المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > منتدى القرآن الكريم لمشاركات الأعضاء
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 02-07-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي تفسير سورة البقرة (19) الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

الثلاثاء 15 ربيع الأول 1433
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال تعالى: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[75].

لما بين الله سبحانه قساوة قلوبهم المنبئة عن بعدهم من الإيمان التفت إلى المؤمنين يؤيسهم من إيمان هؤلاء وفلاحهم، تسلية منه سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم، عندما كان يشتد حرصه عليهم من طلب إيمانهم في معرض التنكيت عليهم والتبكيت لهم، منكراً طمع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في إيمانهم قائلاً: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ﴾ أيها المؤمنين بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾ أي: يؤمن بنو إسرائيل لكم بعد ما علمتم من تفاصيل أحوال أسلافهم المؤيسة عنهم، وهم متماثلون في طبائعهم الذميمة، وأخلاقهم الفاسدة، وقلوبهم القاسية، لا يصدر منهم إلا مثل ما صدر من أسلافهم ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ سماعاً واضحاً ليس فيه التباس، ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ يحرفونه من بعد ما ضبطوه وفهموه، ولم تشتبه عليهم صحته، بل تحريفهم لكلام الله عن عمد وسوء قصد مما لا يصح أن يكون لهم فيه عذر من سوء الفهم ونحوه، ولذا قال ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ يعني يعلمون المعني المقصود تماماً بلا إشكال ولا نسيان ولا ذهول، وإنما لمقاصد نفسية وأغراض مادية نفعية، وهذا فسوق عميق لا يرجى معه إيمان، وهذا إخبار من الله عن إقدامهم على البهت ومناصبتهم العداوة للأنبياء، وأن بقاياهم في العصر المحمدي لا يزالون على مثل ما كان عليه أسلافهم.

وقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يطعمون في إيمان اليهود أكثر مما يطعمون في إسلام المشركين، وذلك لما عندهم من أصل التوحيد، ولما ورثوه من الكتاب الذي فيه ذكر نبي الإسلام وأوصافه، والذي جاءهم بكتاب مصدق لما معهم في الجملة، وفيه تجلية للشبهات وحلول للمشكلات، وفيه إباحة لبعض ما حرم عليهم من الطيبات، فكان طمع أسلافنا في إيمان اليهود مبنياً على وجه نظري معقول، ولكن الله العليم بالسرائر يعلم أن لا وجه لهذا الطمع وليس فيه جدوي، لأنهم انحرفوا بحقيقة الدين الذي هو رابطة روحية قوية بين الأمم، وهداية للقلوب الفطرية فجعلوه رابطة جنسية عصبية يريدون بن الانفصال عن غيرهم والاستعلاء عليهم، ويتصرفون بالنصوص على حسب أهوائهم ومصالحهم الشخصية، ويريدون أن يجعلوا من دينهم أداة تسلط على الأمم والشعوب في النواحي السياسية والاقتصادية بضروب من أنواع الافتراء على الله، كما سنبين طرفاً منه عند كلام على الآية (79) قريباً.

فالله سبحانه وتعالى لم يؤيس أمة محمد صلى الله عليه وسلم من هداية هؤلاء إلا بعد أن قص عليهم نماذج منتنة من قبائح أفعالهم، وسوء أخلاقهم، وخبث دفائن أنفسهم، واستعصاء تربيتهم، والعجب العجاب أن القرد الأصلي فيه قابلية للتربية والتعليم، وهذه الأمة الخبيئة ليس فيها قابلية لذلك. أمة اللعنة والغضب خصص الله من وحية المبارك مائتين وستاً وستين آية لكشف أستارها، وبيان مخازيها، وخبث قلوبها، وفساد مقاصدها وأعمالها، وخيبة جميع وسائل التربية فيها، آيات كثيرات عظيمات بينت لنا كيف اجتبى الله هذه الأمة وتولاها بعظيم ألطافه ورعايته، وبوأها مبوأ صدق، ونجاها ممن عمل على إفنائها ورزقها من صنوف الخيرات، وأولاها من نعمه وآلائه، ما لم يحظ به غيرها، وآتاها بينات من الأمر، وفضلها على عالمي زمانها، ورباها بسياط المواعظ وقوارع العقوبات، من تقتيل النفوس، وإنزال الصاعقة، وأخذ الرجفة، ورفع الجبل فوقهم كأنه ظلة، ومسخ بعضهم قردة وخنازير، إلى غير ذلك مما في مقابلته معجزات باهرة وإنعامات فاخرة، كتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، وتفجير العيون من صخرة صغيرة لا يمكن في المحسوس أن يخرج منها أصغر قارورة، إلى غير ذلك من صنوف التربية والإكرام مما لم يكن لها تأثير كبير.

أقول: بعد سرد الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأمته لأحوال هؤلاء وسوء مقابلتهم للنعم، يقول لنا سبحانه: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾ حقاً إن هذا مستحيل، إنهم على عرق راسخ في العناد والجحود، إنهم من أشد الناس استكباراً عن الإسلام، وإيذاء لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته إلى يوم القيامة، وإن الطمع في هدايتهم طمع في غير مطمع، ولذا نرى الله سبحانه يملي على رسوله والمؤمنين، ويقنعهم بأن لا يطمعوا في هداية هؤلاء.

وقد جمع الله بين رسوله والمؤمنين في استنكاره الطمع في هدايتهم لمشاركة المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم في آماله والآمه، وأوضح لهم بطريقة واضحة استحالة الإيمان، مخبراً لهم عن حقيقة واضحة جارية منهم، وهي أن موسى عليه السلام بعد ما اختار سبعين رجلا ممن يتوسم فيهم الخير والصلاح، أو ممن لم يعبدوا العجل، واقترب من الطور، وأوحي الله إليه التوراة ، قالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: 55] ، ويكلمنا كما كلمك، إذ ليس لك ميزة علينا، وما قيمتك إلا بنا، ﴿فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ﴾.

ثم إن موسى ضرع إلى الله قائلا: كيف أرجع إلى بني إسرائيل وقد أهكلت خيارهم ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ﴾ [الأعراف: 155] إلى آخر القصة، ثم بعد ما أنجاهم الله تاب عليهم وقبل توبتهم، حيث قال موسى: ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: 156]، ورجعوا مع موسى عليه السلام، وقد سمعوا كلام الله من موسى، وعلقوه غاية الفهم، وصدقوا به أنه واحي الله، ثم أخذوا في تحريفه بأن حرفوه عن وجه الحق إلى ما يريدون مما يوافق أغراضهم الشخصية ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ لم يلتبس عليهم شيء، يوجب التأويل والتحريف، ولكنها المقاصد السيئة في نفوس خبيثة لا تذعن للحق أبداً.

وكما أن هدايتهم مستعصية ولا مطمع فيها، فإن هداية أصحاب المبادئ العنصرية والمذاهب المادية من الشيوعية والبعثية وذيولها، مستصعب جداً، لأنها كلها من التعالىم اليهودية المعقدة والمركز فيها حب المادة والأشخاص، وتقديس المادة والأشخاص، وفيها تعالىم حزبية سياسية هادفة إلى الاستعلاء على الناس، وافتراسهم، ونهب أموالهم، وإهلاك الحرث والنسل، تعالىم يهودية تذوقت شعوب الأرض منها الأمرين، وأمة الفساد تتفكه على قول أفراخها بهم.

تنبيه: قد يتوهم متوهم من قوله تعالى: ﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ أنهم سمعوه مشافهة، وقد أوضحت أنهم سمعوه من موسى؛ لأن موسى عليه السلام هو الذي اختصه الله بالتكليم، وأما ما رواه ابن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنهم سمعوه، سمعوا صوتاً كصوت الشبور - يعنى: البرق -[1]، فهذا حديث باطل لا يصح من جهة سنده، لأن فيه مناكير، ولا من حهة متنه، لأنه مخالف للقرآن من اختصاص موسى بالتكليم. قال تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ﴾ [76، 77].

ويخبر الله سبحانه عن فريق منهم ينافقون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الأنصار، لما بينهم وبين اليهود من المخالفة، وأنهم إذا التقوا بهؤلاء المؤمنين قالوا لهم: آمنا بنبيكم أنه الحق وأنه المذكور عندنا في التوراة، ولكنهم إذا خلا بعضهم إلى بعض أخذوا يتلاومون، ويناقش بعضهم بعضاً، ويقول للفريق المتكلم: كيف تحدثونهم بما بين الله في التوراة وفتح عليكم من العلم، ألا تخشون أنهم يقيمون عليكم الحجة بالإيمان بنبيهم ما دمتم قد اعترفتم لهم أنه حق مذكور في كتابكم.

والعجب من قولهم: ﴿لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ يعنى: تكون الحجة لهم عليكم عند ربكم في الدار الآخرة، غير مبالين بتلاعبهم في الحياة الدنيا، وإنما تلاومهم ومناقشتهم فيما بينهم أنهم كيف يعترفون للمؤمنين بما يقيمون به عليهم الحجة يوم القيامة، لأنهم اعترفوا لهم بأن نبيهم هو الحق المذكور في التوراة، ثم لم يؤمنوا به، وقد أخذ عليهم العهد التوراة أن يؤمنوا به. ولذا قال الله متسائلاً ومفنداً خطتهم: ﴿أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ﴾.

هل يجهلون علم الله بحالهم؟ وهل يجهلون أن الله مقيم عليهم الحجة في الدنيا والآخرة، لأنه أوضح لهم نعوت النبي صلى الله عليه وسلم وأوصافه في التوراة؟ وأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وأن الحجة عليهم قائمة بدون هذا الحوار.

نعم، الحجة قائمة عليهم لو لم يتفوهوا مع المؤمنين بأي كلمة، الحجة قائمة عليهم من الله سبحانه، قائمة عليهم وعلى النصارى أيضاً، لأن الله أخبرهم بصفاته وأخذ عليهم الميثاق بالإيمان به، فهم مطالبون بذلك جميعاً، والحجة قائمة عليهم لو كانوا يعقلون، ولكن أين لهم من العقل الفطري الصحيح، ومع هذا يقول بعضهم لبعض: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. ياللسخرية من هذا التعقل الذي يريدونه ويتحدثون به ويتساءلون عنه، إنه عجب إذا حصل النفاق من بعضهم، فأفضى إلى المسلمين بما أفضى، ولكن العجب ممن لم ينافق كيف يكون منطقة كذلك.

وأصل الفتح في كلام العرب الحكم والقضاء، ومنه قوله تعالى حكاية عن شعيب: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: 89]. فالمعنى: كيف تحدثونهم بما حكم الله به عليكم وقضى فيكم، ومن حكمه عليهم أخذه الميثاق منهم على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فهم يقولون لهم: إن الذي تحدثونهم به موافق لما في القرآن فلهم الحق أن يقولوا: لولا أن محمداً نبي لما علم هؤلاء به من كتابهم فيمسكون كلامكم حجة عليكم، وكلامهم هذا كلام ساقط، لأن الحجة قائمة عليهم حتى لو أجمعوا على الإنكار.

وأيضاً ففي هذا إلحاد في أسماء الله، كانهم لا يعترفون بعلمه المحيط بالسر والإعلان، فموقفهم هذا زيادة في جريمتهم، ثم إن خطتهم خطة ضعف وخسة، والرجولة الصحيحة تقضي عليهم بخلاف ذلك من الثياب وعدم التذبذب، ولكن هذه طبيعة الذي يعلن خلاف ما يبطن، ويضطر إلى المجاملة أو المداهنة والنفاق، فإذا صفا له الجو مع رفاقه أخذ يحمسهم ويؤنبهم على شيء لو وقف موقفهم لقال مثل ما قالوه.

والذي أخبرنا الله به في هذه الآية من بعض فضائحهم إنما هو ليقطع جميع آمالنا في هدايتهم، لأن قلوبهم مجدبة جافة قاسية أشد من قسوة الحجارة التي لا يلين لها ملمس، ومما يجدر بالذكر أن الفريق المشار إليه في الآيات الثلاث السابقة هم العلماء العارفون بحقائق ما أنزل إليهم من ربهم، ويعمدون إلى تحريفها بدفع من أهوائهم وأغراضهم الشخصية، واحتكارهم للسيادة والنفوذ، ومن كان منطبعاً بهذا الطبع حول التوراة، فانحرافه عن القرآن أولى، وعناده له أشد، بل يسلكون مع أهل القرآن مسلك الرياء والنفاق والمراوغة والمخادعة. وفي هذا من خراب الضمير والإصرار على الباطل والإلحاد في أسماء الله، ما الله به عليم، ولذا يذكرهم الله بقاعدة من قواعد التوحيد: ﴿أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ﴾؛ لأن عملهم هذا عمل المحجوب عن معرفة الله، ومعاملته حسب صفاته؛ لأن من عامل الله معاملة العليم، مراقباً اطلاعه، يستحي منه أن يفقده حيث أمره، أو يجده حيث نهاه، ولكن هؤلاء من عماء بصيرتهم يظنون أن الله لا يقيم عليهم الحجة حتى يقولوها بأفواههم للمسلمين، أما إذا اتفقوا على كتمان الحقيقة والسكوت عن ذكرها فلن يؤاخذهم الله.

وهذا من عقوبات القلوب من مرضى القلوب الذين اطرحوا رسالة الله، وفرطوا في واجبه، يصيبهم الله بمرض في قلوبهم، وكل من شابههم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالله يبتليه بما ابتلاهم من مرض القلوب وعمى البصيرة، ويجعلهم كسباً لأعدائهم، كما هي الحال المشاهدة، ثم إن الله لما بين مساوئ العلماء منهم والعارفين أخبرنا عن الفريق الثاني الذين هم الجهلة، فقال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [78]. يخبر سبحانه وتعالى عن النوع الثاني من بني إسرائيل أنهم أميون ليسوا من أحبارهم وعلمائهم، ولكنهم لا يعلمون الكتاب إلا أماني، و(الأماني) هي القراءة المجردة عن التفهم والتدبر، كقراءة أكثر الناس في هذا الزمان للقرآن، فإنهم شابهوا اليهود، فموقفهم من القرآن كموقف اليهود من التوراة وبعضهم فسر الأماني بالأمنيات التي عندهم، فإن عندهم من الدعاوى العريضة والأماني الباطلة ما جرأهم على كل فعل شنيع وخطة أثيمة، لأنهم يعتقدون أنهم شعب الله المختار، وأن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس، وأنهم ابناء الله وأحباؤه، وأنه لن تمسهم النار إلا أياماً معدودات لعظم مكانتهم عند الله، وأنه لا حرج عليهم فيما يفعلون، وأنهم ليسوا مكلفين إلا بالإيمان بما أنزل إليهم، إلى غير ذلك من الأمنيات التي كذبها الله وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بالإجابات الدامغة لهم والمبطلة لجميع أمانيهم.

وعلى التفسير الثاني للأماني يكون الاستثناء منقطعاً في قولة تعالى: ﴿لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمانِيَّ﴾ إذا فسرت الاماني بالتمنيات والتخرصات والأكاذيب، وأما إذا فسرت (الأماني) بالقراءة المجردة فإن الاستثناء غير منقطع، وهو الصحيح إن شاء الله، لأن القراءة المجردة عن الفهم والتدبر تجر أصحابه إلى التقليد من غير دراية ولا روية، والمقلد الذيب على هذه الحال ينخدع بالأمنيات الأخرى التي يمليها عليه الدجاجلة المغرضون، وتغرهم تلك الأمنيات، فتفسير الأماني بالقراءة المجردة جامع لكل المساوئ التي وقع فيها بنو إسرائيل.

قال الشيخ الإمام محمد عبده: "هذه الأماني توجد في كل الأمم، حال الضعف والانحطاط، يفتخرون بما بين أيديهم من الشريعة وبسلفهم الذين كانوا مهتدين بها، وبما لهم من الآثار التي كانت ثمرة تلك الهداية، وتسول لهم تلك الأماني أن ذلك كاف في نجاتهم وسعادتهم وفضلهم على سائر الناس، وهكذا كان اليهود في زمن التنزيل، وقد اتبعنا سنتهم وتلونا تلوهم فظهر فنيا تاويل الحديث الصحيح: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع))[2]، وإننا نقرأ أخبارهم فنسخر منهم ولا نسخر من أنفسنا، ونعجب لهم كيف رضوا بالأماني ونحن غارقون فيها. انتهي.

[1] القرطبي (2/2) ونوادر الأصول (1/244).
[2] أخرجه البخاري (3456، 7320) ومسلم (2669، 6) وأحمد (3/84، 89) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وأخرجه ابن ماجه (3994)، وأحمد (2/450، 511)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/37151/#ixzz1li8pu33x
رد مع اقتباس
 
 


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:19 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.