أدنى مضرة البرق الهائل الذى يكاد يخطف أبصارهم، وكاد لمقاربة الخبر من الوقوع لعروض سبب الوقوع، لكن لم يقع لفقد شرط أو عروض مانع، فيخطف أبصارهم قريب الوقوع لعروض شدة البرق، لكنه لم يقع فضلا من الله تبارك وتعالى، فإذا تقدم نفى فالأصل أن يكون نفياً لمقاربة الخبر عن الوقوع، فيكون المعنى إنه لم يقرب وقوعه فضلا عن أن يقع، وتارة يكون نفياً لوقوع الخبر عن قريب فيثبت وقوعه عن بعيد، والغائب أن يكون خبرها مضارعاً تنبيهاً على أنه المقصود بالقرب مجرداً من أن، لأن أن للاستقبال المنافى للقرب، بخلاف الحال، وإذا لم يجرد فحملا على عسى لتشاركهما فى أصل المقاربة، فإن عسى إما رجاء ورجاء الشىء طلب له واستجلاب وحب لقربه، وإما توقع للمكروه، والمكروه لو كان بعيداً يخاف وقوعه ويصور بصورة القريب تحرز أو نفوراً عنه، وأيضاً المحبوب حاضر فى القلب يصور بصورة الواقع إذا اشتد حبه، والخطف الأخذ بسرعة، وقرأ مجاهد يخطف أبصارهم، بكسر الطاء، على أن ماضيه مفتوح، وقراءة السبعة وغيرهم، بالفتح، أفصح على أن ماضيه مكسور، وكسر ماضيه أفصح. وقرأ ابن مسعود يخطتف بوزن يفتعل، وقرأ الحسن يخطف، بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة، والأصل يختطف كقراءة ابن مسعود نقلت فتحة التاء إلى الخاء وأبدلت التاء طاء وأدغمت الطاء فى الطاء، وعن الحسن أيضاً يخطف بذلك الضبط والنقل والإبدال والإدغام إلا الخاء، فإنه كسرها فى هذه الرواية إلحاقاً بالطاء بعدها فى حركتها، وهذا أولى مما قيل إن الرواية جاءت على لغة من يدغم بلا نقل، بل بسكن ويدغم، ويجيز إبقاء الساكن الأول على حاله، ويجيز تحريكه لالتقاء الساكنين، وهى لغة رديئة. وقرأ زيد بن على: يخطف بضم الياء وفتح الخاء وتشديد الطاء مكسورة. وقرأ أبى: يتخطف كقوله تعالى:

{ وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِن حَوْلِهِم } (العنكبوت29: 67)

لكن بالبناء للفاعل، بخلاف يتخطف الناس فإنه للمفعول، وفى تلك القراءات كلها مبالغة غير قراءة الجمهور ومجاهد، والفعل فى الجمع متعد.


{ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْا فِيهِ }: كل ظرف زمان أساغ ظرفيتها كونها مضافة لمصدر نائب عن اسم الزمان، وما مصدرية أى كل إضاءته، أى كل زمان إضاءته، وهو متعلق بمشوا وضمير أضاء وضمير فيه عائدان إلى البرق، ويقدر مضافان فى الثانى، أى مشوا فى مطرح نوره، أو الظرفية التى أفادتها فى مجازية لا حقيقة، فلا يقدر شىء، أو يقدر واحد، أى فى نوره، وإن قدرنا هكذا فى مطرحه كانت حقيقة أيضاً، ومفعول أضاء محذوف، أى كلما أضاء لهم مومضاً أو شياشجره، أى نوره مشوا فى مطرح نوره، فالهاء عائدة إلى البرق، ويجوز عودها إلى الوضع الذى أضاء لهم المحذوف، ويجوز كونه لازماً أى كلما ظهر لهم البرق ولمع مشوا فيه، ويدل له قراءة ابن أبى عبلة: كلما أضاء لهم بترك الهمزة الأولى والهاء للبرق، ويجوز عود ضمير أضاء إلى الله على الأوجه كلها، وجملة مشوا مستأنفة أو حال من البرق أو من ضميره فى يخطف، وفيه الأوجه السابقة فى يكاد البرق.
-1-

. إلخ، وعلى الاستئناف فهو يأتى كأنه قيل ما يفعلون فى حين خوف البرق وحين خفته فقال: { كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْا فِيه }.

{ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا }: والجملة هذه معطوفة على مشوا فيه، فعلى أن الظروف والفضلات لسن من الجملة، فالمعطوف قاموا على أنها منها فالمعطوف إذا وشرطها وجوابها، فإذا تقرر هذا علمت أن جواب إذا ونحوها قد يكون له محل، ويدل على ظرفية كل مقابلته بإذا الظرفية، وإنما قال مع الإضاءة كلما، ومع الإظلام إذا، لأنهم حراص على المشى، فكلما أمكنت لهم مشية بادروها، وليس القيام عند الإظلام بهذه المنزلة، ومعنى قاموا. وقفوا وتركوا المشى، كقولك قامت السوق أى سكنت، ضد قامت بمعنى نفقت، وقولك قامت بمعنى سكنت لانتهائها، وقام الماء جمد وترك المشى الحابس، وكأنه قيل وإذا أظلم عليهم قاموا، وزعم بعض أن الإقامة عند الإظلام مراد تكريرها، وأن ترك ذكر تكريرها استغناء بذكره فى الإضاءة، أو لاستفادته من الإظلام، فإن تكرير الإضاءة لا يتحقق إلا بتكرير الإظلام، وهذا الوجهان لا حاجة إلى ذكرهما، أما الأول فلأنه لا دليل عليه، وأما الثانى فلأنه ظاهر صريح الأخذ من بعض اللغة، فلا يحسن أن يجعلا مقابلين لما ذكرته أولا ولا رادين له، فإنما ذكرته أولا هو أنه ذكر اللفظ الذى هو نص مسوق لمجرد التكرير، لأنه لا تسلم دلالتها عليه، وإذا كان المعنى عليه فالمفيد له المقام لا هى، وأظلم لازم وضميره للبرق، ويجوز كونه متعدياً فضميره للبرق، أو لله، أى أظلم الله عليهم ممشاهم، أو أظلمه عليهم البرق بسبب خفاء به، والمتعدى من ظلم بمعنى كان لا ضوء فيه، ويشهد للتعدى قراءته يزيد بن قطيب: أظلم بالبناء للمفعول ثم ظهر لى أنه يحتمل أن يكون فى قراءة لازماً كما يقال: مر يزيد فليس نصاً فى التعدى، والنائب على كل حال هو قوله { عَلَيْهِمْ } سواء كان لازماً أو متعدياً بالجواز نيابة الظرف عن فاعل متعدى إذا لم يذكر مفعوله، ويحتمل على بعد أن يكون متعدياً ونائبه ضميره عائد إلى الممشاء المدلول عليه بالمقام إذ لم يتقدم له ذكر، وجاء متعدياً فى قول حبيب بن أوس:
-2-

هما أظلما حالى ثمت أجلياظلاميهما عن وجه أمرد أشيب


فحالى مفعول أظلم، ويحتمل أيضاً كونه ظرفاً فيكون أظلم لازماً، وهو من المحدثين لا يستشهد بكلامه فى اللغة والنحو والصرف ونحو ذلك، لكنه عند قومنا ثقة من علماء العربية، فيجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه، كما يقال ذلك فى سيبويه ونحوه، يقال لو لم يرووا مثل ما قالوا عن العرب ولم يستمعوا نظيره لما قالوه.

وبحث التفتازانى بأن مبنى الرواية على الوثوق والضبط، ومبنى القول على الدراية والإحاطة بالأوضاع والقوانين، والإتقان فى الأول لا يستلزم الإتقان فى الثانى، والقول بأن قوله بمنزلة نقل الحديث بالمعنى ليس بسديد، بل هو بعمل الراوى أشبه، وهو لا يوجب السماع، والمحدث بإسكان الحاء وفتح الدال الشاعر الذى أحدثه الله - جل وعلا - بعد الصدر الأول من الإسلام، كحبيب بن أوس والبحترى وأبى نواس، ولا يستشهد بكلامهم لأنهم بعد فساد الألسنة، ويقابلهم الجاهليون كامرئ القيس وزهير، والمخضرمون وهم من أدرك الجاهلية والإسلام كحسان ولبيد، والمتقدمون من أهل الإسلام كالفرزدق وجرير، ويستشهد بكلامهم، أو المحدث، بفتح الحال والدال المشددة من يلهمه ويلقى الغيب فى روعه، أعنى فى قلبه كأن أحداً يكلمهم ويخبرهم، والمحدث، بفتح الحاء وكسر الدال المشددة، من اعتنى بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العلماء ينطق به ويعلمه الناس، وهما فى البيت عائد إلى الدهر والعقل، وحالاه حاله الدنيوى والدينى، ومعنى أجليا كشفا ومعنى عن وجه أمرد أشيب عن وجهى وأنا شاب فى السن شيخ أشيب فى تجربة الأمور، وأشيب فى غير وقت الشيب لمقاساة الشدائد، فنفى ذلك تجريد وأسند الإظلام إلى العقل والدهر، لأن العاقل لا يطيب له عيش والدهر يعادى كل فاضل. والله أعلم.

واختلف المفسرون فى المقصود فى التمثيل فى الصيب المذكور، فقال الجمهور: مثل الله سبحانه وتعالى بالصيب لما فيه من الإشكال على المنافقين من حيث إنهم فى ظلمات الكفر والمعاصى، وما فيه من الوعيد والزجر وهو الرعد، وما فيه من الحجج الباهرة هو البرق، وتخوفهم وروعهم وحذرهم وهو جعل أصابعهم فى آذانهم، وفضح نفاقهم واستشهار كفرهم، وتكاليف الشرع التى يكرهونها من نحو الجهاد والزكاة هى الصواعق، وعن ابن مسعود: أن المنافقين فى مجلس رسول الله - صل الله عليه وسلم - كانوا يجعلون اصابعهم فى آذانهم لئلا يستمعوا القرآن فيميلوا إلى الإيمان، فضرب الله المثل لهم وهو وفاق لتأويل الجمهور، وفى رواية عنه كلما صلحت أحوالهم فى زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا: دين محمد دين مبارك، وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوا وثبتوا فى نفاقهم، وعن ابن عباس: كلما سمع المنافقون وظهرت الحجج آنسوا ومشوا معه، فإذا نزل من القرآن ما يشق عليهم قاموا، أى ثبتوا على نفاقهم، وعن مجاهد: كان المنافقون إذا أصابوا فى الإسلام رخاء طابت أنفسهم وسروا، وإذا أصابتهم شدة لم يصبروا ولم يرجوا عافيتها، وعن الحسن: البرق نور الله، وعن ابن عباس: نور القرآن وهما متقاربان أو واحد، وقيل المطر هو القرآن لأنه حياة القلوب، كما أن المطر حياة الأرض، والظلمات ما فى القرآن من ذكر الكفر والشرك والنفاق والرعد ما خوفوا به من الوعيد، وذكر النار والبرق ما فيه من الهدى، والبيان والوعد ذكر الجنة.
-3-

يسدون آذانهم لئلا تميل قلوبهم إلى الإيمان، لأنه عندهم كفر والكفر موت، وقيل المطر الإسلام، والظلمات ما فيه من بلاء ومحن، والرعد ما فيه من الوعيد والمخاوف فى الآخرة، والبرق ما فيه من الوعد، يجعلون أصابعهم فى آذانهم إذا رأوا فى الإسلام شدة هربوا حذراً من الهلاك

{ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } (البقرة2: 19)

لا ينفعهم الهرب { يَكَادُ البَرْقُ } دليل الإسلام يأخذ أبصارهم إلى الإسلام، ويزعجهم إلى التدبر الحق، لولا ما سبق من الشقاوة، كلما أضاء لهم تركوا بلا شىء مشوا فيه على المسالمة بإظهار كلية الإيمان، وقيل إذا نالوا غنيمة وراحة فى الإسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم، وإذا رأوا شدة تأخروا، وقيل شبه الإيمان والقرآن وما أتى الإنسان من المعارف التى هى بسبب الحياة الأبدية، بالصيب الذى هو حياة الأرض وما اختلطت من الشبه المبطلة، واعترضت دونها من الاعتراضات المشكلة بالظلمات وما فيها من الوعد والوعيد بالرعد، وما فيها من الآيات الباهرة بالبرق، وتصاممهم عما يسمعون من الوعيد بحال من تهوله الرعد فيخاف صواعقه فيسد أذنه عنها، مع أنه لا خلاص لهم منها، وهو معنى قوله: { وَاللَّهُ مُحِيطٌ بالكَافِرِينَ } وتحركهم لما يلمع لهم من رشيد يدركونه، أو رفد تطمح إليه أبصارهم، بمشيهم فى مطرح ضوء البرق كلما أضاء لهم، وتحيرهم وتوقفهم فى الأمر حين تعرض لهم شبهة أو تعن لهم مصيبة بتوقفهم إذا أظلم عليهم، وقيل شبه أنفسهم بأصحاب الصيب وإيمانهم المخالط للكفر والخداع يصيب فيه ظلمات، ورعد وبرق بحيث إنه وإن كان نافعاً فى نفسه لكنه لما وجد فى هذه الصورة عاد نفعه ضراً، وشبه نفاقهم حذراً من نكايات المؤمنين وما يطرقون به من سواهم من الكرة بجعل الأصابع فى الآذان من الصواعق حذر الموت، من حيث إنه لا يرد من قدر الله شيئاً، ولا يخلص ما يريد بهم من المضار، وشبه تحيرهم لشدة الأمر وجعلهم ما يأتون وما يذرون، بأنهم كلما صادفوا من البرق خفقة انتهزوها فرصة، مع خوف أن يخطف أبصارهم فخطوا خطوات يسيرة، ثم إذا خفى وفتر لمعانه بقوا متقيدين لا حراك لهم، كما شبه ذوات المنافقين بالمستوقدين، وإظهارهم الإيمان باستيقاد النار، وما انتفعوا به من حقن الدماء وسلامة الأموال والأولاد وغير ذلك، بإضاءة النار ما حول المستوقدين، وزوال ذلك عنهم على القرب بإهلاكهم وإفشاء حالهم، وإبقائهم فى الخسار الدائم والعذاب السرمدى، بإطفاء نارهم وإذهاب نورهم، وذلك تشبيه مفردات بمفردات، وتخريجها على الاستعارة المركبة التمثيلية أولى كما مر، وهى إن يشبه كيفية منتزعة من مجموع تضامت أجزاءه وتلاصقت حتى صارت شيئاً واحداً، بأخرى مثلها، ومن تشبيه مفرد بمفرد قول امرئ القيس بن حجر الكندى:

-4-

كأن قلوب الطير رطباً ويابساًلدى وكرها العناب والحشف البالى


شبه قلوب الطير الرطب بالعناب واليابسة بالحسف البالى، ومن التمثيلية قوله جل وعلا:

{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } (الجمعة62: 5)

شبه حال اليهود فى جهلهم بما معهم من التوراة بحال الحمار فى جهله ما يحمل من أسفار الحكمة.


{ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ }: هذا من تمام تهويل ذلك الصيب الممثل به بتهويل رعده وبرقه، حيث إن رعده بلغ من القوة أن يذهب بأسماعهم، وأن برقه بلغ منها أن يذهب بأبصارهم، لولا أن الله جل وعلا أبقى عليهم أسماعهم وأبصارهم، فضلا منه أو استدراجاً، ليتمادوا فى الغى والفساد فيشتد عذابهم، ولو شاء إبقاءها لذهبت، ولكنه لم يشأ فلم تذهب، لأن السبب لا يتأثر فى المسبب إلا بمشيئة الله تعالى، ومفعول شاء محذوف دل عليه الجواب، وقام مقامه، ولا يكاد يذكر بعدما وقع شرطاً لأدوات الشرط من نحو شاء وأراد وأحب، مما يدل على حب الشىء أو إرادته وتقديره، ولو شاء الله ذهاباً بسمعهم وأبصارهم لذهب بها ولما حذف من الشرط هو ومتعلقه ذكر منه الفعل فى الجواب وأظهر متعلقه، ولم يؤت به ضميراً وهكذا تقدر أبدا من لفظ الجواب، وإذا كان غريباً لذاته أو لمتعلقه ذكر قول أبى يعقوب الخزاعى من قصيدة يرثى بها خزيم بن عامر، وقيل يرثى بها ابنه لا خزيما:

فلو شئت أن أبكى دماً لبكيتهعليه ولكن ساحة الصبر أوسع


فان البكاء نفسه غير غريب، ولكنه يستغرب لكونه بالدم، والمعتاد كونه بالدمع فذكر مع ما تعلق به ليتقرر فى نفس السامع ويأنس به، وقل ذكره إذا لم يستغرب كقول أبى الحسن على بن أحمد الجوهرى:

ولم يبق منى الشوق غير تفكرىفلو شئت أن أبكى بكيت تفكر


أى لو شئت البكاء الحقيقى المطلق لم يتيسر. لفناء مادة الدمع لشدة نحولى بل أجد مكان بكاء مجازياً مقيداً بالفكر. بدل الدمع الحقيقى الواقع فى الصور، فليس هذا البيت كالذى قبله لأنه ليس المراد لو شئت أن أبكى تفكراً، فليس ما فى الجواب من جنس ما فى الشرط، فضلا عن أن يدل عليه ويقوم مقامه، ويجوز أن يراد بالبكاء فى قوله: فلو شىءت أن أبكى، البكاء مطلقاً بقطع النظر عن كونه حقيقاً وكونه بكاء تفكر، وإن قلت: فلعل المعنى أن الشوق أفنانى فصرت لا أقدر على الدمع، إنما أقدر على التفكر فقط، فلو شئت أن أبكى تفكراً بكيت تفكراً، فيكون كالبيت السابق، لكن على التنازع فى تفكر.
-5-

قلت: لا يخفى أن قوله: فلو شئت أن أبكى بكيت تفكراً، متفرع على قوله: ولم يبق منى الشوق غير تفكرى. وذلك الاحتمال لا يصلح على هذا التفريع؛ لأن بكاء التفكر ليس إلا إيقاع التفكر والقدرة على إيقاعه لا يتفرع على ألا يبقى فيه الشوق غير التفكر بخلاف عدم القدرة على البكاء الحقيقى، بحيث يحصل منه بدل الدمع التفكر، فإنه مما يتفرع على ألا يبقى فيه غير التفكر. والله أعلم.

ولو هذه امتناعية تدل على امتناع شرطها لامتناع جوابها، فإن الملزوم ينتفى بانتقاء لازمه، هذا مذهب ابن الحاجب، والصحيح قول الجمهور إنها تدل على امتناع جوابها لامتناع شرطها، وقيل إنها لمجرد الربط، مثل إن وغير ذلك، إنما يفيده المقام والسياق، وقد قال التفتازانى: الظاهر أن لو هنا لمجرد الشرط بمنزلة أن لا بمعناه الأصلى من انتفاء الشىء لانتفاء غيره ووافقة السيد الشريف، ثم ذكر جواز إبقائها على ما فسر به الآية أولا وقد يقصد بها استمرار الشىء فيربط بأبعد النقيضين عنه نحو: لو أهاننى لأكرمته، وقول عمر: لو لم يخف الله لم يعصه، وقرأ ابن أبى عبلة: لأذهب بأسماعهم وأبصارهم، فالباء فيها صلة للتأكيد ومدخولها مفعول به والتعدية بالهمزة لا بها بخلافها فى قراءة الجمهور، فإنها للتعدية لعدم الهمزة فيها، وإنما جعلت حرف التعدية فى قراءة ابن أبى عبلة هو الهمزة، والصلة هى الباء، لأن الأصل فى التعدية الهمزة لا الباء، ولأنها الكثير فى التعدية والباء فيها قليلة بالشبه.

{ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ }: هذا كالتصريح بأن وجود المسببات مرتبط بأسبابها واقع بقدرته تعالى، كما نسبه عليه بقوله عز وجل: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهَ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِم } ، والشىء عندنا وعند قومنا: الموجود فى الحال، وما قد كان موجوداً وفنى وما سيوجد، وإنما صح إطلاقه على ما وجد وفنى أو سيوجد باعتبار وجوده الماضى أو المستقبل، والأصل ألا يطلق على ما لم يوجد ولا يوجد، سواء أكان جائز الوجود أو ممتنع الوجود، لأنه فى الأصل مصدر شاء يشاء بفتح همزة شاء، فتارة يطلق بمعنى اسم فاعل كشاءٍ بكسر الهمزة المنونة كقام اسم الفاعل شاءً بفتح الهمزة بمعنى مريد، وهمزة شاء كقاض هى الياء المبدلة ألفاً فى شاء بفتح الهمزة ويشاء، وأما همزة شاء يشاء هذين فأبدلت ياء وحذفت الياء كحذفها فى قاض، فيتناول كل مريد، ولذلك أجيب بالله - سبحانه وتعالى - يعد السؤال عنه فى قوله تبارك وتعالى:
-6-

{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ } (الأنعام6: 19)
وقد يطلق على ما لم يوجد لكنه جائز الوجود، وتارة بمعنى اسم مفعول كأنه قيل مشىء بفتح الميم كمبيع أو بإبدالها ياء وإدغام الياء فى الياء، وهما اسم مفعول شاء يشاء، والمراد مشىء وجوده، بفتح الميم، وما شاء الله وجوده فهو موجود باق، أو موجود ماض، أو سيوجد، وكل ذلك بحسب مشيئته تعالى، ومنه قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ } أى قدير على كل ما أراد، وذلك مذهبنا، وقيل: ويحتمل وقوعه متناولا لما يمكن وقوعه، ولو كان لم يقع، وقالت طائفة من المعتزلة: الشىء يطلق على الموجود والمعدوم والممكن، وقال جمهور المعتزلة، الشىء ما يصبح أن يوجد وهو يعلم الواجب والممكن، أو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيعم الممتنع أيضاً فيخصون عموم الآية ونحوها بالممكن، إذا لا معنى لقولك إن الله قادر على الواجب فى حقه كوجوده علمه وسائر صفاته الذاتية، لأنه قديم. وإن قيل ذلك لا على معنى الحدوث والتجدد، فلا بأس، بل بمعنى مطلق بثبوت ذلك له تعالى، ولا معنى لقولك: إن الله قادر على المستحيل فى وصفه، فإن هذا حرام وكفر، فكأنه قال: إن الله على كل شىء مستقيم قدير، فخرج بلفظ الاستقامة المستحيل، فإنه لا يقال هو قادر عليه ولا عاجز عنه، فلا يتوهم دخوله تعالى فى عموم كل شىء، كما أن قولك: زيد أمير على الناس لا يشمل زيداً وإن كان فى جملة الناس. قال سيبويه فى باب مجاز أواخر الكلم من العربية وإنما يخرج التأنيث من التذكير، ألا ترى أن الشىء يقع على كل ما أخبر عنه، من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى؟ والشىء مذكر وهو أعم العام، كما أن الله أخص الخاص يجرى الجسم والعرض والقديم، تقول شىء لا كالأشياء أى معلوم لا كسائر المعلومات، وعلى المعدوم والمحال، انتهى.

وورش يمكن الياء من شىء، رفعاً وجراً ونصباً، وكهيئة واو السوء وشبيهه إذا انفتح ما قبلها، وكان مع الهمزة فى كلمة إلا موئلا والموءودة، وحمزة يقف على الياء من شىء وكهيئة فى الوصل خاصة، والباقون لا يمكنون ويقفون والقدرة التمكن من إيجاد الشىء، وقيل صفة تقتضى التمكن من إيجاد الشىء وإيجاد الإنسان وغيره الشىء وهو فعله الفعل، والشىء الفعل، وإيجاد الله الشىء خلقه جسما أو عرضا، كفعل الإنسان وغيره، فإنه مخلوق الله تبارك وتعالى، وقيل قدرة الإنسان هيئة بها يتمكن من الفعل، وقدرة الله عبارة عن نفى العجز عنه، كما أن التكلم فى حقه بمعنى نفى الخرش، والقادر هو الذى إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل، القدير الفعال لما يشاء على ما يشاء ولذا قل وصف غير الله تعالى به، ولفظ القدير مأخوذ من التقدير لأن التقدير يوقف فعله على مقدار قوته وما يتميز به من العاجز، أو على مقدار ما تقتضيه مشيئته، وتبين بذلك أن الحادث حال حدوثه وحال بقائه مقدوران، وأن مقدور العبد مقدور لله تعالى، لأن المقدور شىء وكل شىء مقدور، والممكن مقدور ما دام ممكناً باقياً على الإمكان.
-7-

قال التفتازانى: المقدور إن أريد به ما تعلقت به القدرة فلا يكون إلا موجوداً أو إن أريد ما يصلح تعلق القدرة به يكون معدوماً، وهو المعنى بقولهم إن الله - تعالى - قادر على جميع الممكنات، وأن مقدوراته غير متناهية، وعرف بعضهم القدرة بأنها الصفة المؤثرة على وفق الإرادة، وتأثيرها الإيجاد، وإن قلت على هذا كيف صح لبعض أن يقول الشىء مختص بالموجود، لأن إيجاد الموجود محال؟ قلت: المحال إيجاد الموجود بوجود سابق وهو غير لازم، واللازم إيجاد موجود وهو أثر ذلك الإيجاد وليس بمحال. والله أعلم.

ومن أراد أن يحبه أحد محبة عظيمة فيأخذ مرآة من فضة جديدة أو عاج ويكتب فى كاغد { يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } إلى قوله: { قديراً } لا قوله: { وإذا أظلم عليهم قاموا } فى يوم الجمعة فى زيادة الهلال ويأخذ نملتين من شجرة تكون الواحدة طالعة والأخرى هابطة، وما فيها ثم تجتمعان ويقفان قليلا وجه الواحدة إلى وجه الأخرى، فتجعلان داخل المرآة ويجعل عليهما الكاغد، وتتستر المرآة وما عليها، ثم يريها لمن أراد محبته، بعد أن ينظر فيها هو، فإذا نظر فيها من أراد فليأخذها منه بسرعة ويخفيها عنه، ولا يراها بعد ذلك ويسترها عنده، وقيل فى قوله: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ }... إلخ مستأنفاً عن القصة وإن المعنى: لو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم الظاهرة، كما ذهب بالباطنة إذ لم يقروا ولم يوفوا، أو أقروا ولم يوفوا، أن الله قدير على ذلك وغيره لا منازع له ولا معقب لفعله، وقد تقدم ذكر الوعيد فناسبه ذكر القدرة هنا فلذا خصت بالذكر هنا.
-8-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #22  
قديم 12-30-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ الْبَرْقُ } المعهود فى الآية قبل { يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ } أبصار أهل الصيب، يقرب أن يأخذها بسرعة، وإسناد الخطف إلى البرق مجاز للسببية ونفى كاد نفى، وإثباتها إثبات كسائر الأفعال، وغير هذا تخليط، وإذا قلت، كاد يقوم فمعناه قرب، وإذا قلت، لم يكد يقوم فمعناه لم يقرب، وإذا قيل، لم يكد يقوم مع أنه قام فمعناه أنه لم يقرب للقيام، ثم قرب وقام { كُلَّمَا أَضَاءَ } ظهر البرق أو أظهر البرق الطريق { لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } يمشون فى ضوئه كل إضاءة أى كل وقت إضاءة، أو فى الطريق المدلول عليه بالشىء، كما قدر بعض، كلما أضاء لهم ممشى مشوا فيه، وذلك أن المشى فى مطرح البرق لا فى البرق، والهاء للبرق، وكل ظرف لإضافته إلى المصدر المنسبك بما المصدرية المستعمل ظرفاً، كجئت طلوع الشمس، ويجوز أن يكون لازماً بمعنى وقع، كما فسرته أولا، كلما لمع مشوا فى مطرح ضوئه { وَإِذَا أَظْلَمَ } الطريق المسدود عليه، أو أظلم البرق، أى زال، أو الجو { عَلَيهِمْ قَامُوا } أمسكوا عن الشىء { وَلَوْ شَاءَ اللهُ } أى لو شاء إذهاب أسماعهم وأبصارهم { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } أى بسمع المنافقين، الإضاءة للحقيقة أو الاستغراق، وكأنه قيل، بأسماعهم، كما قال { وَأَبْصَٰرِهِمْ } عيون المنافقين الظاهرة كما ذهب ببصائر قلوبهم الباطنة فلا تقبل الحق، ويجوز عود الهاءين لأصحاب الصيب، لأن بصائرهم ولو كانت لا تعمى بالظلمات لكن المراد التنوية للصيب وشأنه المشبه بهما حال المنافقين، فإن تقويتهما تقوية لحالهم فى الهول، فيكون شبههم بالمستوقد، ثم بالصيب الموصوف بما ذكر، وبأنه لولا أن الله حفظ سمع أهله وأبصارهم لذهبت بالبرق والرعد، ومشيهم فى البرق تشبيه لميلهم إلى بلاغة القرآن، وصدقه، ووعده بالخير، وإمساكهم عن المشى عند ذهاب البرق، وتشبيه لوقوفهم عما يكرهون من تسفيه دينهم، ورفض آلهتهم، والمشيئة والإرادة بمعنى، ولا يصح ما قيل إن أصل لمشيئة لإيجاد واستعمل بمعنى الإرادة، والباء للتعدية، أى أذهب أسماعهم، وقيل، ذهبت بكذا ذهبت معه، وإذا لم يذهب فللتعدية، أو مجاز فى المعية { إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أى على كل شىء ممكن وأما المستحيل فى حقه، كاتخاذ الصاحبة والولد فلا تقل هو قادر عليه، لأن الاتصاف بالقدرة عليه اتصاف بجوازه، ولا غير قادر عليه، لأن هذه صبغه عجز، تعالى عنها، ولأنها فرع عن تقرره هكذا فى الجملة، وهو غير متقرر، تعالى عنه، أو المعنى على كل شىء شاءه هؤلاء لا يرده عما أراد وقوعه، ومع ذلك هو قادر على إيقاع لم يسبق قضاؤه بوقوعه من الممكنات إجماعا، وما لم يكن ولا يكون لا يسمى شيئاً، ونسبه بعض أصحابنا، وقيل شىء، وهو الصحيح عندى، وأما المستحيل فلا يسمى شيئاً، والآية ونحوها من الآى والحديث تدل على جوازه فى كل معلوم ممكن، ويطلق على المحال بمعنى ملاحظته، ولا يقال قادر عليه ولا غير قادر، ومعنى: وقد خلقك من قبل ولم تك شيئاً: لم تكن شيئاً موجوداً، بل شيئاً معدوماً.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #23  
قديم 12-30-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق 1-9

تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق 1-9


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } استئناف آخر بياني كأنه قيل: فكيف حالهم مع ذلك البرق؟ فقال: { يَكَادُ } الخ، وفي «البحر» يحتمل أن يكون في موضع جر لذوي المحذوفة فيما تقدم ويكاد مضارع كاد من أفعال المقاربة وتدل على قرب وقوع الخبر وأنه لم يقع والأول لوجود أسبابه والثاني لمانع أو فقد شرط على ما تقضي العادة به، والمشهور أنها إن نفيت أثبتت وإن أثبتت نفت وألغزوا بذلك، ولم يرتض هذا أبو حيان وصحح أنها كسائر الأفعال في أن نفيها نفي وإثباتها إثبات، واللام في البرق للعهد إشارة إلى ما تقدم نكرة، وقيل: إشارة إلى البرق الذي مع الصواعق أي برقها وهو كما ترى. وإسناد الخطف وهو في الأصل الأخذ بسرعة أو الاستلاب إليه من باب إسناد الإحراق إلى النار وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه قريباً. والشائع في خبر كاد أن يكون فعلاً مضارعاً غير مقترن بأن المصدرية الاستقبالية أما المضارع فلدلالته على الحال المناسب للقرب حتى كأنه لشدة قربه وقع وأما أنه غير مقترن بأن فلمنافاتها لما قصدوا ونحو ـ وأبت إلى فهم وما كدت آيباً، وكان الفقر أن يكون كفراً، وقد كاد ـ من طول البلى أن يمحصا ـ قليل.

وقرأ مجاهد وعلي بن الحسين ويحيـى بن وثاب { يَخْطَِفُ } بكسر الطاء والفتح أفصح. وعن ابن مسعود (يختطف) وعن الحسن (يخطف) بفتح الياء والخاء وأصله يختطف فأدغم التاء في الطاء. وعن عاصم وقتادة والحسن أيضاً (يخطف) بفتح الياء وكسر الخاء والطاء المشددة. وعن الحسن أيضاً والأعمش (يخطف) بكسر الثلاثة والتشديد. وعن زيد (يخطف) بضم الياء وفتح الخاء وكسر الطاء المشددة وهو تكثير مبالغة لا تعدية، وكسر الطاء في الماضي لغة قريش، وهي اللغة الجيدة.

{ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } استئناف ثالث كأنه لما قيل إنهم مبتلون باستمرار تجدد خطف الأبصار فهم منه أنهم مشغولون بفعل ما يحتاج إلى الأبصار ساعة فساعة وإلا لغطوها كما سدوا الآذان، فسئل وقيل: ما يفعلون في حالتي وميض البرق وعدمه؟ فأجيب بأنهم حراص على المشي ـ كلما أضاء لهم اغتنموه ومشوا وإذا أظلم عليهم توقفوا مترصدين. و { كُلَّمَا } في هذه الآية وأمثالها منصوبة على الظرفية وناصبها (ما) هو جواب معنى. و (ما) حرف مصدري أو اسم نكرة بمعنى وقت فالجملة بعدها صلة أو صفة وجعلت شرطاً لما فيها من معناه وهي لتقدير ما بعدها بنكرة تفيد عموماً بدلياً ولهذا أفادت (كلما) التكرار كما صرح به الأصوليون وذهب إليه بعض النحاة واللغويين واستفادة التكرار من (إذا) وغيرها من أدوات الشرط من القرائن الخارجية على الصحيح، ومن ذلك قوله:

-1-

إذا وجدت أوار الحب من كبديأقبلت نحو سقاء القوم أبترد


وزعم أبو حيان أن التكرار الذي ذكره الأصوليون وغيرهم في (كلما) إنما جاء من عموم كل لا من وضعها وهو مخالف للمنقول والمعقول، وقد استعلمت هنا في لازم معناها كناية أو مجازاً وهو الحرص والمحبة لما دخلت عليه/ ولذا قال مع الإضاءة (كلما) ومع الإظلام (إذا) وقول أبي حيان: إن التكرار متى فهم من (كلما) هنا لزم منه التكرار في (إذا) إذ الأمر دائر بين إضاءة البرق والإظلام ومتى وجد ذا فقد ذا فلزم من تكرار وجود ذا تكرار عدم ذا غفلة عما أرادوه من هذا المعنى الكنائي والمجازي.

وأضاء إما متعد كما في قوله:

أعد نظراً يا عبد قيس لعلماأضاءت لك النار الحمار المقيدا


والمفعول محذوف أي: كلما أضاء لهم ممشى مشوا فيه وسلكوه، وإما لازم ويقدر حينئذ مضافان أي كلما لمع لهم مشوا في مطرح ضوئه ولا بد من التقدير إذ ليس المشي في البرق بل في محله وموضع إشراق ضوئه وكون (في) للتعليل والمعنى مشوا لأجل الإضاءة فيه يتوقف فيه من له ذوق في العربية، ويؤيد اللزوم قراءة ابن أبـي عبلة (ضاء) ثلاثياً، وفي مصحف ابن مسعود بدل (مشوا فيه) (مضوا فيه)، وللإشارة إلى ضعف قواهم لمزيد خوفهم ودهشتهم لم يأت سبحانه بما يدل على السرعة، ولما حذف مفعول { أَضَآءَ } وكانت النكرة أصلاً أشار إلى أنهم لفرط الحيرة كانوا يخبطون خبط عشواء ويمشون كل ممشى.

ومعنى { أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } اختفى عنهم، والمشهور استعمال أظلم لازما، وذكر الأزهري ـ وناهيك به ـ في «التهذيب» أن كل واحد من أوصاف الظلم يكون لازماً ومتعدياً، وعلى احتمال التعدي هنا ويؤيده قراءة زيد بن قطيب والضحاك (أظلم) بالبناء للمفعول مع اتفاق النحاة على أن المطرد بناء المجهول من المتعدي بنفسه يكون المفعول محذوفاً أي إذا أظلم البرق بسبب خفائه معاينة الطريق قاموا أي وقفوا عن المشي ويتجوز به على الكساد ومنه قامت السوق، وفي ضده يقال: مشت الحال.

{ وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ } عطف على مجموع الجمل الاستئنافية ولم يجعلوها معطوفة على الأقرب ومن تتمته لخروجها عن التمثيل وعدم صلاحيتها للجواب، وعطف ما ليس بجواب على الجواب ليس بصواب وجوزه بعض المحققين إذ لا بأس بأن يزاد في الجواب ما يناسبه وإن لم يكن له دخل فيه بل قد يستحسن ذلك إذا اقتضاه المقام كما في

{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [طه20: 17] الآية

وكونها اعتراضية أو حالية من ضمير { قَامُواْ } بتقدير المبتدأ أو معطوفة على الجملة الأولى مع تخلل الفواصل اللفظية، والمقدرة فضول عند ذوي الفضل، والقول بأنه أتى بها لتوبيخ المنافقين حيث لم ينتهوا لأن من قدر على إيجاد قصيف الرعد ووميضه وإعدامهما قادر على إذهاب سمعهم وأبصارهم أفلا يرجعون عن ضلالهم محل للتوبيخ إذ لا يصح عطف الممثل له على حال الممثل به.


-2-

ومفعول { شَآءَ } هنا محذوف وكثيراً ما يحذف مفعولها إذا وقعت في حيز الشرط ولم يكن مستغرباً، والمعنى ولو أراد الله إذهاب سمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق لذهب، ولتقدم ما يدل على التقييد من

{ يَجْعَلُونَ } [البقرة2: 19]

و { يَكَادُ } قوى دلالة السياق عليه وأخرجه من الغرابة، ولك أن لا تقيد ذلك المفعول وتقيد الجواب كما صنعه الزمخشري أو لا تقيد أصلاً، ويكون المعنى لو أراد الله إذهاب هاتيك القوى أذهبها من غير سبب فلا يغنيهم ما صنعوه، والمشيئة عند المتكلمين كالإرادة سواء، وقيل: أصل المشيئة إيجاد الشيء وإصابته وإن استعمل عرفاً في موضع الإرادة، وقرأ ابن أبـي عبلة (لأذهب الله بأسماعهم) وهي محمولة على زيادة الباء لتأكيد التعدية أو على أن (أذهب) لازم بمعنى ذهب كما قيل بنحوه في

{ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون23: 20]
{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } [البقرة2: 195]

إذ الجمع بين أداتي تعدية لا يجوز، وبعضهم يقدر له مفعولا أي لأذهبهم فيهون الأمر.


وكلمة (لو) لتعليق حصول أمر ماض هو الجزاء بحصول أمر مفروض هو الشرط لما بينهما من/ الدوران حقيقة أو ادعاء ومن قضية مفروضية الشرط دلالتها على انتفائه قطعاً والمنازع فيه مكابر، وأما دلالتها على انتفاء الجزاء فقد قيل وقيل، والحق أنه إن كان ما بينهما من الدوران قد بني الحكم على اعتباره فهي دالة عليه بواسطة مدلولها ضرورة استلزام انتفاء العلة لانتفاء المعلول. أما في الدوران الكلي كالذي في قوله تعالى شأنه

{ وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ } [النحل16: 9]

وقولك لوجئتني لأكرمتك فظاهر، ثم إنه قد يساق الكلام لتعليل انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط كما في المثالين، وهو الاستعمال الشائع في (لو) ولذا قيل: إنها لامتناع الثاني لامتناع الأول وقد يساق للاستدلال بانتفاء الثاني لكونه ظاهراً أو مسلماً على انتفاء الأول لكونه بعكسه كما في قوله تعالى:

{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء21: 22] و
{ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } [الأحقاف46: 11]

واللزوم في الأول: حقيقي وفي الثاني: ادعائي، وكذا انتفاء الملزومين وليس هذا بطريق السببية الخارجية بل بطريق الدلالة العقلية الراجعة إلى سببية العلم بانتفاء الثاني للعلم بانتفاء الأول. ومن لم يتنبه زعم أنه لانتفاء الأول لانتفاء الثاني.


وأما في مادة الدوران الجزئي كما في قولك: لو طلعت الشمس لوجد الضوء فلأن الجزاء المنوط بالشرط ليس وجود أي ضوء بل وجود الضوء الخاص الناشىء من الطلوع ولا ريب في انتفائه بانتفائه هذا إذا بنى الحكم على اعتبار الدوران وإن بنى على عدمه فإما أن يعتبر تحقق مدار آخر له أو لا، فإن اعتبر فالدلالة تابعة لحال ذلك المدار فإن كان بينه وبين الانتفاء الأول منافاة تعين الدلالة كما إذا قلت: لو لم تطلع الشمس لوجد الضوء فإن وجود الضوء معلق في الحقيقة بسبب آخر هو المدار ووضع عدم الطلوع موضعه لكونه كاشفاً عنه فكأنه قيل: لو لم تطلع الشمس لوجد الضوء بالقمر مثلاً.

-3-

ولا ريب في أن هذا الجزاء منتف عند انتفاء الشرط لاستحالة الضوء القمري عند طلوع الشمس، وإن لم يكن بينهما منافاة تعين عدم الدلالة كحديث " لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة " فإن المدار المعتبر في ضمن الشرط ـ أعني كونها ابنة الأخ ـ غير مناف لانتفائه الذي هو كونها ربيبته بل مجامع له، ومن ضرورته مجامعة أثريهما أعني الحرمة الناشئة من هذا، وهذا وإن لم يعتبر تحقق مدار آخر بل بني الحكم على اعتبار عدمه فلا دلالة لها على ذلك أصلاً، ومساق الكلام حينئذ لبيان ثبوت الجزاء على كل حال بتعليقه بما ينافيه ليعلم ثبوته عند وقوع ما لا ينافيه بالأولى كما في قوله تعالى:

{ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى إِذًا لأمْسَكْتُمْ } [الإسراء17: 100]

فإن الجزاء قد نيط بما ينافيه إيذاناً بأنه في نفسه بحيث يجب ثبوته مع فرض انتفاء سببه أو تحقق سبب انتفائه فكيف إذا لم يكن كذلك على طريقة (لو) الوصلية و «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» إن حمل على تعليق عدم العصيان في ضمن عدم الخوف بمدار آخر كالحياء مما يجامع الخوف كان من قبيل حديث الربيبة، وإن حمل على بيان استحالة عصيانه مبالغة كان من هذا القبيل، والآية الكريمة واردة على الاستعمال الشائع مفيدة لفظاعة حالهم وهول ما دهمهم وأنه قد بلغ الأمر حيث لو تعلقت مشيئة الله تعالى بإزالة قواهم لزالت لتحقق ما يقتضيه اقتضاء تاماً. وقيل: كلمة (لو) فيها ـ لربط جزائها بشرطها مجردة عن الدلالة على انتفاء أحدهما لانتفاء الآخر ـ بمنزلة إن، ذكر جميع ذلك مولانا مفتي الديار الرومية وأظنه قد أصاب الغرض إلا أن كلام مولانا السيالكوتي يشعر باختيار أن (لو) موضوعة لمجرد تعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فيه من غير دلالة على انتفاء الأول أو الثاني أو على استمرار الجزاء/ بل جميع هذه الأمور خارجة عن مفهومها مستفادة بمعونة القرآن كيلا يلزم القول بالاشتراك أو الحقيقة والمجاز من غير ضرورة، وبه قال بعضهم، وما ذهب إليه ابن الحاجب من أنها للدلالة على انتفاء الأول لانتفاء الثاني من لوازم هذا المفهوم وكونه لازماً لا يستلزم الإرادة في جميع الموارد فإن الدلالة غير الإرادة. وذكر أن ما قالوه من أنها لتعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فرضاً مع القطع بانتفائه فيلزم لأجل انتفائه انتفاء ما علق به فيفيد أن انتفاء الثاني في الخارج إنما هو بسبب انتفاء الأول فيه مع توقفه على كون انتفاء الأول مأخوذاً في مدخولها، وقد عرفت أنه يستلزم خلاف الأصل يرد عليه أن المستفاد من التعليق على أمر مفروض الحصول إبداء المانع من حصول المعلق في الماضي وأنه لم يخرج من العدم الأصلي إلى حد الوجود وبقي على حاله لارتباط وجوده بأمر معدوم، وأما أن انتفاءه سبب لانتفائه في الخارج فكلا كيف والشرط النحوي قد يكون مسبباً مضافاً للجزاء، نعم إن هذا مقتضى الشرط الاصطلاحي، وما استدل به العلامة التفتازاني على إفادتها السببية الخارجية من قول الحماسي:


-4-

ولو طار ذو حافر قبلهالطارت ولكنه لم يطر


لأن استثناء المقدم لا ينتج، ففيه أن اللازم مما ذكر أن لا تكون مستعملة للاستدلال بانتفاء الأول على انتفاء الثاني ولا يلزم منه أن لا تكون مستعملة لمجرد التعليق لإفادة إبداء المانع مع قيام المقتضي كيف ولو كان معناها إفادة سببية الانتفاء للانتفاء كان الاستثناء تأكيداً وإعادة بخلاف ما إذا كان معناها مجرد التعليق فإنه يكون إفادة وتأسيساً، وهذا محصل ما قالوه رداً وقبولاً. وزبدة ما ذكروه إجمالاً وتفصيلاً. ومعظم مفتى أهل العربية أفتوا بما قاله مفتي الديار الرومية، ولا أوجب عليك التقليد فالأقوال بين يديك فاختر منها ما تريد.

{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } كالتعليل للشرطية والتقرير لمضمونها الناطق بقدرته تعالى على إذهاب ما ذكر لأن القادر على الكل قادر على البعض والشيء لغة ما يصح أن يعلم ويخبر عنه كما نص عليه سيبويه، وهو شامل للمعدوم والموجود الواجب والممكن وتختلف إطلاقاته، ويعلم المراد منه بالقرائن فيطلق تارة، ويراد به جميع أفراده كقوله تعالى:

{ وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } [البقرة2: 282]

بقرينة إحاطَه العلم الإلهي بالواجب والممكن المعدوم والموجود والمحال الملحوظ بعنوان ما، ويطلق ويراد به الممكن مطلقاً كما في الآية الكريمة بقرينة القدرة التي لا تتعلق إلا بالممكن، وقد يطلق ويراد به الممكن الخارجي الموجود في الذهن كما في قوله تعالى:

{ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْءٍ إِنّى فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً *إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } [الكهف18: 23-24]

بقرينة كونه متصوراً مشيئاً فعله غداً، وقد يطلق ويراد به الممكن المعدوم الثابت في نفس الأمر كما في قوله تعالى:

{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل16: 40]

بقرينة إرادة التكوين التي تختص بالمعدوم، وقد يطلق ويراد به الموجود الخارجي كما في قوله تعالى:

{ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } [مريم19: 9]

أي موجوداً خارجياً لامتناع أن يراد نفي كونه شيئاً بالمعنى اللغوي الأعم الشامل للمعدوم الثابت في نفس الأمر لأن كل مخلوق فهو في الأزل شيء أي معدوم ثابت في نفس الأمر وإطلاق الشيء عليه قد قرر، والأصل في الإطلاق الحقيقة ولا يعدل عنه إلا لصارف ولا صارف.


-5-

وشيوع استعماله في الموجود لا ينتهض صارفاً إذ ذاك إنما هو لكون تعلق الغرض في المحاورات بأحوال الموجودات أكثر لا لاختصاصه به لغة، وما ذكره مولانا البيضاوي من اختصاصه بالموجود ـ لأنه في الأصل مصدر شاء ـ أطلق بمعنى شاء تارة؛ وحينئذ يتناول الباري تعالى وبمعنى مشيء أخرى أي مشيء وجوده الخ ففيه مع ما فيه أنه يلزمه في قوله تعالى:

{ وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } [البقرة2: 282]

استعمال المشترك في معنييه لأنه إذا كان بمعنى الشائي/ لا يشمل نحو الجمادات عنده، وإذا كان بمعنى المشيء وجوده لا يشمل الواجب تعالى شأنه، وفي استعمال المشترك في معنييه خلاف ولا خلاف في الاستدلال بالآية على إحاطة علمه تعالى. وأما ما ذكر في «شرحي المواقف والمقاصد» فجعجعة ولا أرى طحناً، وقعقعة ولا أرى سلاحاً تقنا، وقد كفانا مؤنة الإطالة في رده مولانا الكوراني قدس سره، والنزاع في هذا وإن كان لفظياً والبحث فيه من وظيفة أصحاب اللغة إلا أنه يبتني على النزاع في أن المعدوم الممكن ثابت أولا، وهذا بحث طالما تحيرت فيه أقوام وزلت فيه أقدام.


والحق الذي عليه العارفون الأول لأن المعدوم الممكن ـ أي ما يصدق عليه هذا المفهوم ـ يتصور ويراد بعضه دون بعض، وكل ما هو كذلك فهو متميز في نفسه من غير فرض الذهن، وكل ما هو كذلك فهو ثابت ومتقرر في خارج أذهاننا منفكاً عن الوجود الخارجي فما هو إلا في نفس الأمر. والمراد به علم الحق تعالى باعتبار عدم مغايرته للذات الأقدس فإن لعلم الحق تعالى اعتبارين أحدهما: أنه ليس غيراً والثاني: أنه ليس عيناً، ولا يقال بالاعتبار الأول العلم تابع للمعلوم لأن التبعية نسبة تقتضي متمايزين ولو اعتباراً، ولا تمايز عند عدم المغايرة، ويقال ذلك بالاعتبار الثاني للتمايز النسبي المصحح للتبعية، والمعلوم الذي يتبعه العلم هو ذات الحق تعالى بجميع شؤونه ونسبه واعتباراته. ومن هنا قالوا: علمه تعالى بالأشياء أزلاً عين علمه بنفسه لأن كل شيء من نسب علمه بالاعتبار الأول فإذا علم الذات بجميع نسبها فقد علم كل شيء من عين علمه بنفسه، وحيث لم يكن الشريك من نسب العلم بالاعتبار الأول إذ لا ثبوت له في نفسه من غير فرض إذ الثابت كذلك هو أنه تعالى لا شريك له فلا يتعلق به العلم بالاعتبار الثاني ابتداء، ومتى كان تعلق العلم بالأشياء أزلياً لم تكن أعداماً صرفة إذ لا يصح حينئذ أن تكون طرفاً إذ لا تمايز، فإذا لها تحقق بوجه ما، فهي أزلية بأزلية العلم، فلذا لم تكن الماهيات بذواتها مجعولة لأن الجعل تابع للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم الثابت، فالثبوت متقدم على الجعل بمراتب فلا تكون من حيث الثبوت أثراً للجعل وإلا لدار، وإنما هي مجعولة في وجودها، لأن العالم حادث وكل حادث مجعول وليس الوجود حالاً حتى لا تتعلق به القدرة، ويلزم أن لا يكون الباري تعالى موجداً للممكنات ولا قادراً عليها لأنه قد حقق أن الوجود بمعنى ما ـ بانضمامه إلى الماهيات الممكنة ـ يترتب عليها آثارها المختصة بها موجود، أما أولاً: فلأن كل مفهوم مغاير للوجود فإنه إنما يكون موجوداً بأمر ينضم إليه وهو الوجود، فهو موجود بنفسه لا بأمر زائد وإلا لتسلسل، وامتيازه عما عداه بأن وجوده ليس زائداً على ذاته.

-6-

وأما ثانياً: فلأنه لو لم يكن موجوداً لم يوجد شيء أصلاً لأن الماهية الممكنة قبل انضمام الوجود متصفة بالعدم الخارجي فلو كان الوجود معدوماً كان مثلها محتاجاً لما تحتاجه فلا يترتب على الماهية بضمه آثارها لأنه على تقدير كونه معدوماً ليس فيه بعد العدم إلا افتقاره إلى الوجود، وهذا بعينه متحقق في الماهية قبل الضم فلا يحدث لها بالضم وصف لم تكن عليه، فلو كان هذا الوجود المفتقر مفيداً لترتب الآثار لكانت الماهية مستغنية عن الوجود حال افتقارها إليه واللازم باطل لاستحالة اجتماع النقيضين فلا بد أن يكون الوجود موجوداً بوجود هو نفسه وإلا لتسلسل أو انتهى إلى وجود موجود بنفسه، والأول: باطل، والثاني: قاض بالمطلوب. نعم الوجود بمعنى الموجودية حال لأنه صفة اعتبارية ليست بعرض ولا سلب، ومع هذا يتعلق به الجعل لكن لا ابتداء بل بضم حصة من الوجود الموجود إلى الماهية فيترتب على ذلك اتصاف الماهية بالموجودية وظاهر أنه لا يلزم من عدم تعلق القدرة بالوجود بمعنى الموجودية ابتداء أن لا تتعلق به بوجه آخر، وإذا تبين/ أن الماهيات مجعولة في وجودها فلا بد أن يكون وجود كل شيء عين حقيقته، بمعنى أن ما صدق عليه حقيقة الشيء من الأمور الخارجية هو بعينه ما صدق عليه وجوده، وليس لهما هويتان متمايزتان في الخارج كالسواد والجسم إذ الوجود إن قام بالماهية معدومة لزم التناقض، وموجودة لزم وجودان مع الدور أو التسلسل، والقول بأن الوجود ينضم إلى الماهية من حيث هي لا تحقيق فيه، إذ تحقق في محله أن الماهية قبل عروض الوجود متصفة في نفس الأمر بالعدم قطعاً لاستحالة خلوها عن النقيضين فيه، غاية الأمر أنا إذا لم نعتبر معها العدم لا يمكن أن نحكم عليها بأنها معدومة، وعدم اعتبارنا العدم معها حين عروض الوجود لا يجعلها منفكة عنه في نفس الأمر وإنما يجعلها منفكة عنه باعتبارنا وضم الوجود أمر يحصل لها باعتبار نفس الأمر لا من حيث اعتبارنا، فخلوها عن العدم باعتبارنا لا يصحح اتصافها بالوجود من حيث هي هي في نفس الأمر سالماً عن المحذور فإذاً ليس هناك هويتان تقوم إحداهما بالأخرى بل عين الشخص في الخارج عين تعين الماهية فيه وهو عين الماهية فيه أيضاً إذ ليس التعين أمراً وجودياً مغايراً بالذات للشخص منضماً للماهية في الخارج ممتازاً عنهما فيه مركباً منها ومن الفرد بل لا وجود في الخارج إلا للأشخاص، وهي عين تعيينات الماهية وعين الماهية في الخارج لاتحادهما فيه، وعلى هذا فلا شك في مقدورية الممكن إذ جعله بجعل حصته من الوجود المطلق الموجود في الخارج مقترنة بأعراض وهيآت يقتضيها استعداد حصته من الماهية النوعية فيكون شخصاً، وإيجاد الشخص من الماهية ـ على الوجه المذكور ـ عين إيجاد الماهية لأنهما متحدان في الخارج جعلا ووجوداً متمايزان في الذهن فقط، وهذا تحقيق قولهم: المجعول هو الوجود الخاص، ولا يستعد معدوم لعروضه إلا إذا كان له ثبوت في نفس الأمر إذ ما لا ثبوت له ـ وهو المنفي ـ لا اقتضاء فيه لعروض الوجود بوجه، وإلا لكان المحال ممكناً واللازم باطل، فالثبوت الأزلي لماهية الممكن هو المصحح لعروض الإمكان المصحح للمقدورية لا أنه المانع كما توهموه.

-7-

هذا والبحث طويل والمطلب جليل. وقد أشبعنا الكلام عليه «الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية» على وجه رددنا فيه كلام المعترضين المخالفين لما تبعنا فيه ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم، وهذه نبذة يسيرة تنفعك في تفسير الآية الكريمة فاحفظها فلا أظنك تجدها في تفسير، وحيث كان الشيء عاماً لغة واصطلاحاً عند أهل الله تعالى، وإن ذهب إليه المعتزلة أيضاً فلا بد في مثل ما نحن فيه من تخصيصه بدليل العقل بالممكن.

والقدرة عند الأشاعرة صفة ذاتية ذات إضافة تقتضي التمكن من الإيجاد والإعدام والإبقاء لا نفس التمكن لأنه أمر اعتباري ولا نفي العجز عنه تعالى لأنه من الصفات السلبية، ولعل من اختار ذلك اختاره تقليلاً للصفات الذاتية، أو نفياً لها والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، ولكون المشيئة عندنا صفة مرجحة لأحد طرفي المقدور، وعند الحكماء العناية الأزلية ساغ لنا أن نعرفه بما ذكر دونهم خلافاً لمن وهم فيه ـ والقدير ـ هو الفعال لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة، وقلما يوصف به غيره تعالى، والمقتدر إن استعمل فيه تعالى فمعناه القدير أو في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة، واشتقاق القدرة من القدر بمعنى التحديد والتعيين، وفي الآية دليل على أن الممكن الحادث حال بقائه مقدور لأنه شيء وكل شيء مقدور له تعالى، ومعنى كونه مقدوراً أن الفاعل إن شاء أعدمه وإن شاء لم يعدمه واحتياج الممكن حال بقائه إلى المؤثر مما أجمع عليه من قال إن علة الحاجة هي الإمكان ضرورة أن الإمكان لازم له حال البقاء وأما من قال إن علة الحاجة الحدوث وحده أو مع الإمكان قال باستغنائه إذ لا حدوث حينئذ وتمسك في ذلك ببقاء البناء بعد فناء البناء، ولما رأى بعضهم شناعة ذلك قالوا: إن الجواهر لا تخلو عن الأعراض وهي لا تبقى زمانين فلا يتصور الاستغناء عن القادر سبحانه بحال، وهذا مما ذهب إليه الأشعري/ ولما فيه من مكابرة الحس ظاهراً ـ أنكره أهل الظاهر، نعم يسلمه العارفون من أهل الشهود وناهيك بهم حتى إنهم زادوا على ذلك فقالوا: إن الجواهر لا تبقى زمانين أيضاً والناس

-8-

{ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ق50: 15]،

وأنا أسلم ما قالوا

{ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [غافر40: 44]

الذي لا يتقيد بشأن وقد كان ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان.


ثم المراد من هذا التمثيل تشبيه حال المنافقين في الشدة ولباس إيمانهم المبطن بالكفر المطرز بالخداع حذر القتل بحال ذوي مطر شديد فيه ما فيه يرقعون خروق آذانهم بأصابعهم حذر الهلاك إلى آخر ما علم من أوصافهم، ووجه الشبه وجدان ما ينفع ظاهره وفي باطنه بلاء عظيم، وقيل: شبه سبحانه المنافقين بأصحاب الصيب، وإيمانهم المشوب بصيب فيه ما تلى من حيث إنه وإن كان نافعاً في نفسه لكنه لما وجد كذا عاد نفعه ضراً، ونفاقهم حذراً عن النكاية بجعل الأصابع في الآذان ممادها حذر الموت من حيث إنه لا يرد من القدر شيئاً وتحيرهم لشدة ما عنى وجهلهم بما يأتون ويذرون بأنهم كلما صادفوا من البرق خفقة انتهزوها فرصة مع خوف أن يخطف أبصارهم فخطوا يسيراً ثم إذا خفي بقوا متقيدين لا حراك لهم، وقيل: جعل الإسلام الذي هو سبب المنافع في الدارين كالصيب الذي هو سبب المنفعة وما في الإسلام من الشدائد والحدود بمنزلة الظلمات والرعد وما فيه من الغنيمة والمنافع بمنزلة البرق فهم قد جعلوا أصابعهم في آذانهم من سماع شدائده وإذا لمع لهم برق غنيمة مشوا فيه وإذا أظلم عليهم بالشدائد قاموا متحيرين، وقيل غير ذلك، وما تقتضيه جزالة التنزيل وتستدعيه فخامة شأنه الجليل غير خفي عليك إذا لمعت بوارق العناية لديك.

ومن البطون تشبيه من ذكر في التشبيه الأول بذوي صيب فيكون قوله تعالى: { كُلَّمَا أَضَاء } الخ إشارة إلى أنهم كلما وجدوا من طاعتهم حلاوة وعرضاً عاجلاً { مَّشَوْاْ فِيهِ } وإذا حبس عليهم طريق الكرامات تركوا الطاعات، وقال الحسين: إذا أضاء لهم مرادهم من الدنيا في الدين أكثروا من تحصيله وإذا أظلم عليهم قاموا متحيرين.

-9-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #24  
قديم 12-30-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-4

تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-4


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


الأظهر أن تكون جملة: { يجعلون } حالاً اتضح بها المقصود من الهيئة المشبه بها لأنها كانت مجملة، وأما جملة: { يكاد البرق } فيجوز كونها حالاً من ضمير { يجعلون } ، لأن بها كمال إيضاح الهيئة المشبه بها ويجوز كونها استئنافاً لبيان حال الفريق عند البرق نشأ عن بيان حالهم عند الرعد. وجملة: { كلما أضاء لهم مشوا فيه } حال من (البرق) أو من ضمير (أبصارهم) لا غير، وفي هذا تشبيه لجزع المنافقين من آيات الوعيد بما يعتري القائم تحت السماء حين الرعد والبرق والظلمات فهو يخشى استكاك سمعه ويخشى الصواعق حذر الموت ويعشيه البرق حين يلمع بإضاءة شديدة ويعمي عليه الطريق بعد انقطاع لمعانه. وقوله: { كلما أضاء لهم } تمثيل لحال حيرة المنافقين بحال حيرة السائرين في الليل المظلم المرعد المبرق. وقوله: { والله محيط بالكافرين } اعتراض للتذكير بأن المقصود التمثيل لحال المنافقين في كفرهم لا لمجرد التفنن في التمثيل. وقوله: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } رجوع إلى وعيد المنافقين الذين هم المقصود من التمثيل فالضمائر التي في جملة { ولو شاء الله } راجعة إلى أصل الكلام، وتوزيع الضمائر دل عليه السياق. فعبر عن زواجر القرآن بالصواعق وعن انحطاط قلوب المنافقين وهي البصائر عن قرار نور الإيمان فيها بخطف البرق للأبصار، وإلى نحو من هذا يشير كلام ابن عطية نقلاً عن جمهور المفسرين وهو مجاز شائع، يقال فلان يرعد ويبرق، على أن بناءه هنا على المجاز السابق يزيده قبولاً، وعبر عما يحصل للمنافقين من الشك في صحة اعتقادهم بمشي الساري في ظلمة إذا أضاء له البرق، وعن إقلاعهم عن ذلك الشك حين رجوعهم إلى كفرهم بوقوف الماشي عند انقطاع البرق على طريقة التمثيل، وخلل ذلك كله بتهديد لا يناسب إلا المشبهين وهو ما أفاده الاعتراض بقوله: { والله محيط بالكافرين } وقوله: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } فجاء بهذه الجمل الحالية والمستأنفة تنبيهاً على وجه الشبه وتقريراً لقوة مشابهة الزواجر وآيات الهدى والإيمان بالرعد والبرق في حصول أثري النفع والضر عنهما مع تفنن في البلاغة وطرائق الحقيقة والمجاز.

وجعل في «الكشاف» الجمل الثلاث مستأنفاً بعضها عن بعض بأن تكون الأولى استئنافاً عن جملة:

{ أَو كَصَيِّبٍ } [البقرة2: 19]

والثانية وهي: { يكاد البرق } مستأنفة عن جملة: { يجعلون } لأن الصواعق تستلزم البرق، والثالثة وهي: { كلما أضاء لهم مشوا } مستأنفة عن قوله: { يكاد البرق } والمعنى عليه ضعيف وهو في بعضها أضعف منه في بعض كما أشرنا إليه آنفاً.


والجعل والأصابع مستعملان في حقيقتهما على قول بعض المفسرين لأن الجعل هو هنا بمعنى النوط، والظرفية لا تقتضي الإحاطة فجعل بعض الإصبع في الأذن هو جعل للإصبع فتمثل بعض علماء البيان بهذه الآية للمجاز الذي علاقته الجزئية تسامح ولذلك عبر عنه صاحب «الكشاف» بقوله هذا من الاتساعات في اللغة التي لا يكاد الحاصر يحصرها كقوله:
-1-

{ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم } [المائدة5: 6]
{ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } [المائدة5: 38]


ومنه قولك مسحت بالمنديل، ودخلت البلد، وقيل ذلك مجاز في الأصابع، وقيل مجاز في الجعل ولمن شاء أن يجعله مجازاً في الظرفية فتكون تبعية لكلمة (في).

و(من) في قوله: { من الصواعق } للتعليل أي لأجل الصواعق إذ الصواعق هي علة جعل الأصابع في الآذان ولا ضير في كون الجعل لاتقائها حتى يقال يلزم تقدير مضاف نحو ترك واتقاء إذ لا داعي إليه، ونظير هذا قولهم سقاه من العيمة (بفتح العين وسكون الياء وهي شهوة اللبن) لأن العيمة سبب السقي والمقصود زوالها إذ المفعول لأجله هو الباعث وجوده على الفعل سواء كان مع ذلك غاية للفعل وهو الغالب أم لم يكن كما هنا.

والصواعق جمع صاعقة وهي نار تندفع من كهربائية الأسحبة كما تقدم آنفاً. وقوله: { حذر الموت } مفعول لأجله وهو هنا علة وغاية معاً.

ومن بديع هذا التمثيل أنه مع ما احتوى عليه من مجموع الهيئة المركبة المشبه بها حال المنافقين حين منازعة الجواذب لنفوسهم من جواذب الاهتداء وترقبها ما يفاض على نفوسهم من قبول دعوة النبي وإرشاده مع جواذب الإصرار على الكفر وذبهم عن أنفسهم أن يعلق بها ذلك الإرشاد حينما يخلون إلى شياطينهم، هو مع ذلك قابل لتفريق التشبيه في مفرداته إلى تشابيه مفردة بأن يشبه كل جزء من مجموع الهيئة المشبهة لجزء من مجموع هيئة قوم أصابهم صيب معه ظلمات ورعد وصواعق لا يطيقون سماع قصفها ويخشون الموت منها وبرق شديد يكاد يذهب بأبصارهم وهم في حيرة بين السير وتركه. وقوله: { والله محيط بالكافرين } اعتراض راجع للمنافقين إذ قد حق عليهم التمثل واتضح منه حالهم فآن أن ينبه على وعيدهم وتهديدهم وفي هذا رجوع إلى أصل الغرض كالرجوع في قوله تعالى

{ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم وَتَرَكَهُم } [البقرة2: 17]

الخ كما تقدم إلا أنه هنا وقع بطريق الاعتراض.


والإحاطة استعارة للقدرة الكاملة شبهت القدرة التي لا يفوتها المقدور بإحاطة المحيط بالمحاط على طريقة التبعية أو التمثيلية وإن لم يذكر جميع ما يدل على جميع المركب الدال على الهيئة المشبهة بها وقد استعمل هذا الخبر في لازمه وهو أنه لا يفلتهم وأنه يجازيهم على سوء صنعهم.

والخطف الأخذ بسرعة.

و(كلما) كلمة تفيد عموم مدخولها، و(ما) كافة لكل عن الإضافة أوهي مصدرية ظرفية أو نكرة موصوفة فالعموم فيها مستفاد من كلمة (كل). وذكر (كلما) في جانب الإضاءة و(إذا) في جانب الإظلام لدلالة (كلما) على حرصهم على المشي وأنهم يترصدون الإضاءة فلا يفيتون زمناً من أزمان حصولها ليتبينوا الطريق في سيرهم لشدة الظلمة.

و { أضاء } فعل يستعمل قاصراً ومتعدياً باختلاف المعنى كما تقدم في قوله:
-2-

{ فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حَوْلَهُ } [البقرة2: 17]

وأظلم يستعمل قاصراً كثيراً ويستعمل متعدياً قليلاً. والظاهر أن (أضاء) هنا متعد فمفعول (أضاء) محذوف لدلالة (مشوا) عليه وتقديره الممشى أو الطريق أي أضاء لهم البرق الطريق وكذلك (أظلم) أي وإذا أظلم عليهم البرق الطريق بأن أمسك وميضه فإسناد الإظلام إلى البرق مجاز لأنه تسبب في الإظلام. ومعنى القيام عدم المشي أي الوقوف في الموضع.

وقوله تعالى: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } مفعول (شاء) محذوف لدلالة الجواب عليه وذلك شأن فعل المشيئة والإرادة ونحوهما إذا وقع متصلاً بما يصلح لأن يدل على مفعوله مثل وقوعه صلة لموصول يحتاج إلى خبر نحو ما شاء الله كان أي ما شاء كونه كان ومثل وقوعه شرطاً للو لظهور أن الجواب هو دليل المفعول وكذلك إذا كان في الكلام السابق قبل فعل المشيئة ما يدل على مفعول الفعل نحو قوله تعالى:

{ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى *إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 6، 7]

قال الشيخ في «دلائل الإعجاز»: إن البلاغة في أن يجاء به كذلك محذوفاً وقد يتفق في بعضه أن يكون إظهار المفعول هو الأحسن وذلك نحو قول الشاعر (هو إسحاق الخريمي مولى بني خريم من شعراء عصر الرشيد يرثي أبا الهيذام الخريمي حفيده ابن ابن عمارة).

ولو شئتُ أن أبكي دماً لبَكيتهعليه ولكن ساحةُ الصبر أوسع


وسبب حسنه أنه كأنه بدع عجيب أن يشاء الإنسان أن يبكي دماً فلما كان كذلك كان الأولى أن يصرح بذكره ليقرره في نفس السامع الخ كلامه وتبعه صاحب «الكشاف» وزاد عليه أنهم لا يحذفون في الشيء المستغرب إذ قال لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب الخ وهو مؤول بأن مراده أن عدم الحذف حينئذٍ يكون كثيراً. وعندي أن الحذف هو الأصل لأجل الإيجاز فالبليغ تارة يستغني بالجواب فيقصد البيان بعد الإبهام وهذا هو الغالب في كلام العرب، قال طرفة: وإن شئتَ لم ترقل وإن شئت أرقلت، وتارة يبيّن بذكر الشرط أساس الإضمار في الجواب نحو البيت وقوله تعالى:

{ لَو أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ } [الأنبياء21: 17]

ويحسن ذلك إذا كان في المفعول غرابة فيكون ذكره لابتداء تقريره كما في بيت الخريمي والإيجاز حاصل على كل حال لأن فيه حذفاً إما من الأول أو من الثاني. وقد يوهم كلام أئمة المعاني أن المفعول الغريب يجب ذكره وليس كذلك فقد قال الله تعالى:

{ قَالُوا لَو شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً } [فصلت41: 14]

فإن إنزال الملائكة أمر غريب قال أبو العلاء المعري.

وإن شئتَ فازعُم أَنَّ مَن فوقَ ظهرهاعبيدُكَ واستشهِد إِلٰهَك يَشْهَدِ


فإن زعم ذلك زعم غريب.

والضمير في قوله: { بسمعهم وأبصارهم } ظاهره أن يعودوا إلى أصحاب الصيب المشبه بحالهم حال المنافقين لأن الإخبار بإمكان إتلاف الأسماع والأبصار يناسب أهل الصيب المشبه بحالهم بمقتضى قوله: { يكاد البرق يخطف أبصارهم } وقوله: { يجعلون أصابعهم في آذانهم } والمقصود أن الرعد والبرق الواقعين في الهيئة المشبه بها هما رعد وبرق بلغا منتهى قوة جنسيهما بحيث لا يمنع قصيف الرعد من إتلاف أسماع سامعيه ولا يمنع وميض البرق من إتلاف أبصار ناظريه إلا مشيئة الله عدم وقوع ذلك لحكمة وفائدة ذكر هذا في الحالة المشبهة بها أن يسري نظيره في الحالة المشبهة وهي حالة المنافقين فهم على وشك انعدام الانتفاع بأسماعهم وأبصارهم انعداماً تاماً من كثرة عنادهم وإعراضهم عن الحق إلا أن الله لم يشأ ذلك استدراجاً لهم وإملاء ليزدادوا إثماً أو تلوماً لهم وإعذاراً لعل منهم من يثوب إلى الهدى وقد صيغ هذا المعنى في هذا الأسلوب لما فيه من التوجيه بالتهديد لهم أن يذهب الله سمعهم وأبصارهم من نفاقهم إن لم يبتدروا الإقلاع عن النفاق وذلك يكون له وقع الرعب في قلوبهم كما وقع لعتبة بن ربيعة لما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم
-3-

{ فَقُل أَنذَرْتُكُم صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [فصلت41: 13].

فليس المقصود من اجتلاب لو في هذا الشرط إفادة ما تقتضيه (لو) من الامتناع لأنه ليس المقصود الإعلام بقدرة الله على ذلك بل المقصود إفادة لازم الامتناع وهو أن توفر أسباب إذهاب البرق والرعد أبصارَهم الواقعين في التمثيل متوفرة وهي كفران النعمة الحاصلة منهما إذ إنما رزقوهما للتبصر في الآيات الكونية وسماع الآيات الشرعية فلما أعرضوا عن الأمرين كانوا أحرياء بسلب النعمة إلا أن الله لم يشأ ذلك إمهالاً لهم وإقامة للحجة عليهم فكانت لو مستعملة مجازاً مرسلاً في مجرد التعليق إظهاراً لتوفر الأسباب لولا وجود المانع على حد قول أُبي بن سُلْمى بن ربيعة من شعراء «الحماسة» يصف فرسه:

ولو طَار ذو حافر قبلَهالطارتْ ولكنه لم يطِرْ


أي توفر فيها سبب الطيران، فالمعنى لو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم بزيادة ما في البرق والرعد من القوة فيفيد بلوغ الرعد والبرق قرب غاية القوة، ويكون لقوله: { إن الله على كل شيء قدير } موقع عجيب.

وقوله: { إن الله على كل شيء قدير } تذييل، وفيه ترشيح للتوجيه المقصود للتهديد زيادة في تذكيرهم وإبلاغاً لهم وقطعاً لمعذرتهم في الدنيا والآخرة.
-4-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #25  
قديم 12-30-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق

تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }.

أي: يكاد نور القرآن لشدة ضوئه يعمي بصائرهم، كما أن البرق الخاطف الشديد النور يكاد يخطف بصر ناظره، ولا سيما إذا كان البصر ضعيفاً. لأن البصر كلما كان أضعف كان النور أشد إذهاباً له. كما قال الشاعر:

مثل النهار يزيد أبصار الورىنوراً ويعمي أعينَ الخفّاش


وقال الآخر:

خفافيش أعماها النهار بضوئهووافقها قطع من الليلِ مظلم


وبصائر الكفار والمنافقين في غاية الضعف. فشدة ضوء النور تزيدها عمى. وقد صرح تعالى بهذا العمى في قوله:


وقال بعض العلماء: يكاد البرق يخطف أبصارهم أي: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين.

قوله تعالى: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ }.

ضرب الله في هذه الآية المثل للمنافقين بأصحاب هذا المطر إذا أضاء لهم مشوا في ضوئه وإذا أظلم وقفوا، كما أن المنافقين، إذا كان القرآن موافقاً لهواهم ورغبتهم عملوا به، كمناكحتهم للمسلمين وإرثهم لهم، والقسم لهم من غنائم المسلمين، وعصمتهم به من القتل مع كفرهم في الباطن، وإذا كان غير موافق لهواهم، كبذل الأنفس والأموال في الجهاد في سبيل الله المأمور به فيه وقفوا وتأخروا. وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله:


وقال بعض العلماء: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } أي: إذا أنعم الله عليهم بالمال والعافية قالوا: هذا الدين حق، ما أصابنا منذ تمسكنا به إلا الخير، { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } أي: وإن أصابهم فقر أو مرض أو ولدت لهم البنات دون الذكور. قالوا: ما أصابنا هذا إلا من شؤم هذا الدين وارتدوا عنه. وهذا الوجه يدل له قوله تعالى:

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } [الحج22: 11].


وقال بعض العلماء: إضاءته لهم معرفتهم بعض الحق منه، وإظلامه عليهم ما يعرض لهم من الشك فيه.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #26  
قديم 12-30-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) مصنف و مدقق 1-2


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن البرق الذي هو وقتي وزمنه قليل. هو الذي يسترعي انتباههم. ولو آمنوا لأضاء نور الإيمان والإسلام طريقهم. ولكن قلوبهم مملوءة بظلمات الكفر فلا يرون طريق النور.. والبرق يخطف أبصارهم، أي يأخذها دون إرادتهم. فالخطف يعني أن الذي يخطف لا ينتظر الإذن، والذي يتم الخطف منه لا يملك القدرة على منع الخاطف. والخطف غير الغصب. فالغصب أن تأخذ الشيء برغم صاحبه.

ولكن.. ما الفرق بين الأخذ والخطف والغصب؟. الأخذ أن تطلب الشيء من صاحبه فيعطيه لك. أو تستأذنه. أي تأخذ الشيء بإذن صاحبه. والخطف أن تأخذه دون إرادة صاحبه ودون أن يستطيع منعك.

والغصب أن تأخذ الشيء رغم إرادة صاحبه باستخدام القوة أو غير ذلك بحيث يصبح عاجزا عن منعك من أخذ هذا الشيء.

ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى. إذا دخل طفل على محل للحلوى وخطف قطعة منها، يكون صاحب المحل لا قدرة له على الخاطف لأن الحدث فوق قدرات المخطوف منه، فهو بعيد وغير متوقع للشيء، فلا يستطيع منع الخطف.. أما الغصب فهو أن يكون صاحب المحل متنبها ولكنه لا يملك القدرة على منع ما يحدث، وإذا حاول أن يقاوم.. فإن الذي سيأخذ الشيء بالرغم عنه لابد أن يكون أقوى منه. أي أن قوة المُغْتَصِب، تكون أقوى من المُغْتَصَب منه.

وقوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }.

لابد أن نتنبه إلى قوله تعالى " يكاد " أي يكاد أو يقترب البرق من أن يخطف أبصارهم. وليس للإنسان القدرة أن يمنع هذا البرق من أن يأخذ انتباه البصر.

وقوله تعالى { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ }.

أي أنهم يمشون على قدر النور الدنيوي. الذي يعطيه لهم البرق. فلا نور في قلوبهم. ولذلك إذا أظلم عليهم توقفوا، لأنه لا نور لهم.

وقوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ }.

يدعي بعض المستشرقين أن ذلك يتعارض مع الآية الكريمة التي تقول { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } كيف يكونون صما بكما عميا.. أي أن منافذ الإدراك عندهم لا تعمل، ونحن هنا نتحدث عن العمى الإيماني، ثم يقول تبارك وتعالى { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } مع أنهم صم وبكم وعمي؟..

نقول أن قول الحق سبحانه وتعالى: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } أي لا يرون آيات الله ويقين الإيمان، ولا يسمعون آيات القرآن ويعقلونها.. إذن فوسائل إدراكهم للمعنويات تتعطل. ولكن وسائل إدراكهم بالنسبة للمحسات تبقى كما هي. فالمنافق الذي لا يؤمن بيوم القيامة، لا يرى ذلك العذاب الذي ينتظره في الآخرة.

ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن يذهب بسمعهم وأبصارهم.
-1-

بالنسبة للأشياء المحسة. لاستطاع لأنه قادر على كل شيء، ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ ذلك. حتى لا يأتوا مجادلين في الآخرة، من أنهم لو كان لهم بصر لرأوا آيات الله. ولو كان لهم سمع لتدبروا القرآن. فأبقى الله لهم أبصارهم وأسماعهم. لتكون حجة عليهم، بأن لهم بصرا ولكنهم انصرفوا عن آيات الله إلى الأشياء التي تأتيهم بفائدة عاجلة في الدنيا مهما جاءت بغضب الله. وأن لهم سمعا يسمعون به كل شيء من خطط المؤامرات على الإسلام. وضرب الإيمان وغير ذلك. فإذا تليت عليهم آيات الله فأنهم لا يسمعونها. وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى:

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً } [محمد47: 16]


أي أنهم يسمعون ولا يعقلون ولا يدخل النور إلى قلوبهم، فكأنهم صم عن آيات الله لا يسمعونها.

والحق سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا مثل المنافقين بأنهم لا يلتفتون إلى القيم الحقيقية في الحياة. ولكنهم يأخذون ظاهرها فقط. يريدون النفع العاجل، وظلمات قلوبهم. لا تجعلهم يرون نور الإيمان. وإنما يبهرهم بريق الدنيا مع أنه زائل ووقتي. فيخطف أبصارهم. ولأنه لا نور في قلوبهم، فإذا ذهبت عنهم الدنيا، تحيط بهم الظلمات من كل مكان لأنهم لا يؤمنون بالآخرة. مع أن الله سبحانه وتعالى لو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم، لأنهم لا يستخدمونها الاستخدام الإيماني المطلوب. والمفروض أن وسائل الإدراك هذه. تزيدنا إيمانا.. ولكن هؤلاء لا يرون إلا متاع الدنيا. ولا يسمعون إلا وسوسة الشيطان، فالمهمة الإيمانية لوسائل الإدراك توقفت، وكأن هذه الوسائل غير موجودة.
-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #27  
قديم 12-30-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق

تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } * { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }


{ يكاد البرقُ يخطف أبصارهم } هذا تمثيلٌ آخر، يقول: يكاد ما في القرآن من الحجج يخطف قلوبهم من شدَّة إزعاجها إلى النَّظر في أمر دينهم { كلما أضاءَ لهم مشوا فيه }: كُلَّما سمعوا شيئاً ممَّا يُحبّون صدَّقوا، وإذا سمعوا ما يكرهون وقفوا، وذلك قولُه عزَّ وجلَّ: { وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } أَيْ: بأسماعهم الظَّاهرة، وأبصارهم الظَّاهرة، كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة حتى صاروا صُمَّاً عُمياً، فليحذروا عاجل عقوبة الله سبحانه وآجلها، فـ { إنَّ الله على كل شيء قديرٌ } من ذلك.

{ يا أيُّها النَّاس } يعني: أهل مكَّة { اعبدوا ربَّكم }: اخضعوا له بالطَّاعة { الذي خلقكم }: ابتدأكم ولم تكونوا شيئاً { والذين من قبلكم } [آباءكم] [وخلق الذين من قبلكم]. أي: إنَّ عبادة الخالق أولى من عبادة المخلوق وهو الصَّنم { لعلَّكم تتقون } لكي تتقوا بعبادته عقوبته أن تحلَّ بكم.

{ الذي جعل لكم الأرض فراشاً } بساطاً، لم يجعلها حَزْنةً غليظةً لا يمكن الاستقرار عليها { والسماء بناءً } سقفاً { وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات } يعني: حمل الأشجار جميع ما ينتفع به ممَّا يخرج من الأرض { فلا تجعلوا لله أنداداً }: أمثالاً من الأصنام التي تعبدونها { وأنتم تعلمون } أنَّهم لا يخلقون، والله هو الخالق، وهذا احتجاجٌ عليهم في إثبات التَّوحيد، ثمَّ احتجَّ عليهم في إثبات نبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم به، فقال:

{ وإنْ كنتم في ريب مما نزلنا } [أي: وإن كنتم] في شكٍّ من صدق هذا الكتاب الذي أنزلناه على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقلتم: لا ندري هل هو من عند الله أم لا { فأتوا بسورة } من مثل هذا القرآن في الإِعجاز، وحسن النَّظم، والإِخبار عمَّا كان وما يكون، { وادعوا شهداءكم } واستعينوا بآلهتكم التي تدعونها { من دون الله إن كنتم صادقين } أنَّ محمداً تقوَّله من نفسه.

{ فإنْ لم تفعلوا } هذا فيما مضى، { ولن تفعلوا } هُ أيضاً فيما يُستقبل أبداً { فاتقوا } فاحذروا أن تصلوا { النَّار التي وقودها } ما يُوقد به { الناسُ والحجارة } يعني حجارة الكبريت، وهي أشدُّ لاتِّقادها { أعدَّت } [خُلقت وهُيِّئت] جزاءً { للكافرين } بتكذيبهم، ثمَّ ذكر جزاء المؤمنين فقال:

{ وبشِّر الذين آمنوا } أَيْ: أخبرهم خبراً يظهر به أثر السُّرور على بشرتهم { وعملوا الصالحات } أَي: الأعمال الصَّالحات، يعني الطَّاعات فيما بينهم وبين ربِّهم { أنَّ لهم }: بأنَّ لهم { جناتٍ }: حدائق ذات الشِّجر { تجري من تحتها } من تحت أشجارها ومساكنها { الأنهار } { كلما رزقوا }: أُطعموا من تلك الجنَّات ثمرةً { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } لتشابه منا يُؤتون به، وأرادوا: هذا من نوع ما رُزقنا من قبل { وأتوا به متشابهاً } في اللَّون والصُّورة، مختلفاً في الطَّعم، وذلك أبلغ في باب الإِعجاب { ولهم فيها أزواجٌ }: من الحور العين والآدميات { مطهرةٌ } عن كلِّ أذىً وقذرٍ ممَّا في نساء الدُّنيا، ومن مساوىء الأخلاق، وآفات الشَّيب والهرم { وهم فيها خالدون } لأنَّ تمام النِّعمة بالخلود.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #28  
قديم 12-30-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير أيسر التفاسير/ أسعد حومد مصنف و مدقق

تفسير أيسر التفاسير/ أسعد حومد مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ أَبْصَارَهُمْ } { وَأَبْصَارِهِمْ }

(20) - يَكَادُ بَرْقُ الإِيمَان يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ لِشِدَّةِ ضَوْئِهِ، فَكُلَّما ظَهَرَ لَهُمْ شَيءٌ مِنَ الإِيمَانِ، اسْتَأْنَسُوا بِهِ واتَّبَعُوهُ، ثُمَّ تَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ فَتُظْلِمُ نُفُوسُهُمْ، وَيَقِفُونَ حَائِرِينَ مُتَرَدِّدِينَ. وَكَذَلِكَ يَكُونُ حَالُ المُنَافِقِينَ مُتَفَاوِتينَ فِي الدَّرَجَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ. وَلَو شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ، لِمَا تَرَكُوا مِنَ الحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، وَاللهُ وَاسِعُ القُدْرَةِ، إِذا أَرَادَ شَيئاً فَعَلَهُ، ولا يُعْجِزُهُ شيءٌ أَبَداًً فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ.

قَامَ - وَقَفَ في مَكَانِهِ.

أَظْلَمَ عَلَيهِمْ - خَفِيَ عَلَيهِم البَرْقُ وَاسْتَتَرَ.

يَخْطَفُ - يَذْهَبُ بِهَا بِسُرْعَةٍ.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #29  
قديم 12-30-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق 1-4

تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق 1-4



{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }: " يكادُ " مضارع كَادَ، وهي لمقاربةِ الفعل، تعملُ عمل " كانَ " ، إلاَّ أنَّ خَبَرها لا يكونُ إلا مضارعاً، وشَذَّ مجيئُه اسماً صريحاً، قال:

241ـ فَأُبْتُ إلى فَهْمٍ وما كِدْتُ آيباًوكم مثلِها فارَقْتُها وهي تَصْفِرُ


والأكثرُ في خبرِها تجرُّدُهُ من " أنْ " عَكَسَ " عسى " ، وقد شَذَّ اقترانُهُ بها، وقال رؤبة:

242ـ قد كادَ مِنْ طولِ البلى أن يَمْحَصا


لأنها لمقاربةِ الفعلِ، و " أَنْ " تُخَلِّصُ للاستقبال، فَتَنَافَا. واعلم أنَّ خَبَرَها ـ إذا كانَتْ ـ هي مثبتةً- منفيٌّ في المعنى لأنها للمقاربة، فإذا قلت: " كاد زيدٌ يفعلُ " كان معناه قارَبَ الفعلَ، إلا أنه لم يَفْعَل، فإذا نُفِيَتْ انتفَى خبرُها بطريقِ الأَوْلى، لأنه إذا انْتَفَتْ مقاربةُ الفعل/ انتفى هو من باب أَوْلَى ولهذا كانَ قَولُه تعالى:

{ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } [النور24: 40]

أبلغَ مِنْ أَنْ لو قيل: لم يَرَها، لأنه لم يقارِبِ الرؤيةَ فكيف له بها؟ وزعم جماعةٌ منهم ابن جني وأبو البقاء وابنُ عطية أنَّ نفيَها إثباتُ وإثباتَها نفيٌ، حتى أَلْغَزَ بعضُهم فيها فقال:

243ـ أَنَحْوِيَّ هذا العصرِ ما هي لفظةٌجَرَتْ في لِسانَيْ جُرْهُمٍ وَثَمُودِ

إذا نُفِيَتْ - والله أعلمُ - أُثْبِتَتْوإِنْ أُثْبِتَتْ قامَتْ مَقَامَ جُحُودِ


وَحَكَوْا عن ذي الرمة أنه لمَّا أَنْشَدَ قولَه:

244ـ إذا غَيَّر النأيُ المحِبِّينَ لم يَكَدْرسيسُ الهوى من حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ


عِيْبَ عليه لأنه قال: لَمْ يَكَدْ يَبْرَحُ فيكون قد بَرِحَ، فغيَّره إلى قوله: " لم يَزَلْ " أو ما هو بمعناه، والذي غَرَّ هؤلاء قولُهُ تعالى:

{ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } [البقرة2: 71]

قالوا: فهي هنا منفيَّةٌ وخبرُها مُثْبَتٌ في المعنى، لأن الذبْحَ وقع لقوله: " فَذَبَحُوها ". والجوابُ عن هذهِ الآية من وَجْهَين، أحدُهما: أنه يُحْمَلُ على اختلافِ وَقْتَيْنِ، أي: ذَبَحوها في وقتٍ، وما كادوا يفعلونَ في وقتٍ آخرَ، والثاني: أنه عَبَّر بنفيِ مقاربةِ الفعل عن شدَّةِ تعنُّتِهِمْ وعُسْرِهِم في الفعلِ.

وأمَّا ما حَكَوْهُ عن ذي الرُّمَّة فقد غلَّط الجمهورُ ذا الرُّمة في رجوعِهِ عن قولِهِ، وقالوا: هو أَبْلَغُ وأحسنُ مِمَّا غَيَّره إليه.

واعلم أَنَّ خَبَرَ " كاد " وأخواتِها ـ غيرَ عسى ـ لا يكون فاعلُه إلا ضميراً عائداً على اسمها، لأنها للمقارَبَةِ أو للشروع بخلافِ عسى، فإنها للترجِّي، تقول: " عسى زيدٌ أن يقومَ أبوه " ، ولا يجوز ذلك في غيرها، فأمَّا قولُه:

245ـ وَقَفْتُ على رَبْعٍ لِميَّةَ ناقتيفما زِلْتُ أبكي عندَهُ وأُخَاطِبُهْ

وَأَسْقِيهِ حتى كَادَ مِمَّا أَبُثُّهتُكَلِّمُنِي أَحْجَارُه ومَلاعِبُهْ


فأتى بالفاعلِ ظاهراً فقد حَمَلَه بعضُهم على الشذوذِ، وينبغي أن يُقال: إنما جاز ذلك لأن الأحجارَ والملاعب هي عبارةٌ عن الرَّبْع، فهي هو، فكأنه قيل: حتى كاد يكلِّمني، ولكنه عَبَّر عنه بمجموع أجزائه، وقولُ الأخر:

-1-

246ـ وقد جَعَلْتُ إذا ما قُمْتُ يُثْقِلُنيثَوْبي فَأَنْهَضُ نَهْضَ الشاربِ السَّكِرِ

وكنتُ أمشي على رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلاًفَصِرْتُ أمشي على أخرى من الشجر


فأتى بفاعل [خبر] جَعل ظاهراً، فقد أُجيب عنه بوجهين: أحدُهما: أنه على حَذْفِ مضافٍ تقديره: وقد جَعَل ثوبي إذا ما قمت يُثْقلني. والثاني: أنه من باب إقامةِ السببِ مُقامَ المُسَبَّبِ، فإنَّ نهوضَه كذا متسبِّبٌ عن إثقالِ ثوبِه إياه، والمعنى: وقد جَعَلْتُ أَنْهَضُ نَهْضَ الشارب الثملِ لإِثقالِ ثوبي إياي.

ووزن كاد كَودِ بكسر العين، وهي من ذواتِ الواو، كخاف يَخاف، وفيها لغةٌ أخرى: فتحُ عينها، فعلى هذه اللغةِ تُضَمُّ فاؤُها إذا أُسْنِدَتْ إلى تاء المتكلم وأخواتِها، فتقولُ: كُدْت وكُدْنا مثل: قُلْت وقُلْنا، وقد تُنْقَلُ كسرةُ عينها إلى فائِها مع الإِسناد إلى ظاهر، كقوله:

247ـ وكِيدَ ضِباعُ القُفِّ يأكُلْنَ جُثَّتيوكِيدِ خِراشٌ عند ذلك يَيْتَمُ


ولا يجوز زيادتُها خلافاً للأخفشِ، وسيأتي هذا كلُه في " كاد " الناقصة، أمَّا " كاد " التامة بمعنى مَكَر فإنها فَعَل بفتح العين من ذواتِ الياء، بدليل قوله:

{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً *وَأَكِيدُ كَيْداً } [الطارق: 15 - 16].

و " البرق " اسمها، و " يخَطف " خبرُها، ويقال: خَطِف يَخْطَفُ بكسر عين الماضي وفتح المضارع، وخَطَف يخطِف، عكسُ اللغة الأولى، وفيه قراءاتٌ كثيرة، المشهورُ منها الأولى. الثانية: يَخْطِف بكسر الطاء. الثالثة يَخَطَّفُ بفتح الياء والخاء والطاء مع تشديدِ الطاء، والأصل: يَخْتَطِفُ، فَأُبْدلت تاءُ الافتعال طاءً للإِدغام، الرابعة: كذلك إلا أنَّه بكسر الخاء إتباعاً لكسرة الطاء. السادسة: كذلك إلا أنه بكسر الياء أيضاً إتباعاً للخاء، السابعة: يَخْتَطِف على الأصل. الثامنة: يَخْطِّف بفتح الياء وسكونِ الخاء وتشديد الطاء، وهي رديئةٌ لتأديتها غلى التقاء ساكنين. التاسعة: بضم الياء وفتح الخاء وتشديدِ الطاء مكسورةً، والتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية. العاشرة: يَتَخَطَّف.

والخَطْفُ: أَخْذُ شيءٍ بسرعة، وهذه الجملةُ - أعني قولَه: يكاد البرق يَخْطَف - لا محلَّ لَها، لأنها استئنافٌ، كأنه قيل: كيف يكونُ حالُهم مع ذلك البرقِ؟ فقيل: يكاد يَخْطَف، ويحتمل أن يكون في محلِّ جر صفةً لذوي المحذوفة، التقدير: أو كذوي صيبٍ كائدٍ البرقُ يَخْطَف.

قوله تعالى:/ { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ }: " كل " نَصْبٌ على الظرفية، لأنها أُضيفت إلى " ما " الظرفية، والعاملُ فيها جوابُها، وهو " مَشَوا ". وقيل: " ما " نكرةٌ موصوفةٌ، ومعناها الوقتُ أيضاً، والعائدُ محذوفٌ، تقديرُه: كلَّ وقتٍ أضاءَ لهم فيه، فأضاءَ على الأول لا محلَّ له لكونِه صلةً، ومحلُّه الجرُّ على الثاني. و " أضاء " يجوز أن يكون لازماً. وقال المبرد: " هو متعدٍّ ومفعولُه محذوفٌ " ، أي: أضاء لهم البرقُ الطريقَ، فالهاء في " فيه " تعودُ على البرق في قولِ الجمهور، وعلى الطريقِ المحذوفِ في قول المبرد.

-2-

و " فيه " متعلِّق بمَشَوا، و " في " على بابها أي: إنه محيطٌ بهم: وقيل: هي بمعنى الباء، ولا بدَّ من حذف على القَوْلين، أي: مَشَوا في ضوئِه أي بضوئِه، ولا محلَّ لجملةِ قولهِ " مَشَوا " لأنها مستأنفةٌ.

واعلم أنَّ " كُلاًّ " من ألفاظِ العموم، وهو اسمُ جمعٍ لازمٌ للإِضافة، وقد يُحْذَفُ ما يضاف إليه، وهل تنوينُه حينئذٍ تنوينُ عوضٍ أو تنوينُ صَرْفٍ؟ قولان. والمضافُ إليه " كل " إن كانَ معرفةً وحُذِفَ بقيتْ على تعريفها، فلهذا انتصَبَ عنها الحالُ، ولا يَدْخُلها الألفُ واللامُ، وإن وقع ذلك في عبارةِ بعضِهم، وربما انتَصَبَتْ حالاً، وأصلُها أن تُسْتَعْمَل توكيداً كأجمعَ، والأحسنُ استعمالُها مبتدأً، وليس كونُها مفعولاً بها مقصوراً على السماعِ، ولا مختصاً بالشعر خلافاً لزاعم ذلك. وإذا أُضيفت إلى نكرةٍ أو معرفةٍ بلامِ الجنسِ حَسُنَ أن تَلِي العواملَ اللفظيةَ، وإذا أُضيفت إلى نكرةٍ تعيُّنَ اعتبارُ تلك النكرة فيما لها من ضميرٍ وغيره، تقول: كلُّ رجال أتَوْكَ فأكرِمْهم، ولا يجوزُ أن يُراعَىٰ لفظ " كل " فتقول: كلُّ رجال أتاكَ فأكرمه، و [تقول:] كلُّ رجلٍ أتاك فأكرمه، ولا تقول: أَتَوْك فأكرِمْهم، اعتباراً بالمعنى، فأما قوله:

248ـ جادَتْ عليه كلُّ عَيْن ثَرَّةٍفتركْنَ كلَّ حدَيقةٍ كالدرهم


فراعى المعنى فهو شاذٌّ لا يُقاس عليه، وإذا أُضيفَتْ إلى معرفةٍ فوجهانِ، سواءً كانت الإِضافة لفظاً نحو:

{ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } [مريم19: 95]

فراعى لفظَ كل، أو معنىً نحو:

{ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } [العنكبوت29: 40]

فراعىٰ لفظَها، وقال:

{ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [النمل27: 87]،

فراعىٰ المعنىٰ، وقولُ بعضهم: إن " كُلَّما " تفيدُ التكرارَ، ليس ذلك من وَضْعها، فإنك إذا قُلْتَ: " كلما جِئْتَني أَكْرَمْتُك " كان المعنى: أُكْرِمُكَ في كلِّ فردٍ فردٍ من جَيئاتِكَ إليَّ.

وقُرئ " ضاء " ثلاثياً، وهي تَدُلُّ على أنَّ الرباعيَّ لازمٌ. وقرئ: " وإذا أُظْلِم " مبنياً للمفعول، وجَعَلَه الزمخشريُّ دالاَّ على أنَّ أَظْلَمَ متعدٍ، واستأنَسَ أيضاً بقول حبيب:

249ـ هما أَظْلما حالَيَّ ثُمَّتَ أَجْلَيَاظَلامَيْهِما عن وجهِ أَمْرَدَ أَشْيَبِ


ولا دليلَ في الآيةِ لاحتمالِ أن أصلَه: وإذا أَظْلم الليلُ عليهم، فلمَّا بُنِي للمفعولِ حُذِف " الليل " وقام " عليهم " مَقَامَه، وأمَّا حبيبٌ فمُوَلِّدٌ.

وإنما صُدِّرت الجملةُ الأولى بكلما، والثانيةُ بإذا، قال الزمخشري: " لأنهم حِراصٌ على وجودِ ما هَمُّهم به معقودٌ من إمكان المشي وتأتِّيه، فكُلَّما صادفوا منه فرصةً انتهزوها، وليسَ كذلك التوقُّفُ والتحبُّسُ " وهذا الذي قاله هو الظاهرُ، إلاَّ أنَّ مِن النحويين مَنْ جعلَ أنَّ " إذا " تُفيد التكرار أيضاً، وأنشد:

250ـ إذا وَجَدْتُ أُوارَ الحُبِّ في كَبْدِيأَقْبَلْتُ نحو سِقاءِ القومِ أَبْتَرِدُ


قال: " معناها معنى كلما ".

قوله تعالى: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } " لو " حرفٌ لِما كان سيقع لوقوع غيره، هذه عبارةُ سيبويه، وهي أَوْلى من عبارة غيره:/ حرفُ امتناع لامتناع لِصحّةِ العبارة الأولى في نحو قوله تعالى:

-3-

{ لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ } [الكهف18: 109]،

وفي قوله عليه السلام: " نِعْمَ العبدُ صُهَيْبٌ لو لم يَخَفِ اللهَ لم يُعْصِه " ، وعدم صحةِ الثانية في ذلك كما سيأتي محرِّراً، ولفسادِ نحو قولهم: " لو كان إنساناً لكان حيواناً " إذ لا يلزم مِنْ امتناعِ الإِنسانِ امتناعُ الحيوان، ولا يُجْزَمُ بها خلافاً لقوم، فأمَّا قولُه:

251ـ لو يَشَأْ طارَ به ذو مَيْعَةٍلاحِقُ الآطالِ نَهْدٌ ذو خُصَلْ


وقول الآخر:

252ـ تامَتْ فؤادَك لو يَحْزُنْكَ مَا صَنَعَتْإحدى نساءِ بني ذُهْلِ بنِ شَيْبَانا


فمِنْ تسكينِ المحرَّكِ ضرورةً، وأكثر ما تكونُ شرطاً في الماضي، وقد تأتي بمعنى إنْ كقوله تعالى:

{ وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } [النساء4: 9] وقولِه:

253ـ ولَوْ أَنَّ ليلى الأخيليَّةَ سَلَّمَتْعليَّ ودوني جَنْدَلٌ وصَفائِحُ

لسَلَّمْتُ تسليمَ البشاشةِ أَوْزَقَاإليها صَدَىً مِنْ جانبِ القبرِ صائحُ


ولا تكونُ مصدريةً على الصحيح، وقد تُشَرَّبُ معنى التمني فَتَنْصِبُ المضارعَ بعد الفاء جواباً لها نحو:

{ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ } [الشعراء26: 102]،

وسيأتي تحريرُه في مَوْضِعِه.

و " شاء " أصلُه: شَيِئَ علَى فَعِلَ بكسر العين، وإنما قُلِبت الياءُ ألفاً للقاعدةِ المُمَهَّدةِ. ومفعولُه محذوفٌ تقديرُه: ولو شاء الله إذهابَ، وكَثُر حَذْفُ مفعولِه ومفعولِ " أراد " حتى لا يَكاد يُنْطَق به إلاَّ في الشيءِ المستغرَبِ كقولِه:

254ـ ولو شِئْتُ أن أبكي دَماً لبكَيتُهعليهِ ولكنْ ساحةُ الصبرِ أَوْسَعُ


قال تعالى:

{ لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [الزمر71: 4].

واللامُ في " ذهب " جوابُ لو. واعلم أنَّ جوابَها يَكْثُر دخولُ اللامِ عليه مثبتاً، وقد تُحْذَفُ، قال تعالى:

{ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } [الواقعة56: 70]،

ويَقِلُّ دخولُها عليه منفيَّاً بـ " ما " ، ويَمْتَنِعُ دخولُها عليه منفيَّاً بغير " ما " نحو: لو قُمْتَ لم أَقُمْ، لِتوالِي لامين فيثقلُ، وقد يُحْذَفُ كقوله:

255ـ لا يُلْفِكَ الراجُوك إلا مُظْهِراًخُلُقَ الكرامِ ولو تكونُ عَدِيماً


و " بسَمْعِهم " متعلِّقٌ بذَهَب. وقُرِئَ: " لأَذْهَبَ " فتكونُ الباءُ زائدةً، أو يكونُ فَعَل وأَفْعَل بمعنىً، ونحوهُ:

{ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون23: 20].

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } هذه جملةُ مؤكِّدةٌ لمعنى ما قبلَها، و " على كل شيء " متعلِّقٌ بقدير، وهو فَعِيل بمعنى فاعِل مشتقٌ من القُدْرَة وهي القُوة والاستطاعةُ، وفعلُها قَدَر بفتح العين، وله ثلاثةَ عشَرٍ مصدراً: قدرة بتثليث القاف، ومَقْدرة بتثليث الدال، وقَدْرَاً وقَدَراً وقُدَراً وقَداراً وقُدْراناً ومَقْدِراً ومَقْدَراً. وقدير أَبْلَغُ مِن قادر قاله الزجاج، وقِيل: هما بمعنى، قاله الهروي. والشيءُ: ما صَحُّ أن يُعْلَمَ من وجه، ويُخْبَرَ عنه، وهو في الأصل مصدرُ شاء يشاء/، وهل يُطْلق على المعدومِ والمستحيل؟ خلافٌ مشهور.

-4-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم

آخر تعديل بواسطة admin ، 12-31-2010 الساعة 07:32 PM
رد مع اقتباس
 
 
  #30  
قديم 12-31-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق

تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ } إن رجع الضمير إلى أصحاب المطر وهم الذين شبه بهم المنافقين: فهو بيِّنٌ في المعنى، وإن رجع إلى المنافقين: فهو تشبيه بمن أصابه البرق على وجهين: أحدهما: تكاد براهين القرآن تلوح لهم كما يضيء البرق، وهذا مناسب لتمثيل البراهين بالبرق حسبما تقدم، والآخر: يكاد زجر القرآن ووعيده يأخذهم كما يكاد البرق يخطف أبصار أصحاب المطر المشبه بهم { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى أنهم يمشون بضوء البرق إذا لاح لهم، وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى أنه يلوح لهم من الحق ما يقربون به من الإيمان { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى أنهم إذا زال عنهم الضوء وقفوا متحيرين لا يعرفون الطريق، وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى أنه إذا ذهب عنهم ما لاح من الإيمان: ثبتوا على كفرهم، وقيل: إن المعنى كلما صلحت أحوالهم في الدنيا قالوا هذا دين مبارك؛ فهذا مثل الضوء، وإذا أصابتهم شدّة أو مصيبة عابوا الدين وسخطوا: فهذا مثل الظلمة، فإن قيل: لم قال مع الإضاءة كلما، ومع الظلام إذا؟ فالجواب: أنهم لما كانوا حراصاً على المشي ذكر معه كلما، لأنها تقتضي التكرار والكثرة { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } الآية: إن رجع إلى أصحاب المطر: فالمعنى لو شاء الله لأذهب سمعهم بالرعد وأبصارهم بالبرق، وإن رجع إلى المنافقين: فالمعنى لو شاء الله لأوقع بهم العذاب والفضيحة، وجاءت العبارة عن ذلك بإذهاب سمعهم وأبصارهم، والباء للتعدية كما هي في قوله تعالى:

{ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } [البقرة2: 17].



__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:58 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.