أماكن شحن بطاقة ايوا  آخر رد: الياسمينا    <::>    مجموعة ديرتنتا لجميع أنواع التصاميم والطباعة والتعبئه لشركات...  آخر رد: الياسمينا    <::>    متخصصون في جميع أنواع التصميم والطباعة والتعبئه لشركات المست...  آخر رد: الياسمينا    <::>    كيف تحقق أكثر من 1000 دولار بالشهر بسعر وجبة عشاء  آخر رد: الياسمينا    <::>    سكاي فليكس يوفر لك كل احتياجاتك الخاصه في مكان واحد  آخر رد: الياسمينا    <::>    دعوة لحضور لقاء "القانون وريادة الأعمال" للتعريف بالإجراءات ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مكتب انجاز استخراج تصاريح الزواج  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #31  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق 1-7

تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق 1-7

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ أَوْ كَصَيّبٍ مّنَ ٱلسَّمَاء } شروع في تمثيل حالهم إثر تمثيل وبيان لكل دقيق منها وجليل فهم أئمة الكفر الذين تفننوا فيه وتفيؤا ظلال الضلال بعد أن طاروا إليه بقدامى النفاق وخوافيه فحقيق أن تضرب في بيداء بيان أحوالهم الوخيمة خيمة الأمثال وتمد أطناب الإطناب في شرح أفعالهم ليكون أفعى لهم ونكالاً بعد نكال وكل كلام له حظ من البلاغة وقسط من الجزالة والبراعة لا بد أن يوفى فيه حق كل من مقامي الإطناب والإيجاز فماذا عسى أن يقال فيما بلغ الذروة العليا من البلاغة والبراعة والإعجاز؟ ولقد نعى سبحانه عليهم في هذا التمثيل تفاصيل جناياتهم العديمة المثيل وهو معطوف على

{ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } [البقرة2: 17]

ويكون النظم كمثل ذوي صيب فيظهر مرجع ضمير الجمع فيما بعد وتحصل الملائمة للمعطوف عليه والمشبه.


و(أو) عند ذوي التحقيق لأحد الأمرين ويتولد منه في الخبر الشك والإبهام والتفصيل على حسب اعتبارات المتكلم، وفي الإنشاء/ الإباحة والتخيير كذلك، وحينئذٍ لا يلزم الاشتراك ولا الحقيقة والمجاز، وبعضهم يقول: إنها باعتبار الأصل موضوعة للتساوي في الشك، وحمل على أنه فرد من أفراد المعنى الحقيقي ثم اتسع فيها فجاءت للتساوي من غير شك كما ـ فيما نحن فيه ـ على رأي إذ المعنى مثل بأي القصتين شئت فهما سواء في التمثيل ولا بأس لو مثلت بهما جميعاً وإن كان التشبيه الثاني أبلغ لدلالته على فرط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته ولذا أخر ليتدرج من الأهون إلى الأهول، وزعم بعضهم أن { أَوْ } هنا بمعنى الواو وما في الآيتين تمثيل واحد، وقيل: بمعنى بل، وقيل: للإبهام، والكل ليس بشيء، نعم اختار أبو حيان أنها للتفصيل وكأن من نظر إلى حالهم منهم من يشبهه بحال المستوقد؛ ومنهم من يشبهه بحال ذوي صيب مدعياً أن الإباحة وكذا التخيير لا يكونان إلا في الأمر أو ما في معناه انتهى. ولا يخفى على من نظر في معناه وحقق ما معناه أن ما نحن فيه داخل في الشق الثاني على أن دعوى الاختصاص مما لم يجمع عليه الخواص، فقد ذكر ابن مالك أن أكثر ورود (أو) للإباحة في التشبيه نحو


والصيب في المشهور المطر من صاب يصوب إذا نزل وهو المروي هنا عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وقتادة وعطاء وغيرهم رضي الله تعالى عنهم، ويطلق على السحاب أيضاً كما في قوله:

حتى عفاها صيب ودقهداني النواحي مسبل هاطل


ووزنه فيعل بكسر العين عند البصريين وهو من الأوزان المختصة بالمعتل العين إلا ما شذ من صيقل بكسر القاف علم لامرأة، والبغداديون يفتحون العين وهو قول تسد الأذن عنه، وقريب منه قول الكوفيين: إن أصله فعيل كطويل فقلب، وهل هو اسم جنس أو صفة بمعنى نازل أو منزل؟ قولان أشهرهما الأول، وأكثر نظائره في الوزن من الثاني، وقرىء (أو كصائب) وصيب أبلغ منه، والتنكير فيه للتنويع والتعظيم.
-1-

والسماء كل ما علاك من سقف ونحوه والمعروفة عند خواص أهل الأرض والمرئية عند عوامهم، وأصلها الواو من السمو وهي مؤنثة وقد تذكر كما في قوله:

فلو رفع السماء إليه قومالحقنا بالسماء مع السحاب


وتلحقها هاء التأنيث فتصح الواو حينئذ كما قاله أبو حيان لأنها بنيت عليها الكلمة فيقال سماوة وتجمع على سمٰوات وأسمية وسمائيّ، والكل كما في «البحر» شاذ لأنها اسم جنس وقياسه أن لا يجمع، وجمعه بالألف والتاء خال عن شرط ما يجمع بهما قياساً، وجمعه على أفعلة ليس مما ينقاس في المؤنث، وعلى فعائل لا ينقاس في فعال. والمراد بالسماء هنا الأفق والتعريف للاستغراق لا للعهد الذهني كما ينساق لبعض الأذهان فيفيد أن الغمام آخذ بالآفاق كلها فيشعر بقوة المصيبة مع ما فيه من تمهيد الظلمة ولهذا القصد ذكرها، وعندي أن الذكر يحتمل أن يكون أيضاً للتهويل والإشارة إلى أن ما يؤذيهم جاء من فوق رؤوسهم وذلك أبلغ في الإيذاء كما يشير إليه قوله تعالى:

{ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسَهُمْ ٱلْحَمِيمُ } [الحج22: 19]

وكثيراً ما نجد أن المرء يعتني بحفظ رأسه أكثر مما يعتني بحفظ سائر أطرافه حتى أن المستطيع من الناس يتخذ طيلساناً لذلك، والعيان الوجدان أقوى شاهد على ما قلنا.


و { مِنْ } لابتداء الغاية، وقيل: يحتمل أن تكون للتبعيض على حذف مضاف أي من أمطار السماء وليس بشيء، وزعم بعضهم أن الآية تبطل ما قيل: إن المطر من أبخرة متصاعدة من السفل وهو من أبخرة الجهل إذ ليس في الآية سوى أن المطر من هذه الجهة وهو غير مناف لما ذكر، كيف والمشاهدة تقضي به فقد حدثني من بلغ مبلغ التواتر أنهم شاهدوا وهم فوق الجبال الشامخة سحاباً/ يمطر أسفلهم وشاهدوا تارات أبخرة تتصاعد من نحو الجبال فتنعقد سحاباً فيمطر، فإياك أن تلتفت لبرق كلام خُلَّب ولا تظن أن ذلك علم فالجهل منه أصوب، ثم حمل الصيب هنا على السحاب وإن كان محتملاً غير أنه بعيد بعد الغمام وكذا حمل السماء عليه.

{ فِيهِ ظُلُمَـٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } أي معه ذلك كما في قوله تعالى:

{ ٱدْخُلُواْ فِى أُمَمٍ } [الأعراف7: 38]

وإذا حملت { فِى } على الظرفية كما هو الشائع في كلام المفسرين احتيج إلى حمل الملابسة التي تقتضيها الظرفية على مطلق الملابسة الشاملة للسببية والمجاورة وغيرهما ففيه بذلك المعنى ظلمات ثلاث ظلمة تكاثفه بتتابعه، وظلمة غمامه من ظلمة الليل التي يستشعرها الذوق من قوله تعالى:

-2-

{ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } [البقرة2: 20]

وكذا فيه رعد وبرق لأنهما في منشئه ومحل ينصب منه، وقيل: فيه ـ وهو كما قال الشهاب ـ وهم نشأ من عدم التدبر، وإن كان المراد بالصيب السحاب فأمر الظرفية أظهر، والظلمات حينئذ ظلمة السحمة والتطبيق مع ظلمة الليل، وجمع الظلمات على التقديرين مضيء، ولم يجمع الرعد والبرق وإن كانا قد جمعا في لسان العرب، وبه تزداد المبالغة وتحصل المطابقة مع الظلمات والصواعق لأنهما مصدران في الأصل، وإن أريد بهما العينان هنا كما هو الظاهر، والأصل في المصدر أن لا يجمع على أنه لو جمعا لدل ظاهراً على تعدد الأنواع كما في المعطوف عليه، وكل من الرعد والبرق نوع واحد. وذكر الشهاب مدعياً أنه مما لمعت به بوارق الهداية في ظلمات الخواطر نكتة سرية في إفرادهما هنا وهي أن الرعد كما ورد في الحديث وجرت به العادة يسوق السحاب من مكان لآخر فلو تعدد لم يكن السحاب مطبقاً فتزول شدة ظلمته وكذا البرق لو كثر لمعانه لم تطبق الظلمة كما يشير إليه قوله تعالى:

{ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } [البقرة2: 20]

فإفرادهما متعين هنا وعندي ـ وهو من أنوار العناية المشرقة على آفاق الأسرار ـ أن النور لما لم يجمع في آية من القرآن ـ لما تقدم ـ لم يجمع البرق إذ ليس هو البعيد عنه كما يرشدك إليه

{ كُلمَا أَضَاء لَهُم } [البقرة2: 20]

والرعد مصاحب له فانعكست أشعته عليه:

أو ما ترى الجلد الحقير مقبلابالثغر لما صار جار المصحف


وارتفاع ظلمات إما على الفاعلية للظرف المعتمد على الموصوف أو على الابتدائية والظرف خبره وجعل الظرف حالاً من النكرة المخصصة وظلمات فاعله لا يخلو عن ظلمة البعد كما لا يخفى.

وللناس في الرعد والبرق أقوال: والذي عول عليه أن الأول: صوت زجر الملك الموكل بالسحاب، والثاني: لمعان مخاريقه التي هي من نار. والذي اشتهر عند الحكماء أن الشمس إذا أشرقت على الأرض اليابسة حللت منها أجزاء نارية يخالطها أجزاء أرضية فيركب منهما دخان ويختلط بالبخار وهو الحادث بسبب الحرارة السماوية إذا أثرت في البلة ويتصاعدان معا إلى الطبقة الباردة وينعقد ثمة سحاب ويحتقن الدخان فيه ويطلب الصعود إن بقي على طبعه الحار والنزول إن ثقل وبرد وكيف كان يمزق السحاب بعنفه فيحدث منه الرعد، وقد تشتعل منه لشدة حركته ومحاكته ـ نار لامعة وهي البرق إن لطفت والصاعقة إن غلظت، وربما كان البرق سبباً للرعد فإن الدخان المشتعل ينطفىء في السحاب فيسمع لانطفائه صوت كما إذا أطفأنا النار بين أيدينا، والرعد والبرق يكونان معا إلا أن البرق يرى في الحال لأن الأبصار لا يحتاج إلى المحاذاة من غير حجاب، والرعد يسمع بعد لأن السماع إنما يحصل بوصول تموج الهواء إلى القوة السامعة وذلك يستدعي زماناً كذا قالوه، وربما يختلج في ذهنك قرب هذا ولا تدري ماذا تصنع بما ورد عن حضرة من أسري به ليلاً بلا رعد ولا برق على ظهر البراق وعرج إلى ذي المعارج حيث لا زمان ولا مكان فرجع وهو أعلم خلق الله على الإطلاق صلى الله عليه وسلم فأنا بحول من عز حوله وتوفيق من غمرني فضله أوفق بما يزيل الغين عن العين ويظهر سر جوامع الكلم التي أوتيها سيد الكونين صلى الله عليه وسلم.
-3-

فأقول: قد صح عند أساطين الحكمة والنبوة مما شاهدوه في أرصادهم الروحانية في خلواتهم ورياضاتهم وكذا عند سائر المتألهين الربانيين من حكماء الإسلام والفرس وغيرهم أن لكل نوع جسماني من الأفلاك والكواكب والبسائط العنصرية ومركباتها رباً هو نور مجرد عن المادة قائم بنفسه مدبر له حافظ إياه وهو المنمي والغاذي والمولد في النبات والحيوان والإنسان لامتناع صدور هذه الأفعال المختلفة في النبات والحيوان عن قوة بسيطة لا شعور لها وفينا عن أنفسنا وإلا لكان لنا شعور بها، فجميع هذه الأفعال من الأرباب وإلى تلك الأرباب أشار صاحب الرسالة العظمى صلى الله عليه وسلم بقوله: " وإن لكل شيء ملكاً " حتى قال: " إن كل قطرة من القطرات ينزل معها ملك " وقال: " أتاني ملك الجبال وملك البحار " وحكى أفلاطون عن نفسه أنه خلع الظلمات النفسانية والتعلقات البدنية وشاهدها، وذكر مولانا الشيخ صدر الدين القونوي قدس سره في «تفسيره الفاتحة» أنه ما ثم صورة إلا ولها روح، وأطال أهل الله تعالى الكلام في ذلك، فإذا علمت هذا فلا بعد في أن يقال: أراد صلى الله عليه وسلم بالملك الموكل بالسحاب في بيان الرعد هو هذا الرب المدبر الحافظ وبزجره تدبيره له حسب استعداده وقابليته، وأراد بصوت ذلك الزجر ما يحدث عند الشق بالأبخرة الذي يقتضيه ذلك التدبير، وأراد بالمخاريق ـ في بيان البرق وهي جمع مخراق وهو في الأصل ثوب يلف وتضرب به الصبيان بعضهم بعضاً ـ الآلة التي يحصل بواسطتها الشق، ولا شك أنها كما قررنا من نار أشعلتها شدة الحركة والمحاكة فظهرت كما ترى، وحيث فتحنا لك هذا الباب قدرت على تأويل كثير مما ورد من هذا القبيل حتى قولهم: إن الرعد نطق الملك والبرق ضحكه، وإن كان بحسب الظاهر مما يضحك منه، ولم أر أحداً وفق فوفق وتحقق فحقق والله تعالى الموفق وهو حسبي ونعم الوكيل.

{ يَجْعَلُونَ أَصْـٰبِعَهُمْ فِى ءاذَانِهِم مّنَ ٱلصَّوٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } الضمائر عائدة على المحذوف المعلوم فيما قبل وكثيراً ما يلتفت إليه كما في قوله تعالى:

{ وَكَم مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَـٰتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } [الأعراف7: 4].


-4-

والجملة استئناف لا محل لها من الإعراب مبني على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل عند بيان أحوالهم الهائلة فماذا يصنعون في تضاعيف تلك الشدة فقال: { يَجْعَلُونَ } الخ، وجوزوا وجوهاً أخر ككونها في محل جر صفة للمقدر وجوز فيها وفي

{ يَكَادُ } [البقرة2: 20]

كونها صفة صيب بتأويل نحو ـ لا يطيقونه ـ أو في محل نصب على الحال من ضمير فيه، والعائد محذوف أو اللام نائبة عنه أي صواعقه، والجعل في الأصل الوضع. والأصابع جمع إصبع وفيه تسع لغات حاصلة من ضرب أحوال الهمزة الثلاث في أحوال الباء كذلك، وحكوا عاشرة وهي أصبوع بضمها مع واو وهي مؤنثة وكذا سائر أسمائها إلا الإبهام فبعض بني أسد يذكرها والتأنيث أجود.


وفي الآية مبالغة في فرط دهشتهم وكمال حيرتهم كما في الفرائد من وجوه. أحدها: نسبة الجعل إلى كل الأصابع وهو منسوب إلى بعضها وهو الأنامل وثانيها: من حيث الإبهام في الأصابع والمعهود إدخال السبابة فكأنهم من فرط دهشتهم يدخلون أي أصبع كانت ولا يسلكون المسلك المعهود وثالثها: في ذكر الجعل موضع الإدخال فإن جعل شيء في شيء أدل على إحاطة الثاني بالأول من إدخاله فيه، وهل هذا من المجاز اللغوي لتسمية الكل باسم جزئه أو للتجوز في الجعل أو هو من المجاز العقلي بأن ينسب الجعل للأصابع وهو للأنامل؟، فيه خلاف والمشهور هو الأول وعليه الجمهور. وابن مالك وجماعة على الأخير ظناً منهم أن المبالغة في الاحتراز عن استماع الصاعقة إنما يكون عليه ولم يكتفوا فيها بتبادر الذهن إلى أن الكل أدخل في الأذن قبل النظر للقرينة، وقيل: لا مجاز هنا أصلاً لأن نسبة بعض الأفعال إلى ذي أجزاء تنقسم يكفي فيه تلبسه ببعض أجزائه كما يقال: دخلت البلد وجئت ليلة الخميس/ ومسحت بالمنديل فإن ذلك حقيقة من أن الدخول والمجيء والمسح في بعض ـ البلد والليلة والمنديل ـ ولا يخفى أن كون مثل ذلك حقيقة ليس على إطلاقه، والفرق بينه وبين ما نحن فيه ظاهر.

و { مِنْ } تعليلية تغني غناء اللام في المفعول له وتدخل على الباعث المتقدم والغرض المتأخر وهي متعلقة بـ { يَجْعَلُونَ } وتعلقها بالموت بعيد ـ أي يجعلون ـ من أجل الصواعق وهي جمع صاعقة ولا شذوذ، والظاهر أنها في الأصل صفة من الصعق وهو الصراخ وتاؤها للتأنيث إن قدرت صفة لمؤنث أو للمبالغة إن لم تقدر ـ كراوية ـ أو للنقل من الوصفية إلى الإسمية ـ كحقيقة ـ وقيل: إنها مصدر كالعافية والعاقبة وهي اسم لكل هائل مسموع أو مشاهد، والمشهور أنها الرعد الشديد معه قطعة من نار لا تمر بشيء إلا أتت عليه، وقد يكون معه جرم حجرى أو حديدي، وسد الآذان إنما ينفع على المعنى الأول، وقد يراد المعنى الثاني ويكون في الكلام إشارة إلى مبالغة أخرى في فرط دهشتهم حيث يظنون ما لا ينفع نافعاً، وقرأ الحسن (من الصواقع) وهي لغة بني تميم كما في قوله:
-5-

ألم تر أن المجرمين أصابهمصواقع لا بل هن فوق الصواقع


وليس من باب القلب على الأصح إذ علامته كون أحد البناءين فائقاً للآخر ببعض وجوه التصريف والبناءان هنا مستويان في التصرف.

و { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } نصب على العلة لـ { يَجْعَلُونَ } وإن كان من الصواعق في المعنى مفعولاً له كان هناك نوعان منصوب ومجرور، ولزوم العطف في مثله غير مسلم خلافاً لمن زعمه ولا مانع من أن يكون علة له مع علته كما أن من الصواعق علة له نفسه، وورد مجيء المفعول له معرفة وإن كان قليلاً كما في قوله:

وأغفر عوراء الكريم ادخارهوأعرض عن شتم اللئيم تكرماً


وجعله مفعولاً مطلقاً لمحذوف أي يحذرون حذر الموت ـ بعيد. وقرأ قتادة والضحاك وابن أبـي ليلى (حذار) وهو كحذر شدة الخوف.

والموت في المشهور زوال الحياة عما يتصف بها بالفعل وإطلاقه على العدم السابق في قوله سبحانه:

{ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ } [البقرة2: 28]

مجاز ولا يرد قوله تعالى:

{ خَلَقَ ٱلْمَوْتَ } [الملك67: 2]

إذ لخلق فيه بمعنى التقدير وتعيين المقدار بوجه ما وهو مما يوصف به الموجود والمعدوم لأن العدم كالوجود له مدة ومقدار معين عنده تعالى، وقيل: المراد بخلق الموت إحداث أسبابه، وقيل: إنه العدم مطلقاً وإن لم يكن مخلوقاً إلا أن إعدام الملكات مخلوقة لما فيها من شائبة التحقق بمعنى أن استعداد الموضوع معتبر في مفهومها وهو أمر وجودي فيجوز أن يعتبر تعلق الخلق والإيجاد باعتبار ذلك، وصحح محققو أهل السنة أن الموت صفة وجودية خلقت ضداً للحياة، ولهذا يظهر كما في الحديث: " يوم تتجسد المعاني ـ كما قال أهل الله تعالى ـ بصورة كبش أملح " ويصير عدماً محضاً إذ يذبح بمدية الحياة التي لا ينتهي أمدها.


{ وَٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكـٰفِرِينَ } أي: لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط المحيط فإحاطته تعالى بهم مجاز تشبيهاً لحال قدرته الكاملة التي لا يفوتها المقدور أصلاً بإحاطة المحيط بالمحاط بحيث لا يفوته فيكون في الإحاطة استعارة تبعية وإن شبه حاله تعالى ـ وله المثل الأعلى ـ معهم بحال المحيط مع المحاط بأن تشبه هيئة منتزعة من عدة أمور بمثلها كان هناك استعارة تمثيلية لا تصرف في مفرداتها إلا أنه صرح بالعمدة منها وقدر الباقي فافهم.

وجوز أبو علي في { مُحِيطٌ } أن يكون بمعنى مهلك كما في قوله تعالى:

{ وَأَحَـٰطَتْ بِهِ خَطِيـئَـتُهُ } [البقرة2: 81]

أو عالم علم مجازاة كما في قوله تعالى:

{ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } [الجن72: 28]

وكل هذا من الظاهر، ولأهل الشهود كلام من ورائه محيط ـ والواو اعتراضية لا عاطفة ولا حالية والجملة معترضة بين جملتين من قصة واحدة وفيها تتميم للمقصود من التمثيل/ بما تفيده من المبالغة لأن ـ الكافرين ـ وضع موضع الضمير وعبر به إشعاراً باستحقاق ذوي الصيب ذلك العذاب لكفرهم فيكون الكلام على حد قوله تعالى:

-6-

{ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِى هِـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ } [آل عمران3: 117]

فإن التشبيه بحرث قوم كذلك لا يخفى حسنه لأن الإهلاك عن سخط أشد وأبلغ وفيه تنبيه على أن ما صنعوه من سد الآذان بالأصابع لا يغني عنهم شيئاً وقد أحاط بهم الهلاك ولا يدفع الحذر القدر وماذا يصنع مع القضاء تدبير البشر. وجعل الاعتراض من جملة أحوال المشبه على أن المراد (بالكافرين) المنافقون ولا محيص لهم عن عذاب الدارين ووسط بين أحوال المشبه به لإظهار كمال العناية بشأن المشبه والتنبيه على شدة الاتصال مما يأباه الذوق السليم.

-7-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #32  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-3

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَـٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ }.

عطف على التمثيل السابق وهو قوله:

{ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً } [البقرة2: 17]

أعيد تشبيه حالهم بتمثيل آخر وبمراعاة أوصاف أخرى فهو تمثيل لحال المنافقين المختلطة بين جواذب ودوافع حين يجاذب نفوسهم جاذب الخير عند سماع مواعظ القرآن وإرشاده، وجاذب الشر من أعراق النفوس والسخرية بالمسلمين، بحال صيب من السماء اختلطت فيه غيوث وأنوار ومزعجات وأكدار، جاء على طريقة بلغاء العرب في التفنن في التشبيه وهم يتنافسون فيه لا سيما التمثيلي منه وهي طريقة تدل على تمكن الواصف من التوصيف والتوسع فيه.


وقد استقريْتُ من استعمالهم فرأيتهم قد يسلكون طريقة عطف تشبيه على تشبيه كقول امرىء القيس في معلقته:

أصاحِ ترى برقاً أُريك وميضَهكلمعِ اليدين في حَبِيَ مُكَلَّل
يُضيءُ سَناه أو مصابيحِ راهبأَمال السليطَ بالذُّبال المُفَتَّل


وقولِ لَبيد في معلقته يصف راحلته:

فلها هِبَاب في الزمام كأنهاصهباءُ خفَّ مع الجَنوب جَهَامها
أو مُلْمِعٌ وسَقَتْ لأَحْقَبَ لاَحَهطَرْدُ الفُحول وضَرْبُها وكِدَامُها


وكثر أن يكون العطف في نحوه بأو دون الواو، وأو موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء فيتولد منها معنى التسوية وربما سلكوا في إعادة التشبيه مسلك الاستفهام بالهمزة أي لتختار التشبيه بهذا أم بذلك وذلك كقول لبيد عقب البيتين السابق ذكرهما:

أَفتلك أم وحْشية مسبوعةخذلت وهادية الصِّوار قِوامها


وقال ذو الرمة في تشبيه سير ناقته الحثيث:

وثْبَ المُسَحَّجِ من عَانَاتِ مَعْقُلَةٍكأنَّه مستبان الشَّكِّ أو جَنِبُ


ثم قال:

أذاك أم نَمِشٌ بالوشْي أَكْرُعُهمسفَّع الخَد غَادٍ نَاشِعٌ شَبَبُ


ثم قال:

أَذاك أم خاضب بالسَّيِّ مَرْتَعُهأبو ثلاثين أَمسى وهو مُنْقلب


وربما عطفوا بالواو كما في قوله تعالى:

{ حَتَّى جَعَلْنَاهُم حَصِيداً خَامِدِينَ } [الأنبياء21: 15]

وهذه تفننات جميلة في الكلام البليغ فما ظنك بها إذا وقعت في التشبيه التمثيلي فإنه لعزته مفرداً تعز استطاعةُ تكريره.


و(أو) عطفت لفظ (صيب) على

{ الَّذِي اسْتَوْقَدَ } [البقرة2: 17]

بتقدير مَثَل بين الكاف وصيب. وإعادةُ حرف التشبيه مع حرف العطف المغني عن إعادة العامل، وهذا التكرير مستعمل في كلامهم وحسَّنه هنا أن فيه إشارة إلى اختلاف الحالين المشبهين كما سنبينه وهم في الغالب لا يكررونه في العطف.


والتمثيل هنا لحال المنافقين حين حضورهم مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماعهم القرآن وما فيه من آي الوعيد لأمثالهم وآي البشارة، فالغرض من هذا التمثيل تمثيل حالة مغايرة للحالة التي مُثِّلتْ في قوله تعالى:

{ مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ } [البقرة2: 17]

بنوع إطلاق وتقييد.


فقوله: { أَو كصيب } تقديره أو كفريق ذي صيب أي كقوم على نحو ما تقدم في قوله: { كمثل الذي استوقد } دل على تقدير قوم قوله: { يجعلون أصابعهم في آذانهم } وقولُه:
-1-

{ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُم } [البقرة2: 20].

الآية، لأن ذلك لا يصح عوده إلى المنافقين فلا يَجيء فيه ما جازَ في قوله:

{ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم } [البقرة2: 17]

الخ. فشبهت حال المنافقين بحال قوم سائرين في ليل بأرض قوم أصابها الغيث وكان أهلها كانِّين في مساكنهم كما عُلم ذلك من قوله:

{ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ } [البقرة2: 20]

فذلك الغيث نفع أهل الأرض ولم يصبهم مِمَّا اتصل به من الرعد والصواعق ضُر ولم ينفع المارين بها وأضرَّ بهم ما اتصل به من الظلمات والرعد والبرق، فالصيب مستعار للقرآن وهدى الإسلام وتشبيهه بالغَيث وارد. وفي الحديث الصحيح: " مَثَل ما بَعثني الله به من الهُدى كمثل الغيث أصابَ أرضاً فكان منها نَقِيَّةٌ " الخ. وفي القرآن:

{ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } [الحديد57: 20].

ولا تَجد حالة صالحة لتمثيل هيئة اختلاط نفع وضر مثل حالة المطر والسحاب وهو من بديع التمثيل القرآني، ومنه أخذ أبو الطيب قوله:

فتى كالسحاب الجَوْن يُرجَى ويُتَّقَىيُرَجَّى الحَيَا منه وتُخْشى الصواعق


والظلمات مستعار لما يعتري الكافرين من الوحشة عند سماعه كما تعتري السائر في الليل وحشة الغيم لأنه يحجب عنه ضوء النجوم والقمر، والرعد لقوارع القرآن وزواجره، والبَرْق لظهور أنوار هديه من خلال الزواجر فظهر أن هذا المركب التمثيلي صالح لاعتبارات تفريق التشبيه وهو أعلى التمثيل.

والصيب فيعل من صاب يصوب صوباً إذا نزل بشدة، قال المرزوقي إن ياءه للنقل من المصدرية إلى الاسمية فهو وصف للمطر بشدة الظلمة الحاصلة من كثافة السحاب ومن ظلام الليل.

والظاهر أن قوله: { من السماء } ليس بقيد للصيب وإنما هو وصف كاشف جيء به لزيادة استحضار صورة الصيب في هذا التمثيل إذ المقام مقام إطناب كقول امرىء القيس:

كجلمود صخرٍ حَطَّه السيل من عَلِ


إذ قد علم السامع أن السيل لا يحط جلمود صخر إلا من أعلى ولكنه أراد التصوير، وكقوله تعالى:


والسماء تطلق على الجو المرتفع فوقنا الذي نخاله قبة زرقاء، وعلى الهواء المرتفع قال تعالى:

{ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } [إبراهيم14: 24]

وتطلق على السحاب، وتطلق على المطر نفسه ففي الحديث: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إثر سماء " الخ، ولما كان تكوُّن المطر من الطبقة الزمهريرية المرتفعة في الجو جعل ابتداؤه من السماء وتكرر ذلك في القرآن.


ويمكن أن يكون قوله: { من السماء } تقييداً للصيب إما بمعنى من جميع أقطار الجو إذا قلنا إن التعريف في السماء للاستغراق كما ذهب إليه في «الكشاف» على بعد فيه إذ لم يعهد دخول لام الاستغراق إلا على اسم كلي ذي أفراد دون اسم كل ذي أجزاء فيحتاج لتنزيل الأجزاء منزلة أفراد الجنس ولا يعرف له نظير في الاستعمال فالذي يظهر لي إن جعلنا قوله: { من السماء } قيداً للصيب أن المراد من السماء أعلى الارتفاع والمطر إذا كان من سمت مقابل وكان عالياً كان أدوم بخلاف الذي يكون من جوانب الجو ويكون قريباً من الأرض غير مرتفع.

-2-
وضمير (فيه) عائد إلى (صيب) والظرفية مجازية بمعنى معه، والظلمات مضى القول فيه آنفاً.

والمراد بالظلمات ظلام الليل أي كسحاب في لونه ظلمة الليل وسحابة الليل أشد مطراً وبرقاً وتسمى سارية. والرعد أصوات تنشأ في السحاب. والبرق لامع ناري مضيء يظهر في السحاب، والرعدُ والبرق ينشآن في السحاب من أثر كهربائي يكون في السحاب فإذا تكاثفت سحابتان في الجو إحداهما كهرباؤُها أقوى من كهرباء الأخرى وتحاكّتا جذبت الأقوى منهما الأضعف فحدث بذلك انشقاق في الهواء بشدة وسرعة فحدث صوت قوي هو المسمى الرعد وهو فرقعة هوائية من فعل الكهرباء، ويحصل عند ذلك التقاء الكهرباءين وذلك يسبب انقداح البرق.

وقد علمت أن الصيب تشبيه للقرآن وأن الظلمات والرعد والبرق تشبيه لنوازع الوعيد بأنها تسر أقواماً وهم المنتفعون بالغيث وتسوء المسافرين غير أهل تلك الدار، فكذلك الآيات تسر المؤمنين إذ يجدون أنفسهم ناجين من أن تحق عليهم وتسوء المنافقين إذ يجدونها منطبقة على أحوالهم.
-3-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #33  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


قوله تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } الآية

الصيب: المطر، وقد ضرب الله في هذه الآية مثلاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم بالمطر. لأن بالعلم والهدى حياة الأرواح، كما أن بالمطر حياة الأجسام.

وأشار إلى وجه ضرب هذا المثل بقوله جل وعلا:


وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المثل المشار إليه في الآيتين في حديث أبي موسى المتفق عليه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: " إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضاً. فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأَ والعشب الكثير، وكانت منها أَجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها، وسقوا وزرعوا، وأَصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به، فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أَرسلت به ".

قوله تعالى: { فِيهِ ظُلُمَاتٌ }.

ضرب الله تعالى في هذه الآية المثل لما يعتري الكفار والمنافقين من الشبه والشكوك في القرآن، بظلمات المطر المضروب مثلاً للقرآن، وبين بعض المواضع التي هي كالظلمة عليهم. لأنها تزيدهم عمى في آيات أخر لقوله:

{ وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } [البقرة2: 143].

لأن نسخ القبلة يظن بسببه ضعاف اليقين أن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ليس على يقين من أمره حيث يستقبل يوماً جهة، ويوماً آخر جهة أخرى، كما قال تعالى:


وصرح تعالى بأن نسخ القبلة كبير على غير من هداه الله وقوى يقينه، بقوله:

{ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } [البقرة2: 143] وكقوله تعالى:
{ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ } [الإسراء17: 60]

لأن ما رآه ليلة الإسراء والمعراج من الغرائب والعجائب كان سبباً لاعتقاد الكفار أنه صلى الله عليه وسلم كاذب. لزعمهم أن هذا الذي أخبر به لا يمكن وقوعه. فهو سبب لزيادة الضالين ضلالاً. وكذلك الشجرة الملعونة في القرآن التي هي شجرة الزقوم. فهي سبب أيضاً لزيادة ضلال الضالين ضلالاً. وكذلك الشجرة الملعونة في القرآن التي هي شجرة الزقوم. فهي سبب أيضاً لزيادة ضلال الضالين منهم. لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ

-1-

لأن الشجر لا ينبت في الأرض اليابسة فكيف ينبت في أصل النار.

وكقوله تعالى:

{ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ }
[المدثر74: 31].

لأنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ قوله تعالى:


{ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } [المدثر74: 30].

قال بعض رجال قريش: هذا عدد قليل فنحن قادرون على قتلهم، واحتلال الجنة بالقوة. لقلة القائمين على النار التي يزعم محمد صلى الله عليه وسلم أنا سندخلها.


والله تعالى إنما يفعل ذلك اختباراً وابتلاء، وله الحكمة البالغة في ذلك كله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

قوله تعالى: { وَرَعْدٌ }.

ضرب الله المثل بالرعد لما في القرآن من الزواجر التي تقرع الآذان وتزعج القلوب. وذكر بعضاً منها في آيات أخر كقوله:


وقد ثبت في صحيح البخاري في تفسير سورة الطور من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور. فلما بلغ هذه الآية

{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ } [المنافقون63: 4]،

والآية التي نحن بصددها، وإن كانت في المنافقين، فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.


قوله تعالى: { وَبَرْقٌ }.

ضرب تعالى المثل بالبرق لما في القرآن من نور الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة. وقد صرح بأن القرآن نور يكشف الله به ظلمات الجهل والشك والشرك. كما تكشف بالنور الحسي ظلمات الدجى كقوله:


قوله تعالى: { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكافِرِينَ }.

قال بعض العلماء: محيط بالكافرين: أي مهلكهم، ويشهد لهذا القول قوله تعالى:

{ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [يوسف12: 66]

أي: تهلكوا عن آخركم. وقيل: تغلبوا. والمعنى متقارب، لأن الهالك لا يهلك حتى يحاط به من جميع الجوانب، ولم يبق له منفذ للسلامة ينفذ منه. وكذلك المغلوب. ومنه قول الشاعر:

أحطنا بهم حتى إذا ما تيقنوابما قد رأوا مالوا جميعاً إلى السلم


ومنه أيضاً بمعنى الهلاك قوله تعالى:

{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } [الكهف18: 42] الآية. وقوله تعالى:
{ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } [يونس10: 22] الآية.


-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #34  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق 1-10

تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق 1-10

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قد مثّل الله تعالى حال المنافقين والكافرين بهذين التمثيلين باعتبار فساد القوّتين.

أما التمثيل الأول، فهو باعتبار فساد قوّتهم العلميّة التي من شأنها مشاهدة أنوار الحقائق، وأما هذا التمثيل، فهو باعتبار بطلان قوّتهم العمليّة التي من شأنها سلوك طريق الحقّ بها.

فقوله: { كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } إمّا عطف على: الذي استوقد أي كمثَل ذوي صيّبِ، بقرينة قوله { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ } أو عطف على المثَل، أي مثَلهم وحالهم كصيّب، فلا بدَ من تقدير ضمير يعود إليه.

وكلمة " أو " في الأصل، للتساوي في الشكّ، ثم اتّسع فيها فاستعمل للتساوي من غير شكٍّ، مثْل جالِس الحسَن أو ابن سيرين، ومنه قوله تعالى:

{ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } [الإنسان76: 24].

والمراد منع الخلوّ دون منع الجمع، فالمعنى: أن قصة المنافقين مشبّهة بهاتين القصّتين، وأنّهما سواء في صحّة التشبيه بهما باعتبار الجهتين، وأنت مخيّر في التمثيل بهما جميعاً، أو بأيّهما شئت، وكان الممثّل له في التمثيل الأول، حال المنافقين المنتسبين بأهل العلم لحفظ ظواهر الأقوال، المغترّين بإبداء الشبهات، وهم الذين إذا جاءتهم البيّنات يفرحون بما عندهم من العلْم. وفي هذا التمثيل حال المنافقين الذين هم من أهل النسْك وأهل التقليد من غير بصيرة تامّة وإياهما عُني في قوله صلّى الله عليه وآله: " قصم ظهرْي رجُلان عالِمٌ متهتّك وجاهلٌ متنسّك ".


وعن أمير المؤمنين عليه السلام: قطَع ظهري رجُلان من الدنيا: رجلٌ عليمُ اللّسان فاسقٌ، ورجلٌ جاهلُ القلْب ناسكٌ، هذا يصدّ بلسانه عن فسقه، وهذا بنسْكه عن جهْلِه، فاتّقوا الفاسق من العلماءِ والجاهلَ من المتعبّدين، أولئك فتنة كل مفتون... "

فوجه المماثلة هٰهنا؛ أن المراد من المطَر هو الإيمان، أو القرآن لكونه منشأ الحياة المعنويّة والأرزاق الأخرويّة. والظلمات هي الشبهات والمتشابهات التي يخفى وجهها على الجهّال والأرذال ويضلّون في إدراكها، كما قال:

{ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَاسِقِينَ } [البقرة2: 26].


والرعْد والبرْق والصواعق، هي التكاليف الشاقّة، بعضها من باب الأعمال وبعضها من باب الاعتقادات، كفعل الصلاة وال صيام والحجّ، وترك الرياسات، والمجاهدة مع الآباء والأمّهات، وترك الأديان القديمة، والاعتقاد بحقّية هذا الدين والانقياد له.

فكما أن الإنسان يبالغ في الإحتراز عن المطر الصيّب، الذي هو أشدّ الأشياء نفعاً بسبب هذه الأمور المقارنة، فكذا المنافق الجاهل، يحترز عن الإيمان أو القرآن بسبب هذه الأمور، زعماً منه أن الغرض منها ايلامه وتخويفه وتشديد الأمر عليه، بحيث تكاد توجب هلاكه، ولم يعلم أن فيها شفاءً لما في الصدور، وتنويراً للقلوب، وإحياءً للنفوس المريضة بداء الجهالة، ورحمةً للذين آمنوا، وهدى للعالمين.

والمراد من قوله: { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } أنّ الجاهل المنافق كثيراً ما يتصامَم عن ذكر الآيات والحجَج والبيّنات، حذراً عن سماع ما يوجب فساد عاقبتهم، ويظهر عليهم مآل ما هم عليه من النفاق والفسْقِ ولا يعلم السفيه الأحمق أن التصامم والتعامي لا يدفع الداهية والموت، كما أنّ الصاعقة لو أتت إلى شخصٍ لا يمكن له دفعها بجعل إصبعيه في أذنيه.
-1-

وقوله: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }: إشارةً إلى أنّ لمعات القرآن أو الإيمان، وأنواره الباهرة، تكاد تخطف أبصار بصائر الناظرين فيه، حتى كأنهم لضعف بصائرهم عن احتمال شوارقها ولوامعها، كالمبهوتين المتحيّرين.

والمراد من قوله: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } أنّه متى ظهَر لهم، أو نقل إليهم شيءٌ من خوارق العادات والكرامات، أو متى حصل لهم شيء من المنافع كحصول الغنائم، أو التوقير والتقديم في المجالس، أو تولية الأمور كضبط الأموال وحفظ الأمانات، وسعاية الزكوات والحسبة والشهادة وغيرها، فإنّهم يرغبون في الدين ويجهدون في العمل. وإذا أظلمَ عليهم، أى متى لم يجدوا شيئاً من الكرامات أو من المنافع، فحينئذ يقفون عن العمل، ويكرهون الإيمان، ولا يرغبون فيه. هذا ما ظهَر في معنى الآية.

ويقرب منه ما قيل: شبّه الايمان والقرآن وسائر ما أوتي الإنسان من المعارف التي هي سبب الحياة الأبديّة بالصيّب الذي به حياة الأرض، وما ارتكبت بها من الشبَه المبطِلة، واعترضت دونها من الاعتراضات المشكلة لأهل البدَع بالظلُمات، وما فيها من الوعْد والوعيد بالرعد، وما فيها من الآيات الباهِرة بالبرْق، وتصاممهم عمّا يسمعون من الوعيد بحال من يهوّله الرعْد فيخاف صواعقه فيسدّ أُذُنه عنها، مع أنّه لا خلاص لهم منها، وهو معنى قوله: { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكافِرِينَ }. واهتزازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه أو رفد تطمح إليه أبصارهم بمشيهم في مطرَح ضوءِ البرق كلّما أضاء لهم، وتوقّفهم في الأمر حين تعرض لهم شبهةً أو تعنّ لهم مصيبةٌ بتوقّفهم إذا أظلم عليهم، وأشير بقوله: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } إلى أنّه سبحانه جَعَلَ لَهم السْمعَ والأبصار ليتوسّلوا بهما إلى الهدى والفلاح ويتسبّبوا بهما إلى تحصيل السمع المعنوي والبصيرة الباطنية، لدفع الشبهات وإزالة الظلمات في طريق الهداية، وسلوك الآخرة، طلباً للحياة الباقية، وتقرّباً إلى الله معطي الخيرات الأبديّة، ثمّ إنّهم صرَفوها إلى الحظوظ العاجِلة، وسدّوها عن الفوايد الآجلة، وهذه المدركات مع مداركها، أمورٌ ذاهبة زائلة، ولو شاء الله لجعلهم عادمين للسمْع والأبصار كما هم عليه في القيامة يوم لا نور إلا نور المعرفة والإيمان.


فصل

[التشبيه هنا مركب، أم مفرّق]

قد يقال: وقع في التمثيلين تشبيه أشياء بأشياء؛ فأين ذكر المشبّهات فيهما؟ وما المشتبه بالصيّب، والظلمات، والرعد، والبرق، والصواعق هٰهنا؟ وهلاّ صرّح بها، كما في قوله:

{ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ *وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ *وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } [فاطر35: 19 - 21].

-2-

وكقول امرؤ القيس:

كأنّ قلوب الطير رطباً ويابساًلدى وكرها العنّاب والحشَف البالي


فيجاب: بأنّه يجوز كون المشبه في المفردات مطويّاً ذكره على سنن الإستعارة من قوله تعالى:


ولعلماء البيان في هذا الموضع قولان:

أحدهما: ما سلَكنا سبيلَه وأوضحنا طريقه، وهو تشبيه مفرّق معناه أن يكون الممثّل مركّباً من أمور، والممثّل له أيضاً كذلك، ويكون كل واحد من آحاد أحدهما شبيهاً بما يوازنه من الآخر، من غير اشتراط أن يكون جميع أعداد المركّب للمشبّه مذكوراً صريحاً، كما علمت من التطبيق الذي مرّ ذكره.

والثاني: ما اختاره صاحب الكشاف قائلاً: إنّ الصحيح الذي عليه علماء البيان لا يتخطّونه إن التمثيلين جميعاً من جملة التمثيلات المركّبة، دون المفرّقة لا يتكلّف لواحد واحد شيء يقدر شبهه به، وهو القول الفحْل والمذهب الجَزل، أراد به أن يشبه كيفيّة منتزعة من مجموع أمور تضامّت أجزاؤه وتلاصقت حتّى صارت شيئاً واحداً بأخرى مثلها، كما في قوله تعالى:

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [الجمعة62: 5]

مثّل حال اليهود في حملهم بما معهم من التوراة بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة، فأمّا أن يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض ومصيّرة شيئاً واحداً، فلا، فكذلك لمّا وصف وقوع المنافقين في ضلالتهم، وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة، شبّهت حيرتهم وشدّة الأمر عليهم، بما يكابد مَنْ طفيت ناره بعد ايقادها في ظُلمة الليلِ وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق.

والبحث فيه من وجهين:

أحدهما: إن الهيئة الإنتزاعيّة الحاصلة من أمرين أو أمور، إذا كانت واحدة يجب أن تكون الأمور المنتزعة هي منها أيضاً متماثلة متشابهة من الوجه الذي به يصلح للانتزاع. لما تقرّر في العلوم العقليّة، أن المعنى الواحد، لا يمكن أن ينتزع من أشياء متخالفة الحقائق من جهة يخالفها، سواء كانت بسائط أو مركّبات، مثلاً: الهيئة الإنسانيّة المحسوسة المنتزعة من تركيب أجزاء الإنسان، لا يكمن أن تنتزع من تركيب أجزاء الفيل وغيره إلاّ على نحو ضعيف المشابهة لها.

وثانيهما: إنّ المواضع التي ذكرها من القرآن وغيره، وادّعى فيها تشبيه المركّب بالمركّب من دون تشبيه الأفراد، لا نسلّم أن الأمر فيها كما زعمه، بل لا تخلوا المواضع عن المشابهة بين الأفراد، ففي قوله تعالى:

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } [الجمعة62: 5]

الآية، كما حصل تشبيه حال اليهود - وهو جهلهم بما في التوراة - بحال الحمار - وهو جهله بما حمل عليه، فكذلك قد حصلت المشابهة بين اليهود والحمار في الحمق والجهالة، فإن حقيقة الحماريّة وروحها هي الجهالة المفرطة، سواء كانت مقترنة مع شكل الحمار أو شكل الإنسان، وليس الإنسان إنساناً بشكله وصورة خِلْقته، بل بمعنى الإنسانيّة، وروح الناطقيّة التي هي عبارة عن إدراك المعارف.

-3-

وكذا بين التوراة وأسفار الحكمة، لاتحادهما فيما يؤدّي إلى التعليم والهداية من العلوم الحقيقية والمعارف اليقينيّة، وكذا وقع تشبيه حمل. الألفاظ والظواهر وعدم حمْل الأسرار والمعاني منهم، بحمْل أوقار الصحُف، وعدم الشعور بما فيها. ثم لا يخفى على ذوي النُهى، أن هذا القسم ألطَف وأحكَم وأبلَغ فيما هو المقصود من التمثيل وأدلّ على القدرة؛ فينبغي حمل الآيات عليه مهما أمكن، ونحن لا ننكر وجود القسم الثاني في القرآن وغيره.

فصل

[نظر في العلّة الفاعليّة]



فإن قيل: ما الفائدة في قوله: مِنَ ٱلسَّمَآءِ، مع أن الصيِّب لا يكون إلاّ من السماء؟

قلنا فيه فائدتان:

الأولى: ما مرّ من دلالة تعريف السماء وتنكير الصيّب على أنّه مطبق آخذ بآفاق السماء.

والثانية: إنّ من الناس من قصر نظره عن الأسباب العالية المنبعثة من قدرة الله وحكمته فقال: إنّ المطر إنّما يحصل من ارتفاع أبخِرةٍ رطبة من الأرض إلى الهواء، فتنعقد هناك من شدة البرودة الزمهريريّة، ثم تنزل مرّة أخرى على هيئة القطرات، فذاك هو المطر، ثم إنّ الله أبطَل ذلك المذهب هٰهنا بأن ذلك الصيِّب نزل من السماء.

وكذلك قوله تعالى:
{ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } [الفرقان25: 48].
{ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [النور24: 43]

................................

لأنّ أسباب هذه الأمور منبعثة من عالَم السماء.

واعلم أنّ العلم بحقائق الموجودات بعضها فوق بعض، وكذا العلماء بحسبها، ذوو درجات متفاضلة متعالية، كما قال تعالى:

{ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف12: 77]. وقال:
{ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [الأنعام6: 65].


مثاله: أنّ الطبيعي والحكيم قد يتشاركان في النظر في كثير من الأشياء؛ لكن الطبيعي يأخذ الأوسط في حجّته من الطبيعة السارية في الأجسام بأمر الله، والحكيم يأخذ العلة من العالم العلوي والمفارق المحْض، والعلّة الغائيّة التي هي الخير الأعلى والعلّة القصوى للوجود، فالطبيعي يُعطي بُرهاناً لِمّياً، ما دامت المادّة القابلة والطبيعة الفاعلة موجودتين، والحكيم يعطي البرهان اللِميّ مطلقاً.

وبالجملة، فإذا أعطي البرهان من الأسباب المقارنة، كان من العلْم الأسفَل، وإن أعطي من العلل المفارقة العالية، كان من العلْم الأعلى، والعلل المقارنة هي الهيولى والصورة، والعلل المفارقة هي الفاعل والغاية.

وأمّا العارف المتألّة، فنظره أدقّ وأبصر، وعلْمه أعلى وأشرف من جميع العلوم، حيث يقع نظره في معرفة كلّ الأشياء الى الحقّ الأول، ويأخذ علّة مقاصده ووسط براهينه من أسماء الله الحسنى وآياته الكبرى، وليس لغيرهم هذا الشأن، ولا برهانهم هذا البرهان، وأكثر الناس مقصور النظر؛ إمّا على عالم الشهادة كالظاهريين، أو على عالم الباطن كالباطنيين، وكلاهما ينظران بالعَين العوراء.

مثال ذلك الْعلم بمنشأ الرعْد والبرْق.

فالرعْد، هو الصوت الذي يسمع من السحاب، كأنّ أجرام السحاب تصطدم وتضطرب وترتعد إذا جذبها الريح، فتصوّت عند ذلك من الارتعاد، والبرق: الذي يلمع من السحاب، من بَرَقَ الشيء بريقاً.
-4-

واللفظان مصدران في الأصل، ولذلك لم يجمعا.

وقيل: " الرعْد هو ملك موكّل بالسحاب يسبّح " روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد، وهو المرويّ عن أئمتنا عليهم السلام.

وقيل: " إن الرعد صوت ملك يزجر السحاب ". روي: " إنّه يزعق كما يزعق الراعي بغنمه ".

وقيل: " البرق مخاريق الملائكة من حديد، تضرب به السحاب فتنقدح عنه النار " وهو المرويّ عن علي عليه السلام.

وقيل: " سوط من نور يزجر به الملك السحاب " عن ابن عباس.

وقيل: " هو مصع ملك " عن مجاهد. والمصاع. المجالدة بالسيوف وغيرها.

وقيل: إنّه نار تنقدح من اصطكاك الأجرام. والكلّ صحيح حسب مراتب المشاهدة لمراتب العوالِم.

فإذا سمعت أيّها العاقل الطبيعي، أن ملَكاً يسوق السحاب بالزجر والصوت زجره يسمع زجل الرعود، وإذا سجت به خفيفة السحاب التمعت صواعق البروق، وأنت تحكم بعقلك أنه اصطكاك الأجرام من الحرارة الدخانيّة والبرودة البخاريّة الواقعة فوقها، فالذي أدركته بعقلك قضيّة صحيحة، لو لم تنكر ما فوقها، ولكن حرمت القضيّة الأخرى، أنّه ملك يسوق السحاب ولم تكد تراها لأنّه يدرك بنور البصيرة، وأنت في ظلمة الغشاوة وبك زمانة الجهالة، لا سبيل لك إلى سلوك عالَم النور.

وقسْ عليه سائر التأثيرات العلويّة في الأمور السفليّة، كالزلازل والهدّات وغيرها، فأمّا ما ورد في باب الخسوف والكسوف، أنّه من تخويف الله عباده، وإظهار قدرته، مع ما ثبَت بالهندسة لك أنّ خسوف القمر لحجب نور الشمس عن جرمه لحيلولة الأرض، وأنّ كسوف الشمس يكون بحجاب جرْم القمر نورها عن الأبصار، فأهل الإيمان لا يُنكرون ما دلّت عليه البراهين الهندسيّة، ولكن الجاحدين لأنوار الشريعة، ينكرون أحكام الغيب ولم يتفكّروا في قوله تعالى:


فما بالك أيها الأعور، هلاّ نظرت بالعينين وأثبتَّ العالَمين، فالله أظهر الملك والشهادة لقضيّة اسمه الظاهر، والغيب والملكوت لقضيّة اسمه الباطن، فلو كنت أدركت العالَمين، لجمعت بين الفلَك والملك، وأثبتَّ المعقول والمنقول. على أنّ في نظر العارف المحقِّق، الفلَك ملكٌ متمثّل، والمنقول معقول ينتقل إلى عالَمك الذي أنت فيه، والشرع عقلٌ ظاهر، والعقل شرعٌ باطن، فالجسماني للفلك والروحاني للملك، فمن حكم بأنّ الفلك له إرادة وقدرَة فلمْ يدر أنّ الإرادة والقدرة للملك الموكّل به، وصورة الفلك من عالم التقدير والتسخير، لا من عالم الحكمة والتدبير، وهكذا الكواكب وما يضاف إليها من التأثيرات والتدبيرات، هو من الملائكة الموكّلين بعالَم السماء، وهي في ذواتها مَوات.

فصل

قوله: { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ، إنْ أريد بالصيِّب المطر، فظلماته تكاثفه أي تتابعه وظلُمة غمامه مضمومة إليهما ظُلمة الليل.
-5-

وإن أريد به السحاب، فظلمته سحمته وتطبيقه إذا كان اسحم مطبقاً.

وارتفاعها بالظرف - وفاقاً - لاعتماده على موصوف، وكون الصيِّب - بمعنى المطر - مكاناً للرعد والبرق، لأنّهما في أعلاه وأسفله. ولأنّ التعلّق بين المطَر والسحاب قوي كالتداخل، جاز إجراء أحدهما مجرى الآخر فيما هو من باب الوضع.

وقيل: ضمير { فيه } راجع إلى " السَّمَاءِ " ، لأنّ المراد بها السحاب وهو مذكر.

وإنّما لم يقل: " رُعود وبُروق " ، كما قيل: { ظُلُمَات } لأنّ أنواعاً متخالفة من الظلمة قد اجتمعت، فاحتيجت إلى صيغة الجمع بخلاف صاحبيها.

وإنّما جاءت الثلاثة منكّرات، لأن المراد ضروب خاصّة منها، كأنه قيل: " ظلُمات داجيةٌ ورعد قاصفٌ وبرق خاطفٌ ".

والضمير في: { يَجْعَلُونَ } لأصحاب الصيّب، والمرجع وإن كان محذوفاً لفظاً لكنّه باقٍ معنى، فيجوز أن يعوّل عليه. والجملة استيناف كأنّها وقعتْ في جواب منْ قال: " فَكيْفَ حالُهم مع مثْل هذه الشدّة والهول؟ ".

وإنّما ذكر: " الأصابع " موضع " الأنامل " للمبالغة، أو لأنّ المراد بعضها، وقوله: { مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ } متعلّق بـ " يَجْعَلُونَ " أي: من أجلها.

والصاعقة: قصفةُ رعد شديد معها جوهرُ ناريُ قويُّ الناريّة، لا تمرّ بشيءٍ إلاّ أتت عليه، بقي بحاله إن كان متخلخلاً لطيفاً، وأذابته أو دكّته بسرعة إن كان متكاثفاً صلْباً. وهي مع قوّتها سريعة الخمود والجمود، و " التاء " فيها للمبالغة كالراوية، أو مصدريّة كالعاقبة.

وقوله: { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } نصب على العلّة. والموت: زوال الحياة وعدمها عما فيه قوّة قبولها. وقيل: صفة تضادّ الحياة، تمسّكاً بقوله:

{ خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } [الملك67: 2].

ودُفِعَ: بأنّ " الخلْق " هٰهنا بمعنى التقدير، والأعدام مقدرة وإن لم تكن مجعولة.

ومعنى إحاطته تعالى بالكافرين: شمول قدرته عليهم وإحاطة أمره ونقمته بهم لقوله:

{ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } [العنكبوت29: 54].

وقيل: المعنى إنّهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط، لا يخلصهم الخداع والحيَل. والجملة اعتراضيةٌ لا محلَّ لها من الإعراب.

و " الخطْف ": الأخذ بسرعة. وقرء مجاهد: " يخطِف " - بكسر الطاء - والفتح أفصح؛ وعن ابن مسعود والحسن: " يَخَطّف " - بفتح الياء والخاء - على أنّه " يَخْتَطف " فأدغمت التاء في الطاء بعد نقل حركتها إلى ما قبلها. وعنه " يخطف " - بكسر الخاء - لالتقاء الساكنين واتّباع الياء لها.

وعن زيد بن علي عليه السلام: " يخطف " من خطف. وعن أبَيّ: " يتخطَف " من قوله:

{ وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [العنكبوت29: 67].


وقوله: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } استيناف ثالث، كأنّه جواب لمن يقول: " كيف يصنعون في حالتي ظهور البرق وخفائه "؟ فأجيب بذلك.

و { أَضَآءَ } إمّا متعدٍّ، والمفعول محذوف. بمعنى: " كلّما نوّر لهم ممشى أخذوه " ، أو لازم بمعنى: " كلّما لمع لهم مشوا في مطرح نوره " ، ويعضده قراءة ابن أبي عبلة " كلّما ضاء ".
-6-

وكذلك { أَظلَم } فإنّه جاء متعدّياً إلى مفعول من " ظِلْم الليل " ، ويشهد له قراءة " أظلِم " على البناء للمفعول.

وإنّما قال مع الإضاءة " كلّما " ، ومع الإظلام " إذا " ، لكونهم حرّاصاً على المشي. فكلّما صادفوا منه فرصة انتهزوها، وليس كذلك الوقوف، ولو شاء الله في قصف الرعد فأصمّهم وفي ضوء البرق فأعماهم.

ومفعول { شَآءَ } محذوف لدلالة الجواب عليه، ولقد تكاثَر حذفه في " شَاءَ " و " أرَاد " حتّى لا يكاد يذكر إلاّ في الشيء المستغرب كقوله: " وَلو شئتُ أن أبكي دماً لبكيتُه ".

تنبيه:

قال في التفسير الكبير: " إنّ المشهور أنّ كلمة " لَو " تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، ومنهم من أنكر ذلك، وزعم أنّها لا تفيد إلاّ الربط، واحتجّ بالآية والخبر.

أمّا الآية:

{ لَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً } [الأنفال8: 23]

مقتضاه أنه ما علِم فيهم خيراً، وقوله:

{ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } [الأنفال8: 23]

مفاده أنّه تعالى ما أسمعهم، وهم [ما] توَلّوا، لكن [عدم] التولّي خير، فيلزم أن يكون قد علم الله فيهم خيراً؛ وما علِم فيهم خيراً.


وأما الخبر: فقوله (صلى الله عليه وآله): " نعمَ العبد صُهيب، لو لم يخَف الله لم يعصه " فعلى مقتضى قولهم يلزم أنّه خاف الله وعصاه، وذلك متناقض.

فعلمنا أن كلمة " لو " لا تفيد ألاّ الربط " - انتهى كلامه.

وفائدة هذه الشرطية على المذهب المشهور، إبداء المانع لذهاب سمْعهم وأبصارهم الظاهريتين مع قيام ما يقتضيه، والتنبيه على أن تأثير الأسباب في مسبّباتها مشروط بمشيّة الله تعالى وإن كان وجودها مرتبطاً بأسبابها منوطاً بآجالها وأوقاتها والكلّ واقع بقدرته. وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } كالتصريح به، والتقرير له، وفائدتها على المذهب الأخير، الإخبار عن ذهاب الحاسّتين عنهم في الحقيقة، مع أنّ الناس يزعمون أنّهما موجودتان لهم، فهم صمٌّ وعميٌ في الحقيقة.

وعند أهل الكشف، مع وجود الآلتين فيهم كأنّهم أموات لا يشعرون عند الله وعند أوليائه، كما قال:

{ إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ } [النمل27: 80]،

مع أنّهم يحسّون ويتحرّكون كالأحياء، وهذا من عجائب قدرة الله تعالى في خَلْق الآدمي.


فصل

اعلم إنّ الشيئية وإن كانت بحسب المفهوم أعمّ من الوجود، إلاّ إنّها تساوق الوجود بحسب التحقّق، وجماعة ممّن جعلها أعمّ تحقّقاً منه، خرجوا إلى خيالات عجيبة فقالوا: المعدوم الممكن شيء، وهو ثابت، لكونه محكوماً عليه بأحكام صادقة توجب تمييزه عن غيره، وليس بموجود فيكون ثابتاً، وسلّموا أنّ المحال منفيٌّ، وأنّه لا واسطة بين النفي والإثبات، وربما أثبتوا واسطة بين الموجود والمعدوم ممّا سمّوه حالاً، وبناء هوساتهم على الغفلة عن عالَم الغيب وما فيه من الأمور الذهنيّة الغائبة عنهم، ولم يعلموا أنّ التفرقة بين المعدومين عن الأعيان، باعتبار ما أضيف إلى المتصوّر الموجود في الذهن من مفهوميهما، فإنّ ما ليس له وجودٌ لا في الذهن ولا في العين، فالتصديق عليه تحكّمٌ وهذيان، والإخبار عنه ممتنع.
-7-

ومما يفتضحون به أن يقال لهم: إذا كان الممكن معدوماً، فوجوده هل هو ثابت أو منفيُ، فإنّه باعترافهم لا يخرج الشيء عن النفي والإثبات، فإن كان منفيّاً - وكل منفي عندهم ممتنع - فالوجود الممكن يصير ممتنعاً، هذا خُلْف، وإن كان ثابتاً، وكلّ صفة ثابتة للشيء يجوز أن يوصف بها الشيء، فالمعدوم يصحّ أن يوصف في حال عدمه بالوجود، فيلزم التناقض، وهو محال.

ثمّ من العجب أن الوجود عندهم يفيده الفاعل، وهو ليس بموجود ولا معدوم، فلا يفيد الفاعل وجود الوجود - مع أنّ الكلام يعود إليه - ولا يفيد ثباته، فإنه كان ثابتاً بامكانه في نفسه، فما أفاد الفاعل للماهيات شيئاً فهؤلاء عطّلوا العالم عن الصانع.

ومنهم من استدلّ بهذه الآية على أنّ المعدوم شيء، قال: لأنّه تعالى أثبت القدرة على الشيء، والموجود لا قدرة عليه، لاستحالة ايجاد الموجود وتحصيل الحاصل، فالذي عليه القدرة معدومٌ، وهو شيء، فالمعدوم شيء.

والجواب: بالحلّ والنقض. أمّا الأول؛ فلأنّ ايجاد الموجود بنفس هذا الايجاد، وكذا تحصيل الحاصل بنفس هذا التحصيل، غير مستحيل، بل هو واقع، لأنّ الإيجاد هو الاستتباع في الوجود، والممكن يفتقر في بقائه إلى العلّة، كما يفتقر في حدوثه.

وأمّا الثاني؛ فلأنّه لو صحَّ هذا الكلام، لزم أنّ ما لا يقدر الله عليه أن لا يكون شيئاً، فالموجود لمّا لم يقدر الله عليه، وجَب أن لا يكون شيئاً، وهو شيءٌ عندهم.

واحتجّ جهم بهذه الآية على أن الله تعالى ليس بشيء. قال: " لأنّها تدلّ على أن كل شيء مقدور لله تعالى، و " الله " ليس بمقدور له، فوجب أن لا يكون شيئاً " واحتجّ أيضاً بقوله:

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى42: 11].

قال: " لو كان شيئاً لكان مثلَ نفسِه، فكان يكذب قوله، فوجب أن لا يكون شيئاً لئلا يتناقض كلامه.


والجواب: إنّ هذه اطلاقات عرفيّة، وتجوّزات لا يجوز التعويل عليها في أصول الإيمان والاعتقاد، فبطَل ما صنعوه وتخيّلوه.

وهو كما استدلّ بعض الأشاعرة على أنّ الشيء يختصّ بالموجود، لأنّه في الأصل مصدر " شَاء " أطلق تارة بمعنى " شاء " - اسم الفاعل - وحينئذ يتناول الباري تعالى، كما قال:

{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ ٱللَّهِ } [الأنعام6: 19].

-8-

وتارةً بمعنى مشيء - اسم مفعول - أي مشيء وجوده، وما شاء الله وجوده فهو موجود في الجملة، وعليه يحمل قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة:20]

{ ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ } [الزمر39: 62].

فهما على عمومهما بلا مثنوية.

فصل

القدْرة هي التمكين من ايجاد الشيء. وقيل: صفة تقتضي التمكين. وقيل صفة تؤثر وفق الإرادة فخرج ما لا تأثير له من الصفات، وإن توقّف تأثير القدرة عليها كالعلم في بعض القادرين، وما يؤثر لكن لا على وفق الإرادة كالطبائع المسخّرة العنصرية مثل صورة النار في إحراقها.

وقيل: قدرة الحيوان، كيفيّة نفسانيّة بها يتمكّن من الفعل والترك، وهي في الحقيقة قوّة إمكانية نسبتها إلى الطرفين سواء، وقدرة الله، كون ذاته تعالى من غير اعتبار الإرادة أو انضمامها بحيث يصح عنه صدور الفعل وعدمه، والمشهور عن الحكماء، أنّ الله قادر على كلّ شيء، بمعنى إنْ شاءَ فعَل وإنْ لم يشأ لم يفعلْ، سواء شاء ففعَل، أو لم يشأ فلم يفعلْ، إذ ليس صدق الشرطيّة متعلّقاً بصدق طرفيها.

والإرادة صفة ترجّح تعلّق القدرة بأحد طرفي المقدور، وهي تنبعث عن الداعي، فقيل إنّها شوق متأكّد، وقيل إنّها مغايرة للشوق، لأنّها هي الإجماع وتصميمُ العزم، إذ قد يشتهي الإنسان ما لا يريده، كالمحرّمات الشهويّة عند المؤمن العفيف، وقد يريد ما لا يشتهيه، كالأدوية البشعة النافعة. وربما يفرق بينهما، بأنّ الإرادة ميلٌ اختياريٌ، والشوق ميل طبيعيٌّ ولهذا يعاقَب المكلّف بإرادته المعاصي، ولا يعاقب بإشتهائها، وفي كون الإرادة من الأفعال الإختياريّة نظرٌ. وإلاّ لأدّى إلى التسلسل، لاحتياجه إلى إرادة أخرى، هكذا قيل، وللكلام عليه مجال ليس هٰهنا موضعه.

واعلم أنّ الداعي على فعْل الباري عند المحقّقين، ليس بأمر زائد على ذاته وقدرته، كالإرادة، لأنّه عندهم عبارة عن كون ذاته عالِماً بالنظام الأعلى للعالَم، والأشاعرة لم يقولوا بالداعي، لتجويزهم ترجيح المختار أحد مقدوريه بالإرادة من غير مرجّح، وتخصيص أحد المتساويين من غير مخصّص، والمعتزلة، وكذا أصحابنا الإماميّة، قائلون بالداعي، لشهادة عقولهم باستحالة الترجيح بلا مرجّح مع استلزامه للترجيح بلا مرجّح إذا نقل الكلام في تحقّق الإرادة وعدمها، وذلك بديهيُّ الإمتناع عند كافّة العقلاء، لكن المعتزلة قالوا بزيادة الداعي على ذاته تعالى وعلى علْمه، فمنهم من يقول - موافقاً لبعض أصحابنا - إنّه مصلحةٌ راجعةٌ إلى شخص شخص من أشخاص الموجودات، ومنهم من يقول: إنّه ذات الوقت، ومنهم من يقول بامتناع وجود العالَم في غير ذلك الوقت، إذ لا وقت قبله، وهذا المقام مما لم تثبت فيه قدمٌ راسخ إلاّ لمن نوّر الله بصيرته، فإنّه من مزالّ أقدام الأقوام.

واشتقاق " القُدْرَةِ " من " القَدْر " ، لأنّ القادر يوقع الفعل على مقدار قوّته، أو مقدار ما تقتضيه مشيّته.
-9-

واستدلّ بهذه الآية على أنّ مقدور العبد مقدور الله تعالى؛ لأنّ مقدور العبد شيءٌ، وكلّ شيءٍ مقدور له تعالى - خلافاً لأبي هاشم وأبي علي -، وعلى أن المحدث حال حدوثه مقدورٌ. لأن المحدَث حال حدوثه " شيء " ، وكل شيء مقدور - خلافاً للمعتزلة - فإنّهم قائلون: بأن الاستطاعة قبل الفعل محال.

واستدلّ من قال بتقدّمها على الفعل بوجهين:

أحدهما: أنّه لو تحقّق قبل الفعل، لكان تكليف الكافر بالإيمان تكليف العاجز، وهو غير واقع بالإتّفاق، كما قال تعالى:


وثانيهما: أنّ القدرة يلزمها كونها محتاجاً إليها في الفعل، ومع الفعل لا يبقى الاحتياج، وقد مرّ وجه اندفاعه، لأنّ الحصول لا ينافي الحاجة إلى العلّة.

وأجيب عن الأول: بأنّ تكليف الكافر بايقاع الإيمان في ثاني الحال، أعني وقت حصول الاستطاعة، وهي مع الفعل.

ويرد عليه أنّه لو استمرّ على الكفر، لم تتحقّق القدرة أصلاً بناء على أنّها مع الفعل، والتالي باطلٌ بالاتفاق.

تتمةٌ:

من كان المؤثّر في وجود الأشياء ليس عنده إلاّ الباري تعالى كالمحقّقين من الحكماء، حيث يجعلون غيره من الأسباب من قبيل الشروط والمعدّات والروابط والمقدّمات. وكذا الأشاعرة القائلون بنفي العلّية والمعلوليّة والتقدّم والتأخّر بين الأشياء، فالآية باقية على عمومها لجميع الممكنات، سواء كانت موجودة بالفعل أو معدومة.

وأمّا المعتزلة، فمنهم من عمّمها وقال إنّ قدرته على ثلاثة أوجه: على المعدومات بأن أوجدها، وعلى الموجودات بأن يفنيها؛ وعلى مقدور غيره بأن يقدر عليه ويمنع منه.

ومنهم من خصّصها في مقدوراته دون مقدور غيره، لاستحالة كون مقدور واحد بين قادرين، لأنّه يؤدي إلى أن يكون الشيء الواحد موجوداً ومعدوماً وهو تناقض محالٌ، وتخصيص العامّ جائز في الجملة، وواجبٌ بدليل العقل، لأن قوله:

{ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة2: 284]،

يقتضي أن يكون قادراً على نفسه، ثمّ خصّ بدليل العقل، وذلك لا يوجب الكذْب على الله والطعن في القرآن، لأنّ لفظ الكلّ، كما انّه مستعمل في المجموع، فقد يستعمل في الأكثر، وذلك مجاز مشهور في اللغة، لم يكن استعمال اللفظ كذباً.

وهٰهنا تحقيق آخر، وهو أن الشيئية معناها غير الوجود، فإنّ كلّ ممكن موجود فللعقل أن يحلّله إلى وجود هو له في غيره، وإلى مهيّة هي له في نفسه؛ فالشيئيّة غير الوجود، إلاّ أنَّها لا تنفكّ عن الوجود كما مرّ، خلافاً للمعتزلة، أمّا الباري جلّ ذكره، فإذ لا مٰهيَّة له سوى الوجود البَحْت، فلا شيئية له غير شيئيّة الوجود.

فإذا تقرّر هذا فنقول: نسبة الباري جلّ ذكره إلى المٰهيّات كلّها بالقدرة، وإلى الوجودات بالإيجاد والإضافة بالفعل، لأنّ معنى القدرة؛ صحّة الفعل والترك، والمٰهيَّة في نفسها قابلةٌ للوجود والعدم على التساوي دائماً، سواء كان حين الوجود أو قبله أو بعده، فالمقدوريّة ثابتةٌ لها دائماً.

وأمّا الوجودات، فحقيقتها أنّها موجودة بالفعل بايجاد الله، وليست هي في أنفسها جائزة العدم، لأنّها عين جهات رحمته وَجُودِه، وامكاناتها عبارة عن كونها مفتقرة الذوات إليه تعالى، مجعولة بجعله وابداعه، والضرورة الوجوديّة الثابتة لها ضرورات ذاتية ما دامت الذات، وليست ضرورة أزليّة، والفرق بين الوجوبين ثابتٌ عند أهل الميزان المستقيم، فالله على كلّ شيء قدير، فاعلم هذا فإنه من العلوم الشريفة المحرّمة على غير أهلها.

-10-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #35  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


وقول الحق سبحانه وتعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ }.. الصيب هو المطر.. والله تبارك وتعالى ينزل الماء فتقوم به الحياة.. مصداقا لقوله جل جلاله:

{ وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [الأنبياء21: 30]


ومن البديهي أننا نعرف أن إنزال المطر.. هو من قدرة الله سبحانه وتعالى وحده.. ذلك أن عملية المطر فيها خلق بحساب.. وفيها عمليات تتم كل يوم بحساب أيضا.. وفيها عوامل لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى.. فمسألة المطر أعدت الأرض لها حين الخلق.. فكانت ثلاثة أرباع الأرض من الماء والربع من اليابسة.. لماذا؟ من حِكَمِ الله في هذا الخلق أن تكون عملية البخر سهلة وممكنة.. ذلك أنه كلما اتسع سطح الماء يكون البخر أسهل.. وإذا ضاق السطح تكون عملية البخر أصعب.. فإذا جئنا بكوب مملوء بالماء ووضعناه في حجرة مغلقة يوما.. ثم عدنا إليه نجد أن حجم الماء نقص بمقدار سنتيمتر أو أقل.. فإذا أخذنا الماء الذي في هذا الكوب وقذفناه في الحجرة.. فإنه يختفي في فترة قصيرة.. لماذا؟.؛ لأن سطح الماء أصبح واسعا فتمت عملية البخر بسرعة.

والله سبحانه وتعالى حين خلق الأرض.. وضع في الخلق حكمة المطر في أن تكون مساحة الماء واسعة لتتم عملية البخر بسهولة.. وجعل أشعة الشمس التي تقوم بعملية البخر من سطح الماء.. وتم ذلك بحساب دقيق.. حتى لا تغرق الأمطار الأرض أو يحدث فيها جفاف.. ثم سخر الريح لتدفع السحاب إلى حيث يريد الله أن ينزل المطر.. وقمم الجبال الباردة ليصطدم بها السحاب فينزل المطر.. كل هذا بحساب دقيق في الخلق وفي كل مراحل المطر..

ومادام الماء هو الذي به الحياة على الأرض.. فقد ضرب الله لنا به المثل كما ضرب لنا المثل بالنار وضوئها.. فكلها أمثلة مادية لتقرب إلى عقولنا ما هو غيب عنا.. فالماء يعطينا الحياة..

لكن هؤلاء المنافقين. لم يلتفوا إلى هذا الخير. الذي ينزل عليهم من السماء من غير تعب أو جهد منهم. بل التفتوا إلى أشياء ثانوية، كان من المفروض أن يرحبوا بها لأنها مقدمات خير لهم. فالمطر قبل أن ينزل من السماء لابد أن يكون هناك شيء من الظلمة في السحاب الذي يأتي بالمطر. فيحجب أشعة الشمس إن كنا نهارا. ويخفي نور القمر والنجوم إن كنا ليلا. هذه الظلمة مقدمات الخير والماء..

إنهم لم يلتفتوا إلى الخير الذي ملأ الله به سبحانه وتعالى الأرض. بل التفتوا إلى الظلمة فنفروا من الخير.. كذلك صوت الرعد ونور البرق.
-1-

الرعد يستقبله الإنسان بالأذن وهي آلة السمع. والبرق تستقبله العين.. وصوت الرعد قوي، أقوى من طاقة الأذن. ولذلك عندما يسمعه الإنسان يفزع، ويحاول أن يمنع استقبال الأذن له، بأن يضع أنامله في أذنيه.

وهؤلاء المنافقون لم يضعوا الأنامل. ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى: { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم } ولم يقل أناملهم. وذلك مبالغة في تصوير تأثير الرعد عليهم. فكأنهم من خوفهم وذعرهم يحاول كل واحد منهم أن يدخل كل إصبعه في أذنه. ليحميه من هذا الصوت المخيف. فكأنهم يبالغون في خوفهم من الرعد.

ونلاحظ هنا أن الحديث ليس عن فرد واحد، ولكن عن كثيرين.. لأنه سبحانه وتعالى يقول " أصابعهم " نقول أن الأمر لجماعة يعني أمراً لكل فرد فيها، فإذا قال المدرس للتلاميذ أخرجوا أقلامكم، فمعنى ذلك أن كل تلميذ يخرج قلمه.. وإذا قال رئيس الجماعة اركبوا سياراتكم، فمعنى ذلك أن كل واحد يركب سيارته.. لذلك فإن معنى { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم } أن كل واحد منهم يضع إصبعيه في أذنيه..

لماذا يفعلون ذلك؟! أنهم يفعلونه خوفا من الموت. لأن الرعد والبرق يصاحبهما الصواعق أحيانا، ولذلك فإنهم من مبالغتهم في الخوف يحس كل واحد منهم أن صاعقة ستقتله.. فكأنهم يستقبلون نعمة الله سبحانه وتعالى بغير حقيقتها.. هم لا يرون النعمة الحقيقية في أن هذا المطر يأتي لهم بعوامل استمرار الحياة. ولكنهم يأخذون الظاهر في البرق والرعد. وكذلك المنافقون.. لا يستطيع الواحد منهم أن يصبر على شهوات نفسه ونزواتها.. إنه يريد ذلك العاجل ولا ينظر إلى الخير الحقيقي الذي وعد الله به عباده المؤمنين في الآخرة.. وهو ينظر إلى التكاليف كأنها شدة ومسألة تحمل النفس بعض المشاق. ويغفل عن حقيقة جزاء التكاليف في الآخرة. وكيف أنها ستوفر لهم النعيم الدائم.. تماما كما ينظر الإنسان إلى المطر على أنه ظلمة ورعد وبرق، وينسى أنه بدون هذا المطر من المستحيل أن تستمر حياته..

هم يأخذون هذه الظواهر على أنها كل شيء. بينما هي في الحقيقة تأتي لوقت قصير وتختفي، فهي قصيرة كالحياة الدنيا، وقتية. ولكن نظرتهم إليها وقتية ومادية لأنهم لا يؤمنون إلا بالدنيا وغفلوا عن الآخرة.. غفلوا عن ذلك الماء التي يبقى فترة طويلة، وتنبهوا إلى تلك الظواهر الوقتية التي تأتي مع المطر فخافوا منها وكان خوفهم منها يجعلهم لا يحسون بما في المطر من خير. والمنافقون يريدون أن يأخذوا خير الإسلام دون أن يقوموا بواجبات هذا الدين!!

ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى قضية هامة. وهي أن خوفهم من زوال متع الدنيا ونفوذها لن يفعل لهم شيئا. لأن الله محيط بالكافرين.. والإحاطة معناها السيطرة التامة على الشيء بحيث لا يكون أمامه وسيلة للإفلات، وقدرة الله سبحانه وتعالى محيطة بالكافرين وغير الكافرين..

إذن عدم التفاتهم للنفع الحقيقي، وهو منهج الله، لا يعطيهم قدرة الإفلات من قدرة الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة.


-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #36  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير أيسر التفاسير/ أسعد حومد مصنف و مدقق

تفسير أيسر التفاسير/ أسعد حومد مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ ظُلُمَاتٌ } { أَصَابِعَهُمْ } { ٱلصَّوَاعِقِ } { آذَانِهِم } { بِٱلْكَافِرِينَ }

(19) - وَحِينَما جَاءَتْ هؤُلاءِ المُنَافِقِينَ دَعْوَةُ اللهِ، وَبَيِّناتُهُ وآياتُهُ، وَوُجِّهَتْ أَبْصَارُهُمْ إِلى حُجَجِ اللهِ القَائِمَةِ في الأَنْفُسِ وَالآفَاقِ الْتَمَعَ في نُفُوسِهِمْ قَبَسٌ مِنْ نُورِ الهِدَايَةِ، وَلكِنَّهُمْ سُرْعَانَ مَا اعْتَرَضَتْهُمْ ظُلمَاتُ الشُّبَهِ وَالتَّقَالِيدِ وَالخَوْفِ مِنَ الذَّمِّ، إِذا أَخَذُوا بمَا يُخَالِفُ آراءَ مَنْ حَوْلَهُمْ، فَاعْتَرَتْ نُفُوسَهُمُ الحَيْرَةُ والقَلَقُ والاضْطِرابُ. وَقَدْ مَثَّلَ اللهُ حَالَ هؤلاءِ المُنَافِقِينَ بِحَالِ قَوْمٍ في إِحدَى الفَلَواتِ نَزَلَ بِهِمْ - بَعْدَ حُلُولِ ظَلاَمِ اللَّيلِ - مَطَرٌ شَدِيدٌ يَتَسَاقَطُ مِنَ السَّمَاءِ، تُصَاحِبُهُ رُعُودٌ قَاصِفَةٌ، وَبُرُوقٌ لاَمِعَةٌ، وَصَوَاعِقُ مُنْقَضَّةٌ فَتَولاَّهُمُ الدَّهَشُ والرُّعْبُ، وَأَهْوَوْا بِأَصَابِعِهِمْ لِيَضَعُوهَا فِي آذانِهِمْ لِيَمْنَعُوا وُصُولَ الأَصْوَاتِ المُخِيفَةِ المُزْعِجَةِ إِلى أَسْمَاعِهِمْ، لِمَا يَحْذَرُونَهُ مِنَ المَوْتِ. وَلكِنْ هَلْ يُنْجِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ؟ إِنَّ الله قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بأَسْمَاعِهِم وَأبْصَارِهِمْ وَلكِنَّهُ إِذا لمْ يَفْعَلْ فَمَا ذلِكَ إِلاَّ لحِكْمَةٍ اقْتَضَتْهَا مَشِيئَتُهُ.

الصَّيِّبُ - المَطَرُ الذِي يَنْزِلُ.

الرَّعْدُ - الصَّوتُ الذِي يُسْمَعُ فِي السَّحَابِ وَقْتَ البَرْقِ.

البَرْقُ - النُّورُ اللاَّمِعُ في السَّحَابِ.

الصَّاعِقَةُ - نَارٌ تَنْقَضُّ مِنْ بَيْنِ السَّحَابِ.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #37  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ) مصنف و مدقق

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } * { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ } * { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }


أَنا عبد الرحمن، قال: نا إِبراهيم، قال: نا آدم قال: نا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله، عز وجل: { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ } [الآية: 19]. [يقول: جامعهم في جهنم].

أَنا عبد الرحمن، قال: نا إِبراهيم، قال: نا آدم قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [الآية: 23] / 2و/ يعني ناساً يشهدون.

أَنا عبد الرحمن، قال: نا [إِبراهيم، قال: نا آدم قال: نا ورقاءُ عن] ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } [الآية: 25]. يقول: ما أَشبهه (به) يقول: من كل صنف مثل.

أَخبرنا عبد الرحمن، قال: نا إِبراهيم، قال: نا آدم، قال: نا ورقاءُ عن بن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } [الآية: 25]. قال: خيار أَيضاً. وفي قوله: { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } [الآية: 25]. قال: طهرن من الحيض والغائط والبول والبزاق والنخامة والمني والولد.

أنبا عبد الرحمن، قال: نا إِبراهيم، قال: نا آدم، قال نا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } يعني الأَمثال كلها، صغيرها وكبيرها، يؤمن بها المؤمنون. و { فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } ، ويهديهم الله بها و { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَاسِقِينَ } [الآية: 26] يقول: يعرفه الفاسقون فيكفرون به.

أَنبا عبد الرحمن قال: ثنا إِبراهيم، قال: نا آدم قال: نا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح عن مجاهد، في قوله: { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } قال: نعظمك ونكبرك، فقال الله، عز وجل: { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الآية: 30] قال علم من إِبليس المعصية وخلقه لها.

أَنا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: نا آدم قال: ثنا ورقاء عن ابن أَبي نجيح عن مجاهد، في قوله { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } [الآية: 25]. قال: خيار أَيضاً.

أَنا عبد الرحمن بن الحسن، قال: نا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قال: { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا }. يعني ما خلق الله كله. فقال: { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ } [الآية: 31]. بأَسماء هذه التي حدث بها آدم.

أَنبا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: نا آدم قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح عن مجاهد، في قوله { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } [الآية: 36]. يعني إِبليس وآدم.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #38  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق 1-4

تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق 1-4

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


قولُه تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ }: في " أو " خمسة أقوال، أظهرهُا: أنها للتفصيلِ بمعنى أنَّ الناظرينَ في حالِ هؤلاء منهم مَنْ يُشَبِّهُهُمْ بحال المستوقدِ الذي هذه صفتُهُ، ومنهم مَنْ يُشَبِّهُهُمْ بأصحاب صَيِّبٍ هذه صفتُه. الثاني: أنها للإِبهام، أي: إن الله أَبْهَم على عباده تشبيهَهم بهؤلاء أو بهؤلاء، الثالث: أنها للشَّكِّ، بمعنى أن الناظر يَشُكُّ في تشبيههم. الرابع: أنها للإِباحة. الخامس: أنها للتخيير، أي: أًُبيح للناس أن يشبِّهوهم بكذا أو بكذا، وخُيِّروا في ذلك. وزاد الكوفيون فيها معنيين آخرين، أحدُهما: كونُها بمعنى الواو, وأنشدوا:

225ـ جاء الخلافةَ أو كانَتْ له قَدَراًكما أتى ربَّه موسى على قَدَرِ


والثاني: كونُها بمعنى بل، وأنشدوا:

226ـ بَدَتْ مثلَ قَرْن الشمسِ في رَوْنَقِ الضُّحَىوصورتِها أَوْ أَنْتَ في العينِ أَمْلَحُ


أي: بل أنت.

و " كصيبٍ " معطوفٌ على " كَمَثَل " ، فهو في محلِّ رفع، ولا بُدَّ من حذف مضافَيْنِ، ليصِحَّ المعنى، التقدير: أو كمثل ذَوي صَيِّب، ولذلك رَجَعَ عليه ضميرُ الجمع في قوله: { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم } لأنَّ المعنى على تشبيهِهم بأصحاب الصيِّب لا بالصيِّب نفسِه. والصيِّبُ: المطر: سُمِّي بذلك لنزولِهِ، يقال: صابَ يصُوبُ إذا نَزَلَ، قال:

227ـ فلسْتُ لإِنسِيٍّ ولكن لِمَلأَكٍتَنَزَّلَ من جوِّ السماءِ يَصُوبُ


وقال آخر:

228ـ فلا تَعْدِلي بيني وبينَ مُغَمَّرٍسَقَتْكِ رَوايا المُزْنِ حيثُ تَصُوبُ


واختُلف في وزن صَيِّب: فمذهبُ البصريين أنه " فَيْعِل " ، والأصلُ: صَيْوبٍ فَأُدْغِمَ كميِّت وهيِّن والأصلُ: مَيْوِت وهَيْوِن. وقال بعض الكوفيين: وزنه فَعِيل، والأصل " صَويب بزنة طَويل، قال النحاس: " وهذا خطأٌ لأنه كانَ ينبغي أن يَصِحَّ ولا يُعَلَّ كطويل " وكذا قال أبو البقاء. وقيل وزنه: فَعْيِل فقُلِب وأُدْغِم.

واعلم أنه إذا قيل بأن الجملةَ من قوله: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } استئنافيةٌ ومن قوله { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } أنها من وصف المنافقين كانتا/ جملتي اعتراضٍ بين المتعاطفَين، أعني قوله: كمثل وكصيّب، وهي مسألةُ خلاف منعها الفارسي وقد رُدَّ عليه بقول الشاعر:

229ـ لَعَمْرُكَ والخُطوبُ مُغَيِّراتٌوفي طولِ المُعَاشَرَةِ التَّقالي

لقد بالَيْتُ مَظْعَنَ أمِّ أَوْفَىولكنْ أمُّ أَوفَى لا تُبالي


فَفَصَلَ بين القسمِ وهو قولُهُ: " لَعَمْرُك " وبين جوابِهِ وهو قولُهُ: " لقد بالَيْت " بجملتين، إحداهما: " والخطوبُ مغيِّرات " والثانيةُ: " وفي طولِ المعاشرةِ التقالي " [قولُه:] " مِن السماءِ " يَحْتمل وجهينِ، أحدُهما أَن يكونَ متعلقاً بـ " صَيِّب " لأنه يعملُ عملَ الفعلِ، التقديرُ: كمطرٍ يصوبُ من السماء، و " مِنْ " لابتداء الغاية. والثاني: أن يكونَ في محلِّ جر صفةً لصيِّب، فيتعلَّقَ بمحذوف، وتكونُ " مِنْ " للتبعيض، ولا بُدَّ حينئذٍ من حذفِ مضافٍ، تقديرهُ: كصيِّب كائنٍ من أمطارِ السماءِ.
-1-

والسماءُ: كلُّ ما عَلاَك من سقف ونحوه، مشتقةٌ من السُّمُوِّ، وهو الارتفاعُ والأصل: سَماوٌ، وإنما قُلِبَتِ الواوُ هَمْزَةً لوقوعِها طرفاً بعد ألفٍ زائدةٍ، وهو بدلٌ مطَّرد، نحو: كِساء ورِدَاء، بخلافِ نحو: سِقاية وشَقاوة، لعدم تطرُّفِ حرفِ العلة، ولذلك لَمَّا دَخلت عليها تاءُ التأنيث صَحَّتْ نحو: سَماوة، قال الشاعر:

230ـ طيَّ الليالي زُلَفاً فَزُلَفَاسَماوَةَ الهلالِ حتى احْقَوْقَفَا


والسماءُ مؤنث، وقد تُذَكَّر، وأنشدوا:

231ـ فلو رَفَعَ السماءُ إليه قوماًلَحِقْنَا بالسماءِ مَعَ السحابِ


فأعاد الضميرَ مِنْ قوله: " إليه " على السماءِ مذكَّراً، ويُجْمع على سَماوات وأَسْمِيَة وسُمِيَّ، والأصل: فُعول، إلا أنه أُعِلَّ إعلالَ عُصِيّ بقلب الواوين يائين وهو قلبٌ مطَّرد في الجمع، ويَقِلُّ في المفرد نحو: عتا عُتِيَّا، كما شَذَّ التصحيحُ في الجمع، قالوا: " إنكم تنظرون في نُحُوٍّ كثيرةٍ " ، وجُمِعَ أيضاً على سَمَاء، ولكن مفردَه سَماوة، فيكونُ من باب تَمْرة وتمر، ويدلُّ على ذلك قولُه:

232ـ.............................................فوق سَبْعِ سَمَائِيا


ووجهُ الدلالة أنه مُيِّزَ به " سبع " ، ولا تُمَيَّز هي وأخواتُها إلا بجمعٍ مجرور.

قولهُ تعالَى: " فيه ظلماتٌ وَرَعْدٌ وبَرْقٌ " يَحْتمل أربعةَ أوجه، أحدها: أَنْ يكونَ صفةً لـ " صَيِّب ". الثاني: أن يكونَ حالاً منه، وإنْ كان نكرةً لتخصُّصِهِ: إِمَّا بالعملِ في الجار بعدَه، أو بصفةٍ بالجارِ بعده. الثالث: أن يكونَ حالاً من الضميرِ المستكنِّ في " مِن السماء " إذا قيل إنه صفةٌ لصيِّب، فيتعلَّقُ في التقادير الثلاثة بمحذوفٍ، إلاَّ أنه على القولِ الأولِ في محلِّ جرٍّ لكونه صفةً لمجرورٍ، وعلى القولين الأخيرين في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ. و " ظلماتٌ " على جميع هذه الأقوال فاعلٌ به لأنَّ الجارَّ والمجرورَ والظرفَ متى اعتمدا على موصوفٍ أو ذي حال أو ذي خبرٍ أو على نفي أو استفهام عمِلاَ عَمَلَ الفِعْلِ، والأخفش يُعْمِلهما مطلقاً كالوصف، وسيأتي تحريرُ ذلك. الرابعُ: أن يكونَ خبراً مقدَّماً و " ظلماتٌ " مبتدأ، والجملةُ تحتمل وجهين: الجرَّ على أنها صِفَةٌ لصيِّب. والثاني: النصبُ على الحال، وصاحِبُ الحال يُحْتمل أن يكونَ " كصيِّب " وإن كان نكرةً لتخصيصهِ بما تقدَّمه، وأن يكونَ الضميرَ المستكنَّ في " مِنْ السماء " إذا جُعِلَ وصفاً لصيِّب، والضمير في " فيه " ضميرُ الصَيِّب ".

واعلم أنَّ جَعْلَ الجارَّ صفةً أو حالاً، ورفعَ " ظلماتٌ " على الفاعلية به أَرْجَحُ مِنْ جَعْلِ " فيه ظلماتٌ " جملةً برأسِها في محلِّ صفةٍ أو حالٍ، لأنَّ الجارَّ أقربُ إلى المفردِ من الجملة، وأصلُ الصفةِ والحال أن يكونا مفرَدَيْنِ.

" وَرَعْدٌ وبَرْقٌ " معطوفانِ على ظُلُماتٌ " بالاعتبارين المتقدمين، وهما في الأصل مصدران تقول: رَعَدت السماء تَرْعُدُ رَعْداً وَبَرَقَتْ بَرْقاً، قال أبو البقاء: " وهما على ذلك [مُوَحَّدَتان] هنا " ، يعني على المصدريَّة، ويجوز أن يكونا بمعنى الراعِد والبارِق نحو: رجل عَدْلٌ، والظاهرُ أنهما في الآية ليس المرادُ بهما المصدرَ بل جُعِلاَ اسماً للهزِّ واللمعَانِ، وهو مقصودٌ الآيةِ، ولا حاجةَ حينئذٍ إلى جَعْلِهِمَا بمعنى اسمِ فاعل.
-2-

قولُه تعالى: { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم } هذه الجملةُ الظاهرُ أنها لا محلَّ لها لاستئنافِها، كأنه قيل: ما حالُهم؟ فقيل: يَجْعَلون. وقيل: بل لها محلٌّ، ثم اختُلِفَ فيه، فقيل: جَرٌّ لأنها صفةٌ للمجرور، أي: أصحابُ صيِّب جاعلين، والضميرُ محذوفٌ، أو نابَتْ الألفُ واللام منابَه، تقديرُهُ: يَجْعَلُونَ أصابعهم في آذانهم من الصواعق منه أو من صواعِقِه. وقيل: محلُّها نصبٌ على الحال من الضمير " فيه ". والكلامُ في العائدِ كما تَقَدَّم، والجَعْلُ هنا بمعنى الإِلقاء، ويكونُ بمعنى الخَلْق فيتعدَّى لواحِدٍ، ويكون بمعنى صيَّر أو سَمَّى فيتعدَّى لاثنين، ويكون للشروع فيعملُ عَمَلَ عسى.

وأصابِعُهم جمعُ إصْبَع، وفيها عشرُ لغاتٍ، بتثليث الهمزة مع تثليث الباء، والعاشرة: أُصْبوع بضمِّ الهمزة. والواوُ في " يَجْعلون " تعود للمضاف المحذوف كما تقدم إيضاحُهُ. واعلمْ أنَّه إذا حُذِفَ المضافُ جاز فيه اعتباران، أحدهما: أن يُلْتفت إليه، والثاني ألاَّ يُلْتَفَتَ إليه، وقد جُمِع الأمران في قوله تعالى:

{ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [الأعراف7: 4]،

التقدير: وكم من أهل قرية فلم يُرَاعِه في قوله: { أَهْلَكْنَاهَا [فَجَآءَهَا } ] وراعاه في قوله: { أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } /. و { فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ } كلاهما متعلقٌ بالجَعْل، و " مِنْ " معناها التعليل. والصواعِقُ: جمع صاعقة، وهي الصيحة الشديدة من صوت الرعد يكون معها القطعة من النار، ويقال: ساعِقة بالسين، وصاقِعة بتقديمِ القاف وأنشد:

233ـ ألم تَرَ أنَّ المجرمين أصابَهُمْصواقِعُ، لا بل هُنَّ فوق الصواقِعِ


ومثلُه قول الآخر:

234- يَحْكُمُونَ بالمَصْقُولَةِ القواطِعِتَشَقُّقَ اليدَيْنِ بِالصَّواقِعِ


وهي قراءةُ الحسن، قالَ النحاسَ: " وهي لغةُ تميم وبعض بني ربيعة " فيُحتمل أن تكونَ صاقِعَة مقلوبةً من صاعِقَة، ويُحْتَمَل ألاَّ تكونَ، وهو الأظهرُ لثبوتها لغةً مستقلةً كما تقدَّم، ويقال: صَعْقَة أيضاً، وقد قَرَأَ بها الكسائي في الذاريات، يقال: صُعِقَ زيدٌ وأَصْعَقَهُ غيرُه: قال:

235ـ تَرى النُّعَراتِ الزُرْقَ تَحْتَ لَبَانِهِأُحادَ وَمَثْنَى أصْعَقَتْهَا صواهِلُهْ


قولُه تعالى: " حَذَرَ الموت " فيه وجهان، أظهرهُما: أنه مفعولٌ من أجله ناصبُه " يَجْعلون " ولا يَضُرُّ تعدُّدُ المفعولِ مِنْ أجْله، لأنَّ الفعلَ يُعَلِّل بعِلَلٍ.

الثاني: أنه منصوبٌ على المصدرِ وعامِلُهُ محذوفٌ تقديرُهُ: يَحْذَرُونَ حَذَراً مثلَ حَذَرِ الموت، والحَذَرُ والحِذار مصدران لحَذرِ أي: خافَ خوفاً شديداً.

واعلم أنَّ المفعولَ مِنْ أجله بالنسبةِ إلى نَصْبِهِ وجرِّه بالحرف على ثلاثةِ أقسام: قسم يكثُر نصبُه وهو ما كان غَيْرَ مُعَرَّفٍ بأل مضافٍ نحو: جِئْت إكراماً لك، وقسم عكسُه، وهو ما كان معرَّفاً بأل. ومِنْ مجيئه منصوباً قولُ الشاعر:

236ـ لا أَقْعُدُ الجُبْنَ عن الهَيْجَاءِولو توالَتْ زُمَرُ الأعداءِ

-3-

وقسم يستوي فيه الأمران وهو المضافُ كالآيةِ الكريمة، ويكونُ معرفةً ونكرةً، وقد جَمَعَ حاتِم الطائيُّ الأمرينِ في قوله:

237ـ وَأَغْفِرُ عوراءَ الكريمِ ادِّخَارَهُوأُعْرِضُ عن شَتْمِ اللئيمِ تَكَرُّمَا


و " حَذَرَ الموت " مصدرٌ مضافٌ إلى المفعول، وفاعلُه محذوفٌ، وهو أحدُ المواضِعِ التي يجوزُ فيها حذفُ الفاعلِ وحدَه، [والثاني: فِعْلُ ما لم يُسَمَّ فاعلُهُ، والثالث: فاعل أَفْعَل في التعجب على الصحيح، وما عدا هذه لا يجوز فيه حذفُ الفاعلِ وحدَه] خلافاً للكوفيين. والموتُ ضدُّ الحياة يقال: مات يموت ويَمات، قال الشاعر:

238ـ بُنَيَّتي سَيِّدَةَ البناتِعِيشي ولا يُؤْمَنُ أن تَماتي


وعلى هذه اللغة قُرِئَ: مِتْنَا ومِتُّ بكسر الميم كخِفْنَا وخِفْت، فوزنُ ماتَ على اللغةِ الأولى: فَعَل بفتح العينِ، وعلى الثانية: فَعِل بكسرِها، والمُوات بالضمِّ الموتُ أيضاً، وبالفتح: ما لا رُوحَ فيهِ، والمَوَتان بالتحريك ضد الحَيَوان، ومنه قولُهم " اشْتَرِ المَوَتانِ ولا تَشْتَرِ الحَيَوان " ، أي: اشتر الأَرَضِين ولا تَشْترِ الرقيق فإنه في مَعْرِضِ الهلاك. والمُوتان بضمِّ الميم: وقوعُ الموتِ في الماشية، ومُوِّت فلانٌ بالتشديد للمبالغة، قال:

239ـ فَعُرْوَةُ مات موتاً مستريحاًفها أنا ذا أُمَوَّتُ كلَّ يومِ


والمُسْتميتُ: الأمرُ المُسْتَرْسِلُ، قال رؤبة:

240ـ وزَبَدُ البَحْرِ له كَتِيتُوالليلُ فوق الماء مُسْتَمِيتُ


قولُه تعالى: " والله محيطٌ بالكافرين " جملةٌ من مبتدأ وخبرٍ، وأصلُ مُحِيط: مُحْوِط، لأنه من حاطَ يَحُوطُ فأُعِلَّ كإعلال نَسْتعين. والإِحاطةُ: حَصْرُ الشيء مِنْ جميعِ جهاتِهِ، وهو هنا عبارةٌ عن كونِهِم تحت قَهْرِهِ، ولا يَفُوتونه. وقيل: ثمَّ مضافٌ محذوفٌ، أي عقابُهُ محيطٌ بهم. وهذه الجملةُ قال الزمخشري: " هي اعتراضٌ لا محلَّ لها من الإِعراب ". كأنه يَعْني بذلك أنَّ جملَةَ قولِه: يَجْعلون أصابِعَهم، وجملةَ قوله: " يكاد البرق " شيءٌ واحدٌ، لأنَّهما من قصةٍ واحدةٍ فوقَعَ ما بينهما اعتراضاً.

-4-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #39  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق

تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ أَوْ كَصَيِّبٍ } عطف على الذي استوقد، والتقدير: أو كصاحب صيب، أو للتنويع؛ لأن هذا مثل آخر ضربه الله للمنافقين، والصيب: المطر، وأصله صيوب، ووزنه فعيل، وهو مشتق من قولك صاب يصوب، وفي قوله: { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } إشارة إلى قوته وشدّة انصبابه، قال ابن مسعود: إنّ رجلين من المنافقين هربا إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر وأيقنا بالهلاك، فعزما على الإيمان، ورجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامهما، فضرب الله ما أنزل فيهما مثلاً للمنافقين، وقيل: المعنى تشبيه المنافقين في حيرتهم في الدين وفي خوفهم على أنفسهم بمن أصابه مطر فيه ظلمات ورعد وبرق، فضلّ عن الطريق وخاف الهلاك على نفسه، وهذا التشبيه على الجملة، وقيل: إن التشبيه على التفصيل، فالمطر مثل للقرآن أو الإسلام، والظلمات مثل لما فيه من الإشكال على المنافقين، والرعد مثل لما فيه من الوعيد والزجر لهم، والبرق مثل لما فيه من البراهين الواضحة، فإن قيل: لم قال رعد وبرق بالإفراد، ولم يجمعه كما جمع ظلمات؟ فالجواب: أن الرعد والبرق مصدران، والمصدر لا يجمع، ويحتمل أن يكونا اسمين وجمعهما لأنهما في الأصل مصدران { يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ } أي من أجل الصواعق، قال ابن مسعود: كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم، لئلا يسمعوا القرآن في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم. فهو على هذا حقيقة في المنافقين، والصواعق على هذا ما يكرهون من القرآن والموت هو ما يتخوفونه فهما مجازان، وقيل: لإنه راجع لأصحاب المطر المشبه بهم فهو حقيقة فيهم، والصواعق على هذا حقيقة، وهي التي تكون من المطر من شدة الرعد، ونزول قطعة نار والموت أيضاً حقيقة. وقيل: إنه راجع للمنافقين على وجه التشبيه لهم في خوفهم بمن جعل أصابعهم في آذانه؛ من شدة الخوف من المطر والرعد، فإن قيل: لم قال أصابعهم ولم يقل أناملهم والأنامل هي التي تجعل في الآذان؟ فالجواب: أن ذكر الأصابع أبلغ لأنها أعظم من الأنامل، ولذلك جمعها مع أن الذي يجعل في الآذان السبابة خاصة { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } أي لا يفوتونه؛ بل هم تحت قهره، وهو قادر على عقابهم.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #40  
قديم 12-15-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق 1-2

تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق 1-2

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أُخرى، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم (كصيِّب) والصيب: المطر نزل من السماء في حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق، و (رعد): وهو ما يزعج القلوب من الخوف، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى:

{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } [المنافقون63: 4]، وقال:
{وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ *لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } [التوبة9: 56-57].


و (البرق): هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان، ولهذا قال: { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ } أي ولا يجدي عنهم حذرهم شيئاً لأن الله محيط بهم بقدرته، وهم تحت مشيئته وإرادته، كما قال:

{ هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ *فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ *بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ *وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } [البروج85: 17-20]

أي بهم، ثم قال: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي لشدته وقوته في نفسه وضعف بصائرهم وعدم ثباتها للإيمان. قال ابن عباس: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي لشدة ضوء الحق { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه، وتارة تعرض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين. وعن ابن عباس: يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا: أي متحيرين. وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم، فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ وأكثر من ذلك وأقل من ذلك، ومنهم من يطفأ نوره تارة ويضيء أُخرى، ومنهم من يمشي على الصراط تارة ويقف أخرى، ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخُلَّص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم:

{ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } [الحدي57: 13].

وقال في حق المؤمنين:

{ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [الحديد57: 12] الآية. وقال تعالى:
{ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التحريم66: 8].


وقوله تعالى: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } عن ابن عباس في قوله تعالى: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } ، قال: لما تركوا من الحق بعد معرفته، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }: أي إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير.

-1-

وقال ابن جرير: إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير. ومعنى (قدير) قادر كما معنى (عليم) عالم. وذهب ابن جرير ومن تبعه من كثير من المفسرين إلى أن هذين المَثَلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين. وتكون (أو) في قوله تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } بمعنى الواو، كقوله تعالى:

{ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } [الإنسان76: 24]،

أو تكون للتخيير. أي اضرب لهم مثلاً بهذا وإن شئت بهذا. قال القرطبي: أو للتساوي مثل جالس الحسن أو ابن سيرين، ووجَّهه الزمخشري بأن كلاً منهما مساو للآخر في إباحة الجلوس إليه ويكون معناه على قوله: سواء ضربت لهم مثلاً بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم.


(قلت): وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات، كما ذكرها الله تعالى في سورة (براءة) - ومنهم - ومنهم - ومنهم - يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال، فجعلُ هذين المثلين لصنفين منهم أشدُّ مطابقة لأحوالهم وصفاتهم والله أعلم، كما ضرب المثلين في سورة (النور) لصنفي الكفّار الدعاة والمقلدين، وفي قوله تعالى:

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } [النور24: 39]، إلى أن قال:
{ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ } [النور24: 40] الآية.

فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب، والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين، والله أعلم بالصواب.


-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:28 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.