إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #11  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) مصنف و مدقق

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } * { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } جملة خبرية قصد بها الثناء على الله بمضمونها من أنه تعالى مالك: لجميع الحمد من الخلق أو مستحق لأن يحمدوه و(الله) علم على المعبود بحق { رَبّ ٱلْعَٰلَمِينَ } أي مالك جميع الخلق من الإنس والجنّ والملائكة والدواب وغيرهم وكل منها يطلق عليه عالم، يقال: عالم الإنس وعالم الجنّ إلى غير ذلك. وغلب في جمعه بالياء والنون أولو العلم على غيرهم وهو من العلامة لأنه علامة على موجده.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #12  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق 1-4

تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق 1-4

اختلف أهل العلم هل هي آية مستقلة في أول كل سورة كتبت في أولها، أو هي كذلك في الفاتحة فقط دون غيرها، أو أنها ليست بآية في الجميع وإنما كتبت للفصل؟ والأقوال وأدلتها مبسوطة في موضع الكلام على ذلك. وقد اتفقوا على أنها بعض آية في سورة النمل. وقد جزم قرّاء مكة، والكوفة بأنها آية من الفاتحة ومن كل سورة. وخالفهم قّراء المدينة، والبصرة، والشام، فلم يجعلوها آية لا من الفاتحة ولا من غيرها من السور، قالوا: وإنما كتبت للفصل والتبرّك.

وقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه { بسم الله الرحمٰن الرحيم }. وأخرجه الحاكم في المستدرك. وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وغيرها آية». وفي إسناده عمرو بن هارون البلخي، وفيه ضعف، وروى نحوه الدارقطني مرفوعاً عن أبي هريرة.

وكما وقع الخلاف في إثباتها وقع الخلاف في الجهر بها في الصلاة. وقد أخرج النسائي في سننه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة: «أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة، وقال بعد أن فرغ: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم»، وصححه الدارقطني، والخطيب، والبيهقي، وغيرهم.

وروى أبو داود، والترمذي عن ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بـ { بسم الله الرحمن الرحيم } قال الترمذي: وليس إسناده بذلك. وقد أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بلفظ: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ { بسم الله الرحمٰن الرحيم } ، ثم قال: صحيح.

وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت قراءتُه مدّاً، ثم قرأ { بسم الله الرحمٰن الرحيم } يمدّ بسم الله، ويمدّ الرحمٰن، ويمدّ الرحيِّم. وأخرج أحمد في المسند، وأبو داود في السنن، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في مستدركه عن أم سلمة أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته { بسم الله الرحمٰن الرحيِّم الحمد لله ربّ العالمين. الرحمٰن الرحيِّم. مالك يوم الدين } وقال الدارقطني: إسناده صحيح.

واحتجّ من قال بأنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة بما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ { الحمد لله ربّ العالمين }. وفي الصحيحين عن أنس قال: «صليت خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ { الحمد لله ربّ العالمين }.

-1-

ولمسلم لا يذكرون { بسم الله الرحمن الرحيم } في أول قراءة، ولا في آخرها. وأخرج أهل السنن نحوه عن عبد الله بن مُغَفّل. وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة، وجماعة من الصحابة.

وأحاديث الترك، وإن كانت أصح، ولكن الإثبات أرجح مع كونه خارجاً من مخرج صحيح، فالأخذ به أولى، ولا سيما مع إمكان تأويل الترك، وهذا يقتضي الإثبات الذاتي، أعني كونها قرآناً؛ والوصفي أعني الجهر بها عند الجهر بقراءة ما يفتتح بها من السور في الصلاة. ولتنقيح البحث، والكلام على أطرافه استدلالاً، وردّاً، وتعقُّباً، ودفعاً، ورواية، ودراية موضعٌ غير هذا.

ومتعلق " الباء " محذوف، وهو: أقرأ، أو أتلو؛ لأنه المناسب لما جعلت البسملة مبدأ له، فمن قَدَّره متقدماً كان غرضه الدلالة بتقديمه على الاهتمام بشأن الفعل، ومن قدره متأخراً كان غرضه الدلالة بتأخيره على الاختصاص، مع ما يحصل في ضمن ذلك من العناية بشأن الاسم، والإشارة إلى أن البداية به أهمّ، لكون التبرّك حصل به، وبهذا يظهر رجحان تقدير الفعل متأخراً في مثل هذا المقام، ولا يعارضه قوله تعالى:

{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ } [العلق96: 1]


لأن ذلك المقام مقام القراءة، فكان الأمر بها أهمّ، وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسماً أو فعلاً فلا يتعلق بذلك كثير فائدة. و " الباء " للاستعانة أو للمصاحبة، ورجح الثاني الزمخشري.

واسم أصله: سمو، حذفت لامه، ولما كان من الأسماء التي بنوا أوائلها على السكون زادوا في أوّله الهمزة إذا نطقوا به؛ لئلا يقع الابتداء بالساكن، وهو اللفظ الدَّالُّ على المسمَّى؛ ومن زعم أن الاسم هو: المسمى كما قاله أبو عبيدة، وسيبويه، والباقلاني، وابن فورك، وحكاه الرازي عن الحشوية والكَّرامية والأشعرية، فقد غلط غلطاً بيَّناً، وجاء بما لا يعقل، مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من لغة العرب، بل العلم الضروري حاصل بأن الاسم الذي هو: أصوات مقطعة، وحروف مؤلفة، غير المسمى الذي هو: مدلوله، والبحث مبسوط في علم الكلام. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة " إن لله تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة " ، وقال الله عزّ وجلّ:

{ وَللَّهِ ٱلاسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف7: 180]

وقال تعالى:

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَى } [الإسراء17: 110]

فله الأسماء الحسنى ـ. والله علم لذات الواجب الوجود لم يطلق على غيره، وأصله: إله حذفت الهمزة، وعُوّضت عنها أداة التعريف، فلزمت. وكان قبل الحذف من أسماء الأجناس، يقع على كل معبود بحق، أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق، كالنجم، والصعق، فهو قبل الحذف من الأعلام الغالبة، وبعده من الأعلام المختصة.


{ والرحمٰن الرحيم }: اسمان مشتقان من الرحمة على طريق المبالغة، ورحمٰن أشد مبالغة من رحيِّم.

-2-

وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا، ولذلك قالوا: رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا. وقد تقررّ أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى. وقال ابن الأنباري، والزجّاج: إن الرحمٰن عَبْرَاني، والرحيِّم عربي. وخالفهما غيرهما. والرحمٰن من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عزّ وجل. وأما قول بني حنيفة في مسيلمة: رحمٰن اليمامة، فقال في الكشاف: إنه باب من تعنتهم في كفرهم. قال أبو عليّ الفارسيّ: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة، يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو: في جهة المؤمنين، قال الله تعالى

{ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب33: 43]


وقد ورد في فضلها أحاديث. منها:

ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه، وابن خزيمة في كتاب البسملة والبيهقي عن ابن عباس، قال: استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن: { بسم الله الرحمٰن الرحيم }. وأخرج نحوه أبو عبيد، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضاً. وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان جبريلُ إذا جاءني بالوحي أوّلُ ما يلقي عليّ { بسم الله الرحمٰن الرحيم } ". وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره، والحاكم في المستدرك، وصححه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس؛ أن عثمان بن عفان سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن { بسم الله الرحمٰن الرحيم } ، فقال: " هو اسم من أسماء الله، وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين، وبياضها من القرب ". وأخرج ابن جرير وابن عديّ في الكامل، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والثعلبي بسند ضعيف جداً عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن عيسى ابن مريم أسلمته أمُّهُ إلى الكتاب لتعلِّمه، فقال له المعلم: اكتب { بسم الله الرحمٰن الرحيم } ، فقال له عيسى: وما بسم الله الرحمٰن الرحيم؟ قال المعلم: لا أدري، فقال له عيسى: الباء بهاء الله، والسين سناه، والميم مملكته، والله إله الآلهة، والرحمٰن رحمٰن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة " وفي إسناده إسماعيل بن يحيـى، وهو: كذاب. وقد أورد هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات.

وأخرج ابن مردويه والثعلبي عن جابر قال: لما نزلت { بسم الله الرحمٰن الرحيم } هرب الغَيْمُ إلى المشرق، وسكنت الريحُ، وهاج البحرُ، وأصغت البهائمُ بآذانها، ورُجِمَت الشياطينُ من السماء، وحلفَ اللهُ بعزته وجلاله ألا تُسَمَّى على شيء إلا بارك فيه. وأخرج أبو نعيم، والديلمي عن عائشة قالت: لما نزلت { بسم الله الرحمٰن الرحيم } ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويَّها فقالوا: سَحَرَ محمد الجبالَ، فبعث الله دخاناً حتى أظل على أهل مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

-3-

" من قرأ { بسم الله الرحمٰن الرحيم } موقناً سبَّحت معه الجبالُ إلا أنه لا يُسْمَع ذلك منها " وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة، ومحا عنه أربعة آلاف سيئة، ورفع له أربعة آلاف درجة " وأخرج الخطيب في الجامع عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { بسم الله الرحمن الرحيم } مفتاح كل كتاب " وهذه الأحاديث ينبغي البحث عن أسانيدها، والكلام عنها بما يتبين بعد البحث إن شاء الله.

وقد شرعت التسمية في مواطن كثيرة، قد بينها الشارع منها عند الوضوء، وعند الذبيحة، وعند الأكل، وعند الجماع وغير ذلك.

-4-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #13  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ) مصنف و مدقق

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } * { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } * { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } * { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


وبإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } يقول الشكر لله وهو أن صنع إلى خلقه فحمدوه ويقال الشكر لله بنعمه السوابغ على عباده الذين هداهم للإيمان ويقال الشكر والوحدانية والإلهية لله الذي لا ولد له ولا شريك له ولا معين له ولا وزير له { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } رب كل ذي روح دب على وجه الأرض ومن أهل السماء ويقال سيد الجن والإنس ويقال خالق الخلق ورازقهم ومحولهم من حال إلى حال { ٱلرَّحْمـٰنِ } الرقيق من الرقة وهي الرحمة { ٱلرَّحِيمِ } الرفيق { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } قاضي يوم الدين وهو يوم الحساب والقضاء فيه بين الخلائق أي يوم يدان فيه الناس بأعمالهم لا قاضي غيره { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } لك نوحد ولك نطيع { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } نستعين بك على عبادتك ومنك نستوثق على طاعتك { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } أرشدنا للدين القائم الذي ترضاه وهو الإسلام، ويقال ثبتنا عليه ويقال هو كتاب الله يقول اهدنا إلى حلاله وحرامه وبيان ما فيه { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } دين الذين مننت عليهم بالدين وهم أصحاب موسى من قبل أن تغير عليهم نعم الله بأن ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى في التيه ويقال هم النبيون { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } غير دين اليهود الذين غضبت عليهم وخذلتهم ولم تحفظ قلوبهم حتى تهودوا { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } ولا دين النصارى الذين ضلوا عن الإسلام { آمِينْ } كذلك تكون أمنته ويقال فليكن كذلك، ويقال ربنا افعل بنا كما سألناك والله أعلم.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #14  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق 1-5

تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق 1-5

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } * { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } * { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } * { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

روي عن مجاهد أنه قال: سورة فاتحة الكتاب مدنية، وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: هي مكية. ويقال: [نصفها نزل بمكة ونصفها نزل بالمدينة]. [حدثنا] الحاكم أبو الفضل، محمد بن [الحسين] الحدادي قال: حدثنا أبو حامد المروزي قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا عمر بن يونس قال: حدثنا جهضم بن عبد الله عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في كتاب الله لسورة ما أنزل الله على نبي مثلها فسأله أبي بن كعب عنها فقال: إني لأرجو أن لا تخرج من الباب حتى تعلمها، فجعلت أتبطأ، ثم سأله أبي عنها فقال: كيف تقرأ في صلاتك؟ قال: بأم الكتاب. فقال: والذي نفسي بيده ما أنزل فى التوراة والإنجيل والقرآن مثلها، وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته " وقال بعضهم: السبع المثاني، هي السبع الطوال سورة: البقرة، وآل عمران والخمس التي بعدها [وسماها مثاني لذكر القصص فيها مرتين]. وقال أكثر أهل العلم: هي سورة [الفاتحة]، وإنما سميت السبع لأنها سبع آيات، وإنما سميت المثاني لأنها تثنى بقراءتها في كل صلاة. وقال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن حامد الخزعوني، قال: حدثنا علي بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن مروان عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح - مولى أم هانىء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } قال: الشكر لله. ومعنى قول ابن عباس: الشكر لله، يعني الشكر لله على نعمائه كلها، وقد قيل: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } يعني الوحدانية لله. وقد قيل: الألوهية لله، وروي عن قتادة أنه قال: معناه الحمد لله الذي لم يجعلنا من المغضوب عليهم ولا الضالين. ثم معنى قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } قال بعضهم: (قل) فيه مضمر يعني: قل: الحمد لله. وقال بعضهم: حمد الرب نفسه، ليعلم عباده فيحمدوه. وقال أهل اللغة: الحمد هو الثناء الجميل، وحمد الله تعالى هو: الثناء عليه بصفاته الحسنى، وبما أنعم على عباده، ويكون في الحمد معنى الشكر وفيه معنى المدح وهو أعم من الشكر، لأن الحمد يوضع موضع الشكر ولا يوضع الشكر موضع الحمد. وقال بعضهم: الشكر أعم لأنه باللسان وبالجوارح وبالقلب، والحمد يكون باللسان خاصة. [كما قال اعملوا آل داود شكراً]. وروي عن ابن عباس أنه قال: الحمد لله كلمة كل شاكر، وذلك أن آدم عليه السلام قال حين عطس: الحمد لله: فقال الله تعالى: (يرحمك الله) فسبقت رحمته غضبه. وقال الله تعالى لنوح:

{ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [المؤمنون23: 28]


-1-

وقال إبراهيم عليه السلام:

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } [إبراهي14: 39]

وقال في قصة داود وسليمان:

{ وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النمل27: 15]

وقال لمحمد عليه السلام

{ وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } [الإسراء17: 111]

وقال أهل الجنة:

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِىۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } [فاطر35: 34]

فهي كلمة كل شاكر. وقوله تعالى: { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال ابن عباس رضي الله عنهما: سيد العالمين. وهو رب كل ذي روح [تدب] على وجه الأرض. ويقال: معنى قوله { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } خالق الخلق ورازقهم ومربيهم ومحولهم من حال إلى حال، من نطفة إلى علقة، [ومن علقة] إلى مضغة. والرب في اللغة: هو السيد قال الله تعالى:

{ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } [يوسف12: 50]

يعني إلى سيدك. والرب: هو المالك، يقال: رب الدار، ورب الدابة والرب هو المربي من قولك: ربى يربي. وقوله { ٱلْعَـٰلَمِينَ } كل ذي روح، ويقال: كل من كان له عقل يخاطب مثل بني آدم والملائكة والجن ولا يقع على البهائم ولا على غيرها. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم، وإن دنياكم منها عالم واحد " ويقال: كل صنف [من الحيوان] عالم على حده. قوله عز وجل { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قال في رواية الكلبي هما إسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر. وقال بعض أهل اللغة: هذا اللفظ شنيع فلو قال: هما إسمان لطيفان لكان أحسن ولكن معناه عندنا - والله أعلم - أنه أراد بالرقة الرحمة يقال: رق فلان [لفلان] إذا رحمه. يقال: رق يرق إذا رحم. وقوله: أحدهما أرق من الآخر. قال بعضهم: الرحمن أرق لأنه أبلغ في الرحمة لأنه يقع على المؤمنين والكافرين. وقال بعضهم: الرحيم أرق لأنه في الدنيا وفي الآخرة. وقال بعضهم: كل واحد منهما أرق من الآخر من وجه، فلهذا المعنى لم يبين، وقال أحدهما أرق من الآخر، يعني كل واحد منهما أرق من الآخر. قوله تعالى: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } قرأ نافع وابن كثير وحمزة وأبو عمرو بن العلاء وابن عامر: ملك بغير الألف وقرأ عاصم والكسائي بالألف فأما من قرأ بالألف قال: لأن [المالك] أبلغ في الوصف، لأنه يقال: مالك الدار، ومالك الدابة، ولا يقال ملك، إلا لملك من ملوك، وأما الذي قرأ: ملك [بغير ألف قال] " لأن [الملك] أبلغ في الوصف، لأنك إذا قلت: فلان ملك هذه البلدة يكون ذلك كناية عن الولاية دون الملك، وإذا قلت فلان مالك هذه البلدة كان ذلك عبارة عن ملك الحقيقة، وروى مالك بن دينار [عن] [أنس بن مالك] قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتتحون الصلاة بـ { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وكلهم يقرأون { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } بالألف.


-2-

قال الفقيه - رحمه الله -: سمعت أبي يحكي [بإسناده] عن أبي عبد الله محمد بن شجاع البلخي يقول: كنت أقرأ [بقراءة] الكسائي مالك يوم الدين بالألف فقال لي بعض أهل اللغة: الملك أبلغ في الوصف، فأخذت بقراءة حمزة (وكنت أقرأ) { ملك يوم الدين } فرأيت في المنام كأنه أتاني آت فقال لي: لم حذفت الألف من مالك؟ أما بلغك الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " اقرأوا القرآن فخما مفخماً " [فلم أترك القراءة بـ: " ملك " حتى أتاني بعد ذلك آت في المنام فقال لي:] لم حذفت الألف من مالك؟ أما بلغك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، فلم نقصت من حسناتك عشراً في كل قراءة؟ فلما أصبحت أتيت قطرباً وكان إماماً في اللغة - فقلت له: ما الفرق بين ملك ومالك؟ فقال: بينهما فرق كثير. فأما ملك فهو ملك من الملوك، وأما مالك فهو مالك الملوك. فرجعت إلى قراءة الكسائي. ثم معنى قوله " مالك " يعني: قاضي وحاكم (يوم الدين) يعني يوم الحساب كما قال تعالى

{ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } [التوبة9، الآية: 36]

[يعني الحساب القيم. وقيل أيضاً: معنى يوم الدين يعني يوم القضاء. كما قال الله تعالى

{ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ ٱلْمَلِكِ } [يوسف12: 76]

يعني في قضائه] وقيل أيضاً: يوم الدين أي يوم الجزاء، كما يقال: كما تدين تدان. يعني كما تجازي تجازى به. فإن قيل: ما معنى تخصيص يوم الدين؟ وهو مالك يوم الدين وغيره. قيل له: لأن في الدنيا، كانوا منازعين له في الملك. مثل فرعون ونمرود وغيرهما. وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه، وكلهم خضعوا له. كما قال تعالى:

{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر40: 16]

فأجاب جميع الخلق

{ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارُِ } [غافر40: 16]

فكذلك ها هنا. قال: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } يعني في ذلك اليوم لا يكون مالك، ولا قاض ولا مجاز غيره. قوله تعالى: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } هو تعليم، علم المؤمنين كيف يقولون إذا قاموا بين يديه في الصلاة فأمرهم بأن يذكروا عبوديتهم وضعفهم حتى يوفقهم ويعينهم فقال { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي نوحد ونطيع. وقال بعضهم { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } يعني إياك نطيع طاعة، نخضع فيها لك. وقوله تعالى: { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } يقول: [بك نستوثق] على عبادتك وقضاء الحقوق. وفي هذا دليل على أن الكلام قد يكون بعضه على وجه المغايبة وبعضه على وجه المخاطبة، لأنه افتتح السورة بلفظ المغايبة وهو قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ثم ذكر بلفظ المخاطبة، فقال: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وهذا كما قال في آية أخرى


-3-

{ هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ } [يونس10: 22]

فذكر بلفظ المخاطبة، ثم قال

{ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا } [يونس10: 22]

[هذا ذكر] على المغايبة. ومثل هذا في القرآن كثير. قوله تعالى: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } رويت القراءتان عن ابن كثير أنه قرأ " السراط " بالسين وروي عن حمزة أنه قرأ بالزاي وقرأ الباقون بالصاد وكل ذلك جائز، لأن مخرج السين والصاد واحد وكذلك الزاي مخرجه منهما قريب، والقراءة المعروفة بالصاد { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }. قال ابن عباس رضي الله عنهما: { ٱهْدِنَا } يعني أرشدنا { ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } وهو الإسلام [فإن قيل: أليس هو الطريق المستقيم؟ وهو الإسلام فما] معنى السؤال؟ قيل له: الصراط المستقيم، هو الذي ينتهي بصاحبه إلى المقصود. فإنما يسأل العبد ربه أن يرشده إلى الثبات على الطريق الذي ينتهي به إلى المقصود، ويعصمه من السبل المتفرقة. وقد روي عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: خط لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطاً مستقيماً، وخط بجنبه خطوطاً، ثم قال: إن هذا الصراط المستقيم وهذه السبل، وعلى رأس كل طريق شيطان يدعو إليه ويقول: هلم إلى الطريق وفي هذا نزلت هذه الآية

{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام6: 153]

فلهذا قال: اهدنا الصراط المستقيم واعصمنا من السبل المتفرقة. قال الكلبي: أمتنا على دين الإسلام. وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } يعني ثبتنا عليه. ومعنى قول علي: ثبتنا عليه. يعني احفظ قلوبنا على ذلك، ولا تقلبها بمعصيتنا. وهذا موافق لقول الله تعالى:

{ وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً } [الفتح48: 2]

فكذلك ها هنا. قوله تعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } يعني طريق الذين مننت عليهم، فحفظت قلوبهم على الإسلام حتى ماتوا عليه. وهم أنبياؤه وأصفياؤه وأولياؤه. فامنن علينا كما مننت عليهم. أخبرنا الفقيه: أبو جعفر قال: حدثنا أبو بكر، أحمد بن محمد بن سهل القاضي قال: حدثنا أحمد ابن جرير، قال: حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد قال: حدثنا هشام بن القاسم قال: حدثنا حمزة بن المغيرة عن عاصم عن أبي العالية في قوله تعالى { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } قال: هو النبي - عليه السلام - وصاحباه من بعده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. قال عاصم: فذكرت ذلك للحسن البصري فقال: صدق والله أبو العالية ونصح. وقوله تعالى { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } أي غير طريق اليهود. يقول: لا تخذلنا بمعصيتنا، كما خذلت اليهود فلم تحفظ قلوبهم، حتى تركوا الإسلام { وَلاَ ٱلضَّالّينَ } يعني ولا النصارى، لم تحفظ قلوبهم وخذلتهم بمعصيتهم حتى تنصروا. وقد أجمع المفسرون أن المغضوب عليهم أراد به اليهود، والضالين أراد به النصارى.


-4-

فإن قيل: أليس النصارى من المغضوب عليهم؟ واليهود أيضاً من الضالين؟ فكيف صرف المغضوب إلى اليهود، وصرف الضالين إلى النصارى؟ قيل له: إنما عرف ذلك بالخبر واستدلالا بالآية. فأما الخبر، فما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً سأله وهو بوادي القرى من المغضوب عليهم؟ قال: اليهود، قال: ومن الضالين؟ فقال: النصارى وأما الآية فلأن الله تعالى قال في قصة اليهود:

{ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ } [البقرة2: 90]

وقال تعالى في قصة النصارى:

{ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة5: 77].

(آمين) ليس من السورة. ولكن روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقوله، ويأمر به، ومعناه ما قال ابن عباس: يعني كذلك يكون، وروي عن مجاهد أنه قال: هو اسم من أسماء الله تعالى ويكون معناه: يا الله استجب دعاءنا. وقال بعضهم: هي لغة بالسريانية. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما حسدتكم اليهود في شيء، كحسدهم في (آمين) يعني: أنهم يعرفون ما فيه من الفضيلة. وروي عن كعب الأحبار أنه قال: (آمين) خاتم رب العالمين، يختم به دعاء عباده المؤمنين. وقال مقاتل: هو قوة للدعاء واستنزال للرحمة. وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معنى آمين؟ قال: رب افعل. ويقال: فيه لغتان (أمين) بغير مد، و(آمين) بالمد، ومعناهما واحد وقد جاء في أشعارهم/ كلا الوجهين. قال القائل:

تباعد عني فُطْحُل إذ دَعَوْتهآمين فزاد الله ما بيننا بعدا


وقال الآخر:

يا ربِّ لا تَسْلُبَنِّي حُبَّها أبداويرحم الله عبدا قال: آمينا


وصلى الله على سيدنا محمد.

-5-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #15  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق 1-3

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

قوله عز وجل: { بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } أجمعوا أنها من القرآن في سورة النمل، وإنما اختلفوا في إثباتها في فاتحة الكتاب، وفي أول كل سورة، فأثبتها الشافعي في طائفة، ونفاها أبو حنيفة في آخرين.

واختُلِفَ في قوله: { بِسْمِ }:

فذهب أبو عبيدة وطائفة إلى أنها صلة زائدة، وإنما هو اللهُ الرحمنُ الرحيمُ، واستشهدوا بقول لبيد:


إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلاَمِ عَلَيْكُماوَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كَامِلاً فَقَدِ اعْتَذَرْ


فذكر اسم السلام زيادة، وإنما أراد: ثم السلام عليكما.

واختلف من قال بهذا في معنى زيادته على قولين:

أحدهما: لإجلال ذكره وتعظيمه، ليقع الفرق به بين ذكره وذكر غيره من المخلوقين، وهذا قول قطرب.

والثاني: ليخرج به من حكم القسم إلى قصد التبرُّك، وهذا قول الأخفش.

وذهب الجمهور إلى أن " بسم " أصل مقصود، واختلفوا في معنى دخول الباء عليه، ـ فهل دخلت على معنى الأمر أو على معنى الخبر ـ على قولين:

أحدهما: دخلت على معنى الأمر وتقديره: ابدؤوا بسم الله الرحمن الرحيم وهذا قول الفراء.

والثاني: على معنى الإخبار وتقديره: بدأت بسم الله الرحمن الرحيم وهذا قولُ الزجَّاج.

وحُذِفت ألف الوصل، بالإلصاق في اللفظ والخط، لكثرة الاستعمال كما حُذفت من الرحمن، ولم تحذف من الخط في قوله:

{ إِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذَّي خَلَقَ } [العلق96: آية1]

لقلَّة استعماله.


الاسم: كلمة تدل على المسمى دلالة إشارةٍ، والصفة كلمة تدل على الموصُوف دلالة إفادة، فإن جعلت الصفة اسماً، دلَّت على الأمرين: على الإشارة والإفادة.

وزعم قوم أن الاسم ذاتُ المسمى، واللفظ هو التسمية دون الاسم، وهذا فاسد، لأنه لو كان أسماءُ الذواتِ هي الذواتُ، لكان أسماءُ الأفعال هي الأفعال، وهذا ممتنع في الأفعال فامتنع في الذوات.

واختلفوا في اشتقاق الاسم على وجهين:

أحدهما: أنه مشتق من السمة، وهي العلامة، لما في الاسم من تمييز المسمى، وهذا قول الفرَّاء.

والثاني: أنه مشتق من السمو، وهي الرفعة لأن الاسم يسمو بالمسمى فيرفعه من غيره، وهذا قول الخليل والزجَّاج.

وأنشد قول عمرو بن معدي كرب:


إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَمْراً فَدَعْهُوَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ
وَصِلْهُ بِالدُّعَاءِ فَكُلُّ أَمْرٍسَمَا لَكَ أَوْ سَمَوْتَ لَهُ وُلُوعُ


وتكلف من رَاعَى معاني الحروف ببسم الله تأويلاً، أجرى عليه أحكام الحروف المعنوية، حتى صار مقصوداً عند ذكر الله في كل تسمية، ولهم فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: أن الباء بهاؤه وبركته، وبره وبصيرته، والسين سناؤه وسموُّه وسيادته، والميم مجده ومملكته ومَنُّه، وهذا قول الكلبي.

والثاني: أن الباء بريء من الأولاد، والسين سميع الأصوات والميم مجيب الدعوات، وهذا قول سليمان بن يسار.

-1-

والثالث: أن الباء بارئ الخلق، والسين ساتر العيوب، والميم المنان، وهذا قول أبي روق.

ولو أن هذا الاستنباط يحكي عمَّن يُقْتدى به في علم التفسير لرغب عن ذكره، لخروجه عما اختص الله تعالى به من أسمائه، لكن قاله متبوع فذكرتُهُ مَعَ بُعْدِهِ حاكياً، لا محققاً ليكون الكتاب جامعاً لما قيل.

ويقال لمن قال " بسم الله " بَسْمَلَ على لُغَةٍ مُوَلَّدَةٍ، وقد جاءت في الشعر، قال عمر بن أبي ربيعة:


لَقَدْ بَسْمَلَتْ لَيْلَى غَدَاةَ لَقِيتُهَافَيَا حَبَّذا ذَاكَ الْحَبِيبُ المُبَسْمِلُ


فأما قوله: " الله " ، فهو أخص أسمائه به، لأنه لم يتسَمَّ باسمه الذي هو " الله " غيره.

والتأويل الثاني: أن معناه هل تعلم له شبيهاً، وهذا أعمُّ التأويلين، لأنه يتناول الاسم والفعل.

وحُكي عن أبي حنيفة أنه الاسم الأعظم من أسمائه تعالى، لأن غيره لا يشاركه فيه. واختلفوا في هذا الاسم هل هو اسم عَلَمٍ للذات أو اسم مُشْتَقٌّ من صفةٍ، على قولين:

أحدهما: أنه اسم علم لذاته، غير مشتق من صفاته، لأن أسماء الصفات تكون تابعة لأسماء الذات، فلم يكن بُدٌّ من أن يختص باسم ذاتٍ، يكون علماً لتكون أسماء الصفات والنعوت تبعاً.

والقول الثاني: أنه مشتق من أَلَهَ، صار باشتقاقه عند حذف همزِهِ، وتفخيم لفظه الله.

واختلفوا فيما اشْتُقَ منه إله على قولين:

أحدهما: أنه مشتق من الَولَه، لأن العباد يألهون إليه، أي يفزعون إليه في أمورهم، فقيل للمألوه إليه إله، كما قيل للمؤتمِّ به إمام.

والقول الثاني: أنه مشتق من الألوهية، وهي العبادة، من قولهم فلان يتألَّه، أي يتعبد، قال رؤبةُ بن العجاج:


لِلَّهِ دَرُّ الْغَانِيَاتِ المُدَّهِ لَمَّا رَأَيْنَ خَلِقَ الْمُمَوَّهِ
سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تألهِي


أي من تعبد، وقد رُوي عن ابن عباس أنه قرأ: { وَيَذَرَكَ وءالِهَتَكَ } أي وعبادتك.

ثم اختلفوا، هل اشتق اسم الإله من فعل العبادة، أو من استحقاقها، على قولين:

أحدهما: أنه مشتق من فعل العبادة، فعلى هذا، لا يكون ذلك صفة لازمة قديمة لذاته، لحدوث عبادته بعد خلق خلقه، ومن قال بهذا، منع من أن يكون الله تعالى إلهاً لم يزل، لأنه قد كان قبل خلقه غير معبود.

والقول الثاني: أنه مشتق من استحقاق العبادة، فعلى هذا يكون ذلك صفة لازمة لذاته، لأنه لم يزل مستحقّاً للعبادة، فلم يزل إلهاً، وهذا أصح القولين، لأنه لو كان مشتقّاً من فعل العبادة لا من استحقاقها، للزم تسمية عيسى عليه السلام إلهاً، لعبادة النصارى له، وتسمية الأصنام آلهة، لعبادة أهلها لها، وفي بطلان هذا دليل، على اشتقاقه من استحقاق العبادة، لا من فعلها، فصار قولنا " إله " على هذا القول صفة من صفات الذات، وعلى القول الأول من صفات الفعل.

-2-

وأما " الرحمن الرحيم " ، فهما اسمان من أسماء الله تعالى، والرحيم فيها اسم مشتق من صفته.

وأما الرحمن ففيه قولان:

أحدهما: أنه اسم عبراني معرب، وليس بعربي، كالفسطاط رومي معرب، والإستبرق فارسي معرب، لأن قريشاً وهم فَطَنَةُ العرب وفُصَحَاؤهم، لم يعرفوهُ حتى ذكر لهم، وقالوا ما حكاه الله تعالى عنهم:

{ ... وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } [الفرقان25: 60]،

وهذا قول ثعلب واستشهد بقول جرير:



أو تتركون إلى القسّين هجرتكمومسحكم صلبهم رحمن قربانا


قال: ولذلك جمع بين الرحمن والرحيم، ليزول الالتباس، فعلى هذا يكون الأصل فيه تقديم الرحيم على الرحمن لعربيته، لكن قدَّم الرحمن لمبالغته.

والقول الثاني: أن الرحمن اسم عربي كالرحيم لامتزاج حروفهما، وقد ظهر ذلك في كلام العرب، وجاءت به أشعارهم، قال الشنفري:


أَلاَ ضَرَبَتْ تِلْكَ الْفَتَاةُ هَجِينَهَاأَلاَ ضَرَبَ الرًّحْمنُ رَبِّي يَمِينَهَا


فإذا كانا اسمين عربيين فهما مشتقان من الرحمة، والرحمة هي النعمة على المحتاج، قال الله تعالى:

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء21: 107]،

يعني نعمةً عليهم، وإنما سميت النعمةُ رحمةً لحدوثها عن الرحمة.


والرحمن أشدُّ مبالغةً من الرحيم، لأن الرحمن يتعدى لفظه ومعناه، والرحيم لا يتعدى لفظه، وإنما يتعدى معناه، ولذلك سمي قوم بالرحيم، ولم يتَسَمَّ أحدٌ بالرحمن، وكانت الجاهليةُ تُسمِّي اللهَ تعالى به وعليه بيت الشنفرى، ثم إن مسيلمة الكذاب تسمَّى بالرحمن، واقتطعه من أسماء الله تعالى، قال عطاء: فلذلك قرنه الله تعالى بالرحيم، لأن أحداً لم يتسمَّ بالرحمن الرحيم ليفصل اسمه عن اسم غيره، فيكون الفرق في المبالغة، وفرَّق أبو عبيدة بينهما، فقال بأن الرحمن ذو الرحمة، والرحيم الراحم.

واختلفوا في اشتقاق الرحمن والرحيم على قولين:

أحدهما: أنهما مشتقان من رحمة واحدةٍ، جُعِل لفظ الرحمن أشدَّ مبالغة من الرحيم.

والقول الثاني: أنهما مشتقان من رحمتين، والرحمة التي اشتق منها الرحمن، غير الرحمة التي اشتق منها الرحيم، ليصح امتياز الاسمين، وتغاير الصفتين، ومن قال بهذا القول اختلفوا في الرحمتين على ثلاثة أقوال:

أحدها: أن الرحمن مشتق من رحمة الله لجميع خلقه، والرحيم مشتق من رحمة الله لأهل طاعته.

والقول الثاني: أن الرحمن مشتق من رحمة الله تعالى لأهل الدنيا والآخرة، والرحيم مشتق من رحمتِهِ لأهل الدنيا دُون الآخرة.

والقول الثالث: أن الرحمن مشتق من الرحمة التي يختص الله تعالى بها دون عباده، والرحيم مشتق من الرحمة التي يوجد في العباد مثلُها.

-3-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #16  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق 1-8

تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق 1-8

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } * { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } * { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } * { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيـمِ } قوله: بسم الله الباء أداة تخفض ما بعدها مثل: من وعن، والمتعلق به الباء محذوف لدلالة الكلام عليه، تقديره: أبدأ بسم الله، أو قل: بسم الله. وأسقطت الألف من الاسم طلباً للخفة وكثرة استعمالها وطولت الباء قال القُتَيبي ليكون افتتاح كلام كتاب الله بحرف معظم، كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول لكتَّابه: طولوا الباء وأظهروا السين وفرجوا بينهما، ودوروا الميم. تعظيماً لكتاب الله تعالى وقيل: لما أسقطوا الألف ردوا طول الألف على الباء ليكون دالاً على سقوط الألف، ألا ترى أنه لما كتبت الألف في:

{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } [العلق96: 1]


ردت الباء إلى صيغتها ولا تحذف الألف إذا أضيف الاسم إلى غير الله ولا مع غير الباء.

والاسم هو المسمى وعينه وذاته قال الله تعالى:

{ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } [مريم19: 7]

أخبر أن اسمه يحيى ثم نادى الاسم فقال: «يا يحيى» وقال:

{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ } [يوسف12: 40]

وأراد الأشخاص المعبودة لأنهم كانوا يعبدون المسميات وقال:

{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ } [الأعلى: 1]

{ تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ } [الرحمن55: 78]

ثم يقال للتسمية أيضاً اسم فاستعماله في التسمية أكثر من المسمى فإن قيل: ما معنى التسمية من الله لنفسه؟ قيل هو تعليم للعباد كيف يفتتحون القراءة.


واختلفوا في اشتقاقه قال المبرد في البصريين: هو مشتق من السمو وهو العلو، فكأنه علا على معناه وظهر عليه، وصار معناه تحته، وقال ثعلب من الكوفيين: هو من الوسم والسمة وهي العلامة وكأنه علامة لمعناه والأول أصح لأنه يُصَغَّر على السُّمَيِّ ولو كان من السمة لكان يُصَغَّر على الوسيم كما يقال في الوعد وعيد ويقال في تصريفه سميت ولو كان في الوسم لقيل: وَسمْتُ. قوله تعالى:«الله» قال الخليل وجماعة: هو اسم علم خاص لله عز وجل لا اشتقاق له كأسماء الأعلام للعباد مثل زيد وعمرو. وقال جماعة هو مشتق ثم اختلفوا في اشتقاقه فقيل: من أله إِلاهة أي عبد عبادة وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما

{ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } [الأَعراف7: 127]

أي عبادتك - معناه أنه مستحق للعبادة دون غيره وقيل أصله إِله قال الله عز وجل:

{ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ } [المؤمنون23: 91]

قال المبرد: هو من قول العرب ألهت إلى فلان أي سكنت إليه قال الشاعر:

ألهت إليها والحوادث جمة


فكأن الخلق يسكنون إليه ويطمئنون بذكره، ويقال: ألهتُ إليه أي فزعت إليه قال الشاعر:

ألهت إليها والركائب وُقَّفٌ


وقيل: أصل الإِله «ولاه» فأبدلت الواو بالهمزة مثل وشاح واشاح، اشتقاقه من الوله لأن العباد يَوْلَهُونَ إليه أي يفزعون إليه في الشدائد، ويلجؤون إليه في الحوائج كما يوله كل طفل إلى أمه، وقيل هو من الوله وهو ذهاب العقل لفقد من يعز عليك.

-1-

قوله: { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قال ابن عباس رضي الله عنهما: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر. واختلفوا فيهما منهم من قال: هما بمعنى واحد مثل ندمان ونديم ومعناهما ذو الرحمة، وذكر أحدهما بعد الآخر (تطميعاً) لقلوب الراغبين. وقال المبرد: هو إنعام بعد إنعام، وتفضل بعد تفضل، ومنهم من فرق بينهما فقال: الرحمن بمعنى العموم والرحيم معنى الخصوص. فالرحمن بمعنى الرزاق في الدنيا وهو على العموم لكافة الخلق. والرحيم بمعنى المعافي في الآخرة والعفو في الآخرة للمؤمنين على الخصوص ولذلك قيل في الدعاء: يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، فالرحمن من تصل رحمته إلى الخلق على العموم، والرحيم من تصل رحمته إليهم على الخصوص، ولذلك يدعىٰ غير الله رحيماً ولا يدعى غير الله رحمن. فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ، والرحيم عام اللفظ خاص المعنى، والرحمة إرادة الله تعالى الخير لأهله. وقيل هي ترك عقوبة من يستحقها وإسداء الخير إلى من لا يستحق، فهي على الأول صفة ذات، وعلى الثاني صفة (فعل).

واختلفوا في آية التسمية فذهب قراء المدينة والبصرة وفقهاء الكوفة إلى أنها ليست من فاتحة الكتاب، ولا من غيرها من السور والافتتاح بها للتيمن والتبرك. وذهب قراء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز إلى أنها من الفاتحة وليست من سائر السور وإنها كتبت للفصل وذهب جماعة إلى أنها من الفاتحة ومن كل سورة إلا سورة التوبة وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي لأنها كتبت في المصحف بخط سائر القرآن.

واتفقوا على أن الفاتحة سبع آيات فالآية الأولى عند من يعدها من الفاتحة (بسم الله الرحمن الرحيم) وابتداء الآية الأخيرة (صراط الذين) ومن لم يعدها من الفاتحة قال ابتداؤها (الحمد لله رب العالمين) وابتداء الآية الأخيرة (غير المغضوب عليهم) واحتج من جعلها من الفاتحة ومن السور بأنها كتبت في المصحف بخط القرآن، وبما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي أنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرني أبي عن سعيد بن جبير: (قال)

{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ المَثَانِي وٱلقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } [الحجر15: 87]

هي أم القرآن قال أُبي وقرأها عليَّ سعيد بن جبير حتى ختمها ثم قال: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيـمِ» الآية السابعة قال سعيد: قرأتها على ابن عباس كما قرأتها عليك ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة، قال ابن عباس: فذخرها لكم فما أخرجها لأحد قبلكم.


ومن لم يجعلها من الفاتحة احتج بما ثنا أبو الحسن محمد بن محمد الشيرازي أنا زاهر بن أحمد ثنا أبو عيسى اسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «قمت وراء أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم فكلهم كان لا يقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» إذا افتتح الصلاة» قال سعيد بن جبير عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم / لا يعرف ختم سورة حتى نزلت بسم الله الرحمن الرحيم.

-2-

وعن ابن مسعود قال: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم.

وقال الشعبي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب في بدء الأمر على رسم قريش باسمك اللهم حتى نزلت

{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا } [هود11: 41]

فكتب باسم الله حتى نزلت

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [الإسراء17: 110]

فكتب بسم الله الرحمن حتى نزلت

{ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [النمل27: 30]

فكتب مثلها.


قوله: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } لفظه خبر كأنه يخبر أن المستحق للحمد هو الله عز وجل وفيه تعليم الخلق تقديره قولوا الحمد لله والحمد يكون بمعنى الشكر على النعمة، ويكون بمعنى الثناء عليه بما فيه من الخصال الحميدة. يقال حمدت فلاناً على ما أسدى إلي من النعمة وحمدته على علمه وشجاعته، والشكر لا يكون إلا على النعمة، فالحمد أعم من الشكر إذ لا يقال: شكرت فلاناً على علمه فكل حامد شاكر وليس كل شاكر حامداً. وقيل: الحمد باللسان قولاً: والشكر بالأركان فعلاً قال الله تعالى:

{ وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } [الإسراء17: 111]

وقال:

{ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } [سبأ34: 13].


قوله: { للَّه } اللام فيه للاستحقاق كما يقال الدار لزيد.

قوله: { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } فالرب يكون بمعنى المالك كما يقال لمالك الدار: رب الدار: ويقال: رب الشيء إذا ملكه، ويكون بمعنى التربية والإِصلاح، يقال: ربَّ فلان الضيعة يَرُبُّها إذا أتمها وأصلحها فهو رب مثل طبَّ، وبَرَّ. فالله تعالى مالك العالمين ومربيهم، ولا يقال للمخلوق هو الرب معرَّفاً إنما يقال رب كذا مضافاً، لأن الألف واللام للتعميم وهو لا يملك الكل.

«والعالمين» جمع عالم، لا واحد له من لفظه واختلفوا في العالمين قال ابن عباس: هم الجن والإِنس لأنهم المكلفون بالخطاب قال الله تعالى:

{ لِيَكُونَ لِلعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان25: 1]

وقال قتادة ومجاهد والحسن: هم جميع المخلوقات. قال الله تعالى:

{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } [الشعراء26: 23-24]

واشتقاقه من العلم والعلامة سموا به لظهور أثر الصنعة فيهم قال أبو عبيدة: هم أربع أمم: الملائكة، والإِنس، والجن، والشياطين، مشتق من العلم، ولا يقال للبهائم عالم لأنها لا تعقل، واختلفوا في مبلغهم قال سعيد بن المسيب لله ألف عالم ستمائة في البحر وأربعمائة في البر وقال مقاتل بن حيان: لله ثمانون ألف عالم أربعون ألفاً في البحر وأربعون ألفاً في البر.


-3-

وقال وهب: لله ثمانية عشر ألف عالم الدنيا عالم منها، وما العمران في الخراب إلا كفسطاط في صحراء. وقال كعب الأحبار: لا يحصي عدد العالمين أحد إلا الله قال الله تعالى:

{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [المدثر74: 31].


قوله: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } قرأ عاصم والكسائي ويعقوب: { مالك } وقرأ الآخرون { مَلِكِ } قال قوم: معناهما واحد مثل فرهين وفارهين، وحذرين وحاذرين ومعناهما الرب يقال رب الدار ومالكها. وقيل: المالك والملك هو القادر على اختراع الأعيان من العدم إلى الوجود ولا يقدر عليه أحد غير الله.

قال أبو عبيدة: مالك أجمع وأوسع لأنه يقال مالك العبد والطير والدواب ولا يقال ملك هذه الأشياء. ولأنه لا يكون مالكاً لشيء إلاّ وهو يملكه، وقد يكون ملك الشيء ولا يملكه.

وقال قوم: ملك أولى لأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكاً ولأنه أوفق لسائر القرآن مثل قوله تعالى:

{ فَتَعَالَىٰ ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } [طه20: 114]

و

{ المَلِكُ القُدُّوسُ } [الحشر59: 23]

قال مجاهد: الدين الحساب، قال الله تعالى

{ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } [التوبة9: 36]

أي الحساب المستقيم و

{ مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [الناس114: 2]

قال ابن عباس ومقاتل والسدي: ملك يوم الدين قاضي يوم الحساب وقال قتادة: الدين الجزاء. ويقع على الجزاء في الخير والشر جميعاً كما يقال: كما تدين تدان.


قال محمد بن كعب القرظي: ملك يوم لا ينفع فيه إلا الدين، وقال يمان بن رباب: الدين القهر. يقال دنته فدان أي قهرته فذل. وقيل: الدين الطاعة أي يوم الطاعة. وإنما خص يوم الدين بالذكر مع كونه مالكاً للأيام كلها لأن الأملاك يومئذ زائلة فلا ملك ولا أمر إلا له، قال الله تعالى:

{ ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } [الفرقان25: 26]

وقال:

{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر40: 16]

وقال:

{ وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفطار82: 19].


وقرأ أبو عمرو: «الرحيم ملك» بإدغام الميم في الميم وكذلك يدغم كل حرفين من جنس واحد أو مخرج واحد أو قريبي المخرج سواء كان الحرف ساكناً أو متحركاً إلا أن يكون الحرف الأول مشدداً أو منوناً أو منقوصاً أو مفتوحاً أو تاء الخطاب قبله ساكن في غير المثلين فإنه لا يدغمهما، وإدغام المتحرك يكون في الإِدغام الكبير وافقه حمزة في إدغام المتحرك في قوله

{ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ } [النساء4: 81]

{ والصَّافَّاتِ صَفّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرا } [الصافات37: 1 ـ 3]

و

{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } [الذاريات51: 1]

أدغم التاء فيما بعدها من الحروف، وافقه الكسائي وحمزة في إدغام الصغير، وهو إدغام الساكن في المتحرك إلا في الراء عند اللام والدال عند الجيم وكذلك لا يدغم حمزة - وبرواية خلاد وخلف - الدال عند السين والصاد والزاي، ولا إدغام لسائر القراء إلا في أحرف معدودة.


قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } «إيّا» كلمة ضمير خُصَّت بالإِضافة إلى المضمر ويستعمل مقدماً على الفعل فيقال: إياك أعني، وإياك أسأل ولا يستعمل مؤخراً إلا منفصلاً.

-4-

فيقال: ما عنيت إلا إياك.

قوله: { نَعْبُدُ } أي نوحدك ونطيعك خاضعين، والعبادة الطاعة مع التذلل والخضوع وسمي العبد عبداً لذلته وانقياده يقال: طريق معبد أي مذلل.

{ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } نطلب منك المعونة على عبادتك وعلى جميع أمورنا فإن قيل: لم قدم ذكر العبادة على الاستعانةِ والاستعانةُ تكون قبل العبادة؟ فلهذا يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل. ونحن بَحمد الله نجعل التوفيق والاستعانة مع الفعل، فلا فرق بين التقديم والتأخير ويقال: الاستعانة نوع تعبد فكأنه ذكر جملة العبادة أولاً ثم ذكر ما هو من تفاصيلها.

قوله: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } اهدنا أرشدنا وقال علي وأبي بن كعب: ثبتنا كما يقال للقائم قم حتى أعود إليك أي دم على ما أنت عليه. وهذا الدعاء من المؤمنين مع كونهم على الهداية بمعنى التثبيت وبمعنى طلب مزيد الهداية لأن الألطاف والهدايات من الله تعالى لا تتناهى على مذهب أهل السنة. «الصراط» و سراط بالسين رواه أويس عن يعقوب وهو الأصل، سمي سراطاً لأنه يسرط السابلة، ويقرأ بالزاي، وقرأ حمزة باشمام الزاي، وكلها لغات صحيحة، والاختيار: الصاد، عند أكثر القراء لموافقة المصحف.

والصراط المستقيم قال ابن عباس وجابر رضي الله عنهما: هو الإِسلام وهو قول مقاتل. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: هو القرآن وروي عن علي رضي الله عنه مرفوعاً «الصراط المستقيم كتاب الله» وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه: طريق الجنة. وقال سهل بن عبد الله: طريق السنة والجماعة. وقال بكر بن عبد الله المزني: طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو العالية والحسن: رسول الله وآله وصاحباه] وأصله في اللغة الطريق الواضح.

قوله { صِراطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } أي مننت عليهم بالهداية والتوفيق قال عكرمة: مننت عليهم بالثبات على الإِيمان والاستقامة وهم الأنبياء عليهم السلام، وقيل: هم كل من ثبته الله على الإِيمان من النبيين والمؤمنين الذين ذكرهم الله تعالى في قوله:

{ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ } [النساء4: 69] الآية

وقال ابن عباس: هم قوم موسى وعيسى عليهما السلام قبل أن غيروا دينهم. وقال عبد الرحمن ابن زيد هم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه. وقال أبو العالية: هم آل الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما وأهل بيته وقال شهر ابن حوشب: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته.


قرأ حمزة: عليهُم ولديهُم وإليهُم بضم هاءاتها، ويضم يعقوب كل هاء قبلها ياء ساكنة تثنية وجمعاً إلا قوله:

{ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } [الممتحنة60: 12]

وقرأ الآخرون بكسرهما، فمن ضم الهاء ردها إلى الأصل لأنها مضمومة عند الانفراد، ومن كسرها فلأجل الياء الساكنة والكسرة أخت الياء وضَمَّ ابن كثير وأبو جعفر كل ميم جمعٍ مشبعاً في الوصل إذا لم يَلْقها ساكن فإن لقيها ساكن فلا يشبع، ونافع يخيرِّ، ويضم ورش عند ألف القطع، فإذا تلقتْه ألفُ وصلٍ - وقبل الهاء كسر أو ياء ساكنة - ضم الهاء والميم حمزة والكسائي وكسرهما أبو عمرو وكذلك يعقوب إذا انكسر ما قبله والآخرون يقرؤون بضم الميم وكسر الهاء في الكل لأجل الياء أو لكسر ما قبلها وضم الميم على الأصل.


-5-

قوله تعالى: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } يعني غير صراط الذين غضبت عليهم، والغضب هو إرادة الانتقام من العصاة، وغضب الله تعالى لا يلحق عصاة المؤمنين إنما يلحق الكافرين.

{ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } أي وغير الضالين عن الهدى. وأصل الضلال الهلاك والغيبوبة، يقال: ضل الماء في اللبن إذا هلك وغاب. وغير هاهنا بمعنى لا، ولا بمعنى غير ولذلك جاز العطف كما يقال: فلان غير محسن ولا مجمل. فإذا كان غير بمعنى سوى فلا يجوز العطف عليها بلا، ولا يجوز في الكلام: عندي سوى عبد اللّه ولا زيد.

وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين. وقيل: المغضوب عليهم هم اليهود والضالون: هم النصارى لأن الله تعالى حكم على اليهود بالغضب فقال:

{ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [المائدة5: 60]

وحكم على النصارى بالضلال فقال:

{ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ } [المائدة5: 77]

وقال سهل بن عبد الله: غير المغضوب (عليهم) بالبدعة، ولا الضالين عن السنة.


والسنة للقارىء أن يقول بعد فراغه من قراءة الفاتحة «آمين» بسكتة مفصولة عن الفاتحة وهو مخفف ويجوز عند النحويين ممدوداً ومقصوراً ومعناه: اللهم اسمع واستجب. وقال ابن عباس وقتادة: معناه كذلك يكون. وقال مجاهد هو اسم من أسماء الله تعالى. وقيل: هو طابع الدعاء. وقيل هو خاتم الله على عباده يدفع به الآفات عنهم كخاتم الكتاب يمنعه من الفساد وظهور ما فيه.

أخبرنا الإِمام أبو علي الحسين بن محمد بن القاضي وأبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي قالا: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني ثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الامام - غير المغضوب عليهم ولا الضالين - فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين، وإن الإِمام يقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " صحيح.

(فصل في فضل الفاتحة)

أنا أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكيّالي أنا أبو نصر محمد بن علي بن الفضل الخزاعي أنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا خالد مخلد القطواني حدثني محمد بن جعفر بن أبي كثير هو أخو اسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة قال:

-6-

" مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُبَيِّ بن كعب وهو قائم يصلي فصاح به فقال: تعال يا أُبَيِّ فعجل أُبَيِّ في صلاته، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك؟ أليس الله يقول: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24] قال أبي: لا جرم يا رسول الله لا تدعوني إلا أجبتك وإن كنت مصلياً. قال: أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإِنجيل ولا في الزبور (ولا في القرآن) مثلها؟ فقال أبي: نعم يا رسول الله فقال: لا تخرج في باب المسجد حتى تَعَلَّمَها والنبي صلى الله عليه وسلم يمشي يريد أن يخرج من المسجد فلما بلغ الباب ليخرج قال له أبي: السورة يا رسول الله. فوقف فقال: نعم كيف تقرأ في صلاتك؟ فقرأ أبي أم القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإِنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها وإنها لهي السبع من المثاني (التي) آتاني الله عز وجل " هذا حديث حسن صحيح.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد أنا إسحٰق بن إبراهيم الحنظلي ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو الأحوص عن عمار ابن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده جبريل إذ سمع نقيضاً من فوقه فرفع جبريل عليه السلام بصره إلى السماء فقال: هذا باب فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك. فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ولن تقرأ حرفاً منهما إلا أعطيته " صحيح [أخرجه مسلم عن الحسن بن ربيع عن أبي الأحوص].

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد الشيرازي ثنا زاهر بن أحمد السرخسي أنا أبو إسحاق ابراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول.

-7-

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام " قال: قلت: يا أبا هريرة إِني أحياناً أكون وراء الإِمام فغمز ذراعي وقال: اقرأ بها يا فارسي في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرؤوا يقول العبد: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } / يقول الله حمدني عبدي، يقول العبد { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } يقول الله أثنى علي عبدي، يقول العبد { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } يقول الله تعالى مجدني عبدي، يقول العبد: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } يقول الله تعالى: هذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } يقول الله فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل " صحيح [أخرجه مسلم عن قتيبة عن مالك].


-8-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #17  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق 1-8 من 15

تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق 1-8 من 15

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } * { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } * { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } * { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

قال ابن عباس، وموسى بن جعفر عن أبيه، وعلي بن الحسين، وقتادة، وأبو العالية، ومحمد بن يحيى ابن حبان: إنها مكية، ويؤيد هذا أن في سورة الحجر

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي } [الحجر15: 87]


والحجر مكية بإجماع. وفي حديث أبي بن كعب أنها السبع المثاني، والسبع الطُّول نزلت بعد الحجر بمدد، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنها كانت قط في الإسلام صلاة بغير الحمد لله رب العالمين.

وروي عن عطاء بن يسار، وسوادة بن زياد، والزهري محمد بن مسلم، وعبد الله بن عبيد بن عمير أن سورة الحمد مدنية.

وأما أسماؤها فلا خلاف أنها يقال لها فاتحة الكتاب، لأن موضعها يعطي ذلك، واختلف هل يقال لها أم الكتاب، فكره الحسن بن أبي الحسن ذلك وقال: " أم الكتاب والحلال والحرام ". قال الله تعالى:

{ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } [آل عمران3: 7].


وقال ابن عباس وغيره: " يقال لها أم الكتاب ".

وقال البخاري: سميت أم الكتاب لأنها يبدأ بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصلاة، وفي تسميتها بأم الكتاب حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه، واختلف هل يقال لها أم القرآن؟ فكره ذلك ابن سيرين وجوزه جمهور العلماء.

قال يحيى بن يعمر: " أم القرى مكة، وأم خراسان مرو، وأم القرآن سورة الحمد ".

وقال الحسن بن أبي الحسن: اسمها أم القرآن. وأما المثاني فقيل سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة وقيل سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة فلم تنزل على أحد قبلها ذخراً لها.

وأما فضل هذه السورة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب " إنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها " ويروى أنها تعدل ثلثي القرآن، وهذا العدل إما أن يكون في المعاني، وإما أن يكون تفضيلاً من الله تعالى لا يعلل، وكذلك يجيء عدل

{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص112: 1]

وعدل

{ زُلْزِلَتِ } [الزلزلة99: 1].


وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحمد لله رب العالمين فضل ثلاثين حسنة على سائر الكلام " وورد حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قال لا إله إلا الله كتبت له عشرون حسنة، ومن قال الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة "

وهذا الحديث هو في الذي يقولها من المؤمنين مؤتجراً طالب ثواب، لأن قوله الحمد لله في ضمنها التوحيد الذي هو معنى لا إله إلا الله، ففي قوله توحيد وحمد، وفي قول لا إله إلا الله توحيد فقط. فأما إذا أخذا بموضعهما من شرع الملة ومحلهما من رفع الكفر والإشراك فلا إله إلا الله أفضل، والحاكم بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:

-1-

" أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله "

{ الحمد } معناه الثناء الكامل، والألف واللام فيه لاستغراق الجنس من المحامد، وهو أعم من الشكر، لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر، وشكره حمد ما، والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود من غير أن يسدي شيئاً، فالحامد من الناس قسمان: الشاكر والمثني بالصفات.

وذهب الطبري إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد، وذلك غير مرضي.

وحكي عن بعض الناس أنه قال: " الشكر ثناء على الله بأفعاله وأنعامه، والحمدُ ثناء بأوصافِه ".

قال القاضي أبو محمد: وهذا أصح معنى من أنهما بمعنى واحد. واستدل الطبري على أنهما بمعنى بصحة قولك الحمد لله شكراً. وهو في الحقيقة دليل على خلاف ما ذهب إليه. لأن قولك شكراً إنما خصصت به الحمد أنه على نعمة من النعم. وأجمع السبعة وجمهور الناس على رفع الدال من " الحمدُ لله ".

وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج " الحمدَ لله " بفتح الدال وهذا على إضمار فعل.

وروي عن الحسن بن الحسن وزيد بن علي: " الحمدِ لله " ، بكسر الدال على إتباع الأول الثاني.

وروي عن ابن أبي عبلة: " الحمدُ لُله " ، بضم الدال واللام، على اتباع الثاني والأول.

قال الطبري: { الحمد لله } ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا به عليه، فكأنه قال: " قولوا الحمد لله " وعلى هذا يجيء " قولوا إياك " قال: وهذا من حذف العرب ما يدل ظاهر الكلام عليه، كما قال الشاعر:


وأعلَمُ أنني سأكونُ رمساًإذا سار النواعِجُ لا يسيرُ
فقالَ السائلونَ لِمَنْ حفرْتُمْفقال القائلونَ لهمْ وزيرُ


المعنى المحفور له وزير، فحذف لدلالةِ ظاهرِ الكلامِ عليه، وهذا كثير.

وقرأت طائفة " ربَّ " بالنصب.

فقال بعضهم: " هو نصب على المدح ".

وقال بعضهم: " هو على النداء، وعليه يجيء { إياك } ".

والرب في اللغة: المعبود، والسيد المالك، والقائم بالأمور المصلح لما يفسد منها، والملك،- تأتي اللفظة لهذه المعاني-.

فمما جاء بمعنى المعبود قول الشاعر [غاوي بن عبد العزى]:


أربّ يبولُ الثعلبان برأسهلقد هانَ من بالَتْ عليه الثَّعالبُ


ومما جاء بمعنى السيد المالك قولهم: رب العبيد والمماليك.

ومما جاء بمعنى القائم بالأمور الرئيس فيها قول لبيد:


وأهلكن يوماً ربَّ كندة وابنَهُوربَّ معدٍّ بين خَبْتٍ وعَرْعَرٍ


ومما جاء بمعنى الملك قوله النابغة:

تخبُّ إلى النعمان حتّى تنالَهُفدى لك من ربٍّ طريفي وتالدي


-2-

ومن معنى الإصلاح قولهم: أديم مربوب، أي مصلح، قال الشاعر الفرزدق: [البسيط].


كانوا كسالئةٍ حمقاء إذْ حقنتْسلاءَها في أديمٍ غيرِ مَرْبُوبِ


ومن معنى الملك قول صفوان بن أمية لأخيه يوم حنين: " لأن يربني رجل من قريش خير من أن يربني رجل من هوازن ".

ومنه قول ابن عباس في شأن عبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان: " وإن كان لا بد لأن يربني رجل من بني عمي أحبّ إليّ من أن يربني غيرهم ". ذكره البخاري في تفسير سورة براءة. ومن ذلك قول الشاعر علقمة بن عبدة: [الطويل].


وكنت أمراً أفضت إليك ربابتيومن قبل ربتني فضعت ربوبُ


وهذه الاستعمالات قد تتداخل، فالرب على الإطلاق الذي هو رب الأرباب على كل جهة هو الله تعالى.

و { العالمين } جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله تعالى، يقال لجملته عالم، ولأجزائه من الإنس والجن وغير ذلك عالم، وبحسب ذلك يجمع على العالمين، ومن حيث عالم الزمان متبدل في زمان آخر حسن جمعها، ولفظة العالم جمع لا واحد له من لفظه وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده، كذا قال الزجاج. وقد تقدم القول في " الرحمن الرحيم ".

واختلف القراء في قوله تعالى: { ملك يوم الدين }.

فقرأ عاصم والكسائي " مالك يوم الدين ".

قال الفارسي: " وكذلك قرأها قتادة والأعمش ".

قال مكي: " وروى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها كذلك بالألف، وكذلك قرأها أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وطلحة، والزبير، رضي الله عنهم ".

وقرأ بقية السبعة " ملك يوم الدين " وأبو عمرو منهم يسكن اللام فيقرأ " ملْك يوم الدين ". هذه رواية عبد الوارث عنه.

وروي عن نافع إشباع الكسرة من الكاف في ملك فيقرأ " ملكي " وهي لغة للعرب ذكرها المهدوي.

وقرأ أبو حيوة " ملِكَ " بفتح الكاف وكسر اللام.

وقرأ ابن السميفع، وعمر بن عبد العزيز، والأعمش، وأبو صالح السمان، وأبو عبد الملك الشامي " مالكَ " بفتح الكاف. وهذان على النداء ليكون ذلك توطئة لقوله { إياك }.

ورد الطبري على هذا وقال: " إن معنى السورة: قولوا الحمد لله، وعلى ذلك يجيء { إياك } و { اهدنا }.

وذكر أيضاً أن من فصيح كلام العرب الخروج من الغيبة إلى الخطاب. وبالعكس، وبالعكس، كقول أبي كبير الهذلي: [الكامل].


يا ويح نفسي كان جلدة خالدوبياض وجهك للتراب الأعفر


وكما قال لبيد: [البسيط].


قامت تشكّى إليَّ النفسُ مجهشةوقد حملتُكَ سبعاً سبعينا

وكقول الله تعالى:

{ حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم } [يونس12: 22].


-3-


وقرأ يحيى بن يعمر والحسن بن أبي الحسن، وعلي بن أبي طالب " ملك يوم الدين " على أنه فعل ماض.

وقرأ أبو هريرة " مليك " بالياء وكسر الكاف.

قال أبو علي: ولم يمل أحد من القراء ألف " مالك " ، وذلك جائز، إلا أنه يقرأ بما يجوز، إلا أن يأتي بذلك أثر مستفيض، و " المُلك " و " المِلك " بضم الميم وكسرها وما تصرف منهما راجع كله إلى ملك بمعنى شد وضبط، ثم يختص كل تصريف من اللفظة بنوع من المعنى، يدلك على الأصل في ملك قول الشاعر قيس بن الخطيم: [الطويل]:


ملكتُ بها كفّي فأنهرتُ فَتْقَها


وهذا يصف طعنة فأراد شددت، ومن ذلك قول أوس بن حجر: [الطويل].


فملَّكَ بالليطِ تحتَ قشرِهاكغرقىء بيضٍ كنَّه القيضُ من علِ


أراد شدد، وهذا يصف صانع قوس ترك من قشرها ما يحفظ قلب القوس، والذي مفعول وليس بصفة لليط، ومن ذلك قولهم: إملاك المرأة وإملاك فلان إنما هو ربط النكاح، كما قالوا: عقدة النكاح، إذ النكاح موضع شد وربط، فالمالك للشيء شادّ عليه ضابط له، وكذلك الملك، واحتج من قرأ " ملك " بأن لفظة " ملك " أعم من لفظة " مالك " إذ كل ملك مالك وليس كل مالك ملكاً، والملك الذي يدبر المالك في ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك. وتتابع المفسرون على سرد هذه الحجة وهي عندي غير لازمة، لأنهم أخذوا اللفظتين مطلقتين لا بنسبة إلى ما هو المملوك وفيه الملك. فأما إذا كانت نسبة الملك هي نسبة المالك فالمالك أبلغ، مثال ذلك أن نقدر مدينة آهلة عظيمة ثم نقدر لها رجلاً يملكها أجمع أو رجلاً هو ملكها فقط إنما يملك التدبير والأحكام، فلا شك أن المالك أبلغ تصرفاً وأعظم، إذ إليه إجراء قوانين الشرع فيها، كما لكل أحد في ملكه، ثم عنده زيادة التملك، وملك الله تعالى ليوم الدين هو على هذا الحد، فهو مالكه وملكه، والقراءتان حسنتان.

وحكى أبو علي في حجة من قرأ " مالك يوم الدين " أن أول من قرأ " ملك يوم الدين " مروان بن الحكم وأنه قد يدخل في المالك ما لا يدخل في الملك فيقال مالك الدنانير، والدراهم، والطير، والبهائم، ولا يقال ملكها، ومالك في صفة الله تعالى يعم ملك أعيان الأشياء وملك الحكم فيها، وقد قال الله تعالى:

{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } [آل عمران3: 26].


قال أبو بكر: " الأخبار الواردة تبطل أن أول من قرأ " ملك يوم الدين " مروان بن الحكم بل القراءة بذلك أوسع ولعل قائل ذلك أرد أنه أول من قرأ في ذلك العصر أو البلد ونحوه ".

-4-

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وفي الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما قرؤوا " ملك يوم الدين " بغير ألف، وفيه أيضاً أنهم قرؤوا " مالك يوم الدين " بألف.

قال أبو بكر: والاختيار عندي " ملك يوم الدين " لأن " الملك " و " الملك " يجمعهما معنى واحد وهو الشد والرّبط كما قالوا ملكت العجين أي شددته إلى غير ذلك من الأمثلة، والملك أفخم وأدخل في المدح، والآية إنما نزلت بالثناء والمدح لله سبحانه، فالمعنى أنه ملك الملوك في ذلك اليوم، لا ملك لغيره.

قال: والوجه لمن قرأ " ملك " أن يقول: إن المعنى أن الله تعالى يملك ذلك اليوم أن يأتي به كما يملك سائر الأيام لكن خصّصه بالذكر لعظمه في جمعه وحوادثه.

قال أبو الحسن الأخفش: " يقال " ملك " بين الملك، بضم الميم، ومالك بين " المِلك " و " المَلك " بفتح الميم وكسرها، وزعموا أن ضم الميم لغة في هذا المعنى، وروى بعض البغداديين في هذا الوادي " مَلك " و " ملك " و " مِلك " بمعنى واحد ".

قال أبو علي: " حكى أبو بكر بن السراج عن بعض من اختار القرءة بـ " ملك " أن الله سبحانه قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقوله (رب العالمين) فلا فائدة في قراءة من قرأ مالك لأنها تكرير ".

قال أبو علي ولا حجة في هذا، لأن في التنزيل أشياء على هذه الصورة، تقدم العام ثم ذكر الخاص، كقوله تعالى:

{ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } [الحشر59: 24]

فـ { الخالق } يعم وذكر { المصور } لما في ذلك من التنبيه على الصنعة ووجوه الحكمة، وكما قال تعالى:

{ وَبِالأَخِرَةِ هُم يُوقِنُونَ } [البقرة2: 4]

بعد قوله:

{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } [البقرة2: 3]

والغيب يعم الآخرة وغيرها ولكن ذكرها لعظمها، والتنبيه على وجوب اعتقادها، والرد على الكفرة الجاحدين لها، وكما قال تعالى: { الرحمن الرحيم } فذكر الرحمن الذي هو عام، وذكر الرحيم بعده لتخصيص المؤمنين به في قوله تعالى:

{ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب33: 43].


قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وأيضاً: فإن الرب يتصرف في كلام العرب بمعنى الملك كقوله: [الطويل].


(ومن قبل ربتني فضعت ربوب)


وغير ذلك من الشواهد، فتنعكس الحجة على من قرأ " مالك يوم الدين " والجر في " ملك " أو " مالك " على كلتا القراءتين هو على الصفة للاسم المجرور قبله، والصفات تجري على موصوفيها إذا لم تقطع عنهم لذم أو مدح، والإضافة إلى { يوم الدين } في كلتا القراءتين من باب يا سارق الليلة أهل الدار، اتسع في الظرف فنصب نصب المفعول به، ثم وقعت الإضافة إليه على هذا الحد، وليس هذا كإضافة قوله تعالى:

-5-

{ َعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } [الزخرف43: 85]،

لأن الساعة مفعول بها على الحقيقة، أي إنه يعلم الساعة وحقيقتها، فليس أمرها على ما الكفار عليه من إنكارها.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأما على المعنى الذي قاله ابن السراج من أن معنى " مالك يوم الدين " أنه يملك مجيئه ووقوعه، فإن الإضافة إلى اليوم كإضافة المصدر إلى الساعة، لأن اليوم على قوله مفعول به على الحقيقة، وليس ظرفاً اتسع فيه.

قال أبو علي: ومن قرأ " مالك يوم الدين " فأضاف اسم الفاعل إلى الظرف المتسع فيه فإنه حذف المفعول من الكلام للدلالة عليه تقديره مالك يوم الدين الاحكام، ومثل هذه الآية في حذف المفعول به مع الظرف قوله تعالى:

{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة2: 185]


فنصب { الشهر } على أنه ظرف والتقدير فمن شهد منكم المصر في الشهر، ولو كان الشهر مفعولاً للزم الصوم للمسافر، لأن شهادته لشهر كشهادة المقيم، وشهد يتعدى إلى مفعول يدل على ذلك قول الشاعر: [الطويل].


ويوماً شهدناه سليماً وعامرا


والدين لفظ يجيء في كلام العرب على أنحاء، منها الملة. قال الله تعالى:

{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ } [آل عمران3: 19]

إلى كثير من الشواهد في هذا المعنى، وسمي حظ الرجل منها في أقواله وأعماله واعتقاداته ديناً، فيقال فلان حسن الدين، ومنه " قول النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه في قميص عمر الذي رآه يجره: " قيل: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين " وقال علي بن أبي طالب: " محبة العلماء دين يدان به ". ومن أنحاء اللفظة الدين بمعنى العادة: فمنه قول العرب في الريح: " عادت هيف لأديانها " ومنه قول امرىء القيس: [الطويل]



كدينك من أمّ الحويرثِ قبلَها


ومنه قول الشاعر: [المثقب العبدي] [الوافر]:


أهذا دينه أبداً وديني


إلى غير من الشواهد، يقال دين ودينة أي عادة، ومن أنحاء اللفظة: الدين سيرة الملك وملكته، ومنه قول زهير: [البسيط].


لئن حَلَلْتَ بجوٍّ في بني أسدفي دين عمروٍ وحالتْ بينَنَا فَدَكُ


أراد في موضع طاعة عمرو وسيرته، وهذه الأنحاء الثلاثة لا يفسر بها قوله { ملك يوم الدين }. ومن أنحاء اللفظة الدين الجزاء، فمن ذلك قول الفند الزماني: [شهل بن شيبان] [الهزج].


ولم يبق سوى العدوان دنّاهم كما دانوا


أي جازيناهم. ومنه قول كعب بن جعيل: [المتقارب].


إذا ما رمونا رميناهمُودناهمُ مثل ما يقرضونا


ومنه قول الآخر:


واعلمْ يقيناً أنّ ملكَكَ زائلٌواعلمْ بأنَّ كما تدينُ تدانُ


وهذا النحو من المعنى هو الذي يصلحُ لتفسير قوله تعالى: { ملك يوم الدين } أي يوم الجزاء على الأعمال والحساب بها، كذلك قال ابن عباس، وابن مسعود، وابن جريج، وقتادة وغيرهم.

-6-

قال أبو علي: يدل على ذلك قوله تعالى:

{ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَت } [غافر40: 17]،

و

{ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الجاثية45: 28].

وحكى أهل اللغة: دنته بفعله ديناً بفتح الدال وديناً بكسرها جزيته، وقيل الدين المصدر والدين بكسر الاسم.


وقال مجاهد: { ملك يوم الدين } أي يوم الحساب، مدينين محاسبين وهذا عندي يرجع إلى معنى الجزاء. ومن أنحاء اللفظة الدين الذل، والمدين العبد، والمدينة الأمة، ومنه قول الأخطل:


رَبَتْ وَرَبَا في حِجْرِها ابنُ مدينةٍتراه على مِسْحاتِه يَتَرَكَّلُ


أي ابن أمة، وقيل بل أراد ابن مدينة من المدن، الميم أصلية، ونسبه إليها كما يقال ابن ماء وغيره. وهذا البيت في صفة كرمة فأراد أن أهل المدن أعلم بفلاحة الكرم من أهل بادية العرب. ومن أنحاء اللفظة الدين السياسة، والديان السائس، ومنه قول ذي الأصبع الحدثان بن الحارث: [البسيط].


لاهِ ابنِ عمّك لا أفضلتَ في حسبٍيوماً ولا أنتَ دياني فتخزوني


ومن أنحاء اللفظة الدين الحال.

قال النضر بن شميل: " سألت أعرابياً عن شيء فقال لي لو لقيتني على دين غير هذه لأخبرتك ". ومن أنحاء اللفظة الدين الداء، عن اللحياني وأنشد: [البسيط]


ما دين قلبك من سلمى وقد دينا


قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: أما هذا الشاهد فقد يتأول على غير هذا النحو، فلم يبق إلا قول اللحياني.

وقوله تعالى: { إياك نعبد }.

نطق المؤمن به إقرار بالربوبية وتذلل وتحقيق لعبادة الله، إذ سائر الناس يعبدون سواه من أصنام وغير ذلك، وقدم المفعول على الفعل اهتماماً، وشأن العرب تقديم الأهم.

ويذكر أن أعرابياً سبّ آخر فأعرضَ المسبوبُ عنهُ، فقال له السابُّ: " إياك أعني " فقال الآخر: " وعنكَ أُعرِضُ " فقدَّما الأهم.

وقرأ الفضل الرقاشي: " أياك " بفتح الهمزة، وهي لغة مشهورة وقرأ عمرو بن فائد: " إيَاك " بكسر الهمزة وتخفيف الياء، وذاك أنه كره تضعيف الياء لثقلها وكون الكسرة قبلها، وهذا كتخفيف " ربْ " و " إنْ " وقرأ أبو السوار الغنوي: " هيّاك نعبد وهيّاك نستعين " بالهاء، وهي لغة. واختلف النحويون في { إيّاك } فقال الخليل: إيّا اسم مضمر أضيف إلى ما بعده للبيان لا للتعريف، وحكي عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب. وقال المبرد: إيّا اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف، وحكى ابن كيسان عن بعض الكوفيين أنّ { إيّاك } بكماله اسم مضمر، ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره غيره، وحكي عن بعضهم أنه قال: الكاف والهاء والياء هي الاسم المضمر، لكنها لا تقوم بأنفسها ولا تكون إلا متصلات، فإذا تقدمت الأفعال جعل " إيّا " عماداً لها. فيقال " إياك " و " إياه " و " إيّاي " ، وإذا تأخرت اتصلت بالأفعال واستغني عن " إيا ".

-7-

وحكي عن بعضهم أن أيا اسم مبهم يكنى به عن المنصوب، وزيدت الكاف والياء والهاء تفرقة بين المخاطب والغائب والمتكلم، ولا موضع لها من الإعراب فهي كالكاف في ذلك وفي أرايتك زيداً ما فعل.

و { نعبد } معناه نقيم الشرع والأوامر مع تذلل واستكانة، والطريق المذلل يقال له معبد، وكذلك البعير. وقال طرفة: [الطويل].


تباري عتاق الناجيات وأتبعتوظيفاً وظيفاً فوق مور معبد


وتكررت { إياك } بحسب اختلاف الفعلين، فاحتاج كل واحد منهما إلى تأكيد واهتمام.

و { نستعين } معناه نطلب العون منك في جميع أمورنا، وهذا كله تبرؤ من الأصنام. وقرأ الأعمش وابن وثاب والنخعي: " ونستعين " بكسر النون، وهي لغة لبعض قريش في النون والتاء والهمزة ولا يقولونها في ياء الغائب وإنما ذلك في كل فعل سمي فاعله فيه زوائد أو فيما يأتي من الثلاثي على فعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في المستقبل نحوعلم وشرب، وكذلك فيما جاء معتل العين نحو خال يخال، فإنهم يقولون تخال وأخال.

و { نستعين } أصله نستعون نقلت حركة الواو إلى العين وقلبت ياء لانكسار ما قبلها، والمصدر استعانة أصله استعواناً نقلت حركة الواو إلى العين فلما انفتح ما قبلها وهي في نية الحركة انقلبت ألفاً، فوجب حذف أحد الألفين الساكنين، فقيل حذفت الأولى لأن الثانية مجلوبة لمعنى، فهي أولى بالبقاء، وقيل حذفت الثانية لأن الأولى أصلية فهي أولى بالبقاء، ثم لزمت الهاء عوضاً من المحذوف، وقوله تعالى: { اهدنا } رغبة لأنها من المربوب إلى الرب، وهكذا صيغة الأمر كلها، فإذا كانت من الأعلى فهي أمر، والهداية في اللغة الإرشاد، لكنها تتصرف على وجوه يعبرعنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد، وكلها إذا تؤملت رجعت إلى الإرشاد، فالهدى يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب، ومنه قوله تعالى:

{ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِن رَبِّهِم } [البقرة2: 5]

وقوله تعالى:

{ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [يونس10: 25]

وقوله تعالى:

{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَن أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ } [القصص28: 56]

وقوله تعالى:

{ فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَح صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ } [الأنعام6: 125].


قال أبو المعالي: فهذه آية لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان في القلب، وهو محض الإرشاد.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء، من ذلك قوله تعالى:

{ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرعد13: 7]

أي داع وقوله تعالى:

{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الشورى42: 52]

وهذا أيضاً يبين فيه الإرشاد، لأنه ابتداء إرشاد، أجاب المدعو أو لم يجب، وقد جاء بمعنى الإلهام، من ذلك قوله تعالى:

{ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه20: 50].


قال المفسرون: معناه " ألهم الحيوانات كلها إلى منافعها ". وهذا أيضاً بين فيه معنى الإرشاد، وقد جاء الهدى بمعنى البيان، من ذلك قوله تعالى:

-8-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #18  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق 9-15 من 15

تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق 9-15 من 15


{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم } [فصلت41: 17].

قال المفسرون: " معناه بينا لهم ". قال أبو المعالي: معناه دعوناهم ومن ذلك قوله تعالى:

{ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى } [الليل92: 12]

أي علينا أن نبين، وفي هذا كله معنى الإرشاد.


قال أبو المعالي: وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها، من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين:

{ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم *سَيَهْدِيهِم وَيُصْلِحُ بَالَهُم } [محمد47: 4-5]

ومنه قوله تعالى:

{ فَاهْدُوهُم إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } [الصافات37: 23]

معناه فاسلكوهم إليها.


قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذه الهداية بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا، وهي ضد الضلال وهي الواقعة في قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم } على صحيح التأويل، وذلك بين من لفظ { الصراط } ، والهدى لفظ مؤنث، وقال اللحياني: " هو مذكر " قال ابن سيده: " والهدى اسم من أسماء النهار " قال ابن مقبل: [البسيط].


حتى استبنت الهدى والبيد هاجمةيخشعن في الآل غلفاً أو يصلينا


و { الصراط } في اللغة الطريق الواضح فمن ذلك قول جرير: [الوافر].


أمير المؤمنين على صراطإذ اعوج الموارد مستقيم


ومنه قول الآخر: فصد عن نهج الصراط الواضح.

وحكى النقاش: " الصراط الطريق بلغة الروم ".

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف جداً. واختلف القراء في { الصراط } فقرأ ابن كثير وجماعة من العلماء: " السراط " بالسين، وهذا هو أصل اللفظة.

قال الفارسي: " ورويت عن ابن كثير بالصاد ". وقرأ باقي السبعة غير حمزة بصاد خالصة وهذا بدل السين بالصاد لتناسبها مع الطاء في الاطباق فيحسنان في السمع، وحكاها سيبويه لغة.

قال أبو علي: روي عن أبي عمرو السين والصاد، والمضارعة بين الصاد والزاي، رواه عنه العريان بن أبي سفيان. وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأها بزاي خالصة.

قال بعض اللغويين: " ما حكاه الأصمعي من هذه القراءة خطأ منه، إنما سمع أبا عمرو يقرأ بالمضارعة فتوهمها زاياً، ولم يكن الأصمعي نحوياً فيؤمن على هذا ".

قال القاضي أبو محمد: وحكى هذا الكلام أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد. وقرأ حمزة بين الصاد والزاي. وروي أيضاً عنه أنه إنما يلتزم ذلك في المعرفة دون النكرة.

قال ابن مجاهد: " وهذه القراءة تكلف حرف بين حرفين، وذلك أصعب على اللسان، وليس بحرف يبنى عليه الكلام ولا هو من حروف المعجم، ولست أدفع أنه من كلام فصحاء العرب، إلا أن الصاد أفصح وأوسع ".

وقرأ الحسن والضحاك: " اهدنا صراطاً مستقيماً " دون تعريف وقرأ جعفر بن محمد الصادق: " اهدنا صراطَ المستقيم " بالإضافة وقرأ ثابت البناني: " بصرنا الصراط ".

-9-

واختلف المفسرون في المعنى الذي استعير له { الصراط } في هذا الموضع وما المراد به، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " { الصراط المستقيم } هنا القرآن " وقال جابر: " هو الإسلام " يعني الحنيفية. وقال: سعته ما بين السماء والأرض. وقال محمد بن الحنفية: " هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره " وقال أبو العالية: " هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر ". وذكر ذلك للحسن بن أبي الحسن، فقال: صدق أبو العالية ونصح.

قال القاضي أبو محمد: ويجتمع من هذه الأقوال كلها أن الدعوة إنما هي في أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين في معتقداته، وفي التزامه لأحكام شرعه، وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام، وهو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وهذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون وعندهم المعتقدات وعند كل واحد بعض الأعمال، فمعنى قولهم { اهدنا } فيما هو حاصل عندهم طلب التثبيت والدوام، وفيما ليس بحاصل إما من جهة الجهل به أو التقصير في المحافظة عليه طلب الإرشاد إليه. وأقول إن كل داع فإنما يريد { الصراط } بكماله في أقواله وأفعاله ومعتقداته، فيحسن على هذا أن يدعو في الصراط على الكمال من عنده بعضه ولا يتجه أن يراد بـ { اهدنا } في هذه الآية اخلق الإيمان في قلوبنا، لأنها هداية مقيدة إلى صراط ولا أن يراد بها ادعنا، وسائر وجوه الهداية يتجه، و { الصراط } نصب على المفعول الثاني، و { المستقيم } الذي لا عوج فيه ولا انحراف، والمراد أنه استقام على الحق وإلى غاية الفلاح، ودخول الجنة، وإعلال { مستقيم } أن أصله مستقوم نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وصراط الذين بدل من الأول.

وقرأ عمر بن الخطاب، وابن الزبير: " صراط من أنعمت عليهم ".

و { الذين } جمع الذي، وأصله " لذٍ " ، حذفتْ منه الياء للتنوين كما تحذف من عمٍ، وقاضٍ، فلما دخلته الألف واللام ثبتت الياء. و " الذي " اسم مبهم ناقص محتاج إلى صلة وعائد، وهو مبني في إفراده. وجمعه معرب في تثنيته. ومن العرب من يعرب جمعه، فيقول في الرفع اللذون، وكتب الذي بلام واحدة في الإفراد والجمع تخفيفاً لكثرة الاستعمال، واختلف الناس في المشار إليهم بأنه أنعم عليهم.

فقال ابن عباس وجمهور من المفسرين: إنه أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وانتزعوا ذلك من قوله تعالى:

{ وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً *وَإِذاً لأَتَيْنَاهُم مِن لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً *وَلَهَدَيْنَاهُم صِرَاطاً مُسْتَقِيماً *وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّنَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء4: 66-69]

-10-

فالآية تقتضي أن هؤلاء على صراط مستقيم. وهو المطلوب في آية الحمد.

وقال ابن عباس أيضاً: " المنعم عليهم هو المؤمنون ".

وقال الحسن بن أبي الحسن: " المنعم عليهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ".

وحكى مكي وغيره عن فرقة من المفسرين أن المنعم عليهمْ مؤمنو بني إسرائيل، بدليل قوله تعالى:

{ يَابَنِي إِسْرَاءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُم } [البقرة2: 40].
{ يَابَنِي إِسْرَاءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُم } [البقرة2: 47].
{ يَابَنِي إِسْرَاءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُم } [البقرة2: 122].


وقال ابن عباس: " المنعم عليهم أصحابُ موسى قبل أن يبدلوا ".

قال القاضي أبو محمد: وهذا والذي قبله سواء.

وقال قتادة بن دعامة: " المنعم عليهم الأنبياء خاصة ".

وحكى مكي عن أبي العالية أنه قال: " المنعم عليهم محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عمر ".

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد تقدم ما حكاه عنه الطبري من أنه فسر { الصراط المستقيم } بذلك، وعلى ما حكى مكي ينتقض الأول ويكون { الصراط المستقيم } طريق محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وهذا أقوى في المعنى، لأن تسمية أشخاصهم طريقاً تجوز، واختلف القراء في الهاء من { عليهم } ، فقرأ حمزة " عليهُمْ " بضم الهاء وإسكان الميم، وكذلك لديهم وإليهم، قرأ الباقون في جميعها بكسر الهاء واختلفوا في الميم.

فروي عن نافع التخيير بين ضمها وسكونها، وروي عنه أنه كان لا يعيب ضم الميم، فدل ذلك على أن قراءته كانت بالإسكان.

وكان عبد الله بن كثير يصل الميم بواو انضمت الهاء قبلها أو انكسرت فيقرأ " عليهمو وقلوبهمو وسمعهمو وأبصارهمو ".

وقرأ ورش الهاء مكسورة والميم موقوفة، إلا أن تلقى الميم ألفاً أصلية فيلحق في اللفظ واواً مثل قوله:

{ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُم } [البقرة2: 6].


وكان أبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، والكسائي، يكسرون، ويسكنون الميم، فإذا لقي الميم حرف ساكن اختلفوا فكان عاصم، وابن كثير، ونافع يمضون على كسر الهاء وضم الميم، مثل قوله تعالى:
{ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } [البقرة2: 61]

{ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } [آل عمران3: 112]

و

{ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ } [القصص28: 23]

وما أشبه ذلك، وكان أبو عمرو يكسر الهاء والميم فيقول: { عليهم الذلة } و

{ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ } [يس36: 14]

وما أشبه ذلك.


وكان الكسائي يضم الهاء والميم معاً، فيقرأ { عليهم الذلة } و { من دونهم امرأتين }.

قال أبو بكر أحمد بن موسى: وكل هذا الاختلاف في كسر الهاء وضمها إنما هو في الهاء التي قبلها كسرة أو ياء ساكنة، فإذا جاوزت هذين لم يكن في الهاء إلا الضم، فإذا لم يكن قبل الميم هاء قبلها كسرة أو ياء ساكنة لم يجز في الميم إلا الضم والتسكين في مثل قوله تعالى: منكم وأنتم.

قال القاضي أبو محمد: وحكى صاحب الدلائل قال: " قرأ بعضهم عليهمو بواو وضمتين، وبعضهم بضمتين وألغى الواو، وبعضهم بكسرتين وألحق الياء، وبعضهم بكسرتين وألغى الياء، وبعضهم بكسر الهاء وضم الميم ".

-11-

قال: " وذلك مروي عن الأئمة ورؤساء اللغة ".

قال ابن جني: " حكى أحمد بن موسى عليهمو وعليهمُ بضم الميم من غير إشباع إلى الواو، وعليهم بسكون الميم ".

وقرأ الحسن وعمرو بن فائد " عليهمي ".

وقرىء " عليهمِ " بكسر الميم دون إشباع إلى الياء.

وقرأ الأعرج: " علِيهمُ " بكسر الهاء وضم الميم من غير إشباع.

وهذه القراءات كلها بضم الهاء إلا الأخيرة وبإزاء كل واحدة منها قراءة بكسر الهاء فيجيء في الجميع عشر قراءات.

قوله تعالى: { غير المغضوب عليهم ولا الضالين }.

اختلف القراء في الراء من غير، فقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي بخفض الراء، وقرأ بن كثير بالنصب، وروي عنه الخفض.

قال أبو علي: " الخفض على ضربين: على البدل، من { الذين } ، أو على الصفة للنكرة، كما تقول مررت برجل غيرك، وإنما وقع هنا صفة لـ { الذين } لأن { الذين } هنا ليس بمقصود قصدهم، فالكلام بمنزلة قولك إني لأمر بالرجل مثلك فأكرمه ".

قال: " والنصب في الراء على ضربين: على الحال كأنك قلت أنعمت عليهم لا مغضوباً عليهم، أو على الاستثناء كأنك قلت إلا المغضوب عليهم، ويجوز النصب على أعني ". وحكي نحو هذا عن الخليل.

ومما يحتج به لمن ينصب أن { غير } نكرة فكره أن يوصف بها المعرفة. والاختيار الذي لا خفاء به الكسر. وقد روي عن ابن كثير، فأولى القولين ما لم يخرج عن إجماع قراء الأمصار.

قال أبو بكر بن السراج: " والذي عندي أن { غير } في هذا الموضع مع ما أضيف إليه معرفة، وهذا شيء فيه نظر ولبس، فليفهم عني ما أقول: اعلم أن حكم كل مضاف إلى معرفة أن يكون معرفة، وإنما تنكرت غير ومثل مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما، وذلك إذا قلت رأيت غيرك فكل شيء سوى المخاطب فهو غيره، وكذلك إذا قلت رأيت مثلك فما هو مثله لا يحصى لكثرة وجوه المماثلة، فأنما صارا نكرتين من أجل المعنى فأما إذا كان شيء معرفة له ضد واحد وأردت إثباته، ونفي ضده، وعلم ذلك السامع فوصفته بغير وأضفت غير إلى ضده فهو معرفة، وذلك كقولك عليك بالحركة غير السكون، وكذلك قولك غير المغضوب لأن من أنعم عليه لا يعاقبه إلا من غضب عليه، ومن لم يغضب عليه فهو الذي أنعم عليه، فمتى كانت غير على هذه الصفة وقصد بها هذا المقصد فهي معرفة ".

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: أبقى أبو بكر { الذين } على حد التعريف، وجوز نعتها بـ { غير } لما بينه من تعرف غير في هذا الموضع، وغير أبي بكر وقف مع تنكر غير، وذهب إلى تقريب { الذين } من النكرة إذ هو اسم شائع لا يختص به معين، وعلى هذا جوز نعتها بالنكرة، و { المغضوب عليهم } اليهود، والضالون النصارى.

-12-

وهكذا قال ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، والسدي، وابن زيد، وروي ذلك عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بين من كتاب الله تعالى، لأن ذكر غضب الله على اليهود متكرر فيه كقوله:

{ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } [البقرة2: 61]
{ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } [آل عمران3: 112]

وكقوله تعالى:

{ قُلْ هَل أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ } [المائدة5: 60]

فهؤلاء اليهود، بدلالة قوله تعالى بعده:

{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُم فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [البقرة2: 65]

والغضب عليهم هو من الله تعالى، وغضب الله تعالى عبارة عن إظهاره عليهم محناً وعقوبات وذلة ونحو ذلك، مما يدل على أنه قد أبعدهم عن رحمته بعداً مؤكداً مبالغاً فيه، والنصارى كان محققوهم على شرعة قبل ورود شرع محمد صلى الله عليه وسلم، فلما ورد ضلوا، وأما غير محققيهم فضلالهم متقرر منذ تفرقت أقوالهم في عيسى عليه السلام. وقد قال الله تعالى فيهم:

{ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَد ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ } [المائدة5: 77].


قال مكي رحمه الله حكاية: دخلت { لا } في قوله { ولا الضالين } لئلا يتوهم أن { الضالين } عطف على { الذين }.

قال: " وقيل هي مؤكدة بمعنى غير ".

وحكى الطبري أن { لا } زائدة، وقال: هي هنا على نحو ما هي عليه في قول الراجز:


فما ألوم البيض ألا تسخرا- أراد أن تسخر-


وفي قول الأحوص: [الطويل]


ويلحينني في اللهو أن لا أحبّهوللهو داعٍ دائبٌ غيرُ غافلِ


وقال الطبري: يريد: ويلحينني في اللهو أن أحبه ".

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وبيت الأحوص إنما معناه إرادة أن لا أحبه فـ " لا " فيه متمكنة.

قال الطبري: ومنه قوله تعالى:

{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ } [الأعراف7: 12]

وإنما جاز أن تكون لا بمعنى الحذف، ولأنها تقدمها الجحد في صدر الكلام، فسيق الكلام الآخر مناسباً للأول، كما قال الشاعر:



ما كان يرضي رسول الله فعلهموالطيبان أبو بكر ولا عمر


وقرأ عمر بن الخطاب وأبي بن كعب: " غير المغضوب عليهم وغير الضالين ".

وروي عنهما في الراء النصب والخفض في الحرفين.

قال الطبري: " فإن قال قائل أليس الضلال من صفة اليهود، كما أن النصارى عليهم غضب فلم خص كل فريق بذكر شيء مفرد؟ قيل: هم كذلك ولكن وسم الله لعباده كل فريق بما قد تكررت العبارة عنه به وفهم به أمره ".

-13-

قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وهذا غير شاف، والقول في ذلك أن أفاعيل اليهود من اعتدائهم، وتعنتهم، وكفرهم مع رؤيتهم الآيات، وقتلهم الأنبياء أمور توجب الغضب في عرفنا، فسمى تعالى ما أحل بهم غضباً، والنصارى لم يقع لهم شيء من ذلك، إنما ضلوا من أول كفرهم دون أن يقع منهم ما يوجب غضباً خاصاً بأفاعيلهم، بل هو الذي يعم كل كافر وإن اجتهد، فلهذا تقررت العبارة عن الطائفتين بما ذكر، وليس في العبارة بـ { الضالين } تعلق للقدرية في أنهم أضلوا أنفسهم لأن هذا إنما هو كقولهم تهدم الجدار وتحركت الشجرة والهادم والمحرك غيرهما، وكذلك النصارى خلق الله الضلال فيهم وضلوا هم بتكسبهم.

وقرأ أيوب السختياني: " الضألين " بهمزة غير ممدودة كأنه فر من التقاء الساكنين، وهي لغة.

حكى أبو زيد قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ: " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن " فظننته قد لحن حتى سمعت من العرب دأبة وشأبة.

قال أبو الفتح: وعلى هذه اللغة قول كثير [الطويل].


إذا ما العوالي بالعبيط احْمَأَرَّتِ


وقول الآخر: [الطويل].

وللأرض أما سودُها فتجللَتْبياضاً وأمّا بيضُها فادْهأَمَّتِ


وأجمع الناسُ على أنَّ عدد آي سورة الحمد سبعُ آيات: { العالمين } آية، { الرحيم } آية، { الدين } آية، { نستعين } آية، { المستقيم } آية، { أنعمت عليهم } آية، { ولا الضالين } آية، وقد ذكرنا في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم ما ورد من خلاف ضعيف في ذلك.

القول في آمين

روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قال الإمام: { ولا الضالين } [الفاتحة: 7] فقولوا آمين. فإن الملائكة في السماء تقول آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.

وروي " أن جبريل عليه السلام لما علم النبي عليه السلام فاتحة الكتاب وقت نزولها فقرأها قال له: " قل آمين " ".

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " آمين خاتم رب العالمين، يختم بها دعاء عبده المؤمن ".

وروي " أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو فقال: " أوجب إن ختم. فقال له رجل بأي شيء يختم يا رسول الله؟ قال: " بآمين " ".

ومعنى " آمين " عند أكثر أهل العلم: اللهم استجب، أو أجب يا رب، ونحو هذا. قاله الحسن بن أبي الحسن وغيره، ونص عليه أحمد بن يحيى ثعلب وغيره.

وقال قوم: " هو اسم من أسماء الله تعالى " ، روي ذلك عن جعفر بن محمد ومجاهد وهلال بن يساف، وقد روي أن " آمين " اسم خاتم يطبع به كتب أهل الجنة التي تؤخذ بالإيمان.

-14-

قال القاضي أبو محمد: فمقتضى هذه الآثار أن كلّ داعٍ ينبغي له في آخر دعائه أن يقول: " آمين " وكذلك كل قارىء للحمد في غير صلاة، لكن ليس بجهر الترتيل. وأما في الصلاة فقال بعض العلماء: " يقولها كل مصلّ من إمام وفذ ومأموم قرأها أو سمعها ".

وقال مالك في المدونة: " لا يقول الإمام " آمين " ولكن يقولها من خلفه ويخفون، ويقولها الفذ ".

وقد روي عن مالك رضي الله عنه: أن الإمام يقولها أسرّ أم جَهَرَ.

وروي عنه: " الإمام لا يؤمن في الجهر ".

وقال ابن حبيب: " يؤمن ".

وقال ابن بكير: " هو مخير ".

قال القاضي أبو محمد عبدالحق رضي الله عنه: فهذا الخلاف إنما هو في الإمام، ولم يختلف في الفذ ولا في المأموم إلا ابن نافع. قال في كتاب ابن حارث: " لا يقولها المأموم إلا إن سمع الإمام يقول { ولا الضالين } [الفاتحة: 7]، وإذا كان ببعد لا يسمعه فلا يقل ".

وقال ابن عبدوس: " يتحرى قدر القراءة ويقول آمين ". وهي لفظة مبنية على الفتح لالتقاء الساكنين، وكأن الفتح مع الياء أخف من سائر الحركات، ومن العرب من يقول " آمين " فيمده، ومنه قول الشاعر: [البسيط]


آمين آمين لا أرضى بواحدةحتى أبلغها ألفين آمينا


ومن العرب من يقول " أمين " بالقصر، ومنه قول الشاعر: [جبير بن الأضبط].

تباعد مني فَطْحَلٌ إذْ رأيتُهأمين فزاد الله ما بيننا بعدا


واختلف الناس في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة " فقيل في الإجابة، وقيل في خلوص النية، وقيل في الوقت، والذي يترجح أن المعنى فمن وافق في الوقت مع خلوص النية، والإقبال على الرغبة إلى الله تعالى بقلب سليم، والإجابة تتبع حينئذ، لأنّ من هذه حاله فهو على الصراطِ المستقيم.

-15-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #19  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق 1-3

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } * { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }

{ بسْم اللهِ الرحمنِ الرحيم }

قال ابن عمر: نزلت في كل سورة. وقد اختلف العلماء: هل هي آية كاملة، أم لا؟ وفيه [عن] أحمد روايتان. واختلفوا: هل هي من الفاتحة، أم لا؟ فيه عن أحمد روايتان أيضاً. فأما من قال: إِنها من الفاتحة، فإنه يوجب قراءتها في الصلاة إِذا قال بوجوب الفاتحة، وأما من لم يرها من الفاتحة، فانه يقول: قراءتها في الصلاة سنة. ما عدا مالكاً فانه لا يستحب قراءتها في الصلاة.

واختلفوا في الجهر بها في الصلاة فيما يجهر به، فنقل جماعة عن أحمد: أنه لا يسن الجهر بها، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وابن مغفَّل، وابن الزبير، وابن عباس، وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم: الحسن، والشعبي، وسعيد بن جبير، وابراهيم، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز، والأعمش، وسفيان الثوري، ومالك، وأبو حنيفة، وأبو عبيد في آخرين.

وذهب الشافعي إِلى أن الجهر مسنون، وهو مروي عن معاوية بن أبي سفيان، وعطاء، وطاووس، ومجاهد.

فأما تفسيرها:

فقوله: { بِسمِ الله } اختصار، كأنه قال: أبدأ باسم الله. أو: بدأت باسم الله. وفي الاسم خمس لغات: إِسم بكسر الألف، وأُسم بضم الألف إذا ابتدأت بها، وسم بكسر السين، وسم بضمها، وسما. قال الشاعر:


والله أَسْماك سماً مباركاآثرك الله به إيثاركا


وأَنشدوا:


باسم الذي في كل سورةٍ سمه


قال الفراء: بعض قيس [يقولون:] سمه، يريدون: اسمه، وبعض قضاعة يقولون: سُمُه. أَنشدني بعضهم:


وعامنا أَعجبنا مقدّمهيدعى أبا السمح وقرضاب سُمُه


والقرضاب: القطاع، يقال: سيف قرضاب.

واختلف العلماء في اسم الذي هو «الله»:

فقال قوم: إِنه مشتق، وقال آخرون: إنه علم ليس بمشتق. وفيه عن الخليل روايتان. إِحداهما: أنه ليس بمشتق، ولا يجوز حذف الألف واللام منه كما يجوز من الرحمن. والثانية: رواها عنه سيبويه: أنه مشتق. وذكر أبو سليمان الخطابي عن بعض العلماء أن أصله في الكلام مشتق من: أله الرجل يأله: إِذا فزع اليه من أمر نزل به. فألهه، أي: أجاره وأمَّنه، فسمي إِلهاً كما يسمّى الرجل إِماماً. وقال غيره: أصله ولاه. فأبدلت الواو همزة فقيل: إِله كما قالوا: وسادة إِسادة، ووشاح وإِشاح.

واشتق من الوله، لأن قلوب العباد توله نحوه. كقوله تعالى:

{ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ } [النحل16: 53].


وكان القياس أن يقال: مألوه، كما قيل: معبود، إلا أنهم خالفوا به البناء ليكون علماً، كما قالوا للمكتوب: كتاب، وللمحسوب: حساب. وقال بعضهم: أصله من: أله الرجل يأله إِذا تحير، لأن القلوب تتحير عند التفكر في عظمته. وحكي عن بعض اللغويين: أله الرجل يأله إِلاهة، بمعنى: عبد يعبد عبادة.

وروي عن ابن عباس أنه قال:

-1-

{ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ } [الأعراف7: 127]

أي: عبادتك. قال: والتأله: التعبد. قال رؤبة:


لله در الغانيات المدَّهسبَّحن واسترجعن من تألهي


فمعنى الإِله: المعبود.

فأما «الرَّحمن»:

فذهب الجمهور إِلى أنه مشتق من الرحمة، مبني على المبالغة، ومعناه: ذو الرحمة التي لا نظير له فيها. وبناء فعلان في كلامهم للمبالغة، فانهم يقولون للتشديد الامتلاء: ملآن، وللشديد الشبع: شبعان.

قال الخطابي: فـ «الرحمن»: ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم ومصالحهم، وعمت المؤمن والكافر.

و «الرحيم»: خاصٌ للمؤمنين. قال عز وجل:

{ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب33: 43].

والرحِيم: بمعنى الراحم.


روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقرأ عليه أبيّ بن كعب أم القرآن فقال: " والذي نفسي بيده، ما أُنزل في التوراة، ولا في الانجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ". فمن أسمائها: الفاتحة، لأنه يستفتح الكتاب بها تلاوة وكتابة. ومن أسمائها: أم القرآن، وأم الكتاب، لأنها أمت الكتاب بالتقدم. ومن أسمائها: السَّبع المثاني، وإنما سميت بذلك لما سنشرحه في (الحجر) إن شاء الله.

واختلف العلماء في نزولها على قولين.

أحدهما: أنها مكية، وهو مروي عن علي بن أبي طالب، والحسن، وأبي العالية، وقتادة، وأبي ميسرة.

والثاني: أنها مدنية، وهو مرويّ عن أبي هريرة، ومجاهد، وعبيد بن عمير، وعطاء الخراساني. وعن ابن عباس كالقولين.

فصل

فأما تفسيرها

فـ { الْحَمْدُ } رفع بالابتداء، و { لله } الخبر. والمعنى: الحمد ثابت لله، ومستقرّ له، والجمهور على كسر لام «لله» وضمها ابن عبلة، قال الفراء: هي لغة بعض بني ربيعة، وقرأ ابن السَّميفع: «الحمد» بنصب الدال «لله» بكسر اللام. وقرأ أبو نهيك. بكسر الدال واللام جميعا.

واعلم أن الحمد: ثناء على المحمود، ويشاركه الشكر، إلا أن بينهما فرقاً، وهو: أن الحمد قد يقع ابتداء للثناء، والشكر لا يكون إلا في مقابلة النعمة، وقيل: لفظه لفظ الخبر، ومعناه الأمر، فتقديره: قولوا: الحمد لله.

وقال ابن قتيبة: الحمد: الثناء على الرجل بما فيه من كرم أو حسب أو شجاعة، وأشباه ذلك. والشكر: الثناء عليه بمعروف أولا كه، وقد يوضع الحمد موضع الشكر. فيقال: حمدته على معروفه عندي، كما يقال: شكرت له على شجاعته.

فأما «الرب» فهو المالك، ولا يذكر هذا الاسم في حق المخلوق إلا بالاضافة، فيقال: هذا رب الدار، ورب العبد. وقيل هو مأخوذ من التربية.

قال شيخنا أبو منصور اللغوي: يقال: ربّ فلان صنيعته يربها رباً: إذا أتمها وأصلحها، فهو ربّ ورابٌ.

قال الشاعر:

يربّ الذي يأتي من الخير إنهإذا سئل المعروف زاد وتمُّما


قال: والرب يقال على ثلاثة أوجه. أحدها: المالك. يقال رب الدار. والثاني: المصلح، يقال: رب الشيء. والثالث: السيد المطاع. قال تعالى:

{ فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً } [يوسف12: 41].


-2-

والجمهور على خفض باء «ربِّ». وقرأ أبو العالية، وابن السَّميفع، وعيسى ابن عمر بنصبها. وقرأ أبو رزين العقيلي، والربيع بن خيثم، وأبو عمران الجوني برفعها.

فأما { الْعَالَمِينَ } فجمع عالم، وهو عند أهل العربية: اسم للخلق من مبدئهم إلى منتهاهم، وقد سموا أهل الزمان الحاضر عالماً.

فقال الحطيئة:

تنحي فاجلسي مني بعيداأراح الله منك العالمينا


فأما أهل النظر، فالعلم عندهم: اسم يقع على الكون الكلي المحدث من فلكٍ، وسماء، وأرض، وما بين ذلك.

وفي اشتقاق العالم قولان. أحدهما: أنه من العلم، وهو يقوي قول أهل اللغة.

والثاني: أنه من العلامة، وهو يقوي قول أهل النظر، فكأنه إنما سمي عندهم بذلك، لانه دالٌ على خالقه.

وللمفسرين في المراد بـ «العالمين» ها هنا خمسة أقوال:

أحدها: الخلق كله، السموات والأرضون وما فيهنّ وما بينهن. رواه الضحّاك عن ابن عباس.

والثاني: كل ذي روح دب على وجه الأرض. رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: أنهم الجن والإنس. روي ايضا عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، ومقاتل.

والرابع: أنهم الجن والإنس والملائكة، نقل عن ابن عباس أيضا، واختاره ابن قتيبة.

والخامس: أنهم الملائكة، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.

قوله تعالى: { الرَّحْمن الرَّحِيمِ }

قرأ أبو العالية، وابن السميفع، وعيسى بن عمر بالنصب فيهما، وقرأ أبو رزين العقيلي، والربيع بن خيثم، وأبو عمران الجوني بالرفع فيهما.

-3-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #20  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق

{ بسمِ اللَّهِ } أبدأ بسم الله، أو بدأت بسم الله، الاسم صلة، أو ليس بصلة عند الجمهور، واشتق من السمة، وهي العلامة، أو من السمو.

(الله) أخص أسماء الرب لم يتسم به غيره

{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم19: 65]

تسمى باسمه، أو شبيهاً. أبو حنيفة: " هو الاسم الأعظم " وهو علم إذ لا بد للذات من اسم علم يتبعه أسماء الصفات، أو هو مشتق من الوله لأنه يأله إليه العباد: أي يفزعون إليه في أمورهم، فالمألوه إليه إله، كما أن المأموم [به] إمام أو اشتق من التأله وهو التعبد, تأله فلان: تعبد، واشتق من فعل العبادة فلا يتصف به في الأزل، أو من استحقاقها على الأصح فيتصف به أزلاً { الرَّحْمَن الرَّحِيمِ } الرحمن والرحيم الراحم، أو الرحمن أبلغ، وكانت الجاهلية تصرفه للرب سبحانه وتعالى، الشنفري:



إلا ضربت تلك الفتاة هجينها ألا هدر الرحمن ربي يمينها


ولما سُمي مسيلمة بالرحمن قُرِن لله تعالى الرحمن الرحيم، لأن أحداً لم يتسم بهما،، واشتقا من رحمة واحدة، أو الرحمن من رحمته لجميع الخلق، والرحيم من رحمته لأهل طاعته، أو الرحمن من رحمته لأهل الدنيا، والرحيم من رحمته لأهل [الآخرة]، أو الرحمن من الرحمة التي يختص بها، والرحيم من الرحمة التي يوجد في العباد مثلها.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:34 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.