إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > منتدى القرآن الكريم لمشاركات الأعضاء

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 02-04-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي تفسير سورة البقرة (23) الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

السبت 12 ربيع الأول 1433

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة البقرة (23)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/38087/#ixzz1lRROhEdw

قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ [84].

هذ الشطر الثاني مما أخذ الله به العهد والميثاق على بني إسرائيل، وهو مختص بالمنهيات المحرمات عليهم، والأول مختص بالأوامر الواجبة عليهم وصبغته اجتماعية واقتصادية، وأما هذا الشطر الثاني فصبغته سياسة، وهو مما يدخص شبهتهم وشبهة أفراخهم من النصارى وتلاميذهم من أبنائنا المصدقين لهم بزعمهم أن الدين ليس له دخل في السياسة، ووحي الله مملوء من دحض شبهتهم هذه سوى ما نحن بصدده.

ولعلك تذكر أيها القارئ الكريم أن الله قال في الآية الأولى التي تضمنت مهمات المأمورات: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ يقصد الذين نزلت عليهم التوراة في أول عهدهم، ثم التفت إلى الحاضرين المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم والمجاورين له في المدينة قائلاً: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾، ومضى الآن على الالتفاتة قائلاً: ﴿وإذ أخذنا ميثاقكم﴾. ولا شك أن هذا إعلام بوحدة الأمة واعتبارها كالشخص الواحد يصيب خلفها ما أصاب سلفها من خير وشر، ما دام الخلف مستناً بسنة السلف، ومرتبطاً به، وجارياً على طريقته، كما تؤثر أعمال الشخص السابقة على بدنه في آخر عمره، فإنها تؤثر على قواه النفسية.

فالأمة الواحدة في العقيدة يستوي أولها منذ بدء كيانها مع آخرها إلى الأبد، ما دام الآخر مرتبطاً بعقيدة الأول، مستناً بستنه، لم ينحرف عنها، فإذا انحرف بعقيدته وأخلاقه انفصل عن أمته وسلفه، هذه قاعدة مطرودة لا تقبل الجدل، فلهذا يخاطب الله يهود المدينة وقت نزول القرآن، مخاطباً أسلافهم الذين تعنتوا على موسى، ويوجه إليهم التوبيخ والتقريع والتسفيه والتهديد، كأنهم هم بأشخاصهم.

ثم إن الله أكد هذه الوحدة في جميع الكلمات من نصوص هذه الآية والتي بعدها، قائلاً سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾، فهذه الآيات السياسية أوضح الله فيها وحدة الأمة وتضامنها بقوله: ﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾، فجعل غير الرجل كأنه نفسه، ودمه كأنه دمه، وذلك لاتحاد العقيدة والنسب، أما إذا اختلفا فإن العقيدة - أي عقيدة - تبطل النسب، وتقضي عليه حتى تربط تلك العقيدة التي حالف بها قومه بقوم آخرين، وهذا من الضروبات التي لا جدال فيها.

وكذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾، فالمعنى: لا يقتل بعضكم بعضاً، ولا يخرج بعضكم بعضاً من ديارهم، ولكن الواجب الوحدة السياسية المرتبطة بالعقيدة، جاء خطاب الله للجميع مؤكداً تضامنهم فيما يفعلون، وإن إساءة الواحد منهم إلى أخيه إساءة منه لنفسه ﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ يشعر كل فرد من الأمة أن نفسه نفس الآخرين ودمه دمهم، وأن الروح التي يحيا بها والدم الذي ينبض في عرقه هو كأرواح الآخرين ودمائهم، ولا فرق بينهم في الشريعة التي وحدت صفوفهم وجعلت أقدامهم متساوية في الخير والشر، وقد خاطب الله الأمة المحمدية في القرآن بمثل هذا الخطاب حيث قال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29]. وقال: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: 11].

فأمه العقيدة الواحدة متساوية في الوجدان والشعور والأحكام والمسئولية، ولذا يوجه الله الخطاب للجميع، وعند اختلاف العقيدة تتغير هذه الوحدة ويرخص دم صاحبها، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه))[1] وكما فصل الله ابن نوح عن أهله بقوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: 46].

وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ يعنى: أقررتم بالميثاق الذي أخذنا عليكم بقتل بعضكم بعضاً، ولا يسترقه، ولا ينفيه، ولا يلجئه إلى السرقة بتضييق العيش عليه، وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ خطاب من الله سبحانه لليهود الذين كانوا حول المدينة أحلافاً للأنصار، مؤنباً لهم على خيانة عهد الله بتضييعهم أحكام التورة التي بأيديهم ويقرون بحكمها، فلهذا قال لهم الله: ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ يعنى إقرار أوائلكم وأسلافكم وأنتم تشهدون على إقرارهم بأخذ الميثاق عليهم، كما أنكم مثلهم بالارتباط بهذا العهد والميثاق، وقد ورثتم التوراة وتحملتموها بعدهم، فأنتم معهم في المسئولية سواء. فماذا كان منكم بعد إقراركم بهذا الميثاق وشهادتكم عليه؟

يخبرنا الله بقوله: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [85].

فالله سبحانه فضحهم وأوضح نقضهم للعهد، مؤنباً لهم على ذلك، متواعداً بأعظم الوعيد قائلاً: ثم أنتم ياهؤلاء الحاضرون ورثة السالفين تقتلون أنفسكم، يعنى: يقتل بعضكم بعضاً كما كان يفعله سلفكم، مع أنكم معترفون بأن الميثاق مأخوذ على الجميع، ويخرج الآن بعضكم بعضاً من ديارهم، وذلك في الحروب التي جرت بين الأوس والخزرج أيام الجاهلية الوثنية، لأن بني قينقاع والنضير حلفاء للخزرج، وبني قريظة حلفاء للأوس، وكل فريق ينحاز إلى حليفه حالة الحرب والقتال، يتظاهر هؤلاء على هؤلاء بالإعانة.

فقوله: ﴿تُظْهِرُونَ عَلَيْهِمْ﴾ يعنى تتعاونون لتقوية بعضكم ظهر بعض، فهو تفاعل من (الظهر) وهو مسانده بعضهم ظهر البعض الآ خر، قال ابن جرير: "وحدثني موسى بن هارون، قال حدثني عمرو بن حماد، قال حدثنا أسباط عن السدي: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ قال: إن الله أخذ على بنى إسرائيل في التوراة ألا يقتل بعضهم بعضاً، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروا بما قام ثمناً فأعتقوه، فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، فكانوا يقتتلون في حرب (سمير)، فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها، النضيرَ وحلفاءها، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها، فيغلبونها، فيخربون بيوتهم، ويخرجونهم منها، فإذا أسر الرجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتى يفدوه، فتعيره العرب بذلك ويقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا: إنا أُمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم. قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحي أن تستذل حلفاونا، فذلك حين عيرهم الله عز وجل فقال: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[2].

فالخطاب واضح في توجيهه إلى الحاضرين المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، والإثم هو الذي يستحق صاحبه الذم عليه والعقوبة، أما (العدوان) فهو الإفراط في الظلم والتجاوز فيه، ولا شك أن ما حرم على بني إسرائيل من ذلك فهو محرم علينا، وقد وقع منا كما وقع منهم، إلا أن بيننا وبينهم فوارق، وهي أن ما جرى من بين الأمة أمر اضطراري ألجأتهم إليه الفتن التي هي من عقوبات هذا الأمة، بدلاً من الخسف والمسخ والإهلاك العام الذي جرى على من قبلهم، وقد أشار الله إليه بقوله في الآية (65) من سورة الأنعام: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام: 65] يعنى: يجعلكم أحزاباً متناحرة، يفتك بعضكم ببعض، عقوبة لنا كلما فرطنا في جنب الله.

وقوله سبحانه تعالى: ﴿وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾. لما بين الله جريمتهم الأولى، من تظاهر بعضهم على بعض في الإثم والعدوان، من القتل والسلب والإخراج من الديار، أخذ سبحانه وتعالى يخبرنا عن جريمتهم الثانية وتناقضاتهم البشعة، من فدائهم للأسرى الذين حرم الله عليهم بادئ الأمر إخراجهم، وهذا من مثارات العجب، وفيه من الاستهزاء بآيات الله، وضرب بعضها ببعض، ذلك أنهم كانوا يتفقون على فداء الأسرى، كل فريق من اليهود يفدي أسرى أبناء جنسه وإن كانوا من أعدائه، ويعتذرون عن هذه بأنهم مأمورون في التوراة، كتاب الله، بفداء أسرى بني إسرائيل، فإن كانوا متمسكين بالكتاب، فلأي شيء قاتلوا شعب إسرائيل وأخرجوهم من ديارهم، وهم منهيون عن ذلك في التوراة؟ فهل الأسر عندهم أعظم من القتل والإخراج من الديار؟ فكيف تستجيزون قتلهم إلى جانب حلفائكم الوثنيين وأنتم أهل كتاب، ولا تستبيحون تركهم أسرى بدون فداء؟ وحكم الله في الجميع سواء؛ لأن الذي حرم عليهم من قتلهم وإخراجهم من دورهم نظير الذي حرم عليهم من تركهم أسرى بلا فداء، فما هذا التلاعب فيما فرض الله عليهم؟ وما هذا الإخلال بحدود الله؟ أم لا تصدقون التوراة إلا بفداء الأسير فقط؟ إن الميثاق السياسي الذي واثقكم الله به، وشهدتم عليه، واعترفتم به، هو أربعة أمور: ترك القتل، وترك الإخراج ، وترك المظاهرة، وفداء الأسرى، فرفضتم التصديق العملي إلا في ربعه وكفرتم بثلاثة أرباعه، فأي ذمة تبقى لكم عند الله؟ والإيمان الصحيح والتصديق العملي هو التنفيذ، ألا ترى قوتهم في تنفيذ فكاك الأسرى؟ لهذا اعتبرهم الله مؤمنين ببعض الكتاب وكافرين ببعض، لأن عدم التنفيذ لا يصدر من مؤمن، فكيف إذا نفذ ما يخالف الأوامر؟

وقوله تعالى: ﴿فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾ يعنى: لا جزاء عند الله مقابلاً وموافقاً لمن ينقض عهده السياسي منكم، فيعمد إلى قتل النفوس وإخراجها من ديارها، والتظاهر بالإثم والعدوان مع الوثنيين الذين ليس لهم عهد ولا كتاب: ﴿فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ﴾ عند الله الذي يوفي كل عامل جزاء عمله وفاقاً ﴿إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. وقد عبر الله سبحانه بصيغة النكرة في سياق النفي ليعم جميع أنواع الخزي مدى الحياة، والخزي: هو الذل المتنوع المتجدد، والصغار المتجدد المتنوع، والفضيحة: المتنوعة، وشماتة الأعداء، والامتهان التام، كل هذا عوض لهم وجزاء على ما قاموا به مما اعتبره العليم الحكيم أنه إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعضه، وكتاب الله لا يتجزأ حكمه في وجوب الإيمان الذي هو صدق التنفيذ، بل حكمه واحد، يجب أن يعمل به جميعاً، وأن تنفذ تشريعاته وحدوده جميعاً، لا أن يعمل ببعضه ويطرح كما فعلت يهود.

وقد لاقوا جزاءهم جميعاً هم وأسلافهم، فأسلافهم لاقوا من صنوف الخزي في الحياة الدنيا بحيث لم تقم لهم قائمة، وكان حظهم الذل والصغار، أما خلفهم المعاصرون لمحمد صلى الله عليه وسلم فقد لاقوا الخزي اللائق بهم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أجلى بني النضير وبني قينقاع بعد ما زلزل الله حصونهم العظيمة المنيعة ذات الأسوار المتكررة وأخرجهم منها، كما أخبر الله عنهم في الآية الثانية من سورة الحشر بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ إلى قوله: ﴿وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الحشر: 2-5] وحيث قتل مقاتلة (بني قريظة) وسبى ذراريهم ونساءهم وأخذ أموالهم، فهذا خزى عاجل في الحياة الدنيا، بل هذا من بعض أنواع الخزي الذي تذوقوه، ونال أسلافهم أعظم من ذلك على يد ((ذي القرنين المقدوني)) وعلى يد ((بختنصر)) وغيرهم من جلادي النصارى وسفاحيهم، ولا يزالون يتذوقون أنواع الخزي على يد حكام (أوروبا) المختلفين، إلى حكام روسيا القيصريين وألمانيا النازيين، ولهم مكر عميق لم يحصل عليه غيرهم في شيئين:
أحدهما: حذقهم في كسب ود بعض الدول والشعوب باحابيل لا يقدر عليها سواهم.

وثانيهما: تخطيطهم الدقيق لإقامة ثورات وانقلابات في ربوع العالم، يكون فرسان ميادينها عملاء وتلاميذ لهم صنعوهم على أعينهم بتربية خاصة أو توجيه خاص، كما أن لديهم شيئاً لا يجاريهم فيه سواهم، وهو أنهم عندهم حنكة في تسخير الأموال لأهدافهم بشكل منقطع النظير حتى أصبحوا يتحكمون في الانتخابات العالمية، فلا يبرز رئيس في البلاد الدستورية إلا بأصواتهم.

أما العسكرية فلهم ميدان السبق فيها من أصل التكوين، كما هو ظاهر من وصايا محافل ماسونيتهم ووصايا (حاخاماتهم) وبروتوكولاتهم الملعونة، ولكن الله من ورائهم محيط، من كان الله خصمه فإنه ولو حصل على نصر مؤقت أو جولة إفساد فإن الله يجعل هذا سبيلاً ووسيلة لهلاكه المحتوم، وخزيه المحقق فيهم في الدنيا مهما تفوقوا، والمكر والحلية وصرف المال وكسب الأصدقاء وتربية التلاميذ والعملاء لا بد أن تكون عاقبتهم الخزي بجميع أنواعه ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾ من عقوبات الله المتنوعة التي أولها في البرزخ في قبورهم، وثانيها بعد نشرهم مما يلاقونه من فظائع الهول التي تتضاعف عليهم قبل الحساب.

وثالثها: شدة الحساب الذي مصيرهم فيه الخسارة الكبرى في نيران الجحيم خالدين مخلدين فيها أبداً ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ بتاء الخطاب، وهي القراءة المشهورة، وهناك قراءة أخرى بالياء وجحها ابن جرير، زاعما أن فيها قرابة من نصوص الآية: ﴿مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ) و﴿يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾.

والمعنى: أن الله سبحانه قائم بالقسط، ولا يحابيكم كما تزعمون، وأنه ليس بساهٍ عن أعمالهم الخبيثة، بل هو محص لها ومجازبهم عليها في الدنيا وفي الآخرة، وفي هذا تهديد لهم ولجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم من سلوك هذا المسالك المنحرفة بمعاملتهم كتاب الله وفق أهوائهم، يؤمنون بما يناسبهم ويوافق أهواءهم ومصالحم الشخصية، فيعملون به وينفذونه، ويطرحون ما سواه، كأنه ليس من وحي الله في شيء، كأنه الوحي المنزل صادر من إلهين: إله معظم مرهوب يعمل بما أصدره فيه، وإله غير معظم ولا مرهوب فيرفض ما هو من جهته.

فعلى أمتنا المحمدية أن تغير موقفها من القرآن، فتعمل به جميعاً في غاية التنفيذ والتطبيق، ولا تشابه اليهود في العمل ببعض التوراة وترك البعض الآخر، فإن هذا كفر يوجب الخزي في الحياة الدنيا قبل الآخرة.

[1] البخاري (3017، 6922)، والترمذي (1458)، وابن ماجه (2535)، وأحمد (1/217، 282).
[2] الطبري (1/397).


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/38087/#ixzz1lRQfsuv6
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:08 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.