المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > المنتدى الفكري
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 02-28-2011
محب الأقصى محب الأقصى غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 218
افتراضي ثناء ابن باز رحمه الله تعالى على كتـــــــــــــاب فقه الزكاة للشيخ العلامة القرضاوي

يقول الشيخ القرضاوي في مذكراته:

(ولقد استُقبِل الكتاب بحفاوة وتقدير كبيرين، وجاءتني رسائل من عدد من الشخصيات المرموقة التي أهديت الكتاب إليها، منهم الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن زيد المحمود، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ أبو الأعلى المودودي، والشيخ أبو الحسن الندوي، والأستاذ محمد المبارك، والشيخ محمد الغزالي، وغيرهم ممن لا أذكره الآن.

وأثنى عليه الشيخ علي الطنطاوي في برنامجه في إذاعة السعودية، وفي برنامجه التليفزيوني "على مائدة الإفطار" في رمضان أكثر من مرة.

وقال عنه الأستاذ أبو الأعلى المودودي: إنه كتاب القرن (أي الرابع عشر الهجري) في الفقه الإسلامي. نقل ذلك عنه الأستاذ خليل أحمد الحامدي مدير القسم العربي بالجماعة الإسلامية بباكستان.

وكتب الأستاذ المبارك في مقدمة كتابه عن "الاقتصاد" في "نظام الإسلام" منوهًا به، ومنبها أهل العلم على قيمته، فقال: "ومن الكتب الحديثة ما هو خاص بموضوع معين، ومن هذا النوع كتاب فقه الزكاة للأستاذ يوسف القرضاوي، وهو موسوعة فقهية في الزكاة استوعبت مسائلها القديمة والحديثة، وأحكامها النصية والاجتهادية على جميع المذاهب المعروفة المدونة، لم يقتصر فيها على المذاهب الأربعة، مع ذكر الأدلة ومناقشتها، وعرض لما حدث من قضايا ومسائل، مع نظرات تحليلية عميقة، وهو بالجملة عمل تنوء بمثله المجامع الفقهية، ويعتبر حدثًا هامًّا في التأليف الفقهي، جزى الله مؤلفه خيرًا".

وقال عنه الشيخ محمد الغزالي: "لم يؤلَّف في الإسلام مثله في موضوعه". قال ذلك في كتابه: مائة سؤال عن الإسلام.

نقلا عن احد الكتاب في ملتقى أهل الحديث


لتوثيق هذا الكلام من الشيخ محمد إسماعيل المقدم

بدون وصلات سيئة

http://www.youtube.com/user/abdelmeg.../3/_GoasXe2AE0



الشيخ المقدم ينكر سب القرضاوي

من كلماته

ونحن صغار وقعنا في شيء من هذا - تجميع الأخطاء -

هواة البحث في القمامة !!!

http://www.youtube.com/user/MrAbooma...16/_nunEBK6OGM








آخر تعديل بواسطة محب الأقصى ، 03-01-2011 الساعة 08:56 AM
رد مع اقتباس
 
 
  #2  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي مقدمة الطبعة السادسة عشرة

مقدمة الطبعة السادسة عشرة
هذا الكتاب عمل على تجميع ما تبعثر عن (الزكاة ) في المصادر الأصلية ، محاولا تمحيص ما ورد في الموضوع من خلافات كثيرة بغية الوصول إلى أرجح الآرآء وفق الأدلة الشرعية وعلى ضوء حاجة المسلمين ومصلحتهم في هذا العصر ، ومحاولة إبداء الرأي فيما جد من مسائل وأحداث متعلقة بالموضوع ، وتصحيح ما شاع من أفكار خاطئة حول الزكاة ، وقد ترجم هذا الكتاب لعدة لغات إسلامية وعالمية..
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله (من "خطبة الحاجة" التي كان يعلمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه، ورواها عنه ستة منهم، وهي في صحيح مسلم وغيره). صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد .
عناية الإسلام بالمجتمع الإنساني
فقد عُنِيَ الإسلام في كتابه وسنته بالمجتمع الإنساني، وعلاج مشكلاته وأدوائه، وذلك لأنه دين إنساني، جاء بتكريم الإنسان، وتحرير الإنسان، ففيه تتعانق المعاني الروحية والمعاني الإنسانية، وتسيران جنبًا إلى جنب.
والإسلام لا يتصور الإنسان فردًا منقطعًا في فلاة، أو منعزلاً في كهف أو دير، بل يتصوره دائمًا في مجتمع، يتأثر به ويؤثر فيه . ويعطيه كما يأخذ منه، ولهذا خاطب الله بالتكاليف الجماعة المؤمنة لا الفرد المؤمن: (يا أيها الذين آمنوا)، وكانت مناجاة المؤمن لربه في صلاته بلسان الجماعة لا بضمير المفرد: (إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم) (الفاتحة: 5/6) .لهذا قلنا: إن مقتضى عناية الإسلام بالإنسان، العناية بالمجتمع كله، فالإنسان اجتماعي بالفطرة، أو مدني بالطبع، على حد تعبير القدماء.
وإذا كان الإسلام قد عُنِيَ بالمجتمع عمومًا، فإنه عُنِيَ عناية خاصة بالفئات الضعيفة فيه، وهذا سر ما نلاحظه في القرآن الكريم من تكرار الدعوة إلى الإحسان باليتامى والمساكين وابن السبيل وفى الرقاب، يستوي في ذلك مكي القرآن ومدنيه . وذلك لأن كل واحد من هذه الأصناف يشكو ضعفًا في ناحية، فاليتيم ضعفه من فقد الأب، والمسكين ضعفه من فقد المال، وابن السبيل ضعفه من فقد الوطن، والرقيق ضعفه من فقد الحرية.
وإذا كانت بعض المجتمعات تهمل هذه الفئات الشعبية الضعيفة، ولا تلقى لها بالاً في سياستها الاجتماعية والاقتصادية، ولا تكاد تعترف لها بحق: لأنها لا تُرْجَى ولا تُخْشَى، وليس بيدها خزائن المال، ولا مقاليد السلطان - فإن رسول الإسلام محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد نبه على قيمة هذه الفئات ومكانها من المجتمع، فهي عدة النصر في الحرب، وصانعة الإنتاج في السلم؛ فبجهادها وإخلاصها يتنزل نصر الله على الأمة كلها، وبجهودها وكدحها في سبيل الإنتاج يتوافر الرزق لها.
وإلى هذه الحقيقة يشير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبى وقاص، حين قال له فيما رواه البخاري: "هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم" ؟.
ومن هنا حرص الإسلام على أن تكون هذه الفئات الجاهدة المجاهدة، مستريحة في حياتها، مطمئنة إلى أن معيشتها مكفولة، وأن حقوقها في العيش الكريم مضمونة، بحيث يجب أن يوفر لكل فرد فيها على الأقل حد الكفاية، بل تمام الكفاية من مطالب الحياة الأساسية، إذا عجز عن العمل، أو قدر عليه ولم يجده، أو وجده ولم يكن دخله منه يكفيه، أو يكفيه بعض الكفاية دون تمامها. على أن الإسلام لم يغفل من حسابه أن القوي قد تطرأ عليه ظروف تجعله في مركز الضعف والحاجة، لغرم في مصلحة خاصة أو عامة، أو لانقطاعه عن ماله ووطنه في سفر وغربة، ففرض لهذا النوع من الزكاة ما ينهض بهم إذ عثروا، ويمدهم بالقوة إذ ضعفوا.
ولكن ما المورد المالي الذي يحقق هذه الأهداف، ويفي بهذه المطالب ؟.
هنا يأتي دور الزكاة التي جعل الشرع جل حصيلتها لهذه الأغراض الاجتماعية، وهى ليست بالشيء الهين، إنها العشر أو نصفه مما أنبت الله من الثروة الزراعية، وربع العشر من الثروة النقدية والتجارية، ونحو هذا المقدار - تقريبًا - من الثروة الحيوانية، وخمس ما يعثر عليه من الكنوز، بالإضافة إلى خمس الثروة المعدنية والبحرية كما يرى بعض الفقهاء.
ولقد كان من روائع الإسلام، بل من معجزاته الدالة على أنه دين الله حقًا، أنه سبق الزمن، وتخطى القرون، فعنى - منذ أربعة عشر قرنًا مضت - بعلاج مشكلة الفقر والحاجة، ووضع الفقراء والمحتاجين، دون أن يقوموا بثورة، أو يطالبوا - أو يطالب لهم أحد بحياة إنسانية كريمة، بل دون أن يفكروا هم مجرد تفكير في أن لهم حقوقًا على المجتمع يجب أن تؤدى، فقد توارث هؤلاء على مر السنين والقرون أن الحقوق لغيرهم، وأما الواجبات فعليهم!!.
ولم تكن عناية الإسلام بهذا الأمر سطحية ولا عارضة، فقد جعلها من خاصة أسسه، وصلب أصوله، وذلك حين فرض للفقراء وذوى الحاجة حقًا ثابتًا في أموال الأغنياء، يَكْفُر مَن جَحَدَه، ويَفْسُق من تَهرَّب منه، ويُؤخذ بالقوة ممن منعه، وتُعلن الحرب من أجل استيفائه ممن أبَى وتمرد.
كان ذلك الحق هو الزكاة ؛ الفريضة الإسلامية العظيمة التي اهتم بها القرآن والسنة، وجعلاها ثالثة دعائم الإسلام.
أهمية موضوع الزكاة
هذه الفريضة الجليلة - الزكاة - لها أكثر من وجه يجعل لها أهمية خاصة.
فهي - من جهة - عبادة من العبادات الأربع، كالصلاة والصيام والحج، ومن هذا الوجه تقرن في القرآن والحديث بالصلاة، وتأتى بعدها عادة في كتب الفقه في قسم العبادات. وهى - من وجه آخر - مورد أساسي من الموارد المالية في الدولة الإسلامية، وهذا يخرجها عن أن تكون عبادة محضة، فهي جزء من النظام المالي والاقتصادي في الإسلام، ولهذا عنيت بها كتب الفقه المالي في الإسلام مثل: "الخراج" لأبى يوسف، و"الخراج" ليحيى بن آدم، و "الأموال" لأبى عبيد، و"الأموال" لابن زنجويه، وغيرها. ومثلها كتب السياسة الشرعية، مثل: "الأحكام السلطانية" لكل من الماوردي، وأبى يعلى، و"السياسة الشرعية" لابن تيمية ونحوها.
وهى -من وجه ثالث- المؤسسة الأولى للضمان الاجتماعي في الإسلام، ونظرة سريعة إلى مصرفها، كما نص عليها القرآن، تشير بوضوح إلى الوجه الاجتماعي للزكاة، وإلى الأهداف الإنسانية التي تتوخى تحقيقها في المجتمع المسلم، فإن خمسة من مصارفها الثمانية تتمثل في ذوى الحاجات الأصلية أو الطارئة من الفقراء والمساكين وفى الرقاب والغارمين وابن السبيل، ومصرف سادس لخدمة هذه المصارف وهو الجهاز الإداري لجمع الزكاة وتفريقها.
أما المصرفان الباقيان فلهما علاقة بسياسة الدولة الإسلامية ورسالتها في العالم، ومهمتها في الداخل والخارج، فلها -من مال الزكاة- أن تؤلف القلوب على الإسلام، استمالة إليه، أو تثبيتًا عليه، أو ترغيبًا في الولاء لأمته، والمناصرة لدولته، أو نحو ذلك مما تقتضيه المصلحة العليا للأمة.
كما أن للزكاة دورًا في تمويل الجهاد، ومنه نشر الدعوة، وحماية الأمة من الفتنة، وإعانة المجاهدين والدعاة حتى تعلو كلمة الإسلام، ويظهر دين محمد -صلى الله عليه وسلم- على الدين كله، ولو كره المشركون.
وربما يقول بعض الناس: إن كتبنا القديمة قد حفلت بالشيء الكثير عن الزكاة وأحكامها، وفصلت فيها القول، حيث تعرض لها المفسرون والمحدثون والفقهاء، كل في مجال اختصاصه، وخلفوا لنا من بحوثهم ثروة غير قليلة. فما وجه حاجتنا إلى بحث جديد، وما مهمة هذا البحث؟.
والجواب: إن مادة البحث المتعلقة بالزكاة غزيرة وموفورة بلا ريب. ولكن يلاحظ على هذه المادة أمور:
(أ) أنها كتبت بلسان غير لسان عصرنا، إذ لا شك أنها تحمل طابع عصرها، من حيث العرض والأسلوب والتقسيم والمصطلحات والتقديرات وغيرها. فلا بد من إعادة عرضها عرضًا يلائم روح العصر، ويعين على تصور حكم الإسلام فيها، كما يجب ترجمة المعايير والتقديرات القديمة إلى مقاييس زمننا، ليمكن فهمها وتطبيقها.
(ب) أن هذه المادة مبعثرة بين مختلف المصادر والمظان: من كتب التفسير إلى كتب الحديث، إلى كتب الفقه العامة، إلى كتب الفقه المالي والإداري، وغيرها من مراجع الثقافة الإسلامية؛ فلا بد من جمع شتاتها، وضم بعضها إلى بعض ضمًا يجعل منها عقدًا منتظمًا.
(جـ) أنها بقدر غزارتها حافلة بالاختلافات بين المذاهب بعضها وبعض، وفى داخل كل مذهب بين الروايات والأقوال والوجوه، وما حولها من تصحيحات وترجيحات. وهذا -برغم دلالته على الخصوبة والسعة والتسامح الفكري- يجعل أخذ رأى من الآراء المعروضة للعمل به أمرًا صعبًا، وخصوصًا إذا تولت أمر الزكاة مؤسسة عامة من قبل الدولة، أو بإشرافها.
فلا بد إذن من اختيار أرجح الآراء، وفقًا لنصوص الشريعة ومقاصدها الكلية، وقواعدها العامة، مع مراعاة طبيعة عصرنا، وتطور أوضاع المجتمع الإسلامي فيه، فقد يصلح رأى لزمن ولا يصلح لغيره، ويصلح لبيئة ولا يصلح لأخرى، ويفتى به في حال، ولا يفتى به في حال آخر . ولهذا قرر المحققون كابن القيم وغيره: أن الفتوى تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال والعوائد.
(د) أن هناك أموالاً جدت في عصرنا لم تكن معروفة في عصور الاجتهاد الفقهي، وإن كان بعضها موجودًا، فهو لم يكن بحجمه اليوم، كالعمارات السكنية الاستغلالية والمصانع والأسهم وغيرها. فما رأى الفقه المعاصر فيها ؟ وما موقف المجتهد المسلم منها ؟. لا بد من جواب بالإثبات أو النفي أو التفصيل.
(هـ) أنها لم تُعطَ عناية كبيرة لتجلية الأهداف والمقاصد الإنسانية والاجتماعية المنوطة بهذه الفريضة، لعدم شعورهم بكثير من الحاجة إليها، ونظرًا لغلبة الطابع التعبدي عليها، وإن كان الباحث الصبور لا يعوزه أن يجد هنا وهناك لقطات وقبسات ذات دلالة واضحة.
فلا بد من تجلية هذه الأهداف، وإلقاء الضوء الكافي عليها، وبخاصة أن غلبة الشكوك والشبهات في زمننا - نتيجة ضعف المسلمين وتخلفهم، وقوة خصومهم وتقدمهم - جعلت العقول لا تكتفي بمعرفة الحكم حتى تدرك سره وحكمته.
ولنا في تعليلات القرآن والسنة للأحكام والأوامر والنواهي، بشتى أساليب التعليل وأدواته - أسوة حسنة.
(و) وبعد ذلك، أن لكل عصر اهتماماته ومشكلاته الفكرية والنفسية والاجتماعية، التي تشغل أهله، وتترك أثرها في إنتاجهم العلمي، وتراثهم الفكري، ثم يأتي عصر آخر، فتنطفئ جمرة هذه المشكلات، وتخف حرارتها حتى تتحول إلى رماد. على حين تثور قضايا ومشكلات جديدة تشغل أفكار اللاحقين، لم تكن ذات بال، بل ربما لم يكن لها وجود عند السابقين.
وفى عصرنا برزت المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في العالم كله، وتعددت المذاهب والأنظمة الداعية إلى حلها، وقام من أجل ذلك صراع مذهبي رهيب، قسم العالم إلى معسكرين فكريين متقابلين: معسكر الرأسمالية ومن يمشى في ركابها، ومعسكر الشيوعية ومن يدور في فلكها؛ على حين يقف المسلمون بين هؤلاء وهؤلاء متفرجين أحيانًا، ومائلين أحيانًا أخرى إلى هذا المعسكر أو ذاك، كأنما ليس لهم نظامهم الفذ، ومذهبهم المتميز الذي جعلهم الله به أمة وسطًا.
ولا بد أن يسهم الباحثون المسلمون - بقدر ما آتاهم الله من علم وفكر - في توضيح الفكرة الإسلامية، وتحديد الموقف الإسلامي، وخاصة في المجال الاقتصادي والاجتماعي. حتى نستغني بما عندنا عن الاستيراد من عند غيرنا، ولا سيما إذا كان ما عندنا أعدل وأكمل وأمثل؛ لأنه صبغة الله: (ومن أحسن من الله صبغة)(البقرة: 138).
ولعل هذا الكتاب يساهم بنصيب متواضع فى هذه السبيل، وعسى أن تتبعه بحوث وبحوث، تجلى ما نقصد إليه من بيان تميز الإسلام وتفوقه على جميع المذاهب الاجتماعية في العالم.
كلمة عن مصادر الاستدلال والمعرفة للزكاة
لن أتحدث هنا عن منهج البحث في هذا الكتاب وقواعده في الاستنباط والاختيار والترجيح، فقد وضحت ذلك في مقدمة الطبعة الأولى، ولكنى أزيد هنا كلمة عن مصادر المعرفة والاستدلال، التي اعتمدت عليها، وموقفي منها.
وإذا كان البحث عن "فقه الزكاة" في الإسلام، فلا بد من الرجوع إلى منابع أو مصادر المعرفة الإسلامية الصحيحة، لنتبين منها حقيقة الزكاة وأهدافها، كما جاء بها الإسلام. ولا بد من تحديد قيمة كل مصدر منها، ومرتبته من غيره، وطريقة الأخذ منه والاستدلال به.
القرآن الكريم
ولا ريب أن أول هذه المصادر التي يستمد منها الباحث معرفته عن " الزكاة " هو القرآن الكريم. الذي أشار إلى وجوب الزكاة منذ العهد المكي. ثم أكد وجوبها في المدينة بشتى الأساليب، ونبه إلى بعض الأموال التي تجب فيها الزكاة مثل الكسب وما خرج من الأرض والذهب والفضة، كما نص على مصارف الزكاة الثمانية، وأشار إلى بعض أهدافها. وكرر الحديث عن الزكاة والصدقة والإنفاق في كثير من الآيات التي تناولتها بالشرح والبيان كتب التفسير على اختلاف ألوانها، وبخاصة ما عُنِىَ منها بالأحكام أو وضع له ابتداء.
والقرآن باعتباره دستور الإسلام، لم يتعرض للجزئيات والتفصيلات، ولهذا كثرت فيه العمومات والإطلاقات . ورأى هو الأخذ بها، وإعمالها، ما لم يخصصها أو يقيدها دليل صحيح من السنة، أو من قواعد الشرع العامة.
ولهذا مِلت إلى التوسعة في "وعاء الزكاة" عملاً بعموم: (خذ من أموالهم) (التوبة: 103). وما شابهها. ورجحت رأي أبى حنيفة في تزكية كل ما خرج من الأرض، عملاً بعموم: (ومما أخرجنا لكم من الأرض) (البقرة: 267) على حين خالفته - رضي الله عنه - في عدم اشتراط النصاب، لصحة حديث: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" ثبوتًا ودلالة. ولم آخذ بإطلاق: "في سبيل الله" حسب وضعها اللغوي الأصلي، لما قيدها من استعمال الشرع، ومن حكم السياق. ولكنى رجحت توسيع مدلول الجهاد -الذي فهمه الجمهور من العبارة- بحيث يشمل كل معاني الجهاد: العسكرية والفكرية والتربوية والاجتماعية، ونحوها.
السنة النبوية
وثاني هذه المصادر هو السنة النبوية -قولية وعملية وتقريرية-. فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو المبين للناس ما نزل إليهم بنص القرآن، ولهذا كانت سنته هي الشرح النظرى، والتفسير العملي لكتاب الله، فهي التي تفصل ما أجمله، وتفسر ما أبهمه، وتقيد ما أطلقه، وتخصص ما عممه، وتضع الصور العملية لتطبيقه ؛ فلولا السنة لم يعرف المسلم صلاته ولا زكاته ولا حجة ولا عمرته، متى تكون؟ وكيف تكون؟ وكم تكون؟ فإنه مجملة في القرآن العزيز غاية الإجمال.
روى أبو داود: أن رجلاً قال لعمران بن حصين -رضى الله عنه-: يا أبا نجيد! إنكم لتحدثوننا بأحاديث ما نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمران، وقال للرجل: أوجدتم: في كل أربعين درهما درهم؟ ومن كل كذا شاة شاة؟ ومن كل كذا وكذا بعيرًا كذا؟ أوجدتم هذا في القرآن؟! قال: لا. قال: فممن أخذتم هذا؟ أخذتموه عنا، وأخذناه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر أشياء نحو هذا (انظر: مختصر السنن للمنذري: 2/174).
يعنى أنه ذكر له أشياء من الصلاة والحج وغيرهما مما جاء في القرآن مجملاً وبينته السنة.
ولا غرو أن تكون السنة هي المصدر الخصب لأحكام الزكاة وأسرارها، وأن يكون للزكاة في كتب السنة مجال رحب، ومكان فسيح.
ففي كتاب الزكاة من الجامع الصحيح للإمام البخاري من الأحاديث المرفوعة (172) مائة واثنان وسبعون حديثًا، وافقه مسلم على تخريجها سوى سبعة عشر حديثًا (ذكر ذلك الحافظ فى خاتمة كتاب الزكاة من فتح الباري: 4/120 - ط. الحلبي)0، وهذا عدا الآثار المروية عن الصحابة والتابعين.
وفى مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري (70) سبعون حديثًا (من الحديث رقم (500) إلى رقم (570) ط. وزارة الأوقاف الكويتية. تحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني).
وفى سنن أبى داود (145) مائة وخمسة وأربعون حديثًا (من الحديث رقم (1556) إلى رقم (1700) - 2/126 - 180 تحقيق الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد).
وفى سنن ابن ماجة (61) واحد وستون حديثًا (من الحديث رقم (783) إلى رقم (844) - ط . عيسى الحلبي. تحقيق: المرحوم محمد فؤاد عبد الباقي).
وفى مسند أحمد (252) مائتان واثنان وخمسون حديثًا، وفق ترتيب المرحوم الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا للمسند على الأبواب (انظر: الجزأين الثامن والتاسع من "الفتح الرباني" ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا).
وفى سنن الدارقطني في كتاب الزكاة وزكاة الفطر (251) مائتان وواحد وخمسون حديثًا (من ص89 - 154 من الجزء الثاني - ط . دار المحاسن للطباعة بالقاهرة).
وفى "السنن الكبرى" للبيهقي عدد جم من الأحاديث ملأ (119) مائة وتسع عشرة من الصفحات من القطع الكبير (من ص81 -199 من الجزء الرابع- ط. حيدر آباد بالهند).
وفى كتاب "جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد" (195) مائة وخمسة وتسعون حديثًا (لمؤلفه العلامة محمد بن محمد بن سليمان الروداني الفاسي المغربي (المتوفى بدمشق سنة 1094 هـ) . الذي جمع فيه أحاديث 14 كتابًا: الكتب الستة، والموطأ، ومسانيد أحمد والدارمي وأبى يعلى والبزار ومعاجم الطبراني الثلاثة. بتعليق وتحقيق السيد محمد هاشم اليماني).
وفي "الترغيب والترهيب" للمنذري (328) ثلاثمائة وثمانية وعشرون حديثًا (من الحديث رقم (1068) إلى رقم (1396) - 2/98 - 208 - ط. السعادة تحقيق المرحوم الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد).
وفي "المطالبة العالية بزوائد المسانيد الثمانية" (المراد بها: مسانيد أبى داود الطيالسي، والحميدي، وابن أبي عمر، ومسدد، وأحمد بن منيع، وأبى بكر بن أبى شيبة، وعبد بن حميد، والحارث بن أبى أسامة، والمسانيد كتبت مرتبة على أساس إفراد ما رواه كل صحابي على حده، في أي باب كان، وسواء أكان الحديث صحيحًا أم حسنًا أم ضعيفًا . فيقال مثلاً: مسند أبى بكر، ويروى فيه كل ما رواه أبو بكر.. وهكذا) للحافظ ابن حجر (98) ثمانية وتسعون حديثًا (من رقم (809) إلى رقم (907) - 1/231 - 265 - ط. المطبعة العصرية بالكويت... نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت).
على أن الاستدلال بالسنة، والاستشهاد بالأحاديث، مزلة قدم لمن يأخذ أي حديث يصادفه في أي كتاب من الكتب المشهورة في الفقه أو التصوف أو التفسير ونحوها، ممن لم يلتزم مؤلفوها تخريج ما يذكرونه من الحديث، أو حتى مجرد نسبته إلى من أخرجه من أئمة السنة، وهذا أمر لم يسلم منه جماعة من كبار الفقهاء والمتصوفة والمفسرين.
كما أن عزو الكتاب إلى مصدره لا يكفى إلا في الكتب التي يكون العزو إليها معلمًا بالصحة، كالصحيحين وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان، وإن كان في تصحيحهما بعض التساهل، كما نبه على ذلك أئمة النقد، وهما على كل حال أفضل من مستدرك الحاكم الذي لم يفِ فيه بما اشترط على نفسه من التزام إخراج الصحيح فحسب، فأخرج الضعيف والواهي والمنكر، بل الموضوع.
ولهذا ألزمت نفسي غالبًا بأمرين

1-ألا آخذ الحديث إلا من مصادره المعتمدة من دواوين الحديث، وكتبه المشهورة، إما بالرجوع إلى الكتب الأصلية نفسها كالكتب الستة والموطأ ومسند أحمد ونحوها، أو بالرجوع إلى كتب التجميع مثل جامع الأصول، ومجمع الزوائد وجمع الفوائد، والجامع الصغير، وكنز العمال ونحوها، أو الكتب الخاصة بنوع معين من الحديث، كالترغيب والترهيب، ومنتقى الأخبار، وبلوغ المرام، ونحوها.
وحين أضطر إلى نقل حديث من كتاب فقهي أو نحوه، أعمل على تخريجه من كتب التخريج المعروفة التي خدم بها حفاظ الحديث ونقاده الكتب الشهيرة في الفقه وغيره، مثل " نصب الراية لأحاديث الهداية " للحافظ الزيلعي، وملخصه للحافظ ابن حجر المسمى بـ "الدراية" و "تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" لابن حجر أيضًا، ومثل ذلك تخريج الحافظ زين الدين العراقي لكتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي.
2- بيان درجة الحديث من حيث الصحة، أو الحسن، أو الضعف.
فما لم يكن في الصحيحين وما ألحق بها من الكتب التي التزمت الصحة، فغالبًا ما أبين درجته نقلاً عن أئمة هذا الشأن، إذ ليس كل ما في كتب السنن والمسانيد والمعاجم في درجة الصحة أو الحسن المحتج به، ففيها الضعيف، والضعيف جدًا، بل الموضوع.
وعمدتي في الاستدلال إنما هو الحديث الصحيح أو الحسن، فأما الضعيف فلا أذكره إلا للاستئناس به، وتأييد ما ثبت بغيره من أدلة الشرع ونصوصه وقواعده؛ إذ من المقرر المعرف أن الضعيف لا يعمل به في الأحكام، وإنما أستأنس بالضعيف المقارب، أما الشديد الضعف، أو ما لا أصل له، فلم أُدخله في كتابي -والحمد لله- إلا إذا جاء ضمن نص منقول، فأبقيه حسبما تقتضيه الأمانة العلمية، مع التنبيه على درجته في الحاشية.
3- سنن الخلفاء الراشدين المهديين
وثالث هذه المصادر: السوابق التطبيقية للصحابة وخاصة سنة الخلفاء الراشدين المهديين الذين ألحق الرسول - صلى الله عليه وسلم- سنتهم بسنته، وأمرنا بالتمسك بها والحرص عليها، في حديثه الذي رواه عنه العرباض بن سارية: " إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى، عضوا عليها بالنواجذ"
(رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح. وهو الحديث الثامن والعشرون من الأربعين النووية).
وأولى من ينطبق عليه هذا الحديث هم الخلفاء الأربعة -رضى الله عنهم-، وألحق بهم بعض العلماء: عمر بن عبد العزيز الذي عدوه خامس الراشدين بحق كما تشهد بذلك سيرته وأعماله ومآثره -رضى الله عنه-.
وإليه ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه (المنار المنيف لابن القيم بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبى غدة ص150).
ومن هنا احتفلنا بهدي العمرين في جمع الزكاة وتفريقها، وخصوصًا عمر الأول. فإن سنته التي سار عليها مع وجود الصحابة وإقرارهم لها -رضى الله عنهم- تعد جزءًا من مصادر التوجيه والتشريع في الإسلام، بنص الحديث النبوي المذكور.
4- أقوال الفقهاء
ورابع تلك المصادر: أقوال الفقهاء وآراؤهم، سواء أكانت تفسيرًا للنصوص، أم استنباطًا منها، أو قياسًا عليها، أو تعليلاً لها، فما كان من هذه الأقوال موضع إجماع متيقن فهو حجة لا أعدوه، وما لم يكن كذلك فهو "رصيد" ثمين أستفيد منه وأنتفع به، ولكنى لا ألتزم مذهبًا واحدًا آخذ بكل أقواله واجتهاداته، فقد يسوغ هذا للمرء في خاصة نفسه.
أما إذا أريد لنظام كالزكاة أن يوضع موضع التنفيذ في دولة عصرية مسلمة، فلا بد من التخير من أقوال الفقهاء، ما يكون أقوى حجة، وأقرب إلى مقاصد الشرع، وروح الإسلام. ولا أعنى بالفقهاء أئمة المذاهب الأربعة -رضى الله عنهم- وأتباعهم فحسب، بل أعنى فقهاء الإسلام منذ عهد الصحابة، فقد أستدل بقول أحد الراشدين أو معاذ أو عائشة أو ابن عمر أو ابن عباس أو غيرهم، وقد أستشهد بقول تابعي كالزهري أو عطاء أو الحسن أو مكحول أو النخعي، وقد آخذ بقول الأتباع وأتباعهم كالثوري والأوزاعي وأبى عبيد وإسحاق وغيرهم.
فأئمتنا المتبوعون على فضلهم ومكانتهم، ليسوا هم كل فقهاء الأمة، وإن كانت مذاهبهم بما تيسر لها من خدمة أصحابهم وتلاميذهم وأتباعهم في مختلف الإعصار والأقطار، قد نمت ونضجت واتسعت، وأصبحت بذلك النبع الثر، والمصدر السخي لكل دارس لشريعة الإسلام.
ولكننا نحجر واسعًا، إذا أغلقنا الباب دون الانتفاع بتراث السلف كله، وهو ثروة طائلة من العلم الأصيل، والاجتهاد المستقل، لا تقدر بثمن. وقد انتفعت بحمد الله بهذا وهذا كله، فرجعت إلى تراث الصحابة والسلف في الكتب التي عنيت بذلك مثل كتاب "الخراج" ليحيى بن آدم، و"الخراج" لأبى يوسف، وكتاب "الأموال" لأبى عبيد القاسم بن سلام ، ومثل "مُصنَّف عبد الرزَّاق"، و "مصنف ابن أبى شيبة"، وهما أعظم سجل لفقه الصحابة والتابعين، وإلى كتب الحديث وشروحها بصفة عامة، وبخاصة مثل "سنن البيهقي" و "وفتح الباري" لابن حجر و "نيل الأوطار" للشوكاني و "سبل السلام" للصنعاني، وما شابهها.
هذا الكتاب و هذه الطبعة
هذا .. ويسرني أن أقدم لهذه الطبعة من "فقه الزكاة" التي تنشر لأول مرة في مصر العزيزة، بعد أن طبع الكتاب خمس عشرة طبعة في لبنان وانتشر في العالم الإسلامي كله بحمد الله، وترجم إلى عدة لغات إسلامية وعالمية. ومن فضل الله أن أهل العلم في أقطار الأمة الإسلامية، تقبلوا الكتاب بقبول حسن، وأضفوا على مؤلفه من الأوصاف ما يشكر الله تعالى عليه، سواء منهم المشتغلون بالعلوم الشرعية، والمشتغلون بالعلوم الاقتصادية والمالية والقانونية والاجتماعية. فقد غدا الكتاب مرجعًا أساسيًا لكل باحث في هذه الميادين من وجهة النظر الإسلامية. وقد وصلت المؤلف رسائل جمة من كبار الشخصيات الإسلامية العالمية تنوه بالكتاب وأصالته وتشيد بما بذل فيه من جهد، وما أدى من خدمة للفقه الإسلامي والاقتصادي الإسلامي المعاصرين.
وآخرون أشادوا به في مناسبات شتى: في كتبهم، أو محاضراتهم، أو حلقاتهم لقرائهم، أو طلابهم أو مشاهديهم أو مستمعيهم. أذكر من هؤلاء الأجلاء الكبار: الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ أبا الحسن الندوي، الأستاذ مصطفى الزرقا، الشيخ عبد الله بن زيد المحمود، الشيخ على الطنطاوي، الأستاذ البهي الخولي، الدكتور محمد البهي، الدكتور محمود أبو السعود. وقال عنه الأستاذ أبو الأعلى المودودي: إنه كتاب هذا القرن -أي الرابع عشر الهجري- في الفقه الإسلامي (نقل ذلك عنه الأستاذ خليل أحمد الحامدي، مدير القسم العربي بالجماعة الإسلامية بباكستان). وقال الأستاذ محمد المبارك - رحمه الله - في مقدمة كتابه "نظام الإسلام الاقتصادي":. "ومن الكتب الحديثة ما هو خاص بموضوع معين، ومن هذا النوع كتاب "فقه الزكاة" للأستاذ يوسف القرضاوي، وهو موسوعة فقهية في الزكاة استوعبت مسائلها القديمة والحديثة، وأحكامها النصية والاجتهادية على جميع المذاهب المعروفة المدونة، لم يقتصر فيها على المذاهب الأربعة، مع ذكر الأدلة ومناقشتها، وعرض لما حدث من قضايا ومسائل، مع نظرات تحليلية عميقة، وهو بالجملة عمل تنوء بمثله المجامع الفقهية، ويعتبر حدثًا هامًا في التأليف الفقهي .. جزى الله مؤلفه خيرًا ". وقال عنه الشيخ محمد الغزالي: لم يؤلف في الإسلام مثله في موضعه. (قال ذلك في كتابه: مائة سؤال في الإسلام). ولا غرو أن عُنِىَ الإخوة المسلمون في أقطار شتى بنقله إلى لغاتهم، بعضهم بإذن منى، وبعضهم بلا إذن ! اعتقادًا منهم بأني لا أمانع في نشر كتبى، كما فعلوا في أكثر مؤلفاتي، أسأل الله أن ينفع بها. وقد ترجم الكتاب إلى الأوردية، مختصرًا في الهند أولاً، ثم كاملاً بعد ذلك في باكستان وكذلك ترجم إلى التركية والبنغالية (لغة جمهورية بنجلاديش) والإندونيسية. كما تبنى المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، التابع للملك عبد العزيز بجدة، ترجمته إلى اللغة الإنجليزية، وكلف بذلك الباحث الاقتصادي الإسلامي المعروف الدكتور منذر قحف، وقد أبلغني مدير المركز منذ عام بأنه أنجز ترجمة الجزء الأول، وفى سبيله لإكمال الجزء الآخر.
كما عرفت في زيارتي لماليزيا في شهر مارس الماضي، أن جامعة الملايو كلفت لجنة للقيام بترجمة الكتاب إلى اللغتين: الإنجليزية والماليزية.
وأحمد الله حمدًا كثيرًا طيبًا، أن وجد المسلمون في الكتاب ما يلبى حاجة من حاجاتهم العلمية في عصرنا.
ومن جهة أخرى كان الكتاب مرجعًا أساسيًا لكل القوانين التي صدرت في البلاد الإسلامية عن "الزكاة" وإن لم يأخذوا بكل ما فيه من اجتهادات، نظرًا لغلبة الطابع المذهبي على الفقه السائد إلى اليوم.
ولا ريب أن الاجتهادات الجديدة لا تتقبل بسهولة في مجتمعات مثل مجتمعاتنا، وتحتاج إلى زمن حتى تثبت وجودها، ويكثر أنصارها.
وكم من اجتهادات رفضت وعدت من الشذوذ المردود، حتى جاء زمن أصبحت فيه محور الإصلاح والتجديد، كما رأينا في آراء شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم.
وكم من آراء رفضت في قانون الأسرة منذ عقود من السنين قبلت بعد ذلك، وغدت سائغة.
وحسبي اليوم أن المؤتمرات والمجامع الفقهية التي تبحث في بعض موضوعات الزكاة، ينقسم أعضاؤها إلى قسمين: قسم يؤيد ما تبناه "فقه الزكاة" وهم حتى اليوم أقل عددًا. وقسم لا يوافق عليه. وأعتقد أن القسم الأول ينمو ويزداد مع الأيام.
وأود أن أشير إلى أن هذه الطبعة ليس فيها إضافة، إلا لمسات قليلة جعلتها بين معقوفين، للدلالة على أنها من زيادة هذه الطبعة، ومعظمها في الحواشى، وبعضها تصحيح أخطاء مطبعية قام باستدراكها الأخ الفاضل الشيخ عبد التواب هيكل جزاه الله خيرًا وهى ليست كثيرة بالنسبة لحجم الكتاب، وأهم ما صححته خطأ حسابي في تقدير الصاع بالكيلو جرام، ترتب عليه خطأ في تقدير نصاب الزروع والثمار ؛ وكنت اعتمدت في حساب ذلك على زميل يدرس الرياضيات، كان معي في معهد قطر الديني الثانوي، فسامحه الله وسامحنا معه.
والمهم الآن هو تصحيح مقدار الصاع وهو بالجرامات: 2146 (حسب الوزن بالقمح) وقد حسب في الطبعة الأولى -التي صورت عنها الطبعات السابقة- 2176 من الجرامات . ومقدار النصاب، وهو ثلاثمائة صاع يساوى: 646.96 ك.ج (وبالتقريب 674 ك.ج) قد حسب من قبل على أنه 652.8 ك.ج .(أو بالتقريب 653 ك.ج).
وأرجو ممن يقتنى الكتاب في طبعاته السابقة أن يهتم بتصويب هذا الخطأ. وكذلك الذين ترجموه إلى اللغات الأخرى.
والفرق على كل حال يسير، وهو مما يتسامح في مثله شرعًا، وبخاصة أن الشريعة لم تحدد المقادير مثل هذا التحديد الدقيق الصارم؛ بل قالوا في تقدير المد- وهو ربع الصاع: هو ملء يدي الرجل المتوسط.
ولكن ما دمنا قد قدرنا بالمعايير الحديثة، فعلينا ضبطها بها ضبطًا سليمًا ليكون أقرب إلى المطلوب شرعًا، بحسب اجتهادنا البشري.
وأخيرًا .. أسأل الله جل وعلا أن ينفع بهذا الكتاب -في الدنيا والآخرة- من ألفه، أو ترجمه، أو نشره، أو قرأه، أو ساهم في ذلك من قريب أو بعيد.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا. نحمدك اللهم على كل حال، ونعوذ بك من حال أهل النار.
القاهرة في 14 ربيع الآخر سنة 1406 هـ.
ديسمبر سنة 1985م.
يوسف القرضاوي.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #3  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي مقدمة الطبعة الأولى

مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد .
فإن الزكاة هي الركن المالي الاجتماعي من أركان الإسلام الخمسة، وبها -مع التوحيد وإقامة الصلاة- يدخل المرء في جماعة المسلمين، ويستحق أخوتهم والانتماء إليهم، كما قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (التوبة: 11).
وهى -وإن كانت تذكر في باب العبادات باعتبارها شقيقة للصلاة- تعد في الحقيقة جزءًا من نظام الإسلام المالي والاجتماعي، ومن هنا ذكرت في كتب السياسية الشرعية والمالية.فلا عجب أن عُنِيَ علماء الإسلام ببيان أحكامها وأسرارها، كل في دائرة اختصاصه.
فالمفسرون
يتعرضون لها في تفسير الآيات التي تتعلق بشأنها، مثل الآية رقم (267) وما بعدها من سورة البقرة، والآية رقم (141) من سورة الأنعام، والآيات (34، 60، 103) من سورة التوبة وغيرها من الآيات في سور شتى. وقد أوسع القول في هذه الآيات المفسرون الذين يعنون بأحكام القرآن، كأبي بكر الرازي المعروف بالجصاص، وأبى بكر بن العربي، وأبى عبد الله القرطبي.
والمحدثون وشراح الحديث
يتعرضون لها عند ذكر الأحاديث الخاصة بها، وفى كل كتاب من كتب السنة المصنفة على أبواب الفقه - كموطأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم، وجامع الترمذي، وسنن النسائي وأبى داود وابن ماجة - كتاب خاص بالزكاة، وما جاء فيها من السنن القولية والعملية، وفى صحيح البخاري وحده، اشتمل كتاب "الزكاة" من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث واثنين وسبعين حديثًا، وافقه مسلم علىتخريجها سوى سبعة عشر حديثًا، وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين عشرون أثرًا (انظر: خاتمة كتاب الزكاة من فتح البارى: 4/120 - ط . الحلبي بمصر).
والفقهاء
يعرضون للزكاة في كتب الفقه باعتبارها العبادة الثانية في الإسلام، ولهذا تذكر في أبواب العبادات عقب الصلاة استنانًا بالقرآن والسنة.
وعلماء الفقه المالي والإداري في الإسلام
يعرضون لها باعتبارها جزءًا من النظام الإسلامي المالي والاجتماعى، ولهذا نجدها في كتاب الخراج لأبى يوسف، والخراج ليحيى بن آدم، والأموال لأبى عبيد، والأحكام السلطانية لكل من الماوردي الشافعي، وأبى يعلى الحنبلي، والسياسة الشرعية لابن تيمية. وإذن فالمادة التي يحتاج إليها الباحث في الزكاة غزيرة، ومصادرها موفورة، فما وجه الحاجة إذن إلى بحث جديد في الزكاة؟. وبعبارة أخرى: هل كانت المكتبة الإسلامية الحديثة في حاجة إلى بحث كبير كهذا البحث، يبين أحكام الزكاة وأهدافها وآثارها في حياة الفرد والمجتمع، ومكانها من الأنظمة المالية والاجتماعية المعاصرة؟. ونستطيع أن نجيب مطمئنين بالإيجاب، بل نؤكد أن الحاجة لمثل هذا البحث شديدة وماسة من عدة نواحٍ:
1- فإن مثل هذا الركن الخطير من أركان الإسلام يحتاج من الباحثين والكاتبين إلى إعادة عرضه، وجمع ما تبعثر من أحكامه وأسراره في شتى المصادر، وإبرازه في قالب عصري وبأسلوب عصري، ولا يكتفي بما ألفه فيه علماؤنا في العصور الماضية، فإنهم ألفوا لعصرهم، وبأسلوب عصرهم، ولكل عصر لغة، ولكل مقام مقال: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) (إبراهيم :4).
إن في الاقتصاد الإسلامي موضوعين رئيسيين يجب أن يُدْرسا ويُخْدما ويُجَلَّيا من كل جوانبهما: وهما موضوعان متقابلان: أحدهما في الجانب الإيجابي، والثاني في الجانب السلبي، أحدهما في فرائض الإسلام بل في أركانه الأساسية الخمسة، والآخر في محرمات الإسلام بل في الكبائر الموبقات السبع؛ فالأول هو الزكاة، والثاني هو الربا، فمن أنكر فرضية الأول، أو حرمة الثاني كان كافرًا مرتدًا بالإجماع.
والواقع أن الموضوع الثاني -الربا- قد لقى شيئًا من العناية والخدمة أكثر مما لقيه الموضوع الأول. فقد كتب فيه الأساتذة أبو الأعلى المودودي (في كتابه "الربا" وقد نشر بالعربية وطبع عدة مرات). ومحمد عبد الله دراز (في رسالة "الربا" وقد ألقاها كممثل للأزهر فى مؤتمر الفقه الإسلامي بباريس سنة 1951)، وعيسى عبده (في رسالته "لماذا حرم الله الربا" وقد نشرتها مكتبة المنار الإسلامية بالكويت في سلسلة "نحو اقتصاد إسلامي سليم")، ومحمد أبو زهرة (في رسالة "تحريم الربا تنظيم اقتصادي" نشرت في السلسلة المذكورة)، ومحمد عبد الله العربي (في بحث له عن "الملكية الخاصة وحدودها في الإسلام" ألقاه في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ونشره المجمع في كتابه الأول)، ومحمود أبو السعود (في كتابه: "خطوط رئيسية في الاقتصاد الإسلامي" وفي بحث له: هل يمكن إنشائي بنك إسلامي؟ نشرته مكتبة المنار أيضًا)، ومحمد باقر الصدر (في كتابه "اقتصادنا" نشرته "دار الفكر" في لبنان، وفى رسالة "البنك اللاربوي")، ومحمد عزيز (في بحثه "عوامل النجاح في البنك اللاربوي" نشرته "المنار" فى سلسلتها أيضًا) إلى غير ذلك من البحوث والمقالات التي تناولت الربا من زاوية إسلامية خالصة، أو من زاوية متأثرة بالنظرة الرأسمالية الغربية إلى المال وإلى الحياة.
ولا زال الموضوع في حاجة إلى خدمة أعمق وأوسع، ولا يزال المجال فسيحًا لمن يبذل فيه جهدًا أكبر، معتمدًا على الدراسة المقارنة، مع الرجوع إلى مصادر الإسلام الأصلية . ولكنه على كل حال نال قسطًا من العناية. أما موضوع الزكاة فلم يأخذ حقه من عناية العلماء والباحثين . ولم يُخدم كما ينبغي لموضوع مثله، له مكانته ومنزلته فى فرائض الإسلام وفى نظامه المالي والاقتصادي والاجتماعي.
2- وهناك مسائل قديمة اختلف فيها الفقهاء من قديم، وكلٌّ أبْدَى رأيه، وذكر أدلته، وترك أصحاب الفتوى يُناقض بعضهم بعضًا، كلٌّ ينصر مذهبه، ويعضد إمامه، وجمهور المستفتين في حيرة أمام تناقض المفتين، فكانت الحاجة ماسة أشد المساس إلى إعادة النظر في هذه الأقوال، وأدلة كل منها، ومناقشتها في حياد وإنصاف، وعرضها على الكتاب والميزان اللذين أنزلهما الله، والوصول بعد ذلك إلى الرأي الراجح الذي يستطيعه باحث غير معصوم. وعلى هذه الحاجة نبَّه الأستاذ الأكبر المرحوم الشيخ محمود شلتوت في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" (الإسلام عقيدة وشريعة ص109 - ط . دار القلم بمصر) . حيث قال تحت عنوان "الزكاة ركن ديني عام":
"على رغم ما أعتقد من أن الخلاف النظري يدل على حيوية فكرية قوية، وعلى سماحة النظام الذي يكون في ظله ذلك الخلاف، على الرغم من ذلك، فكم يضيق صدري حينما أرى مجال الخلاف بين الأئمة في تطبيق هذه الفريضة يتسع على النحو الذي تراه في كتب الفقه والأحكام. "هذه الفريضة التي كثيرًا ما تقترن بالصلاة، يجب أن يكون شأن المسلمين فيها أو شأنها عندهم جميعًا كشأنهم في الصلاة، وشأن الصلاة فيهم، تحديد بين واضح لا لبس فيه ولا خلاف، خمس صلوات في اليوم والليلة". "هذه الفريضة تكون معظم جهاتها في الأصل والمقدار محل خلاف بين العلماء، وبالتالي تكون باختلافهم فيها مظهر تفرق في الواجب الديني بين المسلمين جميعًا لاختلافهم في التقليد وتعدد السبل".
"هذا يزكى مال الصبي والمجنون، وذاك لا يزكيه، وهذا يزكى كل ما يستنبته الإنسان في الأرض، وذاك لا يزكى إلا نوعًا خاصًا أو ثمرة خاصة، وهذا يزكى الدين وذاك لا يزكيه، وهذا يزكى عروض التجارة وذاك لا يزكيها، وهذا يزكى حلى النساء وذاك لا يزكيه، وهذا يشترط النصاب وذاك لا يشترط وهذا وهذا إلى آخر ما تناولته الآراء فيما تجب زكاته وما لا تجب، وفيما تصرف فيه الزكاة وما لا تصرف".
ثم نادى الشيخ الأكبر بالمسارعة إلى إعادة النظر فيما أثر عن الأئمة من موضوعات الخلاف التي خشي أن تمس أصل هذه الفريضة ويكون ذلك النظر الجديد على أساس الهدف الذي قصده القرآن من افتراضها، وجعلها واجبًا دينيًا تكون نسبة المسلمين فيه وفى جميع نواحيه على حد سواء (الإسلام عقيدة وشريعة ص109 - ط . دار القلم بمصر).
3- ثم إن هناك أمورًا جدت في عصرنا، لم يعرفها فقهاؤنا القدامى ولا المتأخرون، وهذه الأمور تحتاج إلى إصدار حكم في شأنها، يريح الناس من البلبلة، ويرد على الأسئلة الحائرة على ألسنة جمهور المسلمين: هناك ثروات ودخول حديثة غير الأنعام والنقود الزروع والثمار . هناك العمارات الشاهقة التي تشيد للإيجار والاستغلال، والمصانع الكبيرة والآلات والأجهزة المتنوعة، وشتى رؤوس الأموال الثابتة أو المنقولة التي تدر على أصحابها أموالاً غزيرة من إنتاجها أو كرائها للناس كالسفن والسيارات والطائرات والفنادق والمطابع وغيرها ؛ هناك أنواع من الشركات التجارية والصناعية . هناك دخل ذوى المهن الحرة كالطبيب والمهندس والمحامى وغيرهم، ودخل الموظفين والعمال من رواتب وأجور ومكافآت - هل تدخل هذه الإيرادات الوفيرة وتلك الأموال النامية في " وعاء الزكاة " ؟ أم تقتصر الزكاة على ما كان في عهد السلف ؟ وإذا قلنا بوجوب الزكاة فيها، فما مقدار الواجب ؟ ومتى يجب ؟ وما الأساس الفقهي لذلك ؟. هناك الأنصبة والمقادير الشرعية التي وردت بها النصوص في الزكاة، كالأوسق الخمسة، في نصاب الزرع والثمر، والصاع في زكاة الفطر، والدراهم المائتين، والدنانير العشرين في زكاة النقود، كيف نحدد هذه الأنصبة الآن ؟ وكيف نترجمها إلى مقاييس العصر؟ وهل هي ثابتة أم تقبل التغيير، نظرًا لتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية وهبوط القدرة الشرائية للنقود - وبخاصة الفضية منها - عما كانت عليه في العهود الإسلامية الأولى؟. ثم هناك الضرائب الحديثة - النوعية وغير النوعية، النسبية والتصاعدية - التي تفرضها الحكومات المعاصرة، وتنفق حصيلتها في تغطية النفقات العامة للدولة، وتحقيق بعض الأهداف الاجتماعية.
ما علاقة هذه الضرائب بالزكاة؟ وما وجه المشابهة والمفارقة بينهما في المصدر والمصرف والمبادئ والأهداف؟ وهل يمكن أن تقوم الضرائب مقام الزكاة؟ وإذا لم يمكن فهل يجوز شرعًا فرض الضرائب بجوار أخذ الزكاة؟.
أسئلة يتطلب عصرنا الجواب عليها، ولا بد لنا أن نبدي فيها رأيًا. وربما يصعب على بعض الناس في عصرنا، أن يصدر عالم اليوم حكمًا في قضية لم يعرف فيها حكم للفقهاء السابقين، وهذا من أثر القول بسد باب الاجتهاد الذي انتشر في بعض العصور، وهو قول ثبت خطؤه وضلاله بلا ريب. ولا يملك أحد إغلاق باب فتحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . على أن المحققين من علماء الأصول قرروا: أن الاجتهاد يتجزأ، فيمكن أن يكون بعض العلماء مجتهدًا في بعض الأبواب أو بعض المسائل دون غيرها، وهذا أمر ليس بالمتعذر ولا بالمتعسر، على من أراد ذلك من علماء المسلمين، إذا أعد العدة لذلك من دراسة الشريعة واللغة، والرجوع إلى مصادر هذا الدين، وأوتى الملكة التي تمكنه من الموازنة والاستنباط. وأنا أعتقد أن الفصل في هذه الأمور برأي قاطع ملزم يحتاج إلى اجتهاد جماعي، من جماعة علماء المسلمين، ولكنى أعتقد أيضًا أن الاجتهادات والبحوث الفردية المتأنية في مختلف الموضوعات هي التي تنير الطريق لاجتهاد جماعي صحيح، غير مرتجل ولا مبتسر. كما أن الاجتهاد الجماعي الذي يتمثل فيه رأى الأقوياء الأمناء من علماء الإسلام في كافة الأقطار، لا زالت تحول دونه عوائق شتى، يرجع معظمها إلى ألاعيب السياسة، وأهواء الحاكمين. وهناك أفهام خاطئة سائدة - للأسف - عند كثير من المسلمين، حتى الذين يعدون في المثقفين منهم. أفهام تتصور الزكاة بضعة قروش أو ريالات، أو كيلة أو كيلات من حبوب، يتفضل بها رجل غنى محسن على معدم فقير، يسد بها جوعته أيامًا، تقل أو تكثر، ثم يظل هذا الفقير محتاجًا إلى مثل هذا السيد المحسن ليتقبل منه صدقته، ويقبل يده الطاهرة، ويدعو له بالخير والبركة في ماله وولده ... الخ. هذه الصورة التي لا صلة لها بتعاليم الإسلام، والتي حدثت - للأسف أيضًا - في بعض العصور، هي الرائجة لدى الكثيرين.
ولقد وجدنا من الصحفيين اللامعين (هو الكاتب الاشتراكي أحمد بهاء الدين في إحدى مقالاته الأسبوعية في صحيفة أخبار اليوم سنة 1961) من يكتب في إحدى الصحف السيارة في مصر، زاعمًا أن الزكاة لا تصلح في مجتمعنا الحديث، لأن أنظمته الاقتصادية والاجتماعية لا تقوم على الصدقات، وإنما تقوم على العمل والإنتاج!! كأن الزكاة الإسلامية صدقة للمتسولين، أو معونة للمتبطلين القاعدين !.
وكتب غيره كتابًا سمى فيه العدالة الإسلامية "اشتراكية الصدقات" (عن كتاب "من هنا نبدأ" لخالد محمد خالد) وهذا كله لا يدل إلا على جهل فاضح أو قصد سيئ. وبهذا الذي عرضناه هنا، يتبيَّن لنا وجه الحاجة إلى هذا البحث، وضرورة القيام به لمن يقدر عليه، فذلك- كما أعتقد - فرض كفاية على أهل العلم، إذا لم يقم به بعضهم أَثِمَ الجميع. ولقد عجب بعض الباحثين - (هو الأستاذ محمود أبو السعود فى مقال له بمجلة "المسلمون" منذ بضع سنوات) - المعنيين بشئون الاقتصاد والمال في الإسلام كيف خلت المكتبة الإسلامية الحديثة حتى اليوم من مؤلف جاد عن الزكاة، برغم أهميتها ومنزلتها في دين المسلمين، وقد أكد المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف في مصر هذه الحاجة حين أعلن منذ تسع سنوات عن مسابقة كبرى في عدة بحوث إسلامية، دعا فيها رجال الفكر والقلم من أنحاء العالم الإسلامي إلى الكتابة فيها، بحيث لا يقل البحث عن 350 صفحة كبيرة، وكان منها "الزكاة في الإسلام". وزاد تأكيد هذه الحاجة ما أعلنه مجمع البحوث الإسلامية الذي انعقد بالقاهرة في مارس سنة 1963، وحضره من علماء الإسلام ممثلون لأكثر من أربعين دولة فقد كان من أهم قراراته:. "وأن موضوع الزكاة والموارد المالية في الإسلام وطُرق الاستثمار وعلاقتها بالأفراد والمجتمعات، وحقوق العامة والخاصة، هي موضوعات الساعة، لأنها ملتقى شُعبتين من الشريعة الإسلامية وهما العبادة والسلوك الاجتماعي، ومن أ جل ذلك يقرر المؤتمر أن تكون هذه الموضوعات محور نشاط المجمع في دورته المقبلة" (المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية ص 314).
ومن هنا كانت مهمة هذا البحث محاولة الوفاء بالمقاصد الآتية
(أ) تجميع ما تبعثر عن الموضوع في المصادر الأصلية، بين كتب الحديث والتفسير، وكتب الفقه بمختلف المذاهب، وكتب السياسة الشرعية و المالية، وغيرها من مصادر الثقافة الإسلامية وعرضه عرضًا جيدًا، يعين على تصوير حكم الإسلام فيه.
(ب) محاولة تمحيص ما ورد في الموضوع من خلافات كثيرة، بُغية الوصول إلى أرجح الآراء، وفق الأدلة الشرعية، وعلى ضوء حاجة المسلمين ومصلحتهم في هذا العصر، قدر ما يستطيعه جهد فردى محدود.
(جـ) محاولة إبداء الرأي فيما جد من مسائل وأحداث، متعلقة بالموضوع، لم يعرفها علماؤنا السابقون، مما لا يسع الباحث الإسلامي المعاصر أن يغفله.
(د) تجلية حقيقة الزكاة باعتبارها ضريبة إسلامية، والموازنة بينها وبين الضرائب الحديثة، وبيان ما بينهما من مشابهات ومفارقات.
(هـ) بيان أهداف الزكاة وآثارها في حياة المجتمع المسلم، وحل مشكلاته كالفقر والتشرد والتسول، والكوارث ونحوها، وسبقها لما عرف في هذا العصر بالضمان الاجتماعي والتأمين الاجتماعي.
(و) تصحيح ما شاع من أفكار خاطئة حول الزكاة، بسبب سوء الفهم وسوء التطبيق لها، أو بسبب الشبهات التي يثيرها خصوم الإسلام.
تلك هي الأغراض التي توخى هذا البحث أن يحققها، وأرجو أن يكون قد سدد وقارب.
منهج البحث وخطته
أستطيع أن أحدد خطوات المنهج الذي سلكته في هذا البحث، والخطة التي سرت عليها في النقاط التالية:
1- تحديد المصادر وجمع المادة
كان أول ما علىِّ أن أقوم به تجميع المادة المطلوبة من مظانها، أعني تجميع النصوص والأقوال اللازمة للبحث من مصادرها القديمة والحديثة، الشرعية والوضعية، وخاصة نصوص القرآن والسنة، التي هي الأساس الأول الذي اعتمدنا عليه في بيان حقيقة الزكاة وأحكامها وأهدافها، ومكانتها في الإسلام.
ومصادرنا في هذا البحث غزيرة موفورة، وهى مزيج من: كتب التفسير في مختلف الأعصار؛ التفسير بالرواية، والتفسير بالرأى، وخاصة تفاسير آيات الأحكام. وكتب الحديث متونه وشروحه، روايته ودرايته، وجرحه وتعديله، ولا سيما كتب فقه الحديث كمنتقى الأخبار، وبلوغ المرام وشرحيهما. وكتب الفقه المذهبي والمقارن وبخاصة تلك التي تُعْنَى بالأدلة والرد على المخالفين. وكذلك كتب الأصول والقواعد الفقهية. وكتب الفقه المالي والإداري وأعظمها بلا ريب "الأموال" للفقيه الحجة الإمام أبى عبيد القاسم بن سلام. وكتب وبحوث حديثة بعضها في الناحية المالية والاقتصادية وبعضها في الناحية الاجتماعية، وبعضها دراسات إسلامية تتناول جانبًا أو جوانب من نظام الإسلام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي. وكتب مساعدة ككتب اللغة والتاريخ والتراجم وداوئر المعارف والفهارس ونحوها. وما نقلته من هذه الكتب - قديمها وحديثها - قد نبهت عليه في صلب البحث، أو سجلت في أسفل الصفحة عنوان الكتاب المنقول منه، ورقم الصفحة، واسم الؤلف، مالم يكن الكتاب مشهورًا متداولاً بين الباحثين، أو يكن قد مر ذكره، فاكتفى باسم الكتاب أو ما يدل عليه، وربما تمر عبارات قليلة أكتفي بشهرتها عن نسبتها إلى مصدر معين، وذلك نادر، وفيما لا يترتب عليه حكم . ولقد تعلمنا من سلفنا أن نعزو كل قول إلى صاحبه، حتى قالوا: " إن من بركة القول أن يسند إلى قائله ".ويطيب لي أن أسجل هنا: أن من بركات هذا البحث أنه فتح لي نافذة على الدراسات المالية والاقتصادية التي كنت - بمقتضى تخصصي - في عزلة عنها، فأطللت من هذه النافذة على النظام الاقتصادي في الإسلام، فاتضحت لي معالمه، ولاحت أمام عيني مبادئه ودعائمه، وهو ما أنوي - إن شاء الله - أن أصدره في كتاب مستقل . كما أعانني هذا البحث على إصدار كتابي" مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام".
2- تقسيم البحث وترتيب أبوابه
ولقد اقتضتني طبيعة الموضوع، وترابط أجزائه، وتكامل مسائله، أن أتناوله كله على سعته، لأن بعضه متصل ببعض اتصالاً وثيقًا، لأجعل من هذا البحث - قدر طاقتي المحدودة - مرجعًا علميًا عصريًا في هذا الموضوع الإسلامي الخطير، ولهذا طال البحث نسبيًا . فاشتمل هذا البحث على تسعة أبواب وخاتمة، وقد سلكت في ترتيب أبوابه الطريق المنطقى، مبينًا أولاً: وجوب الزكاة، ثم على من تجب ؟ ثم فيم تجب ؟ وكم ؟ ثم لمن تصرف ؟ وعلى من تحرم ؟ ثم طريقة أدائها وتحصيلها، ثم بيان أهدافها وآثاها، ثم عن زكاة الفطر، ثم عما يجب في المال من حقوق بعد الزكاة ثم بيان العلاقة بينها وبين الضريبة الحديثة مشابهة ومخالفة.
فالباب الأول: يبحث عن وجوب الزكاة، وفيه بينَّا اشتراك الأديان جميعًا في العناية بالفقراء والضعفاء، وزيادة الإسلام عليها جميعًا منذ عهده المكي، وتتويجه هذه العناية البالغة بتشريع الزكاة المحدودة في المدينة، وهى النظام الفذ الذي لم يسبق به دين ولا قانون.
والباب الثاني: يبحث عمن تجب عليه الزكاة، وفيه فصلنا القول في حكم الزكاة في مال الصبي والمجنون، وهل يمكن أن تؤخذ الزكاة من غير المسلم أم لا؟.
والباب الثالث: يبحث عن وعاء الزكاة ومقاديرها، أي الأموال التي تجب فيها الزكاة من الثروة الحيوانية، والنقدية، والتجارية، والزراعية والمعدنية، والبحرية، والمنتجات الحيوانية كالعسل ونحوه، وبينا حكم الزكاة في العمائر الاستغلالية، والمصانع، وإيراد رؤوس الأموال غير التجارية وكذلك المرتبات والأجور، وإيراد ذوى المهن الحرة.
والباب الرابع: عن مصارف الزكاة الثمانية التي ذكرها القرآن، وقد بينَّاها بتفصيل، وكم يعطى كل صنف؟ وهل يجب استيعابهم على السوية؟ ومن الذين يمنع صرف الزكاة إليهم؟.
والباب الخامس: عن طريقة أداء الزكاة، وعلاقة الدولة بها، وما يتعلق بأدائها من جواز تعجيلها أو تأخيرها، ونقلها من بلد إلى بلد، ودفع القيمة، وما شابه ذلك من المسائل.
والباب السادس: عن أهداف الزكاة وآثارها، وفيه بينَّا أهداف الزكاة بالنسبة للمُعطِى، وبالنسبة للآخذ، وبالنسبة للجماعة كلها، كما وضحنا بالتفصيل أثرها في حل بعض المشكلات الهامة في المجتمع كمشكلات البطالة والتسول والفوارق والكوارث والخصومات والتشرد، فضلاً عن المشكلة الأولى وهى مشكلة الفقر.
والباب السابع: عن زكاة الفطر وأحكامها.
والباب الثامن: عن الحقوق الأخرى الواجبة في المال بعد الزكاة بين المثبتين والنافين وأدلة كل منهما، وتحديد موضع النزاع بين الفريقين، وترجيح الراجح.
والباب التاسع: عن الزكاة والضريبة. وفيه بينَّا خصائص الزكاة باعتبارها ضريبة متميزة في حقيقتها وأساسها، ومبادئها وضماناتها وأهدافها، وسبقها لكثير من المبادئ والأحكام التي انتهى إليها تطور الفكر الضريبي الحديث، وامتيازها بأحكام ومعانٍ وأهداف وضمانات تَقْصُر عنها الضريبة، كما بينَّا: هل تجيز الشريعة فرض الضرائب مع أخذ الزكاة؟ وهل يمكن أن تغنى الضرائب عن دفع الزكاة؟.
والخاتمة: تتضمن تلخيصًا لحقيقة نظام الزكاة وشهادات بعض الكُتَّاب الأجانب والمسلمين للزكاة، وأثرها في تحقيق العدل والمساواة والتكافل بين أبناء المجتمع.
وبهذا يكون البحث قد استوعب أهم ما يتعلق بموضوع الزكاة، أحكامًا ومبادئ، وأهدافًا وآثارًا.
تلك هي النقطة الثانية في البحث. وأما النقطة الثالثة فهي:
3- المقارنة والموازنة
وهي تأخذ صورتين:
الأولى: مقارنة داخل المذاهب الإسلامية لانتقاء أصح الآراء وأقواها دليلاً.
الثانية: مقارنة بين الشريعة الإسلامية والشرائع الأخرى، سماوية كانت أو وضعية، قديمة أو حديثة. وذلك لبيان ما امتازت به شريعة الله الخاتمة الخالدة، على الشرائع السماوية المنسوخة، أو الشرائع الأرضية القاصرة.
وفي المقارنة داخل المذاهب الإسلامية لم أقتصر على المذاهب الأربعة المتبوعة المعروفة، فإن ذلك يكون ظلمًا كبيرًا لسائر المذاهب والأقوال في الفقه الإسلامي فهناك مذاهب لفقهاء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، لا يجوز شرعًا ولا عقلاً إهمالها وعدم الانتفاع بها، فإذا تركنا الصحابة الذين لا خلاف في فضلهم وعلمهم، وجدنا مذاهب لأمثال ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز والزهري والنخعي والحسن وعطاء والشعبي وميمون بن مهران وغيرهم من سادات التابعين، وإذا نظرنا إلى من بعدهم وجدنا أمثال الثوري والأوزاعى وأبى عبيد والطبري وداود الظاهري وغيرهم، وأقوال هؤلاء ثروة علمية عظيمة يعتبر إهمالها خطأ في العلم، وخطيئة في الدين. بل لم أقتصر على المذاهب السنية، فرجعت إلى فقه الزيدية والإمامية، لعلمي أن الخلاف بيننا وبينهم في الفروع قليل ميسور، وقد رأينا من المتأخرين رجلاً - كالصنعانى في "سبل السلام" والشوكاني في "نيل الأوطار" - يذكر مذاهب الزيدية والإمامية كالهادي والقاسم والباقر والناصر وغيرهم، ويتداول ذلك علماء أهل السنة، ولا يرون فيه حرجًا. وفى المقارنة خارج الفقه الإسلامي، كان لا بد لنا أن نوازن بين الزكاة وما شرع في الأديان السابقة من صدقات مندوبة أو مفروضة، وبين الزكاة وما شرع في العصر الحديث من ضرائب مالية، وبينها وبين ما عرفه الناس من أنظمة الضمان الاجتماعي.
4- التفسير والتعليل
لم أكتف ببيان الحكم الشرعي مجردًا في كل مسألة، بل عُنيت بتفسير الحكمة من وراء تشريعه، والسر فيما أوجبه الشارع أو استحبه، أو نهى عنه أو أذن فيه، وهذا اقتداء بالشارع نفسه الذي عُنِىَ بتعليل الأحكام، وبيان مقاصدها ومنافعها للبشر أفرادًا وجماعات، ولم يكتفِ بالتكليف المجرد، والإلزام الصارم، اعتمادًا على التزام المكلفين - بحكم إيمانهم - بامتثال كل ما يصدر عن الشارع، عقلوا حكمته أو لم يعقلوها. وإذا كان بيان الحكمة من التشريع أمرًا محمودًا على كل حال، فهو في عصرنا أمر لازم، لغلبة الأفكار المفسدة، والتيارات المضللة، والوافدة من الشرق والغرب، فلم يعد يكفى إصدار الحكم المجرد، وانتظار صيحات المكلفين بعده: (سمعنا وأطعنا) (البقرة: 285).
5- التمحيص والترجيح
ولا يغنى الباحث استيعاب المصادر المختلفة، وتجميع الأقوال والنصوص المتفرقة والمقارنة بين بعضها وبعض، إذا كان هو أسيرًا لقول، أو مقلدًا لمذهب، يقف جهده على نصرته وتأييده، ورد غيره وتفنيده. ولهذا حررت نفسي من ربقة التمذهب والتقليد، فإنه أمر مستحدث لم يعرفه سلف الأمة، وقد نهى الأئمة أنفسهم عن تقليدهم، ومن قلد فقيهًا في كل مسألة - وإن ظهر ضعف دليها أو خطؤه - فكأنما اتخذه شارعًا، وفى التقليد إبطال للعقل ومنفعته، كما قال ابن الجوزي: "لأنه خلق للتدبر والتأمل، وقبيح بمن أعطى شمعة يستضئ بها أن يطفئها ويمشى في الظلمة".
وقال غيره: لا يقلد إلا عصبي أو غبي.
ومن هنا لم أكن أقرأ الأقوال والنصوص قراءة المقلد المتحيز، بل قراءة الفاحص الممحص، الباحث عن الحق، لا يبالي أين وجده ولا مع من وجده قد يجده عند المتقدمين، وقد يجده عند المتأخرين، قد يجده في مدرسة الرأي، وقد يجده في مدرسة الحديث، وقد يجده في فقه الظاهرية، قد يجده في المذاهب الأربعة، وقد يجده عند غيرهم من الأئمة، وما أكثرهم! .
إنني لم أقف مع المتعصبين المتزمتين الجامدين على كل قديم، والزاعمين بأن لا أئمة بعد الأربعة، ولا اجتهاد بعد القرون الأولى، ولا علم إلا في كتب المتأخرين المقلدين، ومن عارضهم في ذلك اتهموه بكل نقيصة.
ومع هذا لم أكن لأنساق وراء أدعياء الاجتهاد الذين لم يملكوا وسائله، ودعاة التجديد الذين سخر منهم الرافعي الأديب بأنهم " يريدون أن يجددوا الدين واللغة والشمس والقمر" !!.
وإنما أقف موقفًا وسطًا عدلاً: أرحب بكل جديد نافع، وأحرص على كل قديم صالح . ولم تمنعني صفرة الكتب القديمة، ورداءة طبع الكثير منها، ودقة خطها، من الغوص في أعماقها، واستخراج كنوزها، ومعاناة متونها وشروحها وحواشيها، وهكذا انتفعت بالقديم وبالجديد، دون تزمت ولا تحلل . بل موقفي من هذا وذاك موقف المنتخب المتخير الذي يبحث ما وسعه البحث، ويحلل ما أمكنه التحليل، ويوازن ما أسعفته الموازنة، ثم ينصر ما قويت حجته، واتضحت أدلته، غير متعصب لقول قائل، ولا لمذهب إمام، فقد آخذ في مسألة بمذهب أبى حنيفة، وأخرى بمذهب مالك، وثالثة بقول الشافعي أو أحمد أو سفيان أو والأوزاعى أو أبى عبيد أو أي إمام قبلهم أو بعدهم. وقد أدع هؤلاء جميعًا وآخذ بقول صح عن صحابي أو تابعي.
وليس هذا تلفيقًا -كما يقال- وإنما هو اتباع للدليل حيثما ظهر، ولا يجوز للعالم الباحث أن يقيد نفسه إلا بالنصوص المعصومة الهادية من كتاب الله وسنة رسوله، وقد جاء عن ابن عباس وعطاء ومالك وغيرهم: "كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". وهذا قد يجعلني في بعض المسائل آخذ بقول مهجور غير مشهرر، وأعرض عن قول الجمهور، فليس الصواب دائمًا مع الكثرة، ولا الخطأ دائمًا مع القلة، فرب رأى انفرد به فقيه، تؤيده الحجة، ويشد أزره المنقول والمعقول، وهذا على كل حال يحدث على قلة . ولكنى لا أخاف عقباه. وما الذي يخيفني من هذا، وقد رأيت من كبار الأئمة من لا يبالي أن يقف وحده متمسكًا برأيه، وإن رأى جمهور الناس على خلافه؟!. فهذا ابن عباس يقول :" أمر ليس في كتاب الله عز وجل، ولا في قضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وستجدونه في الناس كلهم: ميراث الأخت مع البنت" (الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ص541) فلم ير الناس كلهم حجة على نفسه. وهذا مالك يفتى بالشفعة في الثمار، ويقول إثر فتياه به: "إنه لشيء ما سمعته ولا بلغني أن أحدًا قاله" (المرجع نفسه ص542).
ولكل إمام من الأئمة المتبوعين مسائل شتى انفردوا فيها برأي لم يسبق لغيرهم، ولم يروا في ذلك حرجًا، وقد نظمت مفردات مذهب الإمام أحمد في كتاب خاص.
قواعد البحث للاختيار والترجيح والاستنباط
وقد ارتكز هذا البحث على جملة قواعد أصولية - كانت هي مستنده الشرعي في اختيار ما يتبناه من وجوه النظر، وترجيح ما يرجحه من الأحكام الخلافية، واستنباط ما يؤدى إليه اجتهاده من آراء جديدة أو كالجديدة . ونستطيع أن نجمل هذه القواعد فيما يأتي:
1- الأخذ بعموم النصوص ما لم يخصصها دليل
إن كثيرًا من نصوص الدين جاء بألفاظ عامة، ليندرج في مفهومها أفراد وجزئيات كثيرة، وهذا من جملة أسرار خلود هذا الدين، وصلاحيته لكل زمان ومكان. ولهذا أرى أن العموميات التي جاءت في آيات القرآن وأحاديث الرسول يجب أن يؤخذ بها، ويعمل بمقتضى عمومها، ما لم يخصصها نص صحيح الثبوت، صريح الدلالة، فحينئذ نقدم الخاص على العام. فلست مع الذين يردون السنن الصحيحة المحكمة بالظواهر والعمومات القرآنية، ولا مع الذين يسارعون إلى التخصيص بالحديث، ولو في سنده لين، أو بالصحيح ولو في دلالته ضعف أو غموض. إني أخالف الإمام أبا حنيفة الذي رد حديث: " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " إبقاء على عموم: (ومما أخرجنا لكم من الأرض)(البقرة 267)، وعموم: "فيما سقت السماء العُشر"، لأن الحديث صحيح متفق عليه، وتأويله بأنه في أوسق التمر إذا كانت للتجارة تأويل ضعيف مرجوح بل متهافت . ولهذا رجحت رأى الصاحبين والجمهور في اعتبار النصاب فيما أخرجت الأرض كسائر الأموال الأخرى، وهو الموافق لحكمة الشارع في فرض الزكاة على الأغنياء.
ولكنى أوافق أبا حنيفة كل الموافقة في تمسكه بعموم: "(ومما أخرجنا لكم من الأرض)..وعموم حديث :"فيما سقت السماء العشر" ولا أخصص هذا العموم بمثل حديث: "ليس في الخضراوات صدقة" لأنه حديث ضعيف، على أنه يمكن تأويله بأن المعنى: ليس فيها صدقة يأخذها الجباة، لأنها مما يسرع إليه التلف والفساد، فلا تبقى في بيت المال، فإذا لم يكن شرع أخذها كالمواشي والزرع فإن ذلك لا يسقط إيجابها باللفظ العام السابق. إن عمومات القرآن والسنة يجب أن تحترم وتؤخذ كما هي حتى يخصصها دليل صحيح صريح، ومن هنا أخذنا بعموم الآيات والأحاديث التي افترضت الزكاة من كل مال، مثل قوله تعلى: "(خذ من أموالهم صدقة)(التوبة 103). (والذين في أموالهم حق معلوم)(المعارج: 24)..وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أدُّوا زكاة أمولكم" من غير فصل بين مال ومال، ولم نخرج من ذلك إلا ما خصصه الدليل.
2- احترام الإجماع المتيقن
فإن اتفاق علماء الأمة جميعًا على حكم شرعي -وخاصة في القرون الأولى- يدل دلالة واضحة على أنهم استندوا فيما أجمعوا عليه إلى اعتبار شرعي صحيح من نص أو مصلحة أو أمر محسوس، فينبغي أن يحترم إجماعهم، لتبقى مواضع الإجماع في الشريعة، هي الضوابط التي تحفظ التوازن، وتمنع البلبلة والاضطراب الفكري. وذلك كإجماعهم على وجوب الزكاة في الذهب بنسبة زكاة الفضة: ربع العشر، وكإجماعهم على أن المثقال درهم وثلاثة أسباع ... إلى غير ذلك من الأمثلة.
وإنما قلت :"الإجماع المتيقن"لأن بعض الفقهاء نقل الإجماع في مسائل ثبت فيها الخلاف عند غيرهم، وسبب هذا: "أن العلماء المجتهدين في العصور الأولى كانوا منتشرين في عامة الأقطار والبلدان، وكانوا من الكثرة بحيث يتعسر معرفة أقوالهم في كل مسألة اجتهادية، وهذا ما جعل الإمام أحمد يقول: " من أدعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا ما يدريه؟ ولم ينته إليه فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغني ذلك".
وهناك أمثلة كثيرة ادعى فيها الإجماع أو قرر فيها عدم العلم بالخلاف، ومع هذا ثبت الخلاف.
فهذا الشافعي يقول في زكاة البقر: في الثلاثين تبيع، وفى الأربعين: مسنة لا أعلم فيه خلافًا، مع ثبوت الخلاف في ذلك عن جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب وقتادة، وعمال ابن الزبير بالمدينة وغيرهم (الأحكام لابن حزم).وهذا ابن المنذر ينقل الإجماع على أن زكاة الأموال لا يجوز أن تُعْطَى لغير المسلمين مع أن غيره روى عن الزهري وابن سيرين وعكرمة جواز الصرف منها لغير المسلمين، وهو ظاهر مذهب عمر فيما روى عنه (انظر مبحث "إعطاء الزكاة لغير المسلمين" من باب "مصارف الزكاة"). وقال ابن قدامة في "المغنى" لا نعلم خلافًا في أن بنى هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة، وعلق على ذلك الحافظ ابن حجر في "الفتح : "بقوله: كذا قال، وقد نقل الطبري الجواز أيضًا عن أبى حنيفة، وقيل عنه: يجوز لهم إذا حرموا سهم ذوى القربى. حكاه الطحاوي ونقله بعض المالكية عن الأبهري منهم وهو وجه لبعض الشافعية، وعن أبى يوسف: يحل من بعضهم لبعض، وعند المالكية فى ذلك أربعة أقوال مشهورة: الجواز، المنع، جواز التطوع دون الفرض، عكسه (انظر فتح الباري: 3/227، وانظر هذا المبحث من الفصل التاسع من مصارف الزكاة).. الخ. إن هذا الإجماع المُدَّعى، لا حرج علينا إذا خالفناه لدليل رأيناه، لأنه في الواقع ليس بإجماع. أما الإجماع المتيقن - أعنى الذي لم يعرف فيه خلاف قط - فرغم ما أثير من جدل حول إمكانه ووقوعه وحجيته، فلم ألجأ إلى مخالفته في حكم من الأحكام، للاعتبار الذي ذكرته قبل. لكنى قد أخالف الإجماع على رأي من يقول من علماء الأصول: إذا اختلف أهل عصر في مسألة على قولين فلا يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث، لأن الأمة إذا اختلفت على قولين فقد أجمعت -من جهة المعنى- على المنع من إحداث قول ثالث، واختار الآمدي: أن القول الثالث إن كان يرفع ما اتفق عليه القولان فهو غير جائز، وإلا بأن وافق كل واحد من القولين من وجه وخالفه من وجه فهو جائز إذ ليس فيه خرق الإجماع. (انظر الأحكام للآمدي: 1/137، 138). مثال ذلك أن أبا حنيفة قال: العشر على مالك الأرض، وقال الجمهور: على المستأجر، فالمتفق عليه بين القولين: أن العُشر واجب، فإذا قلنا: إن العُشر على المستأجر في محصول الزرع بعد رفع قيمة الإيجار الذي دفعه للمالك، وقلنا: إن على المالك تزكية الأجرة التي أخذها من المستأجر لا نكون -على رأى الآمدي- خارقين للإجماع. على أن من العلماء من قال: إن الاختلاف على قولين في مسألة دليل تسويغ الاجتهاد فيها، والقول الثالث إنما هو وليد الاجتهاد فهو جائز، وقد أحدث بعض التابعين قولاً ثالثاُ في بعض المسائل لم يقله الصحابة، كما روى عن ابن سيرين ومسروق (انظر الأحكام للآمدي: 1/137، 138) وغيرهم، وهو المختار ما دامت المسألة من المسائل الاجتهادية التي تحتمل أوجهًا للنظر والاجتهاد.
3- إعمال القياس الصحيح
القياس هو إعطاء الشيء حكم نظيره لعلة مشتركة بينهما، وهو أمر أودعه الله في العقول والفطر، وهذا - كما قال ابن القيم -من الميزان الذي أنزل الله مع كتابه، وجعله قرينه ووزيره، فقال تعالى: (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان) (الشورى: 17)، (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) (الحديد: 25)،والميزان يراد به العدل، والآلة التي يعرف بها العدل وما يضاده، والقياس الصحيح هو الميزان، والأولى تسميته بالاسم الذي سماه الله به، وهو اسم مدح، واجب على كل واحد، في كل حال، بحسب الإمكان، بخلاف اسم القياس، فإنه ينقسم إلى حق وباطل، وممدوح ومذموم، وصحيح وفاسد، والصحيح هو الميزان الذي أنزله الله مع كتابه
(إعلام الموقعين: 1/133). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "القياس لفظ مجمل، يدخل فيه القياس الصحيح والقياس الفاسد، فالقياس الصحيح هو الذي وردت به الشريعة، وهو الجمع بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين، الأول: قياس الطرد، والثاني: قياس العكس، وهو من العدل الذي بعث الله به رسوله. "فالقياس الصحيح: مثل أن تكون العلة التي علق بها الحكم في الأصل موجودة في الفرع من غير معارض في الفرع يمنع حكمها، ومثل هذا القياس لا تأتى الشريعة بخلافه قط . وكذلك القياس بإلغاء الفارق: وهو ألا يكون بين الصورتين فرق مؤثر في الفرع، فمثل هذا القياس لا تأتى الشريعة بخلافه" (رسالة القياس لابن تيمية - نشر المطبعة السلفية سنة 1375 هـ). والمقصود أن القياس إذا اتضحت علته الجامعة بين الأصل والفرع، ولم يكن بينهما فارق ظاهر أو خفي، ولم يوجد معارض معتبر، وجب الأخذ به باعتباره دليلاً شرعيًا لا مطعن فيه. وقد يعترض معترض فيقول: إن الزكاة عبادة، والأمور التعبدية لا مدخل للقياس فيها، ونحن نقول: نعم، إن الأمور التعبدية الخالصة لا يدخلها القياس، إذ لا تدرك علتها على وجه تفصيلي والأصل فيها الامتثال لأمر الله دون الالتفات إلى العلل، فالعبادات المحضة كالصلاة والصيام والحج لا يصح أن يجرى فيها القياس، حتى لا نشرع للناس من الدين ما لم يأذن به الله تكليفًا أو إسقاطًا. أما الزكاة فلها شأن آخر. إنها ليست عبادة محضة، بل هي حق معلوم، وضريبة مقررة، وجزء من النظام المالي والاجتماعي والاقتصادي للدولة، بجانب ما فيها من معنى العبادة، والعلة في تشريعها وأحكامها بصفة عامة معلومة واضحة، فلماذا لا نقيس على المنصوص عليه فيها ما يشبهه ويشاركه في العلة؟. ولقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من بعض الحبوب والثمار كالشعير والتمر والزبيب، فقاس عليه الشافعي وأحمد وأصحابهما كل ما يُقتات، أو غالب قوت البلد، أو غالب قوت الشخص نفسه، ولم يجعلوا هذه الأجناس المأخوذة مقصودة لذاتها تعبدًا، فلا يقاس عليها. وكذلك في زكاة الزروع والثمار ذهب جمهور الأئمة إلى قياس كثير من الحبوب على ما وردت به النصوص ولم يقصروا الزكاة على ما جاء في بعض الأحاديث من الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وقد جاء عن عمر: أنه أدخل القياس في باب الزكاة، وذلك حين أمر بأخذ الزكاة من الخيل لما تبين له أن فيها ما يبلغ قيمة الفرس الواحدة منه ثمن مائة ناقة فقال: نأخذ من أربعين شاة، ولا نأخذ من الخيل شيئًا؟، وتبعه في ذلك أبو حنيفة بشروط معلومة (ستأتي هذه البحوث في مواضعها- إن شاء الله). وهذا ما جعلنا نقيس العمارات المؤجرة للسكن ونحوها على الأرض الزراعية، ونقيس الرواتب والأجور على الأعطيات التي كان يأخذ منها ابن مسعود ومعاوية وعمر بن عبد العزيز الزكاة عند صرفها مع دخولها في العمومات أيضًا.
ونقيس القز والمنتجات الحيوانية كالألبان ونحوها على العسل الذي وردت الآثار بأخذ العشر منه.
ويكفى أن نذكر من أهمية القياس ما ذكره الإمام الشافعي في "الرسالة" عن "زكاة الذهب" فقال:
"وفرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الورق (نقود الفضة) صدقة، وأخذ المسلمين في الذهب بعده صدقة، إما بخبر عن النبي لم يبلغنا، وإما قياسًا على أن الذهب والورق نقد الناس الذي اكتنزوه وأجازوه أثمانًا على ما تبايعوا به في البلدان قبل الإسلام وبعده" (الرسالة ص193، 194).
فأخذ الزكاة من النقود الذهبية -وهى الرصيد العالمي للنقود في معظم أمم العالم- ليس بالأمر الهين، ومع هذا أخذ المسلمون بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقياس، وهو الاحتمال الأقوى، أما أن يكون هناك حديث لم يبلغ الشافعي مع طلبه وتحريه لمثله، وكذلك لم يبلغ مالكًا ولا البخاري ولا مسلمًا، فهذا احتمال بعيد، ولهذا اعتمد مالك في ذلك على العمل لا الخبر فقال: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا عينًا (ذهبًا) كما تجب في مائتي درهم (فضة).
4- اعتبار المقاصد والمصالح
قرر المحققون من علماء الإسلام، أن أحكام الشريعة إنما شرعت لمصالح العباد في المعاش والمعاد، سواء أكانت هذه المصالح ضرورية أم حاجة أم تحسينية. ودليل ذلك -كما قال الإمام الشاطبي- هو استقراء الشريعة والنظر في أدلتها الكلية والجزئية، فليس ذلك مقصورًا على نص واحد، أو واقعة خاصة، بل الشريعة كلها دائرة على ذلك (الموافقات: 2/51). وذكر الشاطبي قاعدة مهمة هي: "أن الأصل في العبادات -بالنسبة إلى المكلف- التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات (المعاملات) الالتفات إلى المعاني (المرجع السابق ص300) وأقام على ذلك أدلة ناصعة لا يتسع المجال لذكرها هنا. وأعود هنا فأؤكد ما ذكرته من قبل: أن الزكاة -وإن كانت تذكر مع الصلاة في فقه العبادات- ليست في الحقيقة عبادة محضة، بل هي أقرب إلى ما يسمى بالعادات، المعاملات، لأنها من الشئون المالية للمسلمين، وهى -إلى حد كبير- علاقة بين الدولة ورب المال، أو بينه وبين الفقير عند تخلى الدولة، والدليل على ذلك: أن كتب الفقه المالي والإداري في الإسلام تذكرها ضمن مباحثها وأبوابها (كالخراج والأموال والأحكام السلطانية والسياسة الشرعية) فهي في الحقيقة جزء من نظام الدولة في الإسلام.
ولو أردنا أن نؤلف الفقه على الطريقة الحديثة، لوجب أن نجعل الزكاة من الفقه المالي والاجتماعي، لا مع العبادات المحضة، وكذلك عند التقنين، فإنها داخلة -لا محالة- في دائرة التشريع المالي والاجتماعي.
وهذا لا يخرج أحكام الزكاة كلها عن دائرة التعبد، فقد قرر الشاطبي: أن العادات إذا وجد فيها التعبد، فلا بد من التسليم والوقوف مع النصوص، كطلب الصداق في النكاح، والذبح في المحل المخصوص في الحيوان المأكول، والفروض المقدرة في المواريث، وعدد الأشهر في العدد الطلاقية والوفوية وما أشبه ذلك.
وأنا أدخل فيها مقادير الزكاة وأنصبتها لأنها أمور ضبطها الشارع وحددها وفرغ منها، وأجمع المسلمون عليها في كافة الأعصار، فوجب الوقوف عند النصوص والإجماع في ذلك. ولهذا خالفت الذين يريدون أن يخضعوا مقادير الزكاة وأنصبتها للتغير والتحوير حسب الزمان والمكان والحال، تحت عنوان "رعاية المقاصد والمصالح" فإن هذا يمحو معالم الزكاة الشرعية ويحولها إلى ضريبة مدنية بحتة، كالضرائب التي تفرضها شتى الحكومات في شتى الأقطار.
والخلاصة: أن مقاصد الشريعة إنما هي جلب المصالح للناس ودرء المضار والمفاسد عنهم، ودعامة هذا الأصل هو ما ذهب إليه مالك وأصحابه من اعتبار المصلحة المرسلة دليلاً شرعيًا، يجب العمل به كما يجب العمل بسد الذرائع (بل قال القرافي: المصلحة المرسلة غيرنا يصرح بإنكارها، ولكنهم عند التفريع يعللون بمطلق المصلحة ولا يطالبون أنفسهم عند الفروق والجوامع بإبداء الشاهد لها بالاعتبار بل يعتمدون على مجرد المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، انظر: كتاب: "مالك " للأستاذ الكبير محمد أبى زهرة).
على أن كثيرًا من الحنابلة ينزعون هذا المنزع، وقد نصر ذلك الاتجاه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في كتبهما، وأفاضا في تأييده بالأدلة والاعتبارات الشرعية الصحيحة.
وعلى أساس ذلك عقد ابن القيم فصلاً رائعًا في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، قال في مقدمته: "وهذا فصل عظيم النفع جدًا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتى به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهى عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خليقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - أتم دلالة وأصدقها، وهى نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون (إعلام الموقعين: 3/14) وهذا كلام يجب أن نحرص عليه ونشيعه في الناس، وهو الذي لا يجوز أن يقال غيره في عصرنا . ولقد كان ابن القيم مسددًا حين جعل الذي يتغير بتغير الأزمنة والأحوال هو الفتوى، وليس الحكم الشرعي -أي أن تطبيق الحكم وتنزيله على الواقعة هو الذي يتغير... الشريعة إذن لا تتغير ولكن الفقه يتغير، فالشريعة وحي الله، والفقه والفتوى والقضاء عمل الناس.
إن عمر -رضى الله عنه- حين أبى أن يعطى من الزكاة قومًا كانوا من : "المؤلفة قلوبهم" في عصر الرسول وقال: "إن الله أعز الإسلام وأغنى عنهم" لم يغير بذلك حكمًا شرعيًا ولم يعطل نصًا قرآنيًا، كما قد يفهم بعض الناس، ولكنه غير الفتوى بتغير الزمن والحال عن عهد الرسول، فلم يعد عيينة بن حصن، ولا الأقرع بن حابس وإضرابهما من الطامعين، ممن يحتاج الإسلام ودولته إلى تأليف قلوبهم، ولم يكتب الرسول -صلى الله عليه وسلم- صكًا لهؤلاء يبقيهم مؤلفة إلى الأبد، والمؤلف هو الذي يرى الإمام تأليفه، فإذا لم يرَ تأليف شخص أو أناس بأعيانهم أو لم يرَ التأليف مطلقًا في عهده لعدم الحاجة إليه أو لأن هناك مصارف أهم منه، فهذا من حقه ولا يكون ذلك إسقاطًا لسهم المؤلفة إلى الأبد كما فهم بعض الحنفية وغيرهم، ولا تعطيلاً للنص كما ظن بعض المعاصرين، فإن عمر والأمة كلها لا تملك تعطيل نص صريح من كتاب الله، ولكنه رأى مصلحة المسلمين في عصره، أن يسد الطريق على الطامعين في أموال الزكاة باسم التأليف، ولم يرد عنه ما يمنع من التأليف وإعطاء المؤلفة عند الحاجة واقتضاء المصلحة (راجع هذا المبحث بتفصيل في باب "مصارف الزكاة" فصل "المؤلفة قلوبهم").
إن عمل عمر هذا مثال جيد لاعتبار المصلحة المرسلة، وسد الذريعة إلى المفسدة، وهو مثال جيد كذلك لتغير الفتوى بتغير الأزمان والأحوال. ومما غير عمر فيه الفتوى بتغير الحال "زكاة الخيل"، فقد جاءه أناس من الشام يريدون إعطاء الزكاة منها، فتردد في ذلك لأنه أمر لم يفعله الرسول ولا أبو بكر، ثم جاء أنه أوجب الزكاة في الخيل في قصة يعلى بن أمية وأخيه حين وجد الفرس يبلغ ثمنها مائة ناقة مستدلاً بما ذكرناه من القياس، وهو نوع من مراعاة المقاصد والمصالح والعدل الذي قامت عليه الشريعة.
ومن الأمثلة التي تُذكر هنا من تغير الفتوى بتغير المكان والحال، أن معاذ بن جبل حين بعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن وأمره أن يأخذ الزكاة من أغنيائهم ويردها على فقرائهم، كان مما أوصاه به: "خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل" ولكن لم يفهم هذه الوصية إلا أنها تيسير على الناس، وأن هذا ما يطالبون به، فلما وجد الأيسر عليهم أن يدفعوا القيمة رحب بذلك، لما فيه من الرفق بهم، والنفع لمن وراءهم بالمدينة، عاصمة الإسلام، إذا فضل شئ عنهم وأرسله إلى هناك، ففي خطبة معاذ باليمن قال :"ائتوني بخميس أو لبيس (ملابس من صنعهم) آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة (راجع هذا المبحث بتفصيل في باب "طريقة أداء الزكاة" فصل "إخراج القيمة").
فاعتبار المصلحة ورعاية مقصد الشارع من الزكاة هو الذي جعل معاذًا -وهو أعلم الصحابة بالحلال والحرام كما في الحديث- يؤثر أخذ القيمة "ثيابًا يمنية" بدلاً من الحبوب، مع ما يظن من مخالفته ظاهر الحديث الآخر، وما كان لمعاذ أن يخالف حديث رسول الله - وهو الذي جعل اجتهاده في المرتبة الثالثة بعد الكتاب والسنة. ولكنه أدرك مقصود الحديث فلم يتجاوز به موضعه، ولهذا اشترط الأصوليون في المجتهد: أن يكون عالمًا بمدارك الأحكام ومقاصد الشريعة، وأن يكون أيضًا عالمًا بمصالح الناس في عصره . وهذا حق فإن من حصل كثيرًا من العلم ووسائل الاجتهاد ولكنه يعيش في برج عاجي، أو صومعة منعزلة، غافلاً عن مصالح المجتمع ومفاسده وما يدور في العقول من أفكار، وفى الأنفس من نوازع، وفى الحياة من وقائع وتيارات.. مثل هذا -على علمه- لا يعد من أهل الاجتهاد والفتيا والحكم في شريعة الإسلام. إن اعتبار المصالح والمقاصد العامة للشريعة هو الذي جعلنا نرجح ما أفتى به كثير من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن لا زكاة في حلى النساء، لأن مقصد الشريعة في الزكاة -كما فهموها من الأموال التي أخذ منها رسول الله الزكاة في عصره- أن تفرض في المال النامي أو الذي من شأنه أن ينمو، ليكون الأخذ في الغالب من الفضل والنماء، ويبقى الأصل لمالكه مصدر دخل له، والحلي الذي أباحه الله للمرأة ليس ناميًا ولا من شأنه أن ينمو بل هو من جنس ثياب الزينة وأثاث البيت وما إلى ذلك. ورعاية العدل الذي بُنيت عليه الشريعة هو الذي جعلنا نرجح قول التابعي الجليل الإمام عطاء بن رباح في رفع نفقة الزرع من جملة المحصول ثم تزكية الباقي، وجعلنا نختار أن يزكى المستأجر الزرع الخارج بعد طرح النفقات، ومنها أجرة الأرض، وأن يزكى مالك الأرض الأجرة التي يقبضها بمجرد قبضها، ويخرج منها العشر أو نصفه، لأنها بدل عما يستحقه من الخارج لو زارع عليها .. إلى غير ذلك من الأمثلة.
أسلوب البحث
وقد توخيت أن يكون أسلوب هذا البحث جامعًا بين السهولة والدقة، متجنبًا وعورة العبارات التي يقتضيها البحث العلمي أحياناَ، متخيرًا في النقل عن الكتب القديمة ما كان أوضح بيانًا، وأنصع عبارة، متصرفًا أحيانًا قليلة في النقل مع المحافظة على المعنى. إن الأسلوب الناجح هو الذي يجمع دقة العالم إلى وضوح الداعية، وكذلك أردت أن أكون، ولعلى بلغت ما أريد أو قاربت.
وبعد.. مرة أخرى فقد كنت أعددت هذه الدراسة منذ أكثر من ست سنوات لأحصل بها على درجة علمية، ثم حالت دون ذلك حوائل، وكان الخير فيما اختاره الله، فظلت هذه الدراسة بين يدي أقلب فيها، فأزيد وأرتب وأنقح وأهذب، حتى شاء الله أن تنشر في صورتها هذه، فعسى أن تنال قبول الباحثين المنصفين، ولا تحرم من ملاحظات الناقدين المخلصين.
ومهما يكن فقد بذلك الجهد، ولم أدخر وسعًا عندي لتجلية حقيقة هذه الفريضة المحكمة، وذلك النظام الإسلامي الفذ "الزكاة"، وإماطة اللثام عن عدالة أحكامها، ومكنون أسرارها وجليل أهدافها وآثارها، عسى أن يصحح المسلمون إسلامهم، ويعودوا إليه بعد غربة وطول غياب، ويجعلوا هذه الفريضة جزءًا أصيلاً من نظامهم المالي والاجتماعي، فيحوزوا بذلك رضوان الله، ويحلوا بها كثيرًا من مشكلات مجتمعهم، ويحصنوا شبابهم من الأفكار المنحرفة، والمبادئ الهدامة.
فإن أصابت هذه الدراسة الهدف منها، فهذا ما أحمد الله عليه، وهو الذي إليه قصدت، وله سعيت وجهدت، ولله وحده المنة والفضل، وهو المسئول أن ينفع بهذا الجهد، ويبارك فيه وإن قصرت عن بلوغ المرمى، فحسبي أنى اجتهدت وتحريت، ولم آلُ جهدًا أو أدخر وسعًا، وعسى ألا أحرم أجر من اجتهد ومثوبة من نوى، ولكل مجتهد نصيب، ولكل امرئ ما نوى.
وما توفيقي إلا بالله.. عليه توكلت وإليه أنيب.
الدوحة - جمادى الأولى 1389 هـ.
يونيو (تموز) 1969م.
يوسف القرضاوي.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #4  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي معنى الزكاة لغة وشرعًا

معنى الزكاة لغة وشرعًا
الزكاة لغة: مصدر "زكا الشيء" إذا نمى وزاد، وزكا فلان إذا صلح، فالزكاة هي: البركة والنماء والطهارة والصلاح (المعجم الوسيط: 1/398). قال في لسان العرب: وأصل الزكاة في اللغة: الطهارة والنماء والبركة والمدح، وكله قد استعمل في القرآن والحديث. والأظهر - كما قال الواحدي وغيره -: أن أصل مادة "زكا " الزيادة والنماء. يقال زكا الزرع يزكو زكاء. وكل شيء ازداد فقد زكا. ولما كان الزرع لا ينمو إذا خلص من الدغل كانت لفظة " الزكاة " تدل على الطهارة أيضًا. وإذا وصف الأشخاص بالزكاة - بمعنى الصلاح - فذلك يرجع إلى زيادة الخير فيهم، يقال: رجل زكى، أي زائد الحد من قوم أزكياء، و "زكى القاضي الشهود" إذا بين زيادتهم في الخبر. والزكاة في الشرع: تطلق على الحصة المُقدرة من المال التي فرضها الله للمستحقين. كما تطلق على نفس إخراج هذه الحصة (قال الزمخشرى في الفائق: 1/536 ط. أولى: " الزكاة فعلة كالصدقة، وهي من الأسماء المشتركة، تطلق على عين: وهي الطائفة من المال المزكى بها، وعلى معنى: وهو الفعل الذي هو التزكية ز ومن الجهل بهذا أتى من ظلم نفسه بالطعن على قوله - عز وجل -: (والذين هم للزكاة فاعلون) ذاهبًا إلى العين، وإنما المراد: المعنى الذي هو الفعل، أعنى التزكية" ). وسُميت هذه الحصة المخرجة من المال زكاة لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه، وتوفره في المعنى، وتقيه الآفات. كما نقله النووي عن الواحدي (المجموع: 5/324). وقال ابن تميمة: نفس المتصدق تزكو، وماله يزكو: يَطْهُر ويزيد في المعنى (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تميمة: 25/8). والنماء والطهارة ليسا مقصورين على المال، بل يتجاوزانه إلى نفس معطى الزكاة كما قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (التوبة: 103 ). وقال الأزهري: إنها تُنَمِى الفقير، وهي لفتة جميلة إلى أن الزكاة تُحقق نموًا ماديًا ونفسيًا للفقير أيضًا، بجانب تحقيقها لنماء الغنى: نفسه وماله. ونقل النووي عن صاحب الخاوي قال: " اعلم أن الزكاة لفظة عربية معروف قبل ورود الشرع، مستعملة في أشعارهم، وذلك أكثر من أن يستدل له. " وقال داود الظاهري: لا أصل لهذا الاسم في اللغة، وإنما عرف بالشرع. قال صاحب الحاوي: وهذا القول وإن كان فاسدًا، فليس الخلاف فيه مؤثرًا في أحكام الزكاة " (المجموع: 5/324).
إذا عرفنا ما تقدم لم نجد مجالاً لدعوى المستشرق اليهودي المعروف " شاخت " كاتب مادة "زكاة" في دائرة المعارف الإسلامية المترجمة، حيث زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل كلمة " زكاة " بمعنًى أوسع من استعمالها اللغوي بكثير، آخذًا من استعمالها عند اليهود (في اليهودية - الآرامية " زاكوت ")،. قال: وكان النبي - عليه السلام - وهو ما يزال في مكة يستعمل كلمة " زكاة " ومشتقات مختلفة من مادة "زكا" بمعنى "طهر" ترتبط بالزكاة، بحسب الإحساس اللغوي عند العرب، وهذه المشتقات نفسها لا يكاد يكون لها في القرآن سوى ذلك المعنى الذي ليس عربيًا أصيلاً. بل هو مأخوذ عن اليهودية: وهو "التقوى"
(دائرة المعارف الإسلامية: 10/355، 356). وهؤلاء المستشرقون من شاخت وأمثاله لهم غرام جنوني بنسبة كل ما يستطيعونه من مفاهيم الإسلام، وألفاظه، وأحكامه، وأفكاره، وأخلاقه إلى مصادر يهودية أو نصرانية، أو ما شاءوا من مصادر شرقية أو غربية، لا يتبعون في ذلك إلا الظن وما تهوى الأنفس. وحسبنا في الرد على هذا الكلام أمران:
الأول: أن القرآن استعمل الزكاة في معناها المعروف لدى المسلمين منذ أوائل العهد المكي، كما ترى ذلك في سورة الأعراف (آية 156)، وسورة مريم (آية 31، 55)، وسورة الأنبياء (آية 72)، وسورة المؤمنون (آية 4)، وسورة النمل (آية 3)، وسورة الروم (آية 39)، وسورة لقمان (آية 3)، وسورة فصلت (آية 7). ومعروف بيقين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعرف العبرية، ولا أي لغة غير العربية كما أنه لم يتصل باليهود إلا بعد هجرته إلى المدينة، فمتى وكيف أخذ عن اليهود واليهودية كما زعم " شاخت "؟.
الثاني: أن من المُجازفة المنافية لخلق العلماء ومناهج التحقيق أن يزعم زاعم نقل لغة عن أُخرى إذا وجد كلمة مشتركة في معناها بين اللغتين، فإن الاشتراك لا يقتضي ضرورة نقل إحدى اللغتين عن الأخرى. ثم إن تعين إحداهما بأنها الناقلة والأخرى منقولة عنها - تحكم بلا دليل، وترجيح بلا مرجح، فمن اتخذ هذا النهج له ديدنًا، فقد برئ من أمانة العلم، وأخلاق العلماء.
معنى الصدقة:
والزكاة الشرعية قد تسمى في لغة القرآن والسنة " صدقة "، حتى قال الماوردي:" الصدقة زكاة والزكاة صدقة، يفترق الاسم ويتفق المسمى (ذكره في أول الباب الحادي عشر في ولاية الصدقات من "الأحكام السلطانية"). قال تعالى: (خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(التوبة: 103).
وقال:
(ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أُعطوا منها رضوا وإن لم يُعطوا منها إذا هم يسخطون)(التوبة:58). وقال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين).. الآية (التوبة: 60)، إلى غيرها من الآيات (ذكر أستاذنا المرحوم الدكتور محمد يوسف موسى في تعليقه على " شاخت " في دائرة المعارف أن القرآن أشار أولاً إلى الزكاة باسم الصدقة ثم استعمل لفظة الزكاة ولكن الذي يتأمل القرآن المكى يجد أن الكلمة التي استعملها القرآن أولاً هي الزكاة ولم يكد يستخدم كلمة الصدقة والصدقات إلا في المدينة). وفي الحديث: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة"(رواه الشيخان وغيرهما. وسيأتي). وفي حديث إرسال معاذ إلى اليمن: "أعلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم". وهذه النصوص كلها قد جاءت في شأن الزكاة عبرت عنها بالصدقة، ومنه سمى العامل على الزكاة مصدقًا لأنه يجمع الصدقات ويفرقها. بيد أن العرف قد ظلم كلمة الصدقة، وأصبحت عنوانًا على التطوع وما تجود به النفس على مثل المتسولين والشحاذين. ولكن المدلولات العرفية يجب أن لا تخدعنا عن حقائق الكلمات في لغة العرب في عهد نزول القرآن، ومادة الصدقة مأخوذة من الصدق. وللقاضي أبى بكر بن العربي كلام قيم في معنى تسمية الزكاة صدقة، قال: " وذلك مأخوذ من الصدق في مساواة الفعل للقول والاعتقاد ".
وبناء " ص د ق " يرجع إلى تحقيق شيء بشيء وعضده به، ومنه صداق المرأة، أي تحقيق الحل وتصديقه بإيجاب المال والنكاح على وجه مشروع. ويختلف كله بتصريف الفعل، يقال، صدق في القول صداقًا وتصديقًا وتصدقتُ بالمال تصدقًا، وأصدقت المرأة إصداقًا، وأرادوا باختلاف الفعل الدلالة على المعنى المختص به في الكل، ومشابهة الصدق ههنا للصدقة: أن من أيقن من دينه أن البعث حق، وأن الدار الآخرة هي المصير، وأن هذه الدار قنطرة إلى الآخرة، وباب إلى السوء أو الحسنى - عمل لها، وقدم ما يجده فيها، فإن شك فيها أو تكاسل عنها، وآثر عليها - بخل بماله واستعد لآماله،، وغفل عن مآله "
(أحكام القرآن - القسم الثاني ص 946. بتحقيق البجاوي) أقول: ولهذا جمع الله بين الإعطاء والتصديق كما جمع بين البخل والتكذيب في قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى)(الليل:5-10).

فالصدقة إذن دليل الصدق "في الإيمان" والتصديق بيوم الدين. ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"الصدقة برهان" (رواه مسلم في صحيحه).
الزكاة في القرآن الكريم:
وقد تكررت كلمة الزكاة معرفة (إنما قلنا "معرفة". لأنها وردت منكرة في آيتين بمعنى آخر: (خيرًا منه زكاة)(الكهف 81)، (وحنانًا من لدنَّا وزكاة) (مريم: 13) في القرآن الكريم (30) ثلاثين مرة، ذكرت في (27) سبع وعشرين منها مقترنة بالصلاة في آية واحدة، وفي موضع منها ذكرت في سياق واحد مع الصلاة وإن لم تكن في آيتها. وذلك قوله تعالى: (والذين هم للزكاة فاعلون)(المؤمنون: 4) .. بعد آية واحدة من قوله تعالى: (الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون 2).
والمتتبع للمواضع الثلاثين التي ذكرت
فيها الزكاة يجدأن (8) ثمانية منها في السور المكية وسائرها في السور المدنية (راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: كلمة" الزكاة" للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي). وقد ذكر بعض المؤلفين أن الزكاة قرنت بالصلاة في (82) اثنين وثمانين موضعًا من القرآن (كذا في"الدر المختار" و "البحر" و "النهر" وغيرها من كتب الفقه الحنفي، ونقل ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار" تصوبيه باثنين وثلاثين، والواقع أن اقترانها بالصلاة في (28) موضعًا فقط... ولعل المصوب أراد عدد مرات ورودها كلها معرفة ومنكرة.)
وهو عدد مبالغ فيه ويرده الإحصاء الذي ذكرناه، حتى لو قالوا: المراد بالزكاة كل ما يدل عليها مثل "الإنفاق" و"الماعون" و"طعام المسكين" ونحو ذلك، لم يجتمع لنا هذا العدد، والظاهر أن العدد محرف من اثنين وثلاثين إلى اثنين وثمانين.
أما كلمة " الصدقة " و" الصدقات " فقد وردت في القرآن اثنتي عشرة مرة، كلها في القرآن المدني.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #5  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: ثناء ابن باز رحمه الله تعالى على كتـــــــــــــاب فقه الزكاة للشيخ العلامة القرضاوي

التحذير الشديد من منع الزكاة
وفي أحاديث أخرى: أنذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مانعىالزكاة بالعذاب الغليظ في الآخرة؛ لينبه بهذا الوعيد القلوب الغافلة، ويحرك النفوسالشحيحة إلى البذل، ويسوقها بعصا الترغيب والترهيب إلى أداء الواجب طوعًا، وإلاسيقت إليه بعصا القانون وسيف السلطان كرهًا.
العذاب الأخروي
روى البخاري عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-:"من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته، مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع، له زبيبتان، يُطَوِّقُه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعنى بشدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم، بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة)(آل عمران: 180)
. الشجاع: الحية الذكر... والأقرع: الذي لا شعر له، لكثرة سمه، وطول عمره. الزبيبتان: نقطتان سوداوان فوق العينين وهو أخبث الحيات.
وروى مسلم عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدِّى حقها إلا جُعلت له يوم القيامة صفائح، ثم أُحْمِىَ عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإماإلى النار. وما من صاحب بقر ولا غنم لا يؤدى حقها إلا أُتِىَ بها يوم القيامة تطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مضى عليه أخراها رُدَّت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون. ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ".

العقوبة الدنيوية لمن منعالزكاة:.
ولم تقف السنة عند حدالوعيد بالعذاب الأخروي لمن يمنع الزكاة. بل هددت بالعقوبة الدنيوية - الشرعيةوالقدرية - كل من يبخل بحق الله وحق الفقير في ماله. وفي العقوبة القدرية - التييتولاها القدر الأعلى - يقول عليه الصلاة والسلام: "ما منع قومالزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين"(رواه الطبراني فيالأوسط ورواته ثقات، والحاكم البيهقي في حديث إلا أنهما قالا: "ولا منع قوم الزكاةإلا حبس الله عنهم القطر" وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. الترغيب والترهيب: 1/270- ط. المنبرية. ومجمع الزوائد: 3/96) - جمع سنة - وهي المجاعة والقحط. وفيحديث ثان: "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر منالسماء، ولولا البهائم لم يمطروا"(رواه ابن ماجةوالبزار البيهقي واللفظ له من حديث ابن عمر - المصدر نفسه. ورواه الحاكم وصححهووافقه الذهبي وله شواهد، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني - الحديث رقم "105"). وفي حديث آخر: "ما خالطت الصدقة - أو قال: الزكاة - مالاً إلا أفسدته" (رواه البزار البيهقي كمافي الترغيب. وقال في المنتقى: رواه الشافعي والبخاري في تاريخه والحميدي وزاد: يكونقد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها فيهلك الحرام الحلال. نيل الوطار: 4/126) .
وهذا الحديث يتحمل معنيين كما قال المنذريالأول: أن الصدقة - بمعنى الزكاة - ما تركت في مال ولمتخرج منه إلا كانت سببًا في هلاكه وفساده. ويشهد لهذا المعنى ما روى في حديث آخر: "ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة"(قال في مجمع الزوائد (3/93): رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمر بنهارون وهو ضعيف).
الثاني: أن الرجل يأخذ الزكاة وهو غنى عنها، فيضعها مع ماله، فيهلكه. وبهذا فسر الإمام أحمد (الترغيب والترهيب، المرجع السابق).
العقوبة الشرعية لمانع الزكاة
وفي العقوبة الشرعية القانونية - التي يتولاها الحاكم أو ولى الأمر - جاء قوله - صلى الله عليه وسلم - في الزكاة: "من أعطاها مؤتجرًا فله أجره، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شئ"(رواه أحمد والنسائي وأبو داود من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده " معاوية بن حيدة "، ورواه البيهقي في سننه: 4/105، وقال هذا حديث أخرجه أبو داود في "السنن". فأما البخاري ومسلم رحمهما الله فلم يخرجاه، جريًا على عادتهما في أن الصحابي أو التابعي إذا لم يكن له إلا راوٍ واحد لم يخرجا حديثه في الصحيحين. ومعاوية بن حيدة القشيري لم يثبت عندهما رواية ثقة عنه غير ابنه فلم يخرجا حديثه في الصحيح والله أعلم. وتعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بما يدل على أن عادة الشيخين التي ذكرها البيهقي غالبة لا مطردة، وانظر الكلام على الحديث في نيل الأوطار: 4/312 - ط. العثماينة -سيأتي مزيد من كلام عن هذا الحديث في الباب الخامس، فليراجع هناك-)
.
تضمن هذا الحديث الكريم جملة مبادئ هامة في باب الزكاة أحدها: أن الأصل في الزكاة أن يعطيها المسلم مؤتجرًا، أي طالبًا الأجر، ومحتسبًا الثواب عند الله تعالى، لأنه يتعبد لله بأدائها، فمن فعل ذلك فله أجره، ومثوبته عند ربه.
الثاني: أن من غلب عليه الشح وحب الدنيا، ومنع الزكاة لم يترك وشأنه، بل تؤخذ منه قهرًا، بسلطان الشرع، وقوه الدولة، وزيد على ذلك فعوقب بأخذ نصف ماله تعزيرًا وتأديبًا لمن كتم حق الله في ماله، وردعًا لغيره أن يسلك سبيله.
وقد قيل: إن هذا كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ
(ذكر ذلك الشيرازي في المهذب "المجموع: 5/332"ورد عليه النووي ص 334)
، ولكن لا دليل على النسخ، ولا يثبت بالاحتمال. والذي أراه: أن هذه عقوبة مفوضة إلى تقدير الإمام. ينفذها حيث يرى تمادى الناس في منع الزكاة، ولم يجد سبيلاً لزجرهم غير هذا. وسنعود لهذه المسألة في باب "أداء الزكاة".
الثالث: أن هذا التشديد في أمر الزكاة إنما هو لرعاية حق الفقراء والمستحقين الذين فرض الله لهم الزكاة، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله، فليس لهم نصيب في هذه الزكاة ولا يحل لهم منها شئ. على خلاف ما عرف في الصدقات عند اليهود، حيث كان عُشرها مخصصًا لآل هارون (اللاويين)الذين كانوا كهانًا بالنسل والوراثة , وكان جزء آخر منها يصرف إلى أصحاب المناصب الدينية
(انظر: الأركان الأربعة للأستاذ أبى الحسن الندوي ص129).

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #6  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي قتال الممتنعين من أداء الزكاة

قتال الممتنعين من أداء الزكاة

ولم يقف الإسلام عند عقوبة مانع الزكاة بالغرامة المالية، أو بغيرها من العقوبات التعزيرية، بل أوجب سل السيوف وإعلان الحرب على كل فئة ذات شوكة تتمرد على أداء الزكاة. ولم يبال في سبيل ذلك بقتل الأنفس، وإراقة الدماء التي جاء لصيانتها والمحافظة عليها.لأن الدم الذي يراق من أجل الحق لم يضع هدرًا. النفس التي تقتل في سبيل الله وإقامة عدله في الأرض لم تمت. ولن تموت.
هذا إذا نظرنا إلى أنفس المؤمنين المقاتلين من أجل الحق، المدافعين عن شرع الله. أما أنفس الآخرين الذي عصوا الله ورسوله، وامتنعوا من أداء حقه، ولم يرعوا أمانة ما استخلفهم فيه من ماله، فقد أهدروا هم بتصرفهم ما ثبت لهم من الحرمة، ونقضوا - بسبب سلوكهم - ما لأنفسهم وأموالهم من العصمة. وهذا الأمر - قتال المتمردين على الزكاة - قد ثبت بالأحاديث الصحيحة وبإجماع الصحابة رضى الله عنهم. أما الأحاديث فقد روى الشيخان عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله". وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله". (أخرجه الشيخان والنسائي وأخرج مسلم والنسائي نحوه من حديث جابر بن عبد الله) (نيل الأوطار: 4/121 - ط. العثمانية). فهذه الأحاديث تدل دلاله صريحة على أن مانع الزكاة يُقاتل حتى يعطيها. والظاهر أنها بهذه الألفاظ الصريحة لم تبلغ الصدَّيق ولا الفاروق (ليس بمستغرب، فقد يسمع بعض الصحابة ما لم يسمع الآخر، وقد قال عمر في حديث أبى موسى في الاستئذان: ألهاني عنى الصفق بالأسواق. ولا يبعد أن يكون الصديق قد سمع الحديث الصريح ولكنه رد على عمر أخذًا من الحديث الذي احتج به نفسه فقلب عليه حجته واستظهر بهذا الدليل النظري).رضى الله عنهما، حين تحاورا في جواز قتال مانعي الزكاة إذا أقروا بشرائع الإسلام الأخرى كالصلاة والصيام. ففي عهد الخليفة الأول لرسول الله، تمردت قبائل شتى من العرب على أداء الزكاة واكتفوا من الإسلام بالصلاة دون الزكاة، وظاهروا بموقفهم المرتدين المارقين الذين اتبعوا زعماءهم من أدعياء النبوة، مثل مسيلمة الكذاب وقومه، سجاح وقومها، وطليحة الأسدي وقومه. كان موقف أبى بكر موقفًا تاريخيًا فذًا، فلم يقبل التفرقة أبدًا بين العبادة البدنية (الصلاة) والعبادة المالية (الزكاة) ولم يقبل التهاون في أي شئ كان يؤدى لرسول الله ولو كان عنزة صغيرة أو عقال بعير. ولم يثن من عزمه: تحفزات المتنبئين الكذابين، وما يتوقع من خطرهم على المدينة، ولم يضعف من إصراره على قتالهم اشتباه بعض الصحابة في أمرهم.
ولندع راوية الصحابة الأول أبا هريرة - رضى الله عنه - يروى لنا هذا الموقف الرائع: قال لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر، وكفر من كفر من العرب فقال عمر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا منى دمائهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى"؟.
فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم على منعها.
قال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبى بكر للقتال، فعرفت أنه الحق (رواه الجماعة إلا ابن ماجة). وفي رواية بعضهم: "عقالاً" بدل "عناقًا" (نيل الأوطار: 4/119 - ط العثمانية. والعناق: الأنثى من أولا المعز، والعقال: الحبل الذي يعقل به البعير. وقيل: العقال زكاة عام وله شواهد في اللغة، ورد بعض المحققين بأنه تعسف وذهاب عن طريقة العرب، لأن الكلام خرج مخرج التشديد والتضييق والمبالغة، فيقتضي قلة ما علق به العقال وحقارته، وإذا حمل على صدقة العام لم يحصل هذا المعنى.- المرجع نفسه).
تعلق الفاروق بظاهر الكلام دون أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطه، فرأي أن الدخول في الإسلام يعصم الدم والمال كما هو عموم الحديث.
واحتج الصديق بأمرين:
أحدهما: نص الحديث الذي علق هذه العصمة على شرط فقال: "إلا بحقها" والزكاة حق المال، وهذا لا يخالف فيه عمر ولا غيره.
وثانيهما: قياس الزكاة على الصلاة، فهي أختها وقرينتها في كتاب الله وسنة رسوله. ويبدو من احتجاج أبى بكر: أن عمر والصحابة كانوا مجمعين على قتال الممتنع جهرة من الصلاة، فرد المختلف فيه إلى المتفق عليه. فلما استقر عند عمر صحة رأي أبى بكر، وتبين له صوابه: تابعه على قتال القوم، وهو معنى قوله: "فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق "يشير - كما قال الخطابى - إلى الحجة التي أدلى بها، والبرهان الذي أقامه نصًا ودلالة (نفس المصدر ص120، وانظر معالم السنن: 2/165). هذا ما صنعه الخليفة الأول أبو بكر الصديق - رضى الله عنه - بمن أصر من العرب على منع الزكاة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ما أقره عليه الصحابة الأعلام، الذين أجمعوا معه على قتالهم، حتى من اشتبه أول الأمر في شأنهم. وبهذا صار قتال الممتنعين عن الزكاة من مواضع الإجماع في شريعة الإسلام. قال الإمام النووي: إذا منع واحد أو جمعٌ الزكاة وامتنعوا بالقتال، وجب على الإمام قتالهم، لما ثبت في الصحيحين من رواية أبى هريرة: أن الصحابة - رضى الله عنهم - اختلفوا أولاً في قتال مانعي الزكاة، ورأي أبو بكر - رضى الله عنه - قتالهم، واستدل عليهم، فلما ظهرت لهم الدلائل وافقوه، فصار قتالهم مجمعًا عليه. ولعل الدولة الإسلامية في عهد أبى بكر هي أول دولة - فيما يعرف التاريخ - تقاتل من أجل حقوق الفقراء والمساكين والفئات الضعيفة في المجتمع، التي طالما أكلتها الطبقات القوية، ولم تجد عونًا لدى الحكام الذين كانوا يقفون دومًا في صف الأغنياء والأقوياء. هذا ولم يبال أبو بكر ولا من معه من الصحابة بتلك الشبهة الواهية التي تعلق بها بعض المانعين للزكاة.
فقد تمسك أولئك بظاهر الآية الكريمة من سورة التوبة:
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم، إن صلاتك سكن لهم، والله سميععليم)(المجموع: 5/334 - والآية من سورة التوبة: 103)
.
قالوا: فهذا: خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقتضي بظاهره اقتصاره عليه، فلا يأخذ الصدقة سواه، ويلزم على هذا سقوطها بسقوطه، وزوال تكليفها بموته. وقالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطينا عوضًا عن الزكاة التطهير والتزكية لنا، والصلاة علينا، وصلاته سكن لنا، وقد عدمنا ذلك من غيره. والشبهة التي تمسك بها القوم واهية الأساس، حتى قال القاضي أبو بكر بن العربى: هذا كلام جاهل بالقرآن، غافل من مآخذ الشريعة، متلاعب بالدين، متهافت في النظر
(أحكام القرآن:2/995)
.
فإن الخطاب وإن كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الأصل، فهو خطاب لكل من يقوم بأمر الأمة من بعده. فهو ليس من الخطاب الخاص به - صلى الله عليه وسلم - مثل
: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك)... الآية (الأحزاب: 50)، ومثل: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك)(الإسراء: 79)
.. ففي هاتين الآيتين دليل على الخصوصية لم يوجد مثله في الآية الكريمة التي استندوا إليها.
قال الإمام الخطابى: خطاب كتاب الله على ثلاثة أوجه:. خطاب عام كقوله تعالى
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم).... الآية (المائدة: 6)، ونحوها. وخطاب خاص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يشركه فيه غيره وهو ما أبين به عن غيره بسمة التخصيص، وقطع التشريك. كقوله تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك)(الإسراء: 79)، وكقولهخالصة لك من دون المؤمنين)(الأحزاب: 50). وخطاب مواجهة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو وجميع أمته في المراد به سواء - كقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)(الإسراء: 78)، وكقوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله)(النحل:98).. ونحو ذلك. ومنه قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة)(التوبة: 103).. وهذا غير مختص به بل تشاركه فيه الأمة. والفائدة في مواجهة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب أنه هو الداعي إلى الله، المبين عنه معنى ما أراده، فقدم اسمه ليكون سلوك الأمة في شرائع الدين على حسب ما ينهجه لهم. وما قالوه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطيهم عوضًا عن الصدقة التطير والتزكية والصلاة عليهم، ولا يوجد ذلك من غيره - فدعوى غير مسلمة. فإن التطهير والتزكية إنما يتمان بواسطة الزكاة فهي أداة التطهيرتطهرهم وتزكيهم بها)(التوبة:103)، وهذا لا يختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - . وكذلك الصلاة عليهم - بمعنى الدعاء لهم - فكان من يأخذ الزكاة: من الإمام أو نائبه، مأمور أن يدعو لمعطيها بالبركة والأجر ففي هذا الدعاء لرب المال سكينة لنفسه وتثبيت لقلبه، وفقًا لسنة الله في الأسباب والمسببات . وهذا أمر ملموس، ولا يختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان دعاؤه في المقام الأسمى من التأثير في سكن النفس وطمأنينتها. ولذا قال العلماء: وأما التطهير والتزكية والدعاء منه - صلى الله عليه وسلم - لصاحب الصدقة. فإن الفاعل لها قد ينال ذلك كله بطاعة الله وطاعة رسوله فيها. وكل ثواب على عمل بر كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - فهو باق غير منقطع (انظر معالم السنن للخطابي: 2/165، وأحكام القرآن لابن العربى قسم 2 ص 994 - 996. ونيل الأوطار للشوكاني: 4/102، 103 - ط. مصطفي البابي الحلبي 1347هـ). وهذا صنف ممن خرج على أبى بكر، وهم أمثلهم طريقة، وغيرهم كفر بالله كفرًا صريحًا من غير تأويل، وأنكر النبوة، وساعد مسيلمة الكذاب ومن شابهه من مدعى النبوة، وجحد وجوب الصلاة والزكاة (نفس المرجع السابق).

الزكاة مما علم من الدين بالضرورة
والمهم بعد ذلك أن نعلم أن الزكاة مما علم من الدين بالضرورة، وأنها أحد أركان الإسلام، وتناقل ذلك الخاص والعام، وأن فرضيتها ثبتت بالآيات القرآنية الصريحة المتكررة، وبالسنة النبوية المتواترة، وبإجماع الأمة كلها خلفًا عن سلف، وجيلاً إثر جيل
بل قال بعض العلماء: إن العقل أيضًا دل على فرضيتها، كما دل الكتاب والسنة والإجماع، ومراده عقل المسلم الذي يؤمن بحكمة الله تعالى ورحمته بخلقة، وذلك من وجوه ذكرها صاحب "البدائع": (3/3). أحدهما: أن أداء الزكاة من باب إعانة الضعيف، وإغاثة اللهيف، وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عز وجل عليه من التوحيد والعبادات، والوسيلة إلى أداء المفروض مفروضة.
الثاني: أن الزكاة تطهر نفس المؤدى من أنجاس الذنوب، وتزكى أخلاقه بتخلق الجود والكرم، وترك الشح والضن، إذ النفس مجبولة على الضن بالمال، فتتعود السماحة، وترتاض لأداء الأمانات، وإيصال الحقوق إلى مستحقيها، وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى:
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها).

والثالث:أن الله تعالى قد أنعم على الأغنياء، وفضلهم بصنوف النعمة والأموال الفاضلة عن الحوائج الأصلية، وخصهم بها، فيتنعمون ويستمتعون بلذيذ العيش. وشكر النعمة فرض عقلاً وشرعًا. وأداء الزكاة إلى الفقير من باب شكر النعمة فكان فرضًا.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #7  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي جاحد الزكاة كافر

جاحد الزكاة كافر

وإذا كان هذا هو مكان فريضة الزكاة من شرائع الإسلام؛ فقد قرر العلماء: أن من أنكرها، وجحد وجوبها، فقد كفر، ومرق من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.
قال النووي: إذا امتنع من أداء الزكاة منكرًا لوجوبها، فإن كان ممن يخفي عليه ذلك لكونه قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة أو نحو ذلك: لم يحكم بكفره، بل يعرف وجوبها، وتؤخذ منه، فإن جحدها بعد ذلك: حكم بكفره.
وإن كان ممن لا يخفي عليه ذلك، كمسلم مختلط بالمسلمين؛ صار بجحدها كافرًا، وجرت عليه أحكام المرتدين، من الاستتابة والقتل وغيرهما، لأن وجوب الزكاة معلوم من دين الله تعالى ضرورة، فمن جحد وجوبها فقد كذب الله، وكذب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فحكم بكفره
انظر المجموع:5/334. وهذا الذي قرره النووي، قرره كذلك ابن قدامة المغنى: 2/573 - الطبعة الثالثة ط. المنار.وغيره من فقهاء الإسلام. وبهذا الحكم الشرعي الواضح الصريح المجمع عليه، نعرف مكان أولئك الذين يحقرون من شأن الزكاة، ويجهرون بأنها لا تصلح لهذا العصر، وهم أبناء مسلمين، ناشئون في قلب ديار الإسلام. إنها "ردة ولا أبا بكر لها" (عنوان رسالة لطيفة للسيد أبى الحسن الندوى).

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #8  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي فروق أساسية بين الزكاة في الإسلام والزكاة في الأديان الأخرى

فروق أساسية بين الزكاة في الإسلام والزكاة في الأديان الأخرى

بعد أن بينا فرضية الزكاة ومنزلتها في دين الإسلام، مستندين إلى الكتاب والسنة وإجماع الأمة، نستطيع أن نسجل بعض الملاحظات المهمة الموجزة حول هذه الفريضة، التي تميزها عما دعت إليه الأديان السابقة من البر والإحسان إلى الفقراء والضعفاء.
أولاً: إن الزكاة الإسلامية لم تكن مجرد عمل طيب من أعمال البر، وخلة حسنة من خلال الخير، بل هي ركن أساسي من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته الأربع، يوصم بالفسق من منعها، ويحكم بالكفر على من أنكر وجوبها، فليست إحسانًا اختياريًا ولا صدقة تطوعية، وإنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام الخلقي والشرعي.
ثانيًا: إنها في نظر الإسلام حق للفقراء في أموال الأغنياء. وهو حق قرره مالك المال الحقيقي وهو الله تعالى، وفرضه على من استخلفهم من عباده فيه، وجعلهم خزانًا له، فليس فيها معنى من معنى التفضل والامتنان من الغنى على الفقير، إذ لا منة لأمين الصندوق إذا أمره صاحب المال بصرف جزء من ماله على عياله.
ثالثًا: إنها "حق معلوم" قدر الشرع الإسلامي نصبه ومقاديره وحدوده وشروطه، ووقت أدائه وطريقة أدائه. حتى يكون المسلم على بينة من أمره، ومعرفة بما يجب عليه، وكم يجب؟ ومتى يجب؟ ولم تجب؟.
رابعًا: هذا الحق لم يوكل لضمائر الأفراد وحدها، وإنما حملت الدولة المسلمة مسئولية جبايتها بالعدل وتوزيعها بالحق. وذلك بواسطة " العاملين عليها "فهي ضريبة" تؤخذ "وليست تبرعًا يمنح. ولهذا كان تعبير القرآن الكريمخذ من أموالهم صدقة)(التوبة: 103)، وتعبير السنة: أنها "تؤخذ من أغنيائهم".
خامسًا: إن من حق الدولة أن تؤدب - بما تراه من العقوبات المناسبة - كل من يمتنع من أداء هذه الفريضة. وقد يصل هذا إلى حد مصادرة نصف المال، كما في حديث: "إنا آخذوها وشطر ماله".
سادسًا: إن أي فئة ذات شوكة تتمرد على أداء هذه الفريضة. فإن من حق إمام المسلمين - بل من واجبه - أن يقاتلهم ويعلن عليهم الحرب حتى يؤدوا حق الله وحق الفقراء في أموالهم. وهذا ما صرحت به الأحاديث الصحيحة، وما طبقه الخليفة الأول أبو بكر ومن معه من الصحابة الكرام، رضى الله عنهم.
سابعًا: إن الفرد المسلم مطالب بأداء هذه الفريضة العظيمة وإقامة هذا الركن الأساسي في الإسلام، وإن فرطت الدولة في المطالبة بها، أو تقاعس المجتمع عن رعايتها. فإنها - قبل كل شئ - عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويزكى بها نفسه وماله، فإن لم يطالبه بها السلطان، طالبه بها الإيمان والقرآن. وعليه - ديانة - أن يعرف من أحكام الزكاة ما يمكنه من أدائها على الوجه المشروع المطلوب.
ثامنًا: إن حصيلة الزكاة لم تترك لأهواء الحكام. ولا لتسلط رجال الكهنوت - كما كان الحال في اليهودية - ولا لمطامع الطامعين من غير المستحقين، تنفقها كيف تشاء، بل حدد الإسلام مصارفها ومستحقيها كما في آيةإنما الصدقات للفقراء والمساكين)(التوبة: 6)، وكما فصَّلت ذلك السنة بدقة ووضوح. فقد عرف البشر من تجاربهم أن المهم ليس هو جباية المال. إنما المهم هو أين يصرف؟ ولذلك أعلن - صلى الله عليه وسلم - أن لا يحل له ولآله منها شيء - وإنما تؤخذ من أغنياء كل إقليم لترد على فقرائه فهي منهم وإليهم.
تاسعًا: إن هذه الزكاة لم تكن مجرد معونة وقتية. لسد حاجة عاجلة للفقير وتخفيف شيء من بؤسه. ثم تركه بعد ذلك لأنياب الفقر والفاقة. بل كان هدفها القضاء على الفقر، وإغناء الفقراء إغناءً دائمًا. يستأصل شأفة العوز من حياتهم. ويقدرهم على أن ينهضوا وحدهم بعبء المعيشة. وذلك لأنها فريضة دورية منتظمة دائمة الموارد، ومهمتها أن تيسر للفقير قوامًا من العيش. لا لقيمات أو دريهمات كما سنفصل ذلك في مصارف الزكاة.
عاشرًا: إن الزكاة - بالنظر إلى مصارفها التي حددها القرآن وفصلتها السنة - قد عملت لتحقيق عدة أهداف روحية وأخلاقية واجتماعية وسياسية. ولهذا تصرف على المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله، فهي أوسع مدى، وأبعد أهدافًا من الزكاة في الأديان الأخرى.
وبهذه المميزات يتضح لنا: أن الزكاة في الإسلام نظام جديد متميز يغاير ما جاءت به الديانات السابقة؛ من وصايا ومواعظ، ترغب في البر والإحسان، وتحذر من البخل والإمساك. كما أنها شىء آخر، يخالف الضرائب والمكوس التي كان يجبيها الملوك والأباطرة. وكانت كثيرًا ما تؤخذ من الفقراء لترد على الأغنياء، وتنفق على أبهة الحاكمين وترفهم وإرضاء أقاربهم وأنصارهم وحماية سلطانهم من الزوال
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #9  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي وضع الفقراء في الحضارات السابقة

وضع الفقراء في الحضارات السابقة

تمهيد
قبل أن أُبَيِّن وجوب الزكاة ومنزلتها في دين الإسلام، يحسن بى أن أعرض لما كان عليه الفقراء والطبقات الضعيفة في المجتمع قبل الإسلام، وإلى أي حد عنيت الشرائع والديانات السابقة برعاية حاجتهم وعلاج مشكلتهم، حتى نعرف بالدراسة والموازنة كيف سبق الإسلام كل الديانات والمذاهب بعلاج هذا الجانب المهم علاجًا جذريًا أصيلاً، وأقام بنيان العدل والتكافل الاجتماعى، على أمتن الأسس، وأرسخ القواعد التي جاء بها كتاب الله، وبينتها سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

الفقراء في الحضارات السابقة
عرف الإنسان الفقر والحرمان من أزمنة قديمة، وعرف التاريخ الفقراء والمحرومين من عهود سحيقة، ومن الإنصاف أن نقول: إن الحضارة الإنسانية لم تخلُ في عهد من عهودها من أناس يدعونها إلى ذلك المعنى الإنساني الأصيل، وهو إحساس الإنسان بآلام أخيه، ومحاولة إنقاذه من بؤسه وحرمانه، أو التخفيف من ويلاته على الأقل.
غير أن الوضع الذي كان عليه الفقراء عمليًا كان سيئًا للغاية، وكان نقطة سوداء في جبين الإنسانية، ولم يتقيد المجتمع بما أوصى به الحكماء، ونادى به العقلاء. وهذا باحث كبير
(هو الأستاذ المرحوم العلامة محمد فريد وجدى، مؤلف دائرة معارف القرن العشرين، ورئيس تحرير" مجلة الأزهر " لسنين عديدة. وهذا النقل من كتابه "الإسلام دين عام خالد " ص 179 -181 -ط.أولى.)
يحدثنا عن هذا التاريخ الأسود منذ أقدم الحضارات، تاريخ العلاقة بين الأغنياء الواجدين والفقراء المحرومين فيقول:
" في أية أمة من الأمم أجال الباحث نظره فوجد طبقتين من الناس لا ثالثة لهما: الطبقة الموسرة، والطبقة المعسرة، ووجد بإزاء هذا أمرًا جديرًا بالملاحظة، وهو أن الطبقة الموسرة تتضخم إلى غير حد، والطبقة المعسرة لا تفتأ تهزل حتى تلتصق بأديم الأرض، معيية رازحة، فيتداعى البناء الاجتماعى، لوهن اساسه، وقد لا يدرى المترفون من أي النواحي خر عليهم السقف.
كانت "مصر في عهدها القديم جنة الله في الأرض، وكانت تنبت من الخيرات ما يكفي أضعاف أهلها عددًا، ولكن الطبقة الفقيرة فيها كانت لا تجد ما تأكله، لأن الطبقة الموسرة كانت لا تترك لهم شيئًا غير حثالة لا تسمن ولا تغنى من جوع. فلما أصابتها المجاعة - على عهد الأسرة الثانية عشرة - باع الفقراء أنفسهم للأغنياء وساموهم الخسف وأذاقوهم عذاب الهون. و في "مملكة " بابل" كان الأمر على ما كان عليه في "مصر"؛ لا حَظَّ للفقراء من ثمرات بلادهم، مع أنها كانت تسامى بلاد الفراعنة نماء وخصوبة. وكانت تجرى مجراها "فارس ". أما لدى الأغارقة " اليونان " الأقدمين فكان الأمر لا يعدو ما تقدم، بل تروى عن بعض ممالكهم أمور تقشعر من هولها الجلود، فقد كانوا يسوقون الفقراء بالسياط إلى أقذر الأعمال ويذبحونهم لأقل الهفوات ذبح الأغنام.
أما في "إسبارطة" من ممالكهم فقد كان الموسرون تركوا للمعسرين الأرض التي لا تصلح للإنبات فذاقوا ألوان الفاقة غير مرحومين. وكان الأغنياء في " أثينا " يتحكمون في الفقراء إلى حد أنهم كانوا يبيعونهم بيع العبدان، إذا لم يؤدوا لهم ما كانوا يفرضونه من الإتاوات.
أما في" روما " منبع الشرائع والقوانين، ووطن الفقهاء والأصوليين، فقد كان الموسرون مستولين على العامة، ومتميزين عنهم تميزًا يجعل العامة بإزائهم كالطائفة المنبوذة لدى الهنديين وما كانوا يرضخون لهم
(رضخ له: أعطاه عطاء مقارنًا.)
بصبابة إلا بعد أن ينال منهم الإعياء، فيهجرون المدن، ويقاطعون الجماعة مرغمين.
قال العلامة "ميشيليه" في المملكة الرومانية في هذه الناحية:.
كان الفقراء يزدادون كل يوم فقرًا، والأغنياء يزدادون غنى، وكانوا يقولون: ليهلك الوطني، وليمت جوعًا إذا لم يستطع أن يذهب إلى ساحات القتال.
فلما زالت الدولة الرومانية، وقامت على أنقاضها الممالك الأوروبية، ازدادت حالة الفقراء سوءًا، فكانوا في جميع أصقاعها يباعون كالماشية مع أراضيهم"
(المرجع السابق).

هذا هو وضع الفقراء في تلك القرون المديدة، وهذا هو موقف الأغنياء منهم، فماذا صنعت الأديان لإصلاح وضع الفقراء، وتقريب الثقة بينهم وبين الأغنياء؟

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #10  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي عناية الأديان برعاية الفقراء

عناية الأديان برعاية الفقراء

الواقع أن الأديان كلها - حتى الوضعية منها التي لم تعرف لها صلة بكتاب سماوي - لم تغفل هذا الجانب الإنساني الاجتماعي، الذي لا يتحقق إخاء ولا حياة طيبة بدونه.
وهكذا نجد في بلاد ما بين النهرين قبل أربعة آلاف سنة، كيف أن "حمورابي" في استهلال أول سجل للشرائع وجد حتى الآن، قال: إن الآلهة أرسلته لمنع الأقوياء من اضطهاد الضعفاء، وليرشد الناس، ويَؤَمِّن الرفاهية للخلق. وقبل آلاف السنين كان الناس في مصر القديمة يشعرون بأنهم يؤدون واجبًا دينيًا عندما يقولون: لقد أعطيت الخبز للجائع، والكساء للعارى، وحملتُ بزورقي أولئك الذين لم يستطيعوا العبور، وكنت أبًا لليتيم، وزوجًا للأرملة، ووقاءً للمقرور من عصف الريح
(من محاضرة الدكتور "كارل شوبنز" في حلقة الدراسات الاجتماعية. الدورة الثالثة ص 546).

عناية الأديان السماوية
بيد أن الأديان السماوية كانت دعوتها إلى البر بالفقراء والضعفاء أجهر صوتًا، وأعمق أثرًا من كل فلسفة بَشرية، أو ديانة وضعية أو شريعة أرضية، ولا أحسب دعوة نبي من الأنبياء خلت من هذا الجانب بَيْدَ أن الأديان السماوية كانت دعوتها إلى البر
بالفقراء والضعفاء أجهر صوتًا، وأعمق أثرًا، من كل فلسفة الإنساني الذي سماه القرآن " الزكاة ".
ونحن إذا رجعنا في ذلك إلى القرآن الكريم - وهو أصح وثيقة سماوية بقيت للبَشر - وجدناه يتحدث عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب فيقول:
(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وكانوا لنا عابدين) (الأنبياء: 73)
.
ويتحدث عن إسماعيل فيقول:
(وأذكر في الكتاب إسماعيل، إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيًا)(مريم: 54 - 55)
.
ويتحدث عن ميثاقه لبنى إسرائيل فيقول:
(وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانًا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنًا وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة) (البقرة: 83)
.
وفي سورة أخرى:
(ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبًا، وقال الله إنى معكم، لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضًا حسنًا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار، فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل) (المائدة: 12)
.
وقال على لسان المسيح عيسى في المهد:
(وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا) (مريم: 31)
.
وقال تعالى في أهل الكتاب عامة:
(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيمة)(البينة: 5).

وإذا نظرنا إلى أسفار التوراة والإنجيل (العهد القديم، والعهد الجديد) - التي بين أيدينا الآن - نجدها تشتمل على كثير من الوصايا والتوجيهات الخاصة بالعطف على الفقراء والمساكين، والبرَّ بالأرامل واليتامى والضعفاء.
ففي التوراة نقرأ في الإصحاح (21) من سفر الأمثال ما نصه: " مَن يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضاَ يصرخ ولا يستجاب له، الهدية في الخفاء تطفئ الغضب ".
وفي الإصحاح (22) منه: " الصالح العين هو يُبارَك لأنه يعطى من خبزه للفقير". وفي الفقرة (27) من سفر الأمثال: " من يعطى الفقير لا يحتاج، ومن يحجب عنه عينيه عليه لعنات كثيرة". وفي الإصحاح (15) من سفر التثنية: " إن كان فيك فقير أحد من إخوتك في أحد أبوابك، في أرضك التي يعطيك الرب إلهك؛ فلا تقس قلبك، ولا تقبض يدك عن أخيك الفقير، بل افتح يدك له، وأقرضه مقدار ما يحتاج إليه، أعطه ولا يسؤ قلبك عندما تعطيه، لأنه بسبب هذا الأمر يباركك الرب إلهك في كل أعمالك وجميع ما تمتد إليه يدك، لأنه لا تُفقد الفقراء في الأرض، لذلك أنا أوصيك قائلاَ: افتح يدك لأخيك المسكين والفقير في أرضك". كما ورد في الإصحاح (14) منه: "تعشيرًا تعشر كل محصول زرعك الذي يخرج من الحقل سنة بسنة، في آخر ثلاث سنين تخرج كل عشر محصولك في تلك السنة، وتضعه في أبوابك، فيأتي اللاوي، لأنه ليس له قسم ولا نصيب معك، والغريب واليتيم والأرملة الذين في أبوابك، ويأكلون ويشبعون لكي يباركك الرب إلهك في كل عمل يدك الذي تعمل".
وكذلك نقرأ في الإنجيل في الفقرة (33) من الإصحاح (13) من إنجيل لوقا: " بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة ".
وفي الفقرات (10 - 14) من إنجيل لوقا: "من له ثوبان فليعط من ليس له، ومن له طعام فليفعل هكذا".
وفي الفقرة (41) من الإصحاح (11): "بل أعطوا ما عندكم صدقة فهو ذا كل شىء، نقيًا لكم".
وفي الفقرات (12 - 14) من الإصحاح (14): "وقال أيضًا للذي دعاه: إذا صنعت غداءً أو عشاءً فلا تدع أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء، لئلا يدعوك هم أيضًا، فتكون لك مكافأة، بل إذا صنعت فادع المساكين الجدع، العرج، العمى، فيكون لك الطوبى، إذ ليس لهم أن يكافئوك، لأنك تكافأ في قيامة الأبرار".
وفي الفقرات (1 - 4) من الإصحاح (21): "وتطلع فرأي الأغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة، ورأي أيضًا أرملة مسكينة ألقت هناك فلسين، فقال: بالحق أقول لكم: إن هذه الأرملة ألقت أكثر من الجميع، لأن هؤلاء من غنى ألقوا في قرابين الله، أما هذه فمن إعوازها ألقت كل المعيشة".
وفي الفقرتين (41، 42) من الإصحاح (5) من إنجيل متى: "من سأل فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده".
وفي الفقرات (1 - 4) من الإصحاح (6): " احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس، لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدماك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يمجدوا من الناس. الحق أقول لكم: إنهم استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك. علانية ".
وفي الفقه (42) من الإصحاح (10): "ومن سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ، فالحق أقول لكم: إنه لا يضيع أجره".

ملاحظات على موقف الأديان من الفقر
هذه نماذج رائعة من عناية الأديان السابقة بالفقراء وذوى الحاجات. وهذه هي دعوة الكتب السماوية - قبل القرآن - إلى رعايتهم.
ولكن ينبغي هنا أن نبدي بعض الملاحظات
1- إن هذه النماذج لا تعدو أن تكون ترغيبًا في الإحسان والعطف، وترهيبًا من الأنانية والبخل، ودعوة جهيرة إلى التصدق الفردي الاختباري.
2- إنها لم تتمتع بدرجة عالية من الإيجاب والإلزام، بحيث يشعر من تركها أنه ترك شيئًا من أساسيات الدين، يعاقبه الله عليه في الدنيا والآخرة بالعذاب الشديد.
3- إنها وكلت ذلك إلى أريحية الأفراد , وإلى ضمائرهم، ولم تجعل للدولة سلطانًا عليهم، في التحصيل والتوزيع.
4- إنها لم تحدد المال الذي تجب منه الصدقة والإحسان، ولا شروطه، ولا مقدار الواجب فيه، وهذا ما يجعل التفكير في تحصيله من قبل الدولة ممتنعًا، إذ كيف تحصل شيئًا غير مقدر ولا محدود.
5- إن المقصود من الإحسان إلى الفقراء لم يكن هو علاج مشكلة الفقر، واستئصال جذوره، وتحويل الفقراء إلى ملاك، بل كان المقصود لا يتجاوز التقليل من بؤسهم، والتخفيف من ويلاتهم.
وبهذا نقول: إن الفقراء والضعفاء كانوا تحت رحمة الأغنياء القادرين ومنتهم، إذا حركهم حب الله والآخرة، أو حب الثناء، والمروءة، فجادوا بشيء - ولو قليلاً - على ذوى الضعف والحاجة والفقر، فهم أصحاب الفضل والمنة، وإذا غلب عليهم حب المال وحب الذات، ضاع الفقراء، وافترستهم مخالب الفاقة، ولم يجدوا من يدافع عنهم، أو يطلب لهم حقًا، إذ لم يكن لهم حق معلوم. وهذا هو خطر الإحسان الموكول إلى الأفراد.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:19 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.