منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > المنتدى الفكري
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #81  
قديم 04-01-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي زكاة الدَيْن

زكاة الدَيْن
ومما يتفرع على هذا الشرط: البحث في زكاة الدَيْن، أهي على الدائن باعتباره المالك الحقيقي للمال، أم على المدين باعتباره المتصرف فيه والمنتفع به؟ أم يعفى كلاهما؟ أم هي على كليهما؟ والأخير لم يقل به أحد، منعًا للازدواج. وروي عن عكرمة وعطاء إعفاء كليهما، وقالا: لا يُزكِّى الذي عليه الدين، ولا يُزكِّيه صاحبه حتى يقبضه (المحلى: 2/101، وقال البيهقي (في السنن: 4/150): وقد حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وعائشة).
وروى ابن حزم عن عائشة أم المؤمنين: ليس في الدَيْن زكاة. ومعناه أنه لا زكاة على الدائن ولا المدين، وأيَّد ذلك ابن حزم، وهو مذهب أصحابه من الظاهرية.
ووجه قولهم: أن مِلْك كل منهما غير تام، أما المدِين، فلأن المال الذي في يده ليس له، ويده عليه ليست يد مِلْك، بل يد تصرف وانتفاع، والمال على مِلْك صاحبه الدائن، له أخذه متى شاء.
وأما الدائن فلأن المال ليس في يده حقيقة، وغيره هو الذي يتصرف فيه، وينتفع به، فكان مِلكه عليه ليس بتام.
وهناك قول نسبه في "الأموال" إلى النخعي: إن زكاة الدَيْن الذي يُمْطلُه صاحبه على الذي يأكل مهنأه
(الأموال ص 432، وروي مثله عن عطاء، كما روى عنهما ما يخالفه)
. أي على الذي ينتفع به ويتصرف فيه بالفعل، فإذا كان لك دِيْن عند تاجر، ينميه ويستفيد منه ويماطل في دفعه، فزكاته على هذا الرأي واجبة عليه لا عليك.
وهذه نظرة إلى من بيده المال لا إلى من يملكه. وهذا مخالف لشرط المِلْك التام، الذي يكاد يجمع عليه الفقهاء. ولعله جعل زكاته على المدين في مقابلة مطله.
أما جمهور الفقهاء منذ عصر الصحابة ومن بعدهم، فيرون أن الدَيْن نوعان:
دَيْن مرجو الأداء، بأن كان على موسر مقر بالدَيْن، فهذا يعجل زكاته، مع ماله الحاضر في كل حَوْل.
روى أبو عبيد ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وجابر بن عبد الله من الصحابة، ووافقهم على ذلك من التابعين: جابر بن زيد ومجاهد وإبراهيم وميمون بن مهران
(المرجع السابق ص 430)
.
والنوع الثاني دَيْن غير مرجو أخذه، بأن كان على معسر لا يُرجَى يساره، أو على جاحد ولا بيِّنة عليه. ففيه مذاهب:
الأول:
أن يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين، وهو مذهب علي وابن عباس.
الثاني: أنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة وهو مذهب الحسن وعمر بن عبد العزيز وهو مذهب مالك في الديون كلها: مرجوة وغير مرجوة
(وإنما يُزكى الدين عند مالك لسنة من يوم زكَّى أصله إن كان قد زكَّاه، أو من يوم مِلْك أصله، إن لم تجب الزكاة فيه، بأن لم يقم عنده حَوْلاً، ولو أقام عند المدِين أعوامًا. فإذا قبضه زكَّاه لعام فقط، بشرط أن يتم المقبوض نصابًا بنفسه، ولو على دفعات.
ومحل تزكيته لعام فقط إذا لم يؤخر قبضه فرارًا من الزكاة: أي قصدًا إلى التهرب من وجوبها عليه. وإلا زكَّاه لكل عام مضى، كما قال ابن القاسم.
وهذا ما لم يكن أصل الدَّيْن هبة أو صدقة، واستمرا بيد الواهب والمتصدق، أو صداقًا بيد الزوج، أو خلعًا بيد دافعه، أو تعويض جناية بيد الجاني، أو وكيل كل، فلا زكاة فيه إلا بعد حول من قبضه ولو أخَّر فرارًا.
والديون المرجوة وغير المرجوة في ذلك سواء، لا يستثنى منها إلا الديون التجارية المرجوة للتاجر المدير - الذي يشتري ويبيع بالسعر الحاضر - فإنه يحسبها في كل حَول ويزكيها مع سلعه ونقوده، ويعني بالديون التجارية: ما كان أصلها ثمن بضاعة باعها، أما ما كان أصله قرضًا اقترضه فلا زكاة فيه. انظر الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه: 1/466)
.
الثالث: أنه لا زكاة عليه لشيء مما مضى من السنين، ولا زكاة سنته أيضًا وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه، وهو عندهم كالمال المستفاد يستأنف صاحبه به الحَوْل (الأموال: ص 434 - 435)
.
هذا وقد اختار الإمام أبو عبيد - إذا كان الدين مرجوًا - الأخذ بالأحاديث العالية، التي ذكرها عن عمر وعثمان وجابر وابن عمر: أنه يزكيه في كل عام مع ماله الحاضر، ما دام الدين على الأملياء (جمع ملئ وهو الغني)، لأن هذا حينئذ بمنزلة ما في يده وفي بيته.
وأجاز أبو عبيد - على حذر منه - تأخير زكاة الدين إلى القبض، فكلما قبض منه شيئًا زكَّاه لما مضى إذا لم يؤد ذلك إلى الملالة والتفريط.
أما الدَيْن الميئوس منه، أو كالميئوس منه، فقد اختار العمل فيه على قول علي وابن عباس: أنه لا زكاة عليه في العاجل، فإذا قبضه زكَّاه - لما مضى من السنين، وأيَّد ذلك ببقائه على ملكه، فكيف يسقط حق الله عنه في هذا المال، ومِلْكه لم يزل عنه؟
(الأموال ص 434 - 435)
.
ونحن نوافق أبا عبيد فيما اختاره في الدين المرجو، لأنه كما قال: بمنزلة ما في يده. وأما الدين لذي يئس منه صاحبه فلا. فإنه - وإن بقي على أصل ملكه - لا يد له عليه، فهو مِلْك ناقص، والملك الناقص ليس بنعمة كاملة، والزكاة إنما تجب في مقابلتها. إذ الملك التام - كما ذكرنا - هو ما كان بيده، لم يتعلق به حق غيره، يتصرف فيه على حسب اختياره وفوائده حاصلة له
(مطالب أولي النهى: 2/14)
.
فمقتضى تمام المِلْك، أن تكون له قدرة على الانتفاع بالمال المملوك بنفسه أو نائبه. ولم يتحقق ذلك هنا.
وهذا مذهب أبي حنيفة وصاحبيه في الدين الميئوس منه. وفي المال "الضمار" بصفة عامة: وهو كل مال غير مقدور على الانتفاع به، لأن المال الذي لا يقدر مالكه على الانتفاع به لا يكون به غنيًا، والزكاة إنما تجب على الأغنياء
(بدائع الصنائع: 2/9)
.
ونحن نوافق أبا حنيفة في اعتبار هذا النوع من الدَّيْن المجحود أو الميئوس منه. والمال الضمار بصفة عامة إذا قبضه صاحبه كالمال الجديد المستفاد، فلا يُزكَّى لما مضى من السنين. وإن كنا نرجِّح مذهب الحسن وعمر بن عبد العزيز ومالك في تزكيته عند قبضه لسنة واحدة، بناء على رأينا في المال المستفاد، وأنه يُزكَّى عند استفادته وتملكه، دون اشتراط حَوْل كما سنفصِّل ذلك في موضعه.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #82  
قديم 04-01-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي مكافآت الموظفين ومدخراتهم

مكافآت الموظفين ومدخراتهم
ومما يكثر السؤال عنه في هذا المقام: ما يكون للموظفين من مبالغ نقدية لدى الحكومات أو المؤسسات التي يعملون فيها، باعتبار هذه المبالغ مكافآت مستحقه لهم، أو مدخرات مرصودة لحسابهم. هل في هذه المبالغ زكاة أم لا؟
والجواب عن هذا السؤال إنما يتحدد بناء على تكييف طبيعة هذه الأموال المذكورة من مكافآت ونحوها: هل تُعَد ملكًا تامًا لهؤلاء الموظفين أم لا؟
أعني: هل يستطيع هؤلاء الموظفون صرفها متى شاءوا وفقًا للأنظمة المتبعة؟ أم لا يستطيعون؟ وهل هي حق لهم أم منحة من الدولة أو المؤسسة؟ فإن كانت منحة وهبة فإنها لا يتم ملكها إلا بالقبض. وإن كانت حقًا للموظف لا تملك الدولة أو المؤسسة أن تلغيه، ويستطيع أن يصرفها إذا أراد فالذي أرجحه أن ملكه في هذه الحال مِلْك تام، وهي كالدَيْن المرجو، الذي قال فيه أبو عبيد: إنه بمنزلة المال الذي في يده. فحينئذ تجب فيها الزكاة في كل حَوْل، إذا بلغت نصابًا وتوفرت الشروط الأخرى من السلامة من الدَيْن ونحوه
(وعلى مذهب مالك في الديون: لا زكاة فيها إلا إذا قبضها فيزكيها لعام واحد، وإن بقيت على ملكه أعوامًا).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #83  
قديم 04-01-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي ثانيا: النماء

ثانيا: النماء
الشرط الثاني، أن يكون المال الذي تؤخذ منه الزكاة ناميًا بالفعل، أو قابلاً للنماء، ومعنى النماء بلغة العصر: أن يكون من شأنه أن يدر عل صاحبه ربحًا وفائدة، أي دخلاً أو غلة أو إيرادًا - حسب تعبير علماء الضريبة - أو يكون هو نفسه نماء، أي فضلاً وزيادة، وإيرادًا جديدًا، وهذا ما قرره فقهاء الإسلام، وبيَّنوا حكمته بوضوح ودقة.
قالوا: النماء في اللغة الزيادة، وفي الشرع نوعان: حقيقي وتقديري فالحقيقي: الزيادة بالتوالد والتناسل والتجارات ونحوها، والتقديري: تمكنه من الزيادة بأن يكون المال القابل لذلك في يده أو يد نائبه (حاشية ابن عابدين: 2/7 نقلاً عن البحر)
.
حكمة اشتراط النماء
قال ابن الهمام: إن المقصود من شرعية الزكاة -مع المقصود الأصلي من الابتلاء- هو مواساة الفقراء، على وجه لا يصير هو فقيرًا، بأن يعطي من فضل ماله قليلاً من كثير. والإيجاب في المال الذي لا نماء له أصلاً يؤدي إلى خلاف ذلك عند تكرر السنين، خصوصًا مع الحاجة إلى الإنفاق (فتح القدير: 1/482).
بهذا يتحقق - ماديًا - قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما نقص مال من صدقة" (رواه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري، وقال: حسن صحيح)
. فإن ذلك الجزء القليل الواجب من مال كثير نام مغل لا ينقصه أبدًا، وفقًا لسنة الله تعالى.
والمعتبر -كما قلنا- أن يكون المال من شأنه أن ينمى ("نما المال ينمى" من باب "ضرب" متفق عليه، أما "نما ينمو" فذكرها بعض اللغويين وأنكرها آخرون، كما في شرح القاموس وغيره)
. ويغل، بتحقق قابليته للنماء، لا أن ينمى بالفعل، فإن الشرع لم يعتبر حقيقة النماء بالفعل، لكثرة اختلافه وعدم ضبطه، كما قال صاحب المغني.
وقال في البدائع: "إن معنى الزكاة -وهو النماء- لا يحصل إلا من المال النامي".
"ولسنا نعني به حقيقة النماء، لأن ذلك غير معتبر، وإنما نعني به كون المال معدًا للاستنماء بالتجارة أو بالإسامة (رعي الحيوان في الكلأ المباح)، لأن الإسامة سبب الحصول الدر (اللبن) والنسل والسمن، والتجارة سبب لحصول الربح، فيقام السبب مقام المسبب، وتعلق الحكم به، كالسفر مع المشقة ونحو ذلك (بدائع الصنائع: 2/11)
.
وهذا إذا لم يكن المال نفسه نماء، أي غلة وثروة جديدة، فهذا لا تجب الزكاة إلا بحصوله بالفعل، كالحبوب والثمار ونحوها، إذ هي نفسها نماء وفضل مكتسب وإيراد جديد.
دليل هذا الشرط
وإنما أخذوا هذا الشرط من سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- القولية والعملية، التي أيَّدها عمل خلفائه وأصحابه، فلم يوجب النبي -صلى الله عليه وسلم- الزكاة في الأموال المقتناة للاستعمال الشخصي، كما في الحديث الصحيح: "ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة" قال النووي: "هذا الحديث أصل في أموال القنية لا زكاة فيها" أ هـ (صحيح مسلم بشرح النووي: 7/55). ولم يفرض النبي -صلى الله عليه وسلم- الزكاة إلا في الأموال النامية المغلة، وكان الموجود منها في بلاد العرب عدة أنواع:
منها: الأنعام السائمة وهي الإبل والبقر والغنم.
ومنها: النقود من الذهب والفضة التي يتاجر فيها بعض الناس ويدخرها البعض الآخر.
ومنها: الزروع والثمار، وبخاصة الأقوات منها كالحنطة والشعير، والتمر والزبيب، ومثلها العسل عند من قال به.
ومنها: الكنوز التي دفنها القدماء في باطن الأرض إذا عُثِرَ عليها، ومثلها المعادن، وإن اختلفوا في مصرف هذين. أيصرف مصرف الزكاة أم مصرف الفيء؟
ولقد اتفق الفقهاء القائلون بتعليل الأحكام الشرعية -وهم جمهور الأمة- على أن العلة في إيجاب الزكاة في الأموال المذكورة، هي نماؤها بالفعل أو بالقوة (أي الإمكان).
فالأنعام نامية بالفعل، لأنها تسمن وتلد وتدر لبنًا، ونماؤها نماء طبيعي، لما فيه من زيادة الثروة الحيوانية، وما يتبعها من اللحوم والألبان…الخ.
وعروض التجارة مال نام بالفعل، لأن الشأن فيها أن تدر ربحًا وتجلب كسبًا، وإن كان النماء فيها غير طبيعي، كنماء الثروة الحيوانية والزراعية، فهو نماء صناعي يشبه الطبيعي. واعتبره الإسلام نماءً شرعيًا حلالاً، كما اعتبرته كذلك كل الديانات والقوانين والعقول البشرية إلى اليوم، وإلى ما شاء الله.
والنقود أموال نامية، لأنها بديل السلع، وواسطة التبادل، ومقياس قيم الأشياء، فإذا استخدمت في الصناعة والتجارة ونحوها، أنتجت دخلاً، وحققت ربحًا، وهذا هو معنى النماء المقصود هنا، فإذا كُنِزَت هذه النقود، وحُبِست عن أداء وظيفتها في التداول والتثمير والإنتاج، فإن كانزها هو المسئول عن هذا التعطيل، وكان شأنه شأن من عطل آلة سليمة نافعة عن عملها، ونبهه الشارع على هذا التعطيل بإيجاب الزكاة عليه، ليخرجها إلى النماء بالفعل، فينفع نفسه، وينفع المجتمع واقتصاده من حوله.
وأما الزروع والثمار فهي نفسها نماء وإيراد جديد، ومثلها العسل، وكذلك الكنوز والمعادن.
وهذا الشرط الذي أثبته الفقهاء أخذًا من هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمل الخلفاء الراشدين، موافق لمدلول كلمة "الزكاة" نفسها، فإن أبرز معانيها في اللغة: النماء، وإنما سمي هذا القدر الواجب في المال زكاة، لأنه يؤول في النهاية إلى البركة والنماء، حسب وعد الله تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) (سبأ: 39)، (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) (الروم: 39) ويحتمل وجهًا آخر - نص عليه العلماء - وهو أن إخراج هذا الحق، إنما يجب في الأموال المعرَّضة للنماء، ولذلك لا يجب في "المقتني" لما لم يكن معرَّضًا للتنمية. ولذلك سقطت الزكاة في المال الذي يتعذر على صاحبه تنميته بالغصب أو الضياع أو نحو ذلك. فلما كان مختصًا بالأموال التي تنمى قيل له: واس من نمائه، وأخرج زكاة مالك، بمعنى أنه يخرج من نمائه (المنتقى في شرح الموطأ لأبي الوليد الباجي: 2/9)
.
وتطبيقًا لهذا الشرط، أعفى المسلمون منذ العصور الأولى، دواب الركوب، ودور السكنى، وآلات المحترفين، وأثاث المنازل، وغيرها من وجوب الزكاة، لأنها لا تعد مالاً ناميًا بالفعل، ولا بالقابلية.
وتطبيقًا له أيضًا - قالوا: لا زكاة على مَن لم يتمكن من نماء ماله بنفسه ولا نائبه، كمال الضمار، وهو في اللغة: الغائب الذي لا يُرجَى، فإذا رُجِيَ فليس بضمار، وأصله الإضمار، وهو التغيب والاختفاء (البحر الرائق: 2/222)
، وفي الشرع: كل مال غير مقدور الانتفاع به مع قيام أصل المِلْك، كما تقدَّم، فخرج مال الضمار بالنماء، كما خرج بشرط تمام المِلْك.
ولاشتراط النماء في مال الزكاة، قرر العلماء، أن زكاة الزروع والثمار، لا تتكرر بتكرر الحَوْل، فإذا وجب العُشر في الزروع والثمار، لم يجب فيهما بعد ذلك شيء - وإن بقيت في يد مالكها سنين. لأن الزكاة إنما تتكرر في الأموال النامية، وما ادخر من زرع وثمر فهو منقطع النماء، متعرض للفناء، فلم تجب فيه زكاة كالأثاث، أما الماشية فإنها مرصدة للنماء (انظر: المجموع للنووي: 5/569)
.
ولعل أوسع المذاهب في تطبيق شرط النماء هو مذهب مالك، فإنه لا يوجب في الدَيْن -الذي للإنسان على غيره- زكاة لما مر من الأعوام وإن كان مرجوًا حتى يقبضه، فإذا قبضه زكَّاه لعام واحد، كالمال المغصوب والمدفون بصحراء أو عمران ضلَّ صاحبه عنه، والمال الذي ضاع أو سقط من صاحبه، فكله لا يزكَّى إلا إذا عاد لربه فيزكِّيه لسنة واحدة.
وهذا عام في كل الديون، لا يستثنى منها إلا الديون المرجوة للتاجر المدير (الذي يشتري السلع ويبيعها بالسعر الحاضر) فإنه يحسب ديونه التجارية خاصة مع نقوده وسلعه ويزكيها كل عام (الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه: 1/457)
.
وحُجَّة المالكية في عدم زكاة الدين: أنه - وإن كان على مِلْك صاحبه - مال غير نام، فلا تتعلق به الزكاة، لأنها إنما تجب في المال النامي.
وكذلك ذهب مالك إلى أن التاجر المحتكر (ويعني به الذي يشتري السلعة ويتربص بها غلاء الأسعار فيبيعها كالذين يشترون أراضي البناء ونحوها منتظرين غلاءها) لا تجب عليه الزكاة في قيمة سلعه كل عام كالتاجر المدير، وكما هو مذهب الجمهور. بل إذا باع منها ما يبلغ نصابًا زكَّاه لسنة واحدة، وإن بقي في يده قَبْل البيع سنين. لأن السلعة إذا بقيت عنده سنين ثم بيعت لم يحصل فيها النماء إلا مرة واحدة، فلا تجب الزكاة إلا مرة واحدة (المرجع نفسه ص 473)
.
المال المعجوز عن تنميته
وإذا كان نماء المال شرطًا في وجوب الزكاة، فما حكم المال المملوك المعجوز عن تنميته؟ هل تجب فيه الزكاة فتأكله عندئذ بمرور الأعوام؟ أم يُعفَى من الزكاة فيبقى على حاله؟
والجواب: أن العجز عن تنمية المال نوعان:
أولهما: عجز من جهة المال نفسه، والثاني:
عجز من صاحب المال.
فأما العجز الراجع إلى المال، كأن يكون مغصوبًا ولا بيِّنة له، أو دَيْنًا لا يُرجَى وفاؤه، أو مدفونًا نُسِيَ مكانه، أو نحو ذلك، فهذا يُعذر صاحبه ولا زكاة فيه حتى يقبضه، كما ذكرنا ذلك في زكاة الدَيْن، والمال الضمار.
وأما ما كان فيه من جهة رب المال نفسه، فإن الشارع لم يعتبر عذره في عدم تنميته ماله، وأوجب عليه الزكاة، غير باحث عن سبب العجز. فإن المفترض في المسلم أن يُعمل الحيلة ويتخذ كل وسيلة مشروعة لتثمير ماله، إما بنفسه أو بمشاركة غيره، والمسلم لا يعجز عن تهيئة الأسباب وإزالة الموانع.
فالعجز في نظر الإسلام ليس عذرًا يعفي صاحبه من الواجبات (على أن من الفقهاء من توسع في اعتبار العجز الذي يُعذر به صاحبه، فمنهم مَن أعفى صاحب الدَيْن من الزكاة وإن كان دينه مرجوًا، لأنه غير نام، كما أنه أيضًا غير تام المِلْك. وبعض الفقهاء أعفوا نقود الصبي والمجنون من الزكاة لأنها لا تنمى بنفسها، وهو عاجز عن تنميتها. كما مَرَّ)
، بل هو أمر يلوم عليه، لأنه ناشئ عن تقصير الفرد أو اختلال المجتمع.
ولهذا جاء في الحديث استعاذة النبي -صلى الله عليه وسلم- منه، ونهيه عنه، وإنكاره على من تلبَّس به.
كان -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل" (رواه البخاري من حديث أنس)، وروى عنه أبو هريرة: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز" (رواه مسلم من حديث أبي هريرة). وقال لرجل: "إن الله يلوم على العجز" (رواه أبو داود من حديث عوف بن مالك).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #84  
قديم 04-01-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي كل مال نام فهو وعاء للزكاة

كل مال نام فهو وعاء للزكاة
وبهذا الشرط - شرط النماء - نتبين أن كل مال نام يصلح لأن يكون "وعاءً" أو "مصدرًا" للزكاة. ولو لم ينص النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجوب الأخذ منه بذاته. فيكفينا أنه يدخل في العمومات القرآنية والنبوية.
وهذا يخالف ما ذهب إليه بعض الفقهاء المضيِّقين في إيجاب الزكاة كابن حزم وغيره من وجوب الاقتصار على الأصناف التي أخذ منها النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحصرها في "المحلى" في ثمانية: الإبل والبقر والغنم والقمح والشعير والتمر، والفضة والذهب
(المحلى: 5/209)
. حتى الزبيب لم يثبت عند ابن حزم فيه حديث صحيح، فلم يقل به. فلا زكاة عنده في الثروة الحيوانية إلا في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم. ولا في الثروة الزراعية إلا في الحنطة والشعير والتمر. ولا في المعادن والنقود إلا في الذهب والفضة. ولا زكاة عنده في عروض التجارة.
ومن الفقهاء من يُضيِّق حتى يقترب من هذا الرأي ومنهم من يُؤسِّع، حتى يشمل كل مال نام في عصره. وأوسع الفقهاء في إيجاب الزكاة هو أبو حنيفة، فهو يوجبها في كل ما أخرجت الأرض مما يُقصد بزراعته النماء. حتى إنه لا يشترط في ذلك نصابًا. ويوجبها في الخيل من الحيوانات، ويوجبها في الحلي، ولكنه لم يوجبها إلا على مكلَّف فأخرج مال الصبي والمجنون من وجوب الزكاة فيه. كما أنه لم يوجب العُشر في أرض خراجية، فأخرج بذلك كثيرًا من أراضي المسلمين من وعاء الزكاة.
ونظرية ابن حزم ومن وافقه أخيرًا -كالشوكاني وصديق حسن خان- في تضييق "وعاء" الزكاة، تقوم على أصلين:
الأول:
حُرمة مال المسلم، التي ثبتت بالنصوص، فلا يجوز أن يؤخذ شيء من ماله إلا بنص.
الثاني:
أن الزكاة تكليف شرعي، والأصل براءة الذمم من التكاليف إلا ما جاء به نص، حي لا نُشرِّع في الدين ما لم يأذن به الله. أما القياس فلا يجوز إعماله، وخاصة في باب الزكاة.
هذا هو منطلق ابن حزم ومن تبعه وأساس تفكيرهم واجتهادهم في هذا الباب.
أما نظريتنا فهي مغايرة لذلك تمامًا. وهي تعتمد على أصول أخرى تعارض هذين الأصلين وسنوضحها بإيجاز فيما يلي:
1- إن عمومات القرآن والسنة تثبت أن في كل مال حقًا أو صدقة وزكاة، كما في قوله تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم)(المعارج: 24)، وقوله: (خذ من أموالهم صدقة)(التوبة: 103) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أعلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فتَرد على فقرائهم"، وقوله: "أدوا زكاة أموالكم"
من غير فصل بين مال ومال في ذلك كله. وعرفنا من السنة أن المقصود من كلمة "الأموال" في هذه النصوص وأمثالها هو "الأموال النامية" لا الأشياء المعدة للانتفاع الشخصي. فلم يجز استثناء بعض الأموال من هذا الحق أو الزكاة أو الصدقة، إلا بدليل ولا دليل.
2- إن كل غني في حاجة إلى أن يتزكَّى ويتطهر، يتزكى بالبذل والإنفاق، ويتطهر من رذيلة الشح، وحب الأنانية، ولهذا قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(التوبة: 103)
ولا يعقل أن يكون هذا التزكَّي والتطهر واجبًا على زارع الحنطة والشعير. دون صاحب البستان الفسيحة من التفاح و"المانجو" ونحوها. أو مالك المصانع والعمارات الضخمة التي قد تدر من الأرباح والإيرادات أضعاف أضعاف ما تدره الأرض الزراعية.
3- إن كل مال في حاجة إلى أن يتطهر، لما قد يشوبه من شبهات في أثناء كسبه، وطهارة المال إنما تكون بإخراج زكاته كما جاء في الصحيح عن ابن عمر: "إن الله فرض الزكاة طهرة للأموال". وكما روى في بعض الأحاديث: "إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره"(رواه ابن خزيمة والحاكم عن جابر مرفوعًا وموقوفًا، وصححه على شرط مسلم، وأقره الذهبي في التلخيص، لكن قال في المهذب: والأصح أنه موقوف. انظر الفيض: 1/253)
. ولا يعقل أن يكون هذا التطهير مقصورًا على الأنواع الثمانية التي ذكرها ابن حزم، دون غيرها من الأموال التي أصبحت هي الآن عماد الثروة الأهلية والحكومية. فكل الأموال في حاجة إلى أن تتطهر ويذهب شرُّها بالزكاة.
4-
إن الزكاة إنما شُرعت لسد حاجة الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل، ولإقامة المصالح العامة للمسلمين كالجهاد في سبيل الله، وتأليف القلوب على الإسلام والولاء لأهله، وإعانة كل غارم لإصلاح ذات البَيْن، ونحو ذلك مما يعتز به دين الإسلام ودولته.
وسد هذه الحاجات وتحقيق هذه المصالح واجب على كل ذي مال. ومن المستبعد أن يكون الشارع قد قصد إلقاء هذا العبء على من يملك خمسًا من الإبل أو أربعين من الغنم أو خمسة أوسق من الشعير، ثم يعفي كبار الرأسماليين الذين يملكون أعظم المصانع، وأضخم العمارات، أو الأطباء والمحامين وكبار الموظفين ورجال المهن الحُرةَّ الذين يكسبون في اليوم الواحد ما يكسبه صاحب الخمسة من الإبل أو الخمسة من أوسق الشعير في سنوات.
وفكرة الإسلام في المال أنه في الحقيقة مال الله، وأن الإنسان مستخلف فيه، أو نائب عن مالكه الأصلي، وأن لإخوانه الفقراء وذوي الحاجات حقًا في هذا المال باعتبارهم عيال الله. وكذلك المصالح العامة لله باعتبارها "في سبيل الله" وهذه الفكرة تشمل كل مال، وتنطبق على كل غني سواء أكان ماله من الزراعة أو الصناعة أو التجارة، أو غيرها من الأعمال الحرة.
5-
إن القياس أصل من أصول الشريعة عند جمهور الأمة، وإن خالف في ذلك ابن حزم وإخوانه من الظاهرية، ولهذا نرى قياس كل مال نام على الأموال التي أخذ منها الرسول وأصحابه الزكاة.
فنحن نقطع بأن الشرعية لا تفرِّق بين متماثلين، كما لا تجمع بين مختلفين في الحكم. فنحن حين نحكم بوساطة القياس بوجوب الزكاة في مال إنما نُحكِّم الشرع نفسه، فليس هذا من الشرع في الدين بما لم يأذن به الله، وخاصة إذا عرفنا ما ذكرناه في المقدمة: أن الزكاة ليست من أمور العبادة المحضة، بل هي جزء من النظام المالي والاجتماعي في الإسلام.
6-
إننا لا نعارض في حُرمة مال المسلم، وحقه في ملكيته الخاصة، ولكننا نرى أن حق الله - وبعبارة أخرى حق الجماعة - في ماله، وكذلك حق ذوي الحاجة - من الفقراء والمساكين - ثابت أيضًا بنصوصه.
وقد أيد ابن حزم نفسه ذلك، فأوجب في المال حقوقًا سوى الزكاة، وجعل من حق أولي الأمر إجبار الأغنياء على أدائها للفقراء، وجعل من حق الفقير أن يقاتل من أجل ذلك ولا يُعرِّض نفسه للهلكة.
ولكن الأولى من إيجاب حقوق سوى الزكاة: أن يستوفي أولاً من كل مال حق الزكاة، حتى يستوي جميع الأغنياء في هذا التكليف، ثم - إذا بقيت حاجة لم تُسدَ - رجعنا إلى الأغنياء كافة فقلنا لهم: في أموالكم حق سوى الزكاة.
بقيت شُبهة عدم أخذه - صلى الله عليه وسلم - الزكاة من بعض الأموال النامية في عصره. وردي عليها من ناحيتين:
الأولى:
أن نماءها كان ضعيفًا، فعفا عنها تخفيفًا عن أصحابها، وتشجيعًا لهم.
الثانية: أنه تركها لإيمان أصحابها وضمائرهم، فعدم أخذه لا يستلزم أنهم لا يخرجون هم منها ما يطهرهم ويزكيهم. وقد علموا من دينهم أن في الأموال حقًا، وأنه لا خير في مال لا يُزكَّى
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #85  
قديم 04-01-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي ثالثاً: بلوغ النصاب

ثالثاً: بلوغ النصاب
لم يفرض الإسلام زكاة في أي قدر من المال النامي، وإن كان ضئيلاً، بل اشترط أن يبلغ المال مقدارًا محددًا يسمى "النصاب" في لغة الفقه، فقد جاءت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإعفاء ما دون الخمس من الإبل، والأربعين من الغنم، فليس فيهما زكاة، وكذلك ما دون مائتي درهم من النقود الفضية (الوَرِق)، وما دون خمسة أوسق من الحبوب والثمار، والحاصلات الزراعية (ستأتي الأحاديث المبينة للأنصبة في الفصول القادمة).
قال شيخ الإسلام الدهلوي
(هو الإمام العلامة مجدد الإسلام في الهند أحمد بن عبد الرحيم المعروف بلقب: شاه ولي الله، ولد سنة 1114هـ، وتوفي سنة 1176هـ صاحب "حجة الله البالغة" وغيرها من المؤلفات القيمة. انظر ترجمته مفصلة في "نزهة الخواطر" للسيد عبد الحي الحسني: 6/398-415- ترجمة رقم (760)، وكذلك في "تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند" لمسعود الندوي ص 129 وما بعدها، وفي "موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه" للسيد أبي الأعلى المودودي ص 101-121. وانظر الأعلام للزركلي: 1/144-145) .
في بيان الحكمة من هذه المقادير:
"إنما قدر من الحب والتمر خمسة أوسق، لأنها تكفي أقل أهل بيت إلى سنة. وذلك لأن أقل البيت الزوج والزوجة وثالث -خادم أو ولد بينهما- وما يضاهي ذلك من أقل البيوت. وغالب قوت الإنسان رطل أو مُدٌّ من الطعام، فإذا أكل كل واحد من هؤلاء ذلك المقدار كفاهم لسنة، وبقيت بقية لنوائبهم أو إدامهم.
"وإنما قدّر من الورق خمس أواق (مائتي درهم) لأنها مقدار يكفي أقل أهل بيت سنة كاملة إذا كانت الأسعار موافقة في أكثر الأقطار. واستقرئ عادات البلاد المعتدلة في الرخص والغلاء تجد ذلك.
"وإنما قدّر من الإبل خمس ذود، وجعل زكاته شاة، وإن كان الأصل ألا تؤخذ الزكاة إلا من جنس المال، وأن يجعل النصاب عددًا له بال؛ لأن الإبل أعظم المواشي جثة، وأكثرها فائدة: يمكن أن تُذبح، وتُركب، وتُحلب، ويُطلب منها النسل، ويُستدفأ بأوبارها وجلودها. وكان بعضهم يقتني نجائب قليلة تكفي كفاية الصرمة. وكان البعير يسوَّي في ذلك الزمان بعشر شياه، وبثمان شياه، واثنتي عشرة شاة، كما ورد في كثير من الأحاديث فجعل خمس ذود في حكم أدنى نصاب من الغنم، وجعل فيها شاة"
(حجة الله البالغة: 2/506)
. أ. هـ.
واشتراط النصاب في مال الزكاة مُجْمَع عليه بين العلماء، في غير الزروع والثمار والمعادن، ويرى أبو حنيفة أن في قليل ما أخرجت الأرض وكثيره العُشر، وكذلك روي عن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز وغيرهما: أن في عشر حِزم من البقل تخرجها الأرض حزمة منها صدقة واجبة.
ولكن جمهور العلماء يرون النصاب شرطًا لا بد منه لوجوب الزكاة في كل مال، يستوي في ذلك الخارج من الأرض وغيره من المال، وحُجَّتهم في ذلك حديث: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" وهو ما يقتضيه القياس على الأموال الأخرى، من الأنعام والنقود وعروض التجارة. .
والحكمة في اشتراط النصاب واضحة بيَّنة، وهي أن الزكاة إنما هي ضريبة تؤخذ من الغني مواساة للفقير، ومشاركة في مصلحة الإسلام والمسلمين، فلا بد أن تؤخذ من مال يحتمل المواساة، ولا معنى لأن نأخذ من الفقير ضريبة، وهو في حاجة إلى أن يُعان، لا أن يُعين، ومن ثَمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -:
"لا صدقة إلا عن ظهر غنى"رواه البخاري معلقًا. والإمام أحمد موصولاً كما سيأتي في الشرط الرابع
.
ومن هنا اتجه التشريع الضريبي الحديث إلى إعفاء ذوي الدخل المحدود من فرض الضرائب عليهم، رفقًا بهم، ومراعاة لحالهم، وعدم مقدرتهم على الدفع، وهو ما سبقت به شريعة الله منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #86  
قديم 04-01-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رابعاً: الفضل عن الحوائج الأصلية

رابعاً: الفضل عن الحوائج الأصلية
ومن الفقهاء من أضاف إلى شرط النماء في المال - أن يكون النصاب فاضلاً عن الحاجة الأصلية لمالكه - كما قرر ذلك الحنفية في عامة كتبهم - لأن به يتحقق الغِنى ومعنى النعمة، وهو الذي به يحصل الأداء عن طيب النفس، إذ المحتاج إليه حاجة أصلية، لا يكون صاحبه غنيًا عنه، ولا يكون نعمة، إذ التنعم لا يحصل بالقَدْر المحتاج إليه حاجة أصلية، لأنه من ضرورات البقاء، وقوائم البدن، وكان شكره شكر نعمة البدن، ولا يحصل الأداء عن طيب نفس، فلا يقع الأداء بالجهة المأمور بها في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أدُّوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم" فلا تقع زكاة (بدائع الصنائع للكاساني: 2/11. والحديث المذكور رواه الطبراني عن أبي الدرداء وهو ضعيف).
ومن الفقهاء من اعتبر شرط النماء مغنيًا عن هذا الشرط، وذلك أن الأشياء التي يُحتاج إليها حاجة أصلية لا تكون في العادة نامية ولا مُعَدة للنماء، كما يتضح ذلك في دار السكنى، ودابة الركوب، وثياب اللبس، وسلاح الاستعمال، وكتب العلم، وآلات الاحتراف ونحوها، فكلها من الحاجات الأصلية، وهي مع ذلك غير نامية.
وقالوا: إن حقيقة الحاجة أمر باطن لا يوُقف عليه، فلا يُعرف الفضل عن الحاجة، فأقيم دليل الفضل عن الحاجة مقامه، وهو الإعداد للإسامة والتجارة
(البدائع: 2/11)
. وهذا الإعداد هو الذي يتحقق به معنى النماء المشروط من قبل.
والحق أن شرط النماء لا يغني عن هذا الشرط، لأنهم اعتبروا النقود نامية بطبيعتها، لأنها مخلوقة للتداول والاستثمار وإن لم ينمها صاحبها بالفعل، فلولا هذا الشرط لاعْتُبِر الذي معه نصاب من النقود محتاج لطعامه أو كسوته أو سكناه أو علاجه، أو لحاجة أهله وولده، ومَن يجب عليه عوله - غنيًا يجب عليه الزكاة، مع أن المحققين من العلماء اعتبروا المشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم (انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه: 2/6)
.
وإنما قلنا: الحاجة الأصلية، لأنه حاجات الإنسان كثيرة ولا تكاد تتناهى، وخاصة في عصرنا الذي تكاد تصبح فيه الكماليات حاجيات، والحاجيات ضروريات، فليس كل ما يرغب فيه الإنسان يُعد حاجة أصلية، لأن ابن آدم لو كان له واديان من ذهب لابتغى ثالثًا، ولكن الحاجات الأصلية ما لا غنى للإنسان عنه في بقائه، كمأكله وملبسه ومشربه ومسكنه، وما يعينه على ذلك من كتب علمه وفنه، وأدوات حرفته ونحو ذلك.
وقد فسَّر بعض علماء الحنفية الحاجة الأصلية تفسيرًا علميًا دقيقًا فقال: هي ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقًا، كالنفقة ودور السكنى وآلات الحرب، والثياب المحتاج إليها لدفع الحر والبرد، أو تقديرًا: كالدَيْن، فإن المدين يحتاج إلى قضائه بما في يده من النصاب ليدفع عن نفسه الحبس الذي هو كالهلاك، وكآلات الحرفة، وأثاث المنزل، ودواب الركوب، وكتب العلم لأهلها، فإن الجهل عندهم كالهلاك، فإذا كان له دراهم مستحقة أن يصرفها إلى تلك الحوائج صارت كالمعدومة، كما أن الماء المستحق بصرفه إلى العطش كان كالمعدوم وجاز عندهم التيمم
(حاشية ابن عابدين: 2/6، والبحر الرائق: 2/222، نقلاً عن ابن الملك في شرح المجمع)
.
ومما نسجله بكل إعجاب وتقدير لعلمائنا: أنهم اعتبروا العلم حياة، والجهل موتًا وهلاكًا، واعتبروا ما يدفع الجهل عن الإنسان من الحاجات الأساسية كالقوت الذي يدفع عنه الجوع، والثوب الذي يدفع عنه العري والأذى، كم اعتبروا الحرية حياة، والحبس والقيد هلاكًا أو كالهلاك.
والذي نراه على كل حال: أن الحاجات الأصلية للإنسان قد تتغير وتتطور بتغير الأزمان والبيئات والأحوال. والأولى أن تُترك لتقدير أهل الرأي واجتهاد أولي الأمر.
والمعتبر هنا: الحاجات الأًصلية للمكلَّف بالزكاة، ومن يعوله من الزوجة والأولاد - مهما بلغ عددهم - والوالدين والأقارب الذين تلزمه نفقتهم، فإن حاجتهم من حاجته.
وبهذا الشرط سبق الفقه الإسلامي -بقرون طويلة- أحدث ما وصل إليه الفكر الضريبي الحديث، الذي نادى بإعفاء الحد الأدنى للمعيشة من الضريبة، والتخلص من النظرة "العينية" القديمة التي تنظر إلى "عين المال" دون "شخص صاحبه"، وظروفه وحاجاته وديونه وأعبائه العائلية، واعتبروا النظر إلى "شخصية الممول" وظروفه الخاصة تطورًا وارتقاءً في عالم الفكر والتشريع الضريبي، هذا مع أن كثيرًا من رجال المالية لا يطبقون تلك النظريات في كثير من البلدان، فقد يعفون الحد الضروري لمعيشة الفرد وحده، أو هو وثلاثة من أولاده، وإن كان لديه سبعة أو عشرة من الأولاد، غير ملتفتين إلى من يعولهم من الوالدين والأقارب.
أدلة هذا الشرط من القرآن والسنة
ومما يدل لهذا الشرط -فضلاً عما ذكره الفقهاء من الوجوه العقلية- ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما الصدقة عن ظهر غنىً"، وفي رواية: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" (الحديث رقم (7155) من المسند. قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. انظر التعليق عليه في الجزء 12 من المسند، وانظر فتح الباري: 3/189).
وذكره البخاري بهذا اللفظ معلقًا في كتاب الوصايا من صحيحه، وجعله عنوانًا لباب من كتاب الزكاة، قال فيه: (باب) لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج، أو أهله محتاجون، أو عليه دين، فالدَّيْن أحق أن يُقضى من الصدقة، قال الحافظ في شرح هذا العنوان: كأنه أراد تفسير الحديث المذكور بأن شرط المتصدق ألا يكون محتاجًا لنفسه أو لمن يلزمه نفقته"
(فتح الباري: 3/189)
. ولا شك أن الزكاة صدقة، كما عبَّر عن ذلك القرآن والسنة.
كما يدل لاعتبار ذلك الشرط قوله تعالى: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) (البقرة: 219) فعن ابن عباس: العفو ما يفضل عن أهلك (تفسير ابن كثير: 1/256)
.
قال ابن كثير: وكذا روي عن ابن عمر، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب، والحسن، وقتادة، والقاسم، وسالم، وعطاء الخراساني، والربيع بن أنس وغير واحد، أنهم قالوا في قوله: "العفو"، يعني: الفضل
(تفسير ابن كثير: 1/256)
.
ومعنى هذا أن الله جلَّت حكمته جعل وعاء الإنفاق ما زاد عن الكفاف، وما فضل عن الحاجة - حاجة الإنسان لنفسه وأهله ومَن يعوله - وذلك أن حاجة الإنسان مقدمة على حاجة غيره، وكذا حاجة أهله وولده ومن يعول، بمنزلة حاجة نفسه، فلم يطالبه الشرع بالإنفاق مما يحتاج إليه، لتعلق قلبه به، لمسيس حاجته إليه، لتطيب نفسه بإنفاقه.
وجاء عن الحسن في تفسير الآية: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال: ذلك ألا يجهد مالك، ثم تقعد تسأل الناس (تفسير ابن كثير: 1/256)
.
قال ابن كثير: ويدل على ذلك ما رواه ابن جرير بسنده عن أبي هريرة قال:
قال رجل: يا رسول الله ! عندي دينار، قال: "أنفقه على نفسك"، قال: عندي آخر، قال "أنفقه على أهلك" (زوجك)، قال: عندي آخر، قال: "أنفقه على ولدك". قال: عندي آخر، قال: "أنت أبصر"
. وقد رواه مسلم في صحيحه. وهو يدل على أن حاجة الإنسان وأهله وولده مقدمة على حاجة غيره.
وأخرج مسلم أيضًا عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذوي قرابتك، فإن فضل عن ذوي قرابتك شيء فهكذا وهكذا"
أهـ.
وإذا كان بعض هذه الأحاديث في صدقة التطوع والإنفاق المندوب لا الواجب، فإنها على وجه عام تدلنا على هدي الإسلام في الإنفاق، وأن وعاءه -كما حددت الآية الكريمة بلفظة موجزة جامعة- هو "العفو"، وأن "العفو" كما فهمه جمهور علماء الأمة -الذين ذكرهم ابن كثير- هو ما فضل عن الحاجة.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #87  
قديم 04-01-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي خامساً: السلامة من الدَيْن

خامساً: السلامة من الدَيْن
ومن تمام المِلْك الذي اشترطناه، ومما يستلزمه الفضل عن الحوائج الأصلية: أن يكون النصاب سالمًا من الدَيْن، فإذا كان المالك مدينًا بدَيْن يستغرق نصاب الزكاة أو ينقصه، فإن الزكاة لا تجب عليه فيه، غير أن الفقهاء اختلفوا في ذلك، وخاصة فيما يتعلق بديون الأموال الظاهرة، والسبب في اختلافهم يرجع إلى تكييفهم للزكاة ونظرتهم إليها واختلافهم في ذلك، كما ذكر ابن رشد: هل الزكاة عبادة، أو حق مرتب في المال للمساكين؟
فمن رأى أنها حق لهم قال: لا زكاة في مال من عليه الدَيْن، لأن حق صاحب الدين متقدم بالزمان على حق المساكين. وهو في الحقيقة مال صاحب الدين، لا الذي المال بيده.
ومن قال: هي عبادة، قال: تجب على من بيده المال، لأن ذلك هو شرط التكليف، وعلامته المقتضية للوجوب على المكلف، سواء أكان عليه دين أم لم يكن، وأيضًا فإنه قد تعارض هنالك حقان، حق الله، وحق الآدمي، وحق الله أحق أن يُقضَى
(بداية المجتهد ص 238)
.
قال ابن رشد: والأشبه بغرض الشرع إسقاط الزكاة عن المدين
(المرجع السابق)
.
وما رجحه ابن رشد هو ما تعطيه نصوص الشريعة وروحها ومبادئها العامة بالنسبة للأموال كلها ظاهرة وباطنة.
والأدلة على ذلك ما يأتي:
أولاً: إن ملكية المدين ضعيفة وناقصة، لتسلط الدائن المستحق عليه، ومطالبته بدَيْنه. ولذا يأخذه الغريم إذا كان من جنس ديْنه من غير قضاء ولا رضاء، كما هو مذهب الحنفية وغيرهم (انظر المجموع للنووي: 5/346. وانظر البحر لابن نجم: 2/219)
. وقد بيَّنا أن الشرط الأول في المال الذي تجب فيه الزكاة تمام الملك.
ثانيًا: إن رب الدَّيْن مطالب بتزكيته، لأنه ماله وهو مالكه وصاحبه، (وهذا هو قول الجمهور) فلو زكَّاه المدين، لوجبت الزكاة في مال واحد مرتين، وهو ازدواج ممنوع في الشرع (المرجع السابق)
.
ثالثًا:
إن المدين دَيْنًا يستغرق النصاب أو ينقصه، ممن يحل له أخذ الزكاة، لأنه من الفقراء، ولأنه من الغارمين، فكيف تجب عليه الزكاة وهو ممن يستحقها؟
رابعًا:
إن الصدقة لا تُشرع، إلا عن ظهر غنى، كما جاء في الحديث، ولا غنى عند المدين وهو محتاج إلى قضاء الدَيْن، الذي يعرِّضه لعقوبة الحبس، فضلاً عما فيه من هم الليل وذل النهار.
خامسًا: يحقق هذا: أن الزكاة إنما وجبت مواساة لذوي الحاجات، والمدين محتاج إلى قضاء دينه، كحاجة الفقير أو أشد، وليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك لدفع حاجة غيره (انظر المغني: 3/41)، وقد قال عليه السلام: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول"
.
سادسًا: روى أبو عبيد عن السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: "هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تُخرجوا زكاة أموالكم"(الأموال ص 437 والشهر المذكور قيل: هو شهر رمضان، وقيل: هو المحرم). وفي لفظ رواه مالك: "من كان عليه دين فليقض دينه وليزك بقية ماله"(قال الحافظ في التلخيص ص 178: رواه مالك في الموطأ والشافعي عنه عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن عثمان [ونسبه في "المطالب العالية" لمسدد، وقال: إسناده صحيح، وتابعه البوصيري كما في حاشية "المطالب": 1/234). وفي لفظ رواه البيهقي عن السائب أنه سمع عثمان بن عفان خطيبًا على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هذا شهر زكاتكم …" (انظر السنن الكبرى: 4/148) ومعنى هذا أنه قال ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه فدل على اتفاقهم عليه (المغني، المرجع السابق)
.
ومن أجل هذه الوجوه المذكورة، ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الدين يمنع وجوب الزكاة، أو ينقص بقدره، في الأموال الباطنة - النقود وعروض التجارة - وبه قال عطاء، وسليمان بن يسار، والحسن، والنخعي، والليث، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو حنيفة وأصحابه، ولم يخالف في ذلك إلا ربيعة وحماد بن سليمان والشافعي في الجديد.
أما الأموال الظاهرة -المواشي والزروع- فذهب بعض الفقهاء إلى أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة فيها، وفرقوا بينها وبين الباطنة بأن تعلق الزكاة بها أوكد، لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها، ولهذا شرع إرسال السُّعاة لأخذها من أربابها، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه يفعلون. وعلى منعها قاتلهم أبو بكر الصديق، ولم يرد أنهم استكرهوا الناس على الأموال الباطنة، ولأن السعاة في الظاهر يأخذون زكاة ما يجدون، ولا يسألون عما على صاحبها من الدين، وهذا يدل على أنه لا يمنع زكاتها. ولأن تعلق الأطماع من الفقراء بها أكثر، والحاجة إلى حفظها أوفر، فتكون الزكاة فيها أوكد
(المغني: 3/42 - 43)
.
هذا قول مالك والأوزاعي، والشافعي، ورواية عن أحمد
(يشبه هذا ما قرره التشريع الضرائبي من عينية الضريبة المفروضة على الأطيان ونحوها، وعلى إيراد القيمة المنقولة (الأسهم والسندات) فهي تصيب نتاج هذه القيمة دون نظر إلى شخص حاملها. فالضريبة العقارية تستحق على الفدان حتمًا، بصرف النظر عن حالة مالكه ولو اشتراه بالدَيْن، وكذا تستحق الضريبة على إيراد السهم والسند، انظر تشريع الضرائب للدكتور محمد حلمي مراد: 1/78 - ط. أولى)
.
ويرى أبو حنيفة أن الدين يمنع سائر الأموال إلا الزرع والثمر
(انظر المغني: 3/42)
.
وقد اختلف ابن عمر وابن عباس في الدين على الزرع - فقال ابن عباس: يُخرج ما استدان على ثمرته ويُزكِّي ما بقي. وقال ابن عمر: يُخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ويُزكي ما بقي
(السنن الكبرى: 4/148)
.
والذي يتضح لنا أن التفريق بين المال الظاهر والباطن أمر غير واضح، والظهور والبطون أمر نسبي، وربما أصبحت عروض التجارة -في عصرنا- أشد ظهورًا وبروزًا للفقراء وغيرهم من الأنعام والزروع، ولهذا نرى أن التعليل المذكور، لا يقاوم عموم الأدلة السابقة، وأن الدين يمنع وجوب الزكاة في سائر الأموال، والشريعة تعمل دائمًا على التيسير على المدين، والأخذ بيده بكل الوسائل، وفي شتَّى المجالات، وذلك لا يتفق وإيجاب الزكاة عليه.
وهذا قول عطاء، والحسن، وسليمان، وميمون بن مهران، والنخعي، والثوري، والليث، وإسحاق، ورواية عن أحمد
(المغني: 3/42)
.
ورواه أبو عبيد عن مكحول، وقال: يروى عن طاوس أيضًا
(الأموال ص 510)
.
واختار أبو عبيد: أن الدين إذا عُلِمت صحته (أي لم يكن مجرد دعوى) يُسقِط الزكاة عن صاحب الزرع والماشية، اتباعًا لسنة الرسول الذي أمر أن تؤخذ الزكاة من الأغنياء لترد على الفقراء. والمدين من أهل الزكاة، فكيف تؤخذ منه؟ ومع هذا إنه من الغارمين فاستوجبها من جهتين
(المرجع السابق ص 511)
.
فهذا القول فيه إذا علمت صحة دينه، وإن كان ذلك لا يُعلم إلا بقوله لم تُقبل دعواه، وأخذت منه الصدقة من الزرع والماشية جميعًا، لأن صدقة الزرع والماشية حق واجب ظاهر قد لزم صاحبه، والدين الذي عليه يدَّعيه باطن لا يُدْرَى، لعله فيه مبطل، فليس بمقبول منه، إنما هذا كرجل وجبت عليه حقوق لقوم، فادَّعى المخرج منها وأداءها إليهم، فلا يُصدَّق على ذلك"
(نفس المرجع) فهو يرى أن الدين مانع من الوجوب بشرط إثبات ما يدل على صحة الدَيْن، وهو كلام صحيح، ما دامت الدولة هي التي تتولى أمر الزكاة، حتى لا يضيع الناس حق الله والفقير في أموالهم بادعاء الديون، وخاصة في عصرنا الذي ضعف فيه الدين، وقلَّ اليقين.
شروط الدَيْن الذي يمنع وجوب الزكاة
الشرط الذي لا خلاف فيه: أن يكون هذا الدين مما يستغرق النصاب أو ينقصه، ولا يجد ما يقضيه به سوى النصاب، وما لا يستغنى عنه، مثل أن يكون له عشرون دينارًا، وعليه دينار أو أكثر أو أقل، مما ينقص به النصاب إذا قضاه به، ولا يجد قضاءً له من غير النصاب، فإن كان له ثلاثون دينارًا وعليه عشرة، فعليه زكاة العشرين، وإن كان عليه أكثر من عشرة فلا زكاة عليه. وإن عليه خمسة، فعليه زكاة خمسة وعشرين.
ولو أن له مائة من الغنم، وعليه ما يقابل الستين فعليه زكاة الأربعين، فإن كان عليه ما يقابل إحدى وستين فلا زكاة عليه، لأنه ينقص النصاب
(المغني: 3/43)
.
وهل يشترط أن يكون هذا الدين حالاً؟
الراجح أنه لا فرق بين الدين الحال والمؤجل، لعموم الأدلة، وإن قال بعض العلماء: إن المؤجل لا يمنع وجوب الزكاة، لأنه غير مطالب به في الحال
(المرجع السابق)
.
ومن الدين المؤجل: صداق الزوجة المؤجل إلى الطلاق أو الموت. وقد اختلفوا، هل يمنع وجوب الزكاة أم لا؟
قال بعضهم: المهر المؤجل لا يمنع، لأنه غير مطالب به عادة، بخلاف المعجَّل.
وقال غيرهم: يمنع، لأنه دين كغيره من الديون.
وقال آخرون: إن كان الزوج على عزم الأداء منع، وإلا فلا، لأنه لا يُعد دَيْنًا
(البحر الرائق: 2/216)
.
ونفقة الزوجة إذا صارت دينًا على الزوج إما بالصلح أو بالقضاء، ومثلها نفقة الأقارب تمنع وجوب الزكاة
(المرجع السابق)
.
وهل يستوي في ذلك ديون الله وديون العباد؟.
قال النووي من الشافعية: إذا قلنا: الدين يمنع الزكاة، فإنه يستوي دين الله تعالى ودين الآدمي
(المجموع: 5/345)
.
وقال الحنفية: إن الدين المانع للزكاة، ما كان له مطالب من جهة العباد، ومنه الزكاة، لأنه هو الذي تتوجه فيه المطالبة، ويتسلط فيه المستحق على المدين، ويمكن للحاكم أن يأخذ ماله منه، لحق الغرماء.فملكه فيه ضعيف غير مستقر، بخلاف دين الله من نذور وكفَّارة ونحوها. وإذا كان عليه زكوات لسنوات خَلَتْ، فإنها تُعد من الدين الذي له مطالب من جهة العباد. وهو الإمام النائب عن المستحقين
(انظر المغني: 3/45، وانظر: الهداية وشروحها: 1/486، 487)
.
وهذا هو الذي نختاره إذا كانت الحكومة المسلمة هي التي تقوم بأمر الزكاة، حتى لا يدَّعي من يشاء من أرباب المال أن عليه نذورًا، أو كفارات أو نحو ذلك مما لا يُستطاع تحقيقه وإثباته أو نفيه.
فإذا كان الفرد المسلم هو الذي يخرج زكاته بنفسه، فله أن يحتسب هذه الديون من ماله، ويقضيها قبل أداء الزكاة، عملاً بعموم الحديث:
"فدَيْن الله أحق أن يُقضَى"(البخاري وغيره).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:13 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.