إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > المنتدى الفكري

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 11-30-2011
المحرر السياسي المحرر السياسي غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 106
افتراضي المسلمون وعوامل قوتهم وضعفهم

(عوامل قوة المسلمين)
بقلم الشيخ: معن فريحات
تقوم قوة المسلمين على مبدأ الإسلام، ففيه وحدة بقائهم، وبه ارتقاؤهم، فهو إذن قَوام وجودهم.
وبهذا المبدأ استطاع الإسلام أن يحقق المعجزة، بصهْر تلك القوميات المتناقضة والأهواء المتفرقة والأمزجة المختلفة في وحدة المبدأ وربطها بالعقيدة، لم يعرف لها التاريخ نظيراً في القوة ولا في المَنَعة ولا عزّاً ولا انسجاماً بين الأفراد والجماعات، وكان أن اتسعت الفتوحات الإسلامية بشمل هذا النسيج كل أجناس العالم تحت راية الحق وسلطان المسلمين. ودخل الناس في دين الله أفواجاً أمماً وشعوباً، ودولاً، وأعطوا اللواء لله ولرسوله وللمؤمنين، ثم أعطوا التابعية لدولة الإسلام، فكانوا أمّة واحدة مَثَلُهُم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحُمّى، فارتقوا إلى القمة الشاهقة وإلى منصة الاستاذية في العالم، وكانوا محط أنظار العلماء والحكماء، يجيئون إليهم من كل حدب وصوب، وكان نصرٌ واحدٌ لمسلم واحد هو نصرٌ للمسلمين، وهزيمة واحدة لمسلم واحد في أية بقعة من بقاع الأرض هي هزيمة لكل المسلمين، مما يحرك المشاعر والألم والعمل لنجدته، فكانوا العين الساهرة على حماية المظلومين أياً كانوا، والقوة المعبِّرة عن إزالة الجبروت الزائف والسلطان المهلهل، فكانوا دولة عزيزة منيعة حتى سمّاهم أعداؤهم "بالجيش الذي لا يُغلَب".
فعَرَف أعداؤنا مَكمَن قوّتنا، فعَمدوا إلى إيجاد الوسائل التي تُضعِف فهْم المسلمين له، وتُضعِف من تطبيقهم له.
والوسائل التي استعملوها لإضعاف فهم هذا المبدأ من قِبل أصحابه كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال ما يتعلق منها بنصوص هذا المبدأ وما يتعلق منها باللغة التي تؤدي إلى فهم هذا المبدأ، ومنها ما تعلق بانطباقه على واقع الحياة.
عمدوا إلى الأحاديث النبوية يدرسونها ليُضمِّنوها معاني غير إسلامية، ومفاهيم تناقض الإسلام لكي يأخذها المسلمون ويعملوا بما فيها، فيُبعَدوا عن الإسلام شيئاً فشيئاً.
فما كان من المسلمين إلاّ أن انتبهوا لهذه المؤامرة، فهبّ العلماء سراعاً فجمعوا الحديث ووضعوا تاريخ الرواة وأوصافهم، فبيّنوا الحديث الصحيح من غير الصحيح حتى حُفظ الحديث فحُصرت روايته في تابعي التابعين عن الصحابة الكرام، ولم تُقبَل بعدهم أية رواية، وحُصر الرواة، وعُرف كل واحد منهم، وبُيّنت طبقات الحديث حتى أصبح بإمكان كل مسلم إذا تتبع الحديث أن يعرف صحته من ضعفه من كذبه، بمعرفة سنده ومتنه.
عمدوا إلى اللغة العربية التي بها يتم فهم هذا المبدأ، وبدونها لا يُفهم إطلاقاً، وأخذوا يحاولون فصلها عن الإسلام، لكنهم لم يُفلحوا بادئ ذي بدء، فقد حَمَل المسلمون الفاتحون هذا المبدأ واللغة معاً، وكانوا يواجهون أحداثاً جديدة في البلاد المفتوحة، ولكنهم سرعان ما يجتهدون فيستنبطون الحل، مما حدا بهؤلاء الناس أن يعرفوا صدق هذا المبدأ وقدرته على حل المشكلات المستجدّة، فيدخلون في دين الله. وكان العلماء المسلمون يعلّمون الناس اللغة العربية كما يعلّمونهم القرآن، فحذق الناس في اللغة وأتقنوها، وكان حرصهم عليها شديداً لأنها جزءٌ جوهريٌ في الإسلام، وشرط من شروط الاجتهاد فيه.

عوامل ضعف المسلمين

إن هذه العناية فُقدت بعد القرن السادس الهجري حيث تولى الحكم مَن لا يعرف للغة العربية قيمتها وحقّها وفضلها، فأهملوا أمرها، وبذلك وقف الفهم وقلّ الاجتهاد، وأصبح لا يمكن استنباط الأحكام لمن لا يعرف هذه اللغة، فانفصلت العربية عن الإسلام، واضطرب على المسلمين الفهم للأحكام، كما اضطرب عليهم تطبيقها وتطبيق الإسلام. فكان أن تراكمت المشاكل دون أي اجتهاد، حتى ضعُفت الدولة، وسبّب الهزال والاضمحلال.
أمّا بالنسبة لانطباق الإسلام على وقائع الحياة، فقد عمدوا في القرون الأولى إلى محاولة التوفيق بين الفلسفة الهندية والإسلام، وفُسّر الزهد في الدنيا وطلب الآخرة بالتقشف وتعذيب الجسد، حتى صرف الكثيرون عن مباهج الحياة وعن خوض غمارها، فكانوا غير عاملين في معترك الحياة. كل هذا حدّ من جهد أبناء الأمّة التي كان عليها أن تستخدم كل جهدها في الدعوة إلى الإسلام بدل أن تبذل قواها في تعذيب الأجساد، فأدى ذلك إلى نشوء أفكار بعيدة عن الإسلام، غريبة عليه، كفكرة التصوف..!!
ثم كان الغزو الثقافي من الغرب لبلاد المسلمين، حاملاً حضارةً تناقض حضارة الإسلام، ومفاهيم تناقض مفاهيم الإسلام، وقوانين تناقض أحكام الإسلام، وأوهموهم –لسخافتهم- أنها من الإسلام ولا تناقضه، فأقبلوا عليها سراعاً كأنها ضالّتهم، فأدى ذلك إلى تحكّم تلك الحضارة العفنة المنحلّة في المسلمين وأبعدتهم عن الإسلام شيئاً فشيئاً، فأخذوا يرون أن الحياة منفعة ومتعة، ونسوا حظاً كبيراً مما أوتوا حتى تغشّاهم على الدهر الجمود، فأخذوا الأنظمة والقوانين فأدخلوها في جسم الدولة العثمانية، فأوّلوا الربا المحرّم إلى فوائد تحرص عليها الدولة، ففتحوا لها المصارف وعطّلوا حكم الله، وأدخلوا قانون الجزاء مما أدى إلى الابتعاد عن حكم الله فهماً وتطبيقاً إلى أن تركوا الحكم جملةً وتفصيلاً، فأُبعدوا عن المبدأ الذي به قوّتهم ومَنَعتهم وعزّهم.
وأمّا على الصعيد السياسي فقد أساءوا التطبيق، فكان لنشوء الأحزاب السياسية -لا سيما ذات الرأي النافذ- أن تتخذ الأعمال العسكرية للوصول إلى الحكم لتطبيق رأيها، فقام العباسيون واستولوا على فارس والعراق واتخذوها نقطة ارتكاز لهم، انتقلوا منها حتى استولوا على الدولة ليكون الحكم في بني هاشم، ثم كان الفاطميون الذين أخذوا مصر وأقاموا بها خلافة لينطلقوا إلى أجزاء الدولة الأخرى فيحتلوها ليكون الحكم في أبناء فاطمة رضي الله عنها.
إلاّ أن الذي دعا الأحزاب السياسية إلى طريقها هذا –القوة- هو ما حصل من الأمويين من اتباع طريقة العهد بالقوة ثم البيعة، مما أضعف الأمل في انتظار البيعة والاعتماد عليها في الوصول إلى الحكم.
فهذا معاوية استولى على الحكم بالخديعة والقوة، وعَهد إلى ابنه يزيد بالقوة، وأخَذَ البيعة له، ثم تتابع الأمويون من بعده على هذا المنوال، مما حدا بالأحزاب السياسية الأخرى إلى استخدام القوة طريقاً للوصول إلى الحكم.
غير أن هذا الأمر لم يكن يؤثر في الدولة؛ لأن قوتها كانت أعظم، ولكن ظهر فيما بعد، حين ضعفت الدولة، إذ لم تقتصر على أخذ البيعة بالقوة عن طريق العهد، بل تعدى ذلك إلى الولاة، فإن سكوت الدولة العباسية عن "عبدالرحمن الداخل" في الأندلس وترْكها له يستقل فيها إدارة منفردة من قِبل ولاة أطلقوا على أنفسهم فيما بعد اسم أمير المؤمنين، مما أدى إلى إضعاف الدولة، وزادت ضعفاً على ضعف، فكان أن استولى أعداء الأمّة على الأندلس في عنفوان قوتهم. هذا في المغرب، أمّا المشرق، فإن إعطاء الولاية العامة للولاة، وجعْل الصلاحيات الواسعة لهم، حرّك فيهم أحاسيس السيادة وأطماعهم، فاستقلوا بالإدارة الداخلية، ورضي الخليفة منهم ذلك، واكتفى بالدعوة له على المنابر، وفي إصدار براءة التعيين منه، وفي ضرب النقد باسمه، وإرسال الخَراج له.
فكانت الولاية تشبه إلى حد ما في استقلالها الدويلات، كما كان الحال مع السلجوقيين والحمدانيين وغيرهم، فكانت هذه الأمور سبباً أدى إلى الضعف والانحلال. إلى أن جاء العثمانيون وسيطروا على أكثر العالم الإسلامي في القرن التاسع الهجري. وفي القرن العاشر الهجري ضموا البلاد العربية وامتد سلطانهم امتداداً كبيراً وعُنوا بقوة المسلمين –السلطان- وتنظيم الجيش وأبّهة الحكم، واشتغلوا بالفتوحات، وأهملوا اللغة العربية، ولم يهتموا بأمر الإسلام من حيث الفكر ولا من حيث التشريع، فانخفض مستوى الدولة الفكري والتشريعي، وبسبب ذلك كانت الدولة قوية قوة ظاهرة، ولكنها حقيقةً من الداخل مهزوزة ضعيفة، إلاّ أن هذا الضعف لم يظهر عليها بسبب قوتها العسكرية ونفوذها.
ويعود السبب في إهمالها الناحية الفكرية والتشريعية إلى أنها كانت تقيس فكرها وتشريعها بفكر وتشريع أوروبا، فكانت ترى نفسها خيراً منها حيث أوروبا كانت في الجهل المظلم والانحطاط، وما كانت هناك محاولة إصلاح إلاّ فشلت، فكانت ترى الدولة العثمانية نفسها أعظم تشريعاً وأفضل حالاً.
وعَمِيَت الدولة العثمانية عن هزالها الداخلي بسبب جمود فكرها وتفكك الأمّة، وقد أعماها عن رؤية ذلك انتصارها على أوروبا واستيلاؤها على البلقان والجزء الجنوبي الشرقي منها، مما أثار الرعب في جميع دول أوروبا، فنشأت فكرة المسألة الشرقية؛ وهي: "اتقاء زحف الدولة الإسلامية إلى جميع البلاد الأوروبية" تحت قيادة محمد الفاتح في القرن التاسع الهجري ومَن خَلَفه من السلاطين، ذلك الزحف الذي استمر إلى أواخر القرن الحادي عشر الهجري على يد السلطان سليمان القانوني، وتركَّز تركيزاً قوياً حتى أواسط القرن الثاني عشر الهجري. وفي هذه المدة كانت قوة الاستمرار عاملاً فعالاً في إعطاء الدولة هذه القوة، فقد كانت قوة العقيدة ووجود بعض المفاهيم عن الحياة الإسلامية رغم عدم تبلورها عند المسلمين، ووجود نظام الإسلام رغم إساءة تطبيقه، كل ذلك كان قد مكّن الدولة من الاستمرار والقوة، وساعدها على ذلك الحالُ المضطرب فكرياً وتشريعياً في أوروبا.
وما أن أتى النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري حتى تحوّل الأمر وبدأ الضعف الداخلي في الدولة العثمانية يبرز إلى الوجود؛ لأن كيان الدولة الداخلي كان مهلهلاً، وما أن جاء القرن الثالث عشر الهجري حتى كان ميزان التاريخ بين الدولة الإسلامية والدول الأوروبية يتأرجح، فأخذت كفة العالم الإسلامي تخف وكفة الدول الأوروبية ترجح شيئاً فشيئاً؛ لأن اليقظة الأوروبية بدأت تظهر نتائجها، وبدأت تظهر على المسلمين نتائج الجمود الفكري والتشريعي وسوء تطبيق نظام الإسلام.
فالقرن التاسع عشر الميلادي شهد انقلاباً كبيراً في الأفكار الأوروبية على أثر الجهد الكبير الذي بذله الفلاسفة والمفكرون لإيجاد نظام للحياة، فأوجدوا فكرة فصل الدين عن الحياة، ثم أوجدوا لهذه الفكرة نظاماً ثم طريقة في التنفيذ ثم أوجدوا كيفية في حمايتها.
فنهضت أوروبا سياسياً وفكرياً وصناعياً وعلمياً –لأن النهضة تتبع المبدأ- في حين جمد المسلمون وبات من المؤكد أن تنقلب المسألة الشرقية إلى تقسيم الدولة العثمانية وإنهاء وجودها، وهذا ما حصل بالفعل.
كان واجباً على الدولة الإسلامية أن تنظر في حالها بدل أن تقف حائرة أمام نهضة أوروبا وتقلّب الأسباب وتشجّع على الفكر والاستنباط والاجتهاد، وتشجّع على العلم والمعرفة والبحث والتنقيب، ولكنها لم تفعل شيئاً من ذلك، مما أدى إلى تخلّف المعارف عند الدولة الإسلامية، وبقيت الكتب والثروات العلمية محفوظة في خزائنها، ولم يعد هناك علماء ومفكرون إلاّ قليلاً، وصارت المعارف لا تُطلَب إلاّ للترف العقلي، ويطلقون عليه "طلب العلم للعلم" أو يطلبونه للارتزاق، فصار الإسلام يُفهَم على أنه روحاني وليس عملياً وتشريعياً وفكرياً وسياسياً، وجمد الفكر وانحطت الأمّة وبقيت في موقف الحائر أمام نهضة أوروبا، يأخذونها أم يتركونها، وجلّهم متلهف قزمٌ أمامها.
كثيرون كانوا يرونها أنها تتعارض مع الإسلام، لذلك حرّموها ونادوا بتحريم الأخذ بها، حتى أنه حين ظهرت المطابع وعزمت الدولة على طبع القرآن، حرّم الفقهاء حينئذ طبعه، وصاروا يُفتون بتحريم كل جديد، وتكفير كل من يتعلم العلوم الطبيعية، واتهام كل مفكر بالزندقة والإلحاد..!!
وكانت هناك جماعة ترى بضرورة الأخذ بكل شيء من الغرب، من علم وثقافة، وحضارة ومدنية، وكان هؤلاء من الذين تعلّموا في أوروبا أو في المدارس التبشيرية التي دخلت البلاد، وجمهرة الناس كانت تحمل فكرة التوفيق بين الإسلام وبين الثقافة الغربية..!!
حتى سادت فكرة أن الغرب أخذ حضارته من الإسلام، فأقبلوا على الأخذ بالحضارة والثقافة والفنون بحجة أنها لا تناقض الإسلام وأنها من الإسلام، وكان أن تزعّم هذه الفكرة علماء ومتعلمون أطلِق عليهم اسم "العلماء العصريون المصلحيّون". ونظراً للتناقض الحقيقي بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، وللتباين الواضح بين الثقافتين وما تضمنتاه من وجهة نظر كلّ واحدة تختلف عن الأخرى، أدّى ذلك إلى إبعاد هؤلاء عن الإسلام وتقريبهم من الأفكار الغربية بشكل مضطرب، فعجزوا عن فهم أفكار الغرب مع ابتعادهم عن الإسلام، فكان لذلك أثر كبير في إهمال الاختراعات والعلوم والصناعات وأثر كبير في سوء فهم الإسلام، أدّى ذلك كله إلى تحويل الأمّة إلى هذه المجموعة من المتناقضات الفكرية والعلمية وعدم استطاعة الدولة أن تجزم بفكر معين، مما أدّى إلى إعراض الأمّة عن الأخذ بوسائل التقدم المادي من علوم وصناعات واختراعات، فضعفت الدولة والأمّة ضعفاً ظاهراً حتى أصبحت غير قادرة على الوقوف وعاجزة عن حماية نفسها، فكان من جراء هذا الضعف أن أخذ الغرب يقتطع اجزاء الدولة الإسلامية جزءاً جزءاً وهي عاجزة مستسلمة. فكانت النتيجة احتلال عسكري لبلاد المسلمين، وبعث القوميات وإيجاد النعرات الطائفية للفتك بالدولة الإسلامية.

نتائج الغزو التبشيري والاحتلال العسكري:

أ- على الصعيد الثقافي:
كانت هذه الغزوات في الطلائع التي مهّدت الطريق للاستعمار الأوروبي بفتح العالم الإسلامي فتحاً سياسياً بعد أن فتحه فتحاً ثقافياً. فالاستعمار في مدارسه قبل الاحتلال وبعده قد وضع بنفسه مناهج التعليم والثقافة على أساس فلسفته وحضارته، ثم جعل الشخصية الأوروبية الأساس الذي تُنتزَع منه الثقافة، كما جعل تاريخه ونهضته وبيئته المصدر الأصلي لما يحشونه في عقول ابناء المسلمين، ولم يكتفِ بذلك بل تدخّل في تفصيلات المناهج حتى لا تخرج جزئية من جزئياته عن فلسفته وحضارته، وكان ذلك عامّاً حتى في دروس الدين الإسلامي وتاريخه، فإن مناهجها مبني على الأساس الغربي.
فالدين الإسلامي يُعلَّم في مدارسنا على أنه مادة روحية أخلاقية، كما هو مفهوم الدين في الغرب، وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم تُدرَّس لأبنائنا منقطعة الصلة عن النبوة والرسالة، وتدرَّس كما تُدرَّس حياة "بسمارك" و"نابليون" مثلاً، ولا تثير في نفوسهم المشاعر والأفكار.
ومادة العبادة والأخلاق تعطى من وجهة النظر النفعية، فمثلاً يدرَّس الصوم على أن له فوائد جسمية واجتماعية مما يحثه من صدقات وإحسان دون النظر على أنه حكم شرعي ينظم العلاقة بين العبد وربه، وأن الأحكام الشرعية مطلوب العمل بها.
والتاريخ تُلصَق به المثالب التي يخترعها سوء القصد وسوء الفهم، ويوضع بإطار أسود تحت اسم النزاهة التاريخية والبحث العلمي، ونشأ من غرس المدارس التبشيرية غرساً من المسلمين المثقفين تعلِّم التاريخ وتؤلف فيه على الاسلوب والمنهج التبشيري الغربي ، وبذلك صار أكثر المثقفين أبناء الثقافة العربية وتلاميذها، وصار المسلمون يستمرئون هذه الثقافة ويعشقونها وينتهجونها في الحياة طبق مفاهيمها، حتى صار الكثيرون منهم يعتبر الثقافة الإسلامية سبب تأخر المسلمين وانحطاطهم.
وبهذا نجحت الحملات التبشيرية نجاحاً منقطع النظير حين ضمت إليها الفئة المتعلمة المثقفة من المسلمين وجعلتها في صفوفها تحارب الإسلام والمسلمين من خلالها. والأدهى من ذلك وأمرّ أن أولئك الذين يحملون الإسلام قد هاكهُم هجوم الاستعمار الغربي على الدين، فأخذوا يردّون هذا الهجوم بكل ما أوتوا من قوة، سواء أكان هذا الرد صحيحاً أو فاسداً -إلاّ من رحم ربي- حتى جعلوا بردِّهم هذا الإسلام متهماً، وحاولوا التوفيق بين الإسلام والحضارة الغربية، فقالوا ألا إن أصل الحضارة الغربية من الإسلام، مع العلم أن الحضارتين تختلفان عن بعضهما في كل شيء أساساً ونظاماً وطريقةً وغاية ومصدراً.

ب- على الصعيد السياسي:
فإن البلاء كان أعم وأكثر مصيبة، إذ أن هؤلاء الساسة منذ أن جَمَعهم الاستعمار وأغراهم بالقيام ضد الدولة الإسلامية ومنّاهم ووعدهم (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلاَّ غُرُورًا)، فإنهم من ذلك الحين يسايرون الأجنبي ويسيرون وفق ما يرسم لهم من خطط، حتى استعمروا البلاد وسلبوا الخيرات وقتلوا الأبناء وشرّدوا الرجال ورمّلوا النساء، وانتهكوا الأعراض، وهدموا المقدّسات، وجزّأوا البلاد وأقاموا فيها دويلات هزيلة. وقد تأثر هؤلاء الساسة بالاستعمار إلى حد بلبل أفكارهم وغيّر مفاهيمهم وأفسد عليهم وجهة نظرهم في الحياة.
فقد جعلوا بدل الجهاد مفاوضات، وآمنوا بقاعدة "خذ وطالِب" التي تعتبر أنفع للاستعمار من جيوش جرراة في البلاد، وجعلوا قِبلة أنظارهم الاستعانة بالمستعمِر والاتكال عليه، دون أن يعوا أن كل استعانة بالمستعمِر تعتبر انتحاراً سياسياً وجريمة نكراء ومحاربة لله ولرسوله وللمؤمنين، ورضوا أن يعملوا للأقلية الضيقة، ويجعلوها مجال عملهم السياسي، ولم يفهموا عناداً أن هذه الأقلية هي التي تجعل من العمل السياسي مستحيل الإنتاج لعدم إمكان الإقليمية –مهما اتسعت البلاد- من النهوض بالأعباء السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تتطلبها الحياة الصحيحة الراقية، كما أنها ليست لديها مقوم النهوض الصحيح الراقي، وهي الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة، فهي إن أعطت نهضة ستكون قليلة سرعان ما تفلس وتزول ولا تملك إلاّ أن تزول ليس لها ركن ركين من أساس كلّيّ.
ولم يكتفوا بذلك كله، بل جعلوا مركز تنبههم –اليقظة- الفردي مصالحهم الفردية ومركز تنبههم ويقظتهم العام هو الدول الأجنبية، وبذلك فقدوا مركز التنبه الطبيعي، وهو مبدؤهم، وبفقدان مبدئهم فقدوا إمكانية نجاح مسعاهم مهما أخلصوا فيه، ومهما بذلوا من مجهود، ولذلك صارت جميع الحركات السياسية، حركات عقيمة، وصارت كل يقظة في الأمّة تتحول إلى حركة مضطربة متناقضة تشبه حركة المذبوح، تنتهي بالخمود واليأس والاستسلام.
وذلك لأن قادة الحركات السياسية فقدوا مركز يقظتهم وبالتالي فقدت الأمّة هذا المركز، فصارت غثاء كغثاء السيل، وبعد فقدِهم لهذا المركز صاروا يتخبطون في الظلام، فنادوا بالقومية وبالاشتراكية والوطنية والبعثية والمصلحية، ونادوا بفصل الدين عن الدولة، ونادوا ونادوا... وكانت هذه الحركات تضيف عقدة جديدة مما يرزخ تحتها هذه الأمّة المسكينة المكلومة، وكانت نتائجها الإخفاق والدوران حول نفسها لأنها سارت وفق مفاهيم الحضارة الغربية متأثرة بالغزو التبشيري فضلا عن أنها نفّست عواطف الأمّة فيما لا يجدي ولا ينفع ولا يأتي بخير، ومكّنت الاستعمار من التمركز والبقاء.
ولم يكتف الاستعمار السياسي والتبشيري بهذا، بل وضع في جسم الأمّة المكلوم دودة نشطة لا يقتلها إلاّ الإيمان والوحدة والرجوع إلى الإسلام ديناً ودولة ورسالة، وهذه الدودة هي "اسرائيل" أخذت تقتات على حساب ذلك الجسم، فأضعفته بل جعلته يستسلم لإرادتها، تحرّكه حيث تشاء، وبوجود هذه الدودة في جسم الأمّة حوّلوا أذهان الناس ومشاعرهم فقط اليهود من جزء صغير من البلاد وما هم بقادرين على إرجاعه إلاّ بالخضوع والاستسلام.
أمّا بالقوة فلن يملك المسلمون ذلك إلاّ بالوحدة الكاملة وإعادة الإسلام في معترك الحياة لنأخذ منه القوة.
ورغم خضوعهم واستسلامهم إلاّ أن الدودة ما زالت في الجسم تسرق غذاءه وتمنع نماءه وتحرمه الحياة. أخذوا يتاجرون باسم فلسطين زوراً وبهتاناً، تارة باسم الوطنية وأخرى باسم التقدمية، ومرّة بحجة الصمود والتصدي، وأخذوا باسم فلسطين يرشَّحون لانتخابات مجلس الأمّة، فيتاجرون بها علانية، وها هم ماذا عساهم فاعلين لها..!
ونسي بُلداء الحس وقليلو الإدراك أن هذه الأفكار والأعمال جُرّبت في سنة 1948 و1967 في فلسطين وفي لبنان فتلّ الزعتر وصبرا وشاتيلا وغيرها من المناطق المنكوبة في فلسطين ولبنان وهي ليست عنا ببعيد.
فلا تعد تجدي، فما كان منهم إلاّ الهزائم تلو الهزائم والمذابح تلو المذابح، والحبل على الجرّار.. وفي هذه الأثناء أسسوا الجامعة العربية لتتولى بدورها عملين اثنين وهما:

تسليم فلسطين لليهود.
تكريس التجزئة بين المسلمين على أساس قومي ووطني.

وبالفعل تم تسليم فلسطين في سنة 1948 وأكمل التسليم في سنة 1967 في عملية خيانية وعارٍ مبين، وبقي العمل على تجزئة البلاد الإسلامية بإقامة هذه الحدود السياسية لتمنع وحدة المسلمين، فأنت ترى هذه النظم متصارعة متقاتلة تقف لبعضها البعض على حذر وقلق، وهذه النظم تستطيع أن تستخدم أسلحتها ضد بعضها البعض ولكنها لا تستطيع أن تستخدمها ضد عدوها المغتصِب لأرضها والمدنِّس لمقدساتنا والمنتهك لأعراضها.
فينبغي أن يُعلَم أن المقصود من المؤامرات المقبلة –بأفظع صورها- على المنطقة، ليس بترولها فحسب، ولا خيراتها وثرواتها الهائلة فقط، وإنّما المقصود في المقام الأول هو ضرب أي محاولة للنهوض على أساس الإسلام، نحو إيجاد مجتمع إسلامي يحتكم إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويريدون تمييع الدين الإسلامي في نفوس المسلمين. فرأس الكفر أمريكا والغرب الكافران يدركان مدى خطورة سلطان الإسلام الذي تتطلع الأمّة لإيجاده في معترك الحياة.
لذلك فقد سخّرت أمريكا أدواتها وعملاءها وأذنابها للحيلولة دون قيام سلطان الإسلام في الأرض.
فأنت أخي المسلم ترى ما يجري على الساحة العراقية بفِعل أمريكا وحلفائها، يساعدهم في ذلك خونة وسوقة حكام العرب المسلمين، المتآمرين على مصائر شعوبهم ومقدّرات أمّتهم ووحدتهم وعزّتهم وقوّتهم. ومستهدفين عقيدة المسلمين التي هي سرّ قوتهم ونهضتهم، وها هي أسلحة العرب والمسلمين توجَّه لصدور المسلمين في العراق على حين تخرس هذه الأسلحة ضد الأمريكان وضد يهود الذين يعيثون في الأرض والمقدسات الفساد، وينتهكون الأعراض، إلاّ أنها المؤامرة التي يخطط لها الغرب ضد أمّتنا المجيدة، ينفذها الحكام المأجورون، كل هذا تحقيقاً للتجزئة التي وضعها الاستعمار البريطاني من قبل بإنشاء جامعة الدول العربية، لتحُول دون نهضة المسلمين وعزّتهم وكرامتهم وقوتهم.
إلاّ أن المؤامرة لم تنته عند حد التجزئة على أساس جغرافي، ولم تكتفِ أمريكا بحدود "سايكس بيكو"، بل إنها تعمل جاهدة على تقسيم البلاد الإسلامية على أساس طائفي وعرقي وإيجاد قواعد عسكرية في المنطقة لإحكام قبضتها وسيطرتها على منطقة الشرق الأوسط، والذي يزيد من سيطرتها أكثر فأكثر هو ربط الأجهزة الأمنية العربية بالمخابرات المركزية الأمريكية تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب" مستهدفة بذلك الحركات الإسلامية والمنادين بعودة الإسلام إلى الحياة والدولة والمجتمع، وبالمقابل فرض مفاهيم الديمقراطية، والتعددية، واحترام الرأي والرأي الآخر، وتحرير المرأة، ومفاهيمها عن "اقتصاد السوق".

أيها المسلمون

اعلموا أن هذه الأمّة المجروحة ليس لها إلاّ البلسم الشافي الذي يشفيها من العِلل ويأخذ بيديها إلى طريق الأمل، ذلك الأمل المنشود في تحقيق النهضة الصحيحة الراقية، وذلك بإعادة الإسلام إلى معترك الحياة بكل نظمه وتشريعاته، باستئناف الحياة الإسلامية دفعة واحدة غير مُدرَّج، عندئذ يوحّد الإسلام شمل الأمّة ويجمع صفها، فتستمد قوتها من الله تعالى الكبير القدير، وتنسف مخططات أمريكا الاستعمارية، لتريح العالم من شرورها وشرور عملائها تحت سلطان الإسلام وراية القرآن، فهو حبل الله المتين المبين وصراطه المستقيم، وما تنكّبه إلاّ ضال، وما زاع عنه إلاّ هالك، هو الجد ليس بالهزل.

(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام/ آية 153]

رد مع اقتباس
 
 
  #2  
قديم 11-30-2011
ابو عمر ابو عمر غير متواجد حالياً
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 92
افتراضي رد: المسلمون وعوامل قوتهم وضعفهم

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المحرر السياسي مشاهدة المشاركة
(عوامل قوة المسلمين)
بقلم الشيخ: معن فريحات
تقوم قوة المسلمين على مبدأ الإسلام، ففيه وحدة بقائهم، وبه ارتقاؤهم، فهو إذن قَوام وجودهم.
وبهذا المبدأ استطاع الإسلام أن يحقق المعجزة، بصهْر تلك القوميات المتناقضة والأهواء المتفرقة والأمزجة المختلفة في وحدة المبدأ وربطها بالعقيدة، لم يعرف لها التاريخ نظيراً في القوة ولا في المَنَعة ولا عزّاً ولا انسجاماً بين الأفراد والجماعات، وكان أن اتسعت الفتوحات الإسلامية بشمل هذا النسيج كل أجناس العالم تحت راية الحق وسلطان المسلمين. ودخل الناس في دين الله أفواجاً أمماً وشعوباً، ودولاً، وأعطوا اللواء لله ولرسوله وللمؤمنين، ثم أعطوا التابعية لدولة الإسلام، فكانوا أمّة واحدة مَثَلُهُم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحُمّى، فارتقوا إلى القمة الشاهقة وإلى منصة الاستاذية في العالم، وكانوا محط أنظار العلماء والحكماء، يجيئون إليهم من كل حدب وصوب، وكان نصرٌ واحدٌ لمسلم واحد هو نصرٌ للمسلمين، وهزيمة واحدة لمسلم واحد في أية بقعة من بقاع الأرض هي هزيمة لكل المسلمين، مما يحرك المشاعر والألم والعمل لنجدته، فكانوا العين الساهرة على حماية المظلومين أياً كانوا، والقوة المعبِّرة عن إزالة الجبروت الزائف والسلطان المهلهل، فكانوا دولة عزيزة منيعة حتى سمّاهم أعداؤهم "بالجيش الذي لا يُغلَب".
فعَرَف أعداؤنا مَكمَن قوّتنا، فعَمدوا إلى إيجاد الوسائل التي تُضعِف فهْم المسلمين له، وتُضعِف من تطبيقهم له.
والوسائل التي استعملوها لإضعاف فهم هذا المبدأ من قِبل أصحابه كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال ما يتعلق منها بنصوص هذا المبدأ وما يتعلق منها باللغة التي تؤدي إلى فهم هذا المبدأ، ومنها ما تعلق بانطباقه على واقع الحياة.
عمدوا إلى الأحاديث النبوية يدرسونها ليُضمِّنوها معاني غير إسلامية، ومفاهيم تناقض الإسلام لكي يأخذها المسلمون ويعملوا بما فيها، فيُبعَدوا عن الإسلام شيئاً فشيئاً.
فما كان من المسلمين إلاّ أن انتبهوا لهذه المؤامرة، فهبّ العلماء سراعاً فجمعوا الحديث ووضعوا تاريخ الرواة وأوصافهم، فبيّنوا الحديث الصحيح من غير الصحيح حتى حُفظ الحديث فحُصرت روايته في تابعي التابعين عن الصحابة الكرام، ولم تُقبَل بعدهم أية رواية، وحُصر الرواة، وعُرف كل واحد منهم، وبُيّنت طبقات الحديث حتى أصبح بإمكان كل مسلم إذا تتبع الحديث أن يعرف صحته من ضعفه من كذبه، بمعرفة سنده ومتنه.
عمدوا إلى اللغة العربية التي بها يتم فهم هذا المبدأ، وبدونها لا يُفهم إطلاقاً، وأخذوا يحاولون فصلها عن الإسلام، لكنهم لم يُفلحوا بادئ ذي بدء، فقد حَمَل المسلمون الفاتحون هذا المبدأ واللغة معاً، وكانوا يواجهون أحداثاً جديدة في البلاد المفتوحة، ولكنهم سرعان ما يجتهدون فيستنبطون الحل، مما حدا بهؤلاء الناس أن يعرفوا صدق هذا المبدأ وقدرته على حل المشكلات المستجدّة، فيدخلون في دين الله. وكان العلماء المسلمون يعلّمون الناس اللغة العربية كما يعلّمونهم القرآن، فحذق الناس في اللغة وأتقنوها، وكان حرصهم عليها شديداً لأنها جزءٌ جوهريٌ في الإسلام، وشرط من شروط الاجتهاد فيه.

عوامل ضعف المسلمين

إن هذه العناية فُقدت بعد القرن السادس الهجري حيث تولى الحكم مَن لا يعرف للغة العربية قيمتها وحقّها وفضلها، فأهملوا أمرها، وبذلك وقف الفهم وقلّ الاجتهاد، وأصبح لا يمكن استنباط الأحكام لمن لا يعرف هذه اللغة، فانفصلت العربية عن الإسلام، واضطرب على المسلمين الفهم للأحكام، كما اضطرب عليهم تطبيقها وتطبيق الإسلام. فكان أن تراكمت المشاكل دون أي اجتهاد، حتى ضعُفت الدولة، وسبّب الهزال والاضمحلال.
أمّا بالنسبة لانطباق الإسلام على وقائع الحياة، فقد عمدوا في القرون الأولى إلى محاولة التوفيق بين الفلسفة الهندية والإسلام، وفُسّر الزهد في الدنيا وطلب الآخرة بالتقشف وتعذيب الجسد، حتى صرف الكثيرون عن مباهج الحياة وعن خوض غمارها، فكانوا غير عاملين في معترك الحياة. كل هذا حدّ من جهد أبناء الأمّة التي كان عليها أن تستخدم كل جهدها في الدعوة إلى الإسلام بدل أن تبذل قواها في تعذيب الأجساد، فأدى ذلك إلى نشوء أفكار بعيدة عن الإسلام، غريبة عليه، كفكرة التصوف..!!
ثم كان الغزو الثقافي من الغرب لبلاد المسلمين، حاملاً حضارةً تناقض حضارة الإسلام، ومفاهيم تناقض مفاهيم الإسلام، وقوانين تناقض أحكام الإسلام، وأوهموهم –لسخافتهم- أنها من الإسلام ولا تناقضه، فأقبلوا عليها سراعاً كأنها ضالّتهم، فأدى ذلك إلى تحكّم تلك الحضارة العفنة المنحلّة في المسلمين وأبعدتهم عن الإسلام شيئاً فشيئاً، فأخذوا يرون أن الحياة منفعة ومتعة، ونسوا حظاً كبيراً مما أوتوا حتى تغشّاهم على الدهر الجمود، فأخذوا الأنظمة والقوانين فأدخلوها في جسم الدولة العثمانية، فأوّلوا الربا المحرّم إلى فوائد تحرص عليها الدولة، ففتحوا لها المصارف وعطّلوا حكم الله، وأدخلوا قانون الجزاء مما أدى إلى الابتعاد عن حكم الله فهماً وتطبيقاً إلى أن تركوا الحكم جملةً وتفصيلاً، فأُبعدوا عن المبدأ الذي به قوّتهم ومَنَعتهم وعزّهم.
وأمّا على الصعيد السياسي فقد أساءوا التطبيق، فكان لنشوء الأحزاب السياسية -لا سيما ذات الرأي النافذ- أن تتخذ الأعمال العسكرية للوصول إلى الحكم لتطبيق رأيها، فقام العباسيون واستولوا على فارس والعراق واتخذوها نقطة ارتكاز لهم، انتقلوا منها حتى استولوا على الدولة ليكون الحكم في بني هاشم، ثم كان الفاطميون الذين أخذوا مصر وأقاموا بها خلافة لينطلقوا إلى أجزاء الدولة الأخرى فيحتلوها ليكون الحكم في أبناء فاطمة رضي الله عنها.
إلاّ أن الذي دعا الأحزاب السياسية إلى طريقها هذا –القوة- هو ما حصل من الأمويين من اتباع طريقة العهد بالقوة ثم البيعة، مما أضعف الأمل في انتظار البيعة والاعتماد عليها في الوصول إلى الحكم.
فهذا معاوية استولى على الحكم بالخديعة والقوة، وعَهد إلى ابنه يزيد بالقوة، وأخَذَ البيعة له، ثم تتابع الأمويون من بعده على هذا المنوال، مما حدا بالأحزاب السياسية الأخرى إلى استخدام القوة طريقاً للوصول إلى الحكم.
غير أن هذا الأمر لم يكن يؤثر في الدولة؛ لأن قوتها كانت أعظم، ولكن ظهر فيما بعد، حين ضعفت الدولة، إذ لم تقتصر على أخذ البيعة بالقوة عن طريق العهد، بل تعدى ذلك إلى الولاة، فإن سكوت الدولة العباسية عن "عبدالرحمن الداخل" في الأندلس وترْكها له يستقل فيها إدارة منفردة من قِبل ولاة أطلقوا على أنفسهم فيما بعد اسم أمير المؤمنين، مما أدى إلى إضعاف الدولة، وزادت ضعفاً على ضعف، فكان أن استولى أعداء الأمّة على الأندلس في عنفوان قوتهم. هذا في المغرب، أمّا المشرق، فإن إعطاء الولاية العامة للولاة، وجعْل الصلاحيات الواسعة لهم، حرّك فيهم أحاسيس السيادة وأطماعهم، فاستقلوا بالإدارة الداخلية، ورضي الخليفة منهم ذلك، واكتفى بالدعوة له على المنابر، وفي إصدار براءة التعيين منه، وفي ضرب النقد باسمه، وإرسال الخَراج له.
فكانت الولاية تشبه إلى حد ما في استقلالها الدويلات، كما كان الحال مع السلجوقيين والحمدانيين وغيرهم، فكانت هذه الأمور سبباً أدى إلى الضعف والانحلال. إلى أن جاء العثمانيون وسيطروا على أكثر العالم الإسلامي في القرن التاسع الهجري. وفي القرن العاشر الهجري ضموا البلاد العربية وامتد سلطانهم امتداداً كبيراً وعُنوا بقوة المسلمين –السلطان- وتنظيم الجيش وأبّهة الحكم، واشتغلوا بالفتوحات، وأهملوا اللغة العربية، ولم يهتموا بأمر الإسلام من حيث الفكر ولا من حيث التشريع، فانخفض مستوى الدولة الفكري والتشريعي، وبسبب ذلك كانت الدولة قوية قوة ظاهرة، ولكنها حقيقةً من الداخل مهزوزة ضعيفة، إلاّ أن هذا الضعف لم يظهر عليها بسبب قوتها العسكرية ونفوذها.
ويعود السبب في إهمالها الناحية الفكرية والتشريعية إلى أنها كانت تقيس فكرها وتشريعها بفكر وتشريع أوروبا، فكانت ترى نفسها خيراً منها حيث أوروبا كانت في الجهل المظلم والانحطاط، وما كانت هناك محاولة إصلاح إلاّ فشلت، فكانت ترى الدولة العثمانية نفسها أعظم تشريعاً وأفضل حالاً.
وعَمِيَت الدولة العثمانية عن هزالها الداخلي بسبب جمود فكرها وتفكك الأمّة، وقد أعماها عن رؤية ذلك انتصارها على أوروبا واستيلاؤها على البلقان والجزء الجنوبي الشرقي منها، مما أثار الرعب في جميع دول أوروبا، فنشأت فكرة المسألة الشرقية؛ وهي: "اتقاء زحف الدولة الإسلامية إلى جميع البلاد الأوروبية" تحت قيادة محمد الفاتح في القرن التاسع الهجري ومَن خَلَفه من السلاطين، ذلك الزحف الذي استمر إلى أواخر القرن الحادي عشر الهجري على يد السلطان سليمان القانوني، وتركَّز تركيزاً قوياً حتى أواسط القرن الثاني عشر الهجري. وفي هذه المدة كانت قوة الاستمرار عاملاً فعالاً في إعطاء الدولة هذه القوة، فقد كانت قوة العقيدة ووجود بعض المفاهيم عن الحياة الإسلامية رغم عدم تبلورها عند المسلمين، ووجود نظام الإسلام رغم إساءة تطبيقه، كل ذلك كان قد مكّن الدولة من الاستمرار والقوة، وساعدها على ذلك الحالُ المضطرب فكرياً وتشريعياً في أوروبا.
وما أن أتى النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري حتى تحوّل الأمر وبدأ الضعف الداخلي في الدولة العثمانية يبرز إلى الوجود؛ لأن كيان الدولة الداخلي كان مهلهلاً، وما أن جاء القرن الثالث عشر الهجري حتى كان ميزان التاريخ بين الدولة الإسلامية والدول الأوروبية يتأرجح، فأخذت كفة العالم الإسلامي تخف وكفة الدول الأوروبية ترجح شيئاً فشيئاً؛ لأن اليقظة الأوروبية بدأت تظهر نتائجها، وبدأت تظهر على المسلمين نتائج الجمود الفكري والتشريعي وسوء تطبيق نظام الإسلام.
فالقرن التاسع عشر الميلادي شهد انقلاباً كبيراً في الأفكار الأوروبية على أثر الجهد الكبير الذي بذله الفلاسفة والمفكرون لإيجاد نظام للحياة، فأوجدوا فكرة فصل الدين عن الحياة، ثم أوجدوا لهذه الفكرة نظاماً ثم طريقة في التنفيذ ثم أوجدوا كيفية في حمايتها.
فنهضت أوروبا سياسياً وفكرياً وصناعياً وعلمياً –لأن النهضة تتبع المبدأ- في حين جمد المسلمون وبات من المؤكد أن تنقلب المسألة الشرقية إلى تقسيم الدولة العثمانية وإنهاء وجودها، وهذا ما حصل بالفعل.
كان واجباً على الدولة الإسلامية أن تنظر في حالها بدل أن تقف حائرة أمام نهضة أوروبا وتقلّب الأسباب وتشجّع على الفكر والاستنباط والاجتهاد، وتشجّع على العلم والمعرفة والبحث والتنقيب، ولكنها لم تفعل شيئاً من ذلك، مما أدى إلى تخلّف المعارف عند الدولة الإسلامية، وبقيت الكتب والثروات العلمية محفوظة في خزائنها، ولم يعد هناك علماء ومفكرون إلاّ قليلاً، وصارت المعارف لا تُطلَب إلاّ للترف العقلي، ويطلقون عليه "طلب العلم للعلم" أو يطلبونه للارتزاق، فصار الإسلام يُفهَم على أنه روحاني وليس عملياً وتشريعياً وفكرياً وسياسياً، وجمد الفكر وانحطت الأمّة وبقيت في موقف الحائر أمام نهضة أوروبا، يأخذونها أم يتركونها، وجلّهم متلهف قزمٌ أمامها.
كثيرون كانوا يرونها أنها تتعارض مع الإسلام، لذلك حرّموها ونادوا بتحريم الأخذ بها، حتى أنه حين ظهرت المطابع وعزمت الدولة على طبع القرآن، حرّم الفقهاء حينئذ طبعه، وصاروا يُفتون بتحريم كل جديد، وتكفير كل من يتعلم العلوم الطبيعية، واتهام كل مفكر بالزندقة والإلحاد..!!
وكانت هناك جماعة ترى بضرورة الأخذ بكل شيء من الغرب، من علم وثقافة، وحضارة ومدنية، وكان هؤلاء من الذين تعلّموا في أوروبا أو في المدارس التبشيرية التي دخلت البلاد، وجمهرة الناس كانت تحمل فكرة التوفيق بين الإسلام وبين الثقافة الغربية..!!
حتى سادت فكرة أن الغرب أخذ حضارته من الإسلام، فأقبلوا على الأخذ بالحضارة والثقافة والفنون بحجة أنها لا تناقض الإسلام وأنها من الإسلام، وكان أن تزعّم هذه الفكرة علماء ومتعلمون أطلِق عليهم اسم "العلماء العصريون المصلحيّون". ونظراً للتناقض الحقيقي بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، وللتباين الواضح بين الثقافتين وما تضمنتاه من وجهة نظر كلّ واحدة تختلف عن الأخرى، أدّى ذلك إلى إبعاد هؤلاء عن الإسلام وتقريبهم من الأفكار الغربية بشكل مضطرب، فعجزوا عن فهم أفكار الغرب مع ابتعادهم عن الإسلام، فكان لذلك أثر كبير في إهمال الاختراعات والعلوم والصناعات وأثر كبير في سوء فهم الإسلام، أدّى ذلك كله إلى تحويل الأمّة إلى هذه المجموعة من المتناقضات الفكرية والعلمية وعدم استطاعة الدولة أن تجزم بفكر معين، مما أدّى إلى إعراض الأمّة عن الأخذ بوسائل التقدم المادي من علوم وصناعات واختراعات، فضعفت الدولة والأمّة ضعفاً ظاهراً حتى أصبحت غير قادرة على الوقوف وعاجزة عن حماية نفسها، فكان من جراء هذا الضعف أن أخذ الغرب يقتطع اجزاء الدولة الإسلامية جزءاً جزءاً وهي عاجزة مستسلمة. فكانت النتيجة احتلال عسكري لبلاد المسلمين، وبعث القوميات وإيجاد النعرات الطائفية للفتك بالدولة الإسلامية.

نتائج الغزو التبشيري والاحتلال العسكري:

أ- على الصعيد الثقافي:
كانت هذه الغزوات في الطلائع التي مهّدت الطريق للاستعمار الأوروبي بفتح العالم الإسلامي فتحاً سياسياً بعد أن فتحه فتحاً ثقافياً. فالاستعمار في مدارسه قبل الاحتلال وبعده قد وضع بنفسه مناهج التعليم والثقافة على أساس فلسفته وحضارته، ثم جعل الشخصية الأوروبية الأساس الذي تُنتزَع منه الثقافة، كما جعل تاريخه ونهضته وبيئته المصدر الأصلي لما يحشونه في عقول ابناء المسلمين، ولم يكتفِ بذلك بل تدخّل في تفصيلات المناهج حتى لا تخرج جزئية من جزئياته عن فلسفته وحضارته، وكان ذلك عامّاً حتى في دروس الدين الإسلامي وتاريخه، فإن مناهجها مبني على الأساس الغربي.
فالدين الإسلامي يُعلَّم في مدارسنا على أنه مادة روحية أخلاقية، كما هو مفهوم الدين في الغرب، وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم تُدرَّس لأبنائنا منقطعة الصلة عن النبوة والرسالة، وتدرَّس كما تُدرَّس حياة "بسمارك" و"نابليون" مثلاً، ولا تثير في نفوسهم المشاعر والأفكار.
ومادة العبادة والأخلاق تعطى من وجهة النظر النفعية، فمثلاً يدرَّس الصوم على أن له فوائد جسمية واجتماعية مما يحثه من صدقات وإحسان دون النظر على أنه حكم شرعي ينظم العلاقة بين العبد وربه، وأن الأحكام الشرعية مطلوب العمل بها.
والتاريخ تُلصَق به المثالب التي يخترعها سوء القصد وسوء الفهم، ويوضع بإطار أسود تحت اسم النزاهة التاريخية والبحث العلمي، ونشأ من غرس المدارس التبشيرية غرساً من المسلمين المثقفين تعلِّم التاريخ وتؤلف فيه على الاسلوب والمنهج التبشيري الغربي ، وبذلك صار أكثر المثقفين أبناء الثقافة العربية وتلاميذها، وصار المسلمون يستمرئون هذه الثقافة ويعشقونها وينتهجونها في الحياة طبق مفاهيمها، حتى صار الكثيرون منهم يعتبر الثقافة الإسلامية سبب تأخر المسلمين وانحطاطهم.
وبهذا نجحت الحملات التبشيرية نجاحاً منقطع النظير حين ضمت إليها الفئة المتعلمة المثقفة من المسلمين وجعلتها في صفوفها تحارب الإسلام والمسلمين من خلالها. والأدهى من ذلك وأمرّ أن أولئك الذين يحملون الإسلام قد هاكهُم هجوم الاستعمار الغربي على الدين، فأخذوا يردّون هذا الهجوم بكل ما أوتوا من قوة، سواء أكان هذا الرد صحيحاً أو فاسداً -إلاّ من رحم ربي- حتى جعلوا بردِّهم هذا الإسلام متهماً، وحاولوا التوفيق بين الإسلام والحضارة الغربية، فقالوا ألا إن أصل الحضارة الغربية من الإسلام، مع العلم أن الحضارتين تختلفان عن بعضهما في كل شيء أساساً ونظاماً وطريقةً وغاية ومصدراً.

ب- على الصعيد السياسي:
فإن البلاء كان أعم وأكثر مصيبة، إذ أن هؤلاء الساسة منذ أن جَمَعهم الاستعمار وأغراهم بالقيام ضد الدولة الإسلامية ومنّاهم ووعدهم (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلاَّ غُرُورًا)، فإنهم من ذلك الحين يسايرون الأجنبي ويسيرون وفق ما يرسم لهم من خطط، حتى استعمروا البلاد وسلبوا الخيرات وقتلوا الأبناء وشرّدوا الرجال ورمّلوا النساء، وانتهكوا الأعراض، وهدموا المقدّسات، وجزّأوا البلاد وأقاموا فيها دويلات هزيلة. وقد تأثر هؤلاء الساسة بالاستعمار إلى حد بلبل أفكارهم وغيّر مفاهيمهم وأفسد عليهم وجهة نظرهم في الحياة.
فقد جعلوا بدل الجهاد مفاوضات، وآمنوا بقاعدة "خذ وطالِب" التي تعتبر أنفع للاستعمار من جيوش جرراة في البلاد، وجعلوا قِبلة أنظارهم الاستعانة بالمستعمِر والاتكال عليه، دون أن يعوا أن كل استعانة بالمستعمِر تعتبر انتحاراً سياسياً وجريمة نكراء ومحاربة لله ولرسوله وللمؤمنين، ورضوا أن يعملوا للأقلية الضيقة، ويجعلوها مجال عملهم السياسي، ولم يفهموا عناداً أن هذه الأقلية هي التي تجعل من العمل السياسي مستحيل الإنتاج لعدم إمكان الإقليمية –مهما اتسعت البلاد- من النهوض بالأعباء السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تتطلبها الحياة الصحيحة الراقية، كما أنها ليست لديها مقوم النهوض الصحيح الراقي، وهي الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة، فهي إن أعطت نهضة ستكون قليلة سرعان ما تفلس وتزول ولا تملك إلاّ أن تزول ليس لها ركن ركين من أساس كلّيّ.
ولم يكتفوا بذلك كله، بل جعلوا مركز تنبههم –اليقظة- الفردي مصالحهم الفردية ومركز تنبههم ويقظتهم العام هو الدول الأجنبية، وبذلك فقدوا مركز التنبه الطبيعي، وهو مبدؤهم، وبفقدان مبدئهم فقدوا إمكانية نجاح مسعاهم مهما أخلصوا فيه، ومهما بذلوا من مجهود، ولذلك صارت جميع الحركات السياسية، حركات عقيمة، وصارت كل يقظة في الأمّة تتحول إلى حركة مضطربة متناقضة تشبه حركة المذبوح، تنتهي بالخمود واليأس والاستسلام.
وذلك لأن قادة الحركات السياسية فقدوا مركز يقظتهم وبالتالي فقدت الأمّة هذا المركز، فصارت غثاء كغثاء السيل، وبعد فقدِهم لهذا المركز صاروا يتخبطون في الظلام، فنادوا بالقومية وبالاشتراكية والوطنية والبعثية والمصلحية، ونادوا بفصل الدين عن الدولة، ونادوا ونادوا... وكانت هذه الحركات تضيف عقدة جديدة مما يرزخ تحتها هذه الأمّة المسكينة المكلومة، وكانت نتائجها الإخفاق والدوران حول نفسها لأنها سارت وفق مفاهيم الحضارة الغربية متأثرة بالغزو التبشيري فضلا عن أنها نفّست عواطف الأمّة فيما لا يجدي ولا ينفع ولا يأتي بخير، ومكّنت الاستعمار من التمركز والبقاء.
ولم يكتف الاستعمار السياسي والتبشيري بهذا، بل وضع في جسم الأمّة المكلوم دودة نشطة لا يقتلها إلاّ الإيمان والوحدة والرجوع إلى الإسلام ديناً ودولة ورسالة، وهذه الدودة هي "اسرائيل" أخذت تقتات على حساب ذلك الجسم، فأضعفته بل جعلته يستسلم لإرادتها، تحرّكه حيث تشاء، وبوجود هذه الدودة في جسم الأمّة حوّلوا أذهان الناس ومشاعرهم فقط اليهود من جزء صغير من البلاد وما هم بقادرين على إرجاعه إلاّ بالخضوع والاستسلام.
أمّا بالقوة فلن يملك المسلمون ذلك إلاّ بالوحدة الكاملة وإعادة الإسلام في معترك الحياة لنأخذ منه القوة.
ورغم خضوعهم واستسلامهم إلاّ أن الدودة ما زالت في الجسم تسرق غذاءه وتمنع نماءه وتحرمه الحياة. أخذوا يتاجرون باسم فلسطين زوراً وبهتاناً، تارة باسم الوطنية وأخرى باسم التقدمية، ومرّة بحجة الصمود والتصدي، وأخذوا باسم فلسطين يرشَّحون لانتخابات مجلس الأمّة، فيتاجرون بها علانية، وها هم ماذا عساهم فاعلين لها..!
ونسي بُلداء الحس وقليلو الإدراك أن هذه الأفكار والأعمال جُرّبت في سنة 1948 و1967 في فلسطين وفي لبنان فتلّ الزعتر وصبرا وشاتيلا وغيرها من المناطق المنكوبة في فلسطين ولبنان وهي ليست عنا ببعيد.
فلا تعد تجدي، فما كان منهم إلاّ الهزائم تلو الهزائم والمذابح تلو المذابح، والحبل على الجرّار.. وفي هذه الأثناء أسسوا الجامعة العربية لتتولى بدورها عملين اثنين وهما:

تسليم فلسطين لليهود.
تكريس التجزئة بين المسلمين على أساس قومي ووطني.

وبالفعل تم تسليم فلسطين في سنة 1948 وأكمل التسليم في سنة 1967 في عملية خيانية وعارٍ مبين، وبقي العمل على تجزئة البلاد الإسلامية بإقامة هذه الحدود السياسية لتمنع وحدة المسلمين، فأنت ترى هذه النظم متصارعة متقاتلة تقف لبعضها البعض على حذر وقلق، وهذه النظم تستطيع أن تستخدم أسلحتها ضد بعضها البعض ولكنها لا تستطيع أن تستخدمها ضد عدوها المغتصِب لأرضها والمدنِّس لمقدساتنا والمنتهك لأعراضها.
فينبغي أن يُعلَم أن المقصود من المؤامرات المقبلة –بأفظع صورها- على المنطقة، ليس بترولها فحسب، ولا خيراتها وثرواتها الهائلة فقط، وإنّما المقصود في المقام الأول هو ضرب أي محاولة للنهوض على أساس الإسلام، نحو إيجاد مجتمع إسلامي يحتكم إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويريدون تمييع الدين الإسلامي في نفوس المسلمين. فرأس الكفر أمريكا والغرب الكافران يدركان مدى خطورة سلطان الإسلام الذي تتطلع الأمّة لإيجاده في معترك الحياة.
لذلك فقد سخّرت أمريكا أدواتها وعملاءها وأذنابها للحيلولة دون قيام سلطان الإسلام في الأرض.
فأنت أخي المسلم ترى ما يجري على الساحة العراقية بفِعل أمريكا وحلفائها، يساعدهم في ذلك خونة وسوقة حكام العرب المسلمين، المتآمرين على مصائر شعوبهم ومقدّرات أمّتهم ووحدتهم وعزّتهم وقوّتهم. ومستهدفين عقيدة المسلمين التي هي سرّ قوتهم ونهضتهم، وها هي أسلحة العرب والمسلمين توجَّه لصدور المسلمين في العراق على حين تخرس هذه الأسلحة ضد الأمريكان وضد يهود الذين يعيثون في الأرض والمقدسات الفساد، وينتهكون الأعراض، إلاّ أنها المؤامرة التي يخطط لها الغرب ضد أمّتنا المجيدة، ينفذها الحكام المأجورون، كل هذا تحقيقاً للتجزئة التي وضعها الاستعمار البريطاني من قبل بإنشاء جامعة الدول العربية، لتحُول دون نهضة المسلمين وعزّتهم وكرامتهم وقوتهم.
إلاّ أن المؤامرة لم تنته عند حد التجزئة على أساس جغرافي، ولم تكتفِ أمريكا بحدود "سايكس بيكو"، بل إنها تعمل جاهدة على تقسيم البلاد الإسلامية على أساس طائفي وعرقي وإيجاد قواعد عسكرية في المنطقة لإحكام قبضتها وسيطرتها على منطقة الشرق الأوسط، والذي يزيد من سيطرتها أكثر فأكثر هو ربط الأجهزة الأمنية العربية بالمخابرات المركزية الأمريكية تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب" مستهدفة بذلك الحركات الإسلامية والمنادين بعودة الإسلام إلى الحياة والدولة والمجتمع، وبالمقابل فرض مفاهيم الديمقراطية، والتعددية، واحترام الرأي والرأي الآخر، وتحرير المرأة، ومفاهيمها عن "اقتصاد السوق".

أيها المسلمون

اعلموا أن هذه الأمّة المجروحة ليس لها إلاّ البلسم الشافي الذي يشفيها من العِلل ويأخذ بيديها إلى طريق الأمل، ذلك الأمل المنشود في تحقيق النهضة الصحيحة الراقية، وذلك بإعادة الإسلام إلى معترك الحياة بكل نظمه وتشريعاته، باستئناف الحياة الإسلامية دفعة واحدة غير مُدرَّج، عندئذ يوحّد الإسلام شمل الأمّة ويجمع صفها، فتستمد قوتها من الله تعالى الكبير القدير، وتنسف مخططات أمريكا الاستعمارية، لتريح العالم من شرورها وشرور عملائها تحت سلطان الإسلام وراية القرآن، فهو حبل الله المتين المبين وصراطه المستقيم، وما تنكّبه إلاّ ضال، وما زاع عنه إلاّ هالك، هو الجد ليس بالهزل.

(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام/ آية 153]

كلام في الصميم

بارك الله في كاتب المقال الشيخ معن فريحات
وبارك الله في ناقل المقال الاخ المحرر السياسي
رد مع اقتباس
 
 
  #3  
قديم 02-01-2012
رفيق بالخصم رفيق بالخصم غير متواجد حالياً
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 50
افتراضي رد: المسلمون وعوامل قوتهم وضعفهم

موضوع رائع ويحتاج لدراسة وتأمل
رد مع اقتباس
 
 
  #4  
قديم 02-01-2012
ابو البراء الشامي ابو البراء الشامي غير متواجد حالياً
عضو مرابط
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 823
افتراضي رد: المسلمون وعوامل قوتهم وضعفهم

الموقع الرسمي لحزب التحرير عربي
http://www.hizb-ut-tahrir.org/arabic/
الموقع الرسمي لحزب التحرير بالالماني
http://www.hizb-ut-tahrir.org/DE/
الموقع الرسمي لحزب التحرير بالتركي
http://www.hizb-ut-tahrir.org/TR/
الموقع الرسمي لحزب التحرير بالانكليزي
http://www.hizb-ut-tahrir.org/EN/
المكتب الاعلامي المركزي لحزب التحرير عربي
http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/
موقع المكتب الاعلامي المركزي لحزب التحرير بالانكليزي
http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/english.php
موقع المكتب الاعلامي المركزي لحزب التحرير بالالماني
http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/deutsch.php
موقع المكتب الاعلامي المركزي لحزب التحرير بالتركي
http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/turkish.php
تلفزيون و فضائية حزب التحرير البث المتلفز
http://www.htmedia.info/
راديو واذاعة حزب التحرير
http://www.hizb-ut-tahrir.info/info//index.php/radio
راديو و اذاعة حزب التحرير
http://www.fomny.org/Video/Arabic-Ra...-ut-tahrir.htm
موقع الخلافة بالعربية
http://khilafah.net/main//index.php/default/index
موقع أمير حزب التحرير حفظه الله تعالى
http://hizb-ut-tahrir.info/arabic/in...tameer/categ_9
قاعة البث الحي لحزب التحرير
http://www.alummah-voice.com/live/index.php
موقع المكتب الاعلامي لحزب التحرير لبنان
http://www.tahrir.info/
موقع المكتب الاعلامي لحزب التحرير في فلسطين
http://www.pal-tahrir.info/
موقع حزب التحرير أمريكا
http://www.hizb-america.org/
موقع حزب التحرير باكستان
http://www.hizb-pakistan.org/
موقع حزب التحرير ماليزيا
http://www.mykhilafah.com/
موقع حزب التحرير ولاية تركيا
http://www.turkiyevilayeti.org/
موقع حزب التحرير اندونيسيا
http://hizbut-tahrir.or.id/
موقع حزب التحرير استراليا
http://www.hizb-australia.org/
موقع حزب التحرير بريطانيا
http://www.hizb.org.uk/hizb/index.php
موقع حزب التحرير فرنسا
http://albadil.edaama.org/
موقع حزب التحرير ألمانيا
http://www.islam-projekte.com/
موقع حزب التحرير الدنمارك
http://www.hizb-ut-tahrir.dk/new/
موقع حزب التحرير بنغلاديش
http://www.khilafat.org/index.php
موقع حزب التحرير هولندا
http://www.kalifaat.org/
موقع حزب التحرير اوكرانيا
http://www.hizb.org.ua/
موقع الخلافة بالانكليزي
http://www.khilafah.com/
موقع أرشيف حزب التحرير
http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabi.../category/P30/

مواقع صديقة
شبكة و منتديات الناقد الاعلامي
http://naqed.info/oldf/index.php?
منتدى العُقاب
http://alokab.com/forums/
نداءات من بيت المقدس
http://www.al-aqsa.org/index.php/default/main
مجلة الوعي
http://www.al-waie.org
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:01 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.