المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > المنتدى الفكري
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #11  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي إيتاء الزكاة في مكة

إيتاء الزكاة في مكة

هذه جملة من أساليب القرآن المكي، في الدعوة إلى رعاية الفقراء والمساكين، وإيتائهم حقوقهم من المال، حتى لا يضيعوا في مجتمع من المؤمنين.
وقد توجت هذا الأساليب بأسلوب آخر هو "إيتاء الزكاة" ثناء على فاعليها أو ذمًا لتاركيها، كما نرى ذلك واضحًا في مجموعة من سور القرآن المكية.
ففي سورة "الروم" يأمر الله تعالى بأداء حق القريب والمسكين، وابن السبيل، ويوازن بهن أثر الربا الذي يزيد المال في الظاهر، وينقصه في الحقيقة - وبين أثر الزكاة - التي تنقص المال ظاهرًا وتنمية باطنًا - يقول الله تعالى
: (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذلك خير للذين يريدون وجه الله، وأولئك هم المفلحون وما آتيتم من ربًا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) (الروم: 38 - 39).وفي مطلع سورة "النمل" وصف الله المؤمنين الذي جعل كتابه هدى لهم وبشرى فقال: (تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون) (النمل: 1-3). وفي عطف إيتاء الزكاة على إقامة الصلاة دليل على أنها زكاة المال، كما هي سنة القرآن . وفي مطلع سورة "لقمان" قال: (هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) (لقمان: 3 - 4).... الآية.

وما قيل في الآية السابقة يقال هنا. وقال في سورة "المؤمنين" يبين أوصاف المؤمنين الذين يرثون الفردوس: (والذين هم للزكاة فاعلون)(المؤمنون: 4).
وفي سورة "الأعراف" أثناء ذكره تعالى لقصة موسى وقومه قال:
(ورحمتي وسعت كل شئ، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين همبآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي)(الأعراف: 156 - 157). وفي سورة "فصلت" توعد الله المشركين، وذكر أخص أوصافهم، فكان عدم إيتاء الزكاة والكفر بالآخرة. قال سبحانه: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون)(فصلت: 6 - 7). فإذا كان المؤمنون المحسنون يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون، فهؤلاء لا يؤتون الزكاة وبالآخرة هم كافرون. وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالزكاة هنا: زكاة النفس وطهارتها من الرذائل، وعلى رأسها الشرك. كقوله تعالى: (قد أفلح من زكاها) الشمس: 9، (قد أفلح من تزكى)(الأعلى:14). وذلك فرار من القول بالزكاة المالية التي اشتهر أنها لم تشرع إلا بالمدينة. ورد ابن جرير الطبري هذا القول واختار أن المعنى: لا ينفقون من أموالهم زكاتها، ومما استدل به على ذلك: اشتهار لفظ "الزكاة" في زكاة المال (انظر تفسير الطبري: 24/93 - ط. الحلبي). ومما يؤيد اختيار الطبري: اقتران الزكاة بالإيتاء، والإيتاء هو: الإعطاء، وأولى شئ بذلك هو زكاة المال. والملاحظ في حديث السور المكية عن "الزكاة": أنها لم توردها بصيغة "الأمر" الدال على الوجوب دلالة مباشرة، ولكنها أوردتها في صورة خبرية باعتبارها وصفًا أساسيًا للمؤمنين والمتقين والمحسنين (يُستثنى من ذلك ما جاء في الآية الأخيرة من سورة المزمل: (فاقرأوا ما تيسر منه، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وهذا على القول بأنها مكية، كما هو مذهب بعض العلماء، ويرى آخرون أنها مدنية، معضدين ذلك بمضمون الآية واختلاف حجمها وفاصلتها عن بقية آيات السورة.)، الذين يؤتون الزكاة أو الذين هم للزكاة فاعلون، والذين خصهم الله بالفلاح: (وأولئك هم المفلحون)(الروم: 38)، كما أخبر أن تركها من خصائص المشركين: (الذين لا يؤتون الزكاة) (فصلت: 7)
.
وإذا كان إيتاء الزكاة من الأوصاف الأساسية للمؤمنين المفلحين، وتركها من الأوصاف اللازمة للمشركين، فذلك يدل على الوجوب، إذ التحلي بصفات المؤمنين، والخروج عن خصائص المشركين، أمر واجب لا نزاع فيه. يضاف إلى ذلك الأمر في قوله تعالى:
(وآتوا حقه يوم حصاده)(الأنعام:141).

الزكاة في العهد المكي زكاة مطلقة
ولكن المعروف في تاريخ التشريع الإسلامي: أن الزكاة فرضت في المدينة. فكيف يتفق هذا وذكر القرآن لها في آيات كثيرة من سوره المكية؟.
والجواب: أن الزكاة التي ذكرت في القرآن المكي، لم تكن هي بعينها الزكاة التي شرعت بالمدينة، وحددت نصبها ومقاديرها، وأرسل السعاة لجبايتها وصرفها، وأصبحت الدولة مسئولة عن تنظيمها. الزكاة في مكة كانت زكاة مطلقة من القيود والحدود، وكانت موكولة إلى إيمان الأفراد وأريحيتهم وشعورهم بواجب الأخوة نحو إخوانهم من المؤمنين. فقد يكفي في ذلك القليل من المال، وقد تقتضي الحاجة بذل الكثير أو الأكثر. وقد استنتج بعض الباحثين من تعبيرات القرآن في السور المكية:
(حقه)(الإسراء: 26) و(حق للسائل والمحروم)(الذاريات: 19) و (حق معلوم)(المعارج: 24).. في الآيات، أنها يمكن أن تلهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حدد مقادير معينة على أموال القادرين من المسلمين زكاة عن أموالهم المتنوعة (سيرة الرسول - صورة مقتبسة من القرآن الكريم تأليف محمد عزة دروزة 2/341).
ولكن لم ينقل ما يؤيد هذا الاستلهام، بل نقل ما يخالفه. ولم تكن هناك حاجة إلى هذا التحديد، والقوم يبذلون أنفسهم وكل ما بأيديهم. وليس من الضروري ألا يكون الحق معلومًا إلا بتعيين النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل يصح أن يكون معلومًا بتعيين المنفق نفسه، كما ذكر المفسرون، أو بتعيين العرف حسب المصلحة والحاجة.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة "المؤمنين" عند قوله تعالى:
(والذين هم للزكاة فاعلون)(المؤمنون:4): "الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة، في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبًا بمكة. قال تعالى في سورة الأنعام - وهي مكية: (وآتوا حقه يوم حصاده)(تفسير ابن كثير 3/238، 239 - ط. الحلبي، والآية من سورة الأنعام: 141)
.
وهذا الذي استظهره هنا تعضده الآيات الكثيرة التي سقناها.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #12  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي السنة تؤكد وتبين ما أجمله القرآن

السنة تؤكد وتبين ما أجمله القرآن


القرآن دستور الإسلام ومرجعه الأساسي، لهذا اشتمل على القواعد الكلية، والمبادئ العامة، ولم يتعرض للجزئيات والتفصيلات إلا فيما يخشى أن تضطرب فيه الآراء، وتضل عنه الأهواء. أما السنة فهي البيان القولي، والتطبيق العملي للقرآن: تفسر ما أبهمه، وتفصل ما أجمله، وتحدد ما أطلقه، وتخصص ما عممه، وفقًا لما فهم الرسول المعصوم عن ربه. وقد قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (النحل: 44). وفي الزكاة جاءت السنة بتأكيد ما جاء به القرآن من وجوب الزكاة، وذلك منذ العهد المكي. نجد جعفر بن أبى طالب المتحدث باسم المسلمين المهاجرين إلى الحبشة يخاطب النجاشي ويخبره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول له فيما قال له: " ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام " (رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث أم سلمة). والمراد بذلك مطلق الصلاة والصيام والزكاة، لا الصلوات الخمس، ولا صيام رمضان، ولا الزكاة المخصوصة ذات النصب والحول؛ إذ أن هذه الفرائض المحددة لم تكن شرعت بعد (فتح الباري: 3/171). أما في المدينة فقد كانت مجالاً رحبًا للحديث عن فريضة الزكاة: لتحديد نصبها ومقاديرها وشروطها، ولبيان مكانتها، والترغيب في أدائها، والترهيب من منعها، ولإعطاء الصور العملية لتنفيذها.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #13  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي الزكاة ثالثة دعائم الإسلام

الزكاة ثالثة دعائم الإسلام

أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة فرضية الزكاة وبين مكانها في دين الله، وأنها أحد الأركان الأساسية لهذا الدين، ورغب في أدائها ورهب من منعها بأحاديث شتى، وأساليب متنوعة، تقرأ في حديث جبريل المشهور حين جاء يعلم المسلمين دينهم بحسن السؤال: أنه سأل - النبي - صلى الله عليه وسلم - ما الإسلام؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً" (متفق عليه). وفي حديث ابن عمر المشهور: "بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً " (متفق عليه). أعلن الرسول عليه السلام في هذين الحديثين وغيرهما أن أركان الإسلام خمسة، بدأها بالشهادتين، وثناها بالصلاة، وثلثها بالزكاة. فالزكاة في السنة - كما هي في القرآن - ثالثة دعائم الإسلام، التي لا يقوم بناؤه إلا بها، ولا يرتكز إلا عليها. وقد يكتفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحيان بذكر بعض هذه الأركان الخمسة دون بعض، بيد أن الصلاة والزكاة كانتا دائمًا في مقدمة ما يأمر به، ويدعو إليه، ويبايع عليه. ومن ذلك حديث ابن عباس في الصحيحين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذ (قال الشوكاني: كان بعثه سنة عشر قبل حج النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره البخاري في أواخر المغازى، وقيل: كان ذلك سنة تسع عند منصرفه من تبوك... وقيل بعثه عام الفتح سنة ثمان... واتفقوا على أنه لم يزل باليمن إلى أن قدم في عهد أبى بكر، واختلفوا هل كان واليًا أو قاضيًا؟ فجزم ابن عبد البر بالثاني والنسائي بالأول (نيل الأوطار: 4/115 المطبعة العثمانية المصرية - طبعة أولى). بن جبل إلى اليمن فقال له: " إنك تأتى قومًا من أهل الكتاب(قال له ذلك تنبيهًا على أهمية الوصية لتستجمع همته عليها؛ لأن أهل الكتاب أهل علم في الجملة فلا يكون في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان)فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوكلذلك(بالإقرار بوجوبها عليهم والتزامهم بها أو امتثالهم بالفعل). فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم (اكتفي بذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك، وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء).، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم (الكرائم: جمع كريمة، أي نفيسة فلا يجوز للجابي أخذ خيار المال، لئلا يجحف بالمالك إلا برضاه). واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ".
وإنما اقتصر على الصلاة والزكاة لشدة اهتمام الشارع بهما، وخاصة إذا كان المقام مقام الدعوة إلى الإسلام، فيكتفي بهما مع الشهادة
(أما ما أجاب به ابن الصلاح: أن ذلك تقصير من بعض الرواة، فتعقب بأنه يفضي إلى ارتفاع الثقة بكثير من الأحاديث النبوية لاحتمال الزيادة والنقصان "نيل الأوطار:4/116") كما في قوله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (التوبة: 11).
وقد دل الحديث على بعث السعاة الذين يقومون بجمع الزكاة وتفريقها، وأن الزكاة من شأنها أن تؤخذ لا أن تترك للأفراد وحدهم، وهو تأييد لآية
: (خُذ من أموالهم صدقة)(التوبة:103)
.
ويروى البخاري عن جرير بن عبد الله قال: "بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم".
وفي حديث ابن عمر في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة "
... (الحديث).
والمراد بالناس هنا: الوثنيون من العرب، الذين نكثوا العهود وتعدوا الحدود، ولم يعد إلى مسالمتهم من سبيل، إذ لم يكن لهم دين يردعهم، ولا قانون يهيمن عليهم، ولا حاكم يأتمرون بأمره. قد أراد الله أن تكون أرض العرب حرم الإسلام ومعقله، فلا بد من تطهيرها من رجس الشرك، ورواسب الجاهلية العمياء المتجبرة في الأرض. وفي حديث أنس - عند البزار - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"من فارق الدنيا على الإخلاص لله وعبادته لا يشرك به، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راض". قال أنس: وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث، واختلاف الهواء. وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل، قال الله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)(التوبة: 5). قال: توبتهم خلع الأوثان، وعبادة ربهم، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. ثم قال في آية أخرى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين)(تفسير ابن كثير:2/236 - والآية من سورة التوبة: 11).

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #14  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي لماذا لم يوجب الإسلام الزكاة على غير المسلمين؟

لماذا لم يوجب الإسلام الزكاة على غيرالمسلمين؟

أجمع علماء الإسلام: على أن الزكاة تجب على المسلم البالغ العاقل الحر (يذكر الفقهاء هنا بحوثًا كثيرة حول وجوب الزكاة على العبد والمكاتب وما يتعلق بذلك، وقد تركناها لعدم الحاجة إليها في عصرنا، ومن أرادها فليرجع إليها في المجموع: 5/326، 327، والمغني مع الشرح الكبير: 2/494، ورد المحتار: 2/5، وبلغة السالك ص 206، وبداية المجتهد: 1/209 - ط. مصطفى الحلبي. وقد لخص فيها أقوال المذاهب في المسألة تلخيصًا جيدًا، مع بيان ما يستندون إليه من العلل). المالك لنصابها المخصوص بشرائطه.
وقد تبين لنا فيما سبق: أدلة هذا الوجوب، من آيات الكتاب الصريحة، وأحاديث الرسول الثابتة، التي أفاد مجموعها علمًا يقينيًا بفرضية الزكاة، وهذا مما تناقلته أجيال المسلمين، وتواترت به الأخبار، قولاً وعملاً، وعُلِمَ من دين الإسلام بالضرورة، فمن أنكر ذلك - ولم يكن حديث عهد بالإسلام - فقد كفر، وخلع رِبقة الإسلام من عنقه.
واتفق المسلمون على أن فريضة الزكاة؛ لا تجب على غير مسلم؛ لأنها فرع من الإسلام، وهو مفقود، فلا يطالب بها وهو كافر، كما لا تكون دَيْنًا في ذمته، يؤديها إذا أسلم، واستدل العلماء لذلك، بحديث ابن عباس في الصحيحين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له:
"إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم .. (انظر فتح الباري: 3/229 وما بعدها)
.
فالحديث يدل - كما قال النووي وغيره - على أن المطالبة بالفرائض في الدنيا، لا تكون إلا بعد الإسلام، وهذا قدر متفق عليه
(هناك خلاف في الأصول: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ فيزداد عذابهم بسببها في الآخرة أم لا؟ قول الأكثرين: إنهم مخاطبون خلافًا للحنفية وهو بحث لا حاجة بنا إليه هنا)
.
قال العلماء: ولأن الزكاة أحد أركان الإسلام، فلم تجب على كافر، كالصلاة والصيام. وهناك تعليل آخر ذكره الشيرازي وأقره النووي من الشافعية. فقد ذكرا في عدم وجوبها على الكافر الأصلي: أنها حق لم يلتزمه فلا يلزمه
(هذا التعليل يفتح بابًا للتساؤل عن الحكم فيما إذا رضي أهل الذمة أداء الزكاة والتزموا أداءها كالمسلمين - كما يلتزمون الآن الخدمة العسكرية - هل يجوز أن تُقبل منهم الزكاة باعتبارها ضريبة لا عبادة، كما قُبِل منهم الخدمة في الجيش وهي عند المسلمين جهاد وقربة؟)
.
سواء أكان حربيًا أم ذميًا، فلا يطالب بها في كفره، وإن أسلم لم يطالب بها في مدة الكفر
(المجموع: 5/327 - 328)
.
وإذا كانت لا تجب على غير المسلم، فهي لا تصح منه أيضًا - بوصفها عبادة لو أداها - لانتفاء الشرط الأول للقبول، وهو الإسلام، قال تعالى:
(وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)الفرقان: (23)
ولكن من المعروف أن أعمال الخير تخفف من العذاب في الآخرة، فالعذاب دركات، كما أن النعيم درجات.
وهذا كله في الكافر الأصلي، أما من فُتِنَ وارتد -والعياذ بالله- فإن كانت الزكاة قد وجبت عليه في حال إسلامه فلا تسقط عنه بالردة، لأنها حق ثبت وجوبه فلم يسقط بردته كغرامة المتلفات.
وهذا عند الشافعية خلافًا لأبي حنيفة
(المجموع: 5/327 - 328)
.
وأما زمن الردة فقد اختلف فيه فقهاء الشافعية، واختار بعضهم القطع بوجوب الزكاة -وهو ما أختار- لأنها حق للفقراء والمستحقين، فلا يسقط بالردة كالنفقات والغرامات.

لماذا لم يوجب الإسلام الزكاة على غير المسلمين؟
وقد يعنّ هنا سؤال لبعض الناس فيقول: إن الإسلام قد وسع أهل الكتاب ومن في حكمهم من غير المسلمين، فأعطاهم ذمة الله، وذمة رسوله، على أن يعيشوا في كنف دولة الإسلام، مصونة حرماتهم، مكفولة حرياتهم، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، فلماذا فرق الإسلام في الزكاة بين المسلمين وغيرهم من الأقليات، التي تستظل بظل دولتهم؟ هذا مع أن الزكاة: تكليف اجتماعي، وضريبة مالية، تُنفق حصيلتها في مساعدة الضعفاء، والمحتاجين، من رعايا الدولة؟
وللجواب عن هذا السؤال، أو التساؤل: ينبغي لنا أن نبيِّن، أن هنا اعتبارين يبدوان لمن يتأمل حقيقة فريضة الزكاة.
الاعتبار الأول:
أنها تكليف اجتماعي، وحق معلوم، للسائل والمحروم، وضريبة مالية، أوجب الله تعالى أن تؤخذ من أغنياء الأمة، لتُرَد على فقرائها، قيامًا بحق الأخوة، وحق المجتمع، وحق الله عَزَّ وجَلَّ.
الاعتبار الثاني:
أنها عبادة من عبادات الإسلام، ودُعامة من الدعائم الخمس، التي قام عليها بناؤه، شأنها شأن الشهادتين، وإقامة الصلاة، وصوم رمضان وحج البيت الحرام.
وقد بينا من قبل، كيف قرنها القرآن بالصلاة، في عشرات المواضع، وجعلها - مع التوبة من الشرك وإقامة الصلاة - مظهر الدخول في الإسلام، واستحقاق إخوة المسلمين، كما أن بعضًا من أسهم الزكاة، يُصرف في نُصرة الإسلام، وإعلاء كلمته، والمصالح العامة لدعوته، ودولته. وذلك هو سهم: "في سبيل الله" ومنها: ما يُصرف في تأليف القلوب، أو تثبيتها عليه. وذلك هو سهم "المؤلفة قلوبهم".
فإذا جاء في بعض الأحاديث: أنها تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء فذلك على سبيل الاكتفاء بالمقصود الأول للزكاة، وهو إغناء الفقراء، ولكن القرآن فصَّل لنا مصارف ثمانية، منها ما ذكرناه: "المؤلَّفة قلوبهم" و" في سبيل الله".
ولهذا الاعتبار، أبت سماحة الإسلام وحساسيته - في معاملة غير المسلمين واحترام عقائدهم - أن يفرض عليهم ضريبة لها صبغة دينية واضحة، حتى إنها لتعد شعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته الأربع، وركنًا من أركانه الخمسة.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #15  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي هل يؤخذ مقدار الزكاة من غير المسلمين ضريبة؟

هل يؤخذ مقدار الزكاة من غير المسلمين ضريبة؟

بقي هنا بحث أو سؤال آخر: إننا لا نشك أن الزكاة لا تجب -وجوبًا دينيًا- على غير المسلمين من حيث هي عبادة وشعيرة، ولكن ألا يجوز أن يؤخذ منهم مقدارها على أنها ضريبة من الضرائب تؤخذ من الأغنياء لتُرَد على الفقراء؟
فالمسلم يدفعها فريضة وعبادة، وغيره يدفعها ضريبة! وبذلك نتفادى التفرقة بين المواطنين في دولة واحدة، ولا نُحمِّل المسلم من الأعباء المالية أكثر من غيره ونخفف التكاليف الإدارية والفنية التي تتوزع بين إدارة الزكاة للمسلمين، والضريبة الخاصة لغير المسلمين.
هذه قضية تحتاج إلى اجتهاد جماعي من علماء المسلمين القادرين على الاجتهاد، ولكن إلى أن يتاح لنا الاجتهاد الجماعي المنشود
(انظر: مقالة الأستاذ الجليل مصطفى الزرقا عن "الاجتهاد الجماعي")
لا مانع أن أبدي رأيي في هذا الأمر، على ضوء دراستي ومعاناتي للموضوع، فترة غير قصيرة. وأعتقد أن الاجتهادات الفردية هي التي تمهد السبيل إلى اجتهاد جماعي سليم.
فإذا كان هذا الرأي صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.
والذي يتراءى لي بعد البحث: أنه لا مانع من أخذ الزكاة بوصفها ضريبة من غير المسلمين من أهل الذمة إذا رأى ذلك أولو الأمر ويدل على هذا أمور:
1-
إن مراد علمائنا بقولهم: "لا تجب الزكاة على غير مسلم" هو الوجوب الديني، الذي يتعلق به المطالبة في الدنيا والثواب والعقاب في الآخرة. أما الإيجاب السياسي الذي يقرره ولي الأمر بناء على اعتبار المصلحة التي يراها أهل الشورى، فلم يرد ما يمنعه.
2- إنهم علَّلوا عدم وجوب الزكاة على غير المسلم؛ بأنه حق لم يلتزمه، فلا يلزمه (المجموع للنووي: 5/327)
. ومعنى هذا أنهم لو التزموا هذا ورضوه لم يكن بذلك بأس.
3-
إن أهل الذمة في ديار الإسلام كانوا يدفعون للدولة الإسلامية ضريبة مالية سماها القرآن: "الجزية" مشاركة في النفقات العامة للدولة التي تقوم بحمايتهم والدفاع عنهم. وكفالة العيش لهم، وتأمينهم ضد العجز والشيخوخة والفقر، كالمسلمين، كما رأينا ذلك جليًا في صنيع عمر مع الشيخ اليهودي الذي رآه يسأل على الأبواب. والواقع الماثل الآن في البلاد الإسلامية: أن أهل الكتاب لا يدفعون الجزية، ويأنفون من هذا الاسم، فهل يمكن أن يدفعوا بدلاً منها ضريبة على وفق مقادير الزكاة، وإن لم تسم باسمها؟
إن الذي رواه المؤرخون والمحدِّثون وفقهاء المال في الإسلام عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في موقفه من نصارى بني تغلب، يعطينا رُخصة للنظر في هذا الأمر على ضوء الواقع والمصلحة العامة.
روى أبو عبيد بسنده عن زرعة بن النعمان - أو النعمان بن زرعة - أنه سأل عمر بن الخطاب وكلمه في نصارى بني تغلب وكان عمر قد هَمَّ أن يأخذ منهم الجزية، فتفرقوا في البلاد. فقال النعمان بن زرعة لعمر: يا أمير المؤمنين إن بني تغلب قوم عرب، يأنفون من الجزية، وليست لهم أموال (يعني الذهب والفضة) إنما هم أصحاب حروث ومواشٍ، ولهم نكاية في العدو، فلا تُعن عدوك عليك بهم. قال: فصالحهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة (أي جعلها مضاعفة عليهم).
وأخرج البيهقي عن عبادة بن النعمان في حديث طويل: أن عمر لما صالحهم على تضعيف الصدقة قالوا، نحن عرب لا نؤدي ما تؤدي العجم، ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض (يعنون الصدقة) فقال عمر: لا، هذه فرض المسلمين. قالوا: زد ما شئت بهذا الاسم، لا باسم الجزية. ففعل، فتراضى هو وهم على تضعيف الصدقة عليهم.
وفي بعض روايات هذا الحديث أن عمر قال: "سموها ما شئتم"
(الأموال : ص 541 وهامشها وص 28، 29 منه. وقد ضعف ابن حزم خبر بني تغلب هذا (المحلى: 6/111) ولكن الخبر مشهور رواه ابن أبي شيبة وأبو يوسف في الخراج ص 143 - ط. السلفية، ويحيى بن آدم في في الخراج ص 66-67 ط. السلفية، والبلاذري في فتوح البلدان ص 189 - ط. مصر سنة 1319 هـ، وقال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- معقبًا على خبر بني تغلب هذا: روي من طرق كثيرة تطمئن النفس إلى أن له أصلاً صحيحًا)
.
وقد علق الإمام أبو عبيد على حكم أمير المؤمنين عمر في بني تغلب، إذ قبل منهم أموالهم ولم يجعلها جزية كسائر ما على أهل الذمة، بل جعلها صدقة مضاعفة، فقال: "وإنما استجازها فيما نرى وترك الجزية، لما رأى من نفارهم وأنفهم منها، فلم يأمن شقاقهم واللحاق بالروم، فيكونوا ظهيرًا لهم على أهل الإسلام، وعلم أنه لا ضرر على المسلمين من إسقاط ذلك الاسم عنهم مع استيفاء ما يجب عليهم من الجزية، فأسقطها عنهم، واستوفاها منهم باسم الصدقة حتى ضاعفها عليهم، فكان ذلك رتق ما خاف من فتقهم، مع الاستيفاء لحقوق المسلمين في رقابهم، وكان مسددًا. كما روي في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"إن الله تبارك وتعالى ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه" وكقول عبد الله (يعني ابن مسعود) فيها:" ما رأيت عمر قط إلا وكأن مَلكًا بين عينيه يسدده"، ومثل قول علي: "ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر، وكقول عائشة فيه: "كان والله أحوذيًا(الأحوذي: المشمر في الأمور القاهر لها لا يشذ عليه منها شيء، والسريع في كل ما أخذ فيه والعالم بالأمر، كما في المعجم الوسيط)
نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها".
قال أبو عبيد: "فكانت فعلته هذه من تلك الأقران التي أعد، في كثير من محاسنه لا تحصى"
(الأموال ص 541 وما بعدها). فهذا الفاروق -رضي الله عنه- لم يَرَ بأسًا أن يأخذ من هؤلاء النصارى ضريبة أو جزية تسمى باسم "الصدقة" لنفورهم من عنوان "الجزية"، وقد ضاعف عليهم مقادير الصدقة الواجبة علي المسلمين وفقًا لطلبهم الذي صولحوا على أساسه. ولهذا قال الزهري: ليس في مواشي أهل الكتاب صدقة، إلا نصارى بني تغلب -أو قال: نصارى العرب- الذين عامة أموالهم المواشي (الخراج ليحيى بن آدم ص 65 - ط. السلفية)
.
هذا هو فعل عمر، وقد أقرَّه من معه من الصحابة رضوان الله عليهم.
فلِمَ لا يجوز أن تُفرض ضريبة على أهل الذمة في البلاد الإسلامية في هذا العصر، تقوم مقام الجزية التي طالبهم بها النظام الإسلامي مقابل فريضتين لازمتين في أعناق المسلمين: فريضة الجهاد التي يبذلون فيها الدم، وفريضة الزكاة التي يبذلون فيها المال؟؟
لم لا يجوز فرض هذه الضريبة بعد مشورة أهل الرأي من المسلمين ومنهم؟.
وإن لم تعط هذه الضريبة اسم الصدقة والزكاة، كما طلب نصارى بني تغلب وأجابهم إلى ذلك عمر.
أعتقد أن هَدي عمر هنا نبراس يضيء الطريق لمن أراد أن يتخذ من هذا الأمر قرارًا على ضوء ظروف العصر ومشكلاته.
وقد قال الشافعية والحنابلة: إذا كان قوم غير مسلمين لهم قوة وشوكة، وامتنعوا عن أداء الجزية إلا إذا صولحوا على ما صولح عليه بنو تغلب، وخيف الضرر بترك إجابتهم إلى طلبهم، ورأى الإمام إجابتهم، دفعًا للضرر؛ جاز ذلك إذا كان المأخوذ منهم بقدر ما يجب عليهم من الجزية وزيادة، قياسًا على ما فعله عمر بنصارى بني تغلب
(انظر: أحكام الذميين والمستأمنين للدكتور عبد الكريم زيدان ص 149. نقلاً عن المغني: 8/516، ومتن المنهاج: 4/251.)
ولا شك أن هذا القول سليم، ودليله قوي.
كما لا ريب أن الزكاة في كل مال نامٍ أكثر قطعًا من الجزية التي هي مقدار زهيد لا يؤخذ إلا من الرجال القادرين على حمل السلاح، أما الزكاة فتؤخذ من الرجال والنساء جميعًا، بل من الصبيان والمجانين أيضًا عند الجمهور.
أما تضعيف الزكاة على أهل الذمة فليس أمرًا لازمًا، إنما فعل ذلك عمر مع بني تغلب؛ لأنهم هم الذين طلبوا ذلك، ووقع عليه الصلح والتزموا به. وهو أمر يرجع إلى السياسة الشرعية، ومقتضيات المصلحة العامة للدين والدولة.
وقد أصاب ابن رشد حين ذكر هذه المسألة تحت عنوان: "الزكاة على أهل الذمة" فقال: "وأما أهل الذمة فإن الأكثر على أن لا زكاة على جميعهم، إلا ما روت طائفة من تضعيف الزكاة على نصارى بني تغلب، أعني أن يؤخذ منهم مثلا ما يؤخذ من المسلمين في كل شيء، وممن قال بهذا القول: الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري، وليس عن مالك في ذلك قول وإنما صار هؤلاء لهذا، لأنه ثبت أنه فعل عمر بن الخطاب بهم، فكأنهم رأوا أن هذا توقيف ولكن الأصول تعارضه" أهـ
(بداية المجتهد: 1/209 - ط. مصطفى البابي الحلبي)
.
أقول: قد رأينا قول أبي عبيد في توجيه فعل عمر، وليس فيه معارضة للأصول، بل تحقيق مصلحة المسلمين ورفع الضرر عنهم، وليس من الضروري أن يكون ذلك عن توقيف، وقد أمرنا باتباع سُنَّة الخلفاء الراشدين.
4- ومما يؤيد رأينا أن محمد بن الحسن - صاحب أبي حنيفة - قال: إذا باع المسلم أرضه العُشرية التي لا خراج عليها لذمي، وجب على الذمي العُشر، لأنها أرض عُشرية، فلا تتبدل وظيفتها بتبدل المالك، ولا يجوز أن ينتفع بها الذمي في دار الإسلام دون مقابل (بدائع الصنائع: 2/54،55، والهداية وشروحها "فتح القدير": 2/10 وما بعدها، وقد خالف محمد في هذا الرأي الشيخين: أبا حنيفة وأبا يوسف. فأبو حنيفة قال: يجب عليه الخراج، وتصير الأرض خراجية، وأبو يوسف قال: تبقى عُشرية، كما قال محمد: ولكن عليه عُشران، كالتغلبي)
.
ولا شك أن العُشر زكاة.
5- إن أهل الكتاب مأمورون في دينهم بالزكاة، مدعوون إلى البر بالفقراء، وقد نقلنا من قبل نصوص القرآن الدالة على ذلك مثل قوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)(البينة: 5)
.
كما نقلنا من كتبهم الحالية نفسها - العهد القديم والعهد الجديد - كثيرًا من النصوص التي تدعو إلى هذا البر، وتحث عليه.
فهم إذا طولبوا بالزكاة إنما يطالبون بشيء منصوص على أصله في دينهم
(راجع في الباب الأول: "عناية الأديان السماوية بالفقراء")
. والجديد فيه: إنما هو التقدير والتحديد والإلزام.
6-
قد روي عن عمر بن الخطاب وبعض التابعين: جواز صرف الزكاة إلى أهل الذمة، وقد فصَّلنا القول في ذلك في فصل "من تحرم عليهم الزكاة" من باب "مصارف الزكاة".
فإذا جاز أن يُصرف لهم جزء من الزكاة التي تؤخذ من المسلمين، فلا مانع أن تؤخذ من أغنيائهم زكاة عن أموالهم، لتُرَد على فقرائهم، قيامًا بواجب التكافل الذي يشمل المسلم وغير المسلم ما دام يعيش في كنف دولة الإسلام.
وحينئذ تسمى "ضريبة التكافل الاجتماعي" أو "ضريبة البر" أو نحو ذلك من الأسماء، حتى تُميَّز عن الزكاة الإسلامية، فلا تُحرج ضمائرهم، ولا ضمائر المسلمين.
وينبغي أن يظل مصرف كُلٍّ مُتميِّزًا: زكاة المسلمين، وضريبة غير المسلمين. فهما تتفقان في الوعاء والشروط والمقادير، ولكن تختلفان في الاسم والمصرف، نظرًا لطبيعة كل منهما وهدفه وأصل وجوبه.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #16  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي القائلون بعدم وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون

القائلون بعدم وجوب الزكاة في مال الصبيوالمجنون


وإذا كان العلماء قد أجمعوا على وجوب الزكاة في مال المسلم البالغ العاقل، فإنهم قد اختلفوا في مال الصبي والمجنون: هل تجب فيه الزكاة أم لا تجب حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون؟
هنا يختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا، نستطيع أن نردهم فيه إلى فريقين رئيسيين:
1-
فريق من لا يرى وجوب الزكاة في مالهما إما مطلقًا أو في بعض الأموال.
2-
وفريق من يرى وجوب الزكاة في أموالهما جميعًا.
القائلون بعدم وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون
( أ ) روى أبو عبيد عن أبي جعفر الباقر والشعبي أنهما قالا: ليس في مال اليتيم زكاة (الأموال ص 435). وروى ابن حزم مثل قولهما عن النخعي وشريح (المحلى: 5/205).
(ب) ورُوِيَ عن الحسن أنه قال: "ليس في مال اليتيم زكاة إلا في زرع أو ضرع (الأموال: ص 453)
.
وقد ذكر ابن حزم في "المحلى" عن ابن شبرمة مثل قوله
(المحلى: 5/205)
.
(ج) وفي "الأموال" عن مجاهد قال: كل مال لليتيم ينمى - أو قال: كل شيء من بقر أو غنم أو زرع أو مال يُضارب به فزكِّه، وما كان له من صامت لا يُحرَّك (لا يستثمر) فلا تُزكِّه حتى يدرك فتدفعه إليه (الأموال ص 453)
. وخرج اللخمي - من علماء المالكية - قولاً بسقوط الزكاة عن الصبي، حيث لا ينمى ماله من حكم المال المعجوز عن تنميته. كالمدفون الذي ضل عنه صاحبه ثم وجده.
وكالمال الموروث الذي لم يعلم به وارثه إلا بعد حول أو أحوال. ورده ابن بشير بأن العجز في مسألة الصبي من قِبَلِ الملك. ولا خلاف أن من كان عاجزًا من المكلفين عن تنمية ماله تجب عليه الزكاة. بخلاف ما إذا كان عدم النماء من قبل المال وقال ابن الحاجب: تخريج اللخمي النقد المتروك على المعجوز عن إنمائه ضعيف. أ هـ
(شرح الرسالة لابن ناجي: 1/328)
.
( د )
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الزكاة في زرعه وثمره فقط، أما بقية الأموال فلا (بدائع الصنائع: 2/4).
قال ابن حزم: ولا نعلم أحدًا تقدمه إلى هذا التقسيم، ولكن صاحب "البحر الزخار" - من كتب الزيدية -حكى ذلك عن زيد بن علي، وجعفر الصادق
(البحر الزخار:2/142 - ط. مطبعة السعادة سنة 1948). وهما معاصران لأبي حنيفة (قتل زيد سنة 122هـ، وتوفي جعفر سنة 148هـ وفيه قال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه منه رضي الله عنه. أما أبو حنيفة فوفاته سنة 150هـ)
.
والعجيب أن ما ذهب إليه الأئمة -زيد والصادق والناصر من آل البيت- يخالف ما صح عن علي رضي الله عنه: أنه كان يزكي أموال بني أبي رافع وهم أيتام. وسئل في ذلك زيد -رضي الله عنه- فقال: نحن آل البيت ننكر هذا
(الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير: 2/416)
.
أدلة هؤلاء
( أ ) نظر هؤلاء العلماء إلى الاعتبار الثاني الذي ذكرناه من قبل، وهو أن الزكاة عبادة محضة كالصلاة، والعبادة تحتاج إلى نية، والصبي والمجنون لا تتحقق منهما النية، فلا تجب عليهما العبادة ولا يخاطبان بها، وقد سقطت الصلاة عنهما لفقدان النية، فوجب أن تسقط الزكاة بالعلة نفسها (انظر رد المحتار: 2/4)
.
(ب) يؤكد هذا من السنة قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق" (قال النووي: هذا الحديث صحيح رواه أبو داود والنسائي في كتاب الحدود من سننهما من رواية علي بن أبي طالب بإسناد صحيح. ورواه أبو داود أيضًا في الحدود، والنسائي وابن ماجة في كتاب الطلاق من رواية عائشة بإسناد حسن. انظر المجموع: 6/253)
، ورفع القلم كناية عن سقوط التكليف، إذ التكليف لمن يفهم خطاب الشارع، والصِغَر والجنون والنوم حائل دون ذلك.
(ج) ومما يؤيد هذا القول الآية الكريمة: (خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (التوبة 103)
إذ التطهير إنما يكون من أرجاس الذنوب، ولا ذنب على الصبي والمجنون حتى يحتاجا إلى تطهير وتزكية، فهما إذن خارجان عمن تؤخذ منهم الزكاة.
والحق أن الأدلة الثلاثة المذكورة، لا تصلح لأن يحتج بها الحنفية ومن شابههم ممن قال بوجوب الزكاة في بعض مال الصبي دون بعض، كما هو مروي عن مجاهد والحسن وابن شبرمة وغيرهم.
إنما يصلح أن يحتج بها الباقر والشعبي والنخعي وشريح، ممن لم يوجب الزكاة في أي مال للصبي والمجنون.
( د )
ثم هناك اعتبار المصلحة التي يرعاها الإسلام في سائر أحكامه، ومصلحة الصغير والمجنون هنا تقتضي إبقاء مالهما عليهما، خشية أن تستهلكه الزكاة، لعدم تحقق النماء الذي هو علَّة وجوب الزكاة وذلك لأن الصغير والمجنون ضعيفان لا يستطيعان القيام بأمر أنفسهما وتثمير أموالهما، وقد يخشى من تكرار أخذ الزكاة كل عام منهما أن تأتي عليهما فيتعرضا لذل الحاجة، وهوان الفقر.
ولعل هذا هو السر فيما ذكرناه عن مجاهد من وجوب الزكاة في مالهما النامي بنفسه كالزروع والمواشي، أو الذي ينمى بالعمل والتثمير، كالنقود التي يتجر بها عن طريق المضاربة ونحو ذلك.
وكذلك ما جاء عن الحسن البصري وابن شبرمة أنهما لم يستثنيا من زكاة مال الصغير إلا ذهبه وفضته خاصة، أما الثمار والزروع والمواشي ففيها الزكاة، إذا النماء متحقق في الثمار والزروع والمواشي، أما النقود من ذهب وفضة فليست مالاً ناميًا في ذاته إذ هو جماد لا يقبل النمو وإنما يُرصد للنماء بالتجارة والاستثمار، وهذان -الصبي والمجنون- لا قدرة لهما على تنمية ولا استثمار، فأعفيا من الزكاة في هذا النوع من المال.

القائلون بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون
ذهب إلى وجوب الزكاة في سائر أموال الصبي والمجنون عطاء وجابر بن زيد، وطاوس ومجاهد والزهري من التابعين، ومن بعدهم ربيعة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والحسن بن صالح وابن أبي ليلى، وابن عيينة وأبو عبيد وأبو ثور، وهو مذهب الهادي والمؤيد بالله من الشيعة، وهو قول عمر وابنه وعلي وعائشة وجابر من الصحابة رضي الله عنهم. ولم يستثن هؤلاء ما استثناه مجاهد أو الحسن وابن شبرمة أبو حنيفة.
أدلة القائلين بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون
استند هؤلاء إلى عدة أدلة:
1-
استندوا - أولاً - إلى عموم النصوص من الآيات والأحاديث الصحيحة التي دلت على وجوب الزكاة في مال الأغنياء وجوبًا مطلقًا، ولم تستثن صبيًا ولا مجنونًا.
وذلك كقوله تعالى:
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(التوبة: 103)
. قال أبو محمد بن حزم: فهذا عموم لكل صغير وكبير وعاقل ومجنون، لأنهم كلهم محتاجون إلى طُهرة الله تعالى لهم وتزكيته إياهم، وكلهم من الذين آمنوا.
ومثل هذا: حديث وصية معاذ حين أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وفيه:
"فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"
. والصبيان والمجانين ترد فيهم الزكاة، إذا كانوا فقراء، فلتؤخذ منهم إذا كانوا أغنياء.
قال ابن حزم: فهذا عموم لكل غني من المسلمين، وهذا يدخل فيه الصغير والكبير إذا كانوا أغنياء
(المحلى لابن حزم: 5/201، 202)
.
2- واستدلوا - ثانيًا - بما رواه الشافعي بإسناده عن يوسف بن ماهَك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ابتغوا في مال اليتيم - أو في أموال اليتامى - لا تذهبها - أولا تستهلكها - الصدقة"
.
وإسناده صحيح - كما قال البيهقي والنووي - ولكن يوسف بن ماهك تابعي لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحديثه مرسل، ولكن الشافعي عضد هذا المرسل بعموم النصوص الأخرى، وبما صح عن الصحابة من إيجاب الزكاة في مال اليتيم
(المجموع: 5/329، والسنن الكبرى: 4/107، والروض النضير: 2/417)
.
وروى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"اتّجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة" قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (الجزء الثالث صفحة 67): أخبرني سيدي وشيخي: أن إسناده صحيح - يعني بشيخه: الحافظ زين الدين العراقي - (رمز له السيوطي في "الجامع الصغير" -المطبوع منفردًا- الحلبي ومعه شرحه: فيض القدير - بعلامة الصحة، ولكن يبدوا أن الرمز محرف. فقد ذكر شارحه -المناوي في الفيض- بأن السيوطي أشار إليه في الأصل "جمع الجوامع" بقوله: وصحح. وأما هنا فرمز لحسنه، وهو فيه متابع للحافظ ابن حجر فإنه انتصر لمن اقتصر على تحسينه فقط "فيض القدير: 1/108")
.
وروى الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
"من ولي يتيمًا فليتّجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة"
وفي سنده مقال.
وصح هذا المعنى موقوفًا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
وروى البيهقي عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال:
"ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة". قال البيهقي: هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر (السنن الكبرى: 4/107، وانظر المجموع: 5/329)
. والمراد بالصدقة: "الزكاة" كما صرحت بذلك بعض الروايات.
ووجه الاستدلال بالحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الأوصياء على اليتامى خاصة والمجتمع الإسلامي عامة: أن يعملوا على تنمية أموال اليتامى -وكذلك المجانين- بالتجارة وابتغاء الربح، وحذَّر من تركه دون تثمير ولا استغلال فتأكله الصدقات وتستهلكه، ولا ريب أن الصدقة إنما تأكله بإخراجها، وإخراجها لا يجوز إلا إذا كانت واجبة؛ لأنه لا يجوز للولي أن يتبرع بمال الصغير وينفقه في غير واجب، فيكون قربانًا له بغير التي هي أحسن
(انظر مقارنة المذاهب في الفقه للشيخين محمود شلتوت ومحمد السايس ص 48 - طبعة سنة 1953م، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير: 2/493)
.
وقد أمر الله ألا نقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده
(كما جاء في الآية 152 من سورة الأنعام، والآية 34 من سورة الإسراء)
.
3-
واستندوا - ثالثًا - إلى ما صح عن الصحابة في هذه القضية.
فقد روى أبو عبيد البيهقي وابن حزم إيجاب الزكاة في مال الصبي عن عمر وعلي وعبد الله بن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله
(انظر الأموال لأبي عبيد ص 448 وما بعدها، والسنن الكبرى ص 107 وما بعدها، والمحلى: 5/208، وأيضًا مصنف ابن أبي شيبة: 4/24، 25، والتلخيص لابن حجر ص 176، وأضاف النووي في المجموع: (5/329): الحسن بن علي أيضًا ولم نعد ابن مسعود لضعف الرواية عنه كما في سنن البيهقي والمجموع والتلخيص. ورأيه: "أن يحصى الولي ما يجب في مال اليتيم من الزكاة، فإذا بلغ أعلمه، فإن شاء زكى وإن شاء لم يزك"). ولم يُعرف لهم مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - إلا رواية ضعيفة عن ابن عباس لا يحتج بها (المحلى: 5/208، والمجموع: 5/329، وسبب الضعف: انفراد ابن الهيعة بها وهو ضعيف)
.
4-
واستندوا - رابعًا - إلى المعنى المعقول الذي من أجله فُرِضت الزكاة.
قالوا: إن مقصود الزكاة سد خلة الفقراء من مال الأغنياء، شكرًا لله تعالى وتطهيرًا للمال، ومال الصبي والمجنون قابل لأداء النفقات والغرامات، فلا يضيق عن الزكاة
(المجموع: 5/330)
.
قالوا: إذا تقرر هذا، فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما لأنها زكاة واجبة، فوجب إخراجها كزكاة البالغ العاقل. والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه. ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون، فكان على الولي أداؤه عنهما، كنفقة أقاربه. وتعتبر نية الولي في الإخراج، كما تعتبر النية من رب المال
(المغني المطبوع مع الشرح الكبير: 2/494)
.
وقال بعض المالكية: إنما يؤمر الولي بإخراج الزكاة عن الصبي إذا أمن أن يتعقب فعله، وجعل له ذلك، وإلا فلا وإذا أخرجها أشهد عليها، فإن لم يشهد فقد قال ابن حبيب، إن كان مأمونًا صدق
(شرح الرسالة لابن ناجي: 1/328)
.
وإذا خشي الولي أن يطالبه الصبي بعد البلوغ، أو المجنون بعد الإفاقة، بغرامة ما دفع من مالهما، بناء على مذهب أبي حنيفة ومن وافقه، فينبغي - كما اقترح بعض المالكية - أن يرفع الأمر لقاض - يرى وجوب الزكاة في مالهما، حتى يحكم له بلزوم الزكاة لهما، فلا يستطيع قاض بعد ذلك أن ينقض هذا الحكم؛ لأن الحكم الأول رفع الخلاف
(حاشية الصاوي على الدردير ص 206).

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #17  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي القائلون بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون

القائلون بوجوب الزكاة في مال الصبيوالمجنون


ذهب إلى وجوب الزاة في سائر أموال الصبي والمجنون عطاء وجابر بن زيد، وطاوس ومجاهد والزهري من التابعين، ومن بعدهم ربيعة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والحسن بن صالح وابن أبي ليلى، وابن عيينة وأبو عبيد وأبو ثور، وهو مذهب الهادي والمؤيد بالله من الشيعة، وهو قول عمر وابنه وعلي وعائشة وجابر من الصحابة رضي الله عنهم. ولم يستثن هؤلاء ما استثناه مجاهد أو الحسن وابن شبرمة أبو حنيفة.
أدلة القائلين بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون
استند هؤلاء إلى عدة أدلة:
1-
استندوا - أولاً - إلى عموم النصوص من الآيات والأحاديث الصحيحة التي دلت على وجوب الزكاة في مال الأغنياء وجوبًا مطلقًا، ولم تستثن صبيًا ولا مجنونًا.
وذلك كقوله تعالى:
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(التوبة: 103)
. قال أبو محمد بن حزم: فهذا عموم لكل صغير وكبير وعاقل ومجنون، لأنهم كلهم محتاجون إلى طُهرة الله تعالى لهم وتزكيته إياهم، وكلهم من الذين آمنوا.
ومثل هذا: حديث وصية معاذ حين أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وفيه:
"فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"
. والصبيان والمجانين ترد فيهم الزكاة، إذا كانوا فقراء، فلتؤخذ منهم إذا كانوا أغنياء.
قال ابن حزم: فهذا عموم لكل غني من المسلمين، وهذا يدخل فيه الصغير والكبير إذا كانوا أغنياء
(المحلى لابن حزم: 5/201، 202)
.
2- واستدلوا - ثانيًا - بما رواه الشافعي بإسناده عن يوسف بن ماهَك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ابتغوا في مال اليتيم - أو في أموال اليتامى - لا تذهبها - أولا تستهلكها - الصدقة"
.
وإسناده صحيح - كما قال البيهقي والنووي - ولكن يوسف بن ماهك تابعي لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحديثه مرسل، ولكن الشافعي عضد هذا المرسل بعموم النصوص الأخرى، وبما صح عن الصحابة من إيجاب الزكاة في مال اليتيم
(المجموع: 5/329، والسنن الكبرى: 4/107، والروض النضير: 2/417)
.
وروى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"اتّجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة" قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (الجزء الثالث صفحة 67): أخبرني سيدي وشيخي: أن إسناده صحيح - يعني بشيخه: الحافظ زين الدين العراقي - (رمز له السيوطي في "الجامع الصغير" -المطبوع منفردًا- الحلبي ومعه شرحه: فيض القدير - بعلامة الصحة، ولكن يبدوا أن الرمز محرف. فقد ذكر شارحه -المناوي في الفيض- بأن السيوطي أشار إليه في الأصل "جمع الجوامع" بقوله: وصحح. وأما هنا فرمز لحسنه، وهو فيه متابع للحافظ ابن حجر فإنه انتصر لمن اقتصر على تحسينه فقط "فيض القدير: 1/108")
.
وروى الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
"من ولي يتيمًا فليتّجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة"
وفي سنده مقال.
وصح هذا المعنى موقوفًا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
وروى البيهقي عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال:
"ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة". قال البيهقي: هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر (السنن الكبرى: 4/107، وانظر المجموع: 5/329)
. والمراد بالصدقة: "الزكاة" كما صرحت بذلك بعض الروايات.
ووجه الاستدلال بالحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الأوصياء على اليتامى خاصة والمجتمع الإسلامي عامة: أن يعملوا على تنمية أموال اليتامى -وكذلك المجانين- بالتجارة وابتغاء الربح، وحذَّر من تركه دون تثمير ولا استغلال فتأكله الصدقات وتستهلكه، ولا ريب أن الصدقة إنما تأكله بإخراجها، وإخراجها لا يجوز إلا إذا كانت واجبة؛ لأنه لا يجوز للولي أن يتبرع بمال الصغير وينفقه في غير واجب، فيكون قربانًا له بغير التي هي أحسن
(انظر مقارنة المذاهب في الفقه للشيخين محمود شلتوت ومحمد السايس ص 48 - طبعة سنة 1953م، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير: 2/493)
.
وقد أمر الله ألا نقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده
(كما جاء في الآية 152 من سورة الأنعام، والآية 34 من سورة الإسراء)
.
3-
واستندوا - ثالثًا - إلى ما صح عن الصحابة في هذه القضية.
فقد روى أبو عبيد البيهقي وابن حزم إيجاب الزكاة في مال الصبي عن عمر وعلي وعبد الله بن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله
(انظر الأموال لأبي عبيد ص 448 وما بعدها، والسنن الكبرى ص 107 وما بعدها، والمحلى: 5/208، وأيضًا مصنف ابن أبي شيبة: 4/24، 25، والتلخيص لابن حجر ص 176، وأضاف النووي في المجموع: (5/329): الحسن بن علي أيضًا ولم نعد ابن مسعود لضعف الرواية عنه كما في سنن البيهقي والمجموع والتلخيص. ورأيه: "أن يحصى الولي ما يجب في مال اليتيم من الزكاة، فإذا بلغ أعلمه، فإن شاء زكى وإن شاء لم يزك"). ولم يُعرف لهم مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - إلا رواية ضعيفة عن ابن عباس لا يحتج بها (المحلى: 5/208، والمجموع: 5/329، وسبب الضعف: انفراد ابن الهيعة بها وهو ضعيف)
.
4-
واستندوا - رابعًا - إلى المعنى المعقول الذي من أجله فُرِضت الزكاة.
قالوا: إن مقصود الزكاة سد خلة الفقراء من مال الأغنياء، شكرًا لله تعالى وتطهيرًا للمال، ومال الصبي والمجنون قابل لأداء النفقات والغرامات، فلا يضيق عن الزكاة
(المجموع: 5/330)
.
قالوا: إذا تقرر هذا، فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما لأنها زكاة واجبة، فوجب إخراجها كزكاة البالغ العاقل. والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه. ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون، فكان على الولي أداؤه عنهما، كنفقة أقاربه. وتعتبر نية الولي في الإخراج، كما تعتبر النية من رب المال
(المغني المطبوع مع الشرح الكبير: 2/494)
.
وقال بعض المالكية: إنما يؤمر الولي بإخراج الزكاة عن الصبي إذا أمن أن يتعقب فعله، وجعل له ذلك، وإلا فلا وإذا أخرجها أشهد عليها، فإن لم يشهد فقد قال ابن حبيب، إن كان مأمونًا صدق
(شرح الرسالة لابن ناجي: 1/328)
.
وإذا خشي الولي أن يطالبه الصبي بعد البلوغ، أو المجنون بعد الإفاقة، بغرامة ما دفع من مالهما، بناء على مذهب أبي حنيفة ومن وافقه، فينبغي - كما اقترح بعض المالكية - أن يرفع الأمر لقاض - يرى وجوب الزكاة في مالهما، حتى يحكم له بلزوم الزكاة لهما، فلا يستطيع قاض بعد ذلك أن ينقض هذا الحكم؛ لأن الحكم الأول رفع الخلاف
(حاشية الصاوي على الدردير ص 206).

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #18  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفنيد أدلة المانعين من وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون

تفنيد أدلة المانعين من وجوب الزكاة في مالالصبي والمجنون


( أ ) أما ما استدل به المانعون للوجوب من قوله تعالى: (خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(التوبة: 103) من أن التطهير لا يكون إلا بإزالة الذنوب ولا ذنب على الصبي والمجنون. فيجاب عنه بأن التطهير ليس خاصًا بإزالة الذنوب، بل يشمل تربية الخُلُق وتنمية النفس على الفضائل، وتدريبها على المعونة والرحمة، كما يشمل تطهير المال أيضًا، فمعنى "تطهرهم": تطهر مالهم.
ولو سلمنا أنه خاص بما ذكروا، فإنما نص عليه نظرًا لأنه الشأن في الزكاة، أو الغالب، كما قال النووي
(قال في المجموع: الغالب أنها تطهير، وليس ذاك شرطًا، فإنا اتفقنا على وجوب زكاة الفطر والعُشر في مالهما وإن كان تطهيرًا في أصله: 5/330)
. وهذا لا يستلزم ألا تجب إلا لذلك اللون من التطهير - وأن ذلك هو السبب الوحيد لمشروعيتها، فقد أجمع العلماء على أن للزكاة سببًا آخر، وهو سد خلة الإسلام، وسد خلة المسلمين، والصبي والمجنون من أهل الإسلام.
(ب) وأما حديث: "رفع القلم عن ثلاثة" فالمراد -كما قال النووي- رفع الإثم والوجوب. ونحن نقول: لا إثم عليهما، ولا تجب الزكاة عليهما، بل تجب الزكاة في مالهما، ويطالب بإخراجها وليهما، كما يجب في مالهما قيمة ما أتلفاه، ويجب على الولي دفعها (انظر: المجموع - المرجع المذكور، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير: 2/493 - 494، ومقارنة المذاهب ص 49)
.
ورفع القلم عنهما لم يسقط حقوق الزوجات وذوي القربى عنهما، فلماذا يسقط حق المسكين وابن السبيل؟
(ج)
وأما استدلالهم بأن الزكاة عبادة كالصلاة، ولهذا قرن القرآن بينهما، والعبادة تحتاج إلى نية، والصبي والمعتوه ليسا من أهلها، وقد سقطت الصلاة عنهما فلتسقط الزكاة أيضًا.
فالجواب: إننا لا ننكر أن الزكاة عبادة، وأنها شقيقة الصلاة، وأنها أحد أركان الإسلام، ولكننا نقول: إنها عبادة متميزة بطابعها المالي الاجتماعي، فهي عبادة مالية تجري فيها النيابة، حتى تتأدى بأداء الوكيل، ولذا يجري فيها الجبر والاستحلاف من العامل عليها، وإنما يجريان في حقوق العباد، كما أنه يصح توكيل الذمي بأداء الزكاة عند الحنفية، والذمي ليس من أهل العبادة.
قال ابن حزم - ردًا على من قال: إنها فريضة لا تجزئ إلا بنية -: نعم، وإنما أمر بأخذها الإمام والمسلمون بقوله تعالى
: (خذ من أموالهم صدقة) فإذا أخذها من أمر بأخذها بنية أنها الصدقة أجزأت عن الغائب والمغمي عليه والمجنون والصغير ومن لا نية له (المحلى: 5/206)
.
والخلاصة أن الزكاة عبادة مالية تجري فيها النيابة، والولي نائب الصبي فيها، فيقوم مقامه في إقامة هذا الواجب، بخلاف العبادات البدنية كالصلاة والصيام، فإنها عبادات شخصية لا يجوز فيها التوكيل والإنابة، ولابد أن يباشرها الإنسان بنفسه، إذ التعبد فيها واضح باحتمال المشقة البدنية، امتثالاً لأمر الله تعالى.
وأما سقوط الصلاة عنهما فليس هناك تلازم بين الفريضتين بحيث تثبتان معًا وتزولان معًا. فإن الله لم يفرض الفرائض كلها على وجه واحد يثبت بعضها بثبوت بعض ويزول بعضها بزوال بعض
(انظر الأم للشافعي: 2/24 - ط. بولاق). ولا يلزم من سقوط الصلاة سقوط الزكاة (لأنه لا يسقط فرض أوجبه الله تعالى أو رسوله، إلا حيث أسقطه الله تعالى أو رسوله ولا يسقط فرض من أجل سقوط فرض آخر، بالرأي الفاسد بلا نص قرآن ولا سنة) (المحلى: 5/206)
.
وما أعدل ما قال أبو عبيد في هذا المقام: "إن شرائع الإسلام لا يقاس بعضها ببعض، لأنها أمهات، تمضي كل واحدة على فرضها وسنتها"
(الأموال ص 545، وقد بسط أبو عبيد، الكلام في الفرق بين الفريضتين فأحسن)
.
"إن الصلاة إنما هي حق الله عز وجل على العباد فيما بينهم وبينه، وإن الزكاة شيء جعله الله حقًا من حقوق الفقراء في أموال الأغنياء"
(الأموال ص 455)
.
وأما مصلحة الصبي والمجنون فتقابلها مصلحة الفقراء والمساكين، ومصلحة الدين والدولة، ومع هذا لم يهدر الشرع مصلحتهما بإيجاب الزكاة في مالهما، فإن الزكاة إنما تجب في المال النامي بالفعل أو ما من شأنه أن ينمي، ولو لم ينم بالفعل. كما أنها لا تجب إلا في المال الفاضل عن الحوائج الأصلية لماله كله، وقد ذهب بعض فقهاء الحنفية إلى أن النقود التي يحتاج إليها صاحبها للنفقة الضرورية لا تجب فيها الزكاة وإن بلغت نصابًا وحال عليها الحول، لأنها كالمعدومة - كما سيأتي في الباب الثالث
(في شرط "الفضل عن الحوائج الأصلية" من الفصل الأول من الباب الثالث)
- وهذا ما نختاره بالنسبة للصبي والمجنون اللذين لا يملكان إلا نقودًا لا تزيد على نفقتهما الضرورية إلى وقت البلوغ بالنسبة للصبي، وإلى العمر الغالب لأمثال المجنون.
وهنا جملة أمور ينبغي أن ننبه عليها:
*أولاً:
أن الصبي ليس مفروضًا أن يكون يتيمًا حتى تدخل العاطفة في الحكم في هذه القضية، فقد يرث المال عن أمه، أو يملكه بطريق الهبة أو الوصية من جد أو قريب أو غريب، ولهذا نرى أن العنوان الأصدق لهذه المسألة هو: "الزكاة في مال الصبي" لا في "مال اليتيم". ولنذكر أنها قد تكون ألوفًا أو عشرات الألوف أو مئات الألوف من الجنيهات أو الدنانير.
*ثانيًا: أن الأحاديث والآثار قد نبهت الأوصياء على وجوب تثمير أموال اليتامى حتى لا تلتهمها الزكاة، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس فقال: "ألا من ولي يتيمًا له مال فليتجر له فيه ولا يتركه فتأكله الصدقة"(رواه الترمذي والدارقطني)
.
وفي حديث يوسف بن ماهك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"ابتعثوا بأموال اليتامى لا تُذْهبها الصدقة"(تقدم قريبًا)
.
فواجب على القائمين بأمر اليتامى أن ينموا أموالهم، كما يجب عليهم أن يخرجوا الزكاة عنها.
نعم، إن في هذين الحديثين ضعفًا من جهة السند أو الاتصال ولكن يقويهما:
أولاً: أن هذا المعنى قد روي من عدة طرق يقوي بعضها بعضًا (بل صحح الحافظ العراقي بعض طرقه، كما ذكرنا)
.
وثانيًا:
أنه قد صح عن بعض الصحابة ما يوافقهما.
وثالثًا: أن الأمر بالاتجار في أموال اليتامى هو الملائم لقوله تعالى: (وارزقوهم فيها واكسوهم)(النساء: 5)
ولم يقل: ارزقوهم "منها".
ورابعًا:
أنه يوافق منهج الإسلام العام في اقتصاده، القائم على إيجاب التثمير، وتحريم الكنز.
والخطاب في الأحاديث المذكورة يتوجه إلى أولياء اليتامى خاصة، وإلى جماعة المسلمين وأولي الأمر فيهم عامة، فالواجب على الجماعة المسلمة ممثلة في الحكومة أن ترعى أموال هؤلاء اليتامى، وتطمئن إلى حسن تنميتها، وتضع من التشريعات، وتقيم من الضمانات، ما يكفل لمال اليتيم بقاءه ونماءه حتى لا تأكله الزكاة إلى جوار النفقة.
*ثالثًا:
أن المجتمع الإسلامي لا يضيع فيه يتيم ولا ضعيف، فلا خشية إلا على اليتيم إذا افترضنا أن أمواله لم تنم -كما أمرت الأحاديث وأشار القرآن- وأن الزكاة بمضي السنين قد أكلتها.
نعم، لا خشية عليه، لأنه في كفالة أقاربه الموسرين أولاً، ثم في كفالة الدولة ثانيًا، قال تعالى:
(يسألونك ماذا ينفقون، قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل، وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)(البقرة: 215)
.
(ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب)(البقرة: 177)
.
(واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (الأنفال: 41)
.
(ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)(الحشر: 7)
.
ففي أموال الأفراد نصيب لليتامى إذا أنفقوه زكاة أو شيئًا بعد الزكاة، وفي مال الدولة - من الزكاة أو الغنيمة أو الفيء - جزء لليتامى، عناية من الله بهم، ورعاية لضعفهم. وقد قال عليه السلام
: "أنا أولى بكل مسلم من نفسه، من ترك مالاً فلورثته ومن ترك دَيْنًا أو ضياعًا (يعني أولادًا ضائعين لقلة مالهم وصغر سنهم) فإليَّ وعليَّ" (متفق عليه)
.
وإذا كان اليتيم في كفالة المجتمع المسلم فلا محل للخوف عليه أن يهمل أو يضيع إذا كان من غير مال.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #19  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي موازنة وترجيح

موازنة وترجيح


هذه هي الأدلة التي استند إليها القائلون بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون وهم جمهور الأمة - كما رأينا - من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. والواقع أنها أدلة قوية بموازنة أدلة المخالفين:
( أ )
فعموم النصوص لكل صغير وكبير، وعاقل ومجنون. دليل سليم لا مطعن فيه. فإن الله فرض للفقراء والمساكين وسائر المستحقين حقًا في أموال الأغنياء، وهذا مال غني، ولم تشترط النصوص أن يكون هذا الغني بالغًا عاقلاً. مع شدة عناية الشارع بحفظ أموال اليتامى، فمن أراد التخصيص فعليه الدليل، وأين هو؟
(ب)
ثم حديث يوسف بن ماهَك الآمر بتنمية أموال اليتامى حتى لا تستهلكها الزكاة حديث صحيح السند ظاهر الدلالة. نعم هو حديث مرسل، ولكنه عضده العموم. وقوّتْه الشواهد، كما أيدته أقوال الصحابة رضي الله عنهم. ومثل ذلك حديث أنس الذي رواه الطبراني (وصححه العراقي) وأقره الهيثمي (وحسنه ابن حجر والسيوطي).
(ج) ولا ريب أن أقوال الصحابة - أمثال عمر وعلي وعائشة وابن عمر وجابر - إذا اتفقت في موضوع كهذا، يكثر وقوعه وتعم به البلوى، وخاصة في ذلك المجتمع الذي قدم الشهداء تلو الشهداء، وكثر فيه اليتامى، كان لها دلالتها واعتبارها في هذا المقام، ولا يسع عالمًا إهدار أقوالهم التي أجمعت على هذا الأمر، مع قرب عهدهم بالرسول وكمال فهمهم عنه، ومعرفتهم بالقوارع التي أنزلها الله في شأن أموال اليتامى. والحق أنه لم يصح عن أحد من الصحابة القول بعدم وجوب الزكاة في مال اليتيم. وما روي عن ابن مسعود وابن عباس فهو ضعيف لا يحتج بمثله (انظر مرعاة المفاتيح للعلامة المباركفوري: 3/25)
.
( د )
وإذا نظرنا إلى المعنى المعقول في تشريع الزكاة تبين لنا أنها حق الفقراء والمساكين والمستحقين في مال الأغنياء، والصبي والمجنون أهل لوجوب حقوق العباد المالية عليهما، فهما أهل لوجوب الزكاة أيضًا.
أما أن الزكاة حق من حقوق العباد، فلأنها داخلة في قوله تعالى:
(والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم)(المعارج: 24 - 25)، وأيضًا قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) الآية (التوبة:60)
، والإضافة بحرف اللام "للفقراء" تقتضي الاختصاص بجهة الملك، إذا كان المضاف إليه من أهل الملك كالفقراء ومن عطف عليهم.
ومما يدل على أن الزكاة حق من حقوق المال: قول الخليفة الأول في محاورته لعمر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال" كما ثبت في الصحيحين.
وأما أن الصبي والمجنون أهل لوجوب حقوق العباد في ملكهما؛ فهذا ثابت باتفاق، إذ الصغر والجنون لا يمنعان حقوق الناس، ولهذا يجب في مالهما ضمان المتلفات، وتعويضات الجنايات، ونفقات الزوجات والأقارب ونحوها
(انظر: بدائع الصنائع: 2/4-5، ورد المحتار: 2/4)
.
ومن هنا نقول: إن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون بالشروط التي سنوضحها في المال الذي تجب فيه الزكاة، ومنها: الفضل عن الحوائج الأصلية. .
وبهذا الشرط تخرج النقود المحتاج إليها في النفقة اللازمة لهما؛ لأنها غير فاضلة عن حاجتهما.
بهذا كله يتبين لنا رجحان مذهب الأئمة الثلاثة على مذهب الحنفية. وبخاصة أنهم أوجبوا العُشر في مال الصبي والمجنون، وأوجبوا زكاة الفطر في مالهما، ولم يوجبوا الزكاة عليهما فيما عدا ذلك من الأموال.
والقياس يقتضي: أن من وجب العشر في زرعه وجبت الزكاة في سائر أمواله. ولا فرق بين ما يدل عليه قوله تعالى:
(وآتوا حقه يوم حصاده)(الأنعام: 141)، وقوله: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)(الذاريات: 19)
.
كما لا فرق بين ما يدل عليه قوله عليه السلام:
"فيما سقت السماء العُشر"، وقوله: "في الرقة - الدراهم المضروبة - ربع العشر"
.
فتفرقه الحنفية بين الزروع والثمار والأموال الأخرى، وقولهم: إن الغالب في الأولى معنى المؤنة دون الثانية تفرقة ليس لها أساس معقول ولا منقول.
ومن ثَمَّ اشتد ابن حزم في النعي على هذه التفرقة فقال: "ليت شعري، ما الفرق بين زكاة الزرع والثمار وبين زكاة الماشية والذهب والفضة" ؟؟‍‍ !!.
فلو أن عاكسًا عكس قولهم فأوجب الزكاة في ذهبهما وفضتهما وماشيتهما وأسقطها عن زرعهما وثمرتها، أكان يكون بين الحكمين فرق في الفساد"؟
(المحلى: 5/205)
.
وقال ابن رشد: وأما من فرق بين ما تخرجه الأرض وما لا تخرجه، وبين الخفي والظاهر في الأموال (ويريد بالظاهر: الماشية والزرع والثمر): فلا أعلم له مستندًا في هذا الوقت
(بداية المجتهد: 1/209 - ط. مصطفى الحلبي).

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #20  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي الخلاصة

الخلاصة

أن مال الصبي والمجنون تجب فيه الزكاة، لأنها حق يتعلق بالمال فلا يسقط بالصغر والجنون، ويستوي في ذلك أن يكون ماله ماشية سائمة أو زرعًا وثمرًا، أو تجارة أو نقودًا: بشرط ألا تكون النقود مرصدة لنفقته الضرورية، فإنها حينئذ لا تكون فاضلة عن الحاجة الأصلية له. ويطالب ولي الصبي والمجنون بإخراج الزكاة عنهما. والأولى - كما قال بعض المالكية - أن تقضي بذلك محكمة شرعية، ليرفع حكمها الخلاف، ولا يتعرض الولي للمطالبة بغرامة أو تعويض بناء على مذهب الحنفية.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:31 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.