تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق 11-20 من 34
{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }
فانظر إلى أعمال الصنّاع في إصلاح آلات الحراثة والطحْن والخبز من نجّار وحداد وغيره، وانظر إلى حاجة الحدّاد إلى الحديد والرصاص والنُحاس، وانظر كيف خلَق الله الجبالَ والأحجار والمعادن، فإن فتّشتَ علمتَ انّ رغيفاً واحداً لا يستدير ما لم يعمل عليه أكثر من ألف صانع، ابتداؤها من المَلَك الذي يزجي السحاب لينزل الماء، الى آخر الأعمال من جهة الملائكة، حتّى تنتهي النوبةُ إلى الإنسان، فإذا استدير طلبه قريب من سبعة آلاف صانع، كلّ صانع أصل من أصول الصنائع التي بها تتمّ مصلحة الخلْق، ثم تأمّل في كثرة أعمال الإنسان في تلك الآلات.
حتّى أن الإبرة الصغيرة التي فائدتها خياطة اللباس الذي يمنع عنك البرْد، لا يكمل صورتها إلاّ بعد أن تمرّ على يد الإبريّ خمسة وعشرين مرّة.
ثمّ اعلم أنّ هؤلاء الصنّاع، لو تفرّقت آراؤهم، وتنافروا تنافر طباع الوحش وتبدّدها بحيث لا يحويهم مكانٌ واحدٌ ولا يجمعهم غرَضٌ واحد، فانظر كيف ألّف الله بين قلوبهم، فلأجل الإلْف وتعارف الأرواح اجتمعوا وائتلفوا، وبنوا البلدان والمُدن، ورتَّبوا المساكن والدور والأسواق والخانات وما أشبهها مما يطولُ شرحُه.
ثمّ هذه المحبّة تزولُ بأغراض يزاحمون عليها، ويتنافسون فيها، حتّى ينجرّ إلى الحسَد والغَيظ، وذلك يؤدّي الى التقابل والتفاسد، فانظر كيف سلّط الله عليهم السلاطين وأيّدهم بالقوّة والشوكة والعدّة والأسباب، وألقى رُعبهم في قلوبُ الرعايا حتّى أذعنوا لها طَوعاً وكُرهاً، وكيف هَدى الله السلاطين إلى طريق إصلاح البلاد، حتّى رتّبوا أجزاء المدينة كأنّها أزاء شخص واحد تتعاون تلك الأجزاء على غرضٍ واحدٍ يتبع البعض منا بالبعض، ورتّبوا الرؤساء والقضاة والحكّام وزعماء الأسواق، واضطرّوا الخَلْق الى قانون العدل، وألزموهم للتساعد والتعاون بذلك القانون.
فانظر كيف بعث الأنبياء حتّى أصلحوا السلاطين المصلحين للرعايا، وعرّفوهم قوانين الشرع في حفظ العدْل بين الخَلق، وقوانين السياسة في ضبطهم، وكشفوا من أحكام الإمامة والإمارة وأحكام الفقه والقضاء ما اهتدوا به الى إصلاح الدنيا، فضلاً عما أرشدوهم إليه من إصلاح الدين.
فانظر كيف أصلح الله الأنبياء بالملائكة، وكيف أصلح الملائكة بعضهم ببعض، إلى أن ينتهي إلى الملَك المقرّب الذي لا واسطة بينه وبين الله، فينتهي إلى حضرة الربوبيّة التي هي ينبوع كلّ نظام، ومطلع كلّ حسْن وجمال، ومنشأ كلّ كمال واعتدال.
وكل ذلك الذي عدّدناه قطرةٌ من بحار كرمه ونعمه، ولولا فضله ورحمته إذ قال:
-11-
{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم14: 34].
فبإذنه انبسطنا، وبمنعه انقبضنا، لأنّه القابض والباسط لأزمّة أفكارنا، وهو الممسك والمرسل لأعِنّة عقولنا واختيارنا.
فهذا ما أردنا ايرادَه من بيان حقيقة النعمة وتقسيمها، وذكْر أقسامها ودرجاتها ومجامعها وأصنافها، والإشعار بأنّها متسلسلة، وأنّ الإحاطة بها ليس بمقدور البشر وإنّما هو شأن من خلَق القُوى والقدر.
وليعذرني إخوان الحقيقة في اطناب الكلام في هذا المقام، وايراد نكات لخّصتها وجرّدتها من صُحف الكرام، تكثيراً لفوائد هذا الباب، وتشبّهاً بالبرَرة الكتّاب، ومنه البداية وإليه المآب.
قوله جل اسمه:
{ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }
قرئ " غيرَ " بالنصب في الشواذّ ورويت عن ابن كثير وهي قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرئ " غير الضالين " وروي ذلك عن عليّ (عليه السلام).
وأما النصب فعلى الحاليّة عن الضمير المجرور، والعامل فيه " أنعمْتَ " ، أو بإضمار " أعْني " أو بالإستثناء، إن فسّر النعم بما يشمل القبيلين ويعمّ.
وفي الجرّ ثلاثةُ وجوهٍ: كونه بدلاً من ضمير " عليهم " ، وكونه بدلاً من الموصول، وكونه صفة له موضحة أو مخصصة على معنى كونهم جامعين بين أسباب النعمة والكمال، وبين أسباب السلامة من مظاهر الغضَب والضلال، وإن كان الأصل في " غير " أن يكون صفة للنكرة فذلك إنّما يستصح بأحد وجهين:
جعل الموصوف مجرى النكرة، بأن لم يُقصد بهذا الموصول موقّت معهود كالمحلّى في قوله: وَلقد أمرّ على اللئيم يسبّني.
أو جعل الصفة مجرى المعرفة لكون " غير " مضافاً إلى ما له ضدٌّ واحد، فإنّ للمغضوب عليه ضداً واحداً هو المنعمَ عليه. فيكون متعيّناً معروفاً عندك تعريف الحركة بغير السكون، فإذا قلت: عليك بالحركة غير السكون، فوصفت المعرفة بالمعرفة، بل وصفتَ الشيء بنفسه لأنّها عينه، فكأنك كرّرت الحركة تأكيداً.
و " عليهم " الاول في محلّ النصب على المفعولية، والثاني في محلّ الرفع على الفاعليّة بالنيابة.
و " لا " زائدة تأكيداً لما في " غير " من معنى النفي الحرفيّ، ولهذا تقول: أنا زيداً غير ضارب، كما تقول: أنا زيداً لا ضارب. ولا تقول: أنا زيداً مثل ضارب.
والغضَب - ها هنا - بمعنى إرادة إنزال العقوبة على من يستحقّها في صورة الانتقام حكمةً من الله، لا بمعنى كيفيّة نفسانية توجب ثَوران الدم للانتقام تشفّياً عن حالة الغيظ كما في الحيوان. فاطلاق الغضَب ونحوه على الله تعالى باعتبار غاياته الفعليّة لا باعتبار مباديه الإنفعالية كما مرّ في معنى الرحمة. هذا ما أدّى إليه النظر العقلي، وتحقيق ذلك ونحوه مما يُحوج إلى نور المكاشفة كما وقعت الإشارة إليه.
والضلال؛ هو العدول والذهاب عن طريق التوحيد ومنهج الحقّ، وأصله الهلاك، ومنه قوله تعالى:
-12-
وللعدول جهاتٌ وشُعبٌ كثيرة، ولكلّ منها عرض عريض، وبازاء كلّ ضرب من العدول ضرب من الغضب.
وعند المفسّرين: المغضوب عليهم اليهود لقوله تعالى فيهم:
وقال الحسن البصري: إنّ الله لم يبرئ اليهود عن الضلالة بإضافتها الى النصارى، ولم يبرئ النصارى عن الغضب بإضافته الى اليهود، بل كلّ من الطائفتين مغضوبٌ عليهم وهم ضالّون، إلاّ انّه تعالى قد خصّ كلَّ فريق بسِمةٍ تُعرفُ بها مع كونهم مشتركين في صفات كثيرة.
وقال عبد القاهر: حقّ اللفظ فيه خروجُه مخرج الجنس وأن لا يُقصد به قوم بأعيانهم كما تقول: اللهمّ اجعلني ممّن انعمتَ عليهم ولا تجعلني ممن غضبتَ عليهم، فإنك لا تريد أنّ ها هنا قوماً باعيانهم هذه صفتهم. وفيه موضع تأمّل كما لا يخفى على من عرف العُرف.
ويتّجه لأحد أن يقول: إنّ المغضوب عليهم هم العُصاة والفسقةُ، والضّالّين هم الجهّال والكفّرةُ، لأنّ المهتدى بنور الحقّ الى الصراط المسقيم، والفائز بكرامة الوصول الى النعيم، من جمع الله له بين تكميل عقله النظري بنور الايمان، وتكميل عقله العملي بتوفيق العمل بالأركان، فكان المقابل له في الجملة من اختلّ إحدى كريمتيه وقوّتيه العاقلةُ والعاملةُ فالمخلّ بالعمل فاسقٌ مغضوبٌ عليه لقوله تعالى في القاتل عمداً:
وإنما لم يقلْ: غير الذين غضبتَ عليهم، على وفاق: الذينَ أنعَمْتَ عَلَيْهِم، ترجيحاً لجانب النعمة على جانب النقمة، بنسبة الفعل إليه تعالى في الأولى صريحاً، وفي الثانية بخلاف ذلك، كما هو دأب كرمه وجرْيُ عادته في سَوق كلامه المجيد، مثل قوله تعالى:
مكاشفة
[استعارة الالفاظ للايصال الى المعانى العرفانية]
اعلم أنّ تمام التحقيق في هذه الآية، يحتاج الى الاستمداد من بحر عظيم من بحار علوم المكاشفة، فنقول على طبق ما حقّقه صاحب البصيرة المكحّلة بنور الهداية: إنّ لله في جلاله وكبريائه صفةٌ بها يفيض على الخلْق نورَ حكمته وجُوده تكويناً واختراعاً، يعبّر عنها بلفظ، جلّت عظمة تلك الصفة أن تكون في عالم الألفاظ عبارة تدلّ على كنه حقيقتها، لعلوّ شأنها، وانحطاط رتبة واضعي اللغات أن يمتدّ طرفُهم إلى مبادي إشراقاتها، فانخفضت عن ذُروتها أبصارُهم انخفاض أبصار الخفافيش عن ذُروة الشمس، فاضطرّ الذين فُتحت أبصارُهم لملاحظة جلالها، إلى ان يستعيروا من حضيض عالَم الظلمات عبارةً توهِم من مبادي أنوار حقيقتها شيئاً ضعيفاً جداً، فاستعاروا لها لفظ " القدرة " فتجاسَرنا بتوقيفٍ من جانب الشرع أنّ لله صفةً يصدر عنها الخَلْق والاختراع، ثمّ الخَلْق ينقسم في الوجود تقسيماً عقلياً إلى أقسام، لتنوّعات فصول ومبادي انقسام، فاستُعير لمصدَر هذه الأقسام ومبدء هذه التخصيصات بمثل تلك الضرورة الواقعة في عالَم الألفاظ والأصوات عبارة " المشيّة " ، ثمّ انقسمت الأفعال الصادرة من القُدرة المنبعثة عن المشيّة الناشية عن الحكمة التي هي علمُه بالنظام الأكمل وهو عين ذاته، إلى ما ينساق الى المنتهى الذي هو غاية حكْمتها الى ما يوقف به دون الغاية، وكان لكلّ منهما نسبة الى صفة المشيّة لرجوعها إلى الاختصاصات التي بها يتمّ الاختلاف والقسمة، فاستُعير لنسبة البالغ غايته عبارة المحبوب، وهو المنعَم عليه، ولنسبة الواقف دون غايته عبارة المكروه، وهو المغضوب عليه.
-13-
وقيل: إنّهما جميعاً داخلان تحت المشيّة، إلاّ انّ لكلّ منهما خاصيّة أخرى في النسبة، يوهِم لفظ المحبّة والكراهةُ منهما أمراً مجملاً عند طلاّب اكتساب العلوم من اطلاقات الألفاظ واللغات.
ثمّ نقول: لمّا كان لكلّ منهما خاصيّة لازمة تكون مقتضى ذاته من غير تخلّل جعل مستأنف بينه وبينها، وهي مستدعيةٌ لأن تنزل إليه من سلطان الأزل لباساً يناسبه ويردّ عليه من المشية السابقة كسوة ملائمة، فانقسَم عبادُه الذين هم أيضاً من خلْقه واختراعه، إلى من سبقت له في المشيّة الأزليّة أن يستعمله لاستيقاف حكمته دون غايتها، ويكون ذلك قهراً في حقّهم بتسليط الدواعي والبواعث عليهم، وإلى من سبقت لهم في الأزل أن يستعملهم لسياقة حكمته الى غايتها في بعض الأمور، ويكون ذلك لطفاً في حقّهم.
فكان لكلّ من الفريقين نسبةٌ خاصّة إلى المشيّة، فاستعير لإحداهما عبارةُ " الرضا " وللأخرى عبارة " الغضب ".
وظهَر على من غضب عليه في الأزل فعلٌ وقفت الحكمة به دون غايتها، فاستعير له " الكفران " ، واردف ذلك بنقمة اللعن زيادة في النكال.
وظهر على من ارتضاه في الأزل فعلٌ انساقت به الحكمة الى غايتها، فاستعير له الشكْر، واردف بخلعة الثناء زيادة في الرضاء والقبول.
فكان الحاصل انّه أعطى الجمال ثم أثنى عليه، وأعطى النكال ثمّ قبّح وأردى، فيكون بالحقيقة هو المجمِل والمُثني على الجمال، والمثنى عليه بكلّ حال.
وكأنّه لم يثن إلا على نفسه، وإنما العبد هدف الثناء من حيث الظاهر، فهكذا كانت الأمور في أزل الآزال، وهكذا تسلسلت الأسباب بتقدير ربّ الأرباب، ولم يكن شيء من ذلك عن اتّفاق وبخت كما زعمَه أصحابُ ذيمقراطيس. ولا عن إرادة بحت من دون غاية وحكمة كما عليه أصحاب الأشعري، بل عن إرادةٍ وحكمةٍ وحكْمٍ جزْمٍ، وأمرٍ حتْمٍ، استُعير له لفظ " القضاء ".
وقيل: إنّه كلمحٍ بالبصر، ففاضت بحار المقادير بحكم ذلك القضاء المبرم بما سبق به التقديرُ، فاستُعير لترتّب آحاد المقدورات بعضها على بعض، لفظ " القَدَر " ، فكان لفظ القضاء بإزاء ذلك الأمر العقلي الكلّي، ولفظ القدَر بإزاء ذلك الأمر التفصيلي القدَري المتمادي إلى غير النهاية.
-14-
وقيل: ليس شيء من ذلك بخارجٍ عن قانون القضاء والقدَر، فخطَر لبعض العباد أنّ القسمة لِماذا اقتضت هذا التفصيل؟ وكيف انتظم العدل مع هذا التفاوت في الايجاد والتكميل؟
وكأنّ بعضهم لقصورهم لم يطيقوا ملاحظةَ كُنْه الأمر والإحتواء على مجَامعه، فأُلجموا عمّا لم يطيقوا خوض غمرته بلجام المنع، وقيل لهم: اسكتوا، فما لهذا خلقتم " لا يُسألُ عما يفعلَ وهمْ يُسألون " ، عليكم بدين العجائز والزَمنى عن سلوك عالَم السماء، وقُصارى إيمانكم أن تؤمنوا بالغيب ايمانَ الأكمه بالألوان، اسكتوا، وأنّى للعميان والسؤال عن حقائق الألوان.
وأما من امتلأت مشكاة عقلهم المنفعل من نور الله النافذ في السموات والأرض، وكان زيتهم أولاً صافياً يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار، فمسّته نارُ العقل الفعّال فاشتعل نوراً على نور، فأشرقت أقطار الملكوت بين أيديهم بنور ربّها فأدركوا الأمور كما هي عليه، فقيل لهم: تأدّبوا بأدب الله، واسكتوا، واذا ذُكر القدَر فأَمسكوا فإنّ للحيطان آذان، وحواليكم ضعفاءُ الأبصار فسيروا بسَير أضعفكم، ولا تكشفوا حجاب الشمس لأبصار الخفافيش، فيكون ذلك سبب هلاكهم، فتخلّقوا بأخلاق الله، وانزلوا إلى السماء الدنيا من منتهى علوِّكم ليأنس بكم الضعفاء، ويقتبسوا من بقايا أنواركم المشرِقة من وراء حجابكم، كما يقتبس الخفّاش من بقاء نور الشمس والكواكب في جنح الليل، فيحيى به حياة تحتملها شخصُه وحالُه لا حياة المتردّدين في كمال نور الشمس، وكونوا كما قيل:
شرِبنا وأهرَقنا على الأرضِ فضلةً | | وللأرضِ من كأسِ الكِرامِ نَصيبٌ |
تمثيل نوري
[بيان أن لا مؤثر في الوجود إلا الله، والحكمة في أفعاله]
وقد ضرَب الله مثلاً لهذا المرام تقريباً إلى أفهام الأنام، وقد عرّف أنه ما خلَق الجِنَّ والإنس إلاّ ليعبدون، وكانت عبادتهم ومعرفتهم غاية الحكمة في حقِّهم، فأخبَر انّ له عبدين يُحبّ أحدَهما واسمه جبرائيل وروح القدس والروح الأمين، وهو عنده محبوب مطاع مكين، ويُبغض الآخر واسمه إبليس، وهو اللعين المنظَر إلى يوم الدين.
ثمّ أحال الإرشاد والتعليم إلى جبرائيل فقال:
وأحال الإغواء والإضلال على إبليس فقال: { لِيضِلَّهُمْ عَنْ سَبيله }.
والهداية: تبليغ العباد وسياقتهم الى غاية الحكمة، فانظر كيف نسبَها الى العبد الذي أحبّه.
والإغواءُ: استيقافهم دون بلوغ غاية الحكمة، فانظُر كيف نسبَه إلى العبد الذي غضِب عليه مع انّه لا فاعِل ولا حاكِم إلاّ هو كما قال:
-15-
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [الشمس91: 7 - 8].
وهذا محض العدل وحُسن الترتيب في النظام.
ولهذا الأمر، يوجَد لك في الشاهد مثال، فالملك إذا كان له عبدان، ويريد أن يسقيه أحدهما، ويكنس الآخر فناءَ منزلة من القاذورات، لا يفوّض سقي الشراب الطيّب إلاّ إلى أحسنهما وأطيبهما منظراً وأحبهما إليه، ولا يعيّن للكُنْس إلاّ أقبحهما صورة وأخسّهما، ولا ينبغي لك أن تقول: هذا فعلي، فلم يكن فعله على مذاق فعلي، فإنّك أخطأت إذا أضفت ذلك الى نفسك، بل هو الذي صرفك وداعيتك لتخصيص الفعلِ المكروه بالشخصِ المكروهِ، والفعْل الحسَن بالشخص المحبوب، إتماماً للعدل، فإنّ عدلَه تارةً يتمّ بما لا مدخل لك فيه وتارةً يتمّ فيك أو بمالَكَ فيه مدخلٌ فإنّك ايضاً من أفعاله.
فداعيتُك وعلمُك وقدرتُك وسائرُ أسباب حركتك في التعيين هو فِعْله الذي رتّبه بالعدْل والحكْمة ترتيباً تصدر منه الأفعال المعتدلة، إلاّ انّك لا ترى إلاّ نفسك، فتظنّ إنّ ما يظهر عليك في عالَم الشهادة ليس له سببٌ من عالَم الغيب والملكوت، فلذلك تضيفه الى نفسك.
وإنّما أنتَ مِثْل الصَبيّ الذي ينظر ليلاً الى لعب المشعبِذ الذي يُخرج صوراً من وراء حجاب، يرقص ويَزْعق ويقوم ويقعد، فيتعجّب لظنّه أنّ هذه الأفعال إنّما تصدُر من تلك الصوَر. ولم يعلم أنّها لا تتحرّك بأنفسها، وإنّما تحركها خيوطٌ شَعريّة دقيقة لا تظهر في ظلام الليل، ورؤوسها في يد المشعبِذ، وهو محتجب عن الصبيان فيفرحون ويتعجّبون.
وأما العقلاء، فإنّهم يعلمون أنّ ذلك يُحرَّك وليس يتحرَّك، ولكنّهم ربما لم يعلموا تفصيله، والذي يعلم بعضَ تفصيله لا يعلمه كما يعلم المشعبِذ الذي يعود الأمرُ إليه، والجاذبة بيديه، فكذلك صبيان الدنيا والخَلْق كلُّهم صبيانٌ، إلاّ العلماء، إلاّ إنّهم لا يعرفون كيفيّة التحريك، وهم الأكثرون، إلاّ الراسخون في العلم، فإنّهم أدركوا بحدّة أبصارهم خيوطاً ورباطاتٍ دقيقةً معلقةً من السماء، متشبّثة الأطراف بأشخاص أهل الأرض، لا تُدرَك تلك الخيوط لدقّتها بهذه الأنظار الظاهرة، ثمّ شاهَدوا رؤوسَ تلك الخيوط في مناطات لها هي معلّقة منها، ولها أيضاً مقابضٌ وعُرىً هي في أيدي الملائكة المحرّكين للسماوات، وشاهَدوا أبصار ملائكة السموات مصروفةً إلى حمَلةِ العرْشِ ينتظرون منهم ما ينزل إليهم من الأمر من حضرة الربوبيّة، كي لا يعصون الله ما أمرَهم ويفعلون [ما يؤمرون].
وعبّر عن هذه المكاشفات في القرآن:
مكاشفة أخرى
[مظاهر الرحمة والغضب]
إنّ لله مع تقدّس ذاته وتنزّه صفاته عن الأجزاء والأعضاء، يدَين مقدّستين كلتاهما يمين الله، وهما في الأفعال العاليَة بإزاء الصفَتين المتقابلتين؛ كالرحمة والغضب، والرضاء والسخط في الصفات.
-16-
ولهما قبضتان، كما يدل عليه قوله تعالى:
ووَرد في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): " يطوي الله السمواتِ يومَ القيامة ثمّ يأخذهنّ بيده اليُمنى ثمّ يقول: أنا الملِك، أين الجبَّارون؟ أين المتكبّرون؟ ثم يطوي الأرَضين بشماله ".
وفي رواية يأخذهنّ بيده الأخرى ثمّ يقول: أين الجبّارون، أين المتكبرون؟
وله أيضاً عند إستوائه على العرش قدَمان متدلّيتان إلى الكرسي، إحداهما ما يعبّر عنه بقدَم الصدْق يعطي ثبوت أهل الجنّات في جنّاتهم، والأخرى ما يعبَّر عنه بقدَم الجبروت، يعطي ثبوت أهل جهنّم في جهنّم.
فهذه الأمور من المراتب الإلهيّة، ولوازمها من الأمور العامّة، وهي التي تعرض للموجودات الإمكانية لقصور درجتها عن درك المراتب الإلهيّة.
فاعلم انّ حكم الغضبَ الإلهي تكميل مرتبة قبضة الشمال، فإنّه وإن كانت كِلتا يدَيه المقدّستين يميناً مباركة، لكن حكْم كلّ واحدة منهما يُخالف الأخرى، والشماليّة واليمينيّة، باعتبار أصحابهما فلهذا قال:
فلليدِ الواحدة - المضاف إليها عموم السعداء - الرحمة والجنان، وللأخرى العذاب والنيران.
ولكلٍّ منهما دولة وسلطنة يظهر حكمها في السعداء القائمين بشروط العبوديّة وحقوق الربوبيّة حسَب المقدور، وفي الأشقياء المعتدين الجائرين المنحرفين عن سنن الاستقامة ومسلك الاعتدال، المفرَطين في حقوق الإلهية، والمضيفين إلى أنفسهم ما لا يستحقّونه.
وغاية حظّهم من تلك الأحكام ما اتّصل لهم بشفاعة ظاهر الصورة الإنسانية المحاكية لصورة الإنسان الحقيقي، وشفاعة نسبة الجمعيّة والقدْر المشترك الظاهر بعموم الرحمة الظاهرة الحكْم في هذه الدار، فلما جهلوا كنْه الأمر فاغترّوا وادّعوا وأشركوا وأخطأوا في الإضافة، فلا جرَم استعدّوا بتلك الأحكام الغضبَ والانتقام، فالحقّ يطالبهم بحقّه في القيامة.
ولولا سبق الرحمةِ الغضب، ما تأخّرت عقوبة مَنْ شأنُهُ ما ذكرناه، مع انّه ما ثمَّ من سُلم من الجور بالكليّة، ولو لم يكن إلاّ جورنا في ضمن أبينا آدم حين مخالفته فلكلّ منّا نصيبٌ من ذلك، يجني ثمرته عاجلاً بالمحن، وآجلاً بحكم:
وإلى عموم الجور وقعت الإشارة في قوله:
-17-
أي: ممنوعاً، فالرحمة العامّة تستلزم العطاءَ الشامل لكل شيءٍ، لا جرم وقع الأمر هكذا، فحقّت الكلمة، وعمّت النعمة، وظهَر حكم الغضب، ثمّ غلبت الرحمة، فلا يخلو منها شيء من الممكنات، كلّ منها على حسب حاله وقدْر منزلته.
فكما انّ رحمتُه تعالى شاملة واسعة لكلّ شيءٍ، فكذلك غضبُه، إلاّ انّ جانب الرحمة ارجح لكونها ذاتيّة، والغضب عارض، لقصور الممكن لإمكانه عن قبول النور الأتمّ.
وإليه الإشارة في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): سبحانَ مَن أتّسعت رحمتُه لأوليائه في شدة نقمته، واشتدّت نقمته لأعدائه في سعة رحمته.
وكذا الوعد والايعاد شاملٌ للكلّ، إذ وعده في الحقيقة عبارةٌ عن ايصال كلّ واحد منّا إلى غايته وكماله المعيّن له أزلاً، فكما انّ الجنّة موعودٌ بها، كذلك النار. ووعيده هو العذاب الذي يتعلّق بالإسم المنتقم، فأهل الجنّة إنما يدخلونها بالايعاد والابتلاء بأنواع المصائب والمحَن، كما ورَد في الخبر عنه (صلّى الله عليه وآله): " أشدّ الناس بلاءً في الدنيا الأنبياء، ثمّ الأولياء، ثمّ الصالحون، ثمّ الأمثلُ فالأمثَلُ وقال أيضاً: ما أوذي نبيٌّ مثل ما أوذيت ".
ثمّ فوق هذا سرٌّ عزيزٌ جداً قلّما يجد له ذائقاً، وهو انّ الكمّل من أهل الله كالانبياء والأولياء ومن شاركهم في بعض صفات الكمال، إنّما امتازوا عن من سواهم أولاً بسعة الدائرة الوجوديّة، وصفاء جوهر الروح، والاستيعاب الذي هو من لوازم الجمعيّة، كما نبّهت عليه في حقيقة الإنسان الكامل، الذي هو برزخ الحضرتين ومرآتهما، وحضرة الحق مشتملة على جميع الأسماء والصفات، بل هي منبعٌ لسائر النِسب والإضافات، والغضب من امّهاتها، والمحاذاة الشريفة الصفاتية إنّما قامت بين الغضب والرحمة.
فمَن ظهر بصورة الحضرة الجمعيّة بتمامها، وكانت ذاته مرآة كاملة، لا بدّ وأن يظهر فيها كلُّ ما اشتملت الحضرة، وما اشتمل عليه الإمكان على الوجه الأتمّ الأشرف، فلا جرم وقع الأمر كما مرّ من سرّ قوله: ما أوذي نبيٌّ مثلَ ما أوذيت. وما يجري مجرى ذلك.
ولولا سبق الرحمة الغضب، كان الأمر أشدّ، فكما ان حظّهم من النعيم أشدّ، فكذا في الطرف الآخر، لكن في الدنيا، لأن هذه النشأة هي الظاهرة بأحكام حضرة الإمكان المقتضية للنقائص والآلام، ولذا قال: نحنُ معاشر الأنبياء أشدّ الناس بلاءً في الدنيا.
ومن بُعث رحمةً للعالمين فدى بنفسه - في الأوقات الشديدة كالغَزوات المقتضية عموم العقوبة لسلطنة الغضب - ضعفاء الخلق.
وكذا نبّه على هذا السرّ (صلّى الله عليه وآله) أهلَ الذوق، الأتمّ لمّا رأى جهنّم وهو في صلاة الكسوف يتّقي حرَّها عن وجهه وثوبه، ويتأخّر عن مكانه، ويتضرّع ويقول: ألم تعدني يا ربّ أنّك لا تعذّبهم وأنا فيهم؟ ألم ألم حتّى حجبت عنه فأفهم واغتنم.
-18-
وأهل النار إنّما يدخلونها بالجاذب والسائق والجاذب إلى النار المناسبةُ الواقعةُ بينها وبين أهلها. والسائق لهم هو الشيطان، كما أنّ الجاذبَ لأهل الجنّة إلى الجنّة المناسبةُ بينهما، والسائق لهم المَلَك، فالوعْد والوعيد كلاهما شاملان لكلّ العبيد وفيه سرّ قوله (صلى الله عليه وآله): " حُفَّت الجنّةُ بالمكاره وحُفّت النارُ بالشهوات " بل الجنّة نفسُ المكاره عند من كره لقاءَ الله وكره الله لقائهم. والنار مبدأ الشهوات وصورتها الأخرويّة لمن يستحقّها، وهي نعيمهم، كما أنّ الجنَة نعيمُ أهلها، ويملأ الله جهنَّم بغضبه المشوب وقضائه، ويملأ الجنّة برحمته المشوبة ورضاه، فيعم الوجود رحمة، ويبسط النعمة فيكون الخَلق كما هم في الدنيا كلُّ حزبٍ بما لدَيهم فرِحون، لأنّهم أفعاله الصادرة منه.
وقد ورد في الخبر: إنّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال، وهو صانعُ العالَم وأوجده على شاكلته كما قال:
{ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } [الإسراء17: 84]
فَربُّكُم الغفُورُ ذُو الرَّحْمةِ. فالعالَم كلّه على غاية الجمال لأنّه مرآة الحق. ولهذا هَامَ فيه العارفون، وتحقّق بمحبّته المتحقّقون، لأنه المنظور إليه في كل عين، والمحبوب بكلّ محبّة، والمعبود بكلّ عبادة، والمقصود في الغيب والشهود، وجميع العالم له مصلٍّ وحامد ومسبّح.
فيتحوّلون لتحوّله في الأحكام والآثار، وآخر صورة يتحوّل إليها في الحكم في عباده صورةُ الرضا. فيتحوّل الحقّ في صورة النعيم، فإن الرحيم والمعافي أول من رحم ويعفو وينعم على نفسه بإزالة ما كان فيه من الحرَج والكرَب والغضَب على من أغضبه، ثمّ سرى ذلك في المغضوب عليه، فمن فهم هذا فقد أمِنَ من غضبه، ولم يأمن من مكر الله، ومن لم يفهَم، فسيَعلمُ ويفهم، فإنّ المآل إليه.
هذا نظر البالغين من الرجال بنور الرياضة والمجاهدة الى مقام الولاية والمحبّة والأحوال، وأمّا الذي وردت به الأخبار، وأعطاه الايمان والعلْم، إنّما هي أحوالٌ تظهر ومقامات تتشخّص ومعانٍ تتجسّد، ليعلم الله عباده معنى الإسم الإلهي الظاهر، وهو ما بدا من هذا كلّه، والإسم الإلهي الباطن، وهو هويّته، وقد تسمّى لنا بهما.
وأما قوله:
ولما تقرّرت هذه المكاشفات فنقول: لمّا خلَق الله العرشَ وجعله محل استواء الرحمة الوجوديّة، وأحديّة كلمة الايجاديّة التي هي قول " كن " ، وخلَق الكرسي وانقسمت فيه الكلمة إلى أمرين: أمر وخَلْق ليخلق من كلّ شيء زوجين. وظهرت الشفعيّة من الكرسي بالفعل، وكانت قبله بالقوّة، وبحسب الوهم، إذ كل ممكن زوج تركيبي كما قالته الحكماء، وهما جهتا الإمكان والوجوب، أو الماهية والوجود، أو الفقر والمحبّة، باختلاف العبارات، ليعلم أنّ الحق مستأثرٌ بالأحديّة وإنّ الموجدَ الأول وإن كان واحد العين فله حكم نسبة إلى ما ظهر عنه، فهذا أصل شفعيّة العالَم، فتدلّت إلى الكرسي القدمان حتّى انقسمت فيه الكلمةُ الروحانيّة، لأنه الثاني بعد العرش في الصورة، والشكل فيه حصل شكلان في جسم العالَم الطبيعي، فتدلّت اليه القدمان، فاستقرّت كلّ قدم في مكان، فسمّي المكان الواحد جنّة والآخر جهنّماً.
-19-
وليس بعدهما مكان تنتقل اليه هاتان القدمان، وهما لا يستمدّان إلاّ من الأصل الذي ظَهَرَتا منه وهو الرحمن، فلا يعطيان إلاّ الرحمة، فإن النهاية ترجع الى البداية بالحكمة، غير أن بين البداية والنهاية طريقاً، وإلاّ لم يكن بدؤ ولا نهاية، والسفر مظنّة التعب والشقاء واللغوب. فهذا سبب ظهور ما ظهر في العالم دنياً وآخرةً، وبرزخاً، من الشقاء، وعند انتهاء الاستقرار يلقي عصى التسيار، وتقع الراحة في دار القرار والبوار.
ولأحد أن يقول: فكان ينبغي عند الحلول في الدار الواحدة المسمّاة ناراً أن توجد الراحة وليس الأمر كذلك.
فيقال له: صدقتَ، ولكن فاتك النظر التمام، وذلك انّ المسافرين على نوعين: مسافر يكون سفره مما هو فيه مترفهاً، من كونه محبوباً مخدوماً، حاصلاً له جميع أغراضه في محفّة محمولة على أعناق الرجال، محفوظاً عن تغير الأهواء، فهذا مثلَه في الوصول الى المنزل، مثَل أهل الجنّة في الجنّة.
ومسافر يقطع الطريق على قدميه، قليل الزاد، ضعيف المؤنة، إذا وصَل إلى المنزل بقيت معه بقيّة التعب والمشقّة زماناً، حتى تذهب عنه، ثمّ يجد الراحة، فهذا مثَل من يتعذّب ويشقى في النار التي هي منزله، ثمّ تعمّه الراحة التي وسعت كلّ شيء.
ومسافر بينهما ليست له رفاهيّة صاحب الجنّة، ولا عذاب صاحب النار التي منزله، فهو بين راحة وتعب، فهي الطائفة التي تخرج من النار بشفاعة الشافعين، وبإخراج أرحم الراحمين.
وهم على طبقات بقدر ما يبقى عنهم من التعب فيزول في النار شيئاً فشيئاً، فإذا انتهت مدّته، خرج الى الجنة وهو محلّ الراحة.
وآخر من بقي هم الذين ما عملوا خيراً قط، لا من جهة الايمان، ولا بإتيان مكارم الأخلاق، غير انّ العناية سبقت لهم أن يكونوا من أهل تلك الدار وهم من أهل الدار، الذين هم أهلها، فغلّقت الأبواب، واطبقت النار، ووقع اليأس من الخروج، فحينئذ تعمّ الراحة لأهلها، لأنّهم قد يئسوا من الخروج منها كما يئس الكفّار من أصحاب القبور.
وقد جعلهم على مزاج يصلح ساكن تلك الدار، فلما يئسوا فرِحوا، فنعيمُهم هذا القدر، وهو أول نعيم يجدونه، وحالهم فيها كما قدمنا بعد فراغ مدّة الشقاء، انّهم يستعذبون العذاب فتزول الآلام، ويصير العذاب عذباً كما يستحلي صاحبُ الجرَب من يحكّه، هذا ما أدّى اليه نظر صاحب المشرب الختمي والمقام الجمعي، حيث ذكر بعد ما نقَلناه من مكاشفاته. فافهم نعيم كل دار تستعذبه إنشاء الله.
ألا ترى صدق ما قلناه، النار لا تزال متألّمة لما فيها من النقص وعدم الإمتلاء حتّى يضع الجبّارُ قدمَه فيها كما ورد في الحديث، وهي إحدى تينك القدَمين المذكورتين في الكرسي.
-20-