مكتب انجاز استخراج تصاريح الزواج  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #41  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } * { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


المفردات:

المِثل والمثَل كالشِبه والشَبه والشبيه، يُستعمل في تمثيل حالة الشيء وبيانه. وللمَثَل وقع كبير مؤثر في الكلام. وقد اكثر القرآن من ضرب الأمثال


شبّه الله حال المنافقين بقومٍ أوقدوا ناراً لتضيء لهم وينتفعوا بها، فلما أنارت ما حولهم من الأشياء ذهب اللهُ بنورهم، وترك موقديها في ظلماتٍ كثيفة لا يبصرون معها شيئاً. وذلك لأن الله تعالى قدّم لهم أسباب الهداية فأبصروا وعرفوا الحق بالإيمان، ثم عادوا الى النفّاق والكفر. انهم لم يتمسكوا بهداية الله، فصارت بصائرهم مطموسة بسبب نفاقهم وتذبذبهم، فاستحقوا ان يبقوا في الحيرة والضلال.

وهؤلاء كالصُمّ، لأنهم فقدوا منفعة السمع، إذ لا يسمعون الحق سماع قبولٍ واستجابة. وهم كالبُكم أي الخرس، لأنهم لا ينطقون بالهدى والحق. كذلك هم كالذين فقدوا ابصارهم لأنهم لا ينتفعون بها ولا يعتبرون. لقد سُدت عليهم منافذ الهدى وظلوا حائرين في ظلمة الكفر والنفاق فهم لا يرجعون عن ضلالهم. وتبين حقيقتُهم في سورة المنافقين { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ }.

والله سبحانه وتعالَى لمّا وصفهم في الآية السابقة بأنهم اشتروا الضلالة لأنفسهم بالهدى الذي تخلّوا عنه مثّل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة لما حولها، ومثل الضلالة التي اشتروها بذهاب الله بنورهم وبقائهم في ظلمات لا يبصرون.

وهناك صورة اخرى للمنافقين، وهي صورة مفزعة تبيّن حالهم في حيرتهم بعد كذبهم على الله والناس وعلى أنفسهم ـ مثلَ قوم نزل عليهم " صيّب من السَماءِ:، أي سحاب فيه مطر شديد ورعد وصواعق، في ليلة مظلمة. لقد ارعدت السماء وأبرقت، ولم يجد القوم ملاذاً يلتجئون اليه الا خداع أنفسهم. لقد أخذوا يجعلون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا، ويرتجفون خائفين من الموت لا يدرون الى اين يهربون.

ذاك فَرَقهم من الرعد، أما البرق الشديد الوهج فهو يكاد يخطف أبصارهم من شدته، وكّلما أضاء لهم مشوا في ضوئه خطوات، ثم يزول. واذا ذاك يشتد الظلام فيقفون متحيرين ضالين.

هذه صورة ناطقة لحال المنافقين: تلوح لهم الدلائل والآيات فتبهرهم أضواؤها، فيهمّون ان يهتدوا، لكنهم إذا خلَوا الى شياطينهم من اليهود عادوا الى الكفر والنفاق. ولو أراد الله لأذهب أسماعهم وأبصارهم من غير إرعاد ولا برق، فهو واسع القدرة لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، لكنه جاء بالصورة المذكورة تقريباً لغير المحسوس بالمحسوس، ومن باب ضربِ المثل.

انه مشهد عجيب، حافل بالحركة، مشوب بالاضطراب، فيه تيه وضلال وفيه هول ورعب، وفيه فزع وحيرة.. والحقّ ان الحركة التي تغمر المشهد كلَّه لَتصوّر موقف الاضطراب والقلق والأرجحة التي يعيش فيها اولئك المنافقون. فيا له من مشهدٍ حيّ يرمز لحالة نفسية، ويجسّم صورة شعورية. وهو طرف من طريقة القرآن العجيبة في تجسيم أحوال لنفوس كأنها مشهد محسوس.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #42  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق 1-6

تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق 1-6

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } * { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى: { مَثَلُهُمْ } أى: صفتهم، وأصل المثل بمعنى المثل - بكسر الميم وسكون الثاء - والمثل النظير والشبيه، ثم أطلق على القول السائر المعروف لمماثلة مضربه - وهو الذى يضرب فيه - لمورده الذى ورد فيه أولا، ولا يكون إلا فيما فيه غرابة ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة إذا كان لها شان عجيب وفيها غرابة، وعلى هذا المعنى يحمل المثل فى هذه الآية.

وإنما تضرب الأمثال لإِيضاح المعنى الخفى وتقريب المعقول من المحسوس، وعرض الغائب فى صورة الشاهد، فيكون المعنى الذى ضرب له المثل أوقع فى القلوب، وأثبت فى النفوس.

واستوقد النار: طلب وقودها بسطوع نارها واندلاع لهيبها، أو أوقدها لأن أوقد واستوقد قد يكونان بمعنى واحد كأجاب واستجاب.

والنار: جوهر لطيف حار محرق من نار ينور إذا نفر لحركتها واضطرابها، وأضاءت ما حوله: جعلت ما حوله مضيئاً، أو أشرقت فيما حوله. وحول الشىء: ما يحيط به من جميع نواحيه، ولذا قيل للعام حول، للفه ودورانه حتى يعود كما كان.

والنور: الضوء الذى يكون للشىء المضىء، وهو مأخوذ من النار.

ومعنى: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } سلبه منهم، وفى إسناد ذهب إلى الله تعالى - إشعار بأن النور الذى سلب عنهم لن يستطيع أحد أن يرده عليهم، لأن الذى سلبه عنهم إنما هو الله الغالب على أمره.

وقال { بِنُورِهِمْ } ولم يقل بنارهم، لأن إيقاد النار يكون للإِضاءة وللإِحراق والمقصود من إيقاد النار الواردة فى المثل إنما هو الإِضاءة.

وقال { بِنُورِهِمْ } ولم يقل بنوره، مع أن الضمير يعود على { ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ } وهو بحسب الظاهر مفرد، لأن { ٱلَّذِي } قد يطلق أحيانا بمعنى الذين، كما فى قوله تعالى:

{ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤا } (التوبة9: 69)

أو لأن { ٱلَّذِي } أريد منه جنس المستوقد، لا مستوقد بعينه، فصار فى معنى جماعة من المستوقدين. وصح أن يعود عليه ضمير الجمع فى قوله { بِنُورِهِمْ } لذلك.


وأورد الظلمات بصيغة الجمع للمبالغة فى شدتها، فكأنها لشدة كثافتها ظلمات بعضها فوق بعض، وأكد هذا بقوله { لاَّ يُبْصِرُونَ } أى: أن هذه الظلمات بالغة فى الشدة حتى أولئك المحاطين بها لا يتأتى لهم أن يبصروا، كما أن الشان كذلك بالنسبة للذين طمس على أعينهم.

وعبر - سبحانه - بقوله: { وَتَرَكَهُمْ } ولم يقل: ذهب بنورهم وبقوا فى ظلمات، ليدل بذلك على قطع الصلة بينهم وبين ربهم، وأنهم متروكون غضباً عليهم ونكاية بهم.

هذا، وللعلماء رأيان فى تطبيق هذا المثل على المنافقين، أما الرأى الأول فيرى أصحابه، أن هذا المثل قد ضرب فى قوم دخلوا فى الإِسلام عند وصول النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم تحولوا بعد ذلك إلى الكفر والنفاق فيقال فى تطبيق هذا المثل عليهم: إن قصة هؤلاء المنافقين الذين اكتسبوا بإيمانهم نوراً، ثم أبطلوا ذلك بنفاقهم، ووقعوا فى حيرة عظيمة، كقصة من استوقدوا ناراً؛ فلما أضاءت ما حولهم، سلب الله منهم الضوء فراحوا فى ظلام لا يهتدون إلى الخروج منه سبيلا.
-1-

وأما الرأى الثانى فيرى أصحابه أن هذا المثل إنما ضرب فى قوم لم يسبق لهم إيمان وإنما دخلوا فى الإِسلام من أول أمرهم نفاقاً، فيقال فى تطبيق هذا المثل عليهم: إن قصة هؤلاء الذين دخلوا فى الإِسلام نفاقاً، فظفروا بحقن دمائهم وبغنائم الجهاد وسائر أحكام المسلمين، وتمتعوا بذلك فى الدنيا قليلا ثم صاروا إلى ظلمات العذاب الدائم فى الآخرة - قصة هؤلاء كقصة من استوقدوا نارا لتضىء لهم وينتفعوا بها، فأضاءت ما حولهم قليلا، ثم طفئت وصاروا إلى ظلمة شديدة مطبقة.

ثم قال - تعالى -: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }.

قال القرطبى: والصمم فى كلام العرب: الانسداد، يقال: قناة صماء إذا لم تكن مجوفة، وصممت القارورة إذا سددتها. فالأصم من انسدت خروق مسامعه. والأبكم الذى لا ينطق ولا يفهم، والعمى ذهاب البصر. وليس الغرض مما ذكرناه نفى الإِدراكات عن حواسهم جملة، وإنما الغرض نفيها من جهة ما.

والآية الكريمة خبر لضمير مقدر يعود على المنافقين، أى: هم صم بكم عمى.

ووصف المنافقون بهذه الصفات لأنهم وإن كانت لهم آذان تسمع، وألسنة تنطق، وأعين تبصر، إلا أنهم لا يسمعون خيراً. ولا يتكلمون بما ينفعهم ولا يبصرون مسلكا من مسالك الهداية، ومن كان كذلك كان هو ومن فقد حواسه سواء، فقد صرف الله عنهم عنايته ووكلهم إلى أنفسهم.

ووردت هذه الصفات مجردة من حرف العطف، فلم يقل: صم وبكم وعمى، لما عرف من استعمالات البلغاء. أن تجريد أمثال هذه الأوصاف من حرف العطف يفيد تأكيدها، حيث إن المتكلم قد قصد إلى تقرير كل صفة منها على حدة.

ومعنى { فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } ، لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو لا يرجعون عن الضلالة بعد أن اشتروها.

والفاء فى قوله - تعالى - { فَهُمْ } للتفريع أو التسبيب، لأنها توحى بأن عدم رجوعهم عما هم فيه من النفاق متفرع على تلك الآفات، ومسبب عن هذه العاهات.

ثم ساق - سبحانه - المثل الثانى فقال: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ }. " أو " للتسوية بين الشيئين وهى مفيدة أن التمثيل بأيهما أو بمجموعهما يؤدى إلى المقصود، فهى مانعة خلو مجوزة للجمع بينهما.

و(الصيب) - كسيد - المطر، من الصوب وهو النزول. يقال: صاب صوباً، إذا نزل أو انحدر، سمى به المطر لنزوله، وفى الجملة الكريمة إيجاز بحذف ما دل عليه المقام دلالة واضحة. والتقدير: أو كمثل ذوى صيب.
-2-

والمعنى أن قصة هؤلاء المنافقين مشبهة بقصة الذى استوقد ناراً، أو بقصة ذوى صيب.

والسماء: كل ما علاك من سقف ونحوه، والمراد بها السحاب.

والرعد: الصوت الذى يسمع بسبب اصطدام سحابتين محملتين بشحنتين كهربيتين أحداهما موجبة والأخرى سالبة.

والبرق: هو الضوء الذى يحدث بسبب الاصطدام ذاته.

وإيراد هذه الألفاظ بصفة التنكير للتهويل، ويكون المعنى: أو أن مثل هؤلاء المنافقين كمثل قوم نزل بهم المطر من السماء تصحبه ظلمات كأنها سواد الليل، ورعد يصم الآذان، وبرق يخطف الأبصار؛ وصواعق تحرق ما تصيبه.

ثم قال - تعالى -: { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ }.

ِالصواعق: جمع صاعقة من الصعق وهو شدة الصوت الذى يصحبه - غالباً - قطعة من نار لا تأتى على شىء إلا أهلكته.

(ومن) فى قوله - تعالى -: { مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ } للعليل. وإنما كانت الصواعق داعية إلى سدهم آذانهم بأصابعهم، من جهة أنها قد تفضى بصوتها الهائل إلى الموت، وجاء هذا مصرحاً به فى قوله - تعالى - { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ }.

والمعنى: يسدون آذانهم من أجل الصواعق خوفاً من أن تقتلهم بشدة صوتها. ومن المعروف أن الذى يجعل فى الآذان عند الفزع بعض الأصابع لا كلها، إلا أنه عبر بالأصابع مبالغة فى فرط فزعهم وشدة اضطرابهم، ومسايرة للمألوف فى اللغة من نسبة ما يكون لبعض الشىء إلى ذلك الشىء، حيث يكون المراد جلياً واضحاً. وهو مجاز مرسل من باب إطلاق الكل وإرادة البعض.

وقوله: { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } يدل على أنهم لم يموتوا من تلك المفزعات وهذه المروعات. إمدادا فى عذابهم. ومطاولة فى نكالهم.

وقوله - تعالى -: { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ } جملة معترضة فى أثناء ضرب المثل بذوى الصيب.

وإحاطته - سبحانه - بالكافرين على معنى أنهم لا مهرب لهم منه، فهو محيط بهم إحاطة تامة وهو قادر على النكال بهم متى شاء وكيف شاء.

ولم يقل محيط بهم مع تقدم مرجع الضمير وهو أصحاب الصيب، إيذاناً بأنهم إنما استحقوا ذلك العذاب بكفرهم.

ثم قال - تعالى -: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }.

يكاد من الأفعال التى تدخل على اسم يسند اليه فعل بعده نحو { ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ }. فتدل على أن المسند إليه وهو البرق قد قارب أن يقع منه الفعل وهو خطف الأبصار.

والخطف: الأخذ بسرعة. والأبصار: جمع بصر، وهو قوة مودعة فى العين يدرك بها الألوان والأشكال.

والمعنى: أن البرق لشدة لمعانه يقرب من أن يخطف أبصارها، وهو تصوير بليغ لشدة ذلك البرق، وترك بيان شدة الرعد اكتفاء بما ذكره فى جانب البرق، ولم يذكر توقيهم للأعين بوضع شىء عليها اكتفاء بما ذكره فى توقى الآذان أو لأنهم شغلوا بالآذان عن الأعين.

وقوله - تعالى -: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } وصف رائع لما يصنعه أهل الصيب فى حالتى ظهور البرق واختفائه.
-3-

وكل ظرف، وما مصدرية ولا تصالها بكل أفادت الشرط والعامل فيها هو جوابها وهو { مَّشَوْاْ } و { أَضَآءَ } بمعنى لمع، و { أَظْلَمَ } من الإِظلام وهو اختفاء النور. و { قَامُواْ } أى وقفوا وثبتوا فى مكانهم. من قام الماء إذا جمد. ويقال: قامت الدابة إذا وقفت.

والمعنى: أنهم إذا صادفوا من البرق وميضاً انتهزوا ذلك الوميض فرصة، فخطوا خطوات يسيرة، وإذا خفى لمعانه وقفوا فى مكانهم، فالجملة الكريمة تدل على فرط حرصهم على النجاة من شدة ما هم فيه من أهوال.

ثم قال - تعالى -: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ }.

لو: أداة شرط، وشاء بمعنى أراد. أى: لو أراد الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لزاد فى قصف الرعد فأصمهم، وفى ضوء البرق فاعماهم. أو يقال: إن قصف الرعد ولمعان البرق المذكورين فى المثل سببان كافيان لأن يذهبا بسمع ذوى الصيب وأبصارهم لو شاء الله ذلك. فيكون قوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ } ، إشعاراً بأن تأثير الأسباب فى مسبباتها إنما هو بإرادته - تعالى -.

وخص السمع والبصر بالذهاب مع أنها من جملة مشاعرهم، لأهميتها. ولأنها هى التى سبق ذكرها، أو من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى، لأنه إذا كان قادراً على إذهاب ما حافظوا عليه، كان قادراً على غيره من باب أولى.

ثم ختم الآية بقوله - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

الشىء فى أصل اللغة كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، ويحمل فى هذه الآية على الممكن خاصة موجوداً كأن أو معدوماً، لأن القدرة إنما تتعلق بالممكنات دون الواجب والمستحيل.

والقدير: الفعال لما يريد، يقال: قدره على الشىء أقدره قدرة وقدراً.

وهذه الجملة الكريمة بمنزلة الاستدلال على ما تضمنته الجملة السابقة من أن الله تعالى قادر على أن يذهب بأسماع أصحاب الصيب وأبصارهم متى شاء.

وتطبيق هذا المثل على المنافقين يقال فيه: إن أصحاب الصيب لضعفهم وخورهم لا يطيقون سماع الرعد الهائل، ولا يستطيعون فتح أعينهم فى البرق اللامع، فيجعلون أصابعهم فى آذانهم فزعاً من قصف الرعد، وخوفاً من صواعق تجلجل فوق رءوسهم فتدعهم حصيداً خامدين، وكذلك حال هؤلاء المنافقين فإنهم لضعف بصائرهم، وانطماس عقولهم، تشتد عليهم زواجر القرآن ووعيده وتهديده وأوامره ونواهيه، فتشمئز قلوبهم ويصرفون عنه أسماعهم خشية أن تتلى عليهم آيات تقع على أسماعهم وقع الصواعق المهلكة.

قال ابن كثير: " وذهب ابن جرير ومن تبعه من المفسرين إلى أن هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين، وتكون " أو " فى قوله تعالى { أَوْ كَصَيِّبٍ } بمعنى الواو، كقوله تعالى

{ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } (الإنسان76: 24)

أو تكون للتخيير، أى، اضرب لهم مثلا بهذا وإن شئت بهذا، أو للتساوى مثل: جالس الحسن أو ابن سيرين.


-4-

قلت: وهذا يكون باعتبار أجناس المنافقين، فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى فى سورة براءة بقوله:

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي } (التوبة9: 49)
{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } (التوبة9: 75)
{ وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ في ٱلصَّدَقَاتِ } (التوبة9: 58)

الخ. فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم. "


هذا، ويرى فضيلة المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز. أن المثلين لطائفتى الكافرين والمنافقين، فالمثل الأول وهو قوله تعالى { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } ينطبق تمام الانطباق على الأوصاف التى ذكرها الله للكافرين وأن الذى ينطبق على صفات المنافقين إنما هو المثل الثانى وحده وهو قوله تعالى { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ... } فقد ضرب الله لكلتا الطائفتين مثلا يناسبها.

قال فضيلته: فضرب مثلا للمصرّين المختوم على قلوبهم بقوم كانوا يسيرون فى ظلام الليل فيهم رجل استوقد لهم ناراً يهتدون بضوئها، فلما أضاءت ما حوله لم يفتح بعض القوم أعينهم لهذا الضوء الباهر، بل لأمر ما سلبوا نور أبصارهم، وتعطلت سائر حواسهم عند هذه المفاجأة، فذلك مثل النور الذى طلع به محمد صلى الله عليه وسلم فى تلك الأمة على فترة من الرسل، فتفتحت له البصائر المستنيرة هنا وهناك، لكنه لم يوافق أهواء المستكبرين الذين ألفوا العيش فى ظلام الجاهلية، فلم يرفعوا له رأسا بل نكسوا على رؤسهم، ولم يفتحو له عيناً بل خروا عليه صما وعميانا.

وضرب مثلا للمترددين المخادعين بقوم جامتهم السماء بغيث منهمر فى ليلة ذات رعد وبرق، فأما الغيث فلم يلقوا له بالا ولم ينالوا منه نيلا، فلا شربوا منه قطرة، ولا استنبتوا به ثمرة.. وأما تلك التقلبات الجوية من الظلمات والرعد والبرق فكانت هى مثار اهتمامهم، ومناط تفكيرهم، ولذلك جعلوا يترصدونها، ويدبرون أمورهم على وفقها، لابسين لكل حال لبوسها: سيراً تارة، ووقوفاً تارة، واختفاء تارة أخرى.

فكانوا إذا رأوا عرضاً قريباً وسفراً قاصداً وبرقت لهم (بروق) الأمل فى الغنيمة ساروا مع المؤمنين جنباً إلى جنب، وإذا دارت رحا الحرب وانقضت { صواعقها } منذرة بالموت والهزيمة أخذوا حذرهم وفروا من وجه العدو قائلين " إن بيوتنا عورة " حتى إذا كانت الثالثة فلم يلمحوا من الآمال بارقة ولم يتوقعوا من الآلام صاعقة، بل اشتبهت عليهم الأمور فهناك يقفون متربصين لا يتقدمون ولا يتأخرون، ولكن يلزمون شقة الحياد ريثما تنقشع سحابة الشك

{ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } (النساء4: 141)

ذلك دأب المنافقين فى كل أمرهم، إن توقعوا ربحاً عاجلاً التمسوه فى أى صف وجدوه، وإن توقعوا أذى كذلك تنكروا للفئة التى ينالهم فى سبيلها شىء مكروه؛ وإذا أظلم عليهم الأمر قاموا بعيداً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ أما الذى يؤمن بالله واليوم الآخر فإن له قبلة واحدة يولى وجهه شطرها، هى قبلة الحق لا يخشى فيها لومة لائم:

-5-

وليس يبالى حين يقتل مسلماعلى أى جنب كان فى الله مصرعه


هذا هو رأى فضيلة الدكتور دراز، وهو رأى مستساغ يتمشى مع روح الآيات وأهداف السورة، وأياما كان فالمثلان يصوران أحوال المبطلين بصورة حسية واضحة تتجلى فيها بلاغة القرآن الكريم فى إبراز المعانى المعقولة فى صورة محسة واضحة من شأنها أن تهدى الناس إلى طريق الحق والرشاد.

وبعد أن بينت السورة الكريمة أقسام الناس الثلاثة، وعاقبة كل قسم منهم، ساقت لهم نداء عاماً دعتهم فيه إلى عبادة الله وحده، قال تعالى:

{ يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ...فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }.
-6-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #43  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة مصنف و مدقق

تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة مصنف و مدقق


{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } * { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


17- حال هؤلاء فى نفاقهم كحال من أوقد ناراً لينتفع بها مع قومه، فلما أنارت ما حوله من الأشياء ذهب الله بنورهم وترك موقديها فى ظلمات كثيفة لا يبصرون معها شيئاً، لأن الله قدَّم إليهم أسباب الهداية فلم يتمسكوا بها فصارت بصائرهم مطموسة، فاستحقوا أن يبقوا فى الحيرة والضلال.

18- هؤلاء كالصُّمِّ، لأنهم قد فقدوا منفعة السمع، إذ لا يسمعون الحق سماع قبول واستجابة، وهم كالبُكْم الخُرس؛ لأنهم لا ينطقون بالهدى أو الحق، وهم كالذين فقدوا أبصارهم لأنهم لا ينتفعون بها فى اعتبار أو انزجار، فهم لا يرجعون عن ضلالتهم.

19- أو حالهم فى حيرتهم وشدة الأمر عليهم وعدم إدراكهم لما ينفعهم ويضرهم، كحال قوم نزل عليهم مطر من السماء ورعد وصواعق، يضعون أطراف أصابعهم فى آذانهم كى لا يسمعوا أصوات الصواعق خائفين من الموت، زاعمين أن وضع الأصابع يمنعهم منه.

وهؤلاء إذا نزل القرآن - وفيه بيان لظلمات الكفر والوعيد عليه، وبيان الإيمان ونوره المتألق، وبيان النذر وألوان العذاب - أعرضوا عنه وحاولوا الخلاص منه زاعمين أن إعراضهم عنه سيعفيهم من العقاب ولكن الله عليم بالكافرين مسيطر عليهم من كل جهة بعلمه وقدرته.

20- إن هذا البرق الشديد يكاد يخطف منهم أبصارهم لشدته، وهو يضئ لهم الطريق حيناً فيسيرون خطوات مستعينين بضوئه، فإذا انقطع البرق واشتد الظلام يقفون متحيرين ضالين، وهؤلاء المنافقون تلوح لهم الدلائل والآيات فتبهرهم أضواؤها فيهمون أن يهتدوا، ولكنهم بعد قليل يعودون إلى الكفر والنفاق. إن الله واسع القدرة إذا أراد شيئاً فعله، لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #44  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير أيسر التفاسير/ أبو بكر الجزائري (مـ1921م- ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد

تفسير أيسر التفاسير/ أبو بكر الجزائري (مـ1921م- ) مصنف و لم يتم تدقيقه بعد



{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } * { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


شرح الكلمات:

{ مثلهم }: صفتهم وحالهم.

{ استوقد }: أوقد ناراً.

{ صمٌ، بكم عميٌ }: لا يسمعون ولا ينطقون ولا يبصرون.

{ الصيّب }: المطر.

{ الظلمات }: ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر.

{ الرعد }: الصوت القاصف يُسمع حال تراكم السحاب ونزول المطر.

{ البرق }: ما يلمع من نور حال تراكم السحاب ونزول المطر.

{ الصواعق }: جمع صاعقة: نار هائلة تنزل اثناء قصف الرعد ولمعان البرق يصيب الله تعالى بها من يشاء.

{ حَذَرَ الموت }: توقيا للموت

{ محيط }: المحيط المكتنف للشيء من جميع جهاته.

{ يكاد }: يقرب.

{ يخطف }: يأخذه بسرعة.

{ أبصارهم }: جمع بصر وهو العين المبصرة.

معنى الآيات:

مثل هؤلاء المنافقين فيما يظهرون من الايمان مع ما هم مبطنون من الكفر كمثل من أوقد ناراً للاستضاءة بها فلما أضاءت لهم منا حولهم وانتفعوا بها أدنى انتفاع ذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمات لا يبصرون. لأنهم بإيمانهم الظاهر صانوا دماءهم وأموالهم ونساءهم وذراريهم من القتل والسبي وبما يضمرون من الكفر اذا ماتوا عليه يدخلون النار فيخسرون كل شىء حتى أنفسهم هذا المثل تمضنته الآية الأولى(17) وأما الآية الثانية(18) فهى إخبار عن أولئك المنافقين بأنهم قد فقدوا كل استعداد للاهتداء فلا آذانهم تسمع صوت الحق ولا ألسنتهم تنطق به ولا أعينهم تبصر آثاره وذلك لتوغلهم فى الفساد فلذا هم لا يرجعون عن الكفر إلى الايمان بحال من الأحوال. واما الآية الثالثة والرابعة(19) (20) فهما تتضمنان مثلا آخر لهؤلاء المنافقين. وصورة المثل العجيبة والمنطقية على حالهم هى مَطر غزير فى ظلمات مصحوب برعد قاصف وبرق خاطف وهم فى وسطه مذعورون خائفون يسدون آذانهم بأنامل أصابعهم حتى لا يسمعون صوت الصواعق حذراً أن تنخلع قلوبهم فيموتوا، ولم يجدوا مفراً ولا مهرباً لأن الله تعالى محيط بهم هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن البرق لشدته وسرعته يكاد يخطف أبصارهم فيعمون، فإذا أضاء لهم البرق الطريق مشوا فى ضوئه واذا انقطع ضوء البرق وقفوا حيراى خائفين، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم لأنه تعالى على كل شىء قدير هذه حال اولئك المنافقين والقرآن ينزل بذكر الكفر وهو ظلمات وبذكر الوعيد وهو كالصواعق والرعد وبالحجج والبينات وهى كالبرق فى قوة الاضاءة، وهم خائفون أن ينزل القرآن بكشفهم وازاحة الستار عنهم فيؤخذوا، فإذا نزل بآية لا تشير إليهم ولا تتعرض بهم مشوا فى إيمانهم الظاهر. وإذا نزل بآيات فيها التنديد بباطلهم وما هم عليه وقفوا حائرين لا يتقدمون ولا يتأخرون ولو شاء الله أخذ أسماعهم وأبصارهم لفعل لأنهم لذلك أهل وهو على كل شىء قدير:

هداية الآيات:

من هداية هذه الآيات ما يلى:

1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعانى إلى الأذهان.

2- خيبة سعى أهل الباطل وسوء عاقبة أمرهم.

3- القرآن تحيا به القلوب كما تحيا الأرض بماء المطر.

4- شر الكفار المنافقون.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #45  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير أيسر التفاسير/ أسعد حومد مصنف و مدقق

تفسير أيسر التفاسير/ أسعد حومد مصنف و مدقق

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }


{ ظُلُمَاتٍ }

(17) - يُصوِّرُ اللهُ تَعَالى حَالَ المُنَافِقِينَ الذِينَ أَسْلَمُوا وَدَخَلَ نُورُ الإِيمَانِ إِلى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ دَاخَلَهُمُ الشَّكُّ فِيهِ فَكَفَرُوا، فَيَقُولُ: إِنَّ حَالَهُمْ يُشْبِهُ حَالَ جَمَاعَةٍ أَوْقَدوا نَاراًً لِيَنْتَفِعُوا بِها فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُمْ مِنَ الأَشْيَاءِ وَالأَمَاكِنِ، عَرَضَ لَهَا عَارِضٌ أَطْفَأَهَا فَأَصْبَحُوا فِي ظَلامٍ دَامِسٍ لا يَتَسَنَّى لَهُمْ مَعَهُ الإِبْصَارُ والاهْتِدَاءُ، ذلِكَ لأَِنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا فَضَائِلَ الإِيمَانِ وَمَحَاسِنَهُ، فَأَصْبَحُوا فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ لاَ يُبْصِرُونَ مَسْلَكاً مِنْ مَسَالِكِ الهِدَايَةِ وَالنَّجَاةِ.

المَثَلُ - الشَّبَهُ.

اسْتَوْقَدَ نَاراً - طَلَبَ إِيقَادَها.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #46  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق 1-5

تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق 1-5

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }


قوله تعالى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً }: " مثلُهم " مبتدأ و " كمثل ": جارٌّ ومجرور خبره، فيتعلَّقُ بمحذوف على قاعدةِ الباب، ولا مبالاة بخلافِ مَنْ يقول: إن كافَ التشبيه لا تتعلَّق بشيء، والتقديرُ مَثَلُهم مستقر كمثل وأجاز أبو البقاء وابنُ عطية أن تكونَ الكافُ اسماً هي الخبرُ، ونظَّره بقول الشاعر:

207ـ أَتَنْتَهُون ولن يَنْهَىٰ ذوي شَطَطكالطَّعْن يَذْهَبُ فيه الزيتُ والفُتُل


وهذا مذهبُ الأخفش: يُجيز أَنْ تكونَ الكافُ اسماً مطلقاً. وأمّا مذهب سيبويه فلا يُجيز ذلك إلا في شعر، وأمَّا تنظيرُه بالبيتِ فليس كما قال، لأنَّا في البيت نضطُّر إلى جَعْلِها اسماً لكونِها فاعلةً، بخلاف الآية. والذي ينبغي أن يقال: إنَّ كافَ التشبيه لها ثلاثةُ أحوال: حالٌ يتعيَّن فيها أَنْ تكونَ اسماً، وهي ما إذا كانت فاعلةً أو مجرورةً بحرفٍ أو إضافةٍ. مثالُ الفاعل: " أتنتهون ولن يَنْهى " البيت، ومثالُ جَرِّها بحرفٍ قولُ امرئ القيس:

208ـ وَرُحْنا بكابْنِ الماء يُجْنَبُ وَسْطَناتَصَوَّبُ فيه العينُ طوراً وتَرْتقي


وقولُه:

209ـ وَزَعْتُ بكالهَراوةِ أَعْوَجِيٍّإذا جَرَت الرياحُ لها وِثابا


ومثالُ جَرِّها بالإِضافة قولُه:

210ـ فَصُيِّروا مثلَ كعَصْفٍ مأكولْ..........................


وحالٌ يتعيَّن أن تكونَ فيها حرفاًَ، وهي: الواقعةُ صلةً، نحو: جاء الذي كزيدٍٍ، لأنَّ جَعْلَها اسماً يستلزمُ حَذْفَ عائدِ مبتدأٍ من غير طولِ الصلةِ، وهو ممتنعٌ عند البصريين، وحالٌ يجوز فيها الأمران وهي ما عدا ذلك نحو: زيد كعمرو. وأَبْعَدَ مَنْ زعم أنها زائدةٌ في الآية الكريمة، أي: مَثَلُهم مثلُ الذي، ونظَّره بقوله: " فَصُيِّروا مثل كعصف " كأنه جعل المِثْل والمَثَل بمعنى واحدٍ، والوجهُ أَنَّ المَثَلَ هنا بمعنى القصةِ، والتقديرُ: صفتُهم وقصتُهم كقصةِ المستوقِدِ فليست زائدةً على هذا التأويلِ، ولكن المَثَلَ بالفتح في الأصل بمعنى مِثْل ومثيل نحو: شِبْه وشَبَه وشَبيه. وقيل: بل هي في الأصل الصفةُ، وأمَّا المَثَل في قوله: " ضَرَب مَثَلاً " فهو القولُ السائرُ الذي فيه غَرابةٌ من بعضِ الوجوهِ، ولذلك حُوفظ على لفظِه فلم يُغَيَّرْ، فيقال لكلِّ مَنْ فَرَّط في أمرٍ عَسِرْ تَدارُكُه: " الصيفَ ضَيّعْتِ اللبنَ " ، سواءٌ أكان المخاطب به مفرداً أم مثَنَّى أم مجموعاً أم مذكراً أم مؤنثاً، ليدلَّ بذلك على قَصْدٍ عليه.

و " الذي " في محلِّ خَفْضٍ بالإِضافة، وهو موصولٌ للمفردِ المذكرِ، ولكن المرادَ به هنا جَمْعٌ، ولذلك رُوعي معناه في قوله: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ } فأعاد الضمير عليه جمعاً، والأَوْلى أن يقال إن " الذي " وقع وصفاً لشيء يُفْهِم الجمعَ، ثم حُذِفَ ذلك الموصوفُ للدلالةِ عليه، والتقديرُ: مَثَلهم كَمَثَل الفريق الذي استوقد أو الجمعِ الذي استوقَدَ، ويكون قد رُوعي الوصفُ مرةً، فعادَ الضميرُ عليه مفرداً في قوله: " استوقد " و " حَوْلَه " ، والموصوفُ أخرى فعاد الضميرُ عليهِ مجموعاً في قوله: " بنورِهم، وتركَهم ".
-1-

ووهِم أبو البقاء فَجَعَل هذه الآيةَ من باب ما حُذِفَتْ منه النونُ تخفيفاً، وأن الأصلَ: الذين، ثم خُفِّف بالحذفِ، وكأنه جَعَلَه مثلَ قولِه تعالى في الآية الأخرى:

{ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } [التوبة9: 69]،

وقول الشاعر:

211ـ وإنَّ الذي حانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهمهُمُ القومُ كلُّ القومِ يا أمَّ خالدِ


والأصل: كالذينَ خاضُوا، وإنَّ الذين حانَتْ. وهذا وَهْمٌ فاحش، لأنه لو كان من باب ما حُذِفَتْ منه النونُ لوجَبَ مطابقةُ الضميرِ جمعاً كما في قوله: " كالذي خاضوا " و " دماؤُهُمْ " ، فلمَّا قال تعالى: " استوقد " بلفظ الإِفراد تعيَّن أحدُ الأمرين المتقدِّمين: إمَّا جَعْلُه من باب وقوعِ المفردِ موقعَ الجمعِ لأن المرادَ به الجنسُ، أو أنه من باب ما وقع فيه صفةً لموصوف يُفْهِم الجَمْعَ.

وقال الزمخشري ما معناه: إنَّ هذه الآيةَ مثلُ قولِه تعالى: { كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } /، واعتلَّ لتسويغِ ذلك بأَمْرين: أحدُهما أنَّ " الذي " لمَّا كانَ وُصْلَةً لوصفِ المعارفِ ناسَبَ حَذْفَ بعضِه لاستطالتِه، قال: " ولذلك نَهَكُوه بالحَذْفِ، فحذَفوا ياءَه ثم كَسْرَتَه ثم اقتصروا منه على اللامِ في أسماء الفاعِلِين والمفعولين ". والأمرُ الثاني: أنَّ جَمْعَه ليس بمنزلةِ جَمْعِ غيرِه بالواو والنون، إنما ذلك علامةٌ لزيادةِ الدلالةِ، ألا ترىٰ أن سائرَ الموصولاتِ لَفْظُ الجمع والمفردِ فيهنَّ سواءٌ. وهذا القولُ فيه نَظَرٌ مِنْ وجهين، أحُدهما: أنَّ قول ظاهرٌ في جَعْلِ هذه الآيةِ من باب حَذْف نون " الذين " ، وفيه ما تقدَّم من أنه كان ينبغي أن يطابقَ الضميرَ جَمْعاً كما في الآية الأخرىٰ التي نَظَّر بها. والوجهُ الثاني: أنه اعتقدَ كونَ أل الموصولةِ بقيةَ " الذي " ، وليس كذلك، بل أل الموصولةُ اسمٌ موصولٌ مستقل، أي: غيرُ مأخوذٍ من شيءٍ، على أن الراجحَ من جهةِ الدليلِ كونُ أل الموصولةِ حرفاً لا اسماً كما سيأتي. وليس لمرجِّحٍ أن يرجِّح قولَ الزمخشري بأنهم قالوا: إنَّ الميمَ في قولهم: " مُ الله " بقية ايمُن، فإذا انتهكوا ايمن بالحذف حتى صار على حرفٍ واحد فَأَوْلىٰ أن يقال بذلك فما بقي على حرفين، لأن أل زائدةٌ على ماهِيَّةِ " الذي " فيكونون قد حَذَفوا جميعَ الاسم، وتركوا ذلك الزائدَ عليه بخلاف ميم ايمُن، وأيضاً فإنَّ القولَ بأنّ الميمَ بقيةُ أيمُن قولٌ ضعيف مردودٌ يأباه قولُ الجمهور.

وفي " الذي " لغاتٌ: أشهرُها ثبوتُ الياء ساكنةً. وقد تُشَدَّد مكسورةً مطلقاً، أو جاريةً بوجوهِ الإِعرابِ، كقوله:

212ـ وليسَ المالُ فاعلَمْهُ بمالٍوإنْ أرضاكَ إلا ِللَّذيِّ

يَنالُ به العَلاءَ ويَصْطَفيهلأقربِ أَقْرِبيه وللقَصِيِّ


فهذا يَحْتمل أنْ يكونَ مبنيًّا وأن يكونَ مُعْرباً، وقد تُحْذف ساكناً ما قبلها، كقولِ الآخر:
-2-

213ـ فلم أَرَ بيْتاً كان أكثرَ بهجةًمِنَ اللذْ به من آلِ عَزَّةَ عامرُ


أو مكسوراً، كقوله:

214ـ واللذِ لو شاء لكانَتْ بَرّاًأو جبلاً أَصَمَّ مُشَمْخِراً


ومثلُ هذه اللغات في " التي " أيضاً، قال بعضُهم: " وقولُهم هذه لغاتٌ ليس جيداً لأنَّ هذه لم تَرِدْ إلا ضرورةً، فلا ينبغي أن تُسَمَّىٰ لغات ".

واستوقَدَ استفْعَلَ بمعنى أفْعَلَ، نحو: استجاب بمعنى أَجاب، وهو رأي الأخفش، وعليه قولُ الشاعر:

215ـ وداعٍ دعا يا مَنْ يُجيبُ إلى الندىفلم يَسْتَجِبْهُ عندَ ذاكَ مُجيبُ


أي: فلم يُجِبْه، وقيل: بل السينُ للطلب، ورُجِّحَ قولُ الأخفش بأنَّ كونَه للطلب يستدعي حَذفَ جملةٍ، ألا ترى أنَّ المعنى استدعَوْا ناراً فَأَوْقدوها، فلمَّا أضاءَتْ لأنّ الإِضاءةَ لا تَتَسَبَّبُ عن الطلبِ، إنما تُسَبَّبُ عن الإِيقاد.

والفاء في " فلمَّا " للسبب. وقرأ ابن السَّمَيْفَع: " كمثل الذين " بلفظِ الجمع، " استوقد " بالإِفراد، وهي مُشْكِلةٌ، وقد خَرَّجوها على أوجهٍ أضعفَ منها وهي التوهُّمُ، أي: كانه نطق بمَنْ، إذا أعاد ضميرَ المفرد على الجمع كقولهم: " ضربني وضربتُ قومَك " أي ضربني مَنْ، أو يعودُ على اسمِ فاعلٍ مفهومٍ من اسْتَوْقََد، والعائدُ على الموصولِ محذوفٌ، وإن لم يَكْمُلْ شرطُ الحذفِ، والتقدير: استوقدها مستوقدٌ لهم، وهذه القراءة تُقوِّي قولَ مَنْ يقولُ: إن أصلَ الذي: الذين، فَحُذِفَتِ النونُ.

و " لَمَّا " حرفُ وجوب لوجوب هذا مذهبُ سيبويه. وزعم الفارسي وتبعه أبو البقاء أنها ظرفٌ بمعنى حين، وأنَّ العاملَ فيها جوابُها، وقد رُدَّ عليه بأنها أُجيبت بـ " ما " النافية وإذا الفجائية، قال تعالى:

{ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } [فاطر35: 42]. وقال تعالى:
{ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت29: 65]،

وما النافيةُ وإذا الفجائية لا يَعْمَلُ ما بعدهما فيما قبلهما فانتفىٰ أَنْ تكونَ ظرفاً.


وتكون " لَمَّا " أيضاً جازمةً لفعلٍ واحد، ومعناها نفيُ الماضي المتصلِ بزمنِ الحال، ويجوزُ حَذْفُ مجزومها، قال الشاعر:

216ـ فجِئْتُ قبورَهم بَدْءاً ولَمَّافنادَيْتُ القبورَ فلم يُجِبْنَهْ


وتكونُ بمعنى إلا، قال تعالى: { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الزخرف: 35] في قراءة مَنْ قرأه.

و " أضاء " يكونُ لازماً ومتعدياً، فإن كان متعدياً فـ " ما " مفعولٌ به، وهي موصولة، و " حولَه " ظرفُ مكانٍ ومخفوضٌ به، صلةٌ لها، ولا يَتَصَرَّفُ، وبمعناه: حَوال، قال الشاعر:

217ـ وأنا أَمْشِي الدَّأَلَى حَوالَكا...........................


ويُثَنَّيان، قال عليه السلام: " اللهم حوالَيْنا " ، ويُجْمَعان على أَحْوال.

ويجوز أن تكونَ " ما " نكرةً موصوفةً، و " حولَه " صفتُها، وإن كان لازماً فالفاعلُ ضميرُ النار أيضاً، و " ما " زائدةٌ، و " حوله " منصوبٌ على الظرفِ العاملُ فيهِ " أضاء ". وأجاز الزمخشري أن تكون " ما " فاعلةً موصولةً أو نكرةً موصوفةً، وأُنِّثَ/ الفِعلُ على المعنى، والتقدير: فلمَّا أضاءَتِ الجهةُ التي حولَه أو جهةٌ حولَه.
-3-

وأجاز أبو البقاء فيها أيضاً أن تكونَ منصوبةً على الظرف، وهي حينئذٍ إمَّا بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، التقدير: فلمَّا أضاءت النارُ المكانَ الذي حوله أو مكاناً حوله، فإنه قال: " يُقال: ضاءَتِ النارُ وأَضاءَتْ بمعنىً، فعلَىٰ هذا تكون " ما " ظرفاً وفي " ما " ثلاثةُ أوجهٍ أحدُها: أن تكونَ بمعنىٰ الذي. والثاني: هي نكرة موصوفةٌ أي: مكاناً حوله، والثالث: هي زائدةٌ " انتهى.

وفي عبارتِه بعضُ مناقشةٍ، فإنه بَعْدَ حُكْمِه على " ما " بأنَّها ظرفيةٌ كيف يجوزُ فيها والحالةُ هذه أن تكونَ زائدةً، وإنما أراد: في " ما " هذه من حيث الجملةُ ثلاثةُ أوجهٍ: وقولُ الشاعر:

218ـ أضاءَت لهم أحسابُهم ووجُوهُهمدُجَىٰ الليلِ حتى نَظَّم الجَزْعَ ثاقِبُهْ


يَحْتمل التعدِّيَ واللزوم كالآية الكريمة. وقرأ ابن السَّمَيْفَع: ضاءَتْ ثلاثياً.

قولُه تعالى: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } هذه الجملةُ الظاهرُ أنَّها جوابُ " لَمَّا ". وقال الزمخشري: " جوابُها محذوفٌ، تقديرُه: فلمَّا أضاءَتْ خَمَدَت " ، وجَعَل هذا أبلَغَ من ذِكْرِ الجواب، وجعلَ جملةَ قوله: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } مستأنفة أو بدلاً من جملة التمثيل. وقد رَدَّ عليه بعضُهم هذا بوجْهَيْن أحدهما: أنَّ هذا تقديرٌ مع وجودِ ما يُغْني عنه فلا حاجةَ إليه، إذ التقديراتُ إنما تكونُ عند الضروراتِ. والثاني: أنه لا تُبْدَلُ الجملةُ الفعليةُ من الجملةِ الاسميةِ.

و " بنورهم " متعلِّقٌ بـ " ذَهَبَ " ، والباءُ فيها للتعدية، وهي مرادِفَةٌ للهمزة في التعديةِ، هذا مذهبُ الجمهورِ، وزَعَمَ أبو العباس أنَّ بينهما فَرْقاً، وهو أن الباءَ يلزَمُ معها مصاحبةُ الفاعل للمفعولِ في ذلك الفعلِ الذي فَعَلَه به والهمزةُ لا يَلْزَمُ فيها ذلك. فإذا قلتَ: " ذهبْتُ بِزيد " فلا بد أن تكونَ قد صاحَبْتَه في الذهاب فذهبْتَ معه، وإذا قلت: " أَذْهَبْتَه " جاز أن يكونَ قد صَحِبْتَه وألاَّ يكونَ. وقد رَدَّ الجمهورُ على المبرِّد بهذه الآية لأنَّ مصاحَبَتَه تعالى لهم في الذهابِ مستحيلةٌ. ولكن قد أجاب أبو الحسنِ ابنُ عصفور عن هذا بأنه يجوزُ أن يكونَ تعالى قد أَسْنَدَ إلى نفسِه ذهاباً يليقُ به كما أَسْند إلى نفسِه المجي والإِتيان على معنى يليقُ به، وإنما يُرَدُّ عليه بقولِ الشاعر:

219ـ ديارُ التي كانت ونحن على مِنىتَحِلُّ بنا لولا نَجاءُ الرَّكائِب


أي: تَجْعلنا حلالاً بعد أن كنا مُحْرِمين بالحَجّ، ولم تكن هي مُحْرِمةً حتى تصاحبَهم في الحِلّ، وكذا قولُ امرئ القيس:

220ـ كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللَّبْدُ عن حالِ مَتْنِهكما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالمُتَنَزَّلِ


الصَّفْوُ: الصخرة، وهي لم تصاحِبْ الذي تَزِلُّه.

والضميرُ في " بنورِهم " عائدٌ على معنى " الذي " كما تقدَّم، وقال بعضُهم: هو عائدٌ على مضافٍ محذوفٍ تقديرُه: كمثلِ أصحابِ الذي استوقدَ، واحتاج هذا القائلُ إلى هذا التقديرِ قال: " حتى يتطابقَ المشبَّهُ والمشبَّهُ به، لأنَّ المشبَّهَ جمعٌ، فلو لم يُقَدَّرْ هذا المضافُ وهو " أصحاب " لَزِم أن يُشَبِّه الجمعَ بالمفردِ وهو الذي استوقد " انتهى.
-4-

ولا أدري ما الذي حَمَلَ هذا القائلَ على مَنْعِ تشبيه الجمعِ بالمفردِ في صفةٍ جامعةٍ بينهما، وأيضاً فإنَّ المشبَّهَ المشبَّهَ به إنما هو القصتان، فلم يقع التشبيهُ إلا بين قصتين إحداهما مضافةٌ إلى جمع والأخرى إلى مفردٍ.

قولُه تعالى: { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } هذه جملةٌ معطوفةٌ على قوله " ذَهَبَ الله ". وأصل الترك: التخليةُ، ويُراد به التصييرُ، فيتعدَّى لاثنين على الصحيح، كقولِ الشاعر:

221ـ أَمَرْتُكَ الخير فافعلْ ما أُمِرْتَ بهفقد تَرَكْتُكَ ذا مال وذا نَشَبِ


فإن قُلْنا: هو متعدٍّ لاثنين كان المفعولُ الأول هو الضميرَ، والمفعولُ الثاني " في ظلمات " و " لا يُبْصرون " حالٌ، وهي حالٌ مؤكدة لأنَّ مَنْ كان في ظلمة فهو لا يُبْصِرُ، وصاحبُ الحالِ: إمّا الضميرُ المنصوبُ أو المرفوعُ المستكنُّ في الجارِّ والمجرورِ. ولا يجوزُ أن يكونَ " في ظلمات " حالاً، و " لا يُبْصِرون " هو المفعولَ الثاني لأن المفعولَ الثاني خبرٌ في الأصل، والخبرُ لا يؤتَى به للتأكيد، وأنت إذا جعلت " في ظلمات " حالاً فُهِمَ منه عَدَمُ الإِبصارِ، فلم يُفِدْ قولُك بعد ذلك لا " يُبْصرون " إلا التأكيدَ، لكنَّ التأكيدَ ليس من شأن الإِخبار، بل من شأنِ الأحوال لأنها فَضَلاتٌ. ويؤيِّد ما ذكرتُ أن النَّحْويين لَمَّا أَعربُوا قولَ امرئ القيس:

222ـ إذا ما بكى مِنْ خَلْفِها انصَرفَتْ لهبشِقٍّ وشِقٍّ عندنا لم يُحَوَّلِ


أعربوا " شِق " مبتدأً و " عندنا " خبرَه، و " لم يُحَوَّل " جملةً حاليةً مؤكِّدةً، قالوا: وجاز الابتداءُ بالنكرةِ لأنه موضعُ تفصيل، وأبَوْا أن يَجْعلوا " لم يُحَوَّل " خبراً، و " عندنا " صفةً لشِق مُسَوِّغاً للابتداء به، قالوا: لأنه فُهم معناه من قوله: " عندنا " لأنه إذا كان عندَه عُلِم منه أنه لم يُحَوَّل، وقد أعربَه أبو البقاء كذلك، وهو مردودٌ بما ذكرْتُ لك.

ويجوز إذا جَعَلْنا " لا يُبْصِرون " هو المفعولَ الثانيَ أن يتعلَّقَ " في ظلمات " به أو بـ " تَرَكهم " ، التقدير: " وتَرَكهم لا يُبْصرون في ظلماتٍ ". وإن كان " تَرَكَ " متعدياً لواحد كان " في ظلمات " متعلَّقاً بتَرَكَ، و " لا يُبْصرون " حالٌ مؤكِّدة ويجوز أن يكونَ " في ظلمات " حالاً من الضمير المنصوب في " تَرَكهم " ، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ و " لا يُبْصرون " حالٌ أيضاً: إمَّا من الضميرِ المنصوب في " تَرَكَهم " فيكونُ له حالان/ ويجري فيه الخلافُ المتقدمُ، وإمَّا مِنَ الضميرِ المرفوعِ المستكنِّ في الجارِّ والمجرور قبلَه فتكونُ حالَيْنِ متداخلتين.
-5-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #47  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق

تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }


{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ } إن كان المثل هنا بمعنى حالهم وصفتهم فالكاف للتشبيه وإن كان المثل بمعنى التشبيه فالكاف زائدة { ٱسْتَوْقَدَ } أي أوقد، وقيل: طلب الوقود على الأصل في استفعل { فَلَمَّآ أَضَاءَتْ } إن تعدى فما حوله مفعول به، وإن لم يتعدّ فما زائدة أو ظرفية { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } أي أذهبه، وهذه الجملة جواب لما محذوف تقديره: طفيت النار، وذهب الله بنورهم: جملة مستأنفة والضمير عائد على المنافقين، فعلى هذا يكون { ٱلَّذِي } على بابه من الإفراد، والأرجح أنه أعيد ضمير الجماعة لأنه لم يقصد بالذي، واحد بعينه إنما المقصود التشبيه بمن استوقد ناراً؛ سواء كان واحداً أو جماعة، ثم أعيد الضمير بالجمع ليطابق المشبه، لأنهم جماعة، فإن قيل: ما وجه تشبيه المنافقين بصاحب النار التي أضاءت ثم أظلمت؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أن منفعتهم في الدنيا بدعوى الإيمان شبيه بالنور، وعذابهم في الآخرة شبيه بالظلمة بعده، والثاني: أن استخفاء كفرهم كالنور، وفضيحتهم كالظلمة، والثالث: أن ذلك فيمن آمن منهم ثم كفر، فإيمانه نور، وكفره بعده ظلمة، ويرجح هذا قوله:

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا } [المنافقون63: 3]

فإن قيل: لم قال: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } ولم يقل: أذهب الله نورهم، مشاكلة لقوله: { فَلَمَّآ أَضَاءَتْ } فالجواب: أن إذهاب النور أبلغ لأنه إذهاب للقليل والكثير، بخلاف الضوء فإنه يطلق على الكثير.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #48  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق



{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } * { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }


يقال: مَثَل، والجمع أمثال، قال الله تعالى:

{ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [العنكبوت29: 43]،

وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى، بمن استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله، وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله، وتأنس بها... فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد، لا يبصر ولا يهتدي وهو مع هذا (أصم) لا يسمع (أبكم) لا ينطق، (أعمى) لو كان ضياء لما أبصر، فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضاً عن الهدى، واستحبابهم الغي على الرشد، وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا، كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع والله أعلم.


وقال الرازي: والتشبيه هٰهنا في غاية الصحة لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولاً نوراً، ثم بنفاقهم ثانياً أبطلوا ذلك، فوقعوا في حيرة عظيمة، فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين.

وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال تعالى:

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [الجمعة62: 5].

وقال بعضهم: تقدير الكلام مثل قصتهم كقصة الذين استوقدوا ناراً، وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع في قوله تعالى: { فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } ، وهذا أفصح في الكلام وأبلغ في النظام.


وقوله تعالى: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } أي ذهب عنهم بما ينفعهم وهو النور وأبقى لهم ما يضرهم وهو الإحراق والدخان، { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق. { لاَّ يُبْصِرُونَ } لا يهتدون إلى سبيل خير ولا يعرفونها، وهم مع ذلك { صُمٌّ } لا يسمعون خيراً، { بُكْمٌ } لا يتكلمون بما ينفعهم، { عُمْيٌ } في ضلالة وعماية البصيرة، كما قال تعالى:

{ فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج22: 46]،

فلهذا لا يرجعون إلى ما كانوا عليه من الهداية التي باعوها بالضلالة.


وقال عبد الرحمٰن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } إلى آخر الآية... قال: هذه صفة المنافقين، كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما إضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ناراً، ثم كفروا فذهب الله بنورهم فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار فتركهم في ظلمات لا يبصرون.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #49  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق

تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }


قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً }؛ أي مَثَلُ المنافقينَ في إظهارهم الإسلامَ وحَقْنِهم دماءَهم وأموالَهم كمثل رجلٍ في مَفَازَةٍ في ليلة مظلمةٍ يخافُ السِّباع على نفسهِ، فيوقدُ ناراً لِيَأْمَنَ بها السباعَ، { فَلَمَّآ أَضَآءَتْ } ، النارُ، { مَا حَوْلَهُ } المستوقد؛ طُفِئَتْ. فبقي في الظلمةِ؛ كذلك المنافقُ يخاف على نفسه من قِبَلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيسلم دماء الناس فيحقنُ دمه، ويناكحُ المسلمين فيكون له نورٌ بمنْزلة نور نار المستوقِدْ؛ فإذا بلغَ آخرتَهُ لَم يكن لإيْمانهِ أصلٌ في قلبه، ولا حقيقةٌ في عمله، سُلِبَ نورُ الإيْمان عند الموت فيبقى في ظلمةِ الكفر، نَسْتَعِيْذُ باللهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱسْتَوْقَدَ } يعني أوقدَ، قال الشاعر:

وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيْبُ إلَى النَدَىفَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذاكَ مُجِيْبُ


وقَوْلُهُ تَعَالَى: { كَمَثَلِ ٱلَّذِي } بمعنى (الذينَ) دليلهُ سياقُ الآية؛ ونظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

{ وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [الزمر39: 33].

فإنْ قُلْتَ: كيفَ يجوزُ تشبيهُ الجماعة بالواحد؟ قُلْتُ: لأن (الَّذِي) اسمٌ ناقصٌ، فيتناولُ الواحدَ والاثنين كـ (مَنْ) و (مَا)، وفي الآيةِ ما يدلُّ على أن معناهُ الجمعَ، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَتَرَكَهُمْ }. وقد يجوزُ تشبيهُ فعلِ الجماعةِ بفعل الواحدِ مثلُ قولهِ تعالى:

{ أَتَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [الأحزاب33: 19].

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { أَضَآءَتْ } يقال: ضَاءَ القمرُ يَضُوءُ ضَوْءاً، وَأَضَاءَ يُضِيْءُ إضَاءَةً؛ وَإضَاءَةً غيرُه يكون لازماً ومتعدِّياً. وقرأ محمَّدُ بن السُّمَيقِعِ: (ضَاءَتْ) بغيرِ ألفٍ؛ و { حَوْلَهُ } نُصب على الظرفِ.


قَوْلُهُ تَعَالَى: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ }؛ أي أذهبَ الله نورَهم. وإنَّما قال: { بنُورهِمْ } والمذكورُ في أوَّلِ الآية النارُ؛ لأنَّ النارَ فيها شيئان: النُّورُ والحرارةُ؛ فذهبَ نورُهم؛ وبقِيَ الحرارة عليهم، { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }.

وفِي بعضِ التفاسيرِ: قال ابنُ عبَّاس؛ وقتادةُ والضحَّاك: (مَعْنَى الآيَةِ: مَثَلُهُمْ فِي الْكُفْرِ وَنِفَاقُهُمْ كَمَنْ أوْقَدَ نَاراً فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فِي مَفَازَةٍ فَاسْتَضَاءَ بهِ، وَاسْتَدْفَأَ وَرَأَى مَا حَوْلَهُ، فَاتَّقَى مَا يَحْذَرُ وَنَجَا مِمَّا يَخَافُ وَأَمِنَ؛ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ طُفِئَتْ نَارُهُ؛ فَبَقِيَ مُظْلِماً خَائِفاً مُتَحَيِّراً؛ فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ إِذَا أظْهَرُواْ كَلِمَةَ الإيْمَانِ وَاسْتَنَارُواْ بنُورهَا وَاعْتَزُّواْ بعِزِّهَا، فَنَاكَحُواْ الْمُسْلِمِيْنَ وَوَارَثُوهُمْ وَقَاسَمُوهُمُ الْغَنَائِمَ وَأمِنُواْ عَلَى أمْوَالِهِمْ وَأوْلاَدِهِمْ؛ فَإِذَا مَاتُواْ عَادُواْ فِي الظُّلْمَةِ وَالْخَوْفِ وَبَقَواْ فِي الْعَذَاب وَالنِّقْمَةِ).


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #50  
قديم 12-21-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي مواضيع ذات صلة

مواضيع ذات صلة

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:24 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.