المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #31  
قديم 12-27-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق 1-8 من 15

تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق 1-8 من 15


{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }


قوله جل اسمه:

{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }

الهداية لغة: الإرشاد بلطف، ولهذا يستعمل في الخير لا في الشر وقوله تعالى

{ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات37: 23].

يحتمل أن يكون على سبيل التهكّم ومنه الهديّة، وهوادي الوحش لمقدّماتها، والفعل منه: هَدى.


وقيل: معناه الدلالة على ما يوصِل إلى المطلوب. ونُقض بقوله


وقيل: بل الدلالة الموصِلة إلى المطلوب، وهو أيضاً منقوض بقوله:


والحمل على المجاز في كل منهما والحقيقة في الأخرى متصوَّر.

وقيل: إنّه تارة تتعدّى بنفسها، وتارة باللام أو بإلى، كما في قوله تعالى:
{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء17: 9]. وقوله:
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى42: 52]

ومعناه على الاول الايصال، وعلى الأخيرين إراءة الطريق.


وفي الكشاف: إنّ أصله ان يعدّى باللام أو إلى، فعومِل معاملةَ " اختارَ " في قوله تعالى:


والصراطُ: الطريقُ الواضح المتّسع. وأصله السين. لأنه من سرط الطعام إذا ابتلَعه. فكأنه يسرط السابلة، ولهذا سمّي لقماً، لأنّه يلتقمهم، فمَن قرأ بالسين - كابن كثير برواية قنبل ورويس عن يعقوب - راعى الأصل، ومن قرأ بالصاد، فلما بَيْن الصاد والطاء من المواخاة في الاطباق والاستعلاء، كقولهم: مُصيطر، في مُسيطر.

وقرأ حمزة باشمام الصاد الزاي، ليكون أقرب الى المبدل عنه، إذ قد يشمّ الصاد صوت الزاي، وفُصحاهنّ اخلاص الصاد وهي لغة قريش، ويجمع على " فُعُل " ككِتاب على كُتُب، ويستوي فيه المذكّر والمؤنث، كالطريق والسبيل.

واعلم أنّ الأمر والدعاء يتشاركان صيغةً ومعنىً، لأن كلاً منهما طلب، وإنّما يتفاوتان بالاستعلاء والتسفّل، أو بالرتبة. وأمّا معنى هذا الدعاء ففيه وجوه:

منها: أنّ معناه: ثبّتنا على الدين الحقّ، لأن الله قد هَدى الخلقَ كلّهم الى الصراط أي طريق الحق من ملّة الاسلام، إلاّ انّ الإنسان قد تزلُّ قدمُه عن جادته، وترد عليه الخواطرُ الرديّة فيحسن منه أن يسألَ الله التثبُّت على دينهِ، والزيادة على هذا، كما قال الله تعالى:

{ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } [محمد47: 17].

وهذا كقولك لمن يأكل الطعام عندك: كُلْ، أي: دُمْ على أكله.


ومنها: أن المراد دلّنا على الدين الحقّ في مستقبل العمر، كما دللتنا عليه في الماضي. ويجوز الدعاء بالشيء الذي يكون حاصلاً كقوله تعالى:

{ قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } [الأنبياء21: 112]،

وليس فيه تحصيل للحاصل.


ومنها: أنّ نفس الدعاء عبادةٌ شريفةٌ من جملة العبادات. وفيه اظهار للانقطاع إليه تعالى، ويجوز أن يكون لنا فيه مصلحة من الخضوع والخشوع والتذلّل، وسائر ما يوجب تليين القلوب والتبتّل إليه، فتحسن المسألة.

وقيل في معنى الصراط المستقيم وجوه:

أحدها: أنّه كتابُ الله وهو المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، وعن علي (عليه السلام)، وابن مسعود.
-1-

وثانيها: إنّه الإسلام، وهو المرويُّ عن جابر وابن عبّاس.

وثالثها: إنّه دين الله الذي لا يقبل غيره، عن محمد بن الحنفيّة.

والرابع: إنّه النبيّ والأئمة القائمون مقامه، وهو المروي في أخبار أصحابنا والمأثور من أئمّتنا وأنوارنا (عليهم السلام).

والأوْلى حمل الآية على العموم، ليكون أجمع وأشبه منه بكلام من له الأحديّة الجمعيّة.

قال بعض المحقّقين: هداية الله تتنوّع أنواعاً لا يحصيها عدّ، لكنّها في أجناس مرتبة.

الأول: إفاضة القوى التي بها يتمكّن المرءُ من الإهتداء الى مصَالحه. كالقوّة العقليّة، والحواسّ الباطنة، والمَشاعر الظاهرة، كما في قوله:


والثاني: نصْبُ الدلائل الفارقة بين الحقّ والباطل في الاعتقادات، والصلاح والفساد في الأعمال، حيث قال:


والثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكُتب، وايّاها عنّى بقوله:


والرابع: أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي أو الإلهام والمنامات الصادقة وهذا القسم يختصّ بنيله الأنبياءُ والأولياء، وإيّاه عنى بقوله:


فالمطلوب ها هنا إمّا زيادة ما منحوه من الهُدى، أو الثبات عليه، أو حصول المراتب المرتّبة عليه، فإذا قال العارف الواصل: اهْدِنَا، عنَى ارشِدنا طريقَ السيرِ فيكَ لتَمحو عنّا ظُلمات أحوالنا، وتميط غواشي أبداننا، لنستضيء بنور قدسِكَ، فنراكَ بنوركَ.

مكاشفة

[الصراط ومرور الانسان عليه]

اعلم إنّ معرفة حقيقة الصراط واستقامتها والمرو عليه والضلال عنه، من المعارف القرآنية التي يختص بدركها أهل المكاشفة والمشاهدة، وليس لغيرهم من سائر المسلمين إلاّ مجرّد التصديق والإذعان به تسليماً وايماناً بالغيب، لا ببصيرة حاصلة من نور اليقين ونعم ما قيل: مَن لا كشْف له لا عِلْم له.

واللمعة اليسيرة من هذا العلم:

هي إنّ الموجودات الممكنة منقسمة إلى قائمة ومتحركة، والعبارة من الأولى؛ عالَم الأمر والقضاء والإرادة:

{ وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ } [القمر54: 50].

ومنه نشأ الملائكةُ المقرّبون القائمون بأمره تعالى في منازلهم ومراتبهم، المفطورون على كمالهم الأصلي، لا يتعدّونه، كل له مقام معلوم، منهم سجود لا يركعون، ومنهم ركوع لا يسجدون. والعبارة من الثانية؛ عالَم الخلْق والفعل والتقدير، قال:

{ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء21: 104].

وعالَم الخلْق دائم الحركة والانتقال والحدوث والزوال، ونحن قد أقمنا البرهان على تجدّد الطبائع الجسميّة، وسيلان الجواهر الماديّة برهاناً قطعيّاً، وبينّا أن غاية جميع هذه الحركات والانقلابات الإرادية والطبيعيّة هو الله تعالى، وان جميع الموجودات العالية والسافلة بتوجّهون نحوه ويولّون شطره بما يسري إليهم من نور عشقه وفيض رحمته، وهذا المعنى ممّا يمكن إدراكه بالحدس والتجربة، لما نشاهد من كلّ موجود نراه شوقاً إلى ما هو أعلى منه، وحركة إلى ما يشتاقه ويتمنّاه، ومعاد كلّ موجود إلى ما هو مبدأه، ومرجعه إلى ما هو منشأه، وكلّ ما هو أعلى مبدءاً يكون أرفع غاية وأشرف مآباً ومرجعاً، فمرجع العنصر إلى العنصر كماء المطَر انفصَل من البحر أولاً واتّصل به ثانياً كان بحراً ثمّ بخاراً، ثمّ انعقد سحاباً، ثم تقاطَر أمطاراً، ثم جرى عيوناً وأنهاراً، ثمّ اتّصل بالبحر فصار بحراً كما كان بعد أن تطوّر أطواراً، وكذا مرجع النبات مع زيادة منزلة وبركة، كحال الحبّة في تقاليب الأطوار إلى أن تبلغ مرتبة الثمار، فيبتدي أوّلها وهو لبٌّ يدفن في الأرض وكاد أن يفسد ويغيب عن ذاته في الأماكن الغريبة، ثمّ أفادها الله قوّة محرّكة تستحيل بها من حال إلى حال حتّى تنتهي إلى كمالها الأصلي، فتبلغ إلى درجة اللبّ الذي كانت عليه في بدؤ أمرها مع أعداد كثيرة من أفراد نوعه وفوائد زائدة من القشور والأنوار والأوراق والأزهار.

-2-

وكذلك حال الحيوان، فهو أعظم قوساً في العروج إلى الله وأبعد نزولاً وصعوداً من النبات وصورة الأركان:

{ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [هود11: 56].


وأمّا الإنسان - أي الحقيقي لا الصوري - فهو الغاية والمقصود الأصلي من جميع الخلائق والأكوان، ولأجله خلقت المكوّنات وترتّبت الموجودات ونشأت المواليد والآباء والأُمّهات، فمنازل سيره وصعوده إلى الله واقعة على النصف الصعودي لدائرة الإمكان، على عكس مراتب نزوله من عند الله الواقعة على النصف النزولي لهذه الدائرة، وذلك لأنّ الله مبدأه ومعاده، وهو المهتدي المنعَم عليه المعتني به من أوّل الأمر إلى آخر العهد فلم يزل الإنسان الذي سبقت له المشيّة الأزليّة أن يستعمله الله لسياقة حكمته الى غايتها، منظوراً إليه في سائر مراتب الاستيداع من حيث أفراد الإرادة المنبعثة عن العلْم الأزلي في مقام القلَم الأعلى العقلي، ثمّ في مقام اللوح النفسي، ثمّ في مرتبة الطبيعة باعتبار ظهور حكمتها في الأجسام، ثمّ في العرش المحدّد للزمان والمكان مستوى الاسم الرحمن، ثمّ في الكرسي الكريم مستوى الاسم الرحيم، ثمّ في السموات السبع، ثمّ في العناصر، ثمّ في المواليد، وهلمّ إلى حين استقراره بصفة صورة الجمع بعد استيفاء مراتب الاستيداع، مخصوصاً بمزيد الاعتناء، موسوماً بسِمة التوفيق والهداية، مهتمّا به اهتمامً تامّاً مراعى في كل عالَم وحضرة يمرّ عليهما بحسن الرعاية، مخدوماً بخدمة أهل ذلك العالَم والمرتبة، ليتمّ به وبخدمته وإمداده وحسن تلقّيه أولاً، ومشايعته ثانياً، ذواتهم وصورهم بحسب ما يدركونه فيه من سِمة العناية وأثر الإختصاص. وما من عالَم من العوالم العلويّة مرّ عليه إلاّ وهو بصدد التعويق في الإنحراف المعنوي، إن لم تتداركه العناية الإلهيّة، لغلبة أحكام بعض النشآت، أو صفة بعض الأرواح الذي يتّصل به حكمه عليه، وكذلك بعض الأفلاك بالنسبة إلى البواقي، فيتعوّق أو ينحرف عمّا يقتضيه حكم الاعتدال الجمعي، وصورة الصراط الوسطي الربّاني الذي هو شأن من سبقَت له العناية في الأزل أن يستعملهم لسياقة حكمة الكون إلى غايتها، ثمّ الأمثَل فالأمثل.
-3-

وإذا دخَل عالَمَ المواليد وسيّما من حين تعدّى مرتبة المعدِن إلى مرتبة النبات وعالَمه، ثمّ منه إلى عالَم الحيوان، إن لم تصحبه العناية الأزليّة، ولم يصحبه الحقّ بحسن المعونة والحراسة والرعاية، وإلاّ حيف عليه، فانه بصدد آفات كثيرة، لأنّه عند دخوله عالَم النبات، إن لم يكن محروساً معتنىً به، وإلاّ فينجذب ببعض المناسبات التي تشتمل عليها جمعيّته إلى مزاج ردئٍ، ينحرف به عن صراط الحقّ فيخرج منه تارة أخرى إلى باب العناصر، ويبقى فيه حائراً عاجزاً، حتّى يعان ويؤذن له في الدخول مرّة اخرى. فربما عرضت له آفة من العناصر، كبَردٍ مسدّد أو حرٍّ مفرط أو رطوبة زائدةٍ، أو يبس غالبٍ، فيتلف ويخرج ليستأنف دخولاً آخر، وهكذا مراراً شتّى حسب ما شاء الله وقضاه وقدّره. ثم على تقدير سلامته أيضاً في ما ذكرناه بنعمة الحراسة والرعاية وسائر النَعم التي يستدعيها فقْره، فإنّه قد يخرج على غير الوجه الذي يقتضي تكوين النشأة الحيوانيّة منه، فإذا دخل في باب الحيوانيّة، تضاعفت حاجتُه إلى الحفظ والتربية والصيانة والحراسة من الآفات والمضادّات لواحدٍ واحدٍ من أعضائه وقواه الحيوانيّة بعد قواه النباتية، فهو مفتقر الى الهداية والتوفيق، ونعمة السلامة والحراسة والرعاية في كل مرتبةٍ وصورةٍ صورةٍ ونشأةٍ نشأةٍ، إلى حال مسقط النطفة وحال الولادة، فهو مفتقر إلى أن يخرجه الله مخرجاً صدقاً ويدخله مدخلاً كريماً من حيث ظاهره وباطنه.

فالمختصّان بمسقط النطفة حال التوليد من أحكام الزمان والمكان، شاهدان طيّ كثير من أحواله البطانة، والمختصّان بمسقط الرأس حال الولادة، شاهدان على معظم أحواله الظاهرة، وسرّ الابتداء في السلوك إلى جانب الحق، فالعادةُ الإلهيّة جارية بأنّ من اختصّ بمزيد العناية ونعمة الحراسة، وأثر الإختصاص من بداية أمره، وشروعه من منبع المشيّة الإلهيّة الى هذا المقام وهو مقام العقل والتكليف والدعوة أن يهديه إلى صراطه ويسوقه إلى تمام النعمة، وغاية الحكمة، وغاية الايجاد، وزينة المعاد، وصورة الكمال الوجودي، فأين من يكون أحديّ السير من حين صدوره من غير الحقّ الى عرصة الوجود العيني والنزول الكوني، لم يتعوق من حيث حقيقته وروحانيّته في عالَم من العوالِم، ونشأة من النشئآت، وحضرة من الحضرات ممن يتعوّق ويتردّد لتصادم الموانع والآفات، ويتكرّر وُلُوجه وخروجه المقتضيان لكثافة حُجُبه، وكثرة تقلّبه في المحن والعوائق - نعوذ بالله منها.

فقوله تعالى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ } ، بيانٌ للمعونة المطلوبة في الآية السابقة، فكأنّه قال: كيف أعينكم؟ فقالوا: اهدِنَا فهذه الآية وما يتلوها كالأجوبة لأسئلة ربّانية، كما قال بعض العرفاء: فكأنّ لسان الربوبيّة يقول عند قول العبد: اهِدِنا الصِراط: أيُّ صراطٍ تَعنى؟ فالصراطات كثيرة كلّها لي، لما تقرّر واشتهر انّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، فيقول لسان العبوديّة: اريد منها: المستقيم.
-4-

فيقول لسان الربوبيّة: كلّها مستقيمة من حيث اتّهج إلى غايتها كلّها، وإليّ مصير من يمشي عليها جميعاً. فأيّ استقامة تقصد في سؤلك يا عبدي؟

فيقول لسان العبوديّة: اريد من بين الجميع: { صِرَاطَ الذينَ انْعَمْتَ عَلَيهِم }.

فيقول لسان الربوبية: وَمَن الذي لم أنعم عليه؟ وهل في الوجود شيء لم تسعه رحمتي ولم تشمله نعمتي؟ فيقول لسان العبوديّة: إنّ رحمتك واسعة ونعمك سابغة شاملة، لكنّي لست أبغي إلاّ صراط الذين انعمت عليهم النعَمَ الظاهرة والباطنة الصافية من كدر الغضب ومحنته، وشائبة الضلال ونكبته، فإنّ السلامة من قوارع الغضَب لا تقنعني، إذا لم تكن النعم المسدّلة إليّ مطرزة بعلم الهداية المخلصة من محنة الحيرة والضلالة، وبيداء التيه وورطات الشبهة والشك والتمويه، وإلاّ فأيّة فائدة في تنعُّمٍ ظاهرّيٍ بأنواع النعم مع تألّم باطني بهواجم التلبيسات المانعة من الاطمينان والسكون، ورواجم الريب والظنون.

هذا في الوقت الحاضر - فدع ما تتوقّعه من اليوم الآخر، فتذكّر عند هذا قوله (صلّى الله عليه وآله) حكاية عن ربّه أنّه قال: " قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. فإذا قال العبد: { بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } ، يقولُ الله: ذكَرني عبدي، وإذا قال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، يقولُ الله: حَمَدَني عَبدي. وإذا قال: { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } ، يقول الله: عَظَّمني عبدي، وإذا قال: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } ، يقول الله: مَجَّدني عَبدي، وفي رواية فوّضَ إليَّ عبدي. وإذا قال: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، يقول الله: هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقيم، يقول الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ".

فاعرف كيف تسأل، تنل من فضل الله ما تؤمل.

فصل

[الانسان أشرف الخلائق]

واعلم أنّ الإنسان المهتدي بنور الله، أشرف الخلائق كلّها، وأبدع ما في الإمكان، لأن الله اصطفاه لقُربه، وأضافه إلى نفسه، من الله مبدأه وإلى الله منتهاه، قد باشَر الحقّ ايجاده بنفخه فيه من روحه، وتخمير جسده بيديه، واختار لعبدِه الأسماء كما لنفسه، وآثرَ الخيرة له من لدن نزوله من عنده إلى حين صعوده إليه، في كل صورة يتلبّس بها، أو مقامٍ يمرّ عليه، أو نشأةٍ يظهر بها نفسه، وموطنٍ يتعيّن فيه النشأة، وزمانٍ يحويه من حيث تقيّده به وتغيّره معه، ومكانٍ يستقرّ فيه من حيث هو متحيّزٌ به وحاصلٌ في دائرته. وأول كل ذلك ومبدأه هو من حال تعلّق الإرادة الإلهيّة به عند تعيّنه بعينه الثابت في علمه الأزلي، ثمّ اتّصال حكم القدرَة به لإبرازه في أطوار الوجود، ومروره على المراتب الإلهية والكونيّة، وله في كل عالَم وحضرةٍ يمرّ عليه صورة تناسبه من حيث ذلك العالَم أو الحضرة، ووديعة يأخذها من جملة النعم، من التعديل والتسوية، وتماميّة الخِلقة، وحسْن الصورة، والاعتدال، وحسّن الخلق والعدالة.
-5-

فكم بين من باشرَ الحقُّ تسويته وتعديلَه، وجمَع له بين يديه المقدّستين، ثمّ نفَخ بنفسه فيه من روحه نفخاً استلزم معرفةَ الأسماء كلّها، وسجودَ الملائكة له أجمعين، وإجلاسه مرتبة الخلافة عنه في التكوين، وبين من خلقه بيده الواحدة، أو بواسطة ما شاء من خلْقه ولم يقبل من حكَمي التسوية والتعديل ما قَبله هذا النائب الربانيّ، وكون الملك ينفخ فيه الروح بالاذن.

كما ورد في الشريعة عنه (صلّى الله عليه وآله) انّه قال: يجمع أحدكم في بطن امّه أربعين يوماً نطفة، ثمّ أربعين يوماً علقة، ثمّ أربعين يوماً مضغة، ثمّ يؤمر الملك فينفخ فيه الروح، فيقول: يا ربّ، أذكر أم أنثى؟ أشقيّ أم سعيد، ما رِزْقُهِ، وما أجَلهُ، ما عَمَلُه؟ فالحق يملي والملك يكتب.

فأين هذا من قوله:

{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر15: 29].

شتّان بينهما ها هنا أضاف المباشرة إلى نفسه بضمير الإفراد الرافع للاحتمال، ولهذا قرع بذلك المتكبّر اللعين المتأبي عن السجود له، ولعنه وأخزاه بقوله:

{ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص38: 75].


وقد وقع التأكيد في هذا المعنى منه (صلى الله عليه وآله) بأمور كثيرة، منها قوله: إنّ الله خلق آدمَ على صورتِه - وبرواية - على صورة الرحمن، ولقوله في التأكيد الرافع للاحتمال الذي ركن إليه أرباب العقول السخيفة، الجاهلون بأسرار الشريعة والحقيقة، في وصيته بعض أصحابه في الغزو: إذا ذبحت فاحسن الذبِحة، وإذا قتلت فاحسن القِتلة، واجتنب الوجه فإن الله خلق آدمَ على صورته.

وقال أيضاً (صلوات الله عليه وآله): في هذا المعنى: إذا خلق خلقاً للخلافة مسَحَ بيمينه على ناصيته، فنبّه على مزيد الاهتمام والخصوصيّة.

وأشار أيضاً في حديث آخر ثابت: أنّ الذي باشَر الحقُّ سبحانه ايجاده أربعة أشياء ثمّ سرَدها فقال: خلَق جنّة الخُلد بيده، وكتَب التوراة بيده، وغرَس شجرةَ طوبى بيده، وخلَق آدمَ بيده.

وقال أيضاً (صلّى الله عليه وآله): الإنسان أعجب موجود خُلق.

وكما أنّ هذه الخصائص والكرامات؛ من كونه مخلوقاً على صورة الرحمن، منفوخاً فيه من روحه تعالى، مكرَّماً بكرامة تعليم الأسماء، محمولاً في برّ الأجساد وبحر الأرواح، مُخمّراً طينته العقلية والنفسية باليدين مخصوصاً بخلافة الله تعالى في العالمين الكبير والصغير مسجوداً لملائكة الله في النشأتين الجسمانيّة والروحانيّة، إنما هي للانسان المعنوي الحقيقي، لا لهذه الأشباه والأمثال من الأعداد الصوريّة، فكذلك الوصول إليه بالعروج الروحي والسفر المعنوي على صراط الله المستقيم، يختصّ به دون غيره، وإلاّ فكل ماشٍ من الحيوان وغيره مارُّ على صراطه الذي يخصّه، متوجّهاً شطرَ الحقّ.

وكما انّ لكل جسم مكاناً مخصوصاً، وفيه معنى طبيعيّاً يحركه الى حيّزه ويجرّه إلى مطلوبه ولا يقف به دونه، فكذلك كل نفْس خرجت من معدن مخصوص من معادن الأرواح، ففيها معنى يحرّكها إلى معدنه الأصلي، ولا يقف بها دونه، واختلاف أحوال هذه النفوس البشريّة من اختلاف مباديها المعبَّر عنها بالمعادن في قوله (صلّى الله عليه وآله): الناس معادنٌ كمعادِن الذهبِ والفضّةِ.
-6-

وإلى هذا المعنى وقعت الإشارة في هذا الكتاب المجيد بقوله تعالى


وحركات الجوارح آثار تلك المعاني التي أودعتها القُدرة الأزليّة في النفوس الآدميّة، إتماماً للحكمة، وتوسيعاً للرحمة في سائر الأمّة، واهتماماً بهذا المعنى المجذوب المحبوب؛ فالنفوس التي لا يكون بينها وبين الحقّ واسطة، تنجذب إلى جنابه طبعاً كانجذاب إبرة من حديد إلى مغناطيس لا تتناهى قوّته، وهذه النفوس هي العرفاء بالله حقّاً، وقوله:

{ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة5: 54]،

كناية عن أهل الله العارفين به.


وإنّما عرفه هؤلاء معرفةً حقيقيةً وايماناً كشفيّاً وإحساناً، لأنّهم الذين وقَع لهم التجلّي في الأزل بالذات ولغيرهم بالعرض، فاستغرقوا بكليّتهم في معرفته عند قوله:

{ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف7: 172]،

وأجابوا بقولهم { بَلَىٰ } ، ايماناً وايقاناً لا تكلّفاً وتقليداً، أو مجازفة ونفاقاً.


ولقد أفصح عن هذا المعنى شيخ الطائفة عبد الله الأنصاري حيث قال: " إلهي تلطّفت لأوليائك فعرَفوكَ، ولولا تلطّفتَ لأعدائك لما جحدوكَ " فهذه حكم النفوس التي لم تكن بينها وبين الحقّ واسطة في البداية، فلا جرم هم المجذوبون إليه تعالى الواصلون إليه في النهاية، وغيرهم إما سالكون، أو واقفون بالعوائق البدنيّة، أو مردودون إلى أسفل سافلين بالعقائد المهلكة الشيطانيّة.

فقد قارَن الحقُّ سبحانه بين السالك والمجذوب في العطاء والنصيب، فقال عزَّ مِن قائل:

{ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [الشورى42: 13].

وقد وقع التنبيه منه (صلّى الله عليه وآله) على هذا المعنى فقال في جنازة واحد من أصحابه: " اهتزّ عرش الرحمن لموته " ، وقال في حقّ طائفة اخرى لما ذكر: " إن الموت ينتقي خيار الناس، الأمثَل فالأمثل، حتّى لا يبقى إة حثالة كحثالة التمْر أو الشعير، لا يبالي الله بهم ".


فأين من يهتزّ بموته عرش الرحمن ممّن لا يبالي الله به أصلاً، فكما هو الأمر آخراً فكذا هو الأمر أولاً. بل الخاتمة عين الرجوع إلى السابقة، فافهم واغتنم.

فلنرجع متمّمين لما وقع الشروعُ فيه مستعينين بالله وهدايته.

تأييد استبصاري

ومما يؤيّد ما أصّلناه، ويؤكّد ما قرّرناه من الحركة الجوهريّة، والسلوك الباطني المستمرّ للانسان وغيره من الأكوان، قول الشيخ الإلهي والعارف الربّاني في الفتوحات المكيّة في باب تقلّب باطن الإنسان:

إنّ الحقَّ لم يزل في الدنيا متجلّياً للقلوب دائماً، فتتنوع الخواطر فيها لتجلّيه، وإن تنوّع الخواطر في الإنسان عينُ التجلّي الإلهي من حيث لا يشعر بذلك إلاّ أهل الله، كما انّهم يعلمون انّ الصور الظاهرة في الدنيا والآخرة في جميع الموجودات كلّها ليس غير تنوّع التجلي، فهو الظاهر، إذ هو عين كلّ شيء، وفي الآخرة يكون باطن الإنسان ثابتاً، فإنّه عين ظاهر صورته في الدنيا، والتبدّل فيه حقيٌّ وهو خلقه الجديد في كلّ زمان، الذي هو في لبس منه، وفي الآخرة يكون ظاهره مثل باطنه في الدنيا، ويكون التجلّي الإلهي له دائماً بالفعل، فيتنوّع ظاهرُه في الآخرة كما يتنوّع باطنه في الدنيا في الصور التي يكون فيها التجلي الإلهي ينصبغ بها انصباغاً، فذلك هو التضاهي الإلهي الخيالي، غير أنّه في الآخرة ظاهر وفي الدنيا باطن، فحكم الخيال مستصحب للانسان في الآخرة وللحق.
-7-

وذلك هو المعبَّر بالشأن الذي هو فيه الحقّ من قوله:


ثمّ قال أيضاً: فكل ظاهرٍ في العالَم صورة ممثّلة كتابيّة مضاهية لصورة إلهيّة، لأنّه تعالى لا يتجلّى للعالَم الاّ بما يناسب العالَم في عين جوهر ثابت، كما أنّ الإنسان من حيث أصل جوهره ثابتٌ أيضاً، فترى الثابت بالثابت منك وهو الغيب منك ومنه، وترى الظاهر بالظاهر وهو الشاهد والمشهود والشهادة منك ومنه، وكذا تدركه، وكذا تدرك ذاتَك، غير أنّك معروف في كلّ صورة، أنّك انتَ لا غيرُك، كما انّك تعلم أنّ زيداً في تنوّعه في كيفياته من خجَل ووجَل ومرَض وعافية ورضىً وغضب، وكل ما يتقلب فيه من الاحوال، أنه زيد لا غير، وكذلك الامر في كل احد.

فصل

[في تحقيق الصراط واستقامته]

اعلم إن الصراط لا يكون صراطاً إلا بمرور المارّةِ عليه وقد مرّت الإشارة إلى ان الخلائق كلّها متوجّهة شطرَ الحقّ توجُّهاً غريزيّاً وحركة جِبِليّة نحو مسبّب الأسباب، وفي هذه الحركة الجِبِلّية لا يتصوّر في حقّهم الضلال والانحراف عمّا عيّن الله لكلّ منهم، والله آخذٌ بناصِيته، كما قال الله:


وما من موجود في عالَم الخلْق إلاّ وهو حيوان ماشٍ فيكون دابّة. وكل دابّة فالربّ آخذٌ بناصيتها، وعليه رزقها، ويعلم مستقرَّها ومستودعَها، كما قال تعالى:

{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [هود11: 6]،

فتكون مفطورة على المشي على نهج الاستقامة من غير ضلال، وأمّا المسمّى إنساناً، فلوجود الاختيار المخالف للطبع فيه، ومزاحمة قوّة الوهم الذي يعتريه، يتصور في حقّه الضلالُ والغوايةُ والنكالُ والغَباوةُ من جهة حركاتِه الإختيارية المورِثةِ له قُرباً أو بُعداً من الله، المثمِرةِ له سعادةً أو شقاوةً في الدار الآخرة، فيحتاج الى من يهديه، ويذكّر له العهد القديم، ويثبّته على الصراط المستقيم.


فالهادي هو الله بالحقيقة بواسطة الكتاب والرسول (صلّى الله عليه وآله)، من يقومُ مقامَه من الأئمة الهداة (عليهم السلام)، فيختصّ الإنسان من بين سائر المخلوقات، بأن هداه الله بالهدايتين الكونيّة والوضعيّة من جهة حركتيه الاضطراريّة والاختياريّة، وجمع لأجله بين الدعوتين العامّة والخاصّة، وشرع له الشريعتين، وساسه بالسياستين المطبوعة والمجعولة، وأوجب عليه طاعة الحكمين: التكويني والتدويني، وذلك لاشتماله على مبدأ الحركتين: الذاتية والإراديّة.
-8-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:22 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.