إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > مكتبة الأقصى الخثنية > منتدى الفقه وعلومه

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي مسائل سلطانية : للشيخ عبد الرحمن العقبي

يتبع........

آخر تعديل بواسطة ابو عبد الله العقبي ، 06-11-2012 الساعة 01:11 PM
رد مع اقتباس
 
 
  #2  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: مسائل سلطانية : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة الرابعة

هل كذب معاوية على أهل الشام؟


ورد في كتاب الإمامة والسياسة ما نصه:

"قال: وذكروا أن عبد الله بن الزبير قام إلى معاوية فقال: إن رسول الله ص قبض فترك الناس إلى كتاب الله، فرأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر، ثم رأى أبو بكر أن يستخلف عمر وهو أقصى قريش منه نسبا، ورأى عمر أن يجعلها شورى بين ستة نفر اختارهم من المسلمين، وفي المسلمين ابنه عبد الله وهو خير من ابنك، فإن شئت أن تدع الناس على ما تركهم رسول الله فيختارون لأنفسهم وإن شئت أن تستخلف من قريش كما استخلف أبو بكر خير من يعلم وإن شئت أن تصنع مثل ما صنع عمر تختار رهطا من المسلمين وتزويها عن ابنك فافعل. فنزل معاوية عن المنبر وانصرف ذاهبا إلى منزله وأمر من حرسه وشرطته قوما أن يحضروا هؤلاء النفر الذين أبوا البيعة وهم الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر وأوصاهم معاوية فقال: إني خارج العشية إلى أهل الشام فأخبرهم أن هؤلاء النفر قد بايعوا وسلموا فإن تكلم أحد منهم بكلام يصدقني أو يكذبني فيه فلا ينقضي كلامه حتى يطير رأسه. فحذر القوم ذلك، فلما كان العشي خرج معاوية وخرج معه هؤلاء النفر وهو يضاحكهم ويحدثهم وقد ألبسهم الحلل فألبس ابن عمر حلة حمراء وألبس الحسين حلة صفراء وألبس عبد الله بن عباس حلة خضراء وألبس ابن الزبير حلة يمانية. ثم خرج بينهم وأظهر لأهل الشام الرضا عنهم -أي القوم- وأنهم بايعوا، فقال: يا أهل الشام إن هؤلاء النفر دعاهم أمير المؤمنين فوجدهم واصلين مطيعين وقد بايعوا وسلموا، قال ذلك والقوم سكوت ولم يتكلموا شيئا حذر القتل، فوثب أناس من أهل الشام فقالوا: يا أمير المؤمنين إن كان رابك منهم ريب فخل بيننا وبينهم حتى نضرب أعناقهم. فقال معاوية: سبحان الله! ما أحل دماء قريش عندكم يا أهل الشام، لا أسمع لهم ذاكرا بسوء فإنهم قد بايعوا وسلموا وارتضوني فرضيت عنهم رضي الله عنهم. ثم ارتحل معاوية راجعا إلى مكة وقد أعطى الناس أعطياتهم وأجزل العطاء وأخرج إلى كل قبيلة جوائزها وأعطياتها ولم يخرج لبني هاشم جائزة ولا عطاء".

أقول:

هذه الرواية عن مجاهيل، فهو يقول: "قال: وذكروا" ومثل هذه الرواية لا يحتج بها لأنها ضعيفة بلا خلاف.
هذا إذا سلمنا أن كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة هو فعلا من تأليفه، وفي هذه النسبة مقال. والله أعلم.

المسألة الخامسة

هل صحيح أن معاوية مختلس؟

ورد في العقد الفريد ما نصه:

"زار أبو سفيان معاوية بالشام فلما رجع من عنده دخل على عمر فقال: أجزنا أبا سفيان. قال: ما أصبنا شيئا فنجيزك منه. فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلى هند وقال للرسول: قل لها: يقول لك أبو سفيان: انظري إلى الخرجين اللذين جئت بهما فأحضريهما. فما لبث عمر أن أتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم، فطرحهما عمر في بيت المال. فلما ولي عثمان ردّهما عليه. فقال أبو سفيان: ما كنت لآخذ مالا عابه عليّ عمر".

هذه الرواية بلا إسناد وهي ضعيفة بلا خلاف ولا يحل الاحتجاج بها. وأيضا فإنها تسيء إلى أربعة من الصحابة هم معاوية وأبوه وعمر وعثمان:

فإن كان المال من مال معاوية فقد غصبه عمر. وإن كان من بيت المال فقد اختلسه معاوية وأبوه، وسكت عمر على معاوية وأقره واليا على الشام وكذلك فعل عثمان وزاد على عمر أن رد المال إلى أبي سفيان.
وفي الحالتين كلتيهما فإن أبا سفيان كذب على عمر عندما قال: "ما أصبنا شيئا فنجيزك منه".

ومما صح عن أبي سفيان أنه لم يكذب على هرقل وهو كافر في رحلته إلى الشام. ورد في صحيح البخاري ما لفظه: " حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا. فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ...".

فهذا أبو سفيان منعه حياؤه في الجاهلية من الكذب على هرقل فهل يعقل أن يكذب بعد أن أسلم على أمير المؤمنين، مع العلم أنه غير معصوم.

والذي لا مراء فيه أن هذه الرواية ضعيفة دون إسناد فلا يحتج بها منصف يعرف للصحابة حقهم.

المسألة السادسة

يزيد ابن معاوية مغفور له وليس من الصبيان

روى البخاري في الصحيح عن أم حرام أنها سمعت النبي ص يقول: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا". قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: "أَنْتِ فِيهِمْ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ص: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ". فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا".

قُلتُ: الجيش الذي غزا القسطنطينية أول مرة كان بإمرة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. قال الحافظ في فتح الباري: "فَإِنَّهُ كَانَ أَمِيرُ ذَلِكَ الْجَيْشِ بِالِاتِّفَاقِ". ونقل الحافظ في الفتح أيضا عن المهلب أنه قال: "فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَة لِمُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ وَمَنْقَبَةٌ لِوَلَدِهِ يَزِيد لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ".
وقال خليفة في سنة خمسين: "وفيها غزا يزيد بن معاوية أرض الروم ومعه أبو أيوب الأنصاري... وأقام الحج يزيد بن معاوية بعد أن قفل من أرض الروم".

وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه: "قال سعيد بن عبد العزيز: فأغزى معاوية الصوائف، وشتاهم بأرض الروم ست عشرة صائفةً، تصيف بها وتشتو، ثم تقفل وتدخل معقبتها، ثم أغزاهم معاوية ابنه يزيد في سنة خمس وخمسين في جماعة من أصحاب رسول الله ص في البر والبحر حتى جاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل."
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية الرواية السابقة بسندها فقال: "وقال أبو زرعة عن دحيم عن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز قال...". وقال ابن كثير في آخر الرواية "ثم قفل بهم راجعا إلى الشام، وكان آخر ما أوصى به معاوية أن قال: شد خناق الروم". ثم قال ابن كثير بعد ذلك بقليل: "وقد كان يزيد أول من غزى مدينة قسطنطينية في سنة تسع وأربعين في قول يعقوب بن سفيان، وقال خليفة بن خياط: سنة خمسين".
قُلتُ: هناك خلاف في السنة التي غزا فيها يزيد مدينة قيصر ولكنهم متفقون كما قال الحافظ أن أمير ذلك الجيش كان يزيد بن معاوية. فنخلص من هذا إلى أن هذا الجيش مع أميره مغفور لهم كما ورد في حديث أم حرام عند البخاري. والمغفرة تكون للذنوب التي يرتكبها المسلم ما دام مسلما، فكل ذنب اقترفه أحد من هذا الجيش صغيرا كان أو كبيرا فهو مغفور, أما الشرك والارتداد فليس من هذا القبيل.

وأما ما رواه أحمد والبزار باسناد قال عنه الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير كامل بن العلاء وهو ثقة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ وَمَنْ إِمَارَةِ الصِّبْيَانِ"، فإن إمارة الصبيان غير رأس السبعين، وليس المعنى أن إمارة الصبيان تكون على رأس السبعين، وذلك لأن الواو للمغايرة كقول القائل: أعوذ بالله من الاشتراكية والرأسمالية. وأيضا فإن إمارة الصبيان قد فسرها حديث جابر بن عبد الله عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن النبي ص قال: "أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء"، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: "أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون علي حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون علي حوضي". فيزيد ليس صبيا على الحقيقة بل كان أميرا للمؤمنين بعد بلوغه مبلغ الرجال. ثم إنه كان يطبق الإسلام أي ليس من الصبيان الذين لا يستنون بسنته ص ولا يقتدون بهديه، وإن كان غير معصوم وخلافته ليست على منهاج النبوة بل هي من خلافة الملك العاض.

ومما يثبت هذا الفهم أيضا أن إمارة الصبيان هي ملك الصغار الكائن في هذا الزمان لا في زمن التابعين، روى أحمد باسناد صححه الزين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى نَدَعُ الِائْتِمَارَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذَا كَانَتْ الْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ، وَالْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ، وَالْعِلْمُ فِي رُذَالِكُمْ".
قُلتُ: هذه الصفات الثلاث لم تكن في عصر التابعين ولا تابعيهم، بل هي موجودة في زماننا نحن، فكيف تكون إمرة الصبيان في رأس السبعين؟ هذا مستحيل، وعليه فإن من الخطأ الفاضح أن يُقال ذلك. فعصر التابعين يستحيل أن يكون محلا لإمرة الصبيان السفهاء الصغار، وإمرة يزيد ليست من إمارة الصبيان. وأما الحرَّة التي كانت على رأس السبعين فليس هذا مكان بحثها، فقد أعاذنا الله سبحانه منها وابتلانا بإمرة الصبيان، أسأل الله أن ينجي منها كل مخلص.
رد مع اقتباس
 
 
  #3  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: مسائل سلطانية : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة السابعة

شرط النسب



النسب القرشي شرط في الخلافة على المنهاج: فلا تكون الخلافة على المنهاج إلا قرشية. ونحن موعودون بخلافة على منهاج النبوة كما ورد في حديث حذيفة وفيه: "ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ". ودليل هذا الشرط السنة والإجماع. أما السنة فما رواه:
1. البخاري: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ. فَغَضِبَ فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا تُوثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالْأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ".
2. البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ".
3. البخاري: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س: أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ. وَالنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ".
4. مسلم: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ".
5. مسلم: وحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ص: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ".
6. أحمد بإسناد صححه الزين: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ".
7. أحمد بإسناد صححه الزين والألباني: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُبَشِّرٍ مَوْلَى أُمِّ حَبِيبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَتَّابٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لَأَخْبَرْتُهَا مَا لِخِيَارِهَا عِنْدَ اللَّهِ ﻷ".
8. أحمد بإسناد صححه الزين وقال الحافظ سنده جيد: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ الرَّحَبِيَّ قَالَ حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ الْمَقْرَائِيُّ عَنْ أَبِي حَيٍّ عَنْ ذِي مِخْمَرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي حِمْيَرَ فَنَزَعَهُ اللَّهُ ﻷ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُ فِي قُرَيْشٍ وَ سَ يَ عُ و دُ إِ لَ يْ هِ مْ" وَكَذَا كَانَ فِي كِتَابِ أَبِي مُقَطَّعًا وَحَيْثُ حَدَّثَنَا بِهِ تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِوَاءِ.
9. أحمد باسناد صححه الألباني وقال الهيثمي رواه أحمد وفي الصحيح طرف منه ورجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر. وقال ابن المنذر: هذا الحديث حسن وإن كان فيه انقطاع فإن حميد بن عبد الرحمن بن عوف لم يدرك أيام الصديق، وقد يكون أخذه عن أبيه أو غيره من الصحابة وهذا كان مشهورا بينهم.
قال أحمد: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَأَبُو بَكْرٍ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ: فَجَاءَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا، مَاتَ مُحَمَّدٌ ص وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَتَقَاوَدَانِ حَتَّى أَتَوْهُمْ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أُنْزِلَ فِي الْأَنْصَارِ وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ شَأْنِهِمْ إِلَّا وَذَكَرَهُ، وَقَالَ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ". وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: "قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ". قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: "صَدَقْتَ، نَحْنُ الْوُزَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْأُمَرَاءُ".
10. الترمذي: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَال سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ يَقُولُ: كَانَ نَاسٌ مِنْ رَبِيعَةَ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ: لَتَنْتَهِيَنَّ قُرَيْشٌ أَوْ لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ فِي جُمْهُورٍ مِنْ الْعَرَبِ غَيْرِهِمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: كَذَبْتَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "قُرَيْشٌ وُلَاةُ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.

قُلتُ: هذا الحديث صححه الألباني.
11. الحاكم في المستدرك: أخبرنا أحمد بن سلمان الفقيه ببغداد ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي ثنا الصعق بن حزن ثنا علي بن الحكم البناني عن أنس بن مالك س قال: قال رسول الله ص: "الأمراء من قريش ما عملوا فيكم بثلاث: ما رحموا إذا استرحموا، وأقسطوا إذا قسموا، وعدلوا إذا حكموا". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.
قُلتُ: وافقه الذهبي. وقال الألباني: وإنما هو على شرط مسلم وحده، فإن الصعق هذا إنما أخرج له البخاري خارج الصحيح. والحديث عزاه الحافظ العراقي في تخريج الاحياء للذهبي والحاكم باسناد صحيح.
12. أحمد باسناد صححه العراقي وحسنه الحافظ وقال أبو نعيم هذا حديث مشهور ثابت وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَهْلِ أَبِي الْأَسَدِ عَنْ بُكَيْرٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَجَاءَ النَّبِيُّ ص حَتَّى وَقَفَ فَأَخَذَ بِعِضَادَةِ الْبَابِ فَقَالَ: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ وَلَكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، مَا إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا وَإِذَا عَاهَدُوا وَفَّوْا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
13. أحمد باسناد صححه الزين: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا سُكَيْنٌ حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ص قَالَ: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا، وَإِذَا عَاهَدُوا وَفَوْا، وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
14. أحمد باسناد صححه الزين: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا سُكَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ أَبِي الْمِنْهَالِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَإِنَّ فِي أُذُنَيَّ يَوْمَئِذٍ لَقُرْطَيْنِ قَالَ: وَإِنِّي لَغُلَامٌ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ إِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ أَنِّي أَصْبَحْتُ لَائِمًا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، فُلَانٌ هَاهُنَا يُقَاتِلُ عَلَى الدُّنْيَا وَفُلَانٌ هَاهُنَا يُقَاتِلُ عَلَى الدُّنْيَا -يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ- قَالَ: حَتَّى ذَكَرَ ابْنَ الْأَزْرَقِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ لَهَذِهِ الْعِصَابَةُ الْمُلَبَّدَةُ الْخَمِيصَةُ بُطُونُهُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَفِيفَةُ ظُهُورُهُمْ مِنْ دِمَائِهِمْ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، لِي عَلَيْهِمْ حَقٌّ وَلَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ مَا فَعَلُوا ثَلَاثًا: مَا حَكَمُوا فَعَدَلُوا وَاسْتُرْحِمُوا فَرَحِمُوا وَعَاهَدُوا فَوَفَوْا فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
15. أحمد بإسناد صححه أحمد شاكر وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي قَرِيبٍ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ لَيْسَ فِيهِمْ إِلَّا قُرَشِيٌّ، لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ صَفْحَةَ وُجُوهِ رِجَالٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ وُجُوهِهِمْ يَوْمَئِذٍ. فَذَكَرُوا النِّسَاءَ فَتَحَدَّثُوا فِيهِنَّ، فَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ، حَتَّى أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْكُتَ. قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَإِنَّكُمْ أَهْلُ هَذَا الْأَمْرِ مَا لَمْ تَعْصُوا اللَّهَ فَإِذَا عَصَيْتُمُوهُ بَعَثَ إِلَيْكُمْ مَنْ يَلْحَاكُمْ كَمَا يُلْحَى هَذَا الْقَضِيبُ لِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ. ثُمَّ لَحَا قَضِيبَهُ فَإِذَا هُوَ أَبْيَضُ يَصْلِدُ".
16. أحمد باسناد وصححه الزين: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ أَوْ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِيكُمْ وَإِنَّكُمْ وُلَاتُهُ، وَلَنْ يَزَالَ فِيكُمْ حَتَّى تُحْدِثُوا أَعْمَالًا، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ ﻷ عَلَيْكُمْ شَرَّ خَلْقِهِ فَيَلْتَحِيكُمْ كَمَا يُلْتَحَى الْقَضِيبُ".
17. أحمد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات وصححه الزين: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: "الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ وَالْحُكْمُ فِي الْأَنْصَارِ وَالدَّعْوَةُ فِي الْحَبَشَةِ وَالْهِجْرَةُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ بَعْدُ".
قلتُ: هذا الحديث أخرجه البخاري بلفظه في التاريخ الكبير.
18. أحمد وصححه الألباني والسيوطي وأحمد شاكر: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مَرْيَمَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "الْمُلْكُ فِي قُرَيْشٍ وَالْقَضَاءُ فِي الْأَنْصَارِ وَالْأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ وَالسُّرْعَةُ فِي الْيَمَنِ". وَقَالَ زَيْدٌ مَرَّةً يَحْفَظُهُ: "وَالْأَمَانَةُ فِي الْأَزْدِ".
19. أحمد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات وقال الألباني للحديث شواهد يصح بها ويقوى، وقال المنذري في الترغيب والترهيب رواه أحمد ورواته ثقات: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَوْفٌ وَحَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ حَدَّثَنِي عَوْفٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ عَنْ أَبِي كِنَانَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى بَابِ بَيْتٍ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ الْبَابِ ثُمَّ قَالَ: "هَلْ فِي الْبَيْتِ إِلَّا قُرَشِيٌّ؟" قَالَ: فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَيْرُ فُلَانٍ ابْنِ أُخْتِنَا. فَقَالَ: "ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا دَامُوا إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا وَإِذَا قَسَمُوا أَقْسَطُوا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ".
20. الحاكم في المستدرك وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم اسناده جيد ولكنه روي عن علي موقوفا وقال الدارقطني هو أشبه: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان ثنا أبو حاتم الرازي ثنا الفيض بن الفضل البجلي ثنا مسعر بن كدام عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي بن أبي طالب س قال: قال رسول الله ص: "الأئمة من قريش أبرارها أمراء أبرارها، وفجارها أمراء فجارها، ولكل حق فآتوا كل ذي حق حقه، وإن أمرت عليكم عبدا حبشيا مجدعا فاسمعوا له وأطيعوا ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه، فإن خير بين إسلامه وضرب عنقه، فليقدم عنقه فإنه لا دنيا له ولا آخرة بعد إسلامه".
21. الطبراني في الأوسط والصغير والدعاء وقال الهيثمي رجاله ثقات: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم أبو مسلم الكجي، بمكة سنة ثلاث وثمانين ومائتين، حدثنا معاذ بن عوذ الله القرشي، حدثنا عوف، عن أبي صديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قام رسول الله ص على بيت فيه نفر من قريش، فأخذ بعضادتي الباب ثم قال: "هل في البيت إلا قرشي؟" قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال: "ابن أخت القوم منهم". ثم قال: "إن هذا الأمر لا يزال في قريش ما إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا أقسموا أقسطوا، ومن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
22. الحافظ في المطالب العالية: وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ صَالِحِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ ثنا هَارُونُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثنا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمِ بْنِ أَبِي قُتَيْلَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيِي بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عروة قال: أقحمت عَلَيْنَا السَّنَةُ نَابِغَةَ بْنَ جَعْدَةَ وَنَحْنُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ س بمكة فوقف بعدما صَلَّى الصُّبْحَ بِالنَّاسِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ:
حَكَيْتُ لَنَا الصِّدِّيقَ لَمَّا وَلِيتَنَا وَعُثْمَانَ وَالْفَارَوُقَ فَارْتَاحَ مُعْدِمُ
أَتَاكَ أَبُو لَيْلَى يُشَقُّ بِهِ الدُّجَى دُجَى اللَّيْلِ جَوَّابُ الْفَلَاةِ عَثَمْثَمُ
لَتَرْفَعَ مِنْهُ جَانِبًا ذَعْذَعَتْ بِهِ صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالزَّمَانُ الْمُصَمْصَمُ
فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ س: امْسِكْ عَلَيْكَ أَبَا لَيْلَى فَإِنَّ الشِّعْرَ أَهْوَنُ وَسَائِلِكَ عَلَيْنَا أَمَّا صَفْوَةُ مَالِنَا فَلِآلِ الزُّبَيْرِ، وَأَمَّا عَفْوَتُهُ فَإِنَّ بَنِي أَسَدٍ تَشْغَلُنَا عَنْكَ، وَلَكِنْ لَكَ فِي مَالِ اللَّهِ حَقَّانِ: حَقٌّ بِرُؤْيَتِكَ رَسُولَ اللَّهِ ص، وَحَقٌّ بِشِرْكَتِكَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ. وَأَمَرَ أَنْ تُوَقَّرَ لَهُ الرِّكَابُ حَبًّا وَتَمْرًا، فَجَعَلَ أَبُو لَيْلَى يُعَجِّلُ وَيَأْكُلُ مِنَ التَّمْرَ وَالْحَبَّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ س يَقُولُ لَهُ: لَقَدْ بَلَغَ بِكِ الْجَهْدُ أَبَا لَيْلَى. فَلَمَّا قَضَى نَهْمَتَهُ قَالَ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "مَا وَلِيَتْ قُرَيْشٌ فَعَدَلَتْ، وَاسْتُرْحِمَتْ فَرَحِمَتْ، وَحَدَّثَتْ فَصَدَقَتْ، وَوَعَدَتْ خَيْرًا فَأَنْجَزَتْ، فَأَنَا وَالنَّبِيُّونَ عَلَى الْحَوْضِ فَرطٌ لِلْقَاصِفِينَ". قَالَ: وَالْقَاصِفُونَ الَّذِينَ يُرْسِلُونَ الْمَاءَ عَلَى الْحَوْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: الْمَالُ الْإِبِلُ.
23. حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، ثنا محمد بن بكار بن بلال، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله ص: "الملك في قريش، ولهم عليكم حق، ولكم عليهم مثله، ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
24. ابن أبي عاصم في السنة: ثنا أبو صالح هدية بن عبد الوهاب، ثنا النضر بن شميل، ثنا شعبة، عن حبيب بن الزبير، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: كنا نجالس عمرو بن العاص نذاكره الفقه. فقال رجل من بكر: لتنتهين قريش، أو ليجعلن الله هذا الأمر في جمهور من جماهير العرب. فقال عمرو بن العاص: كذبت، سمعت رسول الله ص يقول: "الخلافة في قريش إلى قيام الساعة".
25. عبد الرزاق في مصنفه باسناد صححه الحافظ في الفتح: أخبرنا معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة أن رسول الله ص قال: "لا تعلموا قريشا وتعلموا منها، ولا تتقدموا قريشا ولا تتأخروا عنها، فإن للقرشي قوة الرجلين من غيرهم" يعني في الرأي.
26. البيهقي في السنن الكبرى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِى خُطْبَةِ أَبِى بَكْرٍ س قَالَ: وَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ، قَدْ بَلَغَكُمْ ذَلِكَ أَوْ سَمِعْتُمُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص، وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، فَنَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ إِخْوَانُنَا فِى الدِّينِ وَأَنْصَارُنَا عَلَيْهِ. وَفِى خُطْبَةِ عُمَرَ ص بَعْدَهُ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ص أَوْ مَنْ سَمِعَهُ مِنْكُمْ وَهُوَ يَقُولُ: "الْوُلاَةُ مِنْ قُرَيْشٍ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ". فَقَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الأَنْصَارِ: بَلَى، الآنَ ذَكَرْنَا. قَالَ: فَإِنَّا لاَ نَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ إِلاَّ بِهَذَا، فَلاَ تَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الأَهْوَاءُ فَلَيْسَ بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ.
قال الحافظ في التلخيص الحبير عند حديثه على حديث "الأئمة من قريش": "وقد جمعت طرقه في جزء مفرد عن نحو من أربعين صحابيا". وقال في الفتح: "الْعَدَد الْمُعَيَّن لَا يُشْتَرَط فِي الْمُتَوَاتِر، بَلْ مَا أَفَادَ الْعِلْم كَفَى... وَبَيَّنْت أَنَّ أَمْثِلَته كَثِيرَة: مِنْهَا حَدِيث مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَالْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَرَفْع الْيَدَيْنِ، وَالشَّفَاعَة وَالْحَوْض وَرُؤْيَة اللَّه فِي الْآخِرَة، وَالْأَئِمَّة مِنْ قُرَيْش وَغَيْر ذَلِكَ".

وأما الإجماع ففيما يلي بعض من حكاه، بالإضافة إلى بعض مستنداته:
1. الباقلاني في التمهيد: ويدل على ما قلناه إطباق الأمة في الصدر الأول من المهاجرين والأنصار بعد الاختلاف الذي شجر بينهم على أن الامامة لا تصح إلا في قريش. وقول سعد بن عبادة لأبي بكر وعمر عند الاحتجاج بهذه الأخبار وادكاره بها: "نحن الوزراء وأنتم الأمراء" فثبت أن الحق في اجتماعها وأنه لا معتبر بقول ضرار وغيره ممن حدث بعد هذا الاجماع.

2. الطبري في التبصير: فقالت الأنصار لقريش منا أمير ومنكم أمير. فقال خطيب قريش: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فأقرت الأنصار بذلك، وسلموا الأمر لقريش، ورأوا أن ذلك الذي قال خطيب قريش صواب. ثم لم ينازع ذلك قريشًا أحد من الأنصار بعد ذلك إلى يومنا هذا... وكان الخبر قد تواتر بالذي ذكرناه من فعل المهاجرين والأنصار، وتسليمهم الخلافة والإمرة لقريش، وتصديقهم خطيبهم "نحن الأمراء وأنتم الوزراء" من غير إنكار منهم، إلا من شذَّ وانفرد بما كان عليه التسليم لما نقلته الحجة عن رسول الله ص من أن الإمامة لقريش دون غيرها، كان معلوما بذلك أن لا حظ لغيرها فيها.
3. الخطيب البغدادي في أصول الدين: ودليل أهل السنة على أن الإمامة مقصورة على قريش قول النبي ص: "الأئمة من قريش"، ولهذا الخبر سلمت الأنصار الخلافة لقريش يوم السقيفة. فحصل الخبر وإجماع الصحابة دليلين على أن الخلافة لا تصلح لغير قريش. ولا اعتبار بخلاف من خالف الاجماع بعد حصوله.
4. أبو نعيم في الإمامة: لا خلاف بين المسلمين أن الخلافة في قريش والأئمة منهم.
5. ابن العربي في عارضة الأحوذي: ولا تخرج الخلافة عن قريش لقول النبي ص: "قريش ولاة هذا الأمر في الخير والشر إلى يوم القيامة". وعلى ذلك أجمعت الصحابة حين بينه أبو بكر في يوم السقيفة. فإن قيل فقد روى أبو عيسى وغيره عن أبي هريرة "لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجل من الموالي يقال له جهجاه" وكذلك جاء في الصحيح: "لن تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه" قلنا: هذا إنذار من النبي ص بما يكون من الشر في آخر الزمان في تسور العامة على منازل أهل الاستقامة، ليس خبرا عما ينبغي.
6. عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم: هذه الأحاديث –وما في معناها في هذا الباب- حجة أن الخلافة لقريش، وهو مذهب كافة المسلمين وجماعتهم. وبهذا احتج أبو بكر وعمر على الأنصار يوم السقيفة، فلم يدفعه أحد عنه. وقد عدها الناس فى مسائل الإجماع، إذ لم يؤثر عن أحد من السلف فيها خلاف قولاً ولا عملاً قرنا بعد قرن إلا ذلك وإنكار ما عداه. ولا اعتبار بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنها تصح فى غير قريش. ولا بسخافة ضرار بن عمرو فى قوله: إن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهوان خلعه إذا وجب ذلك، إذ ليست له عشيرة تمنعه. وهذا كله هزء من القول ومخالفة لما عليه السلف وجماعة المسلمين.
7. الغزالي في فضائح الباطنية: نسب قريش لا بد منه لقوله ص: "الأئمة من قريش" واعتبار هذا مأخوذ من التوقيف ومن إجماع أهل الأعصار الخالية على أن الإمامة ليست إلا في هذا النسب. ولذلك لم يتصد لطلب الإمامة غير قرشي في عصر من الأعصار.
8. الجويني في الغياثي: فأما الصفات اللازمة، فمنها النسب، فالشرط أن يكون الإمام قرشياً، ولم يخالف في اشتراط النسب غيرُ ضرار بنِ عمرو، وليس ممن يُعْتَبَر خلافُه ووفاقُه.
9. النووي في شرح صحيح مسلم: هَذِهِ الْأَحَادِيث وَأَشْبَاههَا دَلِيل ظَاهِر أَنَّ الْخِلَافَة مُخْتَصَّة بِقُرَيْشٍ، لَا يَجُوز عَقْدهَا لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرهمْ، وَعَلَى هَذَا اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع فِي زَمَن الصَّحَابَة، فَكَذَلِكَ بَعْدهمْ، وَمَنْ خَالَفَ فِيهِ مِنْ أَهْل الْبِدَع أَوْ عَرَّضَ بِخِلَافٍ مِنْ غَيْرهمْ فَهُوَ مَحْجُوج بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة.
10. الآمدي في أبكار الأفكار: وقد احتج أصحابنا ومن تابعهم باجماع الصحابة... وتلقت الأمة ذلك بالقبول، وأجمعوا على اشتراط القرشية ولم يوجد له نكير فصار إجماعا مقطوعًا به.
11. الماوردي في الأحكام السلطانية: النَّسَبُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ.
12. الإيجي في المواقف في معرض كلامه عن حديث الرسول ص "الإئمة من قريش": ثم إن الصحابة عملوا بمضمون هذا الحديث وأجمعوا عليه فصار قاطعا.
13. زين الدين العراقي في طرح التثريب: الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة.
14. البخاري عن عائشة: ...وَاجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ. فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ.
15. البخاري عن ابن عباس: ...فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ... وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ ص أَنَّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ... فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ... فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ... فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ الْآنَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنْ الِاخْتِلَافِ، فَقُلْتُ ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَارُ....
16. البزار وقال اسناده حسن عن عمر قال: والله ما وفينا لهم كما عاهدناهم عليه، إنا قلنا لهم: إنا نحن الأمراء وأنتم الوزراء، ولئن بقيت إلى رأس الحول لا يبقى لي عامل إلا أنصاري.
17. أحمد عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف باسناد صححه الألباني وقال الهيثمي رواه أحمد وفي الصحيح طرف منه ورجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر. وقال ابن المنذر: هذا الحديث حسن وإن كان فيه انقطاع فإن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أيام الصديق، وقد يكون أخذه عن أبيه أو غيره من الصحابة وهذا كان مشهورًا بينهم. قَالَ: ... فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ... وَقَالَ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ"، وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: "قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ". قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: صَدَقْتَ، نَحْنُ الْوُزَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْأُمَرَاءُ.
18. البيهقي وقال ابن كثير بإسناد صحيح محفوظ عن أبي سعيد الخدري: "... فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ س فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ الإِمَامَ يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ ص. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ س فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ. ثُمَّ أَخَذَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوه...".
19. موسى بن عقبة في مغازيه وهي أصح المغازي كما قال الحافظ: عن أبي سعيد الخدري أن الْأَنْصَار قَالُوا: أَوَّلًا نَخْتَار رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَإِذَا مَاتَ اِخْتَرْنَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار، فَإِذَا مَاتَ اِخْتَرْنَا رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَذَلِكَ أَبَدًا فَيَكُون أَجْدَر أَنْ يُشْفِق الْقُرَشِيّ إِذَا زَاغَ أَنْ يَنْقَضّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ وَكَذَلِكَ الْأَنْصَارِيّ. قَالَ: فَقَالَ عُمَر: لَا وَاَللَّه لَا يُخَالِفنَا أَحَد إِلَّا قَتَلْنَاهُ.
20. الطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح: الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لغيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة ومن بعدهم. ومن خالف فيه من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة.
21. ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري: ومما يدل على كون الإمام قرشيا اتفاق الأمة في الصدر الأول وبعده من الأعصار على اعتبار ذلك فى صفة الإمام قبل حدوث الخلاف في ذلك، فثبت أن الحق فى اجتماعها وإبطال قول من خالفها.
22. القرطبي في المفهم: قد أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصحُّ لغير قريش، ما خلا الإمامة الكبرى، فهي المقصودة بالحديث قَطْعًا.
23. ابن قدامة في روضة الناظر: وقد أجمع الصحابة على قتال مانعي الزكاة بعد الخلاف. وعلى أن الأئمة من قريش وعلى إمامة أبي بكر بعد الخلاف.
24. القرافي في شرح تنقيح الفصول: لنا أن الصحابة اختلفوا في أمر الإمامة ثم اتفقوا عليها.
25. الرازي في المحصول: المسألة الثالثة: يجوز حصول الاتفاق بعد الخلاف، وقال الصيرفي: لا يجوز. لنا إجماع الصحابة على إمامة ابي بكر س بعد اختلافهم فيها.
قُلتُ: الأحاديث التي مرت تفيد التواتر، وقد صرح بتواترها الحافظ. وهي تدل دلالة قاطعة على أن الإمامة في قريش. فيكون شرط النسب من المسائل المقطوع بها في ثبوتها ودلالتها ولا يسوغ فيها الاختلاف، والخلاف فيها شذوذ، بل إنه باطل. والدليل على ذلك إجماع الصحابة. قال الماوردي في الحاوي: "إِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ، بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ". وقال الشيرازي في اللمع: "وأما إذا اختلفت الصحابة على قولين ثم اجتمعت على أحدهما نظرت، فإن كان ذلك قبل أن يبرد الخلاف ويستقر كخلاف الصحابة لأبي بكر س في قتال مانعي الزكاة وإجماعهم بعد ذلك، زال الخلاف وصارت المسألة بعد ذلك إجماعا بلا خلاف".
وعليه فإن ما قاله ضرار والنظام ومن وافقه من الخوارج قول باطل لأنه مخالف لما استقر عليه إجماع الصحابة، فلا اعتبار بخلاف من جاء بعدهم وخالف إجماعهم، وجوّز الإمامة في غير قريش، أعني الخلافة على المنهاج.
وأيضا فإن من قال الخلافة في قريش أولى منها في غيرهم وهو قول الكعبي قول باطل، قال الخطيب في أصول الدين: "وزعم الكعبي أن القرشي أولى بها من الذي يصلح لها من غير قريش، فإن خافوا الفتنة جاز عقدها لغيره". فهو يعتبر شرط النسب شرط أولوية أي شرط كمال أو شرط افضلية. وهذا كلام مردود لأنه مسبوق باجماع الصحابة. على أنه لا يجيز انعقادها لغير القرشي ابتداء وإنما أجازها عند خوف الفتنة.
وفيما يلي عرض للقرائن الدالة على أن شرط النسب القرشي شرط إجزاء وانعقاد لا مجرد شرط كمال وأفضلية:
1. قوله ص في حديث معاوية عند البخاري "لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ". وهذه الجملة متصلة بالجملة التي سبقتها وهي "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ" وبيان ذلك:
أ‌- أن البيهقي روى هذا الحديث ولفظه "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِى قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ فِيهِ أَحَدٌ إِلاَّ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ" فهذه الرواية فيها زيادة لفظ "فيه" اي في الأمر، فتكون الجملة الثانية مؤكدة للأولى لا منفصلة عنها، وليس النهي عن مطلق معاداة بل النهي هنا مقيد بالنهي عن معاداة قريش في الأمر.
ب‌- قوله ص في الحديث "مَا أَقَامُوا الدِّينَ" يدل دلالة واضحة على أن المنهي عنه هو المعاداة لقريش في الأمر لا مطلق معاداة، لأن إقامة الدين لا يتمكن منها إلا من كان الأمر بيده. ولو كان النهي عن المعاداة لا علاقة له بالأمر لما لزم أن يقال "مَا أَقَامُوا الدِّينَ". أي لو كان النهي عن المعاداة مطلقا غير مقيد بالأمر لما قال ص هذا القيد الذي هو إقامة الدين، فمطلق المعاداة لا يلزمه هذا القيد، وهذا واضح.
ت‌- إن "لا" في الحديث عاطفة، عطفت جملة على جملة، ومن المعلوم أن "لا" العاطفة يتعاند متعاطفاها، كقولنا الكافر عدو لا تجوز موالاته، فالعداوة والموالاة متعاندتان، وكقولنا إن الخير في نكاح المؤمنات لا ينكح مشركة إلا أعمى البصيرة، وكقولنا إن الخير في اتباع سبيل المؤمنين لا يزيغ عنها إلا هالك، وكذلك جملتا الحديث.
2. قول أبي بكر في حديث أبي سعيد الخدري الصحيح الذي يرويه البيهقي: "جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ" وعدم المصالحة معناه الحرب، ولا يمكن أن يكون ذلك لمجرد شرط كمال وأفضلية.
3. قول عمر في حديث أبي سعيد الخدري الذي يرويه موسى ابن عقبة في مغازيه: "لَا وَاَللَّه لَا يُخَالِفنَا أَحَد إِلَّا قَتَلْنَاهُ" ولا يمكن أن يصل الأمر بقريش إلى قتل المخالف لو كان شرط النسب شرط كمال وأفضلية فقط.
4. قول الصحابي الأنصاري في حديث عمر عند أبي يعلى وابن حبان: "فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْل أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا يَكُون فِيهِ حَرْب". وفي هذا الحديث: "اُخْرُجْ إِلَيَّ يَا اِبْن الْخَطَّاب، فَقُلْت: إِلَيْك عَنِّي فَإِنَّا عَنْك مَشَاغِيل -يَعْنِي بِأَمْرِ رَسُول اللَّه ص-، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْر، فَإِنَّ الْأَنْصَار اِجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَة بَنِي سَاعِدَة فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْل أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا يَكُون فِيهِ حَرْب". ولا يمكن أن تكون الحرب على مجرد شرط كمال وأفضلية.
5. روى أبو داود باسناد صححه الألباني: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ...".
وروى أحمد باسناد صححه الزين عن حذيفة قال: قال رسول الله ص: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ".
يفهم من مجموع هذين الحديثين أن الخلافة على المنهاج هي أفضل أنواع الخلافة لأنها على منهاج النبوة، وتليها الخلافة العاض وهي الخلافة التي يستخلف فيها الأبناء، وتليها الخلافة الجبرية ويجتمع فيها أمران تخالف فيهما منهاج النبوة وهما استخلاف الأبناء وكونها غير قرشية. ومخالفة المنهاج يمكن اعتبارها قرينة على أن اشتراط النسب واجب، وإن كانت هذه القرينة أضعف من القرائن التي سبقتها.
6. ترشيح عمر لستة كلهم من قريش وسكوت الصحابة ولو كان هناك حق لغير قريش لكان هذا التصرف من عمر باعثا على الفتنة والاختلاف، ولكن الصحابة أقروه على ترشيحه لستة من قريش ولم ينكر أحد منهم هذا فكان إجماعا من الصحابة على شرط النسب. والقرينة في هذا أن عدم ترشيح أحد من غير قريش يؤدي إلى فتنة لو لم تكن المسألة محسومة منذ حادثة السقيفة.
هذه ست قرائن تدل على أن شرط النسب في الخلافة مطلوب شرعا طلبا جازما، فهو مما يجب توفره في الخليفة، وليس هو من المندوب.
وكلمة "الأمر" الواردة في عدد من الأحاديث المذكورة يُراد بها الخلافة فقط ولا يُراد بها مطلق ولاية الأمر، وقد مرّ ما قاله القرطبي في المفهم: "قد أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصحُّ لغير قريش، ما خلا الإمامة الكبرى، فهي المقصودة بالحديث قَطْعًا". والأدلة على أن المراد بالأمر الخلافة ما يلي:
1. حديث عتبة بن عبد السلمي أن النبي ص قال: "الخلافة في قريش...".
2. حديث عمرو بن العاص: سمعت رسول الله ص يقول: "الخلافة في قريش...".
3+4. حديث أنس وأبي برزة وعلي أن رسول الله ص قال: "الأئمة من قريش".
ووجه الاستدلال في الأحاديث السابقة أنها تفسر الأمر بأنه الخلافة والإمامة.
5. حديث جابر بن سمرة عند مسلم قال: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ ص فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً". قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ خَفِيَ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ".
وهذا الحديث من أبلغ الأدلة على أن الأمر هو الخلافة، إذ أنه ص بعد أن قال: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي" قال: "حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً". فهذا نص في موضوع الأمر.
6. حديث عائشة عند البخاري وفيه: "وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا...".
فهذا علي يفهم الأمر أنه الخلافة ويخطب به أمام الصحابة ولم ينكروا عليه.
7. حديث عبد الله بن عباس عند البخاري وفيه: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ س خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا. فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: "أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى رَسُولَ اللَّهِ ص سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ، إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا...".
والدلالة هنا في فهم علي والعباس للأمر بأنه الخلافة، فإن قيل كيف تكون الخلافة في قريش ولا يعلم العباس وعلي، قيل إنهما كانا يتساءلان إن كانت الخلافة في بني هاشم أم فيهم وفي غيرهم من قريش، فلا تعارض.
8. حديث ابن عباس عن عمر عن أبي بكر عند البخاري أنه قال: "مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ...".
وهذا أبو بكر أيضا يستعمل لفظ "الأمر" بمعنى الخلافة.
9. حديث معاوية عند البخاري حيث يقول: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ...".
وفهم معاوية أن الأمر هو الخلافة، وليس مطلق ولاية أمر.
10. حديث المسور عند البخاري وفيه: "أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ...".
فهذا عبد الرحمن يستعمل الأمر بمعنى الخلافة على مسمع من الخمسة فلم ينكروه.
11. حديث عمر عند أحمد وفيه: "قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حِرْصًا سَيِّئًا وَإِنِّي جَاعِلٌ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ...".
12. حديث جابر بن عبد الله عند أحمد وصححه الحاكم والذهبي أن رسول الله ص قال: "أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ". قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص قُلْنَا: أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللَّهِ ص، وَأَمَّا ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ ص مِنْ نَوْطِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ ص.
13. فسر ابن حجر في فتح الباري "الأمر" في أكثر من موضع على أنه الخلافة.
قلتُ: الألف واللام في لفظ الأمر الوارد في الأحاديث هي "أل العهد". وقد ورد هذا اللفظ وأريد به معان أخرى، والسياق هو الذي يدل على المراد. وقد تبين في حديث جابر بن سمرة المار ذكره أنه ص فسر الأمر بالخلافة وأن عددا من الصحابة فهموه كذلك، وذكر القرطبي أن الأمة مجمعة على ذلك. فلم يبق مجال للقول بأن المراد بهذا اللفظ مطلق ولاية الأمر فيشمل الإمارة بنوعيها العامة والخاصة. فهذا الفهم مخالف لقوله ص في حديث جابر بن سمرة ومخالف لفهم الصحابة ومخالف لما فهمته الأمة.
وتأميره ص غير قريش إمارة خاصة لا خلاف فيه، ولكنه لا يصلح دليلا على استخلافه إياهم، ورسول الله ص لم يستخلف مطلقا فكيف يُقال أنه استخلف محمد بن مسلمة، وعدم استخلافه ص ثابت في الصحيح. وأدلة الامارة الخاصة لا تصلح للامارة العامة. أما ما ورد في كتب السير أنه ص استخلف محمد بن مسلمة على المدينة، فقد ورد أنه استخلف غيره ومنهم: أبو لبابة، وابن أم مكتوم، وعثمان، وزيد بن حارثة، ونميلة بن عبد الله، وأبو رهم الغفاري، وعبد الله بن رواحة، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وسعد بن معاذ، وسباع بن عرفطة وغيرهم. وورد أنه استخلف عتاب بن أسيد على مكة. كما ورد لفظ "واستعمل" مكان "واستخلف". فالقول أنه ص استخلف محمد بن مسلمة، أي ولاه خليفة له لبينما يرجع من المعركة، ولم يوله واليا على المدينة كلام غريب لا أجد فيما اطلعت عليه من المصادر نصا يحتمله.
وأما قوله ص لبني عامر "الأمر لله يضعه حيث يشاء" فإن الله قد بيّن أنه وضعه في قريش، وشاء أن يكون فيهم، وقد مرّت الأحاديث التي تثبت ذلك، فلم يبق في هذا الحديث دلالة على أنه قرينة تصرف الأمر إلى الندب. بل فيه دلالة على أن المراد بلفظ الأمر هنا هو الخلافة، لأنه ص قال هذا الحديث جوابا لبيحرة بن فراس عندما سأله: "أيكون لنا الأمر من بعدك؟".
وأخيرًا فإن القول بأن لفظ "قريش" لقب لا مفهوم له كلام صحيح، ولكن الدلالة ليست في هذا اللفظ وإنما في عموم قوله ص "الأئمة". قال الحافظ في الفتح: "قَالَ اِبْن الْمُنِير: وَجْه الدَّلَالَة مِنْ الْحَدِيث لَيْسَ مِنْ جِهَة تَخْصِيص قُرَيْش بِالذِّكْرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَفْهُوم لَقَبٍ، وَلَا حُجَّة فِيهِ عِنْد الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنَّمَا الْحُجَّة وُقُوع الْمُبْتَدَأ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّة لِأَنَّ الْمُبْتَدَأ بِالْحَقِيقَةِ هَاهُنَا هُوَ "الْأَمْر" الْوَاقِع صِفَة لِهَذَا وَهَذَا لَا يُوصَف إِلَّا بِالْجِنْسِ، فَمُقْتَضَاهُ حَصْر جِنْس الْأَمْر فِي قُرَيْش، فَيَصِير كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أَمْرَ إِلَّا فِي قُرَيْش، وَهُوَ كَقَوْلِهِ "الشُّفْعَة فِيمَا لَمْ يُقْسَم". وَالْحَدِيث وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَر فَهُوَ بِمَعْنَى الْأَمْر كَأَنَّهُ قَالَ اِئْتَمُّوا بِقُرَيْشٍ خَاصَّة، وَبَقِيَّة طُرُق الْحَدِيث تُؤَيِّد ذَلِكَ، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الصَّحَابَة اتَّفَقُوا عَلَى إِفَادَة الْمَفْهُوم لِلْحَصْرِ". انتهى.


المسألة الثامنة

لا يشترط في الخليفة أن يكون معصوما


الخلفاء بشر يخطئون ويصيبون ويزلون ويذنبون وليسوا معصومين إذ العصمة للأنبياء فقط صلوات الله وسلامه عليهم. والأدلة على نفي العصمة عن الخلفاء الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
أما الكتاب فقوله تعالى:
• {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور:22).
• {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (آل عمران:155).
• {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (البقرة:187).
• {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} (الفتح:5).
وأما السنة فما رواه:
• مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ: إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ.
• مسلم عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ ص قَالَ: خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ.
• الترمذي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: ادْرَءُوا الحُدُودَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي العَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي العُقُوبَةِ.
• مسلم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: كُنْتُ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ص، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ص يَقُولُ: لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ يَغْفِرُ لَهُمْ.
وأما إجماع الصحابة فما حكاه:
• مالك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَهْ، غَفَرَ اللَّهُ لَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ.
• الدارمي في السنن قال: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ: إِنِّي سَأَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ: أُرَاهُ مَا خَلَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ. فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ قَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحْيِي اللَّهَ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ.
• الباقلاني في التمهيد قال: ويدل على هذا اعتراف الخلفاء الراشدين بأنهم غير معصومين وترك إنكار الأمة على واحد منهم تولي الأمر مع اعترافهم بنفي العصمة عنهم. هذا أبو بكر يقول: أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم، إلى قوله: لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم. وهذا عمر يقول: رحم الله امرءا أهدى إلينا عيوبنا ولولا علي لهلك عمر ولولا معاذ لهلك عمر. وهذا عثمان يقول: أحلتهما آية وحرمتهما آية يعني في الجمع بين الأختين بملك اليمين. وهذا علي يرى الرأي ثم يرجع عنه كالذي قيل له في بيع أمهات الأولاد أجمع رأيي ورأي عمر على أن لا يبعن وقد رأيت بيعهن، ويسأل عن مسائل في الأحكام ويطلب الروايات كطلبهم...
• الآمدي في أبكار الأفكار: أما الإجماع فهو أن الأمة من السلف أجمعت على صحة إمامة أبى بكر وعمر وعثمان مع إجماعهم على أن العصمة لم تكن واجبة لهم.

رد مع اقتباس
 
 
  #4  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: مسائل سلطانية : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة التاسعة

ذكر قريش وأمانتها


قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (الزخرف:44)
وروى الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ أن رسول الله ص قال: "إِنَّ قُرَيْشًا أَهْلُ أَمَانَةٍ مَنْ بَغَاهُمُ الْعَوَاثِرَ كَبَّهُ اللَّهُ لِمِنْخَرِهِ" قَالَهَا ثَلَاثًا.
فما هو ذكر قومه ص وما هي أمانتهم؟
قال الطبري في تفسيره: "وقوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك من قريش {وَسَوْفَ تُسْأَلُون} يقول: وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه، وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه، وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه؟"
وقال القرطبي في تفسيره: "وقيل: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني الخلافة، فإنها في قريش لا تكون في غيرهم.
وأما الأمانة الواردة في حديث رفاعة فهي الإمامة، وممن قال ذلك:
أولا: ما رواه الشافعي في السنن المأثورة عن رِفَاعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص نَادَى: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ قُرَيْشًا أَهْلُ أَمَانَةٍ، مَنْ بَغَاهُمُ الْعَوَافِرَ أَكَبَّهُ اللَّهُ لِمَنْخِرَيْهِ" يَقُولُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَكَذَا قَرَأَهُ الْمُزَنِيُّ عَلَيْنَا "أَهْلُ أَمَانَةٍ" وَإِنَّمَا هُوَ أَهْلُ إِمَامَةٍ، وَقَالَ: "الْعَوَافِرَ" وَإِنَّمَا هُوَ "الْعَوَاثِرَ".
ثانيا: ما قاله المناوي في فيض القدير نقلا عن الرافعي ولفظه: "قال الرافعي: يجوز أنهم ائتمنوا على التقدم للإمامة". ويحتمل قول الرافعي أن المراد إمامة الصلاة.
أقول:
الإمامة أمانة، والمعنى واحد، فقريش أهل أمانة الإمامة أو أهل الإمامة، بل إن وصفها بالأمانة أبلغ في إيجاب تحمل مسؤوليتها في أعناقهم.
ومما يرجح أن الأمانة هي الإمامة حديث معاوية عند البيهقي بسند صحيح: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ"، فقوله ص "مَنْ بَغَاهُمُ الْعَوَاثِرَ" هو بمعنى قوله ص: "لَا يُعَادِيهِمْ فِيهِ أَحَدٌ" وفي رواية البخاري: "لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ". وقوله ص: "كَبَّهُ اللَّهُ لِمِنْخَرِهِ" هو نفس معنى قوله ص: "كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ". وعليه تكون الأمانة هي الإمامة وهي الأمر أي الخلافة.
ومنذ عام تسعمائة وثلاثة وعشرين للهجرة، أي منذ أكثر من خمسمائة عام فإن قريشا أهملت ذكرها وأخملته، وفرطت في أمانتها وضيعتها. لا أقول هذا عصبية فقد علمنا جميعا بأن أكرمنا عند الله أتقانا وأن لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وأن من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه، ولكني أذكر قريشا بواجبها فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
واعلموا يا أهل الذكر والأمانة أن الخلافة على منهاج النبوة كائنة قطعا، قد أخبر بذلك الصادق المصدوق، وتواترت بهذا المعنى الأخبار الصحيحة، وهي لا تخفى على فقهائكم ومتفقهيكم.
أجدادكم تقدموا لطلب الخلافة في اليوم الذي مات فيه رسول الله ص، كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة، وأنتم تخليتم عنها أكثر من خمسمائة عام، فهل تطمعون أن تكون منازلكم واحدة؟! إذن اعملوا مثل عملهم وأبشروا، فإن الله تعالى يقول: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} (الواقعة).

المسألة العاشرة

الاستخلاف عقد تأمير على المؤمنين


الاستخلاف عقد، تنعقد به الخلافة للمستخلَف بمجرد موت المستخلِف. ودليل ذلك الاجماع والقياس.
أما الاجماع فهو إجماع الصحابة الثابت بالتواتر، والذي لا يحل لمسلم أن يخالفه، وفيما يلي بعض روايات هذا الاجماع مع بعض مستنداته:
1. الخطابي في معالم السنن: "فالاستخلاف سنة اتفق عليها الملأ من الصحابة، وهو اتفاق الأمة لم يخالف فيه إلا الخوارج والمارقة الذين شقوا العصا وخلعوا ربقة الطاعة".
2. الخطيب البغدادي في أصول الدين: "وإذا أوصى بها الإمام إلى من يصلح لها وجب على الأمة إنفاذ وصيته، كما أوصى بها أبو بكر إلى عمر وأجمعت الصحابة على متابعته فيها".
3. ابن حزم في مراتب الاجماع: "واتفقوا أن للإمام أن يستخلف قُبل ذلك أم لا، ولم يختلف في جواز ذلك لأبي بكر س أحد وإجماعهم هو الإجماع".
4. عياض في إكمال المعلم: "وفيه جواز انعقاد الخلافة بالوجهين بالتقديم والعقد من المتولي كفعل أبى بكر لعمر، أو بعقد أهل الحل والعقد والاختيار كفعل الصحابة بعد النبى ص وهذا مما أجمع المسلمون عليه".
5. الجويني في الغياثي: "وأصلُ توليةِ العهد ثابتٌ قطعاً مستندٌ إلى إجماع حملة الشريعة، فإن أبا بكر خليفةَ رسول الله ص لما عهد إلى عمر بن الخطاب م وولاه الإمامةَ بعده، لم يُبْدِ أحدٌ من صَحْب رسول الله ص نكيراً، ثم اعتقد كافةُ علماءَ الدين توليةَ العهد مسلكاً في إثبات الإمامة في حق المعهود إليه الموَلَّى، ولم يَنفِ أحدٌ أصلَها أصلاً...".
6. الآمدي في أبكار الأفكار: "وأجمعت الصحابة على جعل العهد طريقا في انعقاد الإمامة...".
7. النووي في شرح صحيح مسلم: "... وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف...".
8. ابن بطال في شرح صحيح البخاري: "قال بعض الشافعية: فإن قال قائل: لم جاز للإمام تولية العهد، وإنما يملك النظر فى المسلمين حياته وتزول عنه بوفاته، وتولية العهد استخلاف بعد وفاته فى وقت زوال أمره وارتفاع نظره، وهو لا يملك فى ذلك الوقت ما يجوز عليه توليه أو تنفذ فيه وصيته؟ قيل: إنما جاز ذلك لأمور منها إجماع الأمة من الصحابة ومن بعدهم على استخلاف أبى بكر عمر على الأمة بعده، وأمضت الصحابة ذلك منه على أنفسها".
9. الماوردي في الأحكام السلطانية: "فصل: وَأَمَّا انْعِقَادُ الْإِمَامَةِ بِعَهْدِ مَنْ قَبْلَهُ فَهُوَ مِمَّا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ، وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّتِهِ، لِأَمْرَيْنِ عَمِلَ الْمُسْلِمُونَ بِهِمَا وَلَمْ يَتَنَاكَرُوهُمَا، أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ س عَهِدَ بِهَا إلَى عُمَرَ س فَأَثْبَتَ الْمُسْلِمُونَ إمَامَتَهُ بِعَهْدِهِ...".
10. ابن قدامة في المغني: "وَعُمَرَ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ إلَيْهِ، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَبُولِهِ".
11. أبو نعيم الأصبهاني في كتاب تثبيت الإمامة: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا هارون بن أبي إبراهيم عن عبد الله بن عبيد يعني ابن عمير قال: قال أبو بكر س: "إني كنت أخاف أن أفوتكم بنفسي قبل أن أعهد إليكم، وإني أمرت عليكم عمر بن الخطاب س فاسمعوا له وأطيعوا". قال: فتخلف رجل من القوم قال: ما تقول لربك إذا لقيته وأنت تعلم من فظاظته وغلظته ما تعلم؟ قال: "بربي تخوفني؟ أقول له: اللهم أمرت عليهم خير أهلك".
12. ابن سعد في الطبقات: "عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن ابراهيم بن الحارث التميمي وعبد الله البهي، دخل حديث بعضهم في حديث بعض أن أبا بكر قال: إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا...".
13. ابن أبي شيبة في المصنف: حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ, عَنْ إسْمَاعِيلَ, عَنْ زُبَيْدٍ, قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ لِيَسْتَخْلِفَهُ, قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ: اسْتَخْلَفْت عَلَيْنَا فَظًّا غَلِيظًا, فَلَوْ مَلَكَنَا كَانَ أَفَظَّ وَأَغْلَظَ, مَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إذَا أَتَيْته وَقَدِ اسْتَخْلَفْت عَلَيْنَا, قَالَ: أَتُخَوِّفُونِي بِرَبِّي, أَقُولُ: اللَّهُمَّ أَمَّرْت عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِك.
14. هناد في الزهد: حدثنا عبدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليامي قال: لما حضرت أبا بكر الوفاة بعث إلى عمر ليستخلفه، فقال الناس: أتستخلف علينا فظا غليظا ولو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ؟! فماذا تقول لربك إذ أتيته وقد استخلفت علينا عمر؟ فقال أبو بكر: "أتخوفوني بربي؟ أقول: يا رب، أمرت عليهم خير أهلك". ثم بعث إلى عمر، فقال: "إني موصيك بوصية إن حفظتها. فإن لله حقا في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله حقا في النهار لا يقبله في الليل، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه يوم القيامة إلا الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف، إن الله ذكر أهل الجنة بصالح ما عملوا وتجاوز عن سيئاتهم، فيقول القائل: لا أبلغ هؤلاء، وذكر أهل النار بسوء ما عملوا، إنه رد عليهم صالح الذي عملوا، فيقول القائل: أنا أفضل من هؤلاء. وذكر آية الرحمة وآية العذاب. فليكن المؤمن راغبا وراهبا فلا يتمنى على الله غير الحق، ولا تلق بيدك إلى التهلكة، فإن حفظت قولي لم يكن غائب أحب إليك من الموت، ولا بد لك منه، وإن أنت ضيعت قولي لم يكن غائب أبغض إليك من الموت ولن تعجزه".
قُلتُ: هذا الأثر رواه أبو يوسف في الخراج وابن شبة في تاريخ المدينة المنورة وابن عساكر في تاريخ دمشق.
15. أحمد في مسنده وصححه الحافظ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ س وَبِيَدِهِ عَسِيبُ نَخْلٍ وَهُوَ يُجْلِسُ النَّاسَ يَقُولُ: اسْمَعُوا لِقَوْلِ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَجَاءَ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ س يُقَالُ لَهُ شَدِيدٌ بِصَحِيفَةٍ فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ س: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لِمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ فَوَاللَّهِ مَا أَلَوْتُكُمْ. قَالَ قَيْسٌ: فَرَأَيْتُ عُمَرَ س بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ.
قُلتُ: وجه الاستدلال أنه أمرهم أن يسمعوا ويطيعوا، ولا يكون ذلك إلا لأمير لا لمجرد مرشح.
16. مسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَتْ: أَعَلِمْتَ أَنَّ أَبَاكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا كَانَ لِيَفْعَلَ. قَالَتْ: إِنَّهُ فَاعِلٌ. قَالَ: فَحَلَفْتُ أَنِّي أُكَلِّمُهُ فِي ذَلِكَ، فَسَكَتُّ حَتَّى غَدَوْتُ وَلَمْ أُكَلِّمْهُ. قَالَ: فَكُنْتُ كَأَنَّمَا أَحْمِلُ بِيَمِينِي جَبَلًا حَتَّى رَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ حَالِ النَّاسِ وَأَنَا أُخْبِرُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً فَآلَيْتُ أَنْ أَقُولَهَا لَكَ، زَعَمُوا أَنَّكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَ رَاعِي إِبِلٍ أَوْ رَاعِي غَنَمٍ ثُمَّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا رَأَيْتَ أَنْ قَدْ ضَيَّعَ، فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ. قَالَ: فَوَافَقَهُ قَوْلِي فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَيَّ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ ﻷ يَحْفَظُ دِينَهُ، وَإِنِّي لَئِنْ لَا أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ اسْتَخْلَفَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ ص وَأَبَا بَكْرٍ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص أَحَدًا وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ.
قُلتُ: إن عمر رشح الستة للخلافة ليختار المسلمون واحدا منهم، وحصر الخلافة في واحد منهم، ومع ذلك فإن ابن عمر يقول أنه غير مستخلف. وفعلا فإنه لم يستخلف كما ثبت في حديث ابن عباس عند أحمد وفيه أن عمر نفسه قال: "وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ عَلَى النَّاسِ خَلِيفَةً". روى أحمد باسناد صححه أحمد شاكر قال: "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَتَى عُمَرَ س حِينَ طُعِنَ، فَقَالَ: احْفَظْ عَنِّي ثَلَاثًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا يُدْرِكَنِي النَّاسُ: أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَقْضِ فِي الْكَلَالَةِ قَضَاءً، وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ عَلَى النَّاسِ خَلِيفَةً، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهُ عَتِيقٌ. فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ: أَيَّ ذَلِكَ أَفْعَلُ فَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنْ أَدَعْ إِلَى النَّاسِ أَمْرَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ س..." الحديث. فهذا عمر وابن عمر وابن عباس يقولون أنه لم يستخلف، مع أنه حصر المرشحين للخلافة، أي لم يؤمِّر كما فعل أبو بكر. فالاستخلاف فعله أبو بكر ولم يفعله عمر. ما يدل على أن الاستخلاف تأمير لا مجرد ترشيح وإلا لما صحَّ أن يُقال عمر لم يستخلف. ولو كان الاستخلاف ترشيحا لصحّ أن يقال عمر استخلف.
17. البخاري عن ابن عمر م قال: قِيلَ لِعُمَرَ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ص. فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ: رَاغِبٌ رَاهِبٌ، وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ، لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا.
قُلتُ: وجه الاستدلال يُفهم من قول عمر "لا أتحملها حيا وميتا"، يعني أنه لا يريد أن يستخلف، ولو كان الاستخلاف ترشيحا فقد فعله، ولكنه ليس كذلك. ثم إنه لا يريد أن يتحمل تبعة الاستخلاف بعد موته، فإنه قد تحمل تبعة الخلافة في حياته فلا يرغب في تحمل التبعة بعد موته، وذلك لا يكون إلا إذا كان الاستخلاف تأميرًا.
فإن قيل لو كان الاستخلاف عقدًا وتأميرًا لما احتاج المستخلَف إلى بيعة من الناس، قيل في الجواب: إن البيعة من الناس هي بيعة على الطاعة، وهي التي كانت تسمى بيعة العامة. روى البخاري: "عن أنس بن مالك س أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْآخِرَةَ... وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ص ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ. وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ. وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ...". وروى ابن اسحق باسناد صححه ابن كثير عن أنس قال: "قال عمر: وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله ص وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه." ففي حديث أنس الأول عند البخاري صرح أنس أن البيعة الثانية التي كانت في المسجد على المنبر هي بيعة العامة أي بيعة الطاعة، وهي غير بيعة الانعقاد التي كانت في السقيفة. وفي حديثه الثاني يروي أن عمر قال: "إن الله قد جمع أمركم على خيركم" فجمع الأمر قد حصل في السقيفة، أي أنهم صاروا جماعة على إمام. ويؤكد هذا أيضا ما رواه الطبري: "عن الوليد بن جميع الزهري قال: قال عمرو بن حرث لسعيد بن زيد: أشهدت وفاة رسول الله ص؟ قال: نعم، قال: فمتى بويع أبو بكر؟ قال: يوم مات رسول الله ص، كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة"، فهذا سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل س وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة يقول أن الجماعة على أبي بكر كانت يوم الاثنين، وذلك في قوله: "يوم مات رسول الله ص، كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة" وهذا الكلام بمنطوقه يدل على أن أبا بكر بويع يوم الاثنين وهو اليوم الذي مات فيه رسول الله ص، وببيعته كانت الجماعة، وأما ما حصل يوم الثلاثاء فهو بيعة العامة أو بيعة الطاعة. وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا لخلاف أن الاستخلاف تأمير وليس ترشيحا.
18. ابن حبان في الثقات قال: "فلما حانت منية أبى بكر رحمة الله عليه أغتسل قبلها يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة وكان يوما باردا فحمّ خمسة عشر يوما حتى قطعته العلة عن حضور الصلاة وكان يأمر عمر بن الخطاب أن يصلي بالناس، وكان الناس يعودونه وهو في منزله الذي أقطع له النبي ص وِجاه دار عثمان بن عفان اليوم. فبينا هو في ليلة من الليالي عند نسائه أسماء بنت عميس وحبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبى زهير وبناته أسماء وعائشة وابنه عبد الرحمن بن أبى بكر إذ قالت عائشة: أتريد أن تعهد إلى الناس عهدا؟ قال: نعم. قالت: فبيِّن للناس حتى يعرفوا الوالي بعدك. قال: نعم. قالت عائشة: إن أولى الناس بهذا الامر بعدك عمر. وقال عبد الرحمن بن أبى بكر: إن قريشا تحب ولاية عثمان بن عفان، وتبغض ولاية عمر لغلظه. فقال أبو بكر: نِعْمَ الوالي عمر، وما هو بخير له أن يلي أمر أمة محمد، أما إنه لا يقوى عليهم غيره، إن عمر رآني لينا فاشتد، ولو كان واليا للان لأهل اللين واشتد على أهل الريب. فلما أصبح دعا نفرا من المهاجرين والأنصار يستشيرهم في عمر منهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد، فقال لعبد الرحمن بن عوف: يا أبا محمد أخبرني عن عمر. فقال يا خليفة رسول الله، هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل ولكن فيه غلظة. فقال لعبد الرحمن بن عوف: ذلك لأنه رآني لينا فاشتد، ولو آل إليه الامر لترك كثيرا مما هو عليه اليوم، إني إذا غضبت على الرجل أراني الرضا عنه، وإذا لنت له أراني الشدة عليه، لا تذكر يا أبا محمد مما ذكرت لك شيئا. قال: نعم. ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: يا أبا عبد الله، أخبرني عن عمر. فقال: أنت أخبر به. فقال أبو بكر: فعلى ذلك. قال: إن علمي أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله. قال: يرحمك الله يا أبا عبد الله، لا تذكر مما ذكرت لك شيئا. قال: أفعل. فقال له أبو بكر: لو تركته ما عدوتك، وما أدري لعلي تاركه، والخيرة له أن لا يلي أمركم، ولوددت أنى أخلو من أمركم، وأني كنت فيمن مضى من سلفكم. ثم قال لعثمان: اكتب، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أما بعد، ثم أغمى عليه فذُهب به. فكتب عثمان: أما بعد، فقد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ولم آلكم خيرا. ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ عليّ. فقرأ عليه ذكر عمر، فكبَّر أبو بكر فقال: جزاك الله عن الاسلام خيرا، ثم رفع أبو بكر يديه فقال: اللهم وليته بغير أمر نبيك، ولم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به، وقد حضر من أمري ما قد حضر، فاجتهدت لهم الرأي فوليت عليهم خيرهم لهم وأقواهم عليه، وأحرصهم على رشدهم، ولم أرد محاباة عمر، فاجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدى نبي الرحمة، وهدى الصالحين بعده، وأصلح له رعيته. وكتب بهذا العهد إلى الشام، إلى أمراء الاجناد أن قد وليت عليكم خيركم ولم آل لنفسي ولا للمسلمين خيرا".
قُلتُ: أبو بكر يقول في دعائه "فوليت عليهم خيرهم" والترشيح ليس ولاية. ويقول في عهده "قد وليت عليكم خيركم" والولاية تأمير لا ترشيح.
والاستخلاف لا يتعارض مع كون السلطان للأمة والدليل على ذلك الاجماع والقياس، ومستند الإجماع ما يلي:
أ‌- الصحابة أجمعوا على بقاء الولاة والعمال على رأس عملهم بعد وفاة الخليفة الذي قلّدهم العمل، واستمرارهم في تنفيذ أوامره حتى يأتيهم جديد، فلا ينعزلون بموته.
ب‌- روى ابن سعد في الطبقات باسناد صححه الحافظ في الفتح عن ابن عمر قال: "دخل الرهط على عمر... فقال عمر: "أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل لكم صهيب ثلاث ليال ثم اجمعوا أمركم، فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه". فأطاع الصحابة أمر عمر هذا بعد موته وصلى بهم صهيب وأجمعوا أمرهم على بيعة عثمان في اليوم الثالث.
وأما القياس فإنه يجوز للوالد أن يعين وصيا على أولاده الصغار بعد موته. وتعيينه هذا نافذ، وعلى القاضي أن يمضيه، وكذلك الخليفة النائب عن الأمة في إجراء الأحكام له أن يستخلف، واستخلافه نافذ على الأمة.
وينبغي ان يُدقّق في أمر الإجماع بحيث يكون حق الخليفة في الاستخلاف في حدود ما فعله كل من أبي بكر وعمر، وهو ما أجمع عليه الصحابة. والمدقق يرى أن الشيخين م لم يستخلفا بناء على الهوى، ولا آثرا ذا قرابة، وإنما نظرا للمسلمين، ولم يألوا جهدًا، فأبو بكر من بني تيم واستخلف عمر من بني عدي. وعمر حصر الشورى في عثمان من بني أمية، وعلي من بني هاشم، وطلحة من بني تيم، والزبير من بني أسد بن عبد العزى، وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، وسعد بن أبي وقاص من بني زهرة أيضا. ورغم أن سعيد بن زيد من العشرة المبشرين بالجنة فإن عمر لم يشركه في الشورى لأنه من بني عدي.
وأما رواية الطبري عن ابن حميد أن أبا بكر قال للناس: "أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فإني والله ما ألوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة" يعني أنه ترك الأمر للناس, وهذا يدل على أن السلطان لهم, وأن استخلاف أبي بكر لعمر كان مجرد ترشيح ولم يكن تأميرا, هذه الرواية مردودة لما يلي:
أ‌- أنها رواية ضعيفة لضعف ابن حميد فهو مجروح جرحا مبين السبب، وهذا نوع من الجرح يقدم على التعديل. فلينظر ما قاله فيه علماء الجرح والتعديل.
ب‌- أنها تخالف الرواية الصحيحة عند أحمد السابقة عن قيس بن أبي حازم وفيها: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لِمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ فَوَاللَّهِ مَا أَلَوْتُكُمْ". ففي هذه الرواية الصحيحة يأمرهم بالسمع والطاعة، وفي الرواية الضعيفة يقول لهم "أترضون".
وبهذا يثبت أن الاستخلاف تأمير لا ترشيح، وهذا إجماع من الصحابة لا مجال لخلافه.

المسألة الحادية عشرة

هل يكون الذي بويع بيعة الخاصة أي بيعة الانعقاد خليفة واجب الطاعة؟ أم لا بد من بيعة الطاعة أي بيعة العامة حتى يكون كذلك؟


يصبح المبايع بيعة الخاصة واجب الطاعة بمجرد حصول هذه البيعة أي بيعة الانعقاد، فأبو بكر صار واجب الطاعة منذ أن بويع يوم الاثنين في السقيفة، وعمر صار خليفة واجب الطاعة منذ استخلفه أبو بكر في كتابه الذي قرأه مولاه على الناس، وعثمان أصبح خليفة واجب الطاعة منذ بايعه عبد الرحمن بن عوف عن نفسه ونيابة عن الأربعة الباقين لأن عمر أعطى الستة صلاحية عقد الخلافة لأحدهم. وكل هذا كان على مرأى ومسمع الصحابة فلم ينكروه فكان إجماعا على أن المبايع بيعة الانعقاد يصير بها واجب الطاعة. وفيما يلي مستند هذا الإجماع:
1. الطبري في تاريخه عن الوليد بن جميع الزهري قال: قال عمرو بن حرث لسعيد ابن زيد: أشهدت وفاة رسول الله ص؟ قال: نعم، قال: فمتى بويع أبو بكر؟ قال: يوم مات رسول الله ص، كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة.
قُلتُ: الجماعة لا تكون إلا على إمام واجب الطاعة. وهذا كان حال أبي بكر يوم توفي رسول الله ص أي يوم الاثنين. فبمجرد بيعة أبي بكر في السقيفة كانت الجماعة، ولو لم يكن الأمر كذلك لما قال سعيد بن زيد ما قال. فكلامه صريح في أن البيعة حصلت يوم الاثنين وبهذه البيعة كانت الجماعة. وهذا خبر من سعيد وليس رأيا له. فهو يخبر أن البيعة كانت يوم الاثنين، وأن الجماعة كانت بنفس البيعة، وعلّل الاسراع في البيعة بكراهية الصحابة أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة. ولو كانت الجماعة لم تحصل إلا يوم الثلاثاء بعد البيعة العامة على المنبر لما صحّ هذا الكلام، إذ يوم الثلاثاء تكون الجماعة قد تأخرت أكثر من يوم، وأيضا فإن سعيدا أخبر أنها كانت في اليوم الذي توفي فيه رسول الله ص لا في اليوم التالي.
2. ابن كثير في البداية والنهاية: وقال محمد بن إسحاق بن يسار: حدثني الزهري حدثني أنس بن مالك قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه لما هو أهله ثم قال: أيها الناس... وإن الله قد جمع أمركم على خيركم، صاحب رسول الله ص وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه. فبايع الناس أبا بكر بعد بيعة السقيفة... وهذا إسناد صحيح.
قُلتُ: قول عمر: "وإن الله قد جمع أمركم على خيركم" هذا القول المؤكد بإنّ يفيد أن الجماعة على أبي بكر قد كانت في اليوم السابق، ولو كانت لا تحصل إلا بعد بيعة الطاعة لما صحّ كلام عمر، فقد استعمل صيغة الماضي فقال: "قد جمع" ولو كانت لم تحصل يوم الاثنين وأنها لا تكون إلا بعد بيعة العامة لقال: "سيجمع". وهذا الكلام من عمر كان على مسمع من الصحابة وعلى المنبر، ويكفي وحده مستندا لهذا الاجماع.
3. أبو نعيم الأصبهاني في كتاب فضائل الخلفاء الأربعة وفي كتاب الإمامة والرد على الرافضة: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا خلاد بن يحيى ثنا هارون بن أبي إبراهيم عن عبد الله بن عبيد يعني ابن عمير قال: قال أبو بكر س: إني كنت أخاف أن أفوتكم بنفسي قبل أن أعهد إليكم، وإني قد أمرت عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فتخلف رجل من القوم فقال: ما تقول لربك ﻷ إذا لقيته وأنت تعلم من فظاظة عمر وغلظته ما تعلم؟ قال: أبربي تخوفونني؟! أقول له: اللهم أمرت عليهم خير أهلك.
قُلتُ: قول أبي بكر "أمّرتُ" بصيغة الماضي كان قبل بيعة الطاعة وهذا يعني أن عمر صار أميرا واجب الطاعة بمجرد استخلاف أبي بكر له دون حاجة إلى بيعة العامة. وقوله بعد ذلك: "فاسمعوا له وأطيعوا" تأكيد لهذا التأمير، فهو يخبرهم بأنه أمّره ويأمرهم بالسمع والطاعة له، ولم يكن عمر قد بويع بيعة الطاعة. وليس لهم أن يرفضوا بيعة الطاعة، فهم غير مختارين في هذه البيعة، بل عليهم أن يبايعوا الأمير الذي استخلفه أبو بكر.
4. أبو يوسف في كتاب الخراج وابن أبي شيبة في المصنف وهناد في الزهد وابن شبة في تاريخ المدينة المنورة واللفظ له: عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليامي قال: لما حضرت أبا بكر الوفاة بعث إلى عمر يستخلفه. فقال الناس: استخلف علينا فظا غليظا لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ، فماذا تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟ فقال أبو بكر: أتخوفوني بربي؟! أقول: يا رب أمّرت عليهم خير أهلك.
قلتُ: في هذه الرواية زيادة في القائلين، ففي رواية أبي نعيم: "فتخلف رجل من القوم فقال"، وفي رواية ابن شبة: "فقال الناس". وقول أبي بكر: "أمّرت" دليل على أن عمر صار أميرا بالاستخلاف وقبل بيعة الطاعة.
5. أحمد باسناد صححه أحمد شاكر وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ س وَبِيَدِهِ عَسِيبُ نَخْلٍ وَهُوَ يُجْلِسُ النَّاسَ يَقُولُ: اسْمَعُوا لِقَوْلِ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص، فَجَاءَ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ س يُقَالُ لَهُ شَدِيدٌ بِصَحِيفَةٍ فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ س اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لِمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ فَوَاللَّهِ مَا أَلَوْتُكُمْ. قَالَ قَيْسٌ: فَرَأَيْتُ عُمَرَ س بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ.
قُلتُ: قول أبي بكر: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لِمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ" يدل أن ما فيها واجب الطاعة قبل أن يبايعوه، بل هنالك فهم يحتمله النص أن ما فيها مبهم لا يعرفونه، وقد أمرهم أبو بكر بطاعته، وسواء عرفوا ما في الصحيفة أم لم يعرفوه فإنهم أمروا بطاعته قبل أن يبايعوه، وهذا يدل دلالة واضحة على أن بيعة الطاعة ليست شرطا في طاعة المستخلَف، بل هو أمير بالاستخلاف كما كان أبو بكر أميرا بمجرد بيعة الانعقاد.
وبهذه المستندات الخمسة يثبت أن من يبايع بيعة الانعقاد أو يُستخلف من الخليفة الذي سبقه هو خليفة واجب الطاعة قبل بيعة الطاعة. وهنا يثور سؤال وهو: إذا كان الأمر كذلك فما الفائدة من بيعة العامة وما المُراد منها؟ والجواب أن المراد من بيعة العامة هو إظهار الطاعة والانقياد لمن انعقدت له الخلافة، ولمعرفة من يبغي ويخرج عن الطاعة كما حصل زمن علي. والبغي لا يؤثر في بيعة الانعقاد، بل يكون المبايع خليفة وتجب مقاتلة البغاة حتى يفيئوا إلى الطاعة.

المسألة الثانية عشرة

هل يجوز خلع أمير الخاصة ومتى؟


أمير الخاصة كأمير الجيش أو السرية أو أمير الرفقة أو أمير الحزب يجوز خلعه إذا لم يمض لأمر من أمَّره. فأمير الجيش يؤمره الخليفة وكذلك أمير السرية. وأمير الرفقة تؤمره الرفقة. وأمير الحزب يؤمره أعضاء الحزب أو لجنة انتخاب الأمير. وهؤلاء الأمراء إذا لم يمضوا لأمر من أمَّرهم جاز للمأمورين خلعهم. بدليل ما رواه أبو داود وحسنه الألباني ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه أحمد وصححه الزين عن عقبة بن مالك قال: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص سَرِيَّةً، فَسَلَّحْتُ رَجُلًا سَيْفًا. قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا لَامَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ: "أَعَجَزْتُمْ إِذْ بَعَثْتُ رَجُلًا فَلَمْ يَمْضِ لِأَمْرِي أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لِأَمْرِي؟".
فإذا أمَّر الخليفة أميرا على جيش أو سرية وأمره أن يرابط في ثغر (أ)، فلم يمض لأمر الخليفة وذهب للرباط في الثغر (ب)، فإنه يكون عاصيا، ولا تجوز طاعته وعلى الجند في مثل هذه الحال أن يخلعوه ويجعلوا مكانه أميرا غيره لتنفيذ أمر الخليفة. وإذا انقسم الجيش إلى قسمين، قسم مع الأمير وقسم مع أمر الخليفة فالقسم الذي مع الأمير بغاة، ويعاملون معاملتهم.
وإذا أمّرت الرفقة أميرا في سفرهم لأداء العمرة فتوجه بهم إلى غير مكة للسياحة في بلد مجاور لبلدهم فإن لهم أن يخلعوه في الحال ويؤمروا مكانه من يقودهم إلى العمرة. وإن رضوا بما فعله الأمير الأول من تحويل وجهة سفرهم من مكة إلى مكان السياحة، ورضوا بما فعل، جاز لهم أن يبقوه أميرا، لأنه لم يوقعهم في معصية، بخلاف أمير الجيش أو السرية الذي خالف أمر الخليفة فإنه لا يحل لهم أن يتابعوه ويطيعوه.
وإذا أمّر أفراد الحزب أميرا لتحقيق غاية محددة بطريقة محددة، فغيّر الغاية بحيث صار الحزب غير مجزيء ولا مبريء للذمة، أو غيّر الطريقة بحيث صارت غير شرعية، ففي هاتين الصورتين عليهم أن يخلعوا الأمير، ويجعلوا مكانه أميرا يمضي إلى الغاية المجزئة بالطريقة الشرعية، لأنه أوقعهم في المعصية. مثال تغيير الغاية أن تكون غايتهم إقامة الخلافة على منهاج النبوة فيغيرها الأمير إلى تحسين أخلاقهم وأخلاق الناس أو إلى إقامة جمهورية إسلامية. ومثال تغيير الطريقة أن تكون الطريقة هي نفس طريقة محمد ص في إقامة الدولة، فيغير الأمير قطعيًا منها كإلغاء التثقيف بمبدأ الإسلام.

المسألة الثالثة عشرة

أيهما أفضل للمتفرغ لمصالح المسلمين، أن يأخذ تعويضا أم لا؟


المتفرغ لمصالح المسلمين إما أن يكون غنيًا عن التعويض أو أن يكون محتاجا إليه، وإن كان غنيًا عنه فلا يخلو من أن يشتغل بتنمية ماله أو لا يشتغل، مثال الحال الأولى أي أن يكون مشتغلاً بتنمية المال أو بالكسب كمن يشتغل برعي غنمه أو بالإشراف على تجاراته أو على عقاراته. ومثال الثانية أن يكون له عطاء من الدولة لا يشغله أو تقاعد، أو مال يعطيه مضاربة، أو ما يشبه هذا مما لا يشغل ذهن المتفرغ. فهذه أحوال ثلاث:
الأولى أن يكون محتاجا إلى التعويض فينبغي أن يأخذه ليتفرغ للمصلحة التي وُكلت إليه. ودليل ذلك إجماع الصحابة على تعويض أبي بكر من بيت المال ومنعه من مزاولة التجارة. روى ابن سعد في الطبقات بإسناد قال عنه الحافظ في الفتح مرسل رجاله ثقات، قال: أخبرنا عطاء بن السائب قال: "لما استخلف أبو بكر أصبح غاديًا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا، فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وماكسوه في الرأس والبطن. فقال عمر: إليّ القضاء، وقال أبو عبيدة: وإليّ الفيء. قال عمر: فلقد كان يأتي علي الشهر ما يختصم إلي فيه اثنان". وروى ابن سعد عن ميمون بن مهران قال: "لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين فقال: زيدوني فإن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة. قال: فزادوه خمسمائة. قال: إما أن تكون ألفين. فزادوه خمسمائة أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة".
ومستند هذا الاجماع أنه كان على مرأى ومسمع من الصحابة فلم ينكره منكر, بل إن رواية عطاء فيها: "ففرضوا، وماكسوه" بصيغة الجمع، لا بصيغة التثنية فاللذان لقياه عمر وأبو عبيدة ولو كان الفعل لهما وحدهما لقال: "ففرضا، وماكساه". وأيضا في رواية ميمون بن مهران ورد الخبر بصيغة الجمع، ففيها: "جعلوا، زيدوني، شغلتموني، فزادوه"، وهذا يدل على أن الفرض كان من مجموعة من الصحابة والذين لم يشهدوا لم ينكروا فكان إجماعا.
الحال الثانية أن يكون له مال يشغله عن رعاية المصلحة الموكولة إليه، فينبغي أن يفرغ نفسه لرعايتها، وأن يستأجر من يُنمي له المال، أو يوكل، فإن لم يفعل فعليه أن يترك التفرغ حتى لا يقصر في رعاية ما صار مؤتمنا عليه, أما إذا كان الإشراف على ماله لا يمنعه من رعاية المصلحة، وأمكنه القيام بالإشراف والرعاية جميعًا، دون أن يؤثر ذلك على أدائه لما أئتمن عليه، فإن له أن يجمع بين العملين، فيباح له أخذ التعويض.
الحال الثالثة: أن يكون له مال يكفيه ولا يشغله عن التفرغ مطلقا، لا كليًّا ولا جزئيًّا، فيندب له أخذ التعويض بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ ص يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا فَقُلْتُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ ص: "خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ -وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ- فَخُذْهُ وَمَالَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ". وما رواه البخاري أيضا عن عبد الله بن السعدي: أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِيَ مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالًا فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعُمَالَةَ كَرِهْتَهَا؟ فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا وَأَنَا بِخَيْرٍ وَأُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عُمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ عُمَرُ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الَّذِي أَرَدْتَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ ص: "خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ -وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ- فَخُذْهُ وَإِلَّا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ". ولما كان التعويض هو مال يفرضه صاحب الصلاحية من بيت المال للمتفرغ بحيث يكفيه ومن يعول، فإن أخذه أولى من أخذ العطاء دون مقابل، فعمر أمر السعدي بأن يأخذ عُمالته –بضم العين- أي أجرته بناء على أن الأجرة يُندب أخذها من باب أولى، وكذلك التعويض. فالعُمالة والتعويض يندب أخذهما من باب أولى، أي من العطاء. هذا إذا كانا يختلف معناهما عن العطاء المذكور في حديث عمر. وإن كانا نوعًا من العطاء أخذا حكمه.
ويُشكل هنا ما رواه الفاكهي في أخبار مكة والطبراني في الكبير بإسناد قال الهيثمي فيه يزيد بن أبي زياد وقد وُثق على ضعفه وبقية رجاله ثقات، عن عبد الرحمن بن سابط قال: "دعا عمر بن الخطاب سعيد بن عامر بن حذيم فقال: إني مستعملك على أرض كذا وكذا. قال: لا تفتني. قال: والله لا أدعك، قلدتموها في عنقي. قال عمر س: ألا نفرض لك؟ قال: قد جعل الله في عطاياي ما يكفيني دونه وفضلا على ما أريد. فكان عطاؤه إذا خرج ابتاع لأهله قوتهم وتصدق ببقيته..." الحديث.
والإشكال هنا أن عمر لم يُرشد سعيد بن عامر إلى ما أرشد إليه السعدي، ويمكن رفع هذا الإشكال بالقول إن حديث البخاري صحيح وحديث الطبراني فيه يزيد بن أبي زياد. وعلى فرض أنه يحتج به فإنه رأي لسعيد بن عامر، ولعل سعيد بن عامر كان يفهم من قوله ص: "خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ" أنه للإرشاد لا للندب، وهذا قول وصفه ابن حجر أنه الصحيح إذ قال: "وهو أمر إرشاد على الصحيح"، ويعارض هذا الفهم قول عمر في حديث السعدي: "لا تفعل"، ولو كان عمر يفهم أن الأمر في الحديث للإرشاد لا للندب لم يقل "لا تفعل"، والراجح أنه كان يفهم أنه للندب، فلما رفض سعيد بن عامر أن يفرض له قبل منه فهمه. هذا إذا كان حديث ابن سابط مما يُحتج به, وعلى كل حال فإنه لا يعارض الصحيح.

رد مع اقتباس
 
 
  #5  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: مسائل سلطانية : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة الرابعة عشرة

من هو المخول بالتفاوض عن المسلمين؟ أي من هو صاحب الصلاحية في تمثيلهم شرعا؟ ومتى يكونون ملزمين بما يبرمه من موادعات واتفاقيات؟ ومن هم الملزمون؟ وما هي حدود هذا الالتزام؟


المسلمون إما أن يكونوا جميعا وإما أن يكونوا متفرقين، أي أن يكون لهم جماعة على إمام أو أن يكونوا لا جماعة لهم ولا إمام.
ففي الحال الأولى عندما يكونون جميعا كما أمرهم الله ـ في قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103)، فالذي له صلاحية التفاوض وعقد الموادعات والاتفاقيات هو الإمام أو من ينيبه، والأدلة على ذلك الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب فقوله تعالى في سورة الأنفال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)}. ففي هذه الآيات أسند ـ المعاهدة والنبذ للرسول ص. وهذه الصلاحية تكون لخلفائه من بعده. وأيضا فإنه ـ يقول في نفس السورة: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)}، وهذا خطاب له ص ولخلفائه من بعده. فإن قيل إن الله ـ يقول في سورة التوبة: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1)}، ويقول في نفس السورة: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)}، ففي هاتين الآيتين أسند ـ العهد وإتمامه إلى المسلمين، وهذا يُشعر بوجود تعارض بين هاتين الآيتين والآيات السابقة، قيل: لا تعارض مطلقا، بل إن آيات التوبة تؤكد آيات الأنفال، إذ أن الله ـ اعتبر العهد من الرسول ص عهدًا من المسلمين، فقال ﻷ في الأنفال: {عَاهَدْتَ} وقال في التوبة: {عَاهَدْتُمْ}، فاعتبر عهده ص عهدا من كل المسلمين. ويُبيّن هذا تمام البيان ما سيأتي إن شاء الله تعالى في السنة، فإنه ص هو الذي كان يتولى إبرام العهود، وقوله ـ في التوبة: {عَاهَدْتُمْ} توكيد لهذا المعنى وهو أن إبرام المعاهدات من صلاحياته ص. ثم هي من صلاحيات خلفائه من بعده، والمسلمون ملزمون بما عاهد عليه رسول الله ص. إذ أنه ﻷ اعتبر عهده ص عهد المسلمين.
وأما الدليل من السنة فما رواه:
• البخاري عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ م قَالَ: صَالَحَ النَّبِيُّ ص الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ...
• البخاري: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيَّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ...
• البخاري عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ ص تَبُوكَ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ ص بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ.
• البخاري عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ س قَالَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ص فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
• البخاري في باب قصة نجران: عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: "لَا تَفْعَلْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَّا لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا". قَالَا: "إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا". فَقَالَ: "لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ". فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص، فَقَالَ: "قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ"، فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ".
وأما الاجماع فهذا مستنده:
• خليفة في تاريخه: حدثنا بكر عن ابن إسحاق قال: نا محمد بن طلحة بن ركانة عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: خرج أهل إيلياء إلى عمر فصالحوه على الجزية وفتحوها.
قُلتُ: كان صلح عمر لأهل إيلياء على مسمع ومرأى من الصحابة وانتشر خبره في كل من الحجاز والشام والصحابة فيهما متوافرون ولم ينكر عليه فكان إجماعا منهم على أن الخليفة يتولى إبرام عقود الصلح والموادعات.
أما مستند الإجماع على أن لأمرائه أن ينوبوا عنه في ذلك فأحداثه أكثر من أن تحصى، وسأحاول اختصار عقود الصلح التي أبرمها الأمراء في عهد الخلفاء الراشدين بالترتيب التاريخي:
• عهد أبي بكر الصديق:
o قال خليفة في تاريخه: سنة اثنتي عشرة: فيها بعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى أرض البصرة، وكانت تسمى أرض الهند. فحدثنا عون بن كهمس بن الحسن قال: نا عمران بن حدير قال نا رجل منا يقال له: مقاتل عن قطبة بن قتادة السدوسي قال: حمل علينا خالد بن الوليد في خيله فقلنا: إنا مسلمون، فتركنا وغزونا معه الأبلّة ففتحناها، حتى إنهم ليولغون كلابهم في آنية الذهب والفضة. قال علي بن محمد: صالحه أهل نهر المرة على اثني عشر ألف درهم وانصرف عنهم. قال علي بن محمد صالحته من رأس الفهرج إلى نهر المرة. الوليد بن هشام عن أبيه عن جده أن خالدا دخل ميسان فأصاب بها غنائم وسبايا من أهل القرى وصالحته طماهيج صاحبة نهر المرة... قال علي بن محمد وأبو عبيدة وأبو اليقظان وغيرهم: صالح ابن صلوتا على أليس وقرى السواد في صفر من سنة اثنتي عشرة على ألف دينار... وصالحه عبد المسيح بن بقيلة وإياس بن قبيصة الطائي على تسعين ألفا. ثم سار إلى الأنبار فصالحوه... سنة ثلاث عشرة:... قال ابن إسحاق: وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد فسار إلى الشام فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار فنزل على قناة بصرى، وقدم عليه يزيد بن أبي سفيان وأبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، فصالحت بصرى فكانت أول مدائن الشام فتحت. وصالح خالد في وجهه ذلك أهل تدمر.
o أبو يوسف في كتاب الخراج: وحَدَّثَنِي محمد بن إسحاق وغيره من أهل العلم بالفتوح والسير، بعضهم يزيد فِي الحديث عَلَى بعض، قالوا: لما قدم خالد بن الوليد من اليمامة دخل عَلَى أبي بكر الصديق س وخرج فأقام أياما ثم قال له أبو بكر: تهيأ حتى تخرج إِلَى العراق، فوجهه أبو بكر إلى العراق... ومعه خمسة آلاف أو أقل أو أكثر... فانتهوا إلى المغيثة... وفتح الحصن وقتل من فيه من المقاتلة وسبى النساء والذراري وأخذ جميع ما كان فيه من السلاح والمتاع والدواب وهدم الحصن. ثُمَّ مضى حَتَّى انتهى إِلَى العذيب وفيه حصن فيه مسلحة لكسرى فواقعهم خالد فقتلهم وأخذ ما كان فِي الحصن من متاع وسلاح ودواب وهدم الحصن وضرب أعناق الرجال وسبى النساء والذراري. فعزل الخمس مما فتح الله عليه وقسم الأربعة أخماس بين أصحابه الذين افتتحوه. فلما رأى ذلك أهل القادسية طلبوا الصلح وأعطوه الجزية... ثم بعث طليعة لَهُ إِلَى أهل أُلَّيس وفيها حصن فيه رجال لكسرى مسلحة، فحاصرهم وفتح الحصن وأخرج من فيه من الرجال وضرب أعناقهم وسبى نساءهم وذراريهم وأخذ ما كان فيه من المتاع والسلاح وهدم الحصن وأحرقه. فلما رأى أهل أُلّيس ما صنع خالد بأهل الحصن طلبوا منه الصلح عَلَى أداء الجزية، فأعطاهم فأدوا إليه الجزية... ثم مضى إِلَى الحيرة... فقَالَ له إياس بن قبيصة :ما لنا فِي حربك من حاجة وما نريد أن ندخل معك فِي دينك، نقيم عَلَى ديننا ونعطيك الجزية. وصالحه عَلَى تسعين ألفا وكتب بينهم هذا الكتاب: "بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، هذا كتاب من خالد بن الوليد لأهل الحيرة، إن خليفة رَسُوْل اللهِ ص أبا بكر الصديق س أمرني أن أسير بعد منصرفي من أهل اليمامة إِلَى أهل العراق... فعرضت عليهم الجزية أو الحرب فقالوا: لا حاجة لنا بحربك ولكن صالحنا عَلَى ما صالحت عليه غيرنا من أهل الكتاب... ثُمَّ إن خالدا مضى إلى قرية أسفل الفرات يقال لها بانقيا... فلما رأى أهل بانقيا ذلك طلبوا الصلح منه على أداء الجزية. فكان الذي ولي الصلح منهم هانئ بن جابر الطائي فصالحه عنهم على ثمانين ألفا... ثم بعث جرير بن عبد الله إِلَى قرية بالسواد، فلما اقحم جرير بالفرات ليعبر إِلَى أهل القرية ناداه دهقانها صلوبا: لا تعبر، أنا أعبر إليك، فعبر إليه، فصالحه عَلَى مثل ما صالحه عليه أهل بانقيا وأعطاه الجزية. وصالحه أهل باروسما وما حولها من القرى عَلَى ما صالحه عليه أهل الحيرة... ثم بعث سعد بن عمرو الأنصاري فِي جمع من المسلمين حَتَّى انتهى إِلَى صندودا وفيها قوم من كندة ومن إياد نصارى، فحاصرهم أشد الحصار ثُمَّ صالحهم عَلَى جزية يؤدونها إليه... ثم مضى من بلاد تغلب ومعه أدلاء من أهلها حَتَّى أتى النقيب والكواثل، فلقي جمعا كثيرا لم ير مثله فاقتتلوا قتالا شديدا حَتَّى قتل خالد عدة بيده، فأغار عَلَى ما حولها من القرى فأخذ أموالهم وما كان لهم وحاصرهم، فلما اشتد الحصار عليهم طلبوا الصلح عَلَى مثل ما صالح عليه أهل عانات. و قد كان مر ببلاد عانات فخرج إليه بطريقها فطلب الصلح فصالحه وأعطاه ما أراد... ثم مضى حَتَّى أتى بلاد قرقيسياء فأغار عَلَى ما حولها فأخذ الأموال وسبى النساء والصبيان وقتل الرجال وحاصر أهلها أياما، ثم إنهم بعثوا يطلبون الصلح فأجابهم إِلَى ذلك وأعطاهم مثل ما أعطى أهل عانات.
o أبو عبيد في الأموال: حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا السري بن يحيى حدثنا حميد بن هلال أن رجلا من بني شيبان أتى رسول الله ص فقال: اكتب لي بابنة بقيلة عظيم الحيرة فقال: "يا فلان أترجو أن يفتحها الله لنا؟" فقال: والذي بعثك بالحق ليفتحنها الله لنا، قال: فكتب له بها في أديم أحمر فقال: فغزاهم خالد بن الوليد بعد وفاة رسول الله ص، وخرج معه ذلك الشيباني، قال: فصالح أهل الحيرة، ولم يقاتلوا...
• عهد عمر بن الخطاب:
o أحمد باسناد صححه الزين وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح، ولفظ إحدى الطريقين عند أحمد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْفَيْضِ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَسِيرُ بِأَرْضِ الرُّومِ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ أَمَدٌ فَأَرَادَ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُمْ فَإِذَا انْقَضَى الْأَمَدُ غَزَاهُمْ، فَإِذَا شَيْخٌ عَلَى دَابَّةٍ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحِلَّنَّ عُقْدَةً وَلَا يَشُدَّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ". فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَرَجَعَ وَإِذَا الشَّيْخُ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ.
o أبو عبيد في الأموال: وحدثني هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش أن حبيب بن مسلمة الفهري صالح أهل جرزان وبلاد أرمينية على أن عليهم إنزال الجيش من حلال طعام أهل الكتاب.
o أبو عبيد في الأموال: وحدثني هشام بن عمار عن الهيثم بن عمار العنسي قال: سمعت جدي عبد الله بن أبي عبد الله يقول: لما ولي عمر بن الخطاب زار أهل الشام فنزل الجابية وأرسل رجلا من جديلة إلى بيت المقدس فافتتحها صلحا ثم جاء عمر...
o أبو عبيد في الأموال: حدثنا كثير بن هشام قال: حدثنا جعفر بن برقان عن المعمر بن صالح عن العلاء بن أبي عائشة قال: كتب إلي عمر بن عبد العزيز: أن سل أهل الرها: هل عندهم صلح؟ قال: فسألتهم، فأتاني أسقفهم بدرج أو حق فيه كتاب صلحهم، فإذا في الكتاب: هذا كتاب من عياض بن غنم ومن معه من المسلمين لأهل الرها: أني أمنتهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم ومدينتهم وطواحينهم إذا أدوا الحق الذي عليهم، شهد الله وملائكته. قال: فأجازه لهم عمر بن عبد العزيز. قال أبو عبيد: وفي غير حديث كثير بن هشام: أن عياضا لما صالح أهل الرها دخل سائر أهل الجزيرة فيما دخل فيه أهل الرها من الصلح.
o قال أبو عبيد: حدثني أحمد بن الأزرق من أهل إرمينية قال: قرأت كتاب حبيب بن مسلمة، أو قرئ وأنا أنظر إليه في مصالحة أهل تفليس، فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لأهل طفليس...".
o خليفة في تاريخه: سنة أربع عشرة فيها فتحت دمشق... حدثنا عبد الله بن المغيرة عن أبيه قال: صالحهم أبو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رؤوسهم... قال ابن إسحاق وغيره: وفيها يعنون سنة أربع عشرة فتحت حمص وبعلبك صلحا... سنة خمس عشرة: حدثني عبد الله بن المغيرة عن أبيه قال: افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلها عنوة ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيدة... سنة ست عشرة: حدثني الوليد بن هشام عن أبيه عن جده قال: سار المغيرة إلى الأهواز فصالحه البروان على ألفي ألف درهم وثمان مائة ألف وتسعين ألفا ثم غزاهم الأشعري بعد. وفي هذه السنة افتتحت حلب وأنطاكية ومنبج. فحدثني عبد الله بن المغيرة قال: حدثني أبي أن أبا عبيدة بعث عمرو بن العاصي بعد فراغه من اليرموك إلى قنسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية... وحدثني حاتم بن مسلم... سنة سبع عشرة:... ثم رجع المسلمون إلى المدائن، وجاء أهل الطساسيج إلى سعد فصالحوه وأقرهم في بلادهم... سنة ثمان عشرة:... وحدثني حاتم بن مسلم: أن أبا موسى الأشعري افتتح الرها وسميساط صلحا... ويقال: وجه أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى قد افتتح الرها وسميساط، فوجه خالد أبا موسى وعياضا إلى حران فصالحا أهلها، ثم مضى خالد إلى نصيبين فافتتحها، ثم رجع إلى آمد فافتتحها صلحا... وفيها افتتح جندي سابور والسوس صلحا، صالحهم أبو موسى... سنة اثنتين وعشرين: قال أبو عبيدة: مضى حذيفة بن اليمان بعد نهاوند إلى مدينة نهاوند، فصالحه دينار على ثماني مائة ألف درهم في كل سنة... وفيها افتتح عمرو بن العاصي إطرابلس صلحا.
• عهد عثمان بن عفان:
o أبو عبيد في الأموال: حدثنا هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم قال: حدثني صفوان بن عمرو وغيره أن معاوية غزا قبرس بنفسه ونفر من أصحاب رسول الله ص فيهم أبو ذر وأبو الدرداء وشداد بن أوس والمقداد بن الأسود، ومن التابعين كعب الأحبار وجبير بن نفير. قال: فقفل منها وقد فتح الله لهم فتحا عظيما وغنمهم غنائم كثيرة ثم لم يزل المسلمون يغزونهم حتى صالحهم معاوية في ولايته صلحا دائما على سبعة آلاف دينار وعلى النصيحة للمسلمين وإنذارهم مسير عدوهم من الروم إليهم. هذا أو نحوه.
o خليفة في تاريخه: سنة ست وعشرين فيها فتحت سابور، وأميرها عثمان بن أبي العاصي الثقفي. الوليد بن هشام عن أبيه عن جده: أن عثمان بن أبي العاصي صالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلاث مائة ألف وزن سبعة... سنة سبع وعشرين: فيها فتحت أرمان ودرأبجرد علي بن محمد عن مسلمة بن محارب عن داود بن أبي هند قال: صالح عثمان ابن أبي العاصي وأبو موسى الأشعري أهل إرمان سنة سبع وعشرين على ألفي ألف ومائتي ألف، وصالح أهل درأبجرد على ألفي ألف ومائتي ألف... وفيها عزل عثمان بن عفان عمرو بن العاصي عن مصر وولاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فغزا ابن أبي سرح افريقية ومعه العبادلة: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير. فلقي جرجير، وجرجير في مائتي ألف بسبيطلة على سبعين ميلا من القيروان فقتل جرجير وسبوا وغنموا أهل القصور والمدائن فصالحوه على مائتي ألف رطل ذهبا... سنة ثمان وعشرين:... قال الوليد عن أبيه عن جده عن الحسن قال: غزا ابن عامر وعلى مقدمته عبد الله بن بديل الخزاعي، فأتى أصفهان وخلف على البصرة فصالحوه على أن يؤدوا إليه كما يؤدي أهل فارس... قال أبو خالد: قال أبو البراء: غزا سلمان البيلقان فصالحوه، ثم أتى برذعة فصالحوه واستولى عليها، وبعث صاحبه خيله إلى جرزان فصالحوه، ومضى سلمان إلى حيزان فصالحوه، ثم انتهى إلى مسقط فصالحه أهلها... قال أبو الحسن:... ثم سار ابن عامر يريد خراسان... وحاصر مدينة زرنج فصالحوه على ألف وصيف، مع كل وصيف جام من ذهب... وافتتح ابن عامر أبرسهر صلحا ويقال عنوة. وبعث ابن عامر أمين بن أحمر اليشكري فافتتح طوس وما حولها، وصالح من جاء من أهل سرخس على مائة ألف وخمسين ألفا... وبعث أهل مرو يطلبون الصلح فصالحهم ابن عامر على ألفي ألف ومائتي ألف... ثم سار الأحنف من مرو الروذ إلى بلخ وصالحوه على أربع مائة ألف....
وبهذا يثبت بشكل قاطع أن أمراء الجيوش كانوا ينوبون عن الإمام في المفاوضات وعقد الصلح، وأن هذا الفعل من الصحابة كان إجماعا قاطعا.
أما في الحال الثانية وهي الحال التي يكون المسلمون فيها متفرقين على غير جماعة ولا إمام كما هي حالهم اليوم حيث يحكمهم أمراء الفرقة الصبيان السفهاء الصغار، وحيث توجد منهم التنظيمات العسكرية منها والسياسية بنوعيها المخلص والعميل، فإنه لا يمثل المسلمين أحد، لا من الصبيان ولا من قادة التنظيمات. فالعملاء أمرهم أوضح من أن ننشغل به، إذ أنهم قطعا يفاوضون ويقاتلون لتنفيذ مخططات الكفر، وهذا العمل غير مقبول منهم، وهم آثمون في فعله لا شك في ذلك، ولا يخطر ببال مسلم أن يمثلوه في مفاوضات أو عهود أو اتفاقيات، إلا أن يكون ممن تبعهم على ذلك وكثر سوادهم فإنه منهم، إلا أن ينجيه جهله بواقعهم أو بالحكم الشرعي. وأما التنظيمات المخلصة التي لها قادة وأمراء فإنها لا يجوز لها أن تتكلم باسم المسلمين عامة، وأمراؤها إن يمثلون إلا من تبعهم. والدليل على ذلك أن الذي يمثل المسلمين هو الإمام أو من ينيبه الإمام، وحيث لا إمام فلا يوجد نائب، ولا يمكن أن يوجد النائب قبل من هو نائب عنه، وهذا بحث عقلي أي بحث في الواقع. وفوق هذا فإن رسول الله ص عيّن الولاة بعد أن أقام الدولة في المدينة لا قبل إقامتها. فالمخلصون يمثلون أنفسهم وأتباعهم فقط، وأقصى ما يقال فيهم أنهم أمراء متغلبون في بقعة من الأرض، أما أن يمثلوا المسلمين كافة فلا سبيل إلى ذلك.
وأمراء الفرقة الصبيان الذين لا يقتدون بهديه ص ولا يستنون بسنته فقد نهينا عن الدخول عليهم وأمرنا باعتزالهم. ففي حديث أبي سعيد الخدري الصحيح عند أحمد عن النبي ص قال: "فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ"، وفي حديث جابر الصحيح عند أحمد أن رسول الله ص قال: "يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ" قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أُمَرَاءٌ سَيَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِحَدِيثِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ..."، ففي هذين الحديثين نهينا عن الدخول عليهم. وفي حديث حذيفة المتفق عليه أمرنا باعتزالهم في قوله ص: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ"، قاله جوابا لحذيفة عندما سأله فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام. وأيضا فإن هؤلاء الأمراء لا يزعمون أنهم يمثلون المسلمين، فكل واحد منهم يمثل قطعة الأرض التي تسلط على أهلها بمساندة من الكفار الذين عينوه، ولذلك فإنهم يلجأون أحيانا إلى الجامعة العربية أو المؤتمر الإسلامي وأشباههما من الكيانات التي أنشأها الكفار لخدمة مصالحهم.
فإن قال مخلص أو عميل إن صلاح الدين الأيوبي قد وقع صلح الرملة مع الصليبيين ولم يكن إماما ولا نائبا عن الإمام. قيل إن صلاح الدين كان واليا من قبل الخليفة العباسي. روى أبو شامة في كتاب الروضتين قال: "وكتب الفاضل عن السلطان إلى الديوان ببغداد: ورد إلى الخادم التقليد الشريف بولاية آمد..."، وفي نفس المصدر روى أبو شامة نص كتاب من صلاح الدين للديوان العزيز ببغداد يستأذنه في فتح بيت المقدس وفيه: "وعلمنا أن البيت المقدس إن لم تتيسرّ الأسباب لفتحه، وأمر الكُفر إن لم يُجرد العزم في قلعه، وإلا نبتت عروقه، واتسعت على أهل الدين خُروقه؛ وكانت الحجة لله قائمة، وهمم القادرين بالقعود آثمة. وإنا لانتمكن بمصر منه مع بعد المسافة، وانقطاع العمارة، وكلال الدواب التي بها على الجهاد القوة، وإذا جاورناه كانت المصلحة بادية..."، فصلاح الدين كان واليا يتصرف نيابة عن الخليفة، فلا وجه للاحتجاج في فعله لأحد في هذه الأيام التي ليس فيها إمام ولا من ينوب عنه.
فإن قيل إن ولاة رسول الله ص وعماله ظلوا على رأس عملهم بعد موته، وكذلك ولاة وعمال خلفائه، كان أحدهم يستمر في عمله حتى يأتيه جديد من الخليفة الجديد، إما أن يقره على عمله أو يعزله. وقد تطول هذه الفترة أو تقصر حسب المكان الذي فيه الأمير أو الوالي أو العامل. وهذا يثبت أنهم كانوا يتصرفون في فترة ما دون أن يكونوا نوابا عن أحد. قيل في الجواب: صحيح إنهم كانوا يستمرون في أعمالهم، ولكن بأمر رسول الله ص أو أمر الخليفة الميت. وقد أجمع الصحابة على إنفاذ أوامره ص وأوامر خلفائه وهذا أمر مستفيض لا ينكر. فعندما فهم عتاب أنه انعزل بموته ص وترك عمله ردّه الصحابة إلى عمله واليا على مكة. وعندما ولي أبو بكر أنفذ بعث أسامة، وظل عثمان بن أبي العاص واليا على الطائف بعد وفاته ص خلافة أبي بكر وسنتين من خلافة عمر. قال الماوردي في الحاوي: "قَدْ قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهُ ص عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ قَضَاءَ مَكَّةَ وَصَدَقَاتِ أَهْلِهَا. فَلَمَّا مَاتَ اخْتَبَأَ عَتَّابٌ وَامْتَنَعَ مِنَ الْقَضَاءِ فَأَظْهَرَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَقَالَ: إِنْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ص قَدْ مَاتَ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ بَاقُونَ، فَعَادَ عَتَّابٌ إِلَى نَظَرِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إِجْمَاعًا". وقال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة عثمان بن أبي العاص: "استعمله رسول الله ص على الطائف فلم يزل عليها حياة رسول الله ص وخلافة أبي بكر س وسنتين من خلافة عمر س".
وعليه فإنه ليس لأحد أن يمثل المسلمين غير الخليفة أو من يكلفه الخليفة بذلك وإن فعل ذلك عميل فإنه لا يمثّل إلا نفسه، لأن تمثيله للناس غير حقيقي، فهو لا يمثل أتباعه المنتفعين من السير في ركابه، والذي يربطهم به فقط هو الهوى والمصلحة, فحتى أتباعه فإنهم غير ملزمين باتفاقياته. وأما إن فاوض مخلص أو عقد صلحا أو عاهد عهدا فإنه يمثل أتباعه فقط ولا يمثل المسلمين. والذي يوقع المخلصين في هذا المأزق هو تركهم لطريقة رسول الله ص في إقامته الخلافة، فإنه ص لم يُقم الدولة بالجهاد والقتال. وإنما فُرض الجهاد بعد إقامتها. أما ما يسمى بقتال الدفع إذا دهم العدو بلدا فلا حاجة لإذن أحد في دفعه، سواء كان في الأرض خليفة أم لا، وسواء أذن أو لم يأذن.

المسألة الخامسة عشرة

ما هو حكم القتال الذي لا نكاية فيه؟


قتال المسلمين لاعدائهم الذي لا نكاية فيه حرام وذلك باتفاق العلماء. قال القرافي في الذخيرة: "قال إمام الحرمين من الشافعية: إذا تيقن المسلمون أنهم لا يؤثرون شيئا البتة وأنهم يُقتلون من غير نكاية العدو ولا أثر أصلا وجبت الهزيمة من غير خلاف بين العلماء وهو متجه" انتهى كلام القرافي. وإذا وجبت الهزيمة فقد حرم القتال، والذي يحصل اليوم في بعض بلدان المسلمين أنهم يُقتلون دون أن ينكأوا العدو، يعني أن النكاية فيهم، ففي مثل هذا الوضع يحرم القتال دون إيجاب الهزيمة، فإن العدو يرضى أحيانا من المسلمين بالقعود، فإذا لم يقاتلهم ليخرجهم ورضي منهم بالقعود والعيش تحت سلطانه حرم عليهم القتال، وفي خروجهم وهجرتهم أحكام الهجرة المعروفة، لا بمعنى الانتقال إلى دار الإسلام لأنها غير موجودة، وإنما بمعنى الانتقال إلى مكان آمن كالحبشة، فقد سُميت هجرة وإن لم تكن دار إسلام.
وأما إذا كان المسلمون ينكأون العدو كما يحصل في بعض البلدان فالقتال واجب لدفع العدو، وهو فرض عين. والذي يهمنا هنا الإجابة على السؤال فقط، لا بيان أحكام القتال المختلفة. وهو حكم القتال الذي لا نكاية فيه للعدو بل النكاية للمسلمين.
ومن القائلين بهذا الرأي أي بوجوب الفرار:
• النووي في الروضة قال: "وقال الامام: إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية، وجب الفرار قطعا، وإن كان فيه نكاية فوجهان. قلت: هذا الذي قاله الامام هو الحق، وأصح الوجهين، أنه لا يجب، لكن يستحب، والله أعلم". انتهى كلام النووي، فالإمام والنووي رأيهما أن الفرار واجب إذا لم تكن نكاية.
• العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: "المثال الأربعون: التولي يوم الزحف مفسدة كبيرة لكنه واجب إذا علم أنه يُقتل من غير نكاية في الكفار".
وهناك من لم يُصرّح بوجوب الفرار أو التولي منهم بل عبّر بألفاظ أخرى، منهم:
• محمد بن الحسن في السير الكبير: "إن رجلاً لو حمل على ألف رجل وهو وحده لم يكن بذلك بأس، إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية، فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية، فإني أكره له ذلك، لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين". وتعريض النفس للتلف من غير منفعة لا أظن أنه مجرد مكروه, وإنما كانوا يتورعون عن إطلاق لفظ الحرام حتى لا يقع أحدهم في الذم أو احتمال الذم. قال الرازي في المحصول: "المحظور: وكثيرا ما يقول الشافعي : أكره كذا وهو يريد به التحريم".
ويمكن الاستدلال لتحريم القتال وايجاب الهزيمة والتولي بما يلي:
• قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (النساء:29)، والذي لا يولي إذا كان لا يطمع في نجاة أو نكاية، يعرض نفسه للقتل من غير منفعة للمسلمين يكون متسببا أو مُعينا على قتل نفسه من غير نكاية أو منفعة. فإن كانت هناك نكاية أو منفعة جاز، وذلك كفعل الأنصار السبعة الذين قُتلوا في أُحد وهم يدفعون عن رسول الله ص مع علمهم بأنهم سيقتلون. روى مسلم عن أنس بن مالك: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ: "مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟" فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا فَقَالَ: "مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟" فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِصَاحِبَيْهِ: "مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا".
• قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة:195) على رأي من يقول أن معناها التقحم في القتال من غير نكاية. قال الماوردي في النكت والعيون: "أبو القاسم البلخي: التقحم في القتال من غير نكاية في العدو"، وذكر الزمخشري في الكشاف أن من معاني الآية: "أو عن الاستقتال والاخطار بالنفس".
• قاعدة "الممنوع إذا جاز وجب"، ومن المعلوم أن التولي يوم الزحف من غير عذر حرام، بل هو من الكبائر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ | وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (الانفال:15-16)، وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه أن رسول الله ص قال: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "... وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ...".
وهذا التولي مدحه ص في حديث ابن عمر عند الشافعي في الأم قال: "عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله ص في سرية فلقوا العدو فحاص الناس حيصة، فأتينا المدينة وفتحنا بابها فقلنا يا رسول الله: نحن الفرارون. قال: "أنتم العكارون وأنا فئتكم""، ففرار الصحابة هنا يُحمل على أنهم فروا لما رأوا أنهم لا نكاية لهم بالعدو، بل ربما كانت النكاية فيهم، فمدحهم ص بقوله: "أنتم العكارون"، ولذلك قال الشافعي في الأم قبل ذكر هذا الحديث: "وإذا غزا القوم فذهبت دوابهم لم يكن لهم عذر بأن يولوا، وإن ذهب السلاح والدواب وكانوا يجدون شيئا يدفعون به من حجارة أو خشب أو غيرها فكذلك. وإن لم يجدوا من هذا شيئا فأحب إلى أن يولوا فإن فعلوا أحببت أن يجمعوا مع الفعل على أن يكونوا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة..."، فإذا وصل المسلمون إلى مثل هذا الوضع، أي أنهم لا نكاية لهم في العدو، لا يؤثرون فيه ولا نفع للمسلمين من الثبات وأن النكاية فيهم فقط وأنهم يُقتلون من غير نكاية صار التولي واجبا بناء على قاعدة "الممنوع إذا جاز وجب".
• قاعدة "الوسيلة إلى الحرام محرمة". والقتال الذي لا ينكأ العدو نوعان: نوع يقوم به مخلصون، بقيادة مخلصة، ولكنهم يعجزون عن النكاية في عدوهم، وينعكس الأمر عليهم فتكون النكاية فيهم، وهنا يجب التولي. ونوع لا ينكأ العدو بل ينكأ المسلمين وبالإضافة إلى ذلك يكون وسيلة لتنفيذ مخططات الكفار في هذه الأيام.


المسألة السادسة عشرة

هل كان راشد السلمي على المظالم في قومه زمن رسول الله ص؟


ورد في العقد الفريد ما يلي:
"حديث راشد بن عبد ربه السلمي: عبد الله بن الحكم الواسطي عن بعض أشياخ أهل الشام قال قال: استعمل رسول الله ص أبا سفيان بن حرب على نجران، فولاه الصلاة والحرب، ووجه راشد بن عبد ربه أميراً على القضاء والمظالم. فقال راشد بن عبد ربه:
صحا القلب عن سلمى وأقصر شأوه
وردت عليه ما نفته تماضر

وحكمه شيب القذال عن الصبا
وللشيب عن بعض الغواية زاجر

فأقصر جهلي اليوم وارتد باطلي
عن الجهل لما ابيض مني الغدائر

على أنه قد هاجه بعد صحوة
بمعرض ذي الآجام عيس بواكر

ولما دنت من جانب الغوط أخصبت
وحلت ولاقاها سليم وعامر

وخبرها الركبان أن ليس بينها
وبين قرى بصرى ونجران كافر

فألقت عصاها واستقرت بها النوى
كما قر عيناً بالإياب المسافر

"
هذه الرواية لم أجدها في غير العقد الفريد، وهي ضعيفة لجهالة بعض أشياخ أهل الشام. والذي وجدته في كتب الرجال والسّير أن رسول الله ص "عقد له على قومه". ويقال أن اسمه راشد بن عبد الله.
وروى الدارقطني في السنن عن عائشة قالت: (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَبَا سُفْيَانَ عَلَى نَجْرَانَ الْيَمَنِ عَلَى صَلاَتِهَا وَحَرْبِهَا وَصَدَقَاتِهَا، وَبَعَثَ مَعَهُ رَاشِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ إِذَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ: "رَاشِدٌ خَيْرٌ مِنْ سُلَيْمٍ وَأَبُو سُفْيَانَ خَيْرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ". قَالَ: وَكَانَ فِيمَا عَهِدَ إِلَى أَبِى سُفْيَانَ أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَقَالَ "لاَ يُطَلِّقُ رَجُلٌ مَا لَمْ يَنْكِحْ وَلاَ يَعْتِقُ مَا لاَ يَمْلِكُ وَلاَ نَذْرَ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ"). وهذا الحديث في إسناده معمر بن بكار، قال الحافظ عنه: "ليس بحافظ". ثم إن الحديث ليس فيه ذكر المظالم ولا القضاء.


المسألة السابعة عشرة

هل خرج الصحابة من دار الأرقم في صفين مع رسول الله ص في أحدها حمزة وفي الآخر عمر حتى دخلوا المسجد الحرام؟


الحديث المروي في هذه الحادثة ضعيف, قال الذهبي في سير أعلام النبلاء تحت عنوان سبب تسمية عمر بن الخطاب بالفاروق: "ويروى عن ابن عباس بإسناد ضعيف قال: سألت عمر ..." وهذا الخبر أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه, قال الحافظ في الإصابة: " وأخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه بسند فيه اسحق بن أبي فروة عن ابن عباس أنه سأل عمر عن إسلامه ...".
وأخرج هذا الخبر عن طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة المذكور كل من أبي نعيم في الدلائل وابن عساكر في تاريخ دمشق, وفي إسنادهما أيضا اسحق بن أبي فروة وفيه عندهما كليهما: "فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر...".
ومما قالوه في اسحق بن أبي فروة كما ورد في تهذيب الكمال للحافظ المزي:
• ابن سعد: وكان إسحاق كثير الحديث، يروي أحاديث منكرة، ولا يحتجون بحديثه.
• الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروة، ما أجراك على الله ؟ ألا تسند أحاديثك، تحدثنا بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة.
• محمد بن عاصم: حججت ومالك حي، فلم أر أهل المدينة يشكون أن إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة متهم؟ قلت له: فيما ذا؟ قال: في الاسلام، وفي رواية: على الدين.
• وقال البخاري: تركوه.
• أحمد بن حنبل: لا تحل عندي الرواية عن إسحاق بن أبي فروة، وفي رواية: ما هو بأهل أن يحمل عنه ولا يروى عنه.
• يحيى بن معين: حديثه ليس بذاك,وفي موضع آخر: لا يكتب حديثه ليس بشئ, وفي رواية: ضعيف, وفي رواية: ليس بثقة, وفي رواية: كذّاب.
• ابن المديني: منكر الحديث.
• ابن عمار: ضعيف ذاهب.
• عمرو بن علي: متروك الحديث.
• أبو زرعة: متروك الحديث, وزاد ذاهب الحديث.
• أبو حاتم: متروك الحديث.
• النسائي: متروك الحديث,وقال في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.
• ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه.
• الدارقطني: متروك.
• البرقاني: متروك.
• ابن عدي: بين الأمر في الضعفاء.
• البزار: ضعيف.
• وذكره ابن الجارود والعقيلي والدولابي وأبو العرب والساجي وابن شاهين في الضعفاء وزاد الساجي ضعيف الحديث ليس بحجة.
• وقال أبو حاتم بن حبان في الضعفاء: يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل.
فهذا الخبر مردود رواية ولا يحتج به.

المسألة الثامنة عشرة

هل عرض عبد الرحمن بن عوف الخلافة على علي قبل عثمان


روى الطبري في تاريخه قال:
وَأَمَّا الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عِنْدَنَا عَنْهُ مَا حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عبد العزيز ابن أَبِي ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أبيه عن المسور بن مخرمة... ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ عَنْكُمَا وَعَنْ غَيْرِكُمَا فَلَمْ أَجِدِ النَّاسَ يَعْدِلُونَ بِكُمَا... ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ سَأَلْتُكُمْ سِرًّا وَجَهْرًا عَنْ إِمَامِكُمْ فَلَمْ أَجِدْكُمْ تَعْدِلُونَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: إِمَّا عَلِيٌّ وَإِمَّا عُثْمَانُ، فَقُمْ إِلَيَّ يَا عَلِيُّ. فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَوَقَفَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ فَأَخَذَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِيَدِهِ فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبَايِعِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لا، وَلَكِنْ عَلَى جَهْدِي مِنْ ذَلِكَ وَطَاقَتِي. قَالَ: فَأَرْسَلَ يَدَهُ ثُمَّ نَادَى: قُمْ إِلَيَّ يَا عُثْمَانُ. فَأَخَذَ بِيَدِهِ -وَهُوَ فِي مَوْقِفِ عَلِيٍّ الَّذِي كَانَ فِيهِ- فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبَايِعِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى سَقْفِ الْمَسْجِدِ وَيَدُهُ فِي يَدِ عُثْمَانَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اسْمَعْ وَاشْهَدِ، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ مَا فِي رَقَبَتِي مِنْ ذَاكَ فِي رَقَبَةِ عُثْمَانَ قَالَ: وَازْدَحَمَ النَّاسُ يُبَايِعُونَ عُثْمَانَ حَتَّى غَشَوْهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَقَعَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَقْعَدَ النَّبِيِّ ص مِنَ الْمِنْبَرِ وَأَقْعَدَ عُثْمَانَ عَلَى الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ فَجَعَلَ النَّاسُ يُبَايِعُونَهُ، وَتَلَكَّأَ عَلِيٌّ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}. فَرَجَعَ عَلِيٌّ يَشُقُّ النَّاسَ حَتَّى بَايَعَ وَهُوَ يقول: خُدْعَةٌ وَأَيُّمَا خُدْعَةٌ! قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَإِنَّمَا سَبَبُ قَوْلِ عَلِيٍّ: خُدْعَةٌ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كانَ...
أقول:
هذه الرواية مردودة لما يلي:
أولا: أن في إسنادها عبد العزيز بن أبي ثابت ومما قالوه فيه:
يحيى بن معين: ليس بثقة إنما كان صاحب شعر.
البخاري: لا يكتب حديثه.
النسائي: متروك.
الذهبي في التلخيص: عبد العزيز بن أبي ثابت واه.
ثانيا: فيها اتهام لبعض الصحابة على لسان علي بأنهم مخادعون.
ثالثا: فيها اتهام لعلي بأنه تلكأ في البيعة حتى عد عبد الرحمن ذلك نكثا حتى قال له: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه.
رابعا: أنها تخالف الرواية الصحيحة عند البخاري ولفظها: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ. فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلاَ يَطَأُ عَقِبَهُ وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ، قَالَ المِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ فَضَرَبَ البَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا. فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ فَشَاوَرَهُمَا ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ: ادْعُ لِي عَلِيًّا. فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمَانَ. فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا المُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ المِنْبَرِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَلاَ تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا. فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ. فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ وَالمُسْلِمُونَ".
أقول:
الروايتان عن المسور الأولى ضعيفة وفيها: "فَلَمْ أَجِدْكُمْ تَعْدِلُونَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: إِمَّا عَلِيٌّ وَإِمَّا عُثْمَانُ، فَقُمْ إِلَيَّ يَا عَلِيُّ" والثانية صحيحة وفيها: "فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَلاَ تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا".

المسألة التاسعة عشرة

هل المسلمون اليوم في الملك الجبري


رسول الله ص لم يتحدث ولم يخبر عن ملك جبري مطلقا، وإنما أخبر عن خلافة ملك جبرية. والفرق بين العبارتين هائل وهو الفرق بين الكفر والإيمان. فالملك بمفهومه الحديث نظام كفر أي كملوك بريطانيا. أما خلافة الملك بنوعيها فهي نظام إسلامي ولكنه أدنى مرتبة من الخلافة التي على المنهاج، وقد أخبر ص عن خلافة الملك مرة بإجمال ومرة بتفصيل، فأجمل في حديث سفينة الصحيح عند أحمد قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَامًا، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُلْكُ" قَالَ سَفِينَةُ: أَمْسِكْ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَخِلَافَةَ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَخِلَافَةَ عَلِيٍّ سِتَّ سِنِينَ). ولفظه عند أبي داود بسند صحيح عن سفينة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً...". وفصّل رسول الله ص في حديث حذيفة الصحيح عند أحمد قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: ("تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ"، ثُمَّ سَكَتَ). والمراد بالتفصيل أنه ص فصّل نوعي خلافة الملك بأنهما خلافة ملك عاض وخلافة ملك جبرية، وينبغي التنبه إلى أن لفظ العاض مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، فيقال خلافة عاض وملك عاض.
ومما يدل على أن الخبر عن خلافة لا عن ملك قوله ص: "جَبْرِيَّةً" ولم يقل جبريا. وأيضا فقد ورد في الخبر عنها خمسة ضمائر مؤنثة وهي في الألفاظ التالية: (تَكُونُ، فَتَكُونُ، تَكُونَ، يَرْفَعُهَا، يَرْفَعَهَا) فهذه خمسة ضمائر مؤنثة تثبت أن الحديث عن خلافة لا عن ملك. فالقول بأن الحديث عن ملك لا عن خلافة فهم غير صحيح للحديث ولا يحتمله النص، ولا تحل نسبته إلى الرسول ص. وخلافة الملك الجبرية هي الخلافة العثمانية لأن العثمانيين أخذوها جبرا عن أهلها وهم القرشيون عندما أخذها السلطان سليم جبرا من آخر خليفة عباسي وكان ذلك في مصر. وقد انتهت هذه الخلافة بانتهاء الخلافة العثمانية. والذي نحن فيه اليوم هو إمرة السفهاء الصبيان الصغار الطواغيت كما ورد في الأحاديث. وبعدها تكون الخلافة الثانية على المنهاج كما ورد في الرياض النضرة لمحب الدين الطبري قال: "وعن سهل بن أبي خيثمة قال: قال رسول الله ص: ألا وإن الخلفاء بعدي أربعة والخلافة بعدي ثلاثون سنة نبوة ورحمة ثم خلافة ثم ملك ثم جبرية وطواغيت ثم عدل وقسط، ألا إن خير هذه الأمة أولها وآخرها. أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي" انتهى كلام الطبري.
وورد عند أبي عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن بإسناد حسن: حَدَّثَنَا ابْنُ عَفَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "إِنَّهَا نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ثُمَّ خِلَافَةٌ وَرَحْمَةٌ ثُمَّ مُلْكٌ عَضُوضٌ ثُمَّ جَبْرِيَّةٌ ثُمَّ طَوَاغِيتُ". ففي حديث أنس هذا الذي له حكم المرفوع يخبر أن الطواغيت يكونون بعد الجبرية وفي حديث حذيفة السابق عند أحمد يخبر أن الذي بعد الجبرية هي الخلافة الثانية على المنهاج. والجمع بينهما بينته رواية محب الدين الطبري عن سهل بن أبي خيثمة السابقة حيث قال ص: "ثم جبرية وطواغيت ثم عدل وقسط" والعدل والقسط هو الخلافة على المنهاج. وأيضا فإن حديث حذيفة يعدد أنواع الخلافة وأدوارها بأنها على المنهاج ثم عاض ثم جبرية ثم على المنهاج، فلا مجال لادخال الطواغيت خلال أدوار الخلافة والله أعلم.
رد مع اقتباس
 
 
  #6  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: مسائل سلطانية : للشيخ عبد الرحمن العقبي

انتهى الكتاب بحمد الله
رد مع اقتباس
 
 
  #7  
قديم 06-17-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: مسائل سلطانية : للشيخ عبد الرحمن العقبي

الأحد 28 رجب 1433

جزاك الله خيراً ..
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:35 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.