مكتب انجاز استخراج تصاريح الزواج  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #11  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق

تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ أَوْ كَصَيّبٍ مّنَ ٱلسَّمَاء فِيهِ ظُلُمَـٰتٌ } يعني كمطر نزل من السماء فضرب لهم الله تعالى مثلاً آخر لأن العرب كانوا يوضحون الكلام بذكر الأمثال فالله ضرب لهم الأمثال ليوضح عليهم الحجة، فضرب لهم مثلاً بالمستوقد النار، ثم ضرب لهم مثلاً آخر بالمطر. فإن قيل كلمة (أو) إنما تستعمل للشك فما معنى { أَوْ } ها هنا، فقيل له: (أو) قد تكون للتخيير [فكأنه قال إن شئتم فاضربوا لهم مثلاً بالمستوقد النار وإن شئتم فاضربوا لهم المثل بالمطر فأنتم مصيبون في ضرب المثل في الوجهين جميعاً. وهذا كما قال في آية أخرى:

{ أَوْ كَظُلُمَـٰتٍ فِى بَحْرٍ لُّجِّىٍّ } [النور24: 40]

فكذلك ها هنا أو للتخيير] لا للشك. وقد قيل: أو بمعنى الواو يعني، وكصيب من السماء، معناه: مثلهم كرجل في مفازة في ليلة مظلمة فنزل مطر من السماء، وفي المطر ظلمات { وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } والمطر هو القرآن لأن في المطر حياة الخلق وإصلاح الأرض وكذلك القرآن [حياة القلوب]، فيه هدى للناس، وبيان من الضلالة وإصلاح، فلهذا المعنى شبه القرآن بالمطر. والظلمات هي الشدائد والمحن التي تصيب المسلمين، والشبهات التي في القرآن، والرعد: هو الوعيد الذي ذكر للمنافقين والكفار في القرآن، والبرق: ما ظهر من علامات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ودلائله. قوله تعالى { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ } أي يتصاممون عن سماع الحق { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } أي لحذر الموت، [إنما] نصب لنزع الخافض. مثل قوله

{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [الأعراف7: 155]

أي من قومه. فكذلك ها هنا { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } أي لحذر الموت، ومعناه: مخافة أن ينزل في القرآن شيء يظهر حالهم كما قال في آية أخرى

{ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } [التوبة9: 127]

قال بعضهم: في الآية مضمر، ومعناها يجعلون أصابعهم في آذانهم من الرعد، ويغمضون أعينهم من الصواعق. وقال أهل اللغة: الصاعقة صوت ينزل من السماء فيه نار. فمن قال بهذا القول لا يحتاج إلى الإضمار في الآية: يجعلون أصابعهم في آذانهم من خوف الصاعقة: { وَٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكـٰفِرِينَ } أي عالم بأعمالهم والإحاطة: هي إدراك الشيء بكماله.



__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #12  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق

تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله عز وجل: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وبَرْقٌ } في الصيِّبِ تأويلان:

أحدهما: أنه المطر، وهو قول ابن عباس وابن مسعود.

والثاني: أنه السحاب، قال علقمة بن عبدة:


كَأَنَهَّمُ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌصَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ
فَلاَ تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمِّرٍسُقِيتِ غَوَادِي الْمُزنِ حِينَ تَصُوبُ


وفي الرعد ثلاثة أوجه: أحدها:

أنه مَلَكٌ ينعق بالغيث، كما ينعق الراعي بغنمه، فَسُمِّيَ الصوتُ رعداً باسم ذلك المَلك، وبه قال الخليل.

والثاني: أنه ريح تختنق تحت السحاب فَتُصَوِّبُ ذلك الصوت، وهو قول ابن عباس.

والثالث: أنه صوت اصطكاك الأجرام.

وفي البرق ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه ضرب الملك الذي هو الرعد للسحاب بمخراق من حديد، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

والثاني: أنه ضربه بسوطٍ من نور، وهذا قول ابن عباس.

والثالث: أنه ما ينفدح من اصطكاك الأجرام.

والصواعق جمع صاعقة، وهو الشديد من صوت الرعد تقع معه قطعة نار، تحرق ما أتت عليه.

وفي تشبيه المثل في هذه الآية أقاويل:

أحدها: أنه مَثَلٌ للقرآن، شُبِّهَ المطرُ المُنَزَّلُ من السماء بالقرآن، وما فيه من الظلمات بما في القرآن من الابتلاء، وما فيه من الرعد بما في القرآن من الزجر، وما فيه من البرق بما في القرآن من البيان، وما فيه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد الآجل، والدعاء إلى الجهاد في العاجل، وهذا المعنى عن ابن عباس.

والثاني: أنه مَثَلٌ، لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحهم ومواريثهم، وما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل.

والثالث: أنه ضَرَبَ الصيِّب مَثَلاً بظاهر إيمان المنافق، ومثل ما فيه من الظلمات بصلابته، وما فيه من البرق بنور إيمانه، وما فيه من الصواعق بهلاك نفاقه.

قوله عز وجل: { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } معناه يستلبها بسرعة.

{ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِم قَامُوا } وهذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى للمنافقين، وفيه تأويلان:

أحدهما: معناه كلما أضاء لهم الحق اتبعوه، وإذا أظلم عليهم بالهوى تركوه.

والثاني: معناه كلما غنموا وأصابوا من الإسلام خيراً، اتبعوا المسلمين، وإذا أظلم عليهم فلم يصيبوا خيراً، قعدوا عن الجهاد.

قوله عز وجل: { وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } فالمراد الجمع وإن كان بلفظ الواحد. كما قال الشاعر:


كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُمُ تَعِيشُوافَإِنَّ زَمَانَكُم زَمَنٌ خَمِيصُ
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #13  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ أَوْ كَصَيِّبٍ } أي كأصحاب صيب وهذا مثل آخر ضربه الله تعالىٰ للمنافقين بمعنى آخر إن شئت مثِّلهم بالمستوقد وإن شئت بأهل الصيب وقيل أو بمعنى الواو يريد وكصيب كقوله تعالى: { أَوْ يَزِيدُونَ } ، بمعنى: ويزيدون والصيب: المطر وكل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب فيعل من صاب يصوب أي نزل من السماء أي من السحاب قيل هي السماء بعينها، والسماء كل ما علاك فأظلك، وهي من أسماء الأجناس يكون واحداً وجمعاً { فِيهِ } أي في الصيب وقيل في السماء أي من السحاب ولذلك ذكَّره، وقيل السماء يذكر ويؤنث، قال الله تعالىٰ:

{ السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } [المزمل: 18]، وقال:
{ إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } [الانفطار: 1]،

{ ظُلُمَـٰتٌ } جمع ظلمة { وَرَعْدٌ } وهو الصوت الذي يسمع من السحاب { وَبَرْقٌ } وهو النار التي تخرج منه.


قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين رضي الله عنهم: الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب. وقيل الصوت زجر السحاب وقيل تسبيح الملك. وقيل الرعد نطق الملك والبرق ضحكه. وقال مجاهد الرعد اسم الملك ويقال لصوته أيضاً رعد والبرق مصع ملك يسوق السحاب وقال شهر بن حوشب: الرعد ملك يزجي السحاب فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق، وقيل الرعد انحراف الريح بين السحاب والأول أصح.

{ يَجْعَلُونَ أَصَـٰبِعَهُمْ فِىۤ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ } جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه. ويقال لكل عذاب مهلك: صاعقة، وقال: الصاعقة قطعة عذاب ينزلها الله تعالى على من يشاء.

روي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: " اللّهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك ". قوله: { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } أي مخافة الهلاك { وَٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكـٰفِرِينَ } أي عالم بهم وقيل جامعهم. وقال مجاهد: يجمعهم فيعذبهم. وقيل: مهلكهم، دليله قوله تعالىٰ:

{ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [يوسف12: 66]

أي تهلكوا جميعاً. ويُميل أبو عمرو والكسائي الكافرين في محل النصب والخفص ولا يميلان:

{ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } [البقرة2: 41].


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ } أي يقرب، يقال: كاد يفعل إذا قرب ولم يفعل { يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } يختلسها والخطف استلاب بسرعة { كُلَّمَآ } كل حرف جملة ضم إلى ما الجزاء فصار أداة للتكرار ومعناهما متى ما { أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } أي وقفوا متحيرين فالله تعالىٰ شبههم في كفرهم ونفاقهم بقوم كانوا في مفازة في ليلة مظلمة أصابهم مطر فيه ظلمات من صفتها أن الساري لا يمكنه المشي فيها، ورعد من صفته أن يضم السامعون أصابعهم إلى آذانهم من هوله، وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويعميها من شدة توقده، فهذا مثل ضربه الله للقرآن وصنيع الكافرين والمنافقين معه، فالمطر القرآن لأنه حياة الجَنان كما ان المطر حياة الأبدان، والظلمات ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك، والرعد ما خوفوا به من الوعيد، وذكر النار والبرق ما فيه من الهدى والبيان والوعد وذكر الجنة.

-1-

والكافرون يسدون آذانهم عند قراءة القرآن مخافة ميل القلب إليه لأن الإِيمان عندهم كفر والكفر موت { يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } أي القرآن يبهر قلوبهم. وقيل هذا مثل ضربه الله للإِسلام فالمطر الإِسلام والظلمات ما فيه من البلاء والمحن، والرعد: ما فيه من الوَعيد والمخاوف في الآخرة، والبرق: ما فيه من الوعد والوعيد.

{ يَجْعَلُونَ أَصَـٰبِعَهُمْ فِىۤ ءَاذَانِهِم } يعني أن المنافقين إذا رأوا في الإسلام بلاء وشدة هربوا حذراً من الهلاك { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ } جامعهم يعني لا ينفعهم هربهم لأن الله تعالىٰ من ورائهم يجمعهم فيعذبهم. يكاد البرق يعني دلائل الإسلام تزعجهم إلى النظر لولا ما سبق لهم من الشقاوة.

{ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } يعني أن المنافقين إذا أظهروا كلمة الإيمان آمنوا فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة. وقيل: معناه كلما نالوا غنيمة وراحة في الإِسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } يعني: رأوا شدة وبلاء تأخروا وقاموا أي وقفوا كما قال الله تعالىٰ:

{ ومِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ على حَرْفٍ } [الحج22: 11]

{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } أي بأسماعهم { وَأَبْصَـٰرِهِمْ } الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة، وقيل لذهب بما استفادوا من العز والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر. { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } قادر. قرأ ابن عامر وحمزة شاء وجاء حيث كان بالإِمالة.


-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #14  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق 1-3

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ أو } للتخيير، معناه مثلوهم بهذا أو بهذا، لا على الاقتصار على أحد الأمرين، وقوله: { أو كصيّب } معطوف على { كمثل الذي }. وقال الطبري: { أو } بمعنى الواو.

قال القاضي أبو محمد وهذه عجمة، والصيب المطر من صاب يصوب إذا انحط من علو إلى سفل، ومنه قول علقمة بن عبدة: [الطويل]


كأنهمُ: صابتْ عليهمْ سحابةٌصواعقها لطيرِهِنَّ دبيبُ


وقول الآخر: [الطويل]


فلستِ لإنسيٍّ ولكن لملأكٍتنّزلَ من جوِّ السماءِ يصوبُ


وأصل صيّب صَيْوب اجتمع الواو والياء وسبقت إحدهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت، كما فعل في سَيّد ومَيّت.

وقال بعض الكوفيين: أصل صيّب صَوِيب على مثال فعيل وكان يلزمه أن لا يعل كما لم يعل طويل، فبهذا يضعف هذا القول.

وقوله تعالى: { ظلمات } بالجمع، إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدجن ومن حيث تتراكب وتتزايد جمعت، وكون الدجن مظلماً هول وغم للنفس، بخلاف السحاب والمطر إذا انجلى دجنه، فإنه سارٌّ جميل، ومنه قول قيس بن الخطيم: [المتقارب]


فما رَوْضةٌ من رياضِ القطاكأَنَّ الْمَصَابِيحَ حوذانها
بأحسنَ مِنْها ولا مَزنةٌدلوحٌ تَكشّفُ أدجانُها


واختلف العلماء في الرعد: فقال ابن عباس ومجاهد وشهر بن حوشب وغيرهم: هو ملك يزجر السحاب بهذا الصوت المسموع كلما خالفت سحابة صاح بها، فإذا اشتد غضبه طار النار من فيه، فهي { الصواعق } ، واسم هذا الملك الرعد، وقيل الرعد ملك، وهذا الصوت تسبيحه، وقيل الرعد اسم الصوت المسموع، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا هو المعلوم في لغة العرب، وقد قال لبيد في جاهليته: [المنسرح]


فجعني الرعدُ والصواعقُ بالــفارسِ يومَ الكريهةِ النجدِ


وروي عن ابن عباس أنه قال: " الرعد ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت ". وقيل: " الرعد اصطكاك أجرام السحاب ". وأكثر العلماء على أن الرعد ملك، وذلك صوته يسبح ويزجر السحاب.

واختلفوا في البرق:

فقال علي بن أبي طالب: " هو مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب ".

وقال ابن عباس: " هو سوط نور بيد الملك يزجي به السحاب ".

وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن البرق يتراءى، وقال قوم: " البرق ماء " ، وهذا قول ضعيف.

والصاعقة: قال الخليل: " هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد يكون معها أحياناً نار، يقال إنها من المخراق الذي بيد الملك، وقيل في قطعة النار إنها ماء يخرج من فم الملك عند غضبه ".

وحكى الخليل عن قوم من العرب " الساعقة " بالسين.

وقال النقاش: " يقال صاعقة وصعقة وصاقعة بمعنى واحد ".
-1-

وقرأ الحسن بن أبي الحسن " من الصواقع " بتقديم القاف. قال أبو عمرو: " وهي لغة تميم ".

وقرأ الضحاك بن مزاحم " حذار الموت " بكسر الحاء وبألف. واختلف المتأولون في المقصد بهذا المثل وكيف تترتب أحوال المنافقين الموازنة لما في المثل من الظلمات والرعد والبرق والصواعق.

فقال جمهور المفسرين: " مثل الله تعالى القرآن بالصيب لما فيه من الإشكال عليهم. والعمى: هو الظلمات، وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد، وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أن تبهرهم هو البرق وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعل أصابعهم في آذانهم، وفضح نفاقهم، واشتهار كفرهم، وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوه هي الصواعق ".

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا كله صحيح بين.

وروي عن ابن مسعود أنه قال: " إن رجلين من المنافقين هربا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله وأيقنا بالهلاك، فقالا: ليتنا أصبحنا فنأتي محمداً ونضع أيدينا في يده، فأصبحا وأتياه وحسن إسلامهما، فضرب الله ما نزل بهما مثلاً للمنافقين ".

وقال أيضاً ابن مسعود: " إن المنافقين في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعون القرآن، فضرب الله المثل لهم ".

قال القاضي أبو محمد: وهذا وفاق لقول الجمهور الذي ذكرناه.

وقل قوم: " الرعد والبرق هما بمثابة زجر القرآن، ووعيده ".

و { محيط بالكافرين } معناه بعقابه وأخذه، يقال أحاط السلطان بفلان إذا أخذه حاصراً من كل جهة، ومنه قوله تعالى:

{ وأحيط بثمره } [الكهف18: 42]

ففي الكلام حذف مضاف، ويكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي، فهنا لم يخطف البرق الأبصار، والخطف الانتزاع بسرعة.


واختلفت القراءة في هذه اللفظة فقرأ جمهور الناس: " يَخْطَف أبصارهم " بفتح الياء والطاء وسكون الخاء، على قولهم في الماضي خطف بكسر الطاء وهي أفصح لغات العرب، وهي القرشية.

وقرأ علي بن الحسين ويحيى بن وثاب: " يَخْطِف " بفتح الياء وسكون الخاء وكسر الطاء على قول بعض العرب في الماضي " خَطَف " بفتح الطاء، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى الحسن وأبي رجاء، وذلك وهم.

وقرأ الحسن وأبو رجاء وعاصم الجحدري وقتادة: " يَخِطِّف " بفتح الياء وكسر الخاء والطاء وتشديد الطاء، وهذه أصلها " يختطف " أدغمت التاء في الطاء وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين.

وحكى ابن مجاهد قراءة لم ينسبها إلى أحد " يَخَطِّف " بفتح الياء والخاء وتشديد الطاء المكسورة.

قال أبو الفتح: " أصلها يختطف نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت التاء في الطاء ".

وحكى أبو عمرو الداني عن الحسن أيضاً، أنه قرأ " يَخَطَّف " بفتح الياء والخاء والطاء وشدها.
-2-

وروي أيضاَ عن الحسن والأعمش " يخطِّف " بكسر الثلاثة وشد الطاء منها. وهذه أيضاً أصلها يختطف أدغم وكسرت الخاء للالتقاء وكسرت الياء إتباعاً.

وقال عبد الوارث: " رأيتها في مصحف أبي بن كعب " يَتَخَطَّف " بالتاء بين الياء والخاء ".

وقال الفراء: " قرأ بعض أهل المدينة بفتح الياء وسكون الخاء وشد الطاء مكسورة ".

قال أبو الفتح: " إنما هو اختلاس وإخفاء فيلطف عندهم فيرون أنه إدغام، وذلك لا يجوز ".

قال القاضي أبو محمد: لأنه جمع بين ساكنين دون عذر.

وحكى الفراء قراءة عن بعض الناس بضم الياء وفتح الخاء وشد الطاء مكسورة.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كأنه تشديد مبالغة لا تشديد تعدية.

ومعنى: { يكاد البرق يخطف أبصارهم } تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم، ومن جعل { البرق } في المثل الزجر والوعيد قال يكاد ذلك يصيبهم.

و { كلما } ظرف، والعامل فيه { مشوا } وهو أيضاً جواب { كلما } ، و { أضاء } صلة ما، ومن جعل { أضاء } يتعدى قدر له مفعولاً، ومن جعله بمنزلة ضاء استغنى عن ذلك.

وقرأ ابن أبي عبلة: " أضا لهم " بغير همز، وهي لغة.

وفي مصحف أبي بن كعب: " مروا فيه ".

وفي قراءة ابن مسعود " مضوا فيه ".

وفي الضحاك: " وإذا أُظلِم " بضم الهمزة وكسر اللام، و { قاموا } معناه ثبتوا، لأنهم كانوا قياماً، ومنه قول الأعرابي: " وقد أقام الدهر صعري بعد أن أقمت صعره " يريد أثبت الدهر، ومعنى الآية فيما روي عن ابن عباس وغيره كلما سمع المنافقون القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه، فإذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم.

وروي عن ابن مسعود أن معنى الآية: كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد دين مبارك. وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوه وثبتوا في نفاقهم.

وقال قوم: معنى الآية: كلما خفي عليكم نفاقهم وظهر لكم منهم الإيمان مشوا فيه، فإذا افتضحوا عندكم قاموا، ووحد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع.

وحكى النقاش أن من العلماء من قرأ بأسماعهم.

وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: " ولو شاء الله لأذهب أسماعهم وأبصارهم " وخص الأسماع والأبصار لتقدم ذكرها في الآية. ويشبه هذا المعنى في حال المنافقين أن الله لو شاء لأوقع بهم ما يتخوفونه من الزجر والوعيد أو لفضحهم عند المؤمنين وسلط المؤمنين عليهم، وبكل مذهب من هذين قال قوم.

وقوله تعالى: { على كل شيء } لفظه العموم ومعناه عند المتكلمين على كل شيء يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه و { قدير } بمعنى قادر، وفيه مبالغة، وخص هنا صفته التي هي القدرة بالذكر لأنه قد تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والإخافة، فكان ذكر القدرة مناسباً لذلك.
-3-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #15  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


قوله تعالى: { أو كصَيِّبٍ من السمَاء }. أو، حرف مردود على قوله:

{ مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً } [البقرة2: 17]

واختلف العلماء فيه على ستة أقوال.

أحدها: أنه داخل هاهنا للتخيير، تقول العرب: جالس الفقهاء أو النحويين، ومعناه: انت مخير في مجالسة أي الفريقين شئت، فكأنه خيرنا بين أن نضرب لهم المثل الأول أو الثاني.

والثاني: أنه داخل للابهام فيما قد علم الله تحصيله، فأبهم عليهم مالا يطلبون تفصيله، فكأنه قال: مثلهم كأحد هذين. ومثله قوله تعالى:

{ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَو أَشَدُّ قَسْوَةً } [البقرة2: 74]

والعرب تبهم ما لا فائدة في تفصيله. قال لبيد:

تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهماوهل أنا إِلا من ربيعة أو مضر


أي: هل أنا إلا من أحد هذين الفريقين، وقد فنيا، فسبيلي أن أفنى كما فنيا.

والثالث: أنه بمعنى: بل. وأنشد الفراء:

بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحىوصورتها أو أنت في العين أملح


والرابع: أنه للتفصيل، ومعناه: بعضهم يشبه بالذي استوقد ناراً، وبعضهم بأصحاب الصيّب. ومثله قوله تعالى:

{ كُونُوا هُوداً أَو نَصَارَى } [البقرة2: 135]

معناه: قال بعضهم، وهم اليهود: كونوا هودا، وقال النصارى: كونوا نصارى. وكذا قوله:

{ فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَو هُم قَائِلُونَ } [الأعراف7: 4]

معناه: جاء بعضهم بأسنا بياتاً، وجاء بعضهم بأسنا وقت القائلة.


والخامس: أنه بمعنى الواو. ومثله قوله تعالى:

نال الخلافة أو كانت له قدراًكما أتى ربَّه موسى على قدر


والسادس: أنه للشك في حق المخاطبين، إذ الشك مرتفع عن الحق عز وجل، ومثله قوله تعالى:

{ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [الروم30: 27]

يريد: فالإعادة أهون من الابتداء فيما تظنون.

فأما التفسير لمعنى الكلام: أو كأصحاب صيب، فأضمر الأصحاب، لأن في قوله { يجعلون أصابعهم في آذانهم } ، دليلاً عليه. والصيب: المطر. قال ابن قتيبة: هو فيعل من صاب يصوب: إذا نزل من السماء، وقال الزجاج: كل نازل من علو إلى استفال، فقد صاب يصوب، قال الشاعر:

كأنهمُ صابت عليهم سحابةصواعقها لطيرهن دبيب


وفي الرعد ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه صوت ملك يزجر السحاب، وقد روي هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن عباس ومجاهد. وفي رواية عن مجاهد: أنه صوت ملك يسبح. وقال عكرمة: هو ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي الابل.

والثاني: أنه ريح تختنق بين السماء والأرض. وقد روي عن أبي الجلد أنه قال: الرعد: الريح. واسم أبي الجلد: جيلان بن أبي فروة البصري، وقد روى عنه قتادة.

والثالث: أنه اصطكاك أجرام السحاب، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.

وفي البرق ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه مخاريق يسوق بها الملك السحاب، روي هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول علي بن أبي طالب.
-1-

وفي رواية عن علي قال: هو ضربة بمخراق من حديد. وعن ابن عباس: أنه ضربة بسوط من نور. قال ابن الانباري: المخاريق: ثياب تلف، ويضرب بها الصبيان بعضهم بعضاً، فشبه السوط الذي يضرب به السحاب بذلك المخراق.

قال عمرو بن كلثوم:

كأن سيوفنا فينا وفيهممخاريق بأيدي لاعبينا


وقال مجاهد: البرق: مصع ملك، والمصع: الضرب والتحريك.

والثاني: أن البرق: الماء، قاله أبو الجلد. وحكى ابن فارس أن البرق: تلألؤ الماء.

والثالث: أنه نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب لسيره، وضرب بعضه لبعض، حكاه شيخنا.

والصواعق: جمع صاعقة، وهي صوت شديد من صوت الرعد يقع معه قطعة من نار تحرق ما تصيبه. وروي عن شهر بن حوشب: أن الملك الذي يسوق السحاب، إذا اشتد غضبه، طار من فيه النار، فهي الصواعق. وقال غيره: هي نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب. قال ابن قتيبة: وإنما سميت صاعقة، لأنها إذا أصابت قتلت، يقال: صعقتهم أي: قتلتهم.

قوله تعالى: { والله مُحيط بالكافرين }.

فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه لا يفوته أحد منهم، فهو جامعهم يوم القيامة. ومثله قوله تعالى:

{ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } [الطلاق65: 12]

قاله مجاهد.


والثاني أن الإحاطة: الإهلاك، مثل قوله تعالى:



والثالث: أنه لا يخفى عليه ما يفعلون.

-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #16  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ كَصَيِّبٍ } الصيب: المطر، أو السحاب. { الرَّعْدُ } ملك ينعق بالغيث نعيق الراعي بالغنم، سمى ذلك الصوت باسمه، أو ريح تختنق تحت السماء قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو اصطكاك الأجرام. { الْبَرْقُ } ضرب الملك ـ الذي هو الرعد ـ السحاب بمخراق من حديد قاله علي ـ رضي الله عنه ـ: أو ضربه بسوط من نور قاله ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أو ما ينقدح من اصطكاك الأجرام.

{ الصَّاعِقَةُ } الشديد من صوت الرعد تقع معه قطعة نار. شبه المطر بالقرآن، وظلماته بالابتلاء الذي في القرآن، ورعده بزواجر القرآن، وبرقه ببيان القرآن، وصواعقه بوعيد القرآن في الآجل، ودعائه إلى الجهاد عاجلاً قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو شبه المطر بما يخافونه من وعيد الآخرة، وبرقه بما في إظهارهم الإسلام من حقن دمائهم ومناكحتهم وإرثهم، وصواعقه بزواجر الإسلام بالعقاب عاجلاً وآجلاً، أو شبه المطر بظاهر إيمانهم، وظلمته بضلالهم، وبرقه بنور الإيمان، وصواعقه بهلاك النفاق.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #17  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق 1-7

تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق 1-7

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق } أو، لها خمسة معان: الشك، والإبهام، والتخيير، والإباحة، والتفصيل. وزاد الكوفيون أن تكون بمعنى الواو وبمعنى بل، وكان شيخنا أبو الحسن بن الصائغ يقول: أو لأحد الشيئين أو الأشياء. وقال السهيلي: أو للدلالة على أحد الشيئين من غير تعيين، ولذلك وقعت في الخبر المشكوك فيه من حيث أن الشك تردد بين أمرين من غير ترجيح، لا أنها وضعت للشك، فقد تكون في الخبر، ولا شك إذا أبهمت على المخاطب. وأما التي للتخيير فعلى أصلها لأن المخير إنما يريد أحد الشيئين، وأما التي زعموا أنها للإباحة فلم تؤخذ الإباحة من لفظ أو ولا من معناها، إنما أخذت من صيغة الأمر مع قرائن الأحوال، وإنما دخلت لغلبة العادة في أن المشتغل بالفعل الواحد لا يشتغل بغيره، ولو جمع بين المباحين لم يعص، علماً بأن أو ليست معتمدة هنا. الصيب: المطر، يقال: صاب يصوب فهو صيب إذا نزل والسحاب أيضاً، قال الشاعر:

حتى عفاها صيب ودقهداني النواحي مسبل هاطل


وقال الشماخ:

وأشحـم دان صـادق الرعـد صيب


ووزن صيب فيعل عند البصريين، وهو من الأوزان المختصة بالمعتل العين، إلا ما شذ في الصحيح من قولهم: صيقل بكسر القاف علم لامرأة، وليس وزنه فعيلاً، خلافاً للفراء. وقد نسب هذا المذهب للكوفيين وهي مسألة يتكلم عليها في علم التصريف. وقد تقدم الكلام على تخفيف مثل هذا السماء: كل ما علاك من سقف ونحوه، والسماء المعروفة ذات البروج، وأصلها الواو لأنها من السمو، ثم قد يكون بينها وبين المفرد تاء تأنيث. قالوا: سماوة، وتصح الواو إذ ذاك لأنها بنيت عليها الكلمة، قال العجاج:

طيّ الليالي زلفاً فزلفاًسماوة الهلال حتى احقوقفا


والسماء مؤنث، وقد يذكر، قال الشاعر:

فلو رفع السماء إليه قوماًلحقنا بالسماء مع السحاب


والجنس الذي ميز واحده بتاء، يؤنثه الحجازيون، ويذكره التميميون وأهل نجد، وجمعهم لها على سموات، وعلى اسمية، وعلى سماء. قال: فوق سبع سمائنا شاذ لأنه، أولاً: اسم جنس فقياسه أن لا يجمع، وثانياً: فجمعه بالألف والتاء ليس فيه شرط ما يجمع بهما قياساً، وجمعه على أفعله ليس مما ينقاس في المؤنث، وعلى فعائل لا ينقاس في فعال.

الرعد، قال ابن عباس، ومجاهد، وشهر بن حوشب، وعكرمة: الرعد ملك يزجر السحاب بهذا الصوت، وقال بعضهم: كلما خالفت سحابة صاح بها، والرعد اسمه. وقال علي: وعطاء، وطاوس، والخليل: صوت ملك يزجر السحاب. وروي هذا أيضاً عن ابن عباس، ومجاهد. وقال مجاهد: أيضاً صوت ملك يسبح، وقيل: ريح تختنق بين السماء والأرض. وروي عن ابن عباس: أنه ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت، وقيل: اصطكاك الأجرام السحابية، وهو قول أرباب الهيئة.
-1-

والمعروف في اللغة: أنه اسم الصوت المسموع، وقاله علي، قال بعضهم: أكثر العلماء على أنه ملك، والمسموع صوته يسبح ويزجر السحاب، وقيل: الرعد صوت تحريك أجنحة الملائكة الموكلين بزجر السحاب. وتلخص من هذه النقول قولان: أحدهما: أن الرعد ملك، الثاني: أنه صوت. قالوا: وسمي هذا الصوت رعداً لأنه يرعد سامعه، ومنه رعدت الفرائص، أي حركت وهزت كما تهزه الرعدة. واتسع فيه فقيل: أرعد، أي هدد وأوعد لأنه ينشأ عن الإيعاد. والتهدد: ارتعاد الموعد والمهدد.

البرق: مخراف حديد بيد الملك يسوق به السحاب، قاله علي، أو أثر ضرب بذلك المخراف. وروي عن علي: أو سوط نور بيد الملك يزجرها به، قاله ابن عباس، أو ضرب ذلك السوط، قاله ابن الأنباري وعزاه إلى ابن عباس. وروي نحوه عن مجاهد: أو ملك يتراءى. وروي عن ابن عباس أو الماء، قاله قوم منهم أبو الجلد جيلان بن فروة البصري، أو تلألؤ الماء، حكاه ابن فارس، أو نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب، قاله بعضهم. والذي يفهم من اللغة: أن الرعد عبارة عن هذا الصوت المزعج المسموع من جهة السماء، وأن البرق هو الجرم اللطيف النوراني الذي يشاهد ولا يثبت.

{ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين } جعل: يكون بمعنى خلق أو بمعنى ألقى فيتعدى لواحد، وبمعنى صير أو سمى فيتعدى لاثنين، وللشروع في الفعل فتكون من أفعال المقاربة، تدخل على المبتدأ والخبر بالشروط المذكورة في بابها. الأصبع: مدلولها مفهوم، وهي مؤنثة، وذكروا فيها تسع لغات وهي: الفتح للهمزة، وضمها، وكسرها مع كل من ذلك للباء. وحكوا عاشرة وهي: أصبوع، بضمها، وبعد الباء واو. وجميع أسماء الأصابع مؤنثة إلا الإبهام، فإن بعض بني أسد يقولون: هذا إبهام، والتأنيث أجود، وعليه العرب غير من ذكر. الأذن: مدلولها مفهوم، وهي مؤنثة، كذلك تلحقها التاء في التصغير قالوا: أذينة، ولا تلحق في العدد، قالوا: ثلاث آذان، قال أبو ثروان في أحجية له:

ما ذو ثلاث آذانيسبق الخيل بالرديان


يريد السهم وآذانه وقدده. الصاعقة: الوقعة الشديدة من صوت الرعد معها قطعة من نار تسقط مع صوت الرعد، قالوا: تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه، وهي نار لطيفة حديدة لا تمر بشيء إلا أتت عليه، وهي مع حدتها سريعة الخمود، ويهلك الله بها من يشاء. قال لبيد يرثي أخاه أربد، وكان ممن أحرقته الصاعقة:

فجعني البرق والصواعق بالـفارس يوم الكريهـة النجـد


ويشبه بالمقتول بها من مات سريعاً، قال علقمة بن عبدة:

كأنهم صابت عليهم سحابةصواعقها لطيرهن دبيب


وروى الخليل عن قوم من العرب: الساعقة بالسين، وقال النقاش: صاعقة وصعقة وصاقعة بمعنى واحد.
-2-

قال أبو عمرو: الصاقعة لغة بني تميم، قال الشاعر:

ألم تر أن المجرمين أصابهمصواقع لا بل هن فوق الصواقع


وقال أبو النجم:

يحلون بالمقصورة القواطعتشقق البروق بالصواقع


فإذا كان ذلك لغة، وقد حكوا تصريف الكلمة عليه، لم يكن من باب المقلوب خلافاً لمن ذهب إلى ذلك، ونقل القلب عن جمهور أهل اللغة. ويقال: صعقته وأصعقته الصاعقة، إذا أهلكته، فصعق: أي هلك. والصاعقة أيضاً العذاب على أي حال كان، قاله ابن عرفة، والصاعقة والصاقعة: إما أن تكون صفة لصوت الرعد أو للرعد، فتكون التاء للمبالغة نحو: راوية وإما أن تكون مصدراً، كما قالوا في الكاذبة. الحذر، والفزع، والفرق، والجزع، والخوف: نظائر الموت، عرض يعقب الحياة. وقيل: فساد بنية الحيوان، وقيل: زوال الحياة. الإحاطة: حصر الشيء بالمنع له من كل جهة، والثلاثي منه متعد، قالوا: حاطه، يحوطه، حوطاً.

أو كصيب: معطوف على قوله: { كمثل الذي استوقد } ، وحذف مضافان، إذ التقدير: أو: كمثل ذوي صيب، نحو قوله تعالى:

{ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } [الأحزاب33: 19]

أي كدوران عين الذي يغشى عليه. وأو هنا للتفصيل، وكان من نظر في حالهم منهم من يشبهه بحال المستوقد، ومنهم من يشبهه بحال ذوي صيب، ولا ضرورة تدعو إلى كون أو للتخيير. وأن المعنى أيهما شئت مثلهم به، وإن كان الزجاج وغيره ذهب إليه، ولا إلى أن أو للإباحة، ولا إلى أنها بمعنى الواو، كما ذهب إليه الكوفيون هنا. ولا إلى كون أو للشك بالنسبة للمخاطبين، إذ يستحيل وقوعه من الله تعالى، ولا إلى كونها بمعنى بل، ولا إلى كونها للإبهام، لأن التخيير والإباحة إنما يكونان في الأمر أو ما في معناه. وهذه الجملة خبرية صرف. ولأن أو بمعنى الواو، أو بمعنى بل، لم يثبت عند البصريين، وما استدل به مثبت ذلك مؤوّل، ولأن الشك بالنسبة إلى المخاطبين، أو الإبهام بالنسبة إليهم لا معنى له هنا، وإنما المعنى الظاهر فيها كونها للتفصيل. وهذا التمثيل الثاني أتى كاشفاً لحالهم بعد كشف الأول. وإنما قصد بذلك التفصيل والإسهاب بحال المنافق، وشبهه في التمثيل الأول بمستوقد النار، وإظهاره الإيمان بالإضاءة، وانقطاع جدواه بذهاب النور. وشبه في الثاني دين الإسلام بالصيب وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق، وما يصيبهم من الإفزاع والفتن من جهة المسلمين بالصواعق، وكلا التمثيلين من التمثيلات المفرقة، كما شرحناه.


والأحسن أن يكون من التمثيلات المركبة دون المفرقة، فلا تتكلف مقابلة شيء بشيء، وقد تقدم الإشارة إلى ذلك عند الكلام على التمثيل الأول، فوصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل، وبحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق، وإنما قدر كمثل ذوي صيب لعود الضمير في يجعلون.
-3-

والتمثيل الثاني أبلغ لأنه أدلّ على فرط الحيرة وشدة الأمر، ولذلك أخر فصار ارتقاء من الأهون إلى الأغلظ. وقد رام بعض المفسرين ترتب أحوال المنافقين وموازنتها في المثل من الصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق، فقال: مثل الله القرآن بالصيب لما فيه من الإشكال، وعما هم بالظلمات والوعيد والزجر بالرعد والنور والحجج الباهرة التي تكاد أحياناً أن تبهرهم بالبرق وتخوفهم بجعل أصابعهم، وفضح نفاقهم وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوها بالصواعق، وهذا قول من ذهب إلى أنه من التمثيل المفرق الذي يقابل منه شيء شيئاً من الممثل، وستأتي بقية الأقوال في ذلك، إن شاء الله تعالى. وقرىء: أو كصايب، وهو اسم فاعل من صاب يصوب وصيب، أبلغ من صايب، والكاف في موضع رفع لأنها معطوفة على ما موضعه رفع. والجملة من قوله: { ذهب الله بنورهم } إذا قلنا ليست جواب لما جملة اعتراض فصل بها بين المعطوف والمعطوف عليه، وكذلك أيضاً { صم بكم عمي } إذا قلنا إن ذلك من أوصاف المنافقين. فعلى هذين القولين تكون الجملتان جملتي اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه، وقد منع ذلك أبو علي، وردّ عليه بقول الشاعر:

لعمرك والخطوب مغيراتوفي طول المعاشرة التقالي
لقد باليت مظعن أمّ أوفىولكن أمّ أوفى لا تبالي


ففصل بين القسم وجوابه بجملتي الاعتراض. من السماء متعلق بصيب فهو في موضع نصب ومن فيه لابتداء الغاية، ويحتمل أن تكون في موضع الصفة فتعلق بمحذوف، وتكون من إذ ذاك للتبعيض، ويكون على حذف مضاف التقدير، أو كمطر صيب من أمطار السماء، وأتى بالسماء معرفة إشارة إلى أن هذا الصيب نازل من آفاق السماء، فهو مطبق عام. قال الزمخشري: وفيه أن السحاب من السماء ينحدر، ومنها يأخذ ماءه، لا كزعم من زعم أنه يأخذه من البحر، ويؤيده قوله تعالى:

{ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [النور24: 43]

انتهى كلامه. وليس في الآيتين ما يدل على أنه لا يكون منشأ المطر من البحر، إنما تدل الآيتان على أن المطر ينزل من السماء، ولا يظهر تناف بين أن يكون المطر ينزل من السماء، وأن منشأه من البحر. والعرب تسمي السحاب بنات بحر، يعني أنها تنشأ من البحار، قال طرفة:

لا تلمني إنها من نسوةرقد الصيف مقاليت نزر
كبنات البحر يمأدن كماأنبت الصيف عساليج الخضر


وقد أبدلوا الباء ميماً فقالوا: بنات المحر، كما قالوا: رأيته من كثب ومن كثم. وظلمات: مرتفع بالجار والمجرور على الفاعلية، لأنه قد اعتمد إذا وقع صفة، ويجوز أن تكون فيه في موضع الحال من النكرة المخصصة بقوله: { من السماء } ، إما تخصيص العمل، وإما تخصيص الصفة على ما قدمناه من الوجهين في إعراب من السماء، وأجازوا أن يكون ظلمات مرفوعاً بالابتداء، وفيه في موضع الخبر.
-4-

والجملة في موضع الصفة، ولا حاجة إلى هذا لأنه إذا دار الأمر بين أن تكون الصفة من قبيل المفرد، وبين أن تكون من قبيل الجمل، كان الأولى جعلها من قبيل المفرد وجمع الظلمات، لأنه حصلت أنواع من الظلمة. فإن كان الصيب هو المطر، فظلماته ظلمة تكاثفه وانتساجه وتتابع قطره، وظلمة: ظلال غمامه مع ظلمة الليل. وإن كان الصيب هو السحاب، فظلمة سجمته وظلمة تطبيقه مع ظلمة الليل. والضمير في فيه عائد على الصيب، فإذا فسر بالمطر، فمكان ذلك السحاب، لكنه لما كان الرعد والبرق ملتبسين بالمطر جعلا فيه على طريق التجوّز، ولم يجمع الرعد والبرق، وإن كان قد جمعت في لسان العرب، لأن المراد بذلك المصدر كأنه قيل: وإرعاد وإبراق، وإن أريد العينان فلأنهما لما كانا مصدرين في الأصل، إذ يقال: رعدت السماء رعداً وبرقت برقاً، روعي حكم أصلهما وإن كان المعنى على الجمع، كما قالوا: رجل خصم، ونكرت ظلمات ورعد وبرق، لأن المقصود ليس العموم، إنما المقصود اشتمال الصيب على ظلمات ورعد وبرق.

والضمير في يجعلون عائد على المضاف المحذوف للعلم به، لأنه إذا حذف، فتارة يلتفت إليه حتى كأنه ملفوظ به فتعود الضمائر عليه كحاله مذكوراً، وتارة يطرح فيعود الضمير الذي قام مقامه. فمن الأول هذه الآية وقوله تعالى:

{ أَو كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ } [النور24: 40]،

التقدير، أو كذي ظلمات، ولذلك عاد الضمير المنصوب عليه في قوله: يغشاه. ومما اجتمع فيه الالتفات والاطراح قوله تعالى:

{ وَكَم مِن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَو هُم قَائِلُونَ } [الأعراف7: 4]

المعنى من أهل قرية فقال: فجاءها، فأطرح المحذوف وقال: أو هم، فالتفت إلى المحذوف. والجملة من قوله: يجعلون لا موضع لها من الإعراب، لأنها جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد؟ فقيل: يجعلون، وقيل: الجملة لها موضع من الإعراب وهو الجر لأنها في موضع الصفة لذوي المحذوف، كأنه قيل: جاعلين، وأجاز بعضهم أن تكون في موضع نصب على الحال من الضمير الذي هو الهاء في فيه. والراجع على ذي الحال محذوف ثابت الألف واللام عنه التقدير من صواعقه.


وأراد بالأصابع بعضها، لأن الأصبع كلها لا تجعل في الأذن، إنما تجعل فيها الأنملة، لكن هذا من الاتساع، وهو إطلاق كل على بعض، ولأن هؤلاء لفرط ما يهولهم من إزعاج الصواعق كأنهم لا يكتفون بالأنملة، بل لو أمكنهم السد بالأصبع كلها لفعلوا، وعدل عن الإسم الخاص لما يوضع في الأذن إلى الاسم العام، وهو الأصبع، لما في ترك لفظ السبابة من حسن أدب القرآن، وكون الكنايات فيه تكون بأحسن لفظ، لذلك ما عدل عن لفظ السبابة إلى المسبحة والمهللة وغيرها من الألفاظ المستحسنة، ولم تأت بلفظ المسبحة ونحوها لأنها ألفاظ مستحدثة، لم يتعارفها الناس في ذلك العهد، وإنما أحدثت بعداً.
-5-

وقرأ الحسن: من الصواقع، وقد تقدم أنها لغة تميم، وأخبرنا أنها ليست من المقلوب، والجعل هنا بمعنى الإلقاء والوضع كأنه قال: يضعون أصابعهم، ومن تتعلق بقوله يجعلون، وهي سببية، أي من أجل الصواعق وحذر الموت مفعول من أجله، وشروط المفعول من أجله موجودة فيه، إذ هو مصدر متحد بالعامل فاعلاً وزماناً، هكذا أعربوه، وفيه نظر لأن قوله: من الصواعق هو في المعنى مفعول من أجله، ولو كان معطوفاً لجاز، كقول الله تعالى:

{ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } [البقرة2: 265]

وتثبيتاً من أنفسهم، وقول الراجز:

يركب كل عاقر جمهورمخافة وزعل المحبور
والهـول مـن تهـول الهبـور


وقالوا أيضاً: يجوز أن يكون مصدراً، أي يحذرون حذر الموت، وهو مضاف للمفعول. وقرأ قتادة، والضحاك بن مزاحم، وابن أبي ليلى: حذار الموت، وهو مصدر حاذر، قالوا وانتصابه على أنه مفعول له.

الإحاطة هنا: كناية عن كونه تعالى لا يفوتونه، كما لا يفوت المحاط المحيط به، فقيل:بالعلم وقيل: بالقدرة، وقيل: بالإهلاك. وهذه الجملة اعتراضية لأنها دخلت بين هاتين الجملتين اللتين هما: يجعلون أصابعهم،

{ يَكَادُ الْبَرْقُ } [البقرة2: 20]

وهما من قصة واحدة. وقد تقدم لنا أن هذا التمثيل من التمثيلات المركبة، وهو الذي تشبه فيه إحدى الجملتين بالأخرى في أمر من الأمور، وإن لم يكن آحاد إحدى الجملتين شبيهة بآحاد الجملة الأخرى، فيكون المقصود تشبيه حيرة المنافقين في الدين والدنيا بحيرة من انطفأت نارة بعد إيقادها، وبحيرة من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق. وهذا الذي سبق أنه المختار. وقالوا: أيضاً: يكون من التشبيه المفرق، وهو أن يكون المثل مركباً من أمور، والممثل يكون مركباً أيضاً، وكل واحد من المثل مشبه لكل واحد من الممثل.


وقد تقدم قولان من جعل هذا المثل من التمثيل المفرق. والثالث: أن الصيب مثل للإسلام والظلمات، مثل لما في قلوبهم من النفاق والرعد والبرق، مثلان لما يخوفون به. والرابع: البرق مثل للإسلام والظلمات، مثل للفتنة والبلاء. والخامس: الصيب: الغيث الذي فيه الحياة مثل للإسلام والظلمات، مثل لإسلام المنافقين وما فيه من إبطان الكفر، والرعد مثل لما في الإسلام من حقن الدماء والاختلاط بالمسلمين في المناكحة والموازنة، والبرق وما فيه من الصواعق مثل لما في الإسلام من الزجر بالعقاب في العاجل والآجل، ويروى معنى هذا عن الحسن. والسادس: أن الصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق كانت حقيقة أصابت بعض اليهود، فضرب الله مثلاً بقصتهم لبقيتهم، وروي في ذلك حديث عن ابن مسعود، وابن عباس.
-6-

السابع: أنه مثل ضربه الله للخير والشر الذي أصاب المنافقين، فكأنهم كانوا إذا كثرت أموالهم وولدهم الغلمان، أو أصابوا غنيمة أو فتحاً قالوا: دين محمد صدق، فاستقاموا عليه، وإذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا: هذا من أجل دين محمد، فارتدوا كفاراً. الثامن: أنه مثل الدنيا وما فيها من الشدة والرخاء والنعمة والبلاء بالصيب الذي يجمع نفعاً بإحيائه الأرض وإنباته النبات وإحياء كل دابة والانتفاع به للتطهير وغيره من المنافع، وضراً بما يحصل به من الإغراق والإشراق، وما تقدمه من الظلمات والصواعق بالإرعاد والإبراق، وأن المنافق يدفع آجلاً بطلب عاجل النفع، فيبيع آخرته وما أعد الله له فيها من النعيم بالدنيا التي صفوها كدر ومآله بعد إلى سقر. التاسع: أنه مثل للقيامة لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم وما فيه من البرق، بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم، ومثل ما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل. العاشر: ضرب الصيب مثل لما أظهر المنافقون من الإيمان والظلمات بضلالهم وكفرهم الذي أبطنوه، وما فيه من البرق بما علاهم من خير الإسلام وعلتهم من بركته، واهتدائهم به إلى منافعهم الدنيوية، وأمنهم على أنفسهم وأموالهم وما فيه من الصواعق، بما اقتضاه نفاقهم وما هم صائرون إليه من الهلاك الدنيوي والأخروي.

وقد ذكروا أيضاً أقوالاً كلها ترجع إلى التمثيل التركيبي: الأول: شبه حال المنافقين بالذين اجتمعت لهم ظلمة السحاب مع هذه الأمور، فكان ذلك أشد لحيرتهم، إذ لا يرون طريقاً، ولا من أضاء له البرق ثم ذهب كانت الظلمة عنده أشد منها لو لم يكن فيها برق. الثاني: أن المطر، وإن كان نافعاً إلا أنه لما ظهر في هذه الصورة صار النفع به زائلاً، كذلك إظهار الإيمان نافع للمنافق لو وافقه الباطن، وأما مع عدم الموافقة فهو ضر. الثالث: أنه مثل حال المنافقين في ظنهم أن ما أظهروه نافعهم وليس بنافعهم بمن نزلت به هذه الأمور مع الصواعق، فإنه يظن أن المخلص له منها جعل أصابعه في أذانه وهو لا ينجيه ذلك مما يريد الله به من موت أو غيره. الرابع: أنه مثل لتأخر المنافق عن الجهاد فراراً من الموت بمن أراد دفع هذه الأمور بجعل أصابعهم في آذانهم. الخامس: أنه مثل لعدم إخلاص المنافق من عذاب الله بالجاعلين أصابعهم في آذانهم، فإنهم وإن تخلصوا من الموت في تلك الساعة، فإن الموت من ورائهم.
-7-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #18  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


قال الله تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ... }

قالوا: أو هنا (تحتمل معانيها) الخمسة.

قال ابن عرفة: وجعلها للتفصيل أصوب من جعلها للشك فإن الشكّ من حيث ذاته يحتمل ثلاثة معان وإن كان ذلك احتمالا ضعيفا.

تقول: زيد قائم أو قاعد تشك: هل هو قائم أم لا؟ ثم تشك هل هو قاعد أم لا؟ ويحتمل أن يكون غير ذلك ولا ينحصر الأمر إلا في دخولها بين نقيضين مثل زيد متحرك أو ساكن، ويبعد كونها للتخيير أو الإباحة لأنهما أكثر ما يكونان في الطلب، وهذا خبر، ويبعد الجمع بينهما هنا باعتبار الزمان لأن الناظر أولا ينظر/ إلى مستوقد النار فيشبههم به ثم ينظر إلى المطر النازل في الظلمات فيشبههم به، وهو على حذف مضاف..

فإن جعلنا الذي اسْتَوْقَدَ النَّار جمعا (في التقدير) قلنا: أو كأهل صيّب، وإن جعلناه واحدا بالنوع قدرنا المضاف أو كذي صيّب.

وأورد الزمخشري سؤالا قال: ما الفائدة في قوله: (من) السماء؟ وكأنه إخبار بالمعلوم (كقولك): الماء فوقنا والأرض تحتنا ولذلك منع سيبويه الابتداء بالنكرة كقولك: رجل قائم، إذ لا فائدة فيه. وأجاب بجواب لا ينهض.

قال شيخنا الإمام ابن عرفة: وعادتهم يجيبون بأن فائدة التنبيه على كثرة ما فيه من الهول لأن حصول الألم والتأثير بشيء ينزل من موضع مرتفع بعيد الارتفاع أشد من حصوله مما ينزل من موضع دونه فى الارتفاع، فأخبر الله تعالى أن هذا المطر ينزل من السماء البعيدة، فيكون تأثيره وتأثير رعده، وبرقه وصواعقه أشد.

قال الله تعالى: { فِيهِ ظُلُمَاتٌ... }

(يحتمل أن يكون من باب القلب لأن المطر ينزل في الظلمات لأن الظلمات فيه) يحتمل أن يكون الظلمات في المطر حقيقة والأول أظهر و(كذا) تقدم لنا في قوله تعالى:

{ إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } (يس36: 8)

وتقدم لنا أنه من باب القلب (فإن أعناقهم) هي التي في الأغلال لا العكس، وتقدم الجواب عنه بأنه (حقيقة) على أنّ الأغلال ضيقة جدا (فتحصر) أعناقهم وتدخل فيها حتى تصير الأغلال مضروبة في أعناقهم.


قوله تعالى: { فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ... }

هذا الترتيب باعتبار الأعم الأغلب في الوجود لوجود الظلام في كل دورة لأن كل يوم معه ليلة، وذكر الرعد بعده لأنه أكثر وجود من البرق لأن البرق لا بد معه من الرعد، والرعد قد يكون معه برق وقد لا يكون، أو لأن الرعد في (الظّلمة) أشد على النفوس من الرّعد في (الظّلمة) أشد على النفوس من الرّعد في الضوء، (والآية خرجت) مخرج التخويف فابتدأ (فيها) بما هو أشد (في) التخويف.

قوله تعالى: { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ... }

ولم يقل: أنامل أصابعهم والمجعول إنما هي الأنامل إشارة إلى شدة جعلها وقوة الشدّ لها، حتى كأنّهم يجعلون الإصبع كلّها.
-1-

وقال ابن عرفة: وجمع الأصابع إشارة إلى شدة تحيرهم وخوفهم وأنّهم لم يتأمّلوا ويهتدوا حتى يجعلوا إصبعا واحدة ((وهي السبابة فهم تارة يجعلون هذا وتارة هذا حتى (يجعلوا) الجميع)).

قوله تعالى: { مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ... }

أي حذرا من أن يقرع ذلك الصوت أسماعهم فيموتون.

قال ابن عرفة: واختلفوا في وجه التشبيه (فهو عندي كما قرره) بعضهم راجع لتشبيه محسوس أي: أن المنافقين في خوفهم وفي حيرتهم مشبهون بمن يدركه هذا الصيب والرعد والبرق.

قوله تعالى: { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ }

(هذه) تسلية للنّبي صلى الله عليه وسلّم. والمراد بالكافرين إمّا المنافقين أي لا تهتم بأمرهم فالله يكفيكهم فإنه محيط بهم إحاطة هلاك في الدنيا (وعذاب) في الآخرة، أو المراد عموم الكافرين هؤلاء منهم، وهذا كالاحتراس لأنه لما أخبر عنهم أنّهم في غاية الخوف والحذر من المؤمنين شبّههم بمن (يسدّ أذنيه خشية) الموت، والخائف في (مظنة) (السلامة لأنه يكون على حذر من عدوه وتحرز منه ويرتكب أسباب النجاة فأخبر الله تعالى أنّهم ليسوا من هذا القبيل

بل لا نجاة لهم مما هم خائفون منه فالله محيط بهم إحاطة إهلاك وانتقام.
-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #19  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق 1-12

تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق 1-12


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


اعلم أنّ هذا مثل ثانٍ للمنافقين، وكيفية المشابهة من وجوه:

أحدها: أنه إذا حصل السحاب والرعد والبرق، واجتمع مع ظلمة السّحاب ظلمة الليل، وظلمة المَطَرِ عند ورود الصواعق عليهم يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصَّوَاعق حَذَرَ الموت، وأن البرق يكاد يخطف أبصارهم، فإذا أضاء لهم مَشَوْا فيه، وإذا ذهب بَقَوا في ظلمة عظيمة، فوقفوا متحيّرين؛ لأنّ من أصابه البرق في هذه الظلمات الثلاث ثم ذَهَبَ عنه تشتدّ حيرته، وتعظم الظُّلمة في عينيه أكثر من الذي لم يزل في الظلمة، فشبّه المنافقين في حيرتهم وجهلهم بالدِّين بهؤلاء الذين وصفهم، إذا كانوا لا يرون طريقاً، ولا يهتدون.

وثانيها: أن المَطَرَ وإن كان نافعاً إلاّ أنه لما وجد في هذه الصُّورة مع هذه الأحوال الضَّارة صار النفع به زائلاً، فكذا إظهار الإيمان نافعٌ للمنافقين لو وافقه الباطن، فإذا فقد منه الإخلاص، وحصل معه النفاق كان ضرراً في الدِّينِ.

وثالثها: أن من هذا حاله، فقد بلغ النهاية في الحَيْرَةِ لاجتماع أنواع الظلمات، وحصول أنواع المَخَافَةِ، فحصلت في المنافقين نهاية الحَيْرَةِ في الدين، ونهاية الخوف في الدنيا؛ لأنّ المنافق يتصور في كل وقت أنه لو حصل الوقوف على باطنه لقتل، فلا يزال الخَوْفُ في قلبه مع النفاق.

ورابعها: المراد من الصَّيِّب هو الإيمان والقرآن، والظلمات والرعد والبرق هي الأشياء الشَّاقة على المنافقين من التكاليف كالصَّلاة والصوم وترك الرِّيَاسات، والجهاد مع الآباء والأمّهات، وترك الأديان القديمة، والانقياد لمحمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - مع شدّة استنكافهم عن الانقياد، فكأنّ الإنسان يبالغ في الاحتراز عن المَطَرِ الصَّيِّب الذي [هو] أشَدُّ الأشياء نفعاً بسبب هذه الأُمُور المُقَارنة، كذلك هؤلاء. والمراد من قوله: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } أنّه متى حصل لهم شيء من المَنَافع، وهي عصمة أموالهم ودمائهم، وحصول الغنائم، فإنهم يرغبون في الدِّين.

قوله: { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } أي متى لم يجدوا شيئاً من تلك المنافع، فحينئذ يكرهون الإيمان، ولا يرغبون فيه.

فصل في " أو "

في " أو " خمسة أقوال:

أظهرها: أنها للتفصيل بمعنى: أنَّ الناظرين في حال هؤلاء منهم من يشبههم بحال المُسْتَوْقد، ومنهم من يشبههم بأَصْحَاب صَيِّبٍ هذه صفته.

قال ابن الخطيب: " والثاني أبلغ؛ لأنه أدلُّ على فرط الحيرة ".

والثاني: أنها للإبهام، أي: أن الله أَبْهَمَ على عباده تشبيههم بهؤلاء أو بهؤلاء.

والثالث: أنها للشَّك، بمعنى: أنَّ الناظر يشكُّ في تشبيههم.

الرابع: أنها للإباحة.

الخامس: أنها للتخيير، قالوا: لأن أصلها تساوي شيئين فصاعداً في الشك، ثم اتسع فيها، فاستعيرت للتساوي في غير الشك كقولك: " جالس الحسن أو ابن سيرين " يريد أنهما سيّان، وأن يجالس أيهما شاء، ومنه قوله تعالى:

-1-

{ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } [الإنسان76: 24]،

أي: الإثم والكفر متساويان في وجوب عصيانهما، وزاد الكوفيون فيها معنيين آخرين:

أحدهما: كونها بمعنى " الواو "؛ وأنشدوا: [البسط]

239- نَال الخِلاَفَةَ أوْ كَانَتْ لَهُ قَدَراًكَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ


وقال تعالى:

{ تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ } [النور24: 61]

وقال: [الطويل]

240- وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّيَ فَاجِرٌلِنَفْسِي تُقَاهَا أوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا


قال ابن الخطيب: وهذه الوجوه مطردة في قوله:

{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [البقرة2: 74].

المعنى الثاني: كونها بمعنى: " بل "؛ قال تعالى:

{ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات37: 147]

وأنشدوا: [الطويل]

241- بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَقِ الضُّحَىوَصُورَتِهَا أوْ أَنْتِ في العَيْنِ أمْلَحُ


أي: بل أنت.

و " كصيب " معطوف على " كَمَثَلِ " ، فهو في محل رفع، ولا بد من حذف مضافين؛ ليصح المعنى، التقدير يراد: " أو كمثل ذوي صيّب " ولذلك رجع عليه ضمير الجمع في قوله: { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيۤ ءَاذَانِهِم } ، لأن المعنى على تشبيههم بأصحاب الصَّيِّب لا بالصيب نفسه.

و " الصَّيب " المَطَرُ سمي بذلك لنزوله، يقال: صاب يصوب إذا نزل؛ ومنه: صوَّب رأسه: إذا خفضه؛ قال [الطويل]

242- فَلَسْتُ لإنْسِيٍّ ولَكِنْ لِمَلأَكٍتَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ


وقال آخر: [الطويل]

243- فَلاَ تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمَّرٍسَقَتْكِ رَوَايَا المُزْنِ حَيْثُ تَصُوبُ


وقيل: إنه من صَابَ يَصُوب: إذا قصد، ولا يقال: صَيّب إلا للمطر الجَوَاد، كان - عليه الصلاة والسلام - يقول: " اللهم اجعله صَيِّباً هَنِيئاً " أي: مطراً جواداً، ويقال أيضاً للسحاب: صَيّب؛ قال الشماخ: [الطويل]

244-..................................وَأَسْحَمَ دَانٍ صَادِقِ الرَّعْدِ صَيِّبِ


وتنكير " صيب " يدلّ على نوع زائد من المطر شديد هائلٍ كما نكرت " النَّار " في التمثيل الأول.

وقرىء " كصائب " ، والصَّيب أبلغ.

واختلف في وزن " صَيِّب ".

فقد ذهب البصرون أنه " فَيْعِل " ، والأصل: صَيْوِب أدغم كـ " مَيّت " و " هَيّن " ، والأصل: مَيوت وهَيْوِن.

وقال بعض الكوفيين: وزنه " فَعِيل " والأصل: صَوِيب بزنة طويل.

قال النحاس: وهذا خطأ؛ لأنه كان ينبغي أن يصح ولا يُعَلّ كطويل، وكذا أبو البقاء.

وقيل وزنه: " فَعْيِل " فقلب وأُدغم.

واعلم أنه إذا قيل بأن الجملة من قوله:

{ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } [البقرة2: 17] استئنافية، ومن قوله:
{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [البقرة2: 18]

إنها من وصف المنافقين كانتا جملتي اعتراض بين المتعاطفين، أعني قوله: " كَمَثَل " و " كَصَيِّبٍ " وهي مسألة خلاف منعها الفارسي ورد عليه بقول الشاعر: [الوافر]

245- لَعَمْرِكَ والخُطُوبُ مُغَيِّرَاتٌوَفِي طُولِ المُعَاشَرَةِ التَّقَالِي
لَقَدْ بَالَيْتُ مَظْعَنَ أُمِّ أَوْفَىوَلَكِنْ أُمُّ أَوْفَى لا تُبَالِي


-2-

ففصل بين القسم، وهو " لعمرك " وبين جوابه، وهو " لَقَدْ بَالَيْتُ " بجملتين إحداهما: " والخطوب مغيرات ".

والثانية: " وفي طول المُعَاشرة التَّقالي ".

و " من السماء " يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يتعلّق بـ " صيب "؛ لأنه يعمل عمل الفعل، والتقدير: كمطر يَصُوب من السماء، و " مِنْ " لابتداء الغاية.

والثَّاني: أن يكون في محلّ جر صفة لـ " صيب " ، فيتعلّق بمحذوف، وتكون " من " للتبغيض، ولا بُدّ حينئذ من حذف مضاف تقديره: كصيّب كائن من أمطار السَّماءِ.

والسماء: هذه المطلّة، وهي في الأصل كل ما عَلاكَ من سَقْفٍ ونحوه، مشتقة من السُّمو، وهو الإرتفاع، والأصل: سَمَاو، وإنما قُلبت الواو همزة لوقوعها طرفاً بعد ألف زائدة وهو بدل مُطّرد، نحو: " كساء ورداء " ، بخلاف " سقاية وشقاوة " لعدم تطرف حرف العلّة، ولذلك لما دخلت عليها تاء التأنيث صحَّت؛ نحو: " سماوة ".

قال الشاعر: [الرجز]

246- طَيِّ اللَّيَالِي زُلَفاً فَزُلَفَاسَمَاوَةَ الهِلاَلِ حَتَّى احْقَوْقَفَا


والسماء مؤنث قال تعالى:

{ إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } [الانفطار: 1] وقد تذكَّر؛ قال تعالى:
{ السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } [المزمل73: 18]؛

وأنشد: [الوافر].

247- وَلَوْ رَفَعَ السَّمَاءَ إلَيْهِ قَوْماًلَحِقْنَا بَالسَّمَاءِ مَعَ السَّحَابِ


فأعاد الضَّمير من قوله: " إلَيْهِ " على " السَّمَاء " مذكَّراً، ويجمع على " سَمَاوَاتٍ، وأَسْمِيَة، وَسُمِيّ " ، والأصل " فعول " ، إلا أنه أعلّ إعلال " عِصِيّ " بقلب الواوين ياءين، وهو قلب مطّرد في الجمع، ويقلّ في المفرد نحو: عتا - عُتِيًّا، كما شذ التصحيح في الجمع قالوا: " إنكم لتنظرون في نُحُوٍّ كثيرة " ، وجمع أيضاً على " سماء " ، ولكن مفرده " سَمَاوة " ، فيكون من باب تَمْرَةٍ وتَمْرٍ، ويدلّ على ذلك قوله: [الطويل]

248-...............................فَوْقَ سَبْعِ سَمَائِيَا


ووجه الدّلالة أنه مُيِّز به " سَبْع " ولا تُمَيَّزُ هي وأخواتها إلاّ بجمع مجرور.

وفي قوله: " من السَّمَاءِ " ردّ على من قال: إن المطر إنما يحصل من ارتفاع أبخرة رطبة من الأَرْض إلى الهواء، فتنعقد هناك من شدّة برد الهواء، ثم ينزل مرة أخرى، فذاك هو المطر؛ فأبطل الله هذا المذهب بأن بَيّن أن الصَّيب نزل من السَّمَاء، وقال:

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } [الفرقان25: 48].
وقال:
{ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [النور24: 43].


قوله: { فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } [البقرة: 19] يحتمل أربعة أوجه:

أحدها: أن يكون صفة لـ " صَيّب ".

الثاني: أن يكون حالاً منه، وإن كان نكرة لتخصصه، إما بالعمل في الجار بعده، أو بصفة بالجار بعده.

الثالث: أن يكون حالاً من الضمير المُسْتَكِنّ في " من السماء " إذا قيل: إنه صفة لـ " صَيّب " ، فيتعلّق في التقادير الثلاثة بمحذوف، إلاّ أنه على القول الأوّل في محلّ جر لكونه صفة لمجرور، وعلى القولين الأخيرين في مَحَلّ نَصْب على الحال.

-3-

و " ظلمات " على جميع هذه الأقوال فاعل به؛ لأنَّ الجار والمجرور والظرف متى اعتمدا على موصوف، أو ذي حالٍ، أو ذي خبر، أو على نَفْي، أو استفهام عملا عمل الفعل، والأخفش يُعْمِلُهُمَا مطلقاً كالوصف، وسيأتي تحرير ذلك.

الرابع: أن يكون خبراً مقدماً، و " ظلمات " مبتدأ، والجملة تحتمل وجهين:

الأول: الجر على أنها صفة لـ " صيب ".

والثاني: النَّصْب على الحال، وصاحب الحال يحتمل أن يكون " كصيب " ، وإن كان نكرة لتخصيصه بما تقدّمه، وأن يكون الضَّمير المستكن في " من السَّماء " إذا جعل وصفاً لـ " صيّب " ، والضمير في " فيه " ضمير " الصيب " ، واعلم أن جعل الجار صفة أو حالاً، ورفع " ظلمات " على الفاعلية به أَرْجَحُ من جعل { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } جملة برأسها في محلّ صفة أو حال؛ لأنّ الجار أقرب إلى المفرد من الجملة، وأصل الصفة والحال أن يكونا مفردين.

و " رَعْدٌ وبَرْقٌ ": معطوفان على " ظلمات " بالاعتبارين المتقدّمين، وهما في الأصْل مصدران تقول: رَعَدَتِ السماء تَرْعَدُ رَعْداً، وبَرَقَتْ بَرْقاً.

قال أبو البقاء: وهما على ذلك مُوَحَّدَتَانِ هنا يعني على المصدرية ويجوز أن يكونا بمعنى الرَّاعد والبارق، نحو: رجل عَدْل.

والظاهر أنهما في الآية ليس المُرَاد بهما المصدر، بل جعلا اسماً [للهز واللمعان].

والبرق: اللَّمَعَان، وهو مقصود الآية، ولا حاجة حينئذ إلى جعلهما بمعنى اسم فَاعِلٍ.

وقال علي وابن عباس -رضي الله عنهما - وأكثر المفسرين: الرعد: اسم ملك يسوق السَّحاب، والبرق: لَمَعَانُ سَوْطٍ] من نور يزجر به الملك السحاب.

وقيل: الرعد صوت انضغاط السّحاب.

وقيل: تسبيح الملك.

وقيل: الرعد نطق الملك، والبرق ضحكه.

وقال مجاهد: الرعد اسم الملك؛ ويقال لصوته أيضاً: رعد، والبرق اسم ملك يسوق السحاب.

وقال شهر بن حَوْشَبٍ: الرعد ملك يُزْجِي السحاب، فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النَّار فهي الصواعق.

وقيل: الرعد صوت انحراق الريح بين السحاب. فإن قيل: لم جمع " الظّلمات " ، وأفرد " الرعد والبرق "؟

فالجواب: أن في " ظلمات " اجتمع أنواع من الظُّلمة، وهي ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة تَكَاثف المطر، وأما الرعد والبرق فكلّ واحد منهما نوح واحد.

ونكرت؛ لأن المراد أنواع منها، كأنه قيل: فيه ظلمات داجيةٌ، ورعد قاصف، وبرق خاطف.

{ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ } ، وهذه الجملة الظاهر أنها لا محلّ لها لاستئنافها كأنه قيل: ما حالهم؟ فقيل: يجعلون.

وقيل: بل لها محلّ، ثم اختلف فيه فقيل: جرّ؛ لأنها صفة للمجرور، أي: أصحاب صيب جاعلين، والضمير محذوف.

-4-

أو نابت الألف واللام منابه، تقديره: يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق منه أو من صواعقه.

وقيل: محلُّها نصب على الحال من الضمير في " فيه ".

والكلام في العائد كما تقدّم، والجَعْل - هنا - بمعنى الإلقاء، ويكون بمعنى الخَلْق، فيتعدّى لواحد، ويكون بمعنى " صَيَّرَ " أو " سمى " ، فيتعدى لاثنين، ويكون للشروع، فيعمل عمل " عسى ".

و " أَصَابِعَهُمْ " جمع إصبع، وفيها عشر لُغَات: بتثليث الهمزة مع تثليت البَاءِ، والعاشرة " أصبوع " بضم الهمزة.

والواو في " يَجْعَلُون " تعود لِلْمُضَاف المحذوف، كما تقدم إيضاحه.

واعلم أنه إذا حذف المضاف جاز فيه اعتباران:

أحدهما: أن يلتفت إليه.

والثاني: ألا يلتفت إليه، وقد جمع الأمران في قوله تعالى:

{ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [الأعراف7: 4]،

والتقدير: وكم من أهل قرية فلم يراعه في قوله:

{ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا } [الأعراف7: 4]، ورعاه في قوله تعالى:
{ أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [الأعراف7: 4]

وذكر الأصابع، وإن كان المجعول إنما هو رؤوس الأصابع تسمية للبعض باسم الكُلّ كما في قوله تعالى:

{ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } [المائدة5: 38]،

و { فِيۤ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ } كلاهما متعلّق بالجعل، و " من " معناها التعليل.


و " الصَّوَاعق ": جمع صاعقة، وهي الضَّجّة الشديدة من صوت الرعد تكون معها القطعة من النار.

ويقال: " ساعقة " بالسِّين، و " صاعقة " ، و " صاقعة " بتقديم القاف؛ وأنشد: [الطويل]

249- أَلَمْ تَرَ أَنَّ المُجْرِمِينَ أصَابَهُمْصَوَاقِعُ لاَ بَلْ هُنَّ فَوْق الصَّواقِعِ


ومثله قول الآخر: [الرجز]

250- يَحْكُونَ بِالمَصْقُولَةِ القَوَاطِعِتَشَقُّقَ اليَدَيْنِ بِالصَّوَاقِعِ


وهي قراءة الحسن.

قال النَّحَّاس: وهي لغة " تميم " ، وبعض " بني ربيعة " ، فيحتمل أن تكون " صاقعة " مقلوبة من " صَاعِقة " ويحتمل ألاّ تكون، وهو الأظهر لثبوتها لغةً مستقلةً كما تقدم.

ويقال: " صقعة " أيضاً، وقد قرأ بها الكسَائي في " الذاريات ".

يقال: صُعِقَ زيد، وأصعقه غيره قال: [الطويل]

251- تَرَى النُّعَرَاتِ الزُّرْقَ تَحْتَ لَبَانِهِأُحَادَ وَمَثْنَى أصعَقَتْهَا صَوَاهِلُهْ


وقيل: " الصّاعقة " [قصف رعد ينقض منها شعلة] من نارٍ لطيفة قوية لا تمرُّ بشيء إلاّ أتت عليه إلاّ أنها مع قوتها سريعة الخمود.

وقيل: الصاعقة: قطعة عذاب ينزلها الله على من يَشَاءُ، " وروي عن سالم بن عبد الله ابن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرَّعْدِ والصواعق قال: اللَّهُمّ لا تقتلنا بغضبك ولا تُهْلكنا بِعَذَابِكَ وَعَافِنَا قبل ذَلِكَ ".

قوله: { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } أي: مَخَافَةَ الهلاك، وفيه وجهان:

أظهرهما: أنه مفعول من أجله ناصبه " يجعلون " ، ولا يضر تعدّد المفعول من أجله؛ لأن الفعل يعلّل يعلل.

-5-

الثاني: أنه منصوب على المصدر وعامله محذوف تقديره يحذرون حذراً مثل حَذَرِ الموت. و " الحَذَرُ " و " الحِذَار " مصدران لـ " حذر " أي: خاف خوفاً شديداً.

واعلم أن المفعول من أجله بالنسبة إلى نصبه وجره بالحرف على ثلاثة أقسام:

قسم يكثر نصبه، وهو ما كان غير معرف بـ " أل " ولا مضاف نحو: " جئت إكراماً لك ".

وقسم عكسه، وهو ما كان معرَّفاً بـ " أل "؛ ومن مجيئه منصوباً قول الشاعر: [الرجز]

252- لا أَقْعُدُ الجُبْنَ عَنِ الهَيْجَاءِوَلَوْ تَوَالَتْ زُمَرُ الأَعْدَاءِ


وقسم يستوي فيه الأمران، وهو المضاف كالآية الكريمة، ويكون معرفةً ونكرةً، وقد جمع حاتم الطائي الأمرين في قوله: [الطويل]

253- وَأَغْفِرُ عَوْرَاءَ الكَرِيمِ ادِّخَارَهُوَأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّمَا


و " حَذَرَ المَوْتِ " مصدر مضاف إلى المفعول، وفاعله محذوف، وهو أحد المواضع التي يجوز فيها حذف الفاعل وحده.

والثاني: فعل ما لم يسم فاعله.

والثالث: فاعل " أفعل " في التعجُّب على الصحيح، وما عدا هذه لا يجوز فيه حذف الفاعل وحده خلافاً للكوفيين.

والموت: ضد الحياة؛ يقال: مَاتَ يَمُوتُ ويَمَاتُ؛ قال الشاعر: [الرجز]

254- بُنَيَّتي سَيِّدَةَ البَنَاتِعِيشِي وَلاَ يُؤْمَنُ أَنْ تَمَاتِي


وعلى هذه اللّغة قريء " مِتْنا " و " مِتُّ " - بكسر الميم - كـ " خِفْنَا " و " خِفْتُ " ، فوزن " مَاتَ " على اللغة الأولى " فَعَلَ " بفتح العين، وعلى الثانية " فَعِلَ " بكسرها، و " المُوَات ": بالضمِّ المَوْت أيضاً، وبالفتح: ما لا روح فيه، والمَوَتَان بالتحريك ضد الحيوان؛ ومنه قولهم: " اشْتَرِ المَوَتَانَ، ولا تَشْتَرِ الحَيَوَانَ " ، أي: اشتر الأَرَضِينَ، ولا تَشْتَرِ الرَّقِيق، فإنه في مَعْرِضِ الهَلاَك؛ و " المُوتَان " بضمّ " الميم ": وقوع الموت في الماشية، ومُوِّتَ فلانٌ بالتشديد للمبالغة؛ قال: [الوافر]

255- فَعُرْوَةُ مَاتَ مَوْتاً مُسْتَرِيحاًفَهَا أَنَا ذَا أُمَوَّتُ كُلَّ يَوْمِ


و " المُسْتَمِيت ": الأمر المُسْتَرْسِل؛ قال رؤْبَة: [الرجز]

256- وَزَبَدُ البَحْرِ لَهُ كَتِيتُوَاللَّيْلُ فَوْقَ المَاءِ مُسْتَمِيتُ


قوله: { وَٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ } [البقرة: 19].

وهو مجاز أي: لا يفوتونه. فقيل: عالم بهم، كما قال:

{ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [الطلاق65: 12].


وقيل: جامعهم وقدرته مُسْتولية عليهم؛ كما قال:

{ وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } [البروج85: 20].


وقال مجاهد: " يجمعهم فيعذبهم ".

وقيل: يهلكهم، قال تعالى:

{ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [يوسف12: 66]

أي: تَهْلِكُوا جميعاً.


وقيل: " ثَمَّ " مضافٌ محذوفٌ، أي: عقابه محيطٌ بهم.

وقال أبو عَمْرو، والكسَائِيُّ: " الكَافِرِينَ " [بالإمالة] ولا يميلان

{ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } [البقرة2: 41]،

وهذه الجملة مبتدأ وخبر.


وأصل " مُحِيط ": " مُحْوِط "؛ لأنه من حَاطَ يَحُوط فأُعِلّ كإِعْلاَلِ " نَسْتَعِين ".

-6-
والإحاطةُ: حصر الشيء من جميع جهاته، وهذه الجملة قال الزمخشريُّ: " هي اعتراض لا مَحَلّ لها من الإعراب " كأنه يعني بذلك أن جملة قوله: { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ } ، وجملة قوله: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ } شيءٌ واحد؛ لأنهما من قصّة واحدة؛ فوقع ما بينهما اعتراضاً.

" يَكَادُ " مضارع " كَادَ " ، وهي لِمُقَارَبَةِ الفعل، تعمل عمل " كان " إلاَّ أن خبرها لا يكون إلاَّ مُضَارعاً، وشذَّ مجيئُهُ اسماً صريحاً؛ قال: [الطويل]

257- فَأُبْتُ إلَى فَهْمٍ وَمَا كِدْتُ آيباًوَكَمْ مِثْلِهَا فَارَقْتُهَا وَهْيَ تَصْفِرُ


والأكثر في خبرها تجرّده من " أن " ، عكس " عسى " ، وقد شذّ اقترانه بها؛ قال رُؤْبَة: [الرجز]

258- قَدْ كَادَ مِنْ طُولِ البِلَى أَنْ يَمْحَصَا


لأنها لمقاربة الفعل، و " أَنْ " تخلص للاستقبال، فتنافيا.

واعلم أن خبرها - إذا كانت هي مثبتة - منفيٌّ في المعنَى، لأنها للمقاربة.

فإذا قلت: " كَادَ زَيْدٌ يفْعَلُ " كان معناه: قارب الفعل إلاّ أنه لم يفعل، فإذا نُفِيَتِ، انتفى خبرها بطريق الأولَى؛ لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل انتفى هو من باب أولى؛ ولهذا كان قوله تعالى:

{ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } [النور24: 40]

أبلغ من أن لو قيل: لَمْ يَرَهَا، لأنه لم يقارب الرُّؤْيَة، فكيف له بها؟


وزعم جماعة منهم ابن جِنِّي، وأبو البَقَاءِ، وابن عطية أن نفيها إثبات، وإثباتها نفي؛ حتى ألغز بعضُهُمْ فيها؛ فقال: [الطويل]

259- أَنحويَّ هَذَا العَصْرِ مَا هِيَ لفظةٌجَرَتْ في لِسانَيْ جُرْهمٍ وَثَمُودِ
إِذَا نُفِيتْ - والله أَعْلَمُ - أُثْبِتَتْوَإِنْ أُثْبِتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُودِ


وحكوا عن ذي الرُّمَّة أنه لما أنشد قولَهُ: [الطويل]

260- إذا غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْرَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ


عيب عليه؛ لأنه قال: " لم يكد يَبْرَحُ " ، فيكون قد بَرِحَ، فغيَّره إلى قوله: " لَمْ يَزَلْ " أو ما هو بمعناه.

والذي غرَّ هؤلاء قوله تعالى:

{ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } [البقرة2: 71]

قالوا: " فهي هنا منفية " وخبرها مثبت في المعنى؛ لأن الذبح وقع لقوله: " فَذَبَحُوهَا " ، والجواب عن هذه الآية من وجهين:


أحدهما: أنه يحمل على اختلاف وقتين، أي: ذبحوها في وقت، وما كادوا يفعلون في وقت آخر.

والثاني: أنه عبّر بنفي مُقَاربة الفعل عن شدَّة تعنُّتهم، وعسرهم في الفعل.

وأما ما حكَوْهُ عن ذي الرُّمَّة، فقد غلَّط الجمهورُ ذا الرمَّة في رجوعِهِ عن قوله الأوَّل، وقالوا: " هو أبلغُ وأحْسَنُ مما [غيَّره إليه] ".

واعلم أن خبر " كاد " وأخواتها - غير " عَسَى " - لا يكون فاعله إلاّ ضميراً عائداً على اسمها؛ لأنها للمقاربة أو للشُّرُوع، بخلاف " عسى " ، فإنها للترجِّي؛ تقول: " عَسَى زَيْدٌ أَنْ يَقُومُ أَبُوهُ " ، ولا يجوز ذلك في غيرها، فأما قوله: [الطويل]
-7-

261- وَقَفْتُ عَلَى رَبْعٍ لِميَّةَ نَاقَتِيفَمَا زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وَأُخَاطِبُهْ
وَأَسْقِيهِ حَتَّى كَادَ مِمَّا أَبُثُّهُتُكَلِّمُني أَحْجَارُهُ وَمَلاَعِبُهْ


فأتى بالفاعل ظاهراً، فقد حمله بعضهم على الشُّذُوذ، ينبغي أن يقال: إنما جاز ذلك؛ لأن الأحجار والملاعب هي عبارة عن الرَّبْعِ، فهي هو، فكأنه قيل: حتَّى كادَ يكلِّمُني؛ ولكنه عبّر [عنه] بمجموع أجزائه.

وأما قول الآخَرِ: [البسيط]

262- وَقَدْ جَعَلْتُ إِذَا ما قُمْتُ يُثْقِلُنيثَوْبِي فَأَنْهَضُ نَهْضَ الشَّارِبِ السَّكِرِ
وكُنْتُ أَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلاًفَصِرْتُ أَمْشي عَلَى أُخْرَى مِنَ الشَّجَرِ


فأتى [بفاعل] [خبر] جعل ظاهراً، فقد أجيب عنه بوجهين:

أحدهما: أنه على حذْف مضاف، تقديره: وقد جعل ثوبي إذا ما قمت يثقلني.

والثاني: أنه من باب إقامة السَّبب مقام المُسَبَّبِ، فإن نهوضه كذا متسبَّب عن إثقال ثوبه إيَّاه، والمعنى: وقد جعلت أنهض نَهْضَ الشارب الثَّمل لإثقال ثوبي إيَّاي.

ووزن " كَادَ كَوِدَ " بكسر العين، وهي من ذوات الواو؛ كـ " خَافَ " يَخَافُ، وفيها لغةٌ أخرَى: فتح عينها، فعلى هذه اللُّغة تضم فاؤها إذا أسندت إلى تاء المتكلّم وأخواتها، فتقول: " كُدْتُ، وكُدْنَا "؛ مثل: قُلْتُ، وقُلْنَا، وقد تنقل كسر عينها إلى فائها مع الإسناد إلى ظاهر، كقوله: [الطويل]

263- وَكِيدَ ضِبَاعُ القُفِّ يَأْكُلْنَ جُثَّتيوَكِيدَ خِرَاشٌ عِنْدَ ذَلِكَ يَيْتَمُ


ولا يجوز زيادتها خلافاً [للأخفش]، وسيأتي إن شاء الله هذا كله في " كاد " الناقصة.

أمّا " كاد " التامة بمعنى " مَكَرَ " فوزنها فَعَل بفتح العَيْن من ذوات " الياء "؛ بدليل قوله:


و " البرق " اسمها، و " يخطف " خبرها ويقال: خَطِفَ يَخْطَفُ [بكسر عين الماضي، وفتح المضارع، وخطَفَ يَخْطِفُ] عكس اللغة الأولى وفيه تراكيب كثيرة، والمشهور منها الأولى.

الثانية: يخطِف بكسر الطاء، قرأها مجاهد.

الثالثة: عن الحسن بفتح " الياء والخاء والطاء " ، مع تشديد " الطاء " ، والأصل: " يَخْتَطِفُ " ، فأبدلت " تاء " الافتعال " طاء " للإدغام.

الرابعة: كذلك، إلاّ أنه بكسر الطاء على [أنه] أصل التقاء السَّاكنين.

الخامسة: كذلك، إلا أنه بكسر " الخاء " إتباعاً لكسرة الطاء.

السَّادسة: كذلك إلا أنه بكسر الياء أيضاً إتباعاً للخاء.

السابعة: " يختطف " على الأصْل.

الثامنة: يَخْطِّف بفتح الياء، وسكون الخاء، وتشديد الطاء [وهي رديئة لتأديتها إلى التقاء ساكنين.

التاسعة: بضمّ الياء، وفتح الخاء، وتشديد الطاء] مكسورة، والتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية.

العاشرة: " يَتَخَطَّفُ " عن أُبَيّ من قوله:

{ وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [العنكبوت29: 67].


و " الخَطْف ": أخذ شيء بسرعة، وهذه الجملة - أعني قوله: " يَكَادُ البرق يخطف " لا محلّ لها، لأنه استئناف كأنه قيل: كيف يكون حالهم مع ذلك البرق؟ فقيل: يكاد يخطف، ويحتمل أن تكون في محلّ جر صفة لـ " ذوي " المحذوفة: التقدير: كذوي صيِّب كائدٍ البرق يخطف.
-8-

قوله: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ }.

" كُلَّ " نصب على الظرف؛ لأنها أضيفت إلى " ما " الظرفية، والعامل فيها جوابها، وهو " مشوا ".

وقيل: " ما " نكرة موصوفة ومعناها الوقت أيضاً، والعائد محذوف تقديره: كل وقت أضاء لهم فيه، فـ " أضاء " على الأول لا مَحَلّ له؛ لكونه صلةً، ومحلّه الجر على الثاني.

و " أضاء " يجوز أن يكون لازماً.

وقال المُبَرِّدُ: " هو متعدّ، ومفعوله محذوف أي: أضاء لهم البَرْقُ الطريق " فـ " الهاء " في " فيه " تعود على البَرْقِ في قول الجمهور، وعلى الطَّريق المحذوف في قول المُبَرّد.

و " فيه " متعلّق بـ " مشوا " ، و " في " على بابها أي: إنه محيط بهم.

وقيل: بمعنى الباء، ولا بد من حذفٍ على القولين: أي: مشوا في ضوئه: أي بضوئه، ولا محل لجملة قوله: " مشوا "؛ لأنها مستأنفة، كأنه جواب لمن يقول: كيف يمضون في حالتي ظهور البرق وخفائه؟

والمقصود تمثيل شدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصَّيِّب، وما هم فيه من غاية التحيُّر والجهل بما يأتون، وما يذرون.

واعلم أن " كلّ " من ألفاظ العموم، وهو اسم جامع لازم للإضافة، وقد يحذف ما يُضَاف إليه، وهل تنوينه حينئذ تنوين عوض، أو تنوين صرفٍ؟ قولان:

والمضاف إليه " كل " إن كان معرفة وحذف، بقيت على تعريفها، فلهذا انتصب عنها الحال، ولا يدخلها الألف واللام، وإن وقع ذلك في عبارة بعضهم، وربما انتصب حالاً، وأصلها أن تستعمل توكيداً كـ " أجمع " ، والأحسن استعمالها مبتدأ، وليس كونها مفعولاً بها مقصوراً على السماع، ولا مختصّاً بالشعر، خلافاً لزاعم ذلك.

وإذا أضيفت إلى نكرة أو معرفة بلام الجنس حسن أن تلي العواملة اللفظية، وإذا أضيفت إلى نكرة تعين اعتبار تلك النكرة فيما لها من ضمير وغيره، تقول: " كل رجال أَتَوْكَ، فأكرمهم " ، ولا يجوز أن تراعي لفظ " كل " فتقول: " كلُّ رجالٍ أتاكَ، فأكْرِمه " ، و " كلُّ رجلٍ أتاكَ، فأكْرِمه " ولا تقول " كلُّ رجلٍ أتَوْك، فأكْرِمْهم "؛ اعتباراً بالمعنى، فأما قوله: [الكامل]

264- جَادَتْ عَلَيْه كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍفَتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقَةٍ كَالدِّرْهَمِ


فراعى المعنى، فهو شاذّ لا يقاس عليه.

وإذا أضيفت إلى معرفة فوجهان، سواء كانت بالإضافة لفظاً؛ نحو:


أو معنى نحو:
{ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } [العنكبوت29: 40]

-9-

فراعى لفظها، وقال:

{ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [النمل27: 87]

فراعى المعنى.


وقول بعضهم: " إن " كلما " تفيد التكرار " ليس ذلك من وضعها، وإنما استفيد من العموم التي دلّت عليه.

فإنك إذا قلت: " كلما جئتني أكرمتك " كان المعنى أكرمك في كل فرد [فرد] من جيئاتك إلَيّ.

وقرأ ابن أبي عبلة " ضَاءَ " ثلاثياً، وهي تدل على أن الرباعي لازم.

وقرىء: " وَإِذَا أُظْلِمَ " مبنياً للمفعول، وجعله الزمخشري دالاًّ على أن " أظلم " متعدٍّ، واستأنس أيضاً بقول حَبيبٍ: [الطويل]

265- هُمَا أَظْلَمَا حالَيَّ ثُمَّتَ أَجْلَيَاظَلاَمَيْهِمَا عَنْ وَجْهِ أَمْرَدَ أَشْيَبِ


ولا دليل في الآيَةِ؛ لاحتمالِ أنَّ أصله، " وإذَا أَظْلَمَ اللَّيْلُ عليهم " ، فلما بني للمفعول حذف الليل، وقام " عَلَيْهِم " مقامه، وأما بينت حبيب فمولّد.

وإنما صدرت الجملة الأولى بـ " كلّما " والثانية بـ " إذا " ، قال الزمخشري: " لأنهم حراصٌ على وجود ما هَمّهم به، معقود من إمكان المشي وتأتِّيه، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها، وليس كذلك التوقُّفُ والتَّحبُّسُ " وهذا هو الظاهر، إلاَّ أن من النحويين من زعم أن " إذا " تفيد التكرار أيضاً؛ وأنشد: [البسيط]

266- إِذَا وَجَدْتُ أُوَارَ الحُبِّ في كَبِدِيأَقْبَلْتُ نَحْوَ سِقَاءِ القَوْمِ أَبْتَرِدُ


قال: " معناه معنى " كلما " ".

قوله: " قَامُوا " أي وقفوا أو ثبتوا في مكانهم، ومنه: " قامت السوق ".

قوله: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ }.

" لو " حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، هذه عبارة سيبويه وهي أولى من عبارة غيره، وهي حرف امتناع لامتناع لصحة العبارة الأولى في نحو قوله تعالى:


وفي قوله عليه السلام: " نِعْمَ العَبْدُ صُهَيْب، لو لم يَخفِ الله لم يَعْصِهِ " وعدم صحّة الثانية في ذلك كما سيأتي محرراً، ولفساد قولهم: " لو كان إنساناً لكان حيواناً "؛ إذْ لا يلزمُ من امتناع الإنْسَانِ امتناعُ الحيوان، ولا يجزم بها خلافاً لقَوْم، فأما قوله: [الرمل]

267- لو يَشَأْ طَارَ بِهِ ذُو مَيْعَةٍلاَحِقُ الآطَالِ نَهْدٌ ذُو خُصَلْ


وقولُ الآخر: [البسيط]

268- تَامَتْ فُؤَادَكَ لَوْ يَحْزُنْكَ مَا صَنَعَتْإِحْدىَ نِسَاءِ بَنِي ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا


فمن تسكين المتحرك ضرورةً. وأكثر ما تكون شرطاً في الماضي، وقد تأتي بمعنى " إِنْ "؛ كقوله تعالى:

{ وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ } [النساء4: 9]

وقوله: [الطويل]

269- وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْعَلَيّ وَدُوني جَنْدَلٌ وَصَفَائِحُ
[لَسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشَاشَةِ أَوْ زَقَاإِلَيهَا صَدًى مِنْ جَانِبِ القَبْرِ صَائِحُ]


ولا تكون مصدريةً على الصحيح، وقد تُشَرَّب معنى التمني، فتنصب المضارع بعد " الفاء " جواباً لها؛ نحو:

{ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ } [الشعراء26: 102]

وسيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.


قال ابن الخطيب: المشهور أن " لو " تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، ومنهم من أنكر ذلك، وزعم أنها لا تفيد إلا الرَّبط، واحتج عليه بالآية والخبر:

أما الآية فقوله تعالى:
-10-

{ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ } [الأنفال8: 23]،

فلو أفادت كلمة " لو " انتفاء الشَّيء لانتفاء غيره لزم التَّنَاقض؛ لأن قوله:

{ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } [الأنفال8: 23]،

يقتضي أنه ما علم فيهم خيراً وما أسمعهم، وقوله:

{ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ } [الأنفال8: 23]،

يفيد أنه ما أسمعهم، ولا تولوا؛ لكن عدم التولي خير، فيلزم أن يكون قد علم فيهم خيراً، وما علم فيهم خيراً. وأما الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام: " نعم الرَّجُلُ صُهَيْبٌ لو لم يَخَفِ اللهَ لم يَعْصِهِ " فعلى مقتضى قولهم: يلزم أنه خاف الله وعصاه، وذلك مناقض، فعلمنا أن كلمة " لو " إنما تفيد الربط.


و " شاء " أصله: " شيء " على " فعِل " بكسر العين، وإنما قلبت " الياء " " ألفاً " للقاعدة الممهدة ومفعوله محذوف تقديره: ولو شاء الله إذهاباً؛ وكثر حذف مفعوله ومفعول " أراد " ، حتى لا يكاد ينطق به إلا في الشيء المستغرب؛ كقوله تعالى:

270- وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِي دَماً لَبَكَيْتُهُعَلَيْهِ وَلَكِنْ سَاحَةُ الصَّبْرِ أَوْسَعُ


واللام في " لذهب " جواب " لو ".

واعلم أن جوابها يكثر دخول " اللام " عليه مثبتاً، وقد تحذف؛ قال تعالى:

ويقلّ دخولها عليه منفياً بـ " مَا " ، ويمتنع دخولها عليه منفيًّا بغير " مَا "؛ نحو: " لو قمت لَمْ أَقُمْ "؛ لتوالي لامين فيثقل، وقد يحذف؛ كقوله: [الكامل]

271- لا يُلْفِكَ الرَّاجُوكَ إِلاَّ مُظْهِراًخُلُقَ الكِرَامِ وَلَوْ تكُونُ عَدِيمَا


و " بسمعهم " متعلّق بـ " ذهب ".

وقرىء: " لأَذْهَبَ " فتكون " الياء " زائدة أو تكون فَعَل وأَفْعَل بمعنى، ونحوه

{ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون23: 20]


والمراد من السمع: الأسماع، أي: لذهب بأسماعهم وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة.

وقيل: لذهب بما استفادوا من العِزِّ والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر.

وقرأ ابن عامر وحمزة " شاء " و " جاء " حيث كان بالإمالة.

قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

هذه جملة مؤكّدة لمعنى ما قبلها، و " كُلّ شيء " متعلّق بـ " قدير " وهو " فعيل " بمعنى " فاعل " ، مشتق من القُدْرة، وهي القوة والاستطاعة، وفعلها " قَدَرَ " بفتح العين، وله ثلاثة عشر مصدراً: " قدْرَة " بتثليث القاف، و " مَقْدرَة " بتثليث الدال، و " قَدْراً " ، و " قَدَراً " ، و " قُدَراً " ، و " قَدَاراً " ، و " قُدْرَاناً " ، و " مَقْدِراً " و " مَقْدَراً " و " قدير " أبلغ من " قادر " ، قاله الزَّجاج.
-11-

وقيل: هما بمعنى واحد؛ قاله الهَرَوِيّ.

والشيء: ما صحّ أن يعلم من وَجْه ويخبر عنه، وهو في الأصل مصدر " شاء يشاء " ، وهل يطلق على المعدوم والمستحيل؟ خلاف مشهور.

فَصْلٌ في بيان هل المعدوم شيء؟

استدلّ بعضهم بهذه الآية على أن المعدوم شيء، قال: " لأنه - تعالى - أثبت القدرة على الشيء، والموجود لا قدرة عليه؛ لاستحالة إيجاد الموجود، فالذي عليه القُدْرة معدوم وهو شيء، فالمعدوم شيء ".

والجواب: لو صَحّ هذا الكلام لزم أنَّ ما لا يقدر عليه ألا يكون شيئاً، فالموجود إذا لم يقدر الله عليه وجب ألا يكون شيئاً.

فصل في بيان وصف الله تعالى بالشيء

قال ابن الخطيب: احتج جَهْمٌ بهذه الآية على أنه - تعالى - ليس بشيء لأنه - تعالى - ليس بمقدور له، فوجب إلاَّ يكون شيئاً، واحتج أيضاً بقوله تعالى:


قال: " لو كان الله - تعالى - شيئاً، لكان - تعالى - مثل نفسه، فكان قوله:

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى42: 11]

كذب، فوجب ألا يكون شيئاً؛ حتى لا تتناقض هذه الآية ".


قال ابن الخطيب: وهذا الخلاف في الاسم؛ لأنه لا واسطة بين الموجود والمعدوم، قال: واحتج أصحابنا بقوله تعالى:
وبقوله:
{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص28: 88]


والمستثنى داخل في المستثنى منه، فوجب أن يكون شيئاً.

فصل في أن مقدور العبد مقدور لله تعالى

قال ابن الخطيب: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن مقدور العبد مقدور لله تعالى، خلافاً لأبي هَاشِم وأبي عَلِيّ.

وجه الاستدلال: أن مقدور العَبْدِ شيء، وكلّ شيء مقدور لله - تعالى - بهذه الآية، فيلزم أن يكون مقدور العبد مقدوراً لله تعالى.

فصل في جواز تخصيص العام

تخصيص العام جائز في الجملة، وأيضاً تخصيص العام بدليل العقل، فإن قيل: إذا كان اللَّفظ موضوعاً للكل، ثم تبين أن الكل غير مراد كان كذباً، وذلك يوجب الطَّعن في كلّ القرآن.

والجواب: أن لفظ " الكُلّ " كما أنه يستعمل في المجموع، فقد يستعمل مجازاً في الأكثر، وإذا كان ذلك مجازاً مشهوراً في اللَّغة لم يكن استعمال اللفظ فيه كذباً، والله أعلم.

-12-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #20  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق 1-3

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ أَوْ كَصَيّبٍ } تمثيلٌ لحالهم إثرَ تمثيل، ليعُم البـيانُ منها كل دقيق وجليل، ويوفيَ حقها من التفظيع والتهويل، فإن تفنُّنهم في فنون الكفر والضلال وتنقّلَهم فيها من حال إلى حال حقيقٌ بأن يُضربَ في شأنه الأمثال، ويُرخىٰ في حلبته أعِنّةُ المقال، ويُمدَّ لشرحه أطنابُ الإطناب، ويُعقَدَ لأجله فصولٌ وأبواب، لما أن كل كلام له حظ من البلاغة، وقسط من الجزالة والبراعة، لا بد أن يُوفَّى فيه حقُّ كلَ من مقامي الإطناب والإيجاز، فما ظنُّك بما في ذُروة الإعجاز من التنزيل الجليل، ولقد نُعيَ عليهم في هذا التمثيل تفاصيلُ جناياتهم، وهو عطف على الأول على حذف المضاف لما سيأتي من الضمائر المستدعية لذلك، أي كمثل ذوي صيِّب، وكلمة أو للإيذان بتساوي القصتين في الاستقلال بوجه الشبه وبصحة التمثيل بكل واحدة منهما وبهما معاً، والصيب فيعل من الصَوْب وهو النزول الذي له وقع وتأثير، يطلق على المطر وعلى السحاب، قال الشماخ: [الطويل]

عفا آيَةُ نسجُ الجنوب مع الصَّباوأسحمُ دانٍ صادقُ الوعد صيِّبُ


ولعل الأول هو المراد ههنا لاستلزامه الثاني، وتنكيره لما أنه أريد به نوع منه شديدٌ هائل كالنار في التمثيل الأول، وأُمِدَّ به ما فيه من المبالغات من جهة مادته الأولى التي هي الصادُ المستعليةُ والياء المشددة والباء الشديدة، ومادتِه الثانية أعني الصَّوْب المنبىء عن شدة الانسكاب، ومن جهة بنائه الدال على الثبات، وقرىء أو كصائب { مّنَ ٱلسَّمَاء } متعلق بصيِّب، أو بمحذوفٍ وقع صفة له، والمرادُ بالسماء هذه المِظلة، وهي في الأصل كلُّ ما علاك من سقف ونحوه، وعن الحسن أنها موجٌ مكفوف، أي ممنوع بقدرة الله عز وجل من السيلان، وتعريفها للإيذان بأن انبعاث الصيِّب ليس من أفق واحد، فإن كل أفق من آفاقها أي كلَّ ما يحيط به كلُّ أفقٍ منها سماءٌ على حِدَة، قال: [الطويل]

[فأوٍّ لِذِكراها إذا ذَكَرتُها]ومن بعدِ أرضٍ بـيننا وسماءِ


كما أن كل طبقة من طباقها سماءٍ، قال تعالى:

{ وَأَوْحَىٰ فِى كُلّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا } [فصلت،41 الآية 12]

والمعنى أنه صيّب عام نازل من غمام مطبِقٍ آخذٍ بالآفاق، وقيل المراد بالسماء السحاب، واللام لتعريف الماهية.


{ فِيهِ ظُلُمَـٰتٌ } أي أنواع منها، وهي ظُلمةُ تكاثُفِه وانتساجِه بتتابع القطر، وظلمةُ الهلال ما يلزمه من الغمام الأسحمِ المطبق الآخذ بالآفاق مع ظلمة الليل، وجعلُه محلاً لها مع أن بعضها لغيره كظلمتي الغمام والليل، لما أنهما جُعلتا من توابع ظلمتِه مبالغةً في شدته وتهويلاً لأمره، وإيذاناً بأنه من الشدة والهول بحيث تغمر ظلمتُه ظلماتِ الليل والغمام، وهو السر في عدم جعل الظلمات هي الأصلَ المستتبعَ للبواقي، مع ظهور ظرفيتها للكل، إذ لو قيل أو كظلمات فيها صيب الخ لما أفاد أن للصيب ظلمةً خاصة به فضلاً عن كونها غالبة على غيرها.
-1-

{ وَرَعْدٌ } وهو صوت يسمع من السحاب، والمشهور أنه يحدث من اصطكاك أجرام السحاب بعضِها ببعض، أو من انقلاع بعضِها عن بعض عند اضطرابها، بسوق الرياحِ إياه سوقاً عنيفاً { وَبَرْقٌ } وهو ما يلمع من السحاب من بَرَق الشيءُ بريقاً أي لمع، وكلاهما في الأصل مصدر، ولذلك لم يجمعا، وكونُهما في الصيب باعتبار كونِهما في أعلاه ومصبِّه ووصول أثرِهما إليه وكونِهما في الظلمات الكائنةِ فيه، والتنوين في الكل للتفخيم والتهويل كأنه قيل: فيه ظلماتٌ شديدة داجية ورعدٌ قاصفٌ وبرق خاطف، وارتفاع الجميع بالظرف على الفاعلية لتحقيق شرط العملِ بالاتفاق، وقيل بالابتداء، والجملةُ إما صفةٌ لصيب أو حالٌ منه لتخصصه بالصفة، أو بالعمل فيما بعده من الجار أو من المستكنّ في الظرف الأول على تقدير كونِه صفةً لصيب، والضمائر في قوله عز وجل: { يَجْعَلُونَ أَصْـٰبِعَهُمْ فِى ءاذَانِهِم } للمضاف الذي أقيم مُقامه المضافُ إليه فإن معناه باقٍ وإن حذف لفظه تعويلاً على الدليل كما في قوله:

{ وَكَم مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَـٰتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } [الأعراف7، الآية 4]

فإن الضمير للأهل المدلول عليه بما قام مقامه من القرية.


قال حسان رضي الله عنه: [الكامل]

يَسْقون من وَرَدَ البريصَ عليهمبَرَدىٰ يُصفَّقُ بالرحيق السلسلِ


فإن تذكير الضمير المستكن في يُصفَّق لرجوعه إلى الماء المضاف إلى بردى وإلا لأنّث حتماً، وإيثارُ الجعل المنبىء عن دوام الملابسة، واستمرارِ الاستقرار على الإدخال المفيدِ لمجرد الانتقال من الخارج إلى الداخل للمبالغة في بـيان سدِّ المسامع باعتبار الزمان كما أن إيرادَ الأصابع بدلَ الأنامل للإشباع في بـيان سدِّها باعتبار الذات، كأنهم سدُّوها بجملتها لا بأناملها فحسب كما هو المعتاد، ويجوز أن يكون هذا إيماءً إلى كمال حَيْرتهم وفرْطِ دهشتهم وبلوغهم إلى حيث لا يهتدون إلى استعمال الجوارحِ على النهج المعتاد، وكذا الحال في عدم تعيـين الأصبع المعتادِ أعني السبابة، وقيل: ذلك لرعاية الأدب، والجملةُ استئناف لا محل لها من الإعراب، مبني على سؤال نشأ من الكلام، كأنه قيل عند بـيان أحوالهم الهائلة: فماذا يصنعون في تضاعيف تلك الشدة، فقيل: يجعلون الخ.

وقوله تعالى: { مّنَ ٱلصَّوٰعِقِ } متعلق بـيجعلون أي من أجل الصواعقِ المقارنةِ للرعد، من قولهم سقاه من الغَيْمة، والصاعقةُ قُصفةُ رعد تنقضّ معها شعلة نار لا تمر بشيء إلا أتت عليه. من الصَّعَق وهو شدةُ الصوت، وبناؤها إما أن يكون صفةً لقصفة الرعد أو للرعد، والتاء للمبالغة. كما في الرواية، أو مصدر كالعافية. وقد تطلق على كل هائلٍ مسموع أو مشاهد، يقال: صَعَقَتْه الصاعقة إذا أهلكته بالإحراق، أو بشدة الصوت، وسدُّ الآذان إنما يفيد على التقدير الثاني دون الأول، وقرىء من الصواقع وليس ذلك بقلب من الصواعق لاستواء كلا البناءين في التصرف، يقال: صقَع الديكُ، وخطيب مِصْقَع أي مُجهِرٌ بخطبته { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } منصوب بـيجعلون على العلة وإن كان معرفة بالإضافة كقوله: [الطويل]
-2-

وأغفِرُ عوراءَ الكريم ادِّخارَهوأصفَحُ عن شتم اللئيم تكرما


ولا ضير في تعدد المفعول له، فإن الفعل يعلل بعلل شتى، وقيل هو نصب على المصدرية أي يحذرون حذراً مثل حذر الموت، والحَذر والحذار هو شدة الخوف، وقرىء حذارَ الموت، والموتُ زوال الحياة، وقيل عرَضُ يُضادُّها، لقوله تعالى:

{ خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ } [الملك67، الآية 2]

ورُدّ بأن الخلق بمعنى التقدير والإعدام مقدرة { وَٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكـٰفِرِينَ } أي لا يفوتونه كما لا يفوت المحاطُ به المحيطَ، شبه شمولَ قدرته تعالى لهم، وانطواءَ ملكوتِه عليهم، بإحاطة المحيط بما أحاط به في استحالة الفوْت، أو شَبَّه الهيئةَ المنتزعة من شؤونه تعالى معهم بالهيئة المنتزعة من أحوال المحيط مع المحاط، فالاستعارة المبنيةُ على التشبـيه الأول استعارة تبعيةٌ في الصفة متفرِّعة على ما في مصدرها من الاستعارة والمبنية على الثاني تمثيلية قد اقتُصِر من طرف المشبه به على ما هو العُمدة في انتزاعِ الهيئة المشبَّه بها أعني الإحاطة والباقي منويٌّ بألفاظ متخيَّلةٍ بها يحصُل التركيبُ المعتبر في التمثيل كما مر تحريره في قوله عز وجل:

{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [البقرة2، الآية 7]

والجملة اعتراضية منبهة على أن ما صنعوا من سد الآذان بالأصابع لا يغني عنهم شيئاً فإن القدَرَ لا يدافعُه الحذر، والحِيَل لا ترد بأس الله عز وجل.


وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير الراجع إلى أصحاب الصيب الإيذانُ بأن ما دَهَمهم من الأمور الهائلة المحكية بسبب كفرهم على منهاج قوله تعالى:

{ كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ } [آل عمران3، الآية 117]

فإن الإهلاك الناشىءَ من السُخط أشدُّ، وقيل: هذا الاعتراض من جملة أحوالِ المشبّهِ على أن المراد بالكافرين المنافقون، قد دل به على أنه لا مدفعَ لهم من عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة، وإنما وُسِّط بـين أحوال المشبه مع أن القياس تقديمُه أو تأخيره لإظهار كمال العنايةِ وفرطِ الاهتمام بشأن المشبه.


-3-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:12 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.