من فقه القرآن
«سورة الحجرات »
الشيخ الدكتور محمد سليم حمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
استاذ الفقه المقارن/ جامعة القدس
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً
بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:
> المسألة الأولى: فائدة التكرار بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا في هذه
السورة، واظهار الشفقة على كل مسلم مسترشد، والمناصحة له على أكمل وجه،
ليقبل المسترشد المسلم على استماع الكلام ويعيره باله.
> المسألة الثانية: وفيه فائدة اخرى، وهي تحديد المخاطبين بالذات، وهم كل
من أسلم وآمن، وأنهم هم المعنيون بالمناصحة.
> المسألة الثالثة: وفي قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا استدعاء لتجديد
الاستبصار والتنبه عند كل خطاب.
> المسألة الرابعة: فكم هو عظيم النصح والرحمة من الله للمؤمنين، ولو فطنوا
لذلك، لعضوا على ما بعد قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا بالنواجذ، ولحرصوا
على تنفيذ أوامر الله بعدها، واجتناب نواهيه.
> المسألة الخامسة: قوله تعالى فتبينوا فيه قراءاتان، الاولى: للجمهور وهي
فتبينوا، والثانية: كحمزه والكسائي وهي فتثبتوا.
والتبين هو: التعرف والتفحص.
والتثبت هو:الأناة وعدم العجلة والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى
يتضح ويظهر.
> المسألة السادسة: نزلت الآية في الوليد بن عقبة الذي بعثه النبي صلى
الله عليه وسلم الى الحرث بن ضرار الخزاعي، ليقبض ما كان عنده مما جمع
من الزكاة، فلما سار بعض الطريق رجع وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: ان
الحارث منعني الزكاة، واراد قتلي، فأرسله النبي عليه الصلاة والسلام بعثاً الى
الحارث، وكان الحارث أقبل بأصحابه الى الرسول صلى الله عليه وسلم، ظناً منه
ان الرسول عليه السلام، تأخر لسخطة من الله ورسوله عليه، فلما جاء واخبر
النبي بذلك، نزلت الآية.
> المسألة السابعة: قال ابن كثير: هذا من أحسن ما روي في سبب نزول الآية،
ويرد على ابن كثير رحمه الله - ان الوليد ابن عقبة، من كبار الصحابة، واطلاق
اسم الفسوق عليه معبر جداً، لأن الفسوق الخروج من الشيء والانسلاخ منه،
والوليد ظن فاخطأ، والمخطىء لا يُسمى فاسقاً، يؤيد قولي هذا، التنكير الذي
وقع في قوله تعالى ان جاءكم فاسق، فالتنكير هنا فاسق يفيد الشيوع
والشمول، لأن النكرة تعم اذا وقعت في سياق الشرط، مثلما تعم اذا وقعت في
سياق النفي، والعموم هو المراد في الآية، فكأن المعنى هو: أي فاسق جاءكم بنبأ
فمحصوه واعرضوه على محل التصويب والتخطئة قبل البث في الحكم، ولا
تستعجلوا الامور.
> المسألة الثامنة: قوله تعالى أن تصيبوا قوماً اي كراهة أن تصيبوا، ولئلا
تصيبوا، لأن من لم يتبين الأمور أكثر من الخطأ، وهذه جهالة، لأنها لم تصدر
عن علم.
> المسألة التاسعة: فينبغي على كل مسلم الا يكون جاهلا، فلا ينقل خبرا حتى
يتبين له صدقة من كذبه، ولا يقبل خبرا الا بتلك الشروط.
> المسألة العاشرة: قوله تعالى «فاسق »، الفسق في الاستعمال الشرعي: الخروج
عن طاعة الله عزوجل، فقد يقع على من خرج بفكر، وعلى من خرج بعصيان،
والفسق في كلام العرب هو: الخروج عن الشيء، يقال فسقت الرطبة: اذا خرجت
عن قشرها، والفأرة من حجرها، والفويسقة: الفأرة، وفسق الرجل اذا فجر.
> المسألة الحادية عشرة: التسرع في الاخبار، او تلقي الاخبار، يسبب الندم
ولهذا ختم الله الآية بقوله «فتصبحوا على فعلتم نادمين » اي فتصبحوا بما
سببتموه لغير آمن أذى وشر بالخطأ نادمين، مغتمين.
> المسألة الثانية عشرة: قال القرطبي: «وفي الآية دليل على قبول خبر الواحد
اذا كان عدلا، لأنه امر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق، ومن ثبت فسقه بطل
قوله في الاخبار اجماعا، لأن الخير امانة، والفسق قرينة يبطلها..
> المسألة الثالثة عشرة: وذكر القرطبي اراء الفقهاء في ولاية الفاسق في
النكاح، فقال ابو حنيفة ومالك: يكون وليا. وقال الشافعي وغيره: لا يكون وليا
في النكاح.
والأرجح والله اعلم ان الفاسق يكون وليا في النكاح لعدة امور وهي:
أولا: ان الفاسق يلي مال موليته، فيلي بضعها مثله مثل الولي العدل.
ثانيا: ان الفاسق توجد فيه غيرة معتبرة على حريمه، ولهذا قد يبذل ماله
ويصون الحرمة.
ثالثا: لو قلنا بعدم ولاية الفاسق في النكاح، لشقّ ذلك على الناس، ولكان
فيه تضييق عليهم، لأن كثيرا من الاولياء لو وزناهم بميزان الايمان والتقوى
والفسق لكانوا فاسقين.
وهنا لا بد من التنويه الى مسألة بدت تظهر في بطاقات الدعوة الى الاعراس،
فيوضع فيها ابناء المرحوم فلان.. او ابناءفلان.. يدعونكم الى زفاف «فلانة » مع
ان وليها وهو ابوها حي يرزق، ولكن لوجود حالات طلاق او خلاف بين الازواج يتم
ذلك، وفي هذا اعتداء على ولاية الاب على ابنته، واعتداء على شرع الله، وكذب
على الناس وتزوير للحقائق، وهو مظهر فسق فيمن يفعل هذا.
> المسألة الرابعة عشرة: وناقش ابن العربي من علماء المالكية الامام الشافعي
في منعه ولاية الفاسق في النكاح، فقال: «ومن العجب ان يجوز الشافعي ونظراؤه
امامة الفاسق، ومن لا يؤتمن على حبة مال، فكيف يؤتمن على قنطار دين .»
> المسألة الخامسة عشرة: وابن العربي وان اجاز الصلاة خلف الامام الفاسق، الا
انه يرى اعادتها، فيقول «كان من الناس من اذا صلى معهم «مع الائمة الفساق »
تقيه اعادوا الصلاة لله، ومنهم من كان يجعلها صلاته، وبوجوب الاعادة اقول انتهى
كلام ابن العربي، وانا اذهب الى وجوب الاعادة خلف الامام الفاسق المشكوك في
ايمانه بسبب فسقه، كمن يعطي ولاءه للكافر، وكمن هو بين النفاق في اعتقاده،
فهؤلاء يصلي خلفهم عند الضرورة وتعاد الصلاة.
والله ورسوله اعلم.
__________________
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه. رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألبانى ....
من فقه القرآن الكريم : سورة الحجرات 6
العرض العادي
