حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع شاهد فور يو لمشاهدة احدث الافلام والمسلسلات  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > مكتبة الأقصى الخثنية > منتدى الفقه وعلومه

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي

بسم الله الرحمن الرحيم

الخلافة على المنهاج

وكيف تُقام

عبد الرحمن العقبي


بسم الله الرحمن الرحيم


في التاسع والعشرين من رجب الخير عام ألف وأربعمائة وثلاثين للهجرة بدأت بتصنيف هذا الكتاب، لعلي أسدُّ به فراغا، وأرشد أمتي إلى السبيل الصحيح الذي يجب أن تسلكه للخروج مما هي فيه من التفرق والغثائية والضعف والهوان والفقر والجهل والتخلف، فإنها في وضع يسُرُّ العدو ويسوء الصديق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا أعلم أنها وصلت إلى ما وصلت إليه في هذه الأيام طيلة القرون الماضية. أسأل الله أن يوفقني إلى علم نافع يهدي الأمة سبيل الرشاد، كما أسأله سبحانه أن ييسر ويعين على هذا الأمر.
وقد وقع هذا البحث في أربع وعشرين مسألة وهي:


المسألة الأولى

واقع الأمة


واقع الأمة مؤلم، يتفتت له قلب كل مؤمن، وأكثر ما نشاهده في حياة الأمة قد أخبرنا به رسولنا ص، ومن صور هذا الواقع:
أولاً: التفرق وغياب الجماعة على إمام. وقد أخبرنا بذلك نبينا رسول ربنا ص في أكثر من حديث منها:
• حديث حذيفة المتفق عليه ولفظه عند البخاري: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ص عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ. قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ. قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا. قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ.
قُلت: في هذا الحديث فقه كبير:
منه أن النبي ص اعتبر الدخن هم الأئمة الذين يعرف منهم وينكر، أي أنهم يأمرون بالمعروف الذي يشوبه بعض المنكر، وهذا ينطبق على خلافة الملك دون الخلافة التي على المنهاج.
وفيه أنه ص اعتبر زمان هؤلاء الذين يعرف منهم وينكر زمان خير رغم ما فيه من دخن، فخلافة الملك بنوعيها العاض والجبرية هي من الخير ويشمل الأمويين والعباسيين والعثمانيين.
ومنه أنه ما بعد الخير الذي يشمل خلافة الملك بنوعيها هو شر، وهذا الشر هم أمراء الفرقة الداعون إلى التفرق حال وجود الجماعة أو عدمه.
ومنه أن الدعاة على أبواب جهنم يتكلمون بأكثر من لسان أي بأكثر من لغة، وهذا واضح اليوم لا يحتاج إلى بيان.
ومنه أنه ص أفاد أن أمراء الفرقة يكونون في حال وجود الجماعة ويستمر وجودهم حال غيابها.
ومنه أنه ص لم ينكر إمكانية غياب الجماعة على إمام، يعني أنه لم ينكر انهدام دولة الإسلام وغيابها، وذلك عندما سأله حذيفة قائلا: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام.
ومنه أنه ص أمر بلزوم الجماعة على إمام حال وجودها على ما فيها من دخن، وأمر باعتزال أمراء الفرقة في حال غياب الجماعة على إمام. وبالغ في الأمر باعتزالهم حتى لو أدى الأمر بالمعتزل إلى أن يعض بأصل شجرة حتى يدركه الموت.
ومنه أن أمراء الفرقة لا يُؤمرون ولا يُنهَون وإنما يُعتزَلون، ويُعمل على خلعهم وإقامة الخلافة على المنهاج على أنقاض دولهم. ويؤيد هذا حديث أبي سعيد الخدري الصحيح عند أحمد والترمذي والنسائي عن النبي ص قال: "تَكُونُ أُمَرَاءُ تَغْشَاهُمْ غَوَاشٍ أَوْ حَوَاشٍ مِنَ النَّاسِ يَظْلِمُونَ وَيَكْذِبُونَ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَيُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَيُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ".
• حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي أخرجه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص: عن عقبة بن عمرو بن أوس السدوسي قال: أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص م وعليه بردان قطريان وعليه عمامة وليس عليه سربال -يعني القميص- فقلنا له: إنك قد رويت عن رسول الله ص ورويت الكتب. فقال: ممن أنتم؟ قال: فقلنا: من أهل العراق. فقال: إنكم يا أهل العراق تكذبون وتكذبون وتسخرون. قال: فقلت: لا والله لا نكذبك ولا نكذب عليك ولا نسخر منك. قال: فإن بني قنطوراء وكركي لا يخرجون حتى يربطوا خيولهم بنخل الأبلة، كم بينها وبين البصرة؟ قال: فقلنا: أربعة فراسخ. قال: فيبعثون أن خلوا بيننا وبينها. قال: فيلحق ثلث بهم وثلث بالكوفة وثلث بالأعراب ثم يبعثون إلى أهل الكوفة أن خلوا بيننا وبينها فيلحق ثلث بهم وثلث بالأعراب وثلث بالشام. قال: فقلنا: ما أمارة ذلك؟ قال: إذا طبقت الأرض إمارة الصبيان.
والصبيان هم السفهاء الذين لا يهتدون بهديه ص ولا يستنون بسنته, وهم الذين ورد ذكرهم في حديث جابر بن عبد الله عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن النبي ص قال لكعب بن عجرة: "أعاذك الله يا كعب من إمارة السفهاء". قال: وما إمارة السفهاء يا رسول الله؟ قال: "أمراء يكونون بعدي لا يهدون بهديي و لا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي".
وإمارة الصبيان بهذا المعنى قد طبقت الأرض، وذلك لأن جميع أولي الأمر في الدنيا يحكمون بغير ما أنزل الله، فلا يقتدون ولا يهتدون بهدي محمد ص ولا يستنون بسنته، فيثبت بذلك غياب الجماعة على إمام، الإمام الذي يقتدي بهديه ص ويستن بسنته.
فإن قيل إن حديث عبد الله بن عمرو ليس مرفوعا قلتُ نعم هو غير مرفوع ولكن له حكم المرفوع لأنه إخبار عن غيب. ووجه الاستدلال في هذا الحديث على غياب الجماعة على إمام كائن في كون إمرة الصبيان قد طبقت الأرض.
• حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي وابن ماجة وأبي داود بإسناد صحيح قال: قال رسول الله ص: "تَفَرَّقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالنَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً".
وهذا الحديث يخبر عن تفرق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، ولا ذكر للجماعة لأنها ليست فرقة، فعندما يتم تفرق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة يبدأ الأمل بوجود الجماعة لأن العدد لا يُقصد به التكثير، بل هو مقصود بعينه. أما اليوم، ومنذ هدم الخلافة، فإن الجماعة على إمام غائبة ولا وجود إلا للفرق، أسأل الله أن يعجل بعودة الجماعة على إمام.
• حديث خالد بن الوليد عند أحمد بإسناد صحيح: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ خَالِدِ بنِ الْوَلِيدِ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ أَلْقَى الشَّامُ بَوَانِيَهُ بَثْنِيَةً وَعَسَلًا، وَشَكَّ عَفَّانُ مَرَّةً قَالَ حِينَ أَلْقَى الشَّامُ كَذَا وَكَذَا، فَأَمَرَنِي أَنْ أَسِيرَ إِلَى الْهِنْدِ، وَالْهِنْدُ فِي أَنْفُسِنَا يَوْمَئِذٍ الْبَصْرَةُ، قَالَ: وَأَنَا لِذَلِكَ كَارِهٌ. قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لِي يَا أَبَا سُلَيْمَانَ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ الْفِتَنَ قَدْ ظَهَرَتْ. قَالَ: فَقَالَ: وَابْنُ الْخَطَّابِ حَيٌّ؟! إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَهُ وَالنَّاسُ بِذِي بِلِّيَانَ وَذِي بِلِّيَانَ، بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ فَيَتَفَكَّرُ هَلْ يَجِدُ مَكَانًا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ مِثْلُ مَا نَزَلَ بِمَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ فَلَا يَجِدُهُ. قَالَ: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ الَّتِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ فَنَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكَنَا وَإِيَّاكُمْ تِلْكَ الْأَيَّامُ.
قال أبو عبيد في غريب الحديث: "وأما قوله: وكان الناس بذي بلي وذي بلي، فإنه أراد تفرق الناس، وأن يكونوا طوائف على غير إمام يجمعهم، وبعد بعضهم من بعض... وفيه لغة أخرى: بذي بليان" انتهى كلام أبي عبيد.
ففي هذا الحديث إخبار عن أن الناس –أي المسلمين- سيأتي عليهم زمان يكونون فيه طوائف على غير إمام يجمعهم.
• حديث معاذ بن جبل عند أحمد بن منيع وقال البوصيري رواته ثقات عن رسول الله ص قال: "خُذُوا الْعَطَاءَ مَا دَامَ عَطَاءً، فَإِذَا صَارَ رِشْوَةً عَلَى الدِّينِ فَلا تَأْخُذُوهُ، وَلَسْتُمْ بِتَارِكِيهِ، يَمْنَعْكُمُ مِنْ ذلِكَ المَخَافَةُ والْفَقْرُ. أَلا وَإِنَّ رَحَى الإِسْلامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلا وَإِنَّ السُّلْطَانَ وَالْكِتَابَ سَيَفْتَرِقَانِ، أَلا فَلا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ. أَلا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ، وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ. قَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، حُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ وَنُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرَ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ".
قلتُ: افتراق الكتاب والسلطان لا يكون إلا بغياب دولة الإسلام، فدلَّ هذا الحديث أيضا على غياب الجماعة على إمام.
• حديث معقل بن يسار عند أحمد بإسناد حسن قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "لَا يَلْبَثُ الْجَوْرُ بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَطْلُعَ، فَكُلَّمَا طَلَعَ مِنْ الْجَوْرِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنْ الْعَدْلِ مِثْلُهُ حَتَّى يُولَدَ فِي الْجَوْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ. ثُمَّ يَأْتِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ، فَكُلَّمَا جَاءَ مِنْ الْعَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنْ الْجَوْرِ مِثْلُهُ حَتَّى يُولَدَ فِي الْعَدْلِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ".
قلتُ: في ظل دولة الإسلام لا يمكن أن يولد في الجور من لا يعرف غيره، بل في أسوأ الأحوال يعرف ويُنكر، يعني أنه يرى معروفا ويرى منكرًا، والغالب أن يكون المعروف أكثر من المنكر. والمعقول أن الولادة في الجور دون معرفة لغيره لا يمكن تصورها إلا في ظل إمرة الصبيان وذلك في غياب الجماعة على إمام. وهذا مما يدلُّ عليه الحديث بدلالة الالتزام أي بدلالة المفهوم. فمنطوق الحديث أنه سيولد في الجور من لا يعرف غير الجور، ومفهومه أن دولة الإسلام ستكون غائبة، أي أن المسلمين سيكونون على غير إمام يجمعهم ويحكمهم بشرع الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فهذه الأحاديث الستة تدل على أنه ص أخبرنا عن غياب الجماعة على إمام، وصدق ص فنحن نعيش هذا الواقع المؤلم، مع كل ما يترتب عليه من مآس.
ثانيًا: تداعي أمم الكفر على أمة الإسلام:
• روى أحمد بإسناد صحيح عن ثوبان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا. قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ. قَالَ: قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ". وفي رواية عنده: "وَكَرَاهِيَتُكُمْ الْقِتَالَ".
قلتُ: صدق رسول الله ص فقد تداعت علينا الأمم الكافرة من نصارى ويهود وهندوس وبوذيين وغيرهم. ورغم أننا كثيرون نُشَكِّلُ ربع العالم من حيث العدد، إلا أنه لا وزن لنا في السياسة الدولية ولا يُحسبُ لنا أي حساب، بل نحن كالقصعة تتنافس الدول في قتلنا ونهب خيراتنا، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ثالثًا: نقض عرى الإسلام:
• روى أحمد بإسناد صحيح عن أبي أمامة قال: قال رَسُولِ اللَّهِ ص: "لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ".
قلتُ: أكثر عرى الإسلام منقوضة، ومن العرى المنقوضة: القضاء والجهاد والسياسة الخارجية والحدود والجزية والخراج وإعداد ما يُرهب العدو والجماعة على إمام والمحافظة على ملكية الدولة والملكيات العامة والزكاة والصوم والحج والصلاة، أعني أن الدول القائمة في البلاد الإسلامية لا تُشرفُ على تنفيذها. فالذي لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي لا تلاحقه الدولة، بل تعتبر ذلك من الأمور الشخصية. بل من الحريات التي يضمنها الدستور. حتى العقيدة تُنقضُ علنًا على القنوات الفضائية وفي الصحف وسائر وسائل الإعلام بحجة حرية الرأي. كل هذا وغيره ما كان ليكون لو كان للأمة راعٍ مسؤول عنها، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعًا: نُطق الرويبضة وعُلو التحوت على الوعول:
• روى أحمد بإسناد جيد قوي عن أنس قال: قال ص: "إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ".
• روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله ص أنه قال: "والذي نفس محمد بيده، لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، ويُخَوَّنُ الأمين، ويؤتمن الخائن، ويهلك الوُعُول، وتظهر التحوت. قالوا: يا رسول الله، وما الوعول والتحوت؟ قال: الوعول وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يُعلم بهم".
قلتُ: الرويبضات والتحوت تطفح بهم وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها. فمثلا منذ أكثر من أربعين عاما والرويبضات والتحوت يفاوضون على قضية فلسطين ولم يصلوا إلى شيء مطلقًا، بل إنهم يتنازلون شيئا فشيئا عن مطالبهم، ويزداد يهود تشدُّدًا وغطرسة. هذا في المفاوضات العلنية، أما السرية فالله أعلم بها وربما بدأت منذ وعد بلفور، أي قبل أكثر من تسعين عاما.
أما مفاوضات الوعول فهي كثيرة في تاريخ المسلمين أقتصر منها على واحدة ذكرها البخاري في صحيحه عن جبير بن حية قال: فَنَدَبَنَا عُمَرُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا. فَقَامَ تَرْجُمَانٌ فَقَالَ: لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ. قَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالَ: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلَاءٍ شَدِيدٍ، نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنْ الْجُوعِ، وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ. فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرَضِينَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا، نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ. فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا ص أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ. وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا ص عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ.
ومن أحب أن يطلع على المزيد من مفاوضات الوعول فليطالع في كتب السير والتاريخ والرجال مفاوضات أبي بكر الصديق وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وربعي بن عامر وثابت بن أقرم وخالد بن الوليد وحذيفة بن محصن والمأمون وعبد الحميد وغيرهم.
خامسًا: اتباع سَنَن اليهود والنصارى:
• روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟!".
قلتُ: صدق الصادق المصدوق، فقد اتبعنا سننهم في الأحكام السلطانية فكان فينا الملكيات والجمهوريات، واتبعنا سننهم في الاقتصاد والأمور المالية، وكدنا نسلك سننهم في علاقات الرجل والمرأة حتى رأينا المرأة تصلي بالرجال صلاة الجمعة في بريطانيا وأمريكا. قال ابن حزم في مراتب الإجماع: "واتفقوا أن المرأة لا تؤم الرجال وهم يعلمون أنها امرأة، فإن فعلوا فصلاتهم فاسدة بإجماع". وقال ابن عبد البر في الاستذكار: "وأجمع العلماء على أن الرجال لا يؤمهم النساء". وقال الشافعي: "ولا يأتم رجل بامرأة ولا بخنثى، فإن فعل أعاد"، قال الماوردي في الحاوي شارحا عبارة الشافعي السابقة: "وهذا صحيح، لا يجوز للرجل أن يأتم بالمرأة بحال، فإن فعل أعاد صلاته. وهذا قول كافة الفقهاء إلا أبا ثور فإنه شذَّ عن الجماعة فجوَّز للرجل أن يأتمَّ بالمرأة تعلقًا بقوله ص ‘يؤم القوم أقرؤهم’... فأما الجواب عن قوله ص ‘يؤم القوم أقرؤهم’، فالقوم يطلق على الرجال دون النساء، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} (الحجرات:11)، فلو دخل النساء في القوم لم يُعد ذكرهن فيما بعد. وقد قال الشاعر:
وَمَا أَدْرِي وَلَسَتُ إِخَالُ أَدْرِي أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ"
وقال النووي في المجموع: "واتفق أصحابنا على أنه لا تجوز صلاة رجل بالغ ولا صبي خلف امرأة ولا خنثى... وسواء في منع امامة المرأة للرجال صلاة الفرض والتراويح وسائر النوافل، هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف رحمهم الله، وحكاه البيهقي عن الفقهاء السبعة فقهاء المدينة التابعين، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وسفيان واحمد وداود. وقال أبو ثور والمزني وابن جرير تصح صلاة الرجال وراءها، حكاه عنهم القاضي أبو الطيب والعبدري. وقال الشيخ أبو حامد مذهب الفقهاء كافة أنه لا تصح صلاة الرجال وراءها الا أبا ثور والله اعلم". وقال ابن قدامة في المغني: "وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِهَا الرَّجُلُ بِحَالٍ فِي فَرْضٍ وَلَا نَافِلَةٍ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهَا، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْمُزَنِيّ... وَحَدِيثُ أُمِّ وَرَقَةَ إنَّمَا أَذِنَ لَهَا أَنْ تَؤُمَّ نِسَاءَ أَهْلِ دَارِهَا، كَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا... وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَؤُمُّهُمْ فِي الْفَرَائِضِ".
أقول: قد أبيح التعامل بالربا في بلاد المسلمين، وأبيح سفر المرأة دون زوج أو محرم، وخرجت النساء كاسيات عاريات، وتولين الوزارة، وبيعت الخمرة في أسواق المسلمين، وأفطر الناس في رمضان، وفتحت بيوت الدعارة، وصار التجسس لأعداء الله سائغًا، وفشا الكذب والقمار، والقائمة طويلة بحيث صار الدين غريبا وأهله قليلون غرباء.
فاستطيع القول بأن الأمة بلغت من الانحطاط مبلغا لم تبلغه في يوم من الأيام، فلا بد من العمل لتغيير هذا الواقع الأليم بالطريق الشرعي الذي سأبينه إن شاء الله في بعض المسائل التالية، والله المستعان.

المسألة الثانية

صلاح الأمة يكون بتنصيب الأئمة المستقيمين


الطريق الوحيد لإنهاض الأمة وتخليصها من الواقع المؤلم الذي بينته في المسألة الأولى هو إيجاد الجماعة على أئمة مستقيمين، ليس هناك طريق غيره مطلقًا. وكل عمل لا يقصد به إيجاد الجماعة على أئمة مستقيمين هو عبث وتضييع للجهود، فوق أنه يخالف شرعنا ويؤخر صلاحنا، ولا يجزئ صاحبه حتى لو كان مخلصا، بل يظل القاعد عنه مُقَصِّرًا آثمًا إلا أن يكون قعوده بعذر شرعي. وأدلة ذلك:
أولا: السنة بإسناد صحيح:
• روى أحمد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ص عَلَى الْمِنْبَرِ: "مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ".
قلتُ: قوله ص الفرقة عذاب قرينة على إيجاب الجماعة وتحريم الفرقة. ثم إن الرحمة تشمل الصلاح، فتكون الجماعة على الأئمة المستقيمين صلاحا واستمرارا للصلاح كما ورد في كلام أبي بكر الصديق الآتي.
ثانيًا: الإجماع:
• روى البخاري من طريق قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ، فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ، فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ؟ قَالُوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً. قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَتَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ امْرُؤٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ. قَالَتْ: أَيُّ الْمُهَاجِرِينَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَتْ: مِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّكِ لَسَؤُولٌ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَتْ: مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ. قَالَتْ: وَمَا الْأَئِمَّةُ؟ قَالَ: أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُءُوسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَهُمْ أُولَئِكِ عَلَى النَّاسِ.
• روى الدارمي باسناد حسن عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: تَطَاوَلَ النَّاسُ فِى الْبِنَاءِ فِى زَمَنِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ الأَرْضَ الأَرْضَ، إِنَّهُ لاَ إِسْلاَمَ إِلاَّ بِجَمَاعَةٍ، وَلاَ جَمَاعَةَ إِلاَّ بِإِمَارَةٍ، وَلاَ إِمَارَةَ إِلاَّ بِطَاعَةٍ، فَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفَقْهِ كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ كَانَ هَلاَكاً لَهُ وَلَهُمْ.
• ابن مفلح في الآداب الشرعية أن عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ قالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيّ احْفَظْ عَنِّي مَا أُوصِيكَ بِهِ: إمَامٌ عَدْلٌ خَيْرٌ مِنْ مَطَرٍ وابِلٍ، وَأَسَدٌ حَطُومٌ خَيْرٌ مِنْ إمَامٍ ظَلُومٍ، وَإِمَامٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ.
• البيهقي في شعب الإيمان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "قَضْمُ الْمِلْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَكَلِ الْفَالَوْذَجِ فِي الْفُرْقَةِ".
• أبو نعيم في فضيلة العادلين: ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، ثنا عبد الله بن قحطبة، ثنا عباس بن عبد العظيم العنبري، قال: حدثني الفضل بن دكين، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: قال عمر بن الخطاب عند موته: "اعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم".
• ابن عبد البر في التمهيد باسناده إلى ابن القاسم قال: حدثنا مالك أن عثمان بن عفان كان يقول: "ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن" أي من الناس. قال: قلت لمالك: ما يزع؟ قال: يكف.
• البيهقي في شعب الإيمان: وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ إِسْحَاقُ: عَنْ عِيسَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ مَرْوَانَ بْنِ قَيْسٍ، سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: "لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا صَلُحَتْ أَئِمَّتُكُمْ".
وعند البيهقي في الشعب أيضا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، نا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ لَيْثٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إِلَّا أَمِيرٌ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ". قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا الْبَرُّ فَكَيْفَ بِالْفَاجِرِ؟ قَالَ: "إِنَّ الْفَاجِرَ يُؤَمِّنُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ السُّبُلَ، وَيُجَاهِدُ بِهِ الْعَدُوَّ، وَيَجْبِي بِهِ الْفَيْءَ، وَتُقَامُ بِهِ الْحُدُودُ، وَيُحَجُّ بِهِ الْبَيْتُ، وَيَعْبُدُ اللهَ فِيهِ الْمُسْلِمُ آمِنًا حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ".
• البيهقي في السنن الكبرى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: سَمِعَ عَلِيٌّ س قَوْمًا يَقُولُونَ "لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ". قَالَ: نَعَمْ لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ، وَلَكِنْ لاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فِيهِ الْكَافِرُ وَيُبْلِغُ اللَّهُ فِيهَا الأَجَلَ.
• ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن عمر بن حسيل بن سعد بن حذيفة قال: حدثنا حبيب أبو الحسن العبسي عن أبي البختري قال: دخل رجل المسجد فقال: لا حكم إلا لله. ثم قال آخر: لا حكم إلا لله. فقال علي: لا حكم إلا لله {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (الروم:60) فما تدرون ما يقول هؤلاء؟ يقولون: لا إمارة، أيها الناس إنه لا يصلحكم إلا أمير بر أو فاجر. قالوا: هذا البر قد عرفناه، فلما بال الفاجر؟ فقال: يعمل المؤمن ويملى للفاجر، ويبلِّغ الله الأجل، وتأمن سبلكم، وتقوم أسواقكم، ويقسم فيئكم، ويجاهد عدوكم ويؤخذ للضعيف من القوي -أو قال: من الشديد- منكم.
أقول: كلام علي هذا لا يتعارض مع كلام الصحابة الذين مرّ ذكر أقوالهم، بل إنه يوافقهم في البر ويزيد عليهم في الفاجر. فالناس عنده يصلحهم البر، ويصلحهم الفاجر أيضا. فلا تعارض بين قول علي وأقوال غيره من الصحابة.
قلتُ: هؤلاء الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس وعبد الله بن مسعود وعمرو بن العاص وتميم الداري ومن سمعهم من الصحابة ولم يُنكر عليهم مجمعون على أن صلاح الناس إنما يكون بوجود أئمة مستقيمين صالحين. فصلاح الأمة اليوم لا يكون إلا برجوعها إلى الجماعة على إمام عدل. هذا هو الدرب أيها المسلمون، هذا هو سبيل الصحابة الذي أُمرنا باتباعه، ومهما ابتغينا النهضة والصلاح بغير هذا السبيل فلن نفلح. والواقع يؤيد هذا، فإن الأمة تزداد سفالا كلما ابتعدت عن هذا السبيل. انظروا إلى قول مالك الذي يرويه عياض في الشفا قال: وقال مالك في المبسوط: "ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها".
أقولُ: أيها الناس، اتبعوا أو ابتدعوا، فإني لا أرى لكم مخرجًا مما أنتم فيه إلا الاتباع. وإياكم وأبواق الصبيان، الذين باعوا دينهم بدنياهم ودنيا سلاطينهم، وإياكم ومن اتبع سنن اليهود والنصارى وعاش على فتات موائد عملائهم. كونوا من الغرباء والنزاع ولا تكونوا من الغثاء، كونوا الجمرة ولا تكونوا القصعة، ولن يتم لكم ذلك إلا بإيجاد الجماعة على إمام، وإقامة الخلافة على المنهاج.
أرشدكم الله وأعانكم، فاصدقوه يصدقكم ويحقق لكم وعده.
رد مع اقتباس
 
 
  #2  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة الثالثة

إقامة الخلافة وإيجاد الجماعة فرض


إيجاد الجماعة على إمام فرض، وأدلته الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103)، فالله سبحانه يأمر المؤمنين بالاعتصام بحبله حال كونهم جميعا، و"جميعا" حال ومعناها الجماعة، والدليل على ذلك قوله ص في حديث عرفجة عند مسلم: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ". فإن اعتصموا بحبله سبحانه فرادى لم يجزئهم لأن المطلوب هو الاعتصام في حال كونهم جميعا على رجل واحد، هذا الرجل الواحد هو الإمام ولا تكون الجماعة على غيره بدليل قوله ص في حديث حذيفة المتفق عليه: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ"، والإمام هو الخليفة وهو أمير المؤمنين.
والطلب في هذه الآية جازم والقرينة على ذلك قوله تعالى في نفس الآية {وَلَا تَفَرَّقُوا}، فلم يكتف سبحانه بالأمر بالجماعة حتى نهى عن الفرقة. وهناك قرائن تفيد أن الطلب في هذه الآية جازم، هذه القرائن موجودة في عدد من الأحاديث التي سنأتي على ذكرها إن شاء الله في دليل السنة، مثل قوله ص: "فَاقْتُلُوهُ"، "مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"، "ثلاثة لا تسأل عنهم"، "ومن شذ شذ إلى النار"، "فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"، "والفرقة عذاب".
فهذه الآية تدل دلالة قطعية على وجوب إيجاد الجماعة على إمام، فهذا هو الدليل الأول وهو قطعي.
وأما الدليل من السنة فقد ورد في الأحاديث التالية:
1. حديث ابن عباس المتفق عليه قال: قَالَ رسولُ اللهِ ص: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".
2. حديث عرفجة عند مسلم: قالَ رَسُولَ اللَّهِ ص: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ".
3. حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله ص: "مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".
4. حديث فضالة الصحيح عند أحمد وغيره عن رسول الله ص أنه قال: "ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَعَصَى إِمَامَهُ وَمَاتَ عَاصِيًا..." الحديث.
5. حديث حذيفة المتفق عليه وفيه: "... قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ..." الحديث.
6. حديث عبد الله بن مسعود عند البخاري قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ".
7. حديث عمر عند الترمذي وقال حسن صحيح غريب قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِينَا، فَقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي... عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ".
8. حديث ابن عمر عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن رسول الله ص، قال: "من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه". قال ص: "ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية".
9. حديث الحارث الأشعري عند الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، قَالَ النَّبِيُّ ص: "وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالْجِهَادُ وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ..." الحديث.
10. حديث أبي ذر بإسناد صحيح عند أبي داود قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ".
11. حديث زيد بن ثابت عند ابن ماجة باسناد صحيح قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ". زَادَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ: "ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ".
12. حديث أبي الدرداء عند الدارمي باسناد صحيح قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ دُعَاءَهُمْ مُحِيطٌ مِنْ وَرَائِهِمْ".
13. حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عند أحمد بإسناد صحيح قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ص عَلَى الْمِنْبَرِ: "مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ".
14. حديث جبير بن مطعم عند ابن ماجة باسناد صحيح قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى فَقَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ".
15. حديث أنس عند أحمد بإسناد حسن أن رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَحَمَلَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ".
16. عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عاصم بن عبيد الله بن عاصم قال: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن رسول الله ص قال: "... من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية، ومن نكث العهد فمات ناكثا لعهده جاء يوم القيامة لا حجة له".
17. الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي عن حذيفة قال: سمعت رسول الله ص يقول: "من فارق الجماعة واستذل الإمارة لقي الله ولا حجة له عند الله".
18. الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ص: "الصلاة المكتوبة إلى الصلاة المكتوبة التي بعدها كفارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة والشهر إلى الشهر -يعني من شهر رمضان إلى شهر رمضان- كفارة لما بينهما". ثم قال بعد ذلك: "إلا من ثلاث". فعرفتُ أن ذلك من أمرٍ حَدَثٍ، فقال: "إلا من الإشراك بالله ونكث الصفقة وترك السنة". قلتُ: يا رسول الله أما الإشراك بالله فقد عرفناه، فما نكث الصفقة وترك السنة؟ قال: "أما نكثُ الصفقة أن تبايع رجلا بيمينك ثم تختلف إليه فتقابله بسيفك، وأما ترك السنة فالخروج من الجماعة".
19. ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله ص أنه قال: "آمركم بثلاث، وأنهاكم عن ثلاث: آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وتعتصموا بحبل الله جميعا ولا تتفرقوا، وتطيعوا لمن ولاّه الله أمركم. وأنهاكم عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
20. ابن حبان في صحيحه عن معاوية قال: قال رسول الله ص: "من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية".
21. مسلم عن عبد الله بن عمر: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".
هذه واحد وعشرون حديثا عن سبعة عشر صحابيا كلها تأمر بالجماعة، فيمكن القول بأن إيجاد الجماعة على إمام فرض بهذا الدليل المتواتر من السنة.
وأما الإجماع ففيما يأتي عدد من العلماء الذين حكوا الإجماع على وجوب إيجاد الجماعة، وأقوال بعض الصحابة التي يمكن أن تكون مستندا له:
• البخاري عن المسور قال: وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي، حَتَّى إِذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ، قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنْ اللَّيْلِ فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ...
• البخاري عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ فَإِنِّي أَكْرَهُ الِاخْتِلاَفَ حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي.
• ابن بطال في شرح صحيح البخاري: روى ابن سيرين قال: لما قتل عثمان ط، أتيت أبا مسعود الأنصارى، فسألته عن الفتنة، فقال: عليك بالجماعة، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة، والجماعة حبل الله، وإن الذى تكرهون من الجماعة هو خير من الذى تحبون من الفرقة.
• الدارمي باسناد حسن عن تميم الداري قال: تَطَاوَلَ النَّاسُ فِى الْبِنَاءِ فِى زَمَنِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ الأَرْضَ الأَرْضَ، إِنَّهُ لاَ إِسْلاَمَ إِلاَّ بِجَمَاعَةٍ، وَلاَ جَمَاعَةَ إِلاَّ بِإِمَارَةٍ، وَلاَ إِمَارَةَ إِلاَّ بِطَاعَةٍ، فَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفَقْهِ كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ كَانَ هَلاَكاً لَهُ وَلَهُمْ.
• البيهقي في الشعب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "قَضْمُ الْمِلْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَكَلِ الْفَالَوْذَجِ فِي الْفُرْقَةِ".
• الطبري في التاريخ عن الوليد بن جميع، قال: قال عمرو بن حريث لسعيد بن زيد: أشهدت وفاة رسول الله ص؟ قال: نعم، قال: فمتى بويع أبو بكر؟ قال: يوم مات رسول الله ص كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة.
• ابن عبد البر في التمهيد: عن الأوزاعي قال: كان يُقال خمسٌ كان عليها أصحاب محمد والتابعون لهم بإحسان: لزوم الجماعة وإتباع السنة وعمارة المساجد وتلاوة القرآن والجهاد في سبيل الله.
• الماوردي في الحاوي: فَتَمَّتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَهَا فِي جَهَازِهِ، لِئَلَّا يَكُونُوا فَوْضَى عَلَى غَيْرِ جَمَاعَةٍ لِتَنْطَفِئَ بِهَا فِتْنَةُ الِاخْتِلَافِ.
• عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن أبان قال: أخبرني سلام المكي عن عبد الله بن رباح قال: دخلت أنا وأبو قتادة على عثمان وهو محصور، فاستأذناه في الحج فأذن لنا. فقلنا: يا أمير المؤمنين! قد حضر من أمر هؤلاء ما قد ترى، فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالجماعة. قلنا: فإنا نخاف أن تكون الجماعة مع هؤلاء الذين يخالفونك، قال: الزموا الجماعة حيث كانت.
• الطبري في التبصير في معالم الدين: وكان الخبر قد تواتر بالذي ذكرناه من فعل المهاجرين والأنصار وتسليمهم الخلافة والإمرة لقريش.
• الإيجي في المواقف في معرض كلامه عن حديث الرسول ص "الإئمة من قريش": ثم إن الصحابة عملوا بمضمون هذا الحديث وأجمعوا عليه فصار قاطعا.
• الآمدي في أبكار الأفكار: والمعتمد فيه لأهل الحق ما ثبت بالتواتر من إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي ص على امتناع خلو الوقت عن خليفة وإمام...
• الجويني في الغياثي: أما أصحاب رسول الله ص فرأوا البدار إلى نصب الإمام حقا، فتركوا لسبب التشاغل به تجهيز رسول الله ص ودفنه مخافة أن تتغشاهم هاجمة محنة.
• الخطابي في معالم السنن: فالاستخلاف سنة اتفق عليها الملأ من الصحابة، وهو اتفاق الأمة لم يخالف فيه إلا الخوارج والمارقة الذين شقوا العصا وخلعوا ربقة الطاعة.
• ابن حزم في الفصل: اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة فرض واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله ص، حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم. وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد، وهم المنسوبون إلى نجدة بن عمير الحنفي القائم باليمامة.
• الخطيب البغدادي في أصول الدين: فقد اجتمعت الصحابة على وجوبها ولا اعتبار بخلاف الفوطي والأصم فيها مع تقدم الإجماع على خلاف قولهما.
• ابن عبد البر في الاستذكار: وقد أجمع المسلمون على الاستخلاف فيمن يقيم لهم أمر دينهم ودنياهم.
• الماوردي في الأحكام السلطانية: وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم.
قلتُ: هذا الدليل من إجماع الصحابة ثابت قطعا وهو متواتر على وجوب إيجاد الجماعة على إمام.
فتكون الأدلة الثلاثة من الكتاب والسنة والإجماع قطعية الثبوت والدلالة على هذه المسألة. وإني لأعجب من هذه الأمة تكتلات وأفرادا كيف يقعدون عن العمل لهذا الفرض الذي تقام به الفروض, مع أن الصحابة نصبوا أبا بكر في اليوم الذي مات فيه رسول الله ص، واستخلف أبو بكر عمر قبل موته وبايعت الصحابة عثمان في صبيحة اليوم الثالث.
فالعمل لإيجاد الخلافة فرض لا يسوغ الاختلاف فيه، ولا يسقط إلا بأحد أمرين: بإقامة الخلافة فعلا أو بالتلبس بالعمل لإقامتها، وفي غيابها لا يسقط الفرض عن أحد إلا بعذر شرعي.


المسألة الرابعة

نوعا الخلافة


الخلافة نوعان: خلافة على منهاج النبوة وخلافة ملك. ودليل ذلك السنة، ومنها:
• حديث سفينة عند أحمد بإسناد صحيح قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَامًا ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُلْكُ"، قَالَ سَفِينَةُ أَمْسِكْ، خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ ط سَنَتَيْنِ وَخِلَافَةَ عُمَرَ ط عَشْرَ سِنِينَ وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ ط اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَخِلَافَةَ عَلِيٍّ ط سِتَّ سِنِينَ ن. وفي رواية أبي داود عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ -أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ-.
• حديث حذيفة عند أحمد بإسناد صحيح قال: قال رسول الله ص: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ".
أقولُ: الخلافة الأولى التي على المنهاج استمرت ثلاثين عاما من السنة الحادية عشرة إلى الحادية والاربعين للهجرة، حيث صارت الجماعة على معاوية وكانت بداية الملك العاض. واستمرت خلافة الملك العاض إلى نهاية الخلافة العباسية عام 923 للهجرة حيث بدأت الخلافة العثمانية التي استمرت إلى عام 1342 للهجرة حيث هدمها الإنجليز وعملاؤهم.
فيمكن تقسيم الخلافة إلى نوعين: خلافة على منهاج النبوة، وخلافة ملك. وخلافة الملك نوعان: خلافة عاض وخلافة جبرية، هكذا قسمها ص في حديث حذيفة المار. ولا بد من بيان الفرق بين هذه الأنواع، فأقول:
الخلافة على المنهاج –أي على منهاج النبوة-، وتتوفر فيها كل الشروط المطلوبة في الخليفة وهي الإسلام والبلوغ والعقل والعدالة والنسب القرشي والذكورة والاجتهاد وسلامة الحواس. وهذه الشروط كلها كانت متوفرة في الخلفاء الراشدين.
أما خلافة الملك بنوعيها فإنها تختلف عن الخلافة على منهاج النبوة، فالخلفاء الراشدون كانوا جميعا مجتهدين بينما خلفاء الملك أكثرهم مقلِّدون.
ومن المعلوم أن عدالة الراشدين مقطوع بها، وعدالة غيرهم تحتاج إلى إثبات. ومع هذا الاختلاف في العدالة والاجتهاد فإن النبي ص سماها خلافة ملك ولم يسمها خلافة فسق ولا خلافة مجروحين ولا خلافة مقلدين أو عوام، وإنما سماها خلافة ملك، مما يدلُّ على أن الفرق بينها وبين الخلافة على المنهاج كائن في الشبه بينها وبين الملك. فإذا نظرنا في الملوك وجدناهم يحكمون بهواهم، أما خلفاء الملك فكانوا يحكمون بالإسلام، إذا لا بد من أن يكون وجه الشبه في الاستخلاف، لأن النظام الملكي وراثي، فهل الاستخلاف وراثة؟ هذا ما يحتاج إلى بيان.
فأصل الاستخلاف جائز شرعا، فعله أبو بكر على مسمع من الصحابة ولم ينكروه، فكان عمر خليفة باستخلاف أبي بكر إياه، ومعاوية استخلف يزيد ابنه، فما الفرق بين الاستخلافين؟
والجواب أن أبا بكر من بني تيم واستخلف عمر من بني عدي، بينما استخلف معاوية ابنه، فمعاوية عضَّ على الخلافة وجعلها في ذريته بينما لم يفعل ذلك لا أبو بكر ولا عمر. فعمر استخلف واحدا من ستة كلهم ليسوا من بني عدي مع أن ختنه سعيد بن زيد كان من العشرة المبشرين بالجنة، ولم يجعله مع الستة لأنه من بني عدي رهط عمر. فالفرق الذي بينته السنة بين خلافة المنهاج وخلافة الملك متعلق بالنسب المشعر بأن الخلافة وراثة.
بقي أن أبين الفرق بين خلافة الملك العاض وخلافة الملك الجبرية، إذ هما مشتركتان في وراثة الخلافة التي جعلتها من هذه الناحية أشبه بالملك. والفرق والله أعلم أن خلافة الملك العاض تمسكت بالخلافة في ذرية الخليفة مع أنها لم تخرجها من قريش، بينما خلافة الملك الجبرية أخذوها جبرا عن أهلها الذين هم قريش. ولذلك فإن الخلافة العاض تشمل الأمويين والعباسيين، والخلافة الجبرية تشمل العثمانيين ومستقبلا تشمل القحطاني الذي ورد ذكره في حديث معاوية عند البخاري، وذلك بعد انتهاء الخلافة الموعودة وهي الخلافة على منهاج النبوة.
وهنا يثور سؤال وهو أنه ص قال في حديث حذيفة: "ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ". فلم تأت الخلافة التي على المنهاج بعد الخلافة الجبرية. والجواب أن "ثم" تفيد التراخي الذي يمكن أن يصل إلى آلاف السنين، والشاهد على ذلك قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة:28).
وما نحن فيه اليوم هو إمرة السفهاء الصبيان التي طبقت الأرض بمعنى أنهم لا يهتدون بهديه ص ولا يستنون بسنته وهم أمراء الفرقة دعاة الضلالة الذين على أبواب جهنم. والخلافة على المنهاج كائنة بعدهم، وعلى وجه التحديد بعد أن تبلغ فرق أمة الإسلام ثلاثا وسبعين فرقة، فالتفرق سينتهي عند هذا الحد حيث توجد الجماعة على إمام. هذا وعد من الله سأبينه إن شاء الله في المسألة التالية.
رد مع اقتباس
 
 
  #3  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة الخامسة

الوعد


نحن موعودون بخلافة من النوع الأول، التي على منهاج النبوة. أدلة ذلك الأحاديث التي تبلغ حد التواتر المعنوي، ومنها:
1. حديث جابر عند مسلم قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا لَا يَعُدُّهُ عَدَدًا".
2. حديث أبي سعيد وجابر عند مسلم قالا: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلَا يَعُدُّهُ".
3. حديث حذيفة الصحيح عند أحمد قال: قال رسول الله ص: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ".
4. حديث المقداد الصحيح عند أحمد يقول: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمْ اللَّهُ ﻷ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا". والمعنى يجعلهم من أهل كلمة الإسلام وهي لا إله إلا الله، أي يجعلهم مسلمين. أو يذلهم فيدينون لها أي يخضعون لها أي لأحكام الإسلام، فيكونون ذمة يؤدون الجزية. وهذا لم يأت بعد لأن هناك أجزاء من العالم لم تسلم ولم تخضع لأحكام الإسلام.
5. حديث تميم الداري الصحيح عند أحمد قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ". وهناك بيوت لم يدخلها دين الإسلام في كل من أوروبا وأمريكا وإفريقيا وآسيا وأستراليا.
6. حديث ثوبان عند مسلم قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا..." الحديث.
7. حديث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ الْأَزْدِيُّ الصحيح عند أحمد وأبي داود قال: ... ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ (أي الرسول ص) عَلَى رَأْسِي -أَوْ قَالَ عَلَى هَامَتِي- ثُمَّ قَالَ: "يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ". وفي رواية أحمد "وَالْبَلَايَا".
قلتُ: قد دخلت الخلافة الأرض المقدسة زمن الشيخين فلم تكن هناك زلازل ولا بلايا ولا أمور عظام، فاقتضى صدق المُخبر أن يكون الخبر عن نزول ثانٍ. عجَّل الله به.
8. حديث عبد الله بن عمرو الصحيح عند أحمد قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ"، ومُهَاجَرُ إبراهيم هو الشام.
9. حديث معقل بن يسار الحسن عند أحمد قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "لَا يَلْبَثُ الْجَوْرُ بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَطْلُعَ، فَكُلَّمَا طَلَعَ مِنْ الْجَوْرِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنْ الْعَدْلِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُولَدَ فِي الْجَوْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ. ثُمَّ يَأْتِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ، فَكُلَّمَا جَاءَ مِنْ الْعَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنْ الْجَوْرِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُولَدَ فِي الْعَدْلِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ".
قلتُ: قد وُلدتُ في الجور ولم أعرف غيره، ولا أدري هل يمنُّ الله ـ عليَّ فأدرك أوائل العدل القادم أم أموت في الجور.
10. حديث النوَّاس بن سمعان عند ابن حبان في صحيحه قال: "... قال رسول الله ص:... وعقر دار المؤمنين الشام".
11. حديث سَلَمَةَ بْنَ نُفَيْلٍ الصحيح عند أحمد أن النبي ص قال: "... أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ".
قلتُ: عقر الدار أصلها، وقد كان عقر دار الإسلام الأولى يثرب فاقتضى صدق المُخبر أن يكون الشام عقر دار الإسلام الثانية.
12. حديث عبد الله بن مسعود الصحيح عند الحاكم ووافقه الذهبي، وللحديث حكم المرفوع: "... تفترقون أيها الناس لخروجه على ثلاث فرق: فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات يقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام".
قلتُ: اجتماع المؤمنين معناه أن تكون لهم جماعة على إمام، وقرى الشام مدنه.
13. حديث أبي هريرة المتفق عليه قال: قال رسول الله ص: "كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ".
14. حديث جابر عند مسلم أنه ص قال: "فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ".
15. حديث عبد الله بن عمرو الصحيح عند الحاكم ووافقه الذهبي قال: كنا عند رسول الله ص، فسئل أي المدينتين تفتح أولا؟ -يعني القسطنطينية أو الرومية- فقال : "مدينة هرقل أولا".
قلتُ: وجه الاستدلال في هذا الحديث أن رومية لم تُفتح بعد، وفتحها لا يكون بدون دولة، وعليه فإن صدق المُخبر يقتضي وجود دولة الخلافة التي تتولى فتحها.
16. حديث جابر بن سمرة الصحيح عند أحمد: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يقولُ: "يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ"، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَتَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: "ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ".
قلتُ: الهرج يكون في آخر الزمان والأدلة على ذلك:
o حديث أبي هريرة عند البخاري عَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ: "يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْهَرْجُ؟ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّه يُرِيدُ الْقَتْلَ.
o حديث أبي هريرة عند البخاري قال: قَالَ النَّبِيُّ ص: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ".
o حديث عبد الله وأبي موسى عند البخاري قالا: قَالَ النَّبِيُّ ص: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ".
فالهرج وقبض العلم لا يكونان إلا في آخر الزمان، وذلك بعد قيام دولة الخلافة الثانية على المنهاج وزوالها. ويؤيد هذا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند البخاري قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".
إذا صحَّ أَنَّ الهرج لا يكون إلا في آخر الزمان –وهو كذلك- ثبت أن الخلفاء الإثني عشر القرشيين يكونون من خلفاء دولة الخلافة الثانية التي على منهاج النبوة، ولا يُقصد بهم أحد ممن مضى والله أعلم.
17. حديث عبد الله بن عمر الصحيح عند أحمد قال: وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "لَئِنْ أَنْتُمْ اتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَتَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَيُلْزِمَنَّكُمْ اللَّهُ مَذَلَّةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، ثُمَّ لَا تُنْزَعُ مِنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ وَتَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ".
قلتُ: قوله ص "حَتَّى تَرْجِعُونَ" مؤول بالحال، أي تكونون في حال راجعين فيها إلى ما كنتم عليه تائبين إلى الله. وهذه الجملة في إعرابها تشبه إعراب قوله تعالى: {حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ} (البقرة:214) برفع {يَقُولُ} حسب قراءة نافع، وقد أعربها حالا كلٌّ من المبرد وابن هشام.
فهذا الحديث فيه بُشرى للأمة بأنها سيأتي عليها زمان تكون فيه راجعةً إلى ما كانت عليه تائبةً إلى الله. وذلك بعد تركها الجهاد واتباعها أذناب البقر وتبايعها بالعينة، وهو هذا الزمان الذي نحن فيه، فالمذلة لازمة لأعناقنا وجهاد الطلب على الأقل مشطوب من حياتنا، فنحن نُغزى ولا نغزو، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
18. حديث ثوبان الصحيح عند البزار قال: قال رسول الله ص: "يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصل إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم -ثم ذكر شيئا- فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي".
19. حديث أبي الدرداء الصحيح عند أحمد قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ".
20. حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الصحيح عند الحاكم ووافقه الذهبي قال: قال رسول الله ص: "إني رأيت كأن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام".
21. حديث أبي هريرة عند البخاري: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ".
22. حديث عبد الله بن عمر عند البخاري قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "تُقَاتِلُكُمْ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَقُولُ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ".
23. حديث أبي هريرة عند مسلم أن رسول الله ص قال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ".
قلتُ: منذ أكثر من ستين عاما كانت لليهود دولة في فلسطين ومنذ ذلك الحين وهم يقاتلون المسلمين ويقتلوننا أكثر مما نقتلهم، ومذابحهم في المسلمين محفورة في ذاكرة المخلصين. ولا يخطر ببال عاقل أن أمراء الفرقة السفهاء الصبيان يمكن أن يقتلوا اليهود، بل إنهم لا يفكرون بذلك. ولذلك يمكن القول بأن الذين سيقتلونهم هم جُند دولة الخلافة لا غير. أما الغرقد المذكور في الحديث فقد زرعه يهود في كثير من أنحاء فلسطين، فقد رأيته بأم عيني حول سور بيت المقدس، وفي الطريق من بيت المقدس إلى مشارف بيت لحم وعلى الطريق بين الخالصة وبانياس ودان، وربما رأيته في أماكن أخرى لا تحضرني الآن.
هذه الأحاديث الثلاثة والعشرون تواتر فيها معنى وجود الخلافة فيمكن القطع بأنها كائنة بإذن الله تعالى.

المسألة السادسة

شرط تحقق الوعد


قال ـ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55).
وعد الله ـ في هذه الآية بالاستخلاف والتمكين وتبديل الخوف أمنًا. ووعده ـ لا يُخلف، لكن بتوفر شرطه. فالله ـ لا يُخلف الميعاد قطعا، ومن شكَّ في هذا كفر، لقوله عزَّ من قائل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (الرعد:31)، وقوله: {أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (يونس:55)، وقوله: {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (الكهف:21)، وقوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (الروم:60)، وقوله: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} (الروم:6)، وغير هذه من الآيات التي تدل دلالة قطعية على أن وعده ـ لا يتخلف.
والاستخلاف والتمكين وتبديل الخوف أمنًا كلها لا تكون إلا في الدنيا ولا يمكن أن تكون في الآخرة، إذ ليس فيها خلافة ولا تمكين دين ولا خوف بل هي دار ليس فيها عمل. وبهذا يكون موضوع الآية مختلفا عن موضوع النصر من هذه الناحية، إذ النصر أعم من الاستخلاف والتمكين وتبديل الخوف أمنًا، فالنصر يمكن أن يكون في الآخرة كما يكون في الدنيا بدليل قوله ـ: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر:51)، فهذا نص في أن النصر للرسل والذين آمنوا يمكن أن يكون يوم يقوم الأشهاد، كما يكون في الدنيا. أما الوعد المذكور في الآية فلا يتصور وقوعه إلا في الدنيا.
وقد شرط ـ لتحقيق هذا الوعد شرطين هما الإيمان والعمل الصالح. فإذا تحقق هذان الشرطان تحقق وعد الله، وإذا حصل خلل في أحدهما لم يتحقق الوعد لعدم توفر من يستحقه.
ومن استقراء السيرة نجد أن الصحابة أو بعضهم أعجب بكثرتهم يوم حنين فقال: "لن نُغلب اليوم من قلة"، وهذا القول يتنافى مع عقيدة النصر من عند الله الواردة في قوله ﻷ: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (آل عمران:126) وقوله ـ: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} (آل عمران:13) وقوله ـ: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (البقرة:107)، فهذه الآيات وغيرها تحصر النصر به سبحانه، فالصحابة أو بعضهم ظنُّوا أن كثرتهم تكفيهم فلا يُغلبون، وأُعجبوا بهذه الكثرة {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} (التوبة:25)، فكان أن هزمهم الله وولّوا مُدبرين. ثم كان من ثباته ص وأصحاب السمرة فنصرهم الله ـ على قلة عددهم في نفس المعركة التي هُزموا في أولها بسبب الإعجاب بالكثرة المتعلقة بعمل القلب أي بالتصديق أي بالإيمان.
ومن استقراء السيرة أيضا نجد أن المسلمين هُزموا في أُحُد لارتكاب بعضهم معصية هي عصيانهم لأمر رسول الله ص لهم بالبقاء على الجبل مهما كانت النتيجة، ولكنهم بعد ما رأوا ما يحبون -يعني الغنائم- نزلوا عن الجبل مخالفين أمر رسول الله ص. قال عزَّ من قائل: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران:152). هذه الحادثة ليست متعلقة بعمل القلب بل بعمل غيره من الجوارح فهي معصية من نوع آخر، يعني أنها عمل ليس صالحا.
فهاتان حادثتان الأولى تتنافى مع الإيمان والثانية ليست من العمل الصالح، فكانت النتيجة كما علمتم. وعليه يمكن القول إن أي خلل في الإيمان أو عمل القلب أو عمل غير صالح يكون سببا في عدم تحقيق الوعد. فالذين يعملون لإقامة الخلافة إذا لم يتحقق وعد الله على أيديهم وجب عليهم أن يُنقِّبوا في قلوبهم وفي أعمال سائر جوارحهم. يعني أن الإيمان يمكن أن يختل أو أن العمل الصالح قد يُسكت عنه ويُقام بعمل غير صالح. فالخلل في مسألة إيمانية يمنع تحقيق الوعد، وعمل المعصية ولو كان من البعض يمنع تحقيق الوعد.
وأي جماعة أو تكتل أو حزب يعمل لتحقيق الوعد الوارد في الآية لا يمكن أن ترقى قيادته إلى مستوى قيادة المسلمين في أحد وحنين. ولا نبالغ إذا قلنا أن المسلمين في أحد وحنين أفضل من أفراد كل حزب، أو على الأقل هذا رأي الجمهور، فهم خير القرون. ومع كل هذا فقد عرفنا ما حلَّ بهم عندما أعجبتهم كثرتهم وعندما عصوا. فليس غريبا على غيرهم أن يقعوا فيما وقعوا فيه. وإذن فلا بدَّ من استمرار التنقيب والبحث عن سبب تخلُّف تحقيق الوعد، وهذا لا يعتبر تنقصا لهم ولا إزراء عليهم خصوصا إذا أوصوا الخلف بدوام التنقيب والبحث في الأفكار والأحكام وسلوك الأفراد. فالمسألة دين لا مجاملة ولا مداهنة فيها.
ومما يمنع تحقيق الوعد:
1) الإعجاب بالكثرة وغيرها.
2) الكبر والعُجب الفرديين.
3) عدم إخلاص العمل لله.
4) مخالفة إجماع الصحابة القطعي الثبوت والدلالة.
5) مخالفة السنة المتواترة القطعية الدلالة.
6) الظلم.
7) الكذب.
8) المداهنة.
9) الجرأة على الافتاء دون علم.
10) إخلاف الوعد.
11) الرياء والتسميع.
وقال ـ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء:105) والصالحون هم المؤمنون الذين يعملون الصالحات.
وقال ﻷ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)} (إبراهيم) والخوف من المقام أمام الله سبحانه وخوف وعيده يقتضيان الإيمان والعمل الصالح.

رد مع اقتباس
 
 
  #4  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة السابعة

التأسي به ص في كيفية إقامة الخلافة على المنهاج واجب


السبيل الذي يجب أن يُسلك لإيجاد الجماعة على إمام وإقامة دولة الخلافة الموعودة هو السبيل الذي سلكه محمد ص في إقامة الدولة الأولى في دار الهجرة حيث وُجدت دار الإسلام الأولى. والأدلة على هذا الكتاب والسنة وإجماع الصحابة:
أما الكتاب فقوله تعالى:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (الأحزاب:21)
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(آل عمران:31)
{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف:158)
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63)
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (النساء:80)
وأما السنة فما رواه:
• مسلم عن زرارة أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا لَهُ بِهَا فَيَجْعَلَهُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَيُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَقِيَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ فِي حَيَاةِ نَبِيِّ اللَّهِ ص، فَنَهَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ص وَقَالَ: "أَلَيْسَ لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟!".
• ابن سعد بسند جوَّدَهُ الألباني عن ابن شهاب أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الأرض. فقال له رسول الله ص: "أليس لك فِيَّ أسوة حسنة؟ فأنا آتي النساء وآكل اللحم وأصوم وأفطر. إِنَّ خصاء أمتي الصيام، و ليس من أمتي من خصى أو اختصى".
• أحمد بسند صحيح: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: دَخَلَتْ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ -أَحْسِبُ اسْمَهَا خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ- عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بَاذَّةُ الْهَيْئَةِ، فَسَأَلْتُهَا: مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: زَوْجِي يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ. فَدَخَلَ النَّبِيُّ ص، فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ لَهُ، فَلَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ ص عُثْمَانَ فَقَالَ: "يَا عُثْمَانُ إِنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا، أَفَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ؟! فَوَاللَّهِ إِنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَحْفَظُكُمْ لِحُدُودِهِ".
وأما إجماع الصحابة فإن تأسيهم به واتباعهم له ص وأمرهم بذلك وتواصيهم به لا يكاد يُحصى. فمن ذلك ما رواه:
• البخاري بإسناده عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. فَقَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ص إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ. قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ.
• أحمد بإسناد صحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا. قَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ فَلْيَنْظُرْ فِيهَا، فَإِنْ رَأَى بِهَا خَبَثًا فَلْيُمِسَّهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا".
• مسلم عن جابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إِنَّ شَعْرِي كَثِيرٌ. قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ ص أَكْثَرَ مِنْ شَعْرِكَ وَأَطْيَبَ.
• مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِي الْجَنَابَةِ؟ أَكَانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ أَمْ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ. قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً.
• البخاري أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ س قَالَ لِلرُّكْنِ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ ص اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ. فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَالَ: فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ، إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ ص فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ.
• مسلم عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: بَالَ جَرِيرٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقِيلَ: تَفْعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
• مسلم:... قَالَ يَزِيدُ أَخْبَرَنَا قَالَ: كَانَ سَلَمَةُ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ. قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ص يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا.
• البخاري عَنْ النَّزَّالِ قَالَ: أَتَى عَلِيٌّ س عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ فَشَرِبَ قَائِمًا, فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ ص فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ.
وممن حكى إجماع الصحابة على وجوب التأسي بفعله ص عياض في الشفا والشيرازي في اللمع والتبصرة والقرافي في شرح تنقيح الفصول وابن العربي في القبس والأرموي في التحصيل والجويني في البرهان والرازي في المحصول.
ورسول الله ص قد أقام دولة، وهذا إن كان فعلا فنحن مأمورون بالتأسي بفعله قطعًا كما مرَّ، وإن كانت هنا أدلة من الكتاب والسنة متعلقة بإقامتها فنحن مخاطبون بها على وجهها كما سيأتي في تفاصيل كيفية إقامتها إن شاء الله. أما في الجملة فإننا مأمورون باتباعه والتأسي به في هذه الكيفية.

المسألة الثامنة

الجهاد ليس طريقة لإقامة الدولة


لم يختلف المسلمون منذ عصر الصحابة إلى يومنا هذا أن الجهاد فرض بعد الهجرة إلى المدينة. قال الحافظ في فتح الباري: "فَأَوَّل مَا شُرِّعَ الْجِهَاد بَعْد الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة إِلَى الْمَدِينَة اِتِّفَاقًا". قُلت: روى أحمد في مسنده بإسناد صحيح: وَأَمَّا مَعْبَدُ بْنُ كَعْبٍ فَحَدَّثَنِي فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ ص الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ثُمَّ تَتَابَعَ الْقَوْمُ. فَلَمَّا بَايَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص صَرَخَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَبْعَدِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطُّ: يَا أَهْلَ الْجُبَاجِبِ -وَالْجُبَاجِبُ الْمَنَازِلُ- هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصُّبَاةُ مَعَهُ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ مَا يَقُولُهُ عَدُوُّ اللَّهِ مُحَمَّدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: هَذَا أَزَبُّ الْعَقَبَةِ هَذَا ابْنُ أَزْيَبَ، اسْمَعْ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ أَمَا وَاللَّهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: ارْفَعُوا إِلَى رِحَالِكُمْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَئِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيَافِنَا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ"، قَالَ: فَرَجَعْنَا فَنِمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا... الحديث.
فالجهاد فرض بعد الهجرة أي بعد قيام الدولة، فكيف يكون طريقًا لإقامتها؟! فمن المقطوع به أن رسول الله ص لم يستعمل الجهاد طريقا لإقامة دولة الإسلام الأولى. وهذا لا خلاف فيه، ولكن المخالف يفرق بين إقامة دولة الإسلام الأولى والثانية، فيحتج بأحاديث المنابذة بالسيف عند رؤية الكفر البواح، وبذلك يعتبر السيف طريقا لإقامة الدولة. وقبل الرد عليه أستعرض هذه الأحاديث وهي:
• مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ"، قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لَا مَا صَلَّوْا".
• مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ص عَنْ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لَا، مَا صَلَّوْا".
• الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ: "إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِيءَ وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لَا، مَا صَلُّوا".
• أبو داود بإسناد صحيح عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ص قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُونَ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ -قَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ هِشَامٌ بِلِسَانِهِ- فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَقْتُلُهُمْ؟ -قَالَ ابْنُ دَاوُدَ: "أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟"- قَالَ: "لَا، مَا صَلَّوْا".
• أحمد بإسناد حسن: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَنْبَأَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ: "خِيَارُكُمْ وَخِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُكُمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لَا، مَا صَلَّوْا لَكُمْ الْخَمْسَ. أَلَا وَمَنْ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا أَتَى وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَتِهِ".
• أحمد بإسناد صحيح: حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مُحْصِنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "إِنَّهُ سَتَكُونُ أُمَرَاءُ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لَا، مَا صَلَّوْا لَكُمْ الْخَمْسَ".
• البخاري بإسناده عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ ص. قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ ص فَبَايَعْنَاهُ, فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.
• البخاري عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ص عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.
هذه الأحاديث كلها تنطبق على الواقع الذي تكون فيه الدار دار إسلام، ولا تنطبق على دار الكفر. ونحن اليوم في دار كفر قد طبقت الدنيا، ولا وجود لدار الإسلام مطلقا. والدليل على أن موضوع هذه الأحاديث هو دار الإسلام ما يلي:
أولاً: في حديث أم سلمة يقول ص "فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ" أي أننا نرى معروفًا ونرى منكرًا، فهم يخلطون المعروف بالمنكر. وهذا الخلط لا يكون إلا في دار الإسلام، أما دار الكفر فلا يُرى فيها إلا المنكر الصرف، كما هو الحال في زماننا هذا زمان إمرة السفهاء الذين لا يهتدون بهدي محمد ص ولا يستنون بسنته.
ثانيًا: حديث أم سلمة عند الترمذي وأبي داود يقول ص "سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ"، "سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ" والأئمة لا تكون إلا في دار الإسلام. وما نحن فيه اليوم ليس فيه أئمة، فموضوع هذه الأحاديث هو دار الإسلام لا دار الكفر.
ثالثًا: في حديث عوف وحديث أم سلمة عند أحمد يقول ص: "لَا، مَا صَلَّوْا لَكُمْ الْخَمْسَ". والذين يصلون الخمس بالناس هم الأئمة في دار الإسلام، أما السفهاء الصبيان فلا يصلون للناس ولا بهم، ولا أظن أنهم يصاون أصلا. وهذا يدل على أن موضوع هذه الأحاديث هو دار الإسلام لا دار الكفر.
رابعًا: حديث عبادة عند البخاري يقول ص: "وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ"، والأمر هنا هو الخلافة، وأهلها هم الخلفاء الشرعيون، والدليل على أن الأمر هو الخلافة ما يلي:
• البخاري عن معاوية: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ...".
• البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ م عَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ: "لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ".
• البخاري عن علي: "وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا".
• البخاري عن العباس: "اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ...".
• البخاري عن أبي بكر الصديق: "وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ...".
• البخاري عن عبد الرحمن بن عوف: "لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ...".
• مسلم عن جابر بن سمرة: "لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً...".
• أحمد بإسناد حسن عن أبي بكر الصديق قال: "وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: صَدَقْتَ، نَحْنُ الْوُزَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْأُمَرَاءُ".
• أحمد بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود قال: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي قَرِيبٍ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا... فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَإِنَّكُمْ أَهْلُ هَذَا الْأَمْرِ...".
• أحمد بإسناد صحيح عَنْ ذِي مِخْمَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي حِمْيَرَ فَنَزَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُ فِي قُرَيْشٍ".
ورسول الله ص ينهانا عن منازعة الأمر أهله، وأهل الأمر -أي أهل الخلافة- لا يوجدون إلا في دار الإسلام. فالحديث إذن موضوعه دار الإسلام لا دار الكفر. ولا تكون المنازعة إلا عند ظهور الكفر البواح الذي لا خلاف في أنه كفر.
فالنتيجة التي لا مراء فيها أن الجهاد ليس طريقا لإقامة الخلافة.

المسألة التاسعة

الرسول ص أنشأ حزبًا في مكة


من الثابت أنه ص شكَّل حزبًا في مكة، وقبل ذكر الأدلة على ذلك يحسُن أن نُعَرِّفَ الحزب:
• قال الجوهري في الصحاح: حزب الرجل أصحابه.
• قال الفيروزبادي في القاموس: الحزب جُند الرجل وأصحابه الذين على رأيه.
• قال صاحب العين: والحزب أصحاب الرجل على رأيه وأمره... وكل طائفة تكون أهواؤهم واحدة فهم حزب.
فحزب محمد ص في مكة هم أصحابه الذين كانوا على رأيه، فيخرج بذلك من كان على رأيه ولم يصحبه، ولا يدخل في حزبه إلا من توفَّر فيه الشرطان، أن يكون على رأيه، وأن يكون صاحبا.
وقد كان أصحاب محمد ص حزبه ومن لم يصحبه ليس من حزبه ولو كان على رأيه، ومن أدلة ذلك:
• حديث أنس الصحيح عند أحمد قال: قال رسول الله ص: "يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ أَقْوَامٌ هُمْ أَرَقُّ مِنْكُمْ قُلُوبًا". قَالَ: فَقَدِمَ الْأَشْعَرِيُّونَ فِيهِمْ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَرْتَجِزُونَ يَقُولُونَ: غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّهْ، مُحَمَّدًا وَحِزْبَهْ".
قُلت: الأشعريون عندما قالوا هذا القول كانوا مؤمنين، ولم يكونوا من حزبه ص، وإن كانوا من أمته. وبعد أن لقوه وصحبوه صاروا من حزبه. ولو كانوا من حزبه قبل أن يلقوه لما صلح أن يرتجزوا ما قالوه، وإنما صلح أن يقولوا: "غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّهْ، مُحَمَّدًا وَحِزْبَهْ" لأنهم لم يكونوا بعد منهم.
• حديث ذكوان الصحيح عند أحمد أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَمُوتُ... فَدَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ سَلَّمَ وَجَلَسَ، وَقَالَ: أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ يَذْهَبَ عَنْكِ كُلُّ أَذًى وَنَصَبٍ -أَوْ قَالَ وَصَبٍ- وَتَلْقَيْ الْأَحِبَّةَ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ -أَوْ قَالَ أَصْحَابَهُ- إِلَّا أَنْ تُفَارِقَ رُوحُكِ جَسَدَكِ....
• حديث أبي عبد الرحمن السلمي عند ابن عبد البر في الاستيعاب: ...وسمعت عماراً يقول يومئذ لهاشم بن عقبة: يا هاشم تقدم الجنة تحت البارقة اليوم ألقى الأحبة: محمداً وحزبه.
قلتُ: كان هذا في صِفِّين.
• حديث سلمان الذي يرويه البيهقي في الشعب: عن معاوية بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: "ثَلَاثٌ أَعْجَبَتْنِي حَتَّى أَضْحَكَتْنِي... وَثَلَاثٌ أَحْزَنَتْنِي حَتَّى أَبْكَتْنِي: فِرَاقُ مُحَمَّدٍ ص وَحِزْبِهِ -أَوْ قَالَ: فِرَاقُ مُحَمَّدٍ وَالْأَحِبَّةَ. شَكَّ حَمَّادٌ-، وَهَوْلُ الْمَطْلَعِ، وَالْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ ﻷ، لَا أَدْرِي إِلَى جَنَّةٍ يُؤْمَرُ بِي أَوْ إِلَى نَارٍ".
قلتُ: هؤلاء الصحابة كانوا يذكرون محمدا ص وحزبه كأمر مسلّم ثابت لا يشكون أو يرتابون في وجوده. هذا من حيث النقل في الجملة. أما من حيث التفصيل فهناك أدلة على وجود هذا الحزب، وهي أدلة عملية وقولية تثبت أن محمدا ص كان له حزب ومنها:
أولاً: تكليف بعض الصحابة بالتبليغ وحمل الدعوة:
• مسلم عن أبي ذر: "... ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ؟ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَأَتَيْنَا أُمَّنَا فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ...".
وفي رواية البخاري: "... فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ص: ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي...".
• مسلم عن ابن عباس: "أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ... قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ: فَبَايَعَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: وَعَلَى قَوْمِكَ. قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي...".
قُلت: في هذين الحديثين دليل على أنه ص كلّف كلاًّ من أبي ذر وضماد بدعوة قومه، فقال لأبي ذر: "فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ؟ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ". وقال لضماد: "وَعَلَى قَوْمِكَ". وفي حديث أبي ذر أسلم نصف غفار بدعوة أبي ذر. فيمكن اعتبار هذا التكليف عملا من أعمال الحزب.
ثانيًا: إقرار بعض الصحابة على التبليغ وحمل الدعوة:
• البخاري عن أبي هريرة قال: قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ ص فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا. فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ. قَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ.
• ابن اسحق: فلما أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه ودعا إلى الله ورسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألفاً لقومه، محبباً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير أو شر، وكان رجلاً تاجراً، ذا خلق ومعروف. وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه فيما بلغني الزبير بن العوام وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ن. فانطلقوا إلى رسول الله ص ومعهم أبو بكر، فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق الإسلام، وبما وعدهم الله من كرامة فآمنوا.
• موسى بن عقبة في مغازيه عن ابن شهاب أن النفر الستة من الخزرج أسلموا وقالوا لرسول الله ص: "وَإِنَّا نُشِيُرُ عَلَيْكَ بِمَا تَرَى، فَامْكُثْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ حَتَّى نَرْجِعَ إِلَى قَوْمِنَا فَنُخْبِرَهُمْ بِشَأْنِكَ، وَنَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَعَلَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بَيْنَنَا وَيَجْمَعُ أَمْرَنَا، فَإِنَّا الْيَوْمَ مُتَبَاعِدُونَ مُتَبَاغِضُونَ، وَإِنْ تَقْدُمْ عَلَيْنَا الْيَوْمَ وَلَمْ نَصْطَلِحْ لَمْ يَكُنْ لَنَا جَمَاعَةٌ عَلَيْكَ، وَلَكِنْ نُوَاعِدُكَ الْمَوْسِمَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالُوا، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ سِرًّا وَأَخْبَرُوهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ، وَدَعَا إِلَيْهِ بِالْقُرْآنِ حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ إِلا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لا مَحَالَةَ".
• أحمد بإسناد صحيح عن جابر بن عبد الله: "... حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ يَثْرِبَ فَآوَيْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ...".
• البخاري عن أبي موسى: "بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ ص وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ، أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ، إِمَّا قَالَ فِي بِضْعٍ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي. فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ...".
قُلت: معلوم أن أبا موسى أسلم بمكة ثم رجع إلى قومه، والظاهر أن أصحاب السفينة هؤلاء أسلموا على يديه دون تكليف منه ص.
ثالثًا: تكليف بعض الصحابة بإقراء القرآن والتفقيه في الدين كل من دخل في الإسلام:
• ابن عبد البر في الاستيعاب: وكان رسول الله ص قد بعث مصعب بن عمير إلى المدينة قبل الهجرة بعد العقبة الثانية يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين، وكان يدعى القارىء والمقرىء.
• الحافظ في الإصابة: وقال ابن إسحاق في المغازي عن يزيد بن أبي حبيب: لما انصرف الناس عن العقبة بعث النبي ص معهم مصعب بن عمير يفقههم.
رابعًا: التبرعات المالية وإقراره ص إياهم عليها:
• أحمد بإسناد حسن عن عائشة قالت: قال رسول الله ص: "... مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ ﻷ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ ﻷ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ".
• مسلم عن أبي سعيد: "... وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ...".
• البخاري عن أبي الدرداء: "... فَقَالَ النَّبِيُّ ص: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ. وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ".
خامسًا: إقراره ص أصحابه على الصراع الفكري دون أن يكلفهم:
• البخاري عن خباب قال: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ فَلَا. قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ فَأَقْضِيكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} (مريم:77).
• أحمد في فضائل الصحابة بإسناد صحيح عن عروة قال: كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله ص بمكة عبد الله بن مسعود، قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله ص فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ قال عبد الله بن مسعود: "أنا"، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: "دعوني فإن الله عز وجل سيمنعني". قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، فقام عند المقام، ثم قال: "بسم الله الرحمن الرحيم -رافعا صوته- {الرَّحْمَنُ | عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (الرحمن:1-2)". قال: ثم استقبلها يقرأ فيها. قال: وتأملوا فجعلوا يقولون: ما يقول ابن أم عبد؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد. فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا: هذا الذي خشينا عليك. قال: "ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها"، قالوا: حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون.
سادسًا: إقراره ص دفع أذى الكفار باليد عند القدرة:
• البخاري عن عروة بن الزبير قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ص وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ، فَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} (غافر:28).
• ابن اسحاق: وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ص إذَا صَلّوْا ذَهَبُوا فِي الشّعَابِ فَاسْتَخْفَوْا بِصَلَاتِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَبَيْنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ص فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ مَكّةَ، إذْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ نَفَرٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يُصَلّونَ، فَنَاكَرُوهُمْ وَعَابُوا عَلَيْهِمْ مَا يَصْنَعُونَ حَتّى قَاتَلُوهُمْ. فَضَرَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِلَحْيِ بَعِيرٍ فَشَجّهُ، فَكَانَ أَوّلَ دَمٍ أُهْرِيقَ فِي الْإِسْلَامِ.
• ابن اسحاق بسند صحيح قال: وَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمّا أَسْلَمَ أَبِي عُمَرُ قَالَ: أَيّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ؟ فَقِيلَ لَهُ: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيّ. قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ: فَغَدَوْت أَتْبَعُ أَثَرَهُ وَأَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ وَأَنَا غُلَامٌ أَعْقِلُ كُلّ مَا رَأَيْتُ، حَتّى جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: أَعَلِمْتَ يَا جَمِيلُ أَنّي قَدْ أَسْلَمْت وَدَخَلْت فِي دِينِ مُحَمّدٍ؟ قَالَ: فَوَاَللّهِ مَا رَاجَعَهُ حَتّى قَامَ يَجُرّ رِدَاءَهُ، وَاتّبَعَهُ عُمَرُ وَاتّبَعْت أَبِي، حَتّى إذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ- أَلَا إنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَدْ صَبَأَ. قَالَ: ويَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ: كَذَبَ، وَلَكِنّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَثَارُوا إلَيْهِ، فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتّى قَامَتْ الشّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ. قَالَ وَطَلِحَ فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَحْلِفُ بِاَللّهِ أَنْ لَوْ قَدْ كُنّا ثَلَاثَ مِئَةِ رَجُلٍ لَقَدْ تَرَكْنَاهَا لَكُمْ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ، عَلَيْهِ حُلّةٌ حِبْرَةٌ وَقَمِيصٌ مُوَشّى، حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: صَبَا عُمَرُ. فَقَالَ: فَمَهْ رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَتَرَوْنَ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ يُسْلِمُونَ لَكُمْ صَاحِبَهُمْ هَكَذَا؟ خَلّوا عَنْ الرّجُلِ. قَالَ: فَوَاَللّهِ لَكَأَنّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِطَ عَنْهُ. قَالَ: فَقُلْت لِأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ: يَا أَبَتْ مَنْ الرّجُلُ الّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْك بِمَكّةَ يَوْمَ أَسْلَمْت، وَهُمْ يُقَاتِلُونَك؟ فَقَالَ: ذَاكَ أَيْ بُنَيّ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ.
• قال ابن اسحاق: وَكَانَ إسْلَامُ عُمَرَ فِيمَا بَلَغَنِي أَنّ أُخْتَه فَاطِمَةَ بِنْتَ الْخَطّابِ، وَكَانَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ بَعْلُهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُمَا مُسْتَخْفِيَانِ بِإِسْلَامِهِمَا مِنْ عُمَرَ، وَكَانَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ النّحّامُ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمَ، وَكَانَ أَيْضًا يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِ فَرَقًا مِنْ قَوْمِهِ، وَكَانَ خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ يَخْتَلِفُ إلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْخَطّابِ يُقْرِئُهَا الْقُرْآنَ. فَخَرَجَ عُمَرُ يَوْمًا مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ ص وَرَهْطًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ ذُكِرُوا لَهُ أَنّهُمْ قَدْ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصّفَا، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مَا بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَمَعَ رَسُولِ اللّهِ ص عَمّهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ الصّدّيقُ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ن مِمّنْ كَانَ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ص بِمَكّةَ وَلَمْ يَخْرَجْ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَقِيَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ أُرِيدُ مُحَمّدًا هَذَا الصّابِئَ الّذِي فَرّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ وَسَفّهُ أَحْلَامَهَا وَعَابَ دِينَهَا وَسَبّ آلِهَتَهَا فَأَقْتُلَهُ. فَقَالَ لَهُ نُعَيْمٌ: وَاَللّهِ لَقَدْ غَرّتْك نَفْسُك مِنْ نَفْسِك، يَا عُمَرُ أَتَرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَارِكِيك تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا؟ أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى أَهْلِ بَيْتِك فَتُقِيمَ أَمْرَهُمْ؟ قَالَ: وَأَيّ أَهْلِ بَيْتِي؟ قَالَ: خَتَنُك وَابْنُ عَمّك سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَأُخْتُك فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ، فَقَدْ وَاَللّهِ أَسْلَمَا، وَتَابَعَا مُحَمّدًا عَلَى دِينِهِ، فَعَلَيْك بِهِمَا. قَالَ: فَرَجَعَ عُمَرُ عَامِدًا إلَى أُخْتِهِ وَخَتَنِهِ وَعِنْدَهُمَا خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ مَعَهُ صَحِيفَةٌ فِيهَا: {طَه} يُقْرِئُهُمَا إيّاهَا، فَلَمّا سَمِعُوا حِسّ عُمَرَ تَغَيّبْ خَبّابٌ فِي مِخْدَعٍ لَهُمْ أَوْ فِي بَعْضِ الْبَيْتِ، وَأَخَذَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ الصّحِيفَةَ فَجَعَلَتْهَا تَحْتَ فَخِذِهَا. وَقْدَ سَمِعَ عُمَرُ حِينَ دَنَا إلَى الْبَيْتِ قِرَاءَةَ خَبّابٍ عَلَيْهِمَا، فَلَمّا دَخَلَ قَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الّتِي سَمِعْتُ؟ قَالَا لَهُ: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا. قَالَ: بَلَى وَاَللّهِ، لَقَدْ أُخْبِرْت أَنّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمّدًا عَلَى دِينِهِ. وَبَطَشَ بِخَتَنِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَامَتْ إلَيْهِ أُخْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ لَتَكُفّهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَضَرَبَهَا فَشَجّهَا. فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ وَخَتَنُهُ: نَعَمْ، قَدْ أَسْلَمْنَا وَآمَنّا بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَك. فَلَمّا رَأَى عُمَرُ مَا بِأُخْتِهِ مِنْ الدّمِ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ فَارْعَوى، وَقَالَ لِأُخْتِهِ: أُعْطِينِي هَذِهِ الصّحِيفَةَ الّتِي سَمِعْتُكُمْ تَقْرَءُونَ آنِفًا أَنْظُرْ مَا هَذَا الّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ. وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبًا، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ: إنّا نَخْشَاك عَلَيْهَا. قَالَ: لَا تَخَافِي. وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدّنّهَا إذَا قَرَأَهَا إلَيْهَا، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ طَمِعَتْ فِي إسْلَامِهِ فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، إنّكَ نَجِسٌ عَلَى شِرْكِكَ وَإِنَّهُ لا يَمَسُّها إِلا الطاهِرُ، فَقامَ عُمَرُ فَاغْتَسَلَ فَأَعْتَطْهُ الصَّحِيفَةَ وَفِيها {طَه}، فَقَرَأَهَا، فَلَمّا قَرَأَ مِنْهَا صَدْرًا قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَكْرَمَهُ. فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبّابٌ خَرَجَ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ وَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللّهُ قَدْ خَصّك بِدَعْوَةِ نَبِيّهُ، فَإِنّي سَمِعْته أَمْسِ وَهُوَ يَقُولُ: اللّهُمّ أَيّدْ الْإِسْلَامَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ، فَاَللّهَ اللّهَ يَا عُمَرُ. فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ عُمَرُ: فَدُلّنِي يَا خَبّابُ عَلَى مُحَمّدٍ حَتّى آتِيَهُ فَأُسْلِمَ. فَقَالَ لَهُ خَبّابٌ: هُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصّفَا، مَعَهُ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَتَوَشّحَهُ، ثُمّ عَمَدَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَأَصْحَابِهِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْبَابَ، فَلَمّا سَمِعُوا صَوْتَهُ قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ ص فَنَظَرَ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ فَرَآهُ مُتَوَشّحًا السّيْفَ، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَهُوَ فَزِعٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ مُتَوَشّحًا السّيْفَ. فَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: فَأْذَنْ لَهُ فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرًا بَذَلْنَاهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرّا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: ائْذَنْ لَهُ. فَأَذِنَ لَهُ الرّجُلُ، وَنَهَضَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ص حَتّى لَقِيَهُ فِي الْحُجْرَةِ، فَأَخَذَ حُجْزَتَهُ أَوْ بِمِجْمَعِ رِدَائِهِ ثُمّ جَبَذَهُ بِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِك يَا ابْنَ الْخَطّابِ؟ فَوَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتّى يُنْزِلَ اللّهُ بِك قَارِعَةً. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْتُك لِأُومِنَ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ. قَالَ فَكَبّرَ رَسُولُ اللّهِ ص تَكْبِيرَةً عَرَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ص أَنّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ، فَتَفَرّقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ مَكَانِهِمْ وَقَدْ عَزّوا فِي أَنْفُسِهِمْ حِينَ أَسْلَمَ عُمَرُ مَعَ إسْلَامِ حَمْزَةَ، وَعَرَفُوا أَنّهُمَا سَيَمْنَعَانِ رَسُولَ اللّهِ ص وَيَنْتَصِفُونَ بِهِمَا مِنْ عَدُوّهِمْ. فَهَذَا حَدِيثُ الرّوَاةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ حِينَ أَسْلَمَ.
قُلت: هذا الحديث رواه ابن اسحاق بلاغا وقال في آخره فهذا حديث الرواة من أهل المدينة، ولكن ابن عبد البر في الاستيعاب قال عن هذا الحديث مرة: "وبسبب زوجه كان إسلام عمر بن الخطاب وخبرهما في ذلك خبر حسن"، وقال في موضع آخر: "وخبرها في إسلام عمر خبر عجيب". وعليه فإني سأناقش هذا الخبر على أساس أنه حسن يحتج به مع سائر الأحاديث والآثار فأقول:
في حديث البخاري دفع أبو بكر عقبة بن أبي معيط عن رسول الله ص ولم يدفع رسول الله ص عن نفسه، وفي حديث ابن اسحق تقاتل المسلمون والمشركون في الشعب وشجَّ سعد أحدهم، وفي خبر ابن اسحق الصحيح عن ابن عمر في قصة إسلام عمر أنهم قاتلوه وقاتلهم، وفي روايته الأخيرة التي حسَّنها ابن عبد البر لم يدفع سعيد بن زيد عن نفسه وكذلك خباب، وقال حمزة: "وَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرّا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ"، ونهض إليه رسول الله ص فأخذ بحجزته وجبذه.
سابعًا: اكتفاؤه ص بالدعاء على من آذاهم:
• البخاري عن عبد الله بن مسعود أَنَّ النَّبِيَّ ص كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ ص وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ ص سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ. ثُمَّ سَمَّى: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ"، وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ص صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ.
ثامنًا: الصبر على الأذى والثبات على الحق:
• البخاري عن عائشة أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ص: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ص: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا".
• مسلم عن أبي ذر: ...فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: الصَّابِئَ؟ فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلٍّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ. قَالَ: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ. قَالَ: فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا.
• البخاري عن سَعِيدٍ بْنِ زَيْدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ.
قلتُ: هذا الخبر يتعارض مع رواية ابن اسحق السابقة في إسلام عمر، إذ فيها أن عمر أسلم في اليوم الذي علم فيه بإسلام أخته وختنه، فمتى وثقه؟ وعند هذا التعارض يعمل بحديث البخاري ويُردُّ حديث ابن اسحق لأني لا أجد مجالا للجمع بينهما.
• الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وابن حبان عن عبد الله قال: إن أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله ص فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر س فمنعه الله تعالى بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد وأوقفوهم في الشمس، فما من أحد إلا قد آتاهم كلما أرادوا غير بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله ﻷ، وهان على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وجعل يقول: أحد أحد.
• الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي عن جابر أن رسول الله ص مرَّ بعمار وأهله وهم يعذبون، فقال: "أبشروا آل عمار وآل ياسر فإن موعدكم الجنة".
• البخاري عن خباب يقول: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ص وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ لَقِينَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ؟ فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: "لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ"، زَادَ بَيَانٌ: "وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ".
تاسعًا: الإذن بالهجرة إلى دار يأمنون فيها على دينهم قبل وجود دار الإسلام:
• ابن كثير في البداية والنهاية: وأما رواية أم سلمة فقد قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن حارث بن هشام عن أم سلمة ل، أنها قالت: لما ضاقت مكة وأوذي أصحاب رسول الله ص وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله ص لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شئ مما يكره ومما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله ص: "إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه". فخرجنا إليها أرسالا، حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار آمنين على ديننا، ولم نخش فيها ظلما....
عاشرًا: الإذن بالدخول بجوار أحد وجوه القوم وأشرافهم:
• الحافظ في الفتح: الْفَاكِهِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن مُرْسَل وَفِيهِ: أَنَّ الْمُطْعِم أَمَرَ أَرْبَعَة مِنْ أَوْلَاده فَلَبِسُوا السِّلَاح، وَقَامَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ عِنْد رُكْن مِنْ الْكَعْبَة. فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ الرَّجُل الَّذِي لَا تُخْفَر ذِمَّتك.
• ابن كثير في البداية والنهاية: وقد ذكر الأموي في مغازيه أن رسول الله ص بعث أريقط إلى الاخنس بن شريق، فطلب منه أن يجيره بمكة، فقال: إن حليف قريش لا يجير على صميمها. ثم بعثه إلى سهيل بن عمرو ليجيره، فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب بن لؤي. فبعثه إلى المطعم بن عدي ليجيره، فقال: نعم، قل له فليأت. فذهب إليه رسول الله ص فبات عنده تلك الليلة، فلما أصبح خرج معه هو وبنوه ستة أو سبعة متقلدي السيوف جميعا، فدخلوا المسجد، وقال لرسول الله ص: طف. واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف، فأقبل أبو سفيان إلى مطعم، فقال: أمجير أو تابع؟ قال: لا، بل مجير. قال: إذًا لا تخفر. فجلس معه حتى قضى رسول الله ص طوافه، فلما انصرف انصرفوا معه،وذهب أبو سفيان إلى مجلسه. قال: فمكث أياما ثم أذن له في الهجرة.
• البخاري أَنَّ عَائِشَةَ ل زَوْجَ النَّبِيِّ ص قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ص طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ. فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ ﻷ... الحديث.
مما سبق في سادسا وسابعا وثامنا وتاسعا وعاشرا يتبين جواز ما يلي لأفراد الحزب:
1. دفع الأذى باليد عند القدرة بشكل فردي.
2. الدعاء على الذين يؤذون أفراد الحزب.
3. الصبر على الأذى والثبات على الحق.
4. الهجرة إلى مكان لا يفتن فيه حامل الدعوة.
5. الدخول في جوار أحد المتنفذين طلبا للحماية.
ولا بد من بيان الحكم بشكل أوضح، يعني هل هذه الأمور المار ذكرها واجبة أم مندوبة أم مباحة؟ ثم هل الحكم الشرعي يتعلق بالأفراد أم بالحزب؟ وهل هنالك أدلة من غير السنة تتعلق بهذا الأمر، أعني دفع أذى الكفار والمنافقين والسفهاء وأعوانهم؟
أقول: إن الله ـ يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (الشورى:39)، فهل لهذه الآية علاقة بمسألتنا؟ الآية اختلف في نسخها واختلف في كونها مكية أم مدنية واختلف في الباغين أهم المشركون أم المسلمون أم المشركون والمسلمون. سلمنا أنها غير منسوخة، والذي يهمنا هنا قول من قال: المقصود بالباغين هم المشركون. قال ابن الجوزي في زاد المسير: قال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبَغَوْا عليهم، ثم مَكنَّهم الله منهم فانتصروا. وقال زيد بن أسلم: كان أصحاب رسول الله ص فرقتين بمكة، فرقة كانت تُؤذَى فتَعفو عن المشركين، وفرقة كانت تُؤذَى فتنتصر، فأثنى اللهُ ﻷ عليهم جميعاً، فقال في الذين لم ينتصروا: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} (الشورى:37)، وقال في المنتصِرين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (الشورى:39)، أي: من المشركين.
قُلت: على رأي عطاء الانتصار كان بعد قيام الدولة، وعلى رأي زيد بن أسلم الانتصار كان في مكة.
سلمنا أن الانتصار المطلوب كان في مكة فجاءت السنة فبينته، فالذي قدر على الانتصار لنفسه انتصر، كما ورد في حديث ابن عمر الصحيح عند ابن اسحق حيث قال عن أبيه عمر: "وَثَارُوا إلَيْهِ، فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ". ويروي البخاري في الصحيح عن ابن عمر عن أبيه قال: بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ خَائِفًا إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ. قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ. بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ. فَخَرَجَ الْعَاصِ فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمْ الْوَادِي، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَا. قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ. فَكَرَّ النَّاسُ.
وإعمالا للدليلين أقول: إن المرة الأولى التي كان فيها قتاله لهم كان يوم أسلم. وكأنهم فيما بعد قرروا قتله فردَّهم العاص بن وائل. وإن أردنا الترجيح فرواية البخاري أرجح. ولكن لا حاجة للترجيح فعمر عندما كان قادرا على دفع الأذى دفع وقاتل. لكن لما وصل الأمر إلى القتل خاف ولزم بيته.
وأما حديث ابن اسحاق الذي يرويه بلاغًا والذي أشار ابن عبد البر إلى تحسينه فإنه يتعارض مع حديث سَعِيدٍ بْنِ زَيْدٍ الصحيح عند البخاري، والصحيح مرجح على الحسن المروي بلاغا. ومن أراد إعمال الدليلين قال إن المسلمين الذين كانوا مع النبي ص في بيت عند الصفا كانت لديهم القدرة على رد البغي والانتصار لأنفسهم ودفع الأذى.
وإذا استعرضنا ردود فعل الصحابة على مشركي قريش وجدناهم صنفين، صنف صبر وثبت ولم ينتصر كآل ياسر وبلال وسعيد بن زيد وأبي ذر وابن مسعود، وصنف انتصر كأبي بكر وعمر وسعد. وكلاًّ أقر رسول الله ص على موقفه.
بل إن رسول الله ص فعل الأمرين: ففي حديث عبد الله بن مسعود عند البخاري عندما وضعوا سلى الجزور على ظهره دعا عليهم فقال: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ... ثُمَّ سَمَّى: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ...". وفي حديث عبد الله بن عمرو الصحيح عند أحمد: قَالَ يَعْقُوبُ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا أَكْثَرَ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَدْ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، سَفَّهَ أَحْلَامَنَا وَشَتَمَ آبَاءَنَا وَعَابَ دِينَنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ -أَوْ كَمَا قَالُوا-. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ص فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ مَا يَقُولُ، قَالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ الثَّالِثَةَ، فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَقَالَ: تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ. فَأَخَذَتْ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنْ الْقَوْلِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِدًا، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولًا. قَالَ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ص حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ إِذْ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ، قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ص: نَعَمْ، أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، قَالَ: وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ س دُونَهُ يَقُولُ وَهُوَ يَبْكِي: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} (غافر:28). ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَأَشَدُّ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ.
قُلت: في اليوم الأول انتصر ص لنفسه فقال: "تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ"، وفي اليوم الثاني لم ينتصر ودفع عنه أبو بكر.
وعندما حاصره المشركون في الشعب لم ينتصر المسلمون ولم يحاولوا الاعتداء على المشركين وأموالهم، وفي الشعب رسول الله ص ثلاث سنين. وكذلك فإنه ص لما رجع من الطائف لم ينتصر ولو بالدعاء عليهم، بل قال في رواية عائشة عند البخاري: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"، وقال لآل ياسر: "أبشروا آل عمار وآل ياسر فإن موعدكم الجنة".
فيمكن إيجاز الأحكام كما يلي:
• الثبات على الحق فرض إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان.
• الصبر على الأذى مندوب.
• الانتصار ودفع الأذى قولا وعملا أقرهم الرسول ص على فعله وعلى تركه. وانتصر هو قولا ولا يؤثر عنه أنه فعله، أي لا يؤثر عنه أنه دفع عن نفسه باليد، فيمكن القول أن الدفع والانتصار بالقول مندوب، وذلك لأنه ص فعله وأقر أصحابه على فعله. والقرينة التي تصرفه عن الوجوب إلى الندب كونه ص تركه أحيانا وأقر الصحابة على تركه. وأما الفعل أي الإنتصار ودفع الأذى باليد فإنه من المباح، والقرينة على ذلك أن رسول الله ص لم يفعله مطلقا، ولو كان مندوبا لفعله على الأقل حينا وتركه حينا، فلما لم يفعله مطلقا ترجح أنه على الإباحة. وعلى كل حال فلا اختلاف في كونه مندوبا أو مباحا عندي بحال.
وينبغي التنبه أن الانتصار والدفع يختلف حكمهما عن الابتداء والمبادرة، فلم يُرْوَ أنه ص وحزبه بدأوا المشركين في مكة بأي نوع قتال.
حادي عشر: نهيه ص أحد أصحابه عن الاقامة معه في مكة:
• مسلم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ: كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ. فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ص مُسْتَخْفِيًا، جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا نَبِيٌّ. فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: أَرْسَلَنِي اللَّهُ. فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ. قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ. قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ. فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ. قَالَ: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ؟ وَلَكِنْ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي. قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي.
قال النووي في شرح هذا الحديث: ("فَقُلْت: إِنِّي مُتَّبِعك. قَالَ: إِنَّك لَا تَسْتَطِيع ذَلِكَ يَوْمك هَذَا، أَلَا تَرَى حَالِي وَحَال النَّاس؟ وَلَكِنْ اِرْجِعْ إِلَى أَهْلك فَإِذَا سَمِعْت بِي قَدْ ظَهَرْت فَأْتِنِي" مَعْنَاهُ: قُلْت لَهُ: إِنِّي مُتَّبِعك عَلَى إِظْهَار الْإِسْلَام هُنَا، وَإِقَامَتِي مَعَك فَقَالَ: لَا تَسْتَطِيع ذَلِكَ لِضَعْفِ شَوْكَة الْمُسْلِمِينَ وَنَخَاف عَلَيْك مِنْ أَذَى كُفَّار قُرَيْش، وَلَكِنْ قَدْ حَصَلَ أَجْرك فَابْقَ عَلَى إِسْلَامك، وَارْجِعْ إِلَى قَوْمك وَاسْتَمِرَّ عَلَى الْإِسْلَام فِي مَوْضِعك حَتَّى تَعْلَمنِي ظَهَرْت فَأْتِنِي، وَفِيهِ مُعْجِزَة لِلنُّبُوَّةِ وَهِيَ إِعْلَامه بِأَنَّهُ سَيَظْهَرُ).
قُلت: هذا النهي لعمرو بن عبسة دليل قاطع على وجود حزب لمحمد ص يأمرهم وينهاهم، أحيانا تكون الأوامر والنواهي أحكاما شرعية وأحيانا إدارية كهذا النهي.
ثاني عشر: استعانته ص ببعض أفراد حزبه في طلب النصرة:
• البيهقي في دلائل النبوة وحسنه الحافظ: حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الفقيه الشاشي قال: حدثنا الحسن بن صاحب بن حميد الشاشي قال: حدثني عبد الجبار بن كثير الرقي قال: حدثنا محمد بن بشر اليماني، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: حدثني علي بن أبي طالب، من فِيهِ قال: لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله ص أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، وأبو بكر س، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر س وكان مقدما في كل خير، وكان رجلا نسّابة، فسلَّم وقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة... الحديث.
ثالث عشر: استعانته ص ببعض أفراد حزبه للقيام بعمل مادي خاص:
• أحمد بإسناد صحيح عن علي قال: انْطَلَقْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ ص حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَةَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ص: اجْلِسْ. وَصَعِدَ عَلَى مَنْكِبَيَّ، فَذَهَبْتُ لِأَنْهَضَ بِهِ، فَرَأَى مِنِّي ضَعْفًا، فَنَزَلَ وَجَلَسَ لِي نَبِيُّ اللَّهِ ص وَقَالَ: اصْعَدْ عَلَى مَنْكِبَيَّ. قَالَ: فَصَعِدْتُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ. قَالَ: فَنَهَضَ بِي. قَالَ: فَإِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنِّي لَوْ شِئْتُ لَنِلْتُ أُفُقَ السَّمَاءِ، حَتَّى صَعِدْتُ عَلَى الْبَيْتِ وَعَلَيْهِ تِمْثَالُ صُفْرٍ أَوْ نُحَاسٍ، فَجَعَلْتُ أُزَاوِلُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ حَتَّى إِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ص: اقْذِفْ بِهِ. فَقَذَفْتُ بِهِ فَتَكَسَّرَ كَمَا تَتَكَسَّرُ الْقَوَارِيرُ، ثُمَّ نَزَلْتُ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ص نَسْتَبِقُ حَتَّى تَوَارَيْنَا بِالْبُيُوتِ خَشْيَةَ أَنْ يَلْقَانَا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ.
قُلت: هذا الحديث فيه دلالة على أن الرسول ص شكَّل حزبًا، وكان افراد هذا الحزب يطيعونه في أمره ونهيه.
لكن قد يَظُنُّ ظان أن هذا الحديث فيه دلالة على جواز قيام الحزب بأعمال مادية قبل قيام الدولة. وهذا خطأ لأن هذا العمل كان خاصًّا بقيادة الحزب، ولم يعلم به أحد من أفراد الحزب ولا من سائر الناس إلا عليًّا بحكم أنه ص استعان به. وحتى بعد انتهاء العمل فإنه لم يعلم به أحد، وهذا يدل على أن هذا الفعل ليس محل تأسٍ، إذ كيف يكون كذلك وهم لا يعلمون به؟ ومما يؤكد ذلك أنه لم يتكرر لا منه ص ولا من أحد من أفراد حزبه.
رد مع اقتباس
 
 
  #5  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي


المسألة العاشرة

الدعوة السرية والجهرية


من أراد أن ينشئ حزبا مجزئا لاقامة الخلافة على منهاج النبوة وإيجاد الجماعة على إمام راشد فعليه أن يتأسى بما فعله محمد ص في إيجاد حزبه، ومما ثبت عنه ص أنه دعا إلى الله سرًّا فترة من الزمن ثم جهر. والأدلة على هذا التقسيم ما يلي:
• عبد الرزاق في المصنف قال معمر: قال الزهري: ... ثم دعا رسول الله ص إلى الاسلام سرا وجهرا.
• ابن هشام في السيرة: فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَذْكُرُ مَا أَنْعَمَ اللّهُ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعِبَادِ بِهِ مِنْ النّبُوّةِ سِرًّا إلَى مَنْ يَطْمَئِنّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ.
• أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن اسحق: كان ص من حين أُنزل عليه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق:1) إلى أن كلف الدعوة وإظهارها فيما أنزل عليه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الحجر:94)، {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء:214)، {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} (الحجر:89) ثلاث سنين لا يظهر الدعوة إلا للمختصين به.
• ابن هشام عن ابن اسحق: ثُمّ دَخَلَ النّاسُ فِي الْإِسْلَامِ أَرْسَالًا مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ حَتّى فَشَا ذِكْرُ الْإِسْلَامِ بِمَكّةَ وَتُحَدّثَ بِهِ. ثُمّ إنّ اللّهَ ﻷ أَمَرَ رَسُولَهُ ص أَنْ يَصْدَعَ بِمَا جَاءَهُ مِنْهُ وَأَنْ يُبَادِيَ النّاسَ بِأَمْرِهِ وَأَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ، وَكَانَ بَيْنَ مَا أَخْفَى رَسُولُ اللّهِ ص أَمْرَهُ وَاسْتَتَرَ بِهِ إلَى أَنْ أَمَرَهُ اللّهُ تَعَالَى بِإِظْهَارِ دِينِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ -فِيمَا بَلَغَنِي- مِنْ مَبْعَثِهِ ثُمّ قَالَ اللّهُ تَعَالَى لَهُ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الحجر:94)، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ | وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء:214-215)، {وَقُلْ إِنّي أَنَا النّذِيرُ الْمُبِينُ} (الحجر:89).
• ابن الجوزي في الوفا بأحوال المصطفى: كان ص في أول نبوته يدعو الناس إلى الإسلام سرًّا، وكان أبو بكر يدعو أيضا من يثق به من قومه، فلما مضت من النبوة ثلاث سنين نزل عليه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الحجر:94)، فأظهر الدعوة.
• الطبري في التفسير: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال: مازال النبيّ ص مستخفيا حتى نزلت: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الحجر:94)، فخرج هو وأصحابه.
• الماوردي في الحاوي: "وَاسْتَسَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْإِنْذَارِ مَنْ يَأْمَنُهُ... وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ س يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ: لِأَنَّهُ كَانَ تَاجِرًا ذَا خُلُقٍ، وَمَعْرُوفًا، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ، وَأَعْلَمَهُمْ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، حَسَنَ التَّآلُفِ لَهُمْ، وَكَانُوا يُكْثِرُونَ غِشْيَانَهُ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: فَجَاءَ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص حَتَّى اسْتَجَابُوا لَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَصَلَّوْا، فَصَارُوا مَعَ مَنْ تَقَدَّمَ ثَمَانِيَةً أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَصَلَّى، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى الِاسْتِسْرَارِ بِدُعَائِهِ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ مَبْعَثِهِ، وَقَدِ انْتَشَرَتْ دَعْوَتُهُ فِي قُرَيْشٍ، إِلَى أَنْ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ جَهْرًا، وَنَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الحجر:94)، فَلَزِمَهُ الْجَهْرُ بِالدُّعَاءِ، وَأُمِرَ أَنْ يَبْدَأَ بِإِنْذَارِ عَشِيرَتِهِ الأقربين، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ | وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء:214-215). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ ص الصَّفَا، فَهَتَفَ: يَا صَاحِبَاهُ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، حَتَّى ذَكَرَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، وَقَالُوا: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ ثُمَّ قَامَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (المسد:1)، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ".
أقولُ: السرية في إنشاء الحزب مطلوبة شرعًا أولا. وثانيا فإن العقول لا تأباها، وذلك أن الحزب أول نشوئه يكون قليل العدد، مما يُسهِّل القضاء عليه في مهده، خصوصا ونحن في إمرة السفهاء الذين لا يرعوون عن السجن والقتل والمحاربة في الأرزاق، ولا قوة إلا بالله الذي أمرنا أن نأخذ بالأسباب.


المسألة الحادية عشرة

من أعمال الحزب الصراع الفكري


الصراع الفكري لا يكون إلا مع أفكار الكفر. وليس من الصراع الفكري الاختلاف بين المذاهب الإسلامية حيث يسوغ الاختلاف. فالمسلم المخالف في الاجتهاد مأجور ولا يُقصد بالحوار معه أن تصرعه كما تفعل مع الكافر، لأن الصراع مع أفكار الكفر لمحوها من الوجود، أما مع المسلم فلا يُسمى صراعا وإنما هو مناظرة أو جدل أو حوار، وهو أشبه بالتناصح لبيان الصواب من الخطأ.
والصراع مع أفكار الكفر فعله ص وفعله أصحابه قبل قيام الدولة أي في دار الكفر، ومن أمثلة ذلك ما رواه:
• الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر، ثنا جعفر بن عون، ثنا الأجلح بن عبد الله، عن الذيال بن حرملة، عن جابر بن عبد الله م، قال: اجتمعت قريش يوما، فأتاه عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فقال: يا محمد، أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله ص. فقال له رسول الله ص: "أفرغت؟" قال: نعم، فقال رسول الله ص: "بسم الله الرحمن الرحيم {حم | تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (فصلت:1-2)" حتى بلغ "{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (فصلت:13)". فقال له عتبة: حسبك حسبك، ما عندك غير هذا؟ قال: "لا". فرجع عتبة إلى قريش، فقالوا: ما وراءك؟ فقال: ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه إلا قد كلمته، قالوا: فهل أجابك؟ قال: نعم، لا والذي نصبها بنية ما فهمت شيئا مما قال غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قالوا: ويلك يكلمك رجل بالعربية، ولا تدري ما قال؟ قال: لا والله ما فهمت شيئا مما قال، غير ذكر الصاعقة.
• مسلم: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ اللَّهِ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ لِي: لَنْ أَقْضِيَكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي لَنْ أَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ؟ فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَالٍ وَوَلَدٍ. قَالَ وَكِيعٌ كَذَا قَالَ الْأَعْمَشُ قَالَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} (مريم:77) إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} (مريم:80).
• عبد الرزاق في المصنف: عن ابن التيمي عن أبيه قال: أنبأني قتادة أن رسول الله ص قال لرجل نصراني: أسلم أبا الحارث. فقال النصراني: قد أسلمت، فقال له: أسلم أبا الحارث. فقال: قد أسلمت، فقال له الثالثة: أسلم أبا الحارث. فقال: قد أسلمت قبلك. فغضب وقال: كذبت، حال بينك وبين الاسلام خلال ثلاث: شريك الخمر -ولم يقل: شربك- وأكلك الخنزير، ودعاؤك لله ولدا.
• البغوي في التفسير: قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِين} (يس:77)... نزلت في أبي بن خلف الجمحي خاصم النبي ص في إنكار البعث، وأتاه بعظم قد بلي ففتته بيده، وقال: أترى يحيى الله هذا بعد ما رَمَّ؟ فقال النبي ص: "نعم ويبعثك ويدخلك النار" فأنزل الله هذه الآيات.
• الطبراني في الكبير: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بن آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بن عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (الأنبياء:98), قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن الزِّبَعْرَى: أَنَا أَخْصِمُ لَكُمْ مُحَمَّدًا, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ, أَلَيْسَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (الأنبياء:98)؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَذِهِ النَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى, وَهَذِهِ الْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا, وَهَذِهِ بنو تَمِيمٍ تَعْبُدُ الْمَلائِكَةَ, فَهَؤُلاءِ فِي النَّارِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﻷ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (الأنبياء:101).
• أحمد بإسناد صحيح: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ ص قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا وَعَبَدْنَا اللَّهَ لَا نُؤْذَى وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَيْهِ الْأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلَّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَأَمَرُوهُمَا أَمْرَهُمْ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ ثُمَّ سَلُوهُ أَنْ يُسْلِمَهُمْ إِلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ وَعِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إِلَّا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ قَالَا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِيَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ فَتُشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسْلِمَهُمْ إِلَيْنَا وَلَا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ. ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَاهُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلَامَهُمْ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَأَسْلِمْهُمْ إِلَيْهِمَا فَلْيَرُدَّاهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ. قَالَ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ثُمَّ قَالَ: لَا هَايْمُ اللَّهِ إِذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا وَلَا أُكَادُ قَوْمًا جَاوَرُونِي وَنَزَلُوا بِلَادِي وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ مَاذَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أَسْلَمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا وَرَدَدْتُهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي. قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ مَا عَلَّمَنَا وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا ص كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. فَلَمَّا جَاءُوهُ، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ. قَالَ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنْ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ "كهيعص". قَالَتْ: فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا فَوَاللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا وَلَا أُكَادُ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَاللَّهِ لَأُنَبِّئَنَّهُمْ غَدًا عَيْبَهُمْ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا. قَالَ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ. قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ. قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ. قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ. فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي -وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ-، مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ -وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ-، رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهَا، فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ -يَعْنِي مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ_. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ. قَالَتْ: وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ النِّيلِ. قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا. قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا. قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ. قَالَتْ: وَدَعَوْنَا اللَّهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلَادِهِ، وَاسْتَوْثَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَهُوَ بِمَكَّةَ.


المسألة الثانية عشرة

من عمل الحزب التثقيف


قد تولى رسول الله ص التثقيف بنفسه، وأمر بعض الصحابة بذلك، فقد أقرأ بعضهم القرآن. ثم أنهم جميعا صحبوه وعلموا سنته القولية والفعلية، وأمر ص بعضهم بإقراء غيرهم القرآن وتفقيههم. هذا كله كان مع قوم يعرفون العربية سليقة، ولم يكن أحد منهم يحتاج إلى أن يفهم نصا من القرآن أو من السنة عن طريق تعلم العربية، ولذلك جاز لهم أن يرووا السنة بالمعنى إجماعا، قال ابن العربي في عارضة الأحوذي: الثاني إجماع الأمة على قبول خبر الصاحب وهو يقول أمر رسول الله بكذا ونهى عن كذا وهذا نقل المعنى.
وكلام هؤلاء القوم وشعرهم حجة في اللغة، والأدلة على كل هذا كثيرة، منها ما رواه:
• البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ص قَالَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرْآنَ". قَالَ: أَاللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.
• أحمد باسناد صحيح: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ.
• أحمد باسناد صحيح عن جابر بن عبد الله: "... حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ يَثْرِبَ فَآوَيْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ".
• ابن عبد البر في الاستيعاب: وكان رسول الله ص قد بعث مصعب بن عمير إلى المدينة قبل الهجرة بعد العقبة الثانية يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين، وكان يدعى القارئ والمقرئ.
• البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ س قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ ص النَّجْمَ بِمَكَّةَ، فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا. فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا.
• البخاري: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَابْتَنَى أَبُو بَكْرٍ مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَالنَّبِيُّ ص يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ.
• البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ س قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ ص بِمِنًى، فَقَالَ: اشْهَدُوا. وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ نَحْوَ الْجَبَلِ. وَقَالَ أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ انْشَقَّ بِمَكَّةَ....
• البخاري عن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ص بِمَكَّةَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} (القمر:46).
• الطبري باسناد صحيح: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي، قال سمعت أبي يقول: حدثنا الحسين بن واقد، قال: حدثنا الأعمش، عن شَقيق، عن ابن مسعود، قال: كانَ الرجل مِنَّا إذا تعلَّم عَشْر آياتٍ لم يجاوزهُنّ حتى يعرف معانيهُنَّ، والعملَ بهنَّ.
• الطبري باسناد صحيح: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جَرير، عن عطاء، عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يُقرِئوننا: أنهم كانوا يستقرِئون من النبي ص، فكانوا إذا تعلَّموا عَشْر آيات لم يخلِّفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلَّمنا القرآن والعمل جميعًا.
• البخاري عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ م قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ... الحديث.
وفي رواية عنده أيضا عن البراء قال: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ص مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلَا يُقْرِئَانِنَا الْقُرْآنَ... الحديث
أقولُ: هذه مجموعة من الأدلة تُبيِّن أنه ص كان يُقرئ أصحابه ويفقههم، وكانوا يُقرئون ويفقهون غيرهم، وأن مادة القراءة والتعليم كانت القرآن والسنة، أما اللغة فكانوا أهلها، بل إنهم كانوا يأمرون باصلاح اللسان ويؤدبون على اللحن، من ذلك ما رواه:
• القاسم بن سلاَّم في فضائل القرآن: حدثنا أبو معاوية، عن عاصم بن سليمان، عن مورق العجلي، قال: قال عمر بن الخطاب: تعلموا اللحن والفرائض والسنن كما تعلمون القرآن.
• الدارمي في السنن: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَاللَّحْنَ وَالسُّنَنَ كَمَا تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ.
• سعيد بن منصور في السنن: حدثنا أبو عوانة، وأبو الأحوص، وجرير بن عبد الحميد، عن عاصم الأحول، عن مورق العجلي، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا الفرائض واللحن والسنة، كما تعلمون القرآن.
• ابن أبي شيبة في المصنف: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَن ثَوْرٍ عَنْ عُمَر بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَمَّا بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ, وَتَفَقَّهُوا فِي الْعَرَبِيَّةِ, وَأَعْرِبُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ, وَتَمَعْدَدُوا فَإِنَّكُمْ مَعَدّيّونَ.
• ابن أبي شيبة في المصنف: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَن يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ عَن يَحْيَى بْنِ يَعْمَُرَ عَن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ كَمَا تَعَلَّمُونَ حِفْظَ الْقُرْآنِ.
• ابن أبي شيبة في المصنف: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَن لَيْثٍ عَن مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ.
• ابن أبي شيبة في المصنف: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَن سُفْيَانَ عَن عُقْبَةَ الأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ.
• الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي والسامع: أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل نا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار نا محمد بن عيسى العطار نا كثير بن هشام نا عيسى بن إبراهيم عن الحكم بن عبد الله عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: مر عمر بن الخطاب على قوم يرمون رشقا، فقال: بئس ما رميتم. فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قوم متعلمين. فقال: والله لذنبكم في لحنكم أشد علي من لحنكم في رميكم. سمعت رسول الله ص يقول: رحم الله رجلا أصلح من لسانه.
أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي أنا علي بن محمد بن الزبير المكي الكوفي نا الحسن بن علي بن عفان العامري نا زيد بن الحباب حدثني عبد الوارث بن سعيد العنبري قال: حدثني أبو مسلم منذ خمسين سنة أن عمر بن الخطاب قال: تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة.
أنا محمد بن أحمد بن روق أنا المظفر بن يحيى الشرابي نا أحمد بن محمد المرثدي عن أبي إسحاق الطلحي: أن علي بن أبي طالب كان يضرب الحسن والحسين على اللحن.
أنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي أنا علي بن محمد بن الزبير الكوفي نا الحسن بن علي بن عفان نا زيد بن الحباب حدثني أبو الربيع السمان نا عمرو بن دينار: أن ابن عمر وابن عباس كانا يضربان أولادهما على اللحن.
قلتُ: بناء على ما سبق من الأدلة يجب على الحزب أن يدرس أفراده الكتاب والسنة والعربية، دون أن يُسوِّي بينهم في التكاليف، بل يفسح المجال أمام كل واحد منهم أن يحفظ من الكتاب والسنة ومن التفسير والشروح والنحو والبلاغة قدر استطاعته، وكذلك من أصول الدين وأصول الفقه. وذلك أن الصحابة لم يكونوا في تلقي العلم سواء، بل كانوا متفاوتين، ولم ينكر عليهم ص ذلك.
رد مع اقتباس
 
 
  #6  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي


المسألة الثالثة عشرة

طلب النصرة من عمل الحزب


من رجح عنده أن الطريق لإقامة الخلافة وإيجاد الجماعة على إمام وإيجاد دار الإسلام هي الطريق التي سلكها النبي ص في إيجاد دار الإسلام فعليه أن يطلب النصرة من الجهات التي لديها القوة والمنعة ولا يعتمد على قوى حزبه الذاتية لأنه ص بحث عن المنعة وطلب ممن وجدها عندهم أن يمنعوه وأصحابه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم وأزواجهم وأبناءهم. والأدلة على ذلك ما رواه:
• أحمد باسناد صحيح: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ: مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي؟ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ. حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ أَوْ مِنْ مُضَرَ -كَذَا قَالَ- فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ فَيَقُولُونَ: احْذَرْ غُلَامَ قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنُكَ. وَيَمْشِي بَيْنَ رِجَالِهِمْ وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ يَثْرِبَ فَآوَيْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ ائْتَمَرُوا جَمِيعًا، فَقُلْنَا: حَتَّى مَتَى نَتْرُكُ رَسُولَ اللَّهِ ص يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ؟ فَرَحَلَ إِلَيْهِ مِنَّا سَبْعُونَ رَجُلًا حَتَّى قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ حَتَّى تَوَافَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ. قَالَ: تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَالنَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَأَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا تَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمْ الْجَنَّةُ. قَالَ: فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ مِنْ أَصْغَرِهِمْ فَقَالَ: رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ فَإِنَّا لَمْ نَضْرِبْ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ص، وَإِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنَّ تَعَضَّكُمْ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ جَبِينَةً فَبَيِّنُوا ذَلِكَ، فَهُوَ عُذْرٌ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ. قَالُوا: أَمِطْ عَنَّا يَا أَسْعَدُ فَوَاللَّهِ لَا نَدَعُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ أَبَدًا وَلَا نَسْلُبُهَا أَبَدًا. قَالَ: فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ، فَأَخَذَ عَلَيْنَا وَشَرَطَ وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ.
• الطبراني باسناد قواه الحافظ في الفتح: حدثنا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بن سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بن عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص فِي أَصْلِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ الأَضْحَى، وَنَحْنُ سَبْعُونَ رَجُلا، قَالَ عُقْبَةُ: إِنِّي لأَصْغَرُهُمْ سِنًّا فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ص، فَقَالَ: "أَوْجِزُوا فِي الْخُطْبَةِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ كُفَّارَ قُرَيْشٍ"، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَلْنَا لِرَبِّكَ، وَسَلْنَا لِنَفْسِكَ، وَسَلْنَا لأَصْحَابِكَ، وَأَخْبِرْنَا مَا لَنَا مِنَ الثَّوَابِ عَلَى اللَّهِ ﻷ وَعَلَيْكَ، فَقَالَ: "أَمَّا الَّذِي أَسْأَلُ لِرَبِّي أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي أَسْأَلُ لِنَفْسِي فَإِنِّي أَسْأَلُكُمْ أَنْ تُطِيعُونِي أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، وَأَسْأَلُكُمْ لِي وَلأَصْحَابِي أَنْ تُوَاسُونَا فِي ذَاتِ أَيْدِيكُمْ، وَأَنْ تَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَلَكُمْ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةُ وَعَلَيَّ"، قَالَ: فَمَدَدْنَا أَيْدِيَنَا فَبَايَعْنَاهُ.
• البيهقي في دلائل النبوة بإسناد قال عنه ابن كثير جيد قوي: أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الفقيه قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن الفضل الفحام قال: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي قال: حدثنا عمرو بن عثمان الرقي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه عبيد بن رفاعة قال: قدمت روايا خمر فأتاها عبادة بن الصامت فحرقها وقال: إنا بايعنا رسول الله ص على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا فيه لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله ص إذا قدم علينا يثرب بما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة، فهذه بيعة رسول الله ص بايعناه عليها.
• البيهقي باسناد حسنه الحافظ: حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الفقيه الشاشي قال: حدثنا الحسن بن صاحب بن حميد الشاشي قال: حدثني عبد الجبار بن كثير الرقي قال: حدثنا محمد بن بشر اليماني، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: حدثني علي بن أبي طالب، من فيه قال: لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله ص أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، وأبو بكر س، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر س وكان مقدما في كل خير، وكان رجلا نسابة فسلم، وقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة. قال: وأي ربيعة أنتم؟ أمن هامها أم من لهازمها؟ فقالوا: من الهامة العظمى، فقال أبو بكر س: وأي هامتها العظمى أنتم؟ قالوا: من ذهل الأكبر. قال: منكم عوف الذي يقال له: لا حر بوادي عوف؟ قالوا: لا. قال: فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار، ومانع الجار؟ قالوا: لا. قال: فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء، ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا. قال: فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا. قال: فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة؟ قالوا: لا. قال: فمنكم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا. قال: فمنكم أصحاب الملوك من لخم؟ قالوا: لا. قال أبو بكر: فلستم من ذهل الأكبر، أنتم من ذهل الأصغر. قال: فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له دغفل حين تبين وجهه، فقال: إن على سائلنا أن نسله والعبو لا نعرفه أو نجهله. يا هذا، قد سألتنا فأخبرناك، ولم نكتمك شيئا، فممن الرجل؟ قال أبو بكر: أنا من قريش، فقال الفتى: بخ بخ، أهل الشرف والرياسة، فمن أي القرشيين أنت؟ قال: من ولد تيم بن مرة، فقال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة. أمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر، فكان يدعى في قريش مجمعا؟ قال: لا، قال: فمنكم -أظنه قال- هشام الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف؟ قال: لا، قال: فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء؟ قال: لا، قال: فمن أهل الإفاضة بالناس أنت؟ قال: لا. قال: فمن أهل الحجابة أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل السقاية أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل النداوة أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل الرفادة أنت؟ قال: فاجتذب أبو بكر س زمام الناقة راجعا إلى رسول الله ص فقال الغلام: صادف در السيل درا يدفعه، يهضبه حينا، وحينا يصدعه، أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش قال: فتبسم رسول الله ص. قال علي: فقلت: يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة قال: أجل أبا حسن ما من طامة إلا وفوقها طامة، والبلاء موكل بالمنطق قال: ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر فسلم، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر س إلى رسول الله ص فقال: بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر الناس، وفيهم مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان مفروق قد غلبهم جمالا ولسانا، وكانت له غديرتان تسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلسا، فقال أبو بكر س: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لنزيد على ألف، ولن تغلب ألف من قلة. فقال أبو بكر: وكيف المنعة فيكم؟ فقال المفروق: علينا الجهد ولكل قوم جهد. فقال أبو بكر س: كيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله، يديلنا مرة ويديل علينا أخرى، لعلك أخا قريش. فقال أبو بكر س: قد بلغكم أنه رسول الله ألا هو ذا، فقال مفروق: بلغنا أنه يذكر ذاك، فإلى ما تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله ص فجلس وقام أبو بكر س يظله بثوبه، فقال رسول الله ص: "أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله، وكذبت رسله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد"، فقال مفروق بن عمرو: وإلام تدعونا يا أخا قريش، فوالله ما سمعت كلاما أحسن من هذا، فتلا رسول الله ص: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إلى {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام:151-153)، فقال مفروق: وإلام تدعونا يا أخا قريش زاد فيه غيره فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض، ثم رجعنا إلى روايتنا قال: فتلا رسول الله ص: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل:90)، فقال مفروق بن عمرو: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة، فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا، فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش إني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر أنه زلل في الرأي، وقلة نظر في العاقبة، وإنما تكون الزلة مع العجلة، ومن ورائنا قوم نكره أن يعقد عليهم عقد، ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر. وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنى بن حارثة: سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين صريين اليمامة، والسمامة، فقال رسول الله ص: "ما هذان الصريان؟" فقال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا، وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله ص: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال النعمان بن شريك: اللهم فلك ذلك قال: فتلا رسول الله ص: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا | وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (الأحزاب:45-46)، ثم نهض رسول الله ص قابضا على يدي أبي بكر وهو يقول: يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها، بها يدفع الله ﻷ بأس بعضهم عن بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم. قال: فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله ص قال: فلقد رأيت رسول الله ص وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم.
• أحمد باسناد صحيح: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عُثْمَانَ يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ص يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي ﻷ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مِنْ هَمْدَانَ. قَالَ: فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَحْقِرَهُ قَوْمُهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالَ: آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ ثُمَّ آتِيكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ. قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ.


المسألة الرابعة عشرة

المنعة المطلوبة في الدولة منعة دولية


المطلوب في المنعة أو فيمن تطلب منهم النصرة أن يستطيعوا منع الدولة من أي عدوان دولي، لا من مجرد الاعتداءات المحلية أو الإقليمية. ودليل ذلك ما رواه:
• أحمد باسناد صحيح: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ ابْنُ أَخِيكَ يَشْتِمُ آلِهَتَنَا، يَقُولُ وَيَقُولُ وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ فَانْهَهُ. قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، وَكَانَ قُرْبَ أَبِي طَالِبٍ مَوْضِعُ رَجُلٍ، فَخَشِيَ إِنْ دَخَلَ النَّبِيُّ ص عَلَى عَمِّهِ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ ص لَمْ يَجِدْ مَجْلِسًا إِلَّا عِنْدَ الْبَابِ فَجَلَسَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ قَوْمَكَ يَشْكُونَكَ، يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ. فَقَالَ: يَا عَمِّ إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ. قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا. قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: فَقَامُوا وَهُمْ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} (ص:5-8).
قلتُ: في رواية الماوردي في الحاوي أنه ص قال: "تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم". ودينونة العرب وملك العجم أو أداؤهم الجزية لا يكون إلا بدولة قوية تستطيع أن تمنع نفسها من كل دول العالم، بل تغزوهم فيؤدون الجزية إن لم يسلموا.
• البيهقي باسناد حسنه الحافظ: حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الفقيه الشاشي قال: حدثنا الحسن بن صاحب بن حميد الشاشي قال: حدثني عبد الجبار بن كثير الرقي قال: حدثنا محمد بن بشر اليماني، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: حدثني علي بن أبي طالب، من فيه قال: لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله ص أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، وأبو بكر س... ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر فسلم، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من شيبان بن ثعلبة... فقال المثنى بن حارثة: سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين صريين اليمامة، والسمامة، فقال رسول الله ص: "ما هذان الصريان؟" فقال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا، وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله ص: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه...
قلتُ: إن رسول الله ص لم يقبل أخذ النصرة وقبول المنعة من جهة العرب دون الفرس، فردَّ على عرض المثنى أن يؤويه وينصره من قبل العرب فقط دون الفرس بأن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، وفي هذا دلالة واضحة على أن المنعة المطلوبة في الدولة هي منعة دولية.
وعليه فإنه لا يجوز للحزب الذي يعمل لتحقيق وعد الله أن يكتفي بإيجاد دولة لا سيادة لها، أو دولة قابلة للحياة، أو جمهورية محدودة بحدود معينة وطنية أو قومية. بل يجب عليه أن يعمل على إقامة دولة تسود الكرة الأرضية وتنقذ البشرية مما هي فيه، وتخرجها من الظلمات إلى النور.


المسألة الخامسة عشرة

التبني


المُراد بفكرة التبني أن يكون الرأي الذي يراه الأمير هو رأي كل فرد من أفراد الحزب مجتهدا كان أو مقلدا، إذا رأى الأمير أن هذا الرأي لازم لسير الحزب، وكل فرد ملزم باتخاذ هذا الرأي رأيا له. وهذه الفكرة على عمومها فيها تضييق على المنتمين للحزب وأخص المجتهدين منهم، وهي ما كانت في يوم من الأيام إلا لرسول الله ص وحزبه. أما الأحزاب التي نشأت فيما بعد فإنها ربما نشأت على فكرة أساسية واحدة كفكرة الإمامة أو فكرة مرتكب الكبيرة. وربما أضاف الحزب إلى هذه الفكرة الأساسية عددا من الأفكار تميز بها كالعدل والتوحيد والمنزلة بين المنزلتين، وهكذا. ثم إن المتتبع لهذه الأحزاب يجد أنها تضم في صفوفها كثيرا من الأفراد المختلفي المذاهب. فتجد في حزب المعتزلة مثلا السيرافي الحنفي وعبد الجبار الشافعي وأبو الفرج الشيرازي الظاهري، وهكذا.
وفيما يلي بيان موجز لبعض الأحزاب والأفكار الأساسية التي قامت عليها:
أولاً: الرافضة:
قال الأشعري في مقالات الإسلاميين: وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر. وهم مجمعون على أن النبي ص نص على استخلاف علي ابن أبي طالب باسمه وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي ص. وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف، وأنها قرابة، وأنه جائز للإمام في حال التقيّة أن يقول أنه ليس بإمام، وأبطلوا جميعا الاجتهاد في الأحكام، وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس، وزعموا أن عليا كان مصيبا في جميع أحواله، وأنه لم يخطئ في شيء من أمور الدين إلا الكاملية.
ثانيًا: الخوارج:
قال الأشعري في مقالات الإسلاميين: جماع رأي الخوارج: أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب أَنْ حَكَّم. وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا. وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات فإنها لا تقول ذلك. وأجمعوا على أن الله يعذب أصحاب الكبائر عذابًا دائمًا إلا النجدات.


ثالثًا: المعتزلة:
أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين:... فهذه أصول المعتزلة الخمسة التي يبنون عليها أمرهم قد أخبرنا عن اختلافهم فيها وهي: التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإثبات الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أقول: من الطبيعي أن يكون لكل حزب مجموعة من الأفكار الأساسية يتحزب حولها أفراده، ويتميز بها الحزب عن غيره. ولا حاجة لتكثير المتبنيات بحيث تشمل العقائد والعبادات والمعاملات والعقوبات، لأنه حينئذ يكون خلطًا بين المذهب والحزب. فلا علاقة لزكاة الحلي أو تأجير الأرض البيضاء للزراعة أو قبلة الأجنبية أو رجم الزاني المحصن أو بر الوالدين أو الكذب على الزوجة أو حكم جلد الخنزير المدبوغ أو بيع المصراه وغير ذلك لا ينبغي أن يكون من الأفكار أو الأحكام التي يلزم بها الأمير أفراد حزبه. ولو نظرنا إلى الحزب الذي أنشأه ص في مكة لوجدنا أنه كان بعيدا عن الخلافات الفقهية تماما، بحكم وجوده ص على رأسه أولا، وبحكم عدم نزول أكثر الأحكام الشرعية آنذاك. والذي يميز الحزب في العادة هو الغاية التي يسعى لتحقيقها والطريقة التي يرسمها لتحقيق غايته. وهاتان الفكرتان، أعني الغاية وطريقة تحقيقها لا تحتاجان إلى كثير من المتبنيات. وسيظهر هذا جليا إن شاء الله في المسألة التالية عند بحث الحزب المجزئ في أيامنا هذه، الأيام التي محيت فيها دار الاسلام من الوجود بهدم الخلافة وغياب الجماعة على إمام.


المسألة السادسة عشرة

الحزب المجزيء


الحزب المجزيء عندي هو الحزب الذي يتوفر فيه شرطان:
الأول: أن تكون غايته إيجاد الجماعة على إمام بإقامة خلافة على منهاج النبوة.
الثاني: أن تكون طريقته في تحقيق الغاية هي طريقة محمد ص في إقامة الدولة وإيجاد دار الإسلام الأولى.
والخلافة على منهاج النبوة لا تكون إلا بالبيعة لرجل مسلم بالغ عاقل حر مجتهد قرشي قادر على القيام بأعباء الخلافة.
ويهمني هنا بيان الأدلة على شرطي الاجتهاد والنسب القرشي، أما غيرهما فأدلتها معروفة. فدليل الاجتهاد الاجماع:
• روى الدارمي باسناد حسن عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: تَطَاوَلَ النَّاسُ فِى الْبِنَاءِ فِى زَمَنِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ الأَرْضَ الأَرْضَ، إِنَّهُ لاَ إِسْلاَمَ إِلاَّ بِجَمَاعَةٍ، وَلاَ جَمَاعَةَ إِلاَّ بِإِمَارَةٍ، وَلاَ إِمَارَةَ إِلاَّ بِطَاعَةٍ، فَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفَقْهِ كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ كَانَ هَلاَكاً لَهُ وَلَهُمْ.
فعمر اعتبر سيادة الفقيه حياة، وسيادة غير الفقيه هلاكا، ولم يُنكر عليه منكر فكان إجماعًا.
والفقه في زمن عمر عندما قال هذا الكلام كان يُراد به الاجتهاد، والفقيه يُراد به المجتهد. وظل هذا هو المعنى المقصود حتى نُقل في العصور المتأخرة إلى حامل الفقه أو حافظ الفقه، وهذا مخالف للسنة والإجماع.
أما السنة فما رواه:
• أحمد بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ.
• الترمذي وقال حسن صحيح عن عبد الله بن مسعود قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ص يَقُولُ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ.
• أحمد بإسناد صحيح عن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى فَقَالَ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِمْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرَائِهِ.
• البخاري عن أبي بكرة أنه ص قال: "... فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ...".
• أحمد باسناد حسن عن أنس عن رسول الله ص قال: نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَحَمَلَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ﻷ، وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ.
• الحاكم في المستدرك وقال الذهبي على شرط مسلم عن النعمان بن بشير قال: خطبنا رسول الله ص فقال: نضر الله وجه امرئ سمع مقالتي فحملها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله تعالى، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين.
وأما الإجماع فحكاه:
• ابن حجر الهيثمي في تطهير الجنان واللسان قال: فقد أجمعت الأمة أهل الأصول والفروع على أن الفقيه في عُرف الصحابة والسلف الصالح وقرون آخرين بعدهم هو المجتهد المطلق.
وبهذه الأدلة من السنة والإجماع يثبت أن الفقيه هو المجتهد عند الصحابة فلزم أن يكون الخليفة مجتهدا. وقد روى الاجماع على شرط الاجتهاد فيمن يُبايع للخلافة:
• الجويني في الغياثي: فأما العلم، فالشرط أن يكون الإمام مجتهداً بالغاً مبلغ المجتهدين، مستجمعاً صفات المفتين، ولم يُؤْثَر في اشتراط ذلك خلاف.
• الجويني في الإرشاد: من شرائط الإمام أن يكون من أهل الاجتهاد بحيث لا يحتاج إلى استفتاء غيره في الحوادث وهذا متفق عليه.
• الباقلاني في التمهيد: وأما ما يدل على أنه يجب أن يكون من العلم بمنزلة ما وصفناه فأمور منها إجماع الأمة على ذلك ممن قال بالنص والاختيار.
فيتبين مما سبق ثبوت اشتراط كون الخليفة مجتهدا بالاجماع من الصحابة، وذلك عندما أجمعوا على أن سيادة الفقيه حياة وسيادة غير الفقيه هلاك، وثبت اجماعهم أيضا على أن الفقيه هو المجتهد.
فإن قيل إن كون الخليفة مجتهدا هو مندوب وليس بواجب قلتُ إن وصف عمر لسيادة غير الفقيه بأنها هلاك قرينة على الجزم، فيكون هذا الشرط واجبا.
وأما الأدلة على شرط النسب القرشي فالسنة وإجماع الصحابة.
أما السنة فما رواه:
1. البخاري: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ. فَغَضِبَ فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا تُوثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالْأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ".
2. البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ".
3. البخاري: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س: أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ. وَالنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ".
4. مسلم: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ".
5. مسلم: وحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ص: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ".
6. أحمد بإسناد صححه الزين: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ".
7. أحمد بإسناد صححه الزين والألباني: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُبَشِّرٍ مَوْلَى أُمِّ حَبِيبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَتَّابٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لَأَخْبَرْتُهَا مَا لِخِيَارِهَا عِنْدَ اللَّهِ ﻷ".
8. أحمد بإسناد صححه الزين وقال الحافظ سنده جيد: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ الرَّحَبِيَّ قَالَ حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ الْمَقْرَائِيُّ عَنْ أَبِي حَيٍّ عَنْ ذِي مِخْمَرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي حِمْيَرَ فَنَزَعَهُ اللَّهُ ﻷ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُ فِي قُرَيْشٍ وَ سَ يَ عُ و دُ إِ لَ يْ هِ مْ" وَكَذَا كَانَ فِي كِتَابِ أَبِي مُقَطَّعًا وَحَيْثُ حَدَّثَنَا بِهِ تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِوَاءِ.
9. أحمد باسناد صححه الألباني وقال الهيثمي رواه أحمد وفي الصحيح طرف منه ورجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر. وقال ابن المنذر: هذا الحديث حسن وإن كان فيه انقطاع فإن حميد بن عبد الرحمن بن عوف لم يدرك أيام الصديق، وقد يكون أخذه عن أبيه أو غيره من الصحابة وهذا كان مشهورا بينهم.
قال أحمد: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَأَبُو بَكْرٍ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ: فَجَاءَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا، مَاتَ مُحَمَّدٌ ص وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَتَقَاوَدَانِ حَتَّى أَتَوْهُمْ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أُنْزِلَ فِي الْأَنْصَارِ وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ شَأْنِهِمْ إِلَّا وَذَكَرَهُ، وَقَالَ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ". وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: "قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ". قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: "صَدَقْتَ، نَحْنُ الْوُزَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْأُمَرَاءُ".
10. الترمذي: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَال سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ يَقُولُ: كَانَ نَاسٌ مِنْ رَبِيعَةَ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ: لَتَنْتَهِيَنَّ قُرَيْشٌ أَوْ لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ فِي جُمْهُورٍ مِنْ الْعَرَبِ غَيْرِهِمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: كَذَبْتَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "قُرَيْشٌ وُلَاةُ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
قُلتُ: هذا الحديث صححه الألباني.
11. الحاكم في المستدرك: أخبرنا أحمد بن سلمان الفقيه ببغداد ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي ثنا الصعق بن حزن ثنا علي بن الحكم البناني عن أنس بن مالك س قال: قال رسول الله ص: "الأمراء من قريش ما عملوا فيكم بثلاث: ما رحموا إذا استرحموا، وأقسطوا إذا قسموا، وعدلوا إذا حكموا". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.
قُلتُ: وافقه الذهبي. وقال الألباني: وإنما هو على شرط مسلم وحده، فإن الصعق هذا إنما أخرج له البخاري خارج الصحيح. والحديث عزاه الحافظ العراقي في تخريج الاحياء للذهبي والحاكم باسناد صحيح.
12. أحمد باسناد صححه العراقي وحسنه الحافظ وقال أبو نعيم هذا حديث مشهور ثابت وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَهْلِ أَبِي الْأَسَدِ عَنْ بُكَيْرٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَجَاءَ النَّبِيُّ ص حَتَّى وَقَفَ فَأَخَذَ بِعِضَادَةِ الْبَابِ فَقَالَ: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ وَلَكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، مَا إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا وَإِذَا عَاهَدُوا وَفَّوْا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
13. أحمد باسناد صححه الزين: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا سُكَيْنٌ حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ص قَالَ: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا، وَإِذَا عَاهَدُوا وَفَوْا، وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
14. أحمد باسناد صححه الزين: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا سُكَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ أَبِي الْمِنْهَالِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَإِنَّ فِي أُذُنَيَّ يَوْمَئِذٍ لَقُرْطَيْنِ قَالَ: وَإِنِّي لَغُلَامٌ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ إِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ أَنِّي أَصْبَحْتُ لَائِمًا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، فُلَانٌ هَاهُنَا يُقَاتِلُ عَلَى الدُّنْيَا وَفُلَانٌ هَاهُنَا يُقَاتِلُ عَلَى الدُّنْيَا -يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ- قَالَ: حَتَّى ذَكَرَ ابْنَ الْأَزْرَقِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ لَهَذِهِ الْعِصَابَةُ الْمُلَبَّدَةُ الْخَمِيصَةُ بُطُونُهُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَفِيفَةُ ظُهُورُهُمْ مِنْ دِمَائِهِمْ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، لِي عَلَيْهِمْ حَقٌّ وَلَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ مَا فَعَلُوا ثَلَاثًا: مَا حَكَمُوا فَعَدَلُوا وَاسْتُرْحِمُوا فَرَحِمُوا وَعَاهَدُوا فَوَفَوْا فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
15. أحمد بإسناد صححه أحمد شاكر وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي قَرِيبٍ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ لَيْسَ فِيهِمْ إِلَّا قُرَشِيٌّ، لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ صَفْحَةَ وُجُوهِ رِجَالٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ وُجُوهِهِمْ يَوْمَئِذٍ. فَذَكَرُوا النِّسَاءَ فَتَحَدَّثُوا فِيهِنَّ، فَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ، حَتَّى أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْكُتَ. قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَإِنَّكُمْ أَهْلُ هَذَا الْأَمْرِ مَا لَمْ تَعْصُوا اللَّهَ فَإِذَا عَصَيْتُمُوهُ بَعَثَ إِلَيْكُمْ مَنْ يَلْحَاكُمْ كَمَا يُلْحَى هَذَا الْقَضِيبُ لِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ. ثُمَّ لَحَا قَضِيبَهُ فَإِذَا هُوَ أَبْيَضُ يَصْلِدُ".
16. أحمد باسناد وصححه الزين: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ أَوْ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِيكُمْ وَإِنَّكُمْ وُلَاتُهُ، وَلَنْ يَزَالَ فِيكُمْ حَتَّى تُحْدِثُوا أَعْمَالًا، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ ﻷ عَلَيْكُمْ شَرَّ خَلْقِهِ فَيَلْتَحِيكُمْ كَمَا يُلْتَحَى الْقَضِيبُ".
17. أحمد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات وصححه الزين: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: "الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ وَالْحُكْمُ فِي الْأَنْصَارِ وَالدَّعْوَةُ فِي الْحَبَشَةِ وَالْهِجْرَةُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ بَعْدُ".
قلتُ: هذا الحديث أخرجه البخاري بلفظه في التاريخ الكبير.
18. أحمد وصححه الألباني والسيوطي وأحمد شاكر: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مَرْيَمَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "الْمُلْكُ فِي قُرَيْشٍ وَالْقَضَاءُ فِي الْأَنْصَارِ وَالْأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ وَالسُّرْعَةُ فِي الْيَمَنِ". وَقَالَ زَيْدٌ مَرَّةً يَحْفَظُهُ: "وَالْأَمَانَةُ فِي الْأَزْدِ".
19. أحمد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات وقال الألباني للحديث شواهد يصح بها ويقوى، وقال المنذري في الترغيب والترهيب رواه أحمد ورواته ثقات: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَوْفٌ وَحَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ حَدَّثَنِي عَوْفٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ عَنْ أَبِي كِنَانَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى بَابِ بَيْتٍ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ الْبَابِ ثُمَّ قَالَ: "هَلْ فِي الْبَيْتِ إِلَّا قُرَشِيٌّ؟" قَالَ: فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَيْرُ فُلَانٍ ابْنِ أُخْتِنَا. فَقَالَ: "ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا دَامُوا إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا وَإِذَا قَسَمُوا أَقْسَطُوا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ".
20. الحاكم في المستدرك وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم اسناده جيد ولكنه روي عن علي موقوفا وقال الدارقطني هو أشبه: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان ثنا أبو حاتم الرازي ثنا الفيض بن الفضل البجلي ثنا مسعر بن كدام عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي بن أبي طالب س قال: قال رسول الله ص: "الأئمة من قريش أبرارها أمراء أبرارها، وفجارها أمراء فجارها، ولكل حق فآتوا كل ذي حق حقه، وإن أمرت عليكم عبدا حبشيا مجدعا فاسمعوا له وأطيعوا ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه، فإن خير بين إسلامه وضرب عنقه، فليقدم عنقه فإنه لا دنيا له ولا آخرة بعد إسلامه".
21. الطبراني في الأوسط والصغير والدعاء وقال الهيثمي رجاله ثقات: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم أبو مسلم الكجي، بمكة سنة ثلاث وثمانين ومائتين، حدثنا معاذ بن عوذ الله القرشي، حدثنا عوف، عن أبي صديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قام رسول الله ص على بيت فيه نفر من قريش، فأخذ بعضادتي الباب ثم قال: "هل في البيت إلا قرشي؟" قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال: "ابن أخت القوم منهم". ثم قال: "إن هذا الأمر لا يزال في قريش ما إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا أقسموا أقسطوا، ومن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
22. الحافظ في المطالب العالية: وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ صَالِحِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ ثنا هَارُونُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثنا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمِ بْنِ أَبِي قُتَيْلَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيِي بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عروة قال: أقحمت عَلَيْنَا السَّنَةُ نَابِغَةَ بْنَ جَعْدَةَ وَنَحْنُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ س بمكة فوقف بعدما صَلَّى الصُّبْحَ بِالنَّاسِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ:
حَكَيْتُ لَنَا الصِّدِّيقَ لَمَّا وَلِيتَنَا وَعُثْمَانَ وَالْفَارَوُقَ فَارْتَاحَ مُعْدِمُ
أَتَاكَ أَبُو لَيْلَى يُشَقُّ بِهِ الدُّجَى دُجَى اللَّيْلِ جَوَّابُ الْفَلَاةِ عَثَمْثَمُ
لَتَرْفَعَ مِنْهُ جَانِبًا ذَعْذَعَتْ بِهِ صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالزَّمَانُ الْمُصَمْصَمُ
فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ س: امْسِكْ عَلَيْكَ أَبَا لَيْلَى فَإِنَّ الشِّعْرَ أَهْوَنُ وَسَائِلِكَ عَلَيْنَا أَمَّا صَفْوَةُ مَالِنَا فَلِآلِ الزُّبَيْرِ، وَأَمَّا عَفْوَتُهُ فَإِنَّ بَنِي أَسَدٍ تَشْغَلُنَا عَنْكَ، وَلَكِنْ لَكَ فِي مَالِ اللَّهِ حَقَّانِ: حَقٌّ بِرُؤْيَتِكَ رَسُولَ اللَّهِ ص، وَحَقٌّ بِشِرْكَتِكَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ. وَأَمَرَ أَنْ تُوَقَّرَ لَهُ الرِّكَابُ حَبًّا وَتَمْرًا، فَجَعَلَ أَبُو لَيْلَى يُعَجِّلُ وَيَأْكُلُ مِنَ التَّمْرَ وَالْحَبَّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ س يَقُولُ لَهُ: لَقَدْ بَلَغَ بِكِ الْجَهْدُ أَبَا لَيْلَى. فَلَمَّا قَضَى نَهْمَتَهُ قَالَ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "مَا وَلِيَتْ قُرَيْشٌ فَعَدَلَتْ، وَاسْتُرْحِمَتْ فَرَحِمَتْ، وَحَدَّثَتْ فَصَدَقَتْ، وَوَعَدَتْ خَيْرًا فَأَنْجَزَتْ، فَأَنَا وَالنَّبِيُّونَ عَلَى الْحَوْضِ فَرطٌ لِلْقَاصِفِينَ". قَالَ: وَالْقَاصِفُونَ الَّذِينَ يُرْسِلُونَ الْمَاءَ عَلَى الْحَوْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: الْمَالُ الْإِبِلُ.
23. حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، ثنا محمد بن بكار بن بلال، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله ص: "الملك في قريش، ولهم عليكم حق، ولكم عليهم مثله، ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
24. ابن أبي عاصم في السنة: ثنا أبو صالح هدية بن عبد الوهاب، ثنا النضر بن شميل، ثنا شعبة، عن حبيب بن الزبير، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: كنا نجالس عمرو بن العاص نذاكره الفقه. فقال رجل من بكر: لتنتهين قريش، أو ليجعلن الله هذا الأمر في جمهور من جماهير العرب. فقال عمرو بن العاص: كذبت، سمعت رسول الله ص يقول: "الخلافة في قريش إلى قيام الساعة".
25. عبد الرزاق في مصنفه باسناد صححه الحافظ في الفتح: أخبرنا معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة أن رسول الله ص قال: "لا تعلموا قريشا وتعلموا منها، ولا تتقدموا قريشا ولا تتأخروا عنها، فإن للقرشي قوة الرجلين من غيرهم" يعني في الرأي.
26. البيهقي في السنن الكبرى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِى خُطْبَةِ أَبِى بَكْرٍ س قَالَ: وَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ، قَدْ بَلَغَكُمْ ذَلِكَ أَوْ سَمِعْتُمُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص، وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، فَنَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ إِخْوَانُنَا فِى الدِّينِ وَأَنْصَارُنَا عَلَيْهِ. وَفِى خُطْبَةِ عُمَرَ ص بَعْدَهُ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ص أَوْ مَنْ سَمِعَهُ مِنْكُمْ وَهُوَ يَقُولُ: "الْوُلاَةُ مِنْ قُرَيْشٍ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ". فَقَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الأَنْصَارِ: بَلَى، الآنَ ذَكَرْنَا. قَالَ: فَإِنَّا لاَ نَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ إِلاَّ بِهَذَا، فَلاَ تَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الأَهْوَاءُ فَلَيْسَ بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ.
قال الحافظ في التلخيص الحبير عند حديثه على حديث "الأئمة من قريش": "وقد جمعت طرقه في جزء مفرد عن نحو من أربعين صحابيا". وقال في الفتح: "الْعَدَد الْمُعَيَّن لَا يُشْتَرَط فِي الْمُتَوَاتِر، بَلْ مَا أَفَادَ الْعِلْم كَفَى... وَبَيَّنْت أَنَّ أَمْثِلَته كَثِيرَة: مِنْهَا حَدِيث مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَالْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَرَفْع الْيَدَيْنِ، وَالشَّفَاعَة وَالْحَوْض وَرُؤْيَة اللَّه فِي الْآخِرَة، وَالْأَئِمَّة مِنْ قُرَيْش وَغَيْر ذَلِكَ".
وأما الإجماع ففيما يلي بعض من حكاه، بالإضافة إلى بعض مستنداته:
1. الباقلاني في التمهيد: ويدل على ما قلناه إطباق الأمة في الصدر الأول من المهاجرين والأنصار بعد الاختلاف الذي شجر بينهم على أن الامامة لا تصح إلا في قريش. وقول سعد بن عبادة لأبي بكر وعمر عند الاحتجاج بهذه الأخبار وادكاره بها: "نحن الوزراء وأنتم الأمراء" فثبت أن الحق في اجتماعها وأنه لا معتبر بقول ضرار وغيره ممن حدث بعد هذا الاجماع.
2. الطبري في التبصير: فقالت الأنصار لقريش منا أمير ومنكم أمير. فقال خطيب قريش: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فأقرت الأنصار بذلك، وسلموا الأمر لقريش، ورأوا أن ذلك الذي قال خطيب قريش صواب. ثم لم ينازع ذلك قريشًا أحد من الأنصار بعد ذلك إلى يومنا هذا... وكان الخبر قد تواتر بالذي ذكرناه من فعل المهاجرين والأنصار، وتسليمهم الخلافة والإمرة لقريش، وتصديقهم خطيبهم "نحن الأمراء وأنتم الوزراء" من غير إنكار منهم، إلا من شذَّ وانفرد بما كان عليه التسليم لما نقلته الحجة عن رسول الله ص من أن الإمامة لقريش دون غيرها، كان معلوما بذلك أن لا حظ لغيرها فيها.
3. الخطيب البغدادي في أصول الدين: ودليل أهل السنة على أن الإمامة مقصورة على قريش قول النبي ص: "الأئمة من قريش"، ولهذا الخبر سلمت الأنصار الخلافة لقريش يوم السقيفة. فحصل الخبر وإجماع الصحابة دليلين على أن الخلافة لا تصلح لغير قريش. ولا اعتبار بخلاف من خالف الاجماع بعد حصوله.
4. أبو نعيم في الإمامة: لا خلاف بين المسلمين أن الخلافة في قريش والأئمة منهم.
5. ابن العربي في عارضة الأحوذي: ولا تخرج الخلافة عن قريش لقول النبي ص: "قريش ولاة هذا الأمر في الخير والشر إلى يوم القيامة". وعلى ذلك أجمعت الصحابة حين بينه أبو بكر في يوم السقيفة. فإن قيل فقد روى أبو عيسى وغيره عن أبي هريرة "لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجل من الموالي يقال له جهجاه" وكذلك جاء في الصحيح: "لن تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه" قلنا: هذا إنذار من النبي ص بما يكون من الشر في آخر الزمان في تسور العامة على منازل أهل الاستقامة، ليس خبرا عما ينبغي.
6. عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم: هذه الأحاديث –وما في معناها في هذا الباب- حجة أن الخلافة لقريش، وهو مذهب كافة المسلمين وجماعتهم. وبهذا احتج أبو بكر وعمر على الأنصار يوم السقيفة، فلم يدفعه أحد عنه. وقد عدها الناس فى مسائل الإجماع، إذ لم يؤثر عن أحد من السلف فيها خلاف قولاً ولا عملاً قرنا بعد قرن إلا ذلك وإنكار ما عداه. ولا اعتبار بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنها تصح فى غير قريش. ولا بسخافة ضرار بن عمرو فى قوله: إن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهوان خلعه إذا وجب ذلك، إذ ليست له عشيرة تمنعه. وهذا كله هزء من القول ومخالفة لما عليه السلف وجماعة المسلمين.
7. الغزالي في فضائح الباطنية: نسب قريش لا بد منه لقوله ص: "الأئمة من قريش" واعتبار هذا مأخوذ من التوقيف ومن إجماع أهل الأعصار الخالية على أن الإمامة ليست إلا في هذا النسب. ولذلك لم يتصد لطلب الإمامة غير قرشي في عصر من الأعصار.
8. الجويني في الغياثي: فأما الصفات اللازمة، فمنها النسب، فالشرط أن يكون الإمام قرشياً، ولم يخالف في اشتراط النسب غيرُ ضرار بنِ عمرو، وليس ممن يُعْتَبَر خلافُه ووفاقُه.
9. النووي في شرح صحيح مسلم: هَذِهِ الْأَحَادِيث وَأَشْبَاههَا دَلِيل ظَاهِر أَنَّ الْخِلَافَة مُخْتَصَّة بِقُرَيْشٍ، لَا يَجُوز عَقْدهَا لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرهمْ، وَعَلَى هَذَا اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع فِي زَمَن الصَّحَابَة، فَكَذَلِكَ بَعْدهمْ، وَمَنْ خَالَفَ فِيهِ مِنْ أَهْل الْبِدَع أَوْ عَرَّضَ بِخِلَافٍ مِنْ غَيْرهمْ فَهُوَ مَحْجُوج بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة.
10. الآمدي في أبكار الأفكار: وقد احتج أصحابنا ومن تابعهم باجماع الصحابة... وتلقت الأمة ذلك بالقبول، وأجمعوا على اشتراط القرشية ولم يوجد له نكير فصار إجماعا مقطوعًا به.
11. الماوردي في الأحكام السلطانية: النَّسَبُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ.
12. الإيجي في المواقف في معرض كلامه عن حديث الرسول ص "الإئمة من قريش": ثم إن الصحابة عملوا بمضمون هذا الحديث وأجمعوا عليه فصار قاطعا.
13. زين الدين العراقي في طرح التثريب: الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة.
14. البخاري عن عائشة: ...وَاجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ. فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ.
15. البخاري عن ابن عباس: ...فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ... وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ ص أَنَّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ... فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ... فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ... فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ الْآنَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنْ الِاخْتِلَافِ، فَقُلْتُ ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَارُ....
16. البزار وقال اسناده حسن عن عمر قال: والله ما وفينا لهم كما عاهدناهم عليه، إنا قلنا لهم: إنا نحن الأمراء وأنتم الوزراء، ولئن بقيت إلى رأس الحول لا يبقى لي عامل إلا أنصاري.
17. أحمد عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف باسناد صححه الألباني وقال الهيثمي رواه أحمد وفي الصحيح طرف منه ورجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر. وقال ابن المنذر: هذا الحديث حسن وإن كان فيه انقطاع فإن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أيام الصديق، وقد يكون أخذه عن أبيه أو غيره من الصحابة وهذا كان مشهورًا بينهم. قَالَ: ... فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ... وَقَالَ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ"، وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: "قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ". قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: صَدَقْتَ، نَحْنُ الْوُزَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْأُمَرَاءُ.
18. البيهقي وقال ابن كثير بإسناد صحيح محفوظ عن أبي سعيد الخدري: "... فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ س فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ الإِمَامَ يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ ص. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ س فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ. ثُمَّ أَخَذَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوه...".
19. موسى بن عقبة في مغازيه وهي أصح المغازي كما قال الحافظ: عن أبي سعيد الخدري أن الْأَنْصَار قَالُوا: أَوَّلًا نَخْتَار رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَإِذَا مَاتَ اِخْتَرْنَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار، فَإِذَا مَاتَ اِخْتَرْنَا رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَذَلِكَ أَبَدًا فَيَكُون أَجْدَر أَنْ يُشْفِق الْقُرَشِيّ إِذَا زَاغَ أَنْ يَنْقَضّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ وَكَذَلِكَ الْأَنْصَارِيّ. قَالَ: فَقَالَ عُمَر: لَا وَاَللَّه لَا يُخَالِفنَا أَحَد إِلَّا قَتَلْنَاهُ.
20. الطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح: الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لغيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة ومن بعدهم. ومن خالف فيه من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة.
21. ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري: ومما يدل على كون الإمام قرشيا اتفاق الأمة في الصدر الأول وبعده من الأعصار على اعتبار ذلك فى صفة الإمام قبل حدوث الخلاف في ذلك، فثبت أن الحق فى اجتماعها وإبطال قول من خالفها.
22. القرطبي في المفهم: قد أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصحُّ لغير قريش، ما خلا الإمامة الكبرى، فهي المقصودة بالحديث قَطْعًا.
23. ابن قدامة في روضة الناظر: وقد أجمع الصحابة على قتال مانعي الزكاة بعد الخلاف. وعلى أن الأئمة من قريش وعلى إمامة أبي بكر بعد الخلاف.
24. القرافي في شرح تنقيح الفصول: لنا أن الصحابة اختلفوا في أمر الإمامة ثم اتفقوا عليها.
25. الرازي في المحصول: المسألة الثالثة: يجوز حصول الاتفاق بعد الخلاف، وقال الصيرفي: لا يجوز. لنا إجماع الصحابة على إمامة ابي بكر س بعد اختلافهم فيها.
قُلتُ: الأحاديث التي مرت تفيد التواتر، وقد صرح بتواترها الحافظ. وهي تدل دلالة قاطعة على أن الإمامة في قريش. فيكون شرط النسب من المسائل المقطوع بها في ثبوتها ودلالتها ولا يسوغ فيها الاختلاف، والخلاف فيها شذوذ، بل إنه باطل. والدليل على ذلك إجماع الصحابة. قال الماوردي في الحاوي: "إِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ، بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ". وقال الشيرازي في اللمع: "وأما إذا اختلفت الصحابة على قولين ثم اجتمعت على أحدهما نظرت، فإن كان ذلك قبل أن يبرد الخلاف ويستقر كخلاف الصحابة لأبي بكر س في قتال مانعي الزكاة وإجماعهم بعد ذلك، زال الخلاف وصارت المسألة بعد ذلك إجماعا بلا خلاف".
وروى البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ س قَالَ:... إِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَمَنْ اسْتَخْلَفُوا بَعْدِي فَهُوَ الْخَلِيفَةُ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. فَسَمَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ...
فهذا عمر س يحصر المرشحين للخلافة بستة كلهم من قريش، ولم يُنكر عليه عربي ولا عجمي فكان إجماعا لا يجوز خلافه بعد الإجماع الذي حصل في السقيفة. وقد أجمع العلماء على أن الصحابة إذا أجمعوا على رأي فلا يجوز لمن بعدهم أن يحدثوا رأيا. قال الماوردي في الحاوي: إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ كَانَ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَانٍ مُحَرَّمًا. ففي السقيفة اختلفوا على قولين، فليس لمن بعدهم أن يحدثوا ثالثا إجماعا. وهنا أجمعوا على قول واحد فيحرم على من بعدهم أن يأتي بقول ثانٍ.
وعليه فإن ما قاله ضرار والنظام ومن وافقه من الخوارج قول باطل لأنه مخالف لما استقر عليه إجماع الصحابة، فلا اعتبار بخلاف من جاء بعدهم وخالف إجماعهم، وجوّز الإمامة في غير قريش، أعني الخلافة على المنهاج.
وأيضا فإن من قال الخلافة في قريش أولى منها في غيرهم وهو قول الكعبي قول باطل، قال الخطيب في أصول الدين: "وزعم الكعبي أن القرشي أولى بها من الذي يصلح لها من غير قريش، فإن خافوا الفتنة جاز عقدها لغيره". فهو يعتبر شرط النسب شرط أولوية أي شرط كمال أو شرط افضلية. وهذا كلام مردود لأنه مسبوق باجماع الصحابة. على أنه لا يجيز انعقادها لغير القرشي ابتداء وإنما أجازها عند خوف الفتنة.
وفيما يلي عرض للقرائن الدالة على أن شرط النسب القرشي شرط إجزاء وانعقاد لا مجرد شرط كمال وأفضلية:
أ‌- قوله ص في حديث معاوية عند البخاري "لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ". وهذه الجملة متصلة بالجملة التي سبقتها وهي "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ" وبيان ذلك:
1) أن البيهقي روى هذا الحديث ولفظه "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِى قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ فِيهِ أَحَدٌ إِلاَّ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ" فهذه الرواية فيها زيادة لفظ "فيه" اي في الأمر، فتكون الجملة الثانية مؤكدة للأولى لا منفصلة عنها، وليس النهي عن مطلق معاداة بل النهي هنا مقيد بالنهي عن معاداة قريش في الأمر.
2) قوله ص في الحديث "مَا أَقَامُوا الدِّينَ" يدل دلالة واضحة على أن المنهي عنه هو المعاداة لقريش في الأمر لا مطلق معاداة، لأن إقامة الدين لا يتمكن منها إلا من كان الأمر بيده. ولو كان النهي عن المعاداة لا علاقة له بالأمر لما لزم أن يقال "مَا أَقَامُوا الدِّينَ". أي لو كان النهي عن المعاداة مطلقا غير مقيد بالأمر لما قال ص هذا القيد الذي هو إقامة الدين، فمطلق المعاداة لا يلزمه هذا القيد، وهذا واضح.
3) إن "لا" في الحديث عاطفة، عطفت جملة على جملة، ومن المعلوم أن "لا" العاطفة يتعاند متعاطفاها، كقولنا الكافر عدو لا تجوز موالاته، فالعداوة والموالاة متعاندتان، وكذلك جملتا الحديث والمعنى قريش خلفاؤكم انصحوا لهم لا تعادوهم، وحرف "لا" عندما يكون للعطف يفيد التوكيد باتفاق أئمة اللغة. قال القرافي في الذخيرة: واتفق أئمة اللغة على أن "لا" في العطف للتأكيد.
ب‌- قول أبي بكر في حديث أبي سعيد الخدري الصحيح الذي يرويه البيهقي: "جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ" وعدم المصالحة معناه الحرب، ولا يمكن أن يكون ذلك لمجرد شرط كمال وأفضلية.
ت‌- قول عمر في حديث أبي سعيد الخدري الذي يرويه موسى ابن عقبة في مغازيه: "لَا وَاَللَّه لَا يُخَالِفنَا أَحَد إِلَّا قَتَلْنَاهُ" ولا يمكن أن يصل الأمر بقريش إلى قتل المخالف لو كان شرط النسب شرط كمال وأفضلية فقط.
ث‌- قول الصحابي الأنصاري في حديث عمر عند أبي يعلى وابن حبان: "فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْل أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا يَكُون فِيهِ حَرْب". وفي هذا الحديث: "اُخْرُجْ إِلَيَّ يَا اِبْن الْخَطَّاب، فَقُلْت: إِلَيْك عَنِّي فَإِنَّا عَنْك مَشَاغِيل -يَعْنِي بِأَمْرِ رَسُول اللَّه ص-، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْر، فَإِنَّ الْأَنْصَار اِجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَة بَنِي سَاعِدَة فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْل أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا يَكُون فِيهِ حَرْب". ولا يمكن أن تكون الحرب على مجرد شرط كمال وأفضلية.
ج‌- روى أبو داود باسناد صححه الألباني: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ...".
وروى أحمد باسناد صححه الزين عن حذيفة قال: قال رسول الله ص: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ".
يفهم من مجموع هذين الحديثين أن الخلافة على المنهاج هي أفضل أنواع الخلافة لأنها على منهاج النبوة، وتليها الخلافة العاض وهي الخلافة التي يستخلف فيها الأبناء، وتليها الخلافة الجبرية ويجتمع فيها أمران تخالف فيهما منهاج النبوة وهما استخلاف الأبناء وكونها غير قرشية. ومخالفة المنهاج يمكن اعتبارها قرينة على أن اشتراط النسب واجب، وإن كانت هذه القرينة أضعف من القرائن التي سبقتها.
هذه خمس قرائن تدل على أن شرط النسب في الخلافة مطلوب شرعا طلبا جازما، فهو مما يجب توفره في الخليفة، وليس هو من المندوب.
وكلمة "الأمر" الواردة في عدد من الأحاديث المذكورة يُراد بها الخلافة فقط ولا يُراد بها مطلق ولاية الأمر، وقد مرّ ما قاله القرطبي في المفهم: "قد أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصحُّ لغير قريش، ما خلا الإمامة الكبرى، فهي المقصودة بالحديث قَطْعًا". والأدلة على أن المراد بالأمر الخلافة ما يلي:
أ‌- حديث عتبة بن عبد السلمي أن النبي ص قال: "الخلافة في قريش...".
ب‌- حديث عمرو بن العاص: سمعت رسول الله ص يقول: "الخلافة في قريش...".
ت‌- حديث أنس وأبي برزة وعلي أن رسول الله ص قال: "الأئمة من قريش".
ووجه الاستدلال في الأحاديث السابقة أنها تفسر الأمر بأنه الخلافة والإمامة.
ث‌- حديث جابر بن سمرة عند مسلم قال: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ ص فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً". قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ خَفِيَ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ".
وهذا الحديث من أبلغ الأدلة على أن الأمر هو الخلافة، إذ أنه ص بعد أن قال: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي" قال: "حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً". فهذا نص في موضوع الأمر.
ج‌- حديث عائشة عند البخاري وفيه: "وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا...".
فهذا علي يفهم الأمر أنه الخلافة ويخطب به أمام الصحابة ولم ينكروا عليه.
ح‌- حديث عبد الله بن عباس عند البخاري وفيه: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ س خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا. فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: "أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى رَسُولَ اللَّهِ ص سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ، إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا...".
والدلالة هنا في فهم علي والعباس للأمر بأنه الخلافة، فإن قيل كيف تكون الخلافة في قريش ولا يعلم العباس وعلي، قيل إنهما كانا يتساءلان إن كانت الخلافة في بني هاشم أم فيهم وفي غيرهم من قريش، فلا تعارض.
خ‌- حديث ابن عباس عن عمر عن أبي بكر عند البخاري أنه قال: "مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ...".
وهذا أبو بكر أيضا يستعمل لفظ "الأمر" بمعنى الخلافة.
د‌- حديث معاوية عند البخاري حيث يقول: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ...".
وفهم معاوية أن الأمر هو الخلافة، وليس مطلق ولاية أمر.
ذ‌- حديث المسور عند البخاري وفيه: "أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ...".
فهذا عبد الرحمن يستعمل الأمر بمعنى الخلافة على مسمع من الخمسة فلم ينكروه.
ر‌- حديث عمر عند أحمد وفيه: "قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حِرْصًا سَيِّئًا وَإِنِّي جَاعِلٌ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ...".
ز‌- حديث جابر بن عبد الله عند أحمد وصححه الحاكم والذهبي أن رسول الله ص قال: "أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ". قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص قُلْنَا: أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللَّهِ ص، وَأَمَّا ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ ص مِنْ نَوْطِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ ص.
س‌- فسر ابن حجر في فتح الباري "الأمر" في أكثر من موضع على أنه الخلافة.
قلتُ: الألف واللام في لفظ الأمر الوارد في الأحاديث هي "أل العهد". وقد ورد هذا اللفظ وأريد به معان أخرى، والسياق هو الذي يدل على المراد. وقد تبين في حديث جابر بن سمرة المار ذكره أنه ص فسر الأمر بالخلافة وأن عددا من الصحابة فهموه كذلك، وذكر القرطبي أن الأمة مجمعة على ذلك. فلم يبق مجال للقول بأن المراد بهذا اللفظ مطلق ولاية الأمر فيشمل الإمارة بنوعيها العامة والخاصة. فهذا الفهم مخالف لقوله ص في حديث جابر بن سمرة ومخالف لفهم الصحابة ومخالف لما فهمته الأمة.
وتأميره ص غير قريش إمارة خاصة لا خلاف فيه، ولكنه لا يصلح دليلا على استخلافه إياهم، ورسول الله ص لم يستخلف مطلقا فكيف يُقال أنه استخلف محمد بن مسلمة، وعدم استخلافه ص ثابت في الصحيح. وأدلة الامارة الخاصة لا تصلح للامارة العامة. أما ما ورد في كتب السير أنه ص استخلف محمد بن مسلمة على المدينة، فقد ورد أنه استخلف غيره ومنهم: أبو لبابة، وابن أم مكتوم، وعثمان، وزيد بن حارثة، ونميلة بن عبد الله، وأبو رهم الغفاري، وعبد الله بن رواحة، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وسعد بن معاذ، وسباع بن عرفطة وغيرهم. وورد أنه استخلف عتاب بن أسيد على مكة. كما ورد لفظ "واستعمل" مكان "واستخلف". فالقول أنه ص استخلف محمد بن مسلمة، أي ولاه خليفة له لبينما يرجع من المعركة، ولم يوله واليا على المدينة كلام غريب لا أجد فيما اطلعت عليه من المصادر نصا يحتمله.
وأما قوله ص لبني عامر "الأمر لله يضعه حيث يشاء" فإن الله قد بيّن أنه وضعه في قريش، وشاء أن يكون فيهم، وقد مرّت الأحاديث التي تثبت ذلك، فلم يبق في هذا الحديث دلالة على أنه قرينة تصرف الأمر إلى الندب. بل فيه دلالة على أن المراد بلفظ الأمر هنا هو الخلافة، لأنه ص قال هذا الحديث جوابا لبيحرة بن فراس عندما سأله: "أيكون لنا الأمر من بعدك؟".
وأخيرًا فإن القول بأن لفظ "قريش" لقب لا مفهوم له كلام صحيح، ولكن الدلالة ليست في هذا اللفظ وإنما في عموم قوله ص "الأئمة". قال الحافظ في الفتح: "قَالَ اِبْن الْمُنِير: وَجْه الدَّلَالَة مِنْ الْحَدِيث لَيْسَ مِنْ جِهَة تَخْصِيص قُرَيْش بِالذِّكْرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَفْهُوم لَقَبٍ، وَلَا حُجَّة فِيهِ عِنْد الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنَّمَا الْحُجَّة وُقُوع الْمُبْتَدَأ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّة لِأَنَّ الْمُبْتَدَأ بِالْحَقِيقَةِ هَاهُنَا هُوَ "الْأَمْر" الْوَاقِع صِفَة لِهَذَا وَهَذَا لَا يُوصَف إِلَّا بِالْجِنْسِ، فَمُقْتَضَاهُ حَصْر جِنْس الْأَمْر فِي قُرَيْش، فَيَصِير كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أَمْرَ إِلَّا فِي قُرَيْش، وَهُوَ كَقَوْلِهِ "الشُّفْعَة فِيمَا لَمْ يُقْسَم". وَالْحَدِيث وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَر فَهُوَ بِمَعْنَى الْأَمْر كَأَنَّهُ قَالَ اِئْتَمُّوا بِقُرَيْشٍ خَاصَّة، وَبَقِيَّة طُرُق الْحَدِيث تُؤَيِّد ذَلِكَ، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الصَّحَابَة اتَّفَقُوا عَلَى إِفَادَة الْمَفْهُوم لِلْحَصْرِ". انتهى.
ونحن موعودون بخلافة على منهاج النبوة، أي بخلافة يتوفر فيها شرط النسب، فمن عمل لخلافة لا يتوفر فيها شرط النسب فهو عامل لخلافة ملك جبرية، أي أنه يعمل لغير موعود الله. وبذلك يكون حزبه غير مجزيء حتى يغير رأيه إلى اشتراط النسب القرشي في الخلافة الموعودة القادمة التي هي على منهاج النبوة.
رد مع اقتباس
 
 
  #7  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة السابعة عشرة

لا يجوز للحزب أن يشارك في وزارات السفهاء


المشاركة في وزارات هذا الزمان هي مشاركة في الحكم بغير ما أنزل الله، وهذه المشاركة حرام بنص الكتاب والسنة:
أما الكتاب فقوله تعالى:
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65).
وأما السنة فما رواه:
• البخاري عن ابن عباس أن النبي ص قال: "أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ".
قلتُ: الذي يكون وزيرا في الأنظمة السائدة اليوم يحكم قطعيا بغير ما أنزل الله، وهو مبتغ سنة الجاهلية لا سنة الإسلام.
• أحمد بإسناد صحيح: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ أَبِي قُلْتُ لِيَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ النَّبِيِّ ص؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلَّا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولًا لَا يَفُكُّهُ إِلَّا الْعَدْلُ أَوْ يُوبِقُهُ الْجَوْرُ".
قلتُ: الذي يشارك في الوزارة في أيام السفهاء غارق في الجور.
• البيهقي في الدلائل: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا محمد بن الفضيل قال: حدثنا الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش لقد انتشر علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره، فقال عتبة: لقد سمعت بقول السحرة والكهانة والشعر وعلمت من ذلك علما، وما يخفى علي إن كان كذلك. فأتاه، فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد، أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فلم يجبه، قال: فيم تشتم آلهتنا، وتضلل آباءنا، فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك، فكنت رأسنا ما بقيت، وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني بها أنت وعقبك من بعدك. ورسول الله ص ساكت لا يتكلم، فلما فرغ قال رسول الله ص: {بسم الله الرحمن الرحيم | حم | تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ | كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فقرأ حتى بلغ {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (فصلت:1-13)، فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم. فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد صبا إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، انطلقوا بنا إليه. فأتوه فقال أبو جهل: والله يا عتبة، ما حسبنا إلا أنك صبوت إلى محمد، وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمدا أبدا. قال: ولقد علمتم أني من أكثر قريش مالا، ولكني أتيته... فقص عليهم القصة: فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة، قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم | حم | تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ | كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. قال يحيى: كذا قال "يعقلون" حتى بلغ فقال: {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (فصلت:1-13)، فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب.
قلتُ: الدليل في رفضه ص مجرد الإجابة على عرض عتبة عندما قال له: فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا ما بقيت.
• وفي رواية حسنها الألباني في فقه السيرة أن عتبة قال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعناه لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به الشرف سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له. حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله ص يسمعه منه قال له: أقد فرغت أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع مني. قال: أفعل. قال رسول الله ص: {بسم الله الرحمن الرحيم...}.
قلتُ: هذه الرواية أوضح في الدلالة من التي سبقتها إذ عرض عتبة على الرسول ص الشرف والسيادة والملك، فلم يجبه إلا بقراءة فواتح سورة فصلت. فليس بعد هذا مقال لمن يستبيح دخول الوزارات في زماننا زمان إمرة السفهاء.


المسألة الثامنة عشرة

لا يجوز حمل الدعوة عن طريق الانترنت


حمل الدعوة إخبار عن حكم شرعي في الأصول أو الفروع، ويكون هذا الحمل تبليغًا من قبل مجتهد أو مقلد، وكلاهما تشترط فيه العدالة، أي أن يكون المبلغ حامل الدعوة مسلما عدلا. فلا يقبل خبر الفاسق ولا الكافر، كما لا يقبل خبر المجهول من المسلمين. وقد حكى الرازي في المحصول إجماع الصحابة على رد رواية المجهول حيث قال: "الرابع إجماع الصحابة ن على رد رواية المجهول، رد عمر س خبر فاطمة بنت قيس وقال: كيف نقبل قول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، ورد علي س خبر الأشجعي في المفوضة، وكان علي بن أبي طالب س يحلف الراوي. ثم إن أحدا من الصحابة ما أظهر الإنكار على ردهم وذلك يقتضي حصول الإجماع". وقال الآمدي في الاحكام: "مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأكثر أهل العلم أن مجهول الحال غير مقبول الرواية، بل لا بد من خبرة باطنةٍ بحاله، ومعرفة سيرته وكشف سريرته، أو تزكية من عرفت عدالته وتعديله له. وقال أبو حنيفة وأتباعه: يكتفى في قبول الرواية بظهور الإسلام والسلامة عن الفسق ظاهراً." هذا ما قاله الآمدي في الأخبار، وقال في باب التقليد: "واختلفوا في جواز استفتاء من لم يعرفه بعلم ولا جهالة. والحق امتناعه على مذهب الجمهور". وقال الغزالي في المستصفى: "مسألة: لا يستفتي العامي إلا من عرفه بالعلم والعدالة أما من عرفه بالجهل فلا يسأله وفاقا... ومن لم يعرف حاله فيحتمل أن يقال لا يهجم بل يسأل عن عدالته أولا فإنه لا يأمن كذبه وتلبيسه، ويحتمل أن يقال ظاهر حال العالم العدالة لا سيما إذا اشتهر بالفتوى...".
قلتُ: كلام العلماء كلهم من نقلت عنهم وغيرهم عندما يبحثون في الأخبار أو الفتوى فإنهم يبحثون مجهول الحال من المسلمين، أما الكافر فلا يدخل في أبحاثهم مطلقا. فلا يقبل خبر الكافر ولا فتواه، يستوي في هذا من احتج بإجماع الصحابة ومن خالف، انظر إلى قول الآمدي: "وقال أبو حنيفة وأتباعه: يكتفى في قبول الرواية بظهور الإسلام والسلامة عن الفسق ظاهراً".
والذين يدخلون على مواقع شبكة الانترنت مجهولو الأعيان والأحوال، إذ أن استعمال الشبكة ممكن بأسماء مستعارة أو مكذوبة، بل إن انتحال أسماء شخصيات معروفة ممكن، فيدخل الكافر باسم المسلم، والفاسق باسم العدل، والمجهول باسم المعروف، وهكذا.
سلمنا أن مجهول الحال من المسلمين يقبل خبره وتقبل فتواه، إلا أن مسألتنا تختلف تماما إذ يدخل فيها قبول خبر الكافر وفتواه، فلم يبق مجال للقول بقبول خبر أو فتوى مجهول الحال في قول الجميع، لاتفاقهم على رد خبر الكافر وفتواه.
وعليه فإن حمل الدعوة والتبليغ عن طريق شبكة الانترنت لا يجوز، وفيه تضليل كبير لعوام المسلمين الذين لا يميزون بين الأخذ عن الانترنت والأخذ عن قناة فضائية أو رادي أو جريدة أو مجلة أو شخصية حقيقية. وأنصح جميع المسلمين أن يكفوا عن حمل الدعوة عن طريق هذه الشبكة، وأن يكفوا عن تلقي العلم والمعلومات عنها. فقديما كان المسلمون يأخذون علمهم عن الشيخ، وأما اليوم فقد صارت الشبكة شيختهم أو شيخة الكثيرين منهم.


المسألة التاسعة عشرة

على الحزب أن يبدأ بإقامة الخلافة قبل الولايات


قد علمنا أن التقيد بطريقة الرسول ص في إقامة الدولة واجب، ومن طريقته ص أنه أقام الدولة في المدينة منذ وصوله، فلم تكن المدينة في الابتداء ولاية أو إمارة ثم تحولت إلى دولة، وإنما كانت الدولة فيها ابتداء وكانت هي دار الهجرة، ثم انضمت إليها سائر الولايات كمكة والطائف واليمن والبحرين وعمان. وفيما يلي أدلة ذلك:
• البخاري: وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ ص: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ".
• البخاري عن عائشة... فَقَالَ النَّبِيُّ ص لِلْمُسْلِمِينَ: "إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ"... الحديث.
• أحمد باسناد صحيح عن أنس قال: إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ، فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَقُولُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا. قَالَ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ، فَكُنَّا فِي بَعْضِ حِرَارِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ بَعَثَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ... الحديث
• الحاكم في المستدرك: حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال: عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأم عتاب بن أسيد، وخالد بن أسيد زينب بنت أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس. استعمل رسول الله ص عتابا على مكة، ومات رسول الله ص وعتاب عامله على مكة، وتوفي عتاب بن أسيد بمكة في جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة.
• الذهبي في التلخيص: مات النبي ص وعلى مكة عامله عتاب، وتوفي عتاب في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة.
• ابن حبان في الثقات: واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية أميرا.
• أحمد باسناد صحيح: حَدَّثَنَا أبو مُعَاوِيَة بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُثَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ آخِرَ كَلَامٍ كَلَّمَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذْ اسْتَعْمَلَنِي عَلَى الطَّائِفِ فَقَالَ: "خَفِّفْ الصَّلَاةَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى وَقَّتَ لِي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق) وَأَشْبَاهَهَا مِنْ الْقُرْآنِ".
• ابن عبد البر في الاستيعاب: وولى رسول الله ص عمرو بن العاص على عمان فلم يزل عليها حتى قُبض رسول الله ص.
• البخاري عن البراء بن عازب قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانَهُ.
• البخاري عن أبي بردة: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ. قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ.
• ابن حزم في جوامع السيرة: وولى الحكم بن سعيد على قرى عربية.
• خليفة في تاريخه: استعمل زياد بن لبيد البياضي على حضرموت.
• البخاري عن حذيفة قال: قَالَ النَّبِيُّ ص لِأَهْلِ نَجْرَانَ: "لَأَبْعَثَنَّ -يَعْنِي عَلَيْكُمْ- أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ"، فَأَشْرَفَ أَصْحَابُهُ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
• البخاري عن عمرو بن عوف الأنصاري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ... الحديث.
قلتُ: هذه الولايات مكة والطائف واليمن ونجران وحضرموت وعمان والبحرين وقرى عربية كلها ضمت إلى الدولة التي نشأت بالمدينة. فرسول الله ص أنشأ الدولة بالمدينة أو دار الهجرة ثم ضم إليها سائر الولايات المذكورة، ولم تكن المدينة في عهده ص ولاية ثم تحولت إلى دولة إسلامية أو إلى عاصمة للدولة الإسلامية. وعليه فإن من أراد أن يقتفي سنته ص فإنه لا ينشيء إمارة هنا وإمارة هناك ثم ينتظر الظرف الملائم لتحويل هذه الامارات إلى دولة إسلامية هي دولة الخلافة. فإن هذا فوق مخالفته لسنته ص في إقامة الدولة فإنه يفتح الباب واسعًا للكفار والمنافقين لانشاء إمارات عميلة أو يحاولون على الأقل، فيشتبه المخلص بالعميل ولا يعرف الناس من يتبعون. أما الخلافة فإن الكفار والمنافقين لا يقربونها في خططهم، فلا أظن أنه يخطر ببالهم أن ينشئوا خلافة عميلة كما يفعلون بالامارات والجمهوريات والممالك. وحتى لو فكروا بذلك فإنهم لن يستطيعوه لأننا موعودون بخلافة على منهاج النبوة، لا خلافة أمريكية ولا إنجليزية.
وأيضًا فإن الولاة يأخذون صلاحياتهم من الخليفة، وطاعتهم من طاعته، ولا طاعة لوالٍ إلا إذا عيَّنهُ الخليفة. بل إن الولاة تجب طاعتهم بعد موت الخليفة الذي عيَّنهم حتى يأتيهم جديد من الخليفة الذي يأتي من بعده، هذا ما أجمع عليه الصحابة.
ولا يُقال إن السلطان للأمة تعطيه لمن تشاء، لا يُقال ذلك لأن السلطان وإن كان للأمة فليس لها أن تعطيه لمن تشاء بل تعطيه فقط للإمام الذي ينوب عنها في تطبيق الشرع. والخلاف هنا ليس لفظيا بين الإمام والوالي بل هو خلاف بين مدلولي هذين اللفظين، فالإمام نائب عن الأمة كلها والوالي ليس كذلك، فطاعة الخليفة الذي يُبايع في الشام واجبة على كل مسلم في الشام وغيره بخلاف الوالي، والخارج عن طاعة الخليفة باغٍ بخلاف الخارج عن طاعة الوالي.
وبهذا يثبت أن الاتباع والتأسي يكون بإقامة الخلافة أولاً ثم بتعيين الولاة من قبل الخليفة وليس العكس.


المسألة العشرون

تمويل الحزب ذاتي


لا يجوز للحزب أن يقبل عطاء أو هبات أو هدايا من أحد. وتمويله محصور في أفراده القادرين على تمويله. وهذا واضح من موقفه ص مع عتبة عندما عرض عليه المال، وواضح من تمويل أبي بكر وخديجة.
ففي حديث جابر بن عبد الله المار في المسألة السابعة عشرة والذي يرويه البيهقي في دلائل النبوة قال عتبة: "وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني بها أنت وعقبك من بعدك"، وكان هذا العرض مرفوضا حتى أنه ص لم يتنازل أن يذكره على لسانه، بل رد بقراءة فواتح سورة فصلت كما مر.
وفي حديث أبي الدرداء عند البخاري أنه ص قال: "إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ".
وفي حديث أبي سعيد عند مسلم قال رسول الله ص: "إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ".
وفي حديث عائشة الحسن عند أحمد قال ص في خديجة: "وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ".
وفي حديث جابر بن عبد الله عند البخاري قال: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: "أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلَالًا".
وفي حديث عائشة عند البخاري: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ... وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص: عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قلتُ: إن من أفظع ما ابتليت به الأمة هي الحركات الوطنية والقومية، والحركات التي تزعم أنها إسلامية، التي تجر الناس من بطونهم، وتجعل مقياسهم في هذه الحياة المنفعة والمصلحة حتى صارت هذه الحركات بأنواعها المختلفة من أكبر العقبات أمام العاملين المخلصين للتغيير. وإني أنصح المسلمين بأن يجعلوا مصدر أو مصادر تمويل الحركات من جملة المقاييس التي يقيسون بها الحركة.
وأيضا فإنه لا يحل للحزب أن يأخذ من الصدقات لأنه ليس من الأصناف الثمانية التي تستحق الزكاة، والآية الكريمة حصرت الصدقات في الأصناف الثمانية، قال ﻷ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (التوبة:60)، والحزب شخصية معنوية فيها الغني والمتوسط والفقير والمسكين والغارم والغازي وابن السبيل، وهؤلاء يعطون من الزكاة كأفراد، أما الحزب فلا يُعطى، ولا يجوز أن ينفق على حاجات الحزب من الصدقات، فلا تشترى له سيارة ولا طابعة ولا يُستأجر له مقرّ، ولا غير ذلك من النفقات. قال ابن قدامة في المغني: "وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا: مَا أَعْطَيْت فِي الْجُسُورِ وَالطُّرُقِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مَاضِيَةٌ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ...} (التوبة:60)، وَ "إنَّمَا" لِلْحَصْرِ تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ، وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ... سَبِيلَ اللَّهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْجِهَادِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ سَبِيلِ اللَّهِ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْجِهَادُ إلَّا الْيَسِيرَ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ..."، وقال النووي في المجموع: "ومذهبنا أن سهم سبيل الله المذكور في الآية الكريمة يصرف إلى الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان بل يغزون متطوعين. وبه قال أبو حنيفة ومالك..."، وقال السرخسي في المبسوط: "وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: الطَّاعَاتُ كُلُّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ عِنْدَ إطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ الْمَقْصُودُ بِهِمْ الْغُزَاةُ عِنْدَ النَّاسِ...".
وفي الختام أقول إن الحزب المجزيء يجب أن يكون تمويله ذاتيا.


المسألة الحادية والعشرون

في ظل الخلافة على المنهاج لم ينشيء الصحابة حزبا للمحاسبة


قد علمتم أن الخلافة الموعودة هي خلافة على منهاج النبوة. وفي ظل هذا النوع من الخلافة لا يجب على المسلمين أن ينشئوا أحزابا للمحاسبة. والدليل على ذلك أن الصحابة أجمعوا على المحاسبة بشكل فردي ولم ينشئوا حزبا لهذا الغرض بعد وفاته ص. وفيما يلي أمثلة من المحاسبة الفردية التي نفذها أفراد الصحابة لخلفائهم في عهد الراشدين، أي في الثلاثين عاما التي تلت وفاته ص، والواردة في حديث سفينة الصحيح قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا":
1. البخاري عن أبي هريرة قال: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ س وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ س: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ س فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ س فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.
2. مسلم عن ابن عمر قال: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَتْ: أَعَلِمْتَ أَنَّ أَبَاكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا كَانَ لِيَفْعَلَ. قَالَتْ: إِنَّهُ فَاعِلٌ. قَالَ: فَحَلَفْتُ أَنِّي أُكَلِّمُهُ فِي ذَلِكَ، فَسَكَتُّ حَتَّى غَدَوْتُ وَلَمْ أُكَلِّمْهُ، قَالَ: فَكُنْتُ كَأَنَّمَا أَحْمِلُ بِيَمِينِي جَبَلًا حَتَّى رَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ حَالِ النَّاسِ وَأَنَا أُخْبِرُهُ. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً فَآلَيْتُ أَنْ أَقُولَهَا لَكَ، زَعَمُوا أَنَّكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَ رَاعِي إِبِلٍ أَوْ رَاعِي غَنَمٍ ثُمَّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا رَأَيْتَ أَنْ قَدْ ضَيَّعَ فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ. قَالَ فَوَافَقَهُ قَوْلِي، فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَيَّ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ ﻷ يَحْفَظُ دِينَهُ، وَإِنِّي لَئِنْ لَا أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ اسْتَخْلَفَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ ص وَأَبَا بَكْرٍ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص أَحَدًا وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ.
3. أحمد باسناد صحيح: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مُبَارَكٍ- قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ أَبُو شُجَاعٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ نَاشِرَةَ بْنِ سُمَيٍّ الْيَزَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ س يَقُولُ فِي يَوْمِ الْجَابِيَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ: إِنَّ اللَّهَ ﻷ جَعَلَنِي خَازِنًا لِهَذَا الْمَالِ وَقَاسِمَهُ لَهُ. ثُمَّ قَالَ: بَلْ اللَّهُ يَقْسِمُهُ وَأَنَا بَادِئٌ بِأَهْلِ النَّبِيِّ ص ثُمَّ أَشْرَفِهِمْ. فَفَرَضَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ ص عَشْرَةَ آلَافٍ إِلَّا جُوَيْرِيَةَ وَصَفِيَّةَ ومَيْمُونَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَنَا، فَعَدَلَ بَيْنَهُنَّ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي بَادِئٌ بِأَصْحَابِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَإِنَّا أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا ظُلْمًا وَعُدْوَانًا ثُمَّ أَشْرَفِهِمْ. فَفَرَضَ لِأَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْهُمْ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَلِمَنْ كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَلِمَنْ شَهِدَ أُحُدًا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، قَالَ: وَمَنْ أَسْرَعَ فِي الْهِجْرَةِ أَسْرَعَ بِهِ الْعَطَاءُ وَمَنْ أَبْطَأَ فِي الْهِجْرَةِ أَبْطَأَ بِهِ الْعَطَاءُ، فَلَا يَلُومَنَّ رَجُلٌ إِلَّا مُنَاخَ رَاحِلَتِهِ، وَإِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكُمْ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِنِّي أَمَرْتُهُ أَنْ يَحْبِسَ هَذَا الْمَالَ عَلَى ضَعَفَةِ الْمُهَاجِرِينَ فَأَعْطَى ذَا الْبَأْسِ وَذَا الشَّرَفِ وَذَا اللَّسَانَةِ، فَنَزَعْتُهُ وَأَمَّرْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: وَاللَّهِ مَا أَعْذَرْتَ يَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ، لَقَدْ نَزَعْتَ عَامِلًا اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص وَغَمَدْتَ سَيْفًا سَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ص وَوَضَعْتَ لِوَاءً نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص، وَلَقَدْ قَطَعْتَ الرَّحِمَ وَحَسَدْتَ ابْنَ الْعَمِّ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّكَ قَرِيبُ الْقَرَابَةِ حَدِيثُ السِّنِّ مُعْصِبٌ مِنْ ابْنِ عَمِّكَ.
قلتُ: في هذا الحديث محاسبتان الأولى من عائشة وقد رجع عمر إليها، والثانية من أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فرد عليه عمر بأنه متعصب لابن عمه وفي نسخة غاضب له.
4. أحمد باسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير قال: وَاللَّهِ إِنَّا لَمَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِالْجُحْفَةِ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فِيهِمْ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ إِذْ قَالَ عُثْمَانُ وَذُكِرَ لَهُ التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ: إِنَّ أَتَمَّ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَكُونَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَوْ أَخَّرْتُمْ هَذِهِ الْعُمْرَةَ حَتَّى تَزُورُوا هَذَا الْبَيْتَ زَوْرَتَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَسَّعَ فِي الْخَيْرِ. وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ س فِي بَطْنِ الْوَادِي يَعْلِفُ بَعِيرًا لَهُ، قَالَ: فَبَلَغَهُ الَّذِي قَالَ عُثْمَانُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى عُثْمَانَ س فَقَالَ: أَعَمَدْتَ إِلَى سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ ص وَرُخْصَةٍ رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا لِلْعِبَادِ فِي كِتَابِهِ تُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ فِيهَا وَتَنْهَى عَنْهَا وَقَدْ كَانَتْ لِذِي الْحَاجَةِ وَلِنَائِي الدَّارِ؟ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا. فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ س عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: وَهَلْ نَهَيْتُ عَنْهَا؟ إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ رَأْيًا أَشَرْتُ بِهِ، فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.
قلتُ: بهذا يثبت أن الصحابة ن لم يشكلوا حزبا للمحاسبة، وإنما اكتفوا بالمحاسبة الفردية. وفي أواخر عهد عثمان نشأ حزب ابن السوداء وليس فيه أحد من الصحابة، ثم قتلوا عثمان. وبعدهم نشأ حزب الخوارج في زمن علي وليس فيهم صحابي واحد، وقتلوا عليا. ولو كان تشكيل الحزب فرضا أو مندوبا لفعله الصحابة بعد موته ص، فدل قعودهم جميعا عن إقامة حزب للمحاسبة على أن إقامته ليست فرضا ولا مندوبا.
فإن قيل السبئية حزب وسكت عنها عثمان وسائر الصحابة، والخوارج حزب وأقرهم علي، قيل هؤلاء بغاة قاتلهم المسلمون، وهم ليسوا قدوة لنا، ولا نتأسى بهم، وإقرارهم كان باعتبارهم مخالفين لم يقاتلوا بعد، أما بعد أن حملوا السلاح ضد أهل دار العدل حاربوهم وقاتلوهم قتال بغاة.

المسألة الثانية والعشرون

تغيير المنكر في دار الكفر غير مطلوب


تغيير المنكر في دار الكفر غير مطلوب، وقوله ص في حديث أبي سعيد عند مسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" خاص بدار الإسلام والأدلة على ذلك:
1. أحمد باسناد صححه الزين عن أنس بن مالك قال: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى نَدَعُ الِائْتِمَارَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَتْ الْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ وَالْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ وَالْعِلْمُ فِي رُذَالِكُمْ".
قلتُ: قد ظهرت الفاحشة في الكبار وهذا لا يحتاج إلى بيان، أما الملك في الصغار فهو الذي يحتاج إلى البيان والشرح، فالصغار يقصد بهم الصبيان السفهاء، فمرة سماهم ص الصبيان ومرة السفهاء ومرة الصغار.
ففي حديث أبي هريرة الصحيح عند أحمد والبزار قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ وَمَنْ إِمَارَةِ الصِّبْيَانِ".
وفي حديث جابر الصحيح عند أحمد والبزار والحاكم قال: قال النَّبِيَّ ص لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: "أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاء..." الحديث.
وفي حديث عبس الغفاري الصحيح عند أحمد قال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ وَكَثْرَةَ الشَّرْطِ..." الحديث.
وفي حديث أنس هذا أنه ص قال: "وَالْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ" أي في الصبيان السفهاء الذين لا يهتدون بهديه ص ولا يستنون بسنته. فالمراد بهذه الألفاظ الثلاثة هو ما بينه ص من أنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، فلا يهتدون بهديه ص ولا يستنون بسنته، ففي حديث جابر السابق أنه ص قال في تفسير إمارة السفهاء: "أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لَا يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي...".
وعليه فإن أمر هؤلاء الأمراء ونهيهم غير مطلوب، وكذلك تغيير المنكر تحت سلطانهم غير مطلوب وغير ممكن في أكثر من الأحيان بل في الأعم الأغلب، ودارهم دار كفر.
وأما قوله ص في حديث أنس "وَالْعِلْمُ فِي رُذَالِكُمْ" فأغلب الذين يفتون الناس, ويتصدرون للفتوى في وسائل الإعلام ومؤسسات الأمراء الصغار هم من المحسوبين عليهم, يفتون بما يوافق هوى هؤلاء الأمراء فيصدقونهم بكذبهم ويعينونهم على ظلمهم, وأما المخلصون من العلماء فمقموعون محاربون في أرزاقهم, إذا لم يقتلوا أو يسجنوا, فلا حول ولا قوة إلا بالله. وقد ظهر فينا ما ظهر في بني إسرائيل فجاز ترك تغيير المنكر.
وحديث أنس رواه الطبراني في مسند الشاميين وصححه البوصيري ورواه البيهقي في الشعب وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. كما رواه ابن ماجة وصححه الكناني وضعفه الألباني، وفيما يلي ألفاظهم:
• الطبراني في مسند الشاميين عن أنس قال: قيل: يا رسول الله متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم"، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "إذا ظهر الادهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الفقه في صغاركم ورذالكم".
• ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: عن أنس بن مالك قال: قيل: يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم"، قيل: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك في صغاركم، والفقه في أرذالكم".
• البيهقي في الشعب عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى نَتْرُكِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَكُمْ" قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَ الْإِدْهَانُ فِي خِيَارِكُمْ، وَالْفَاحِشَةُ فِي شِرَارِكُمْ، وَالْفِقْهُ فِي رُذَالَتِكُمْ".
قلتُ: الروايات الثلاث فيها زيادة على رواية أحمد وهي "الْإِدْهَانُ فِي خِيَارِكُمْ"، وقد رأيت هذا الادهان فيمن أحسبهم خيارًا ولا أزكي على الله أحدًا.
كما اختلفت الروايات الثلاث عن رواية أحمد في الفاحشة، فعند أحمد "الْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ" وعندهم "وَالْفَاحِشَةُ فِي شِرَارِكُمْ"، والأمر قريب إذ الكبير الذي يأتي بالفاحشة هو من شرارنا.
واتفقت رواية ابن عبد البر مع رواية أحمد في كون الملك في صغارنا، واتفقت الروايات الأربع على أن الفقه والعلم في رذالنا.
2. حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد وصححه أحمد شاكر وعند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، قال أحمد: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ص: "كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنْ النَّاسِ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "إِذَا مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَكَانُوا هَكَذَا" -وَشَبَّكَ يُونُسُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ يَصِفُ ذَاكَ-. قَالَ: قُلْتُ: مَا أَصْنَعُ عِنْدَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "اتَّقِ اللَّهَ ﻷ وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهُمْ".
وفي رواية عند أحمد صححها أحمد شاكر قال: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص إِذْ ذَكَرُوا الْفِتْنَةَ -أَوْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ- قَالَ: "إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ وَكَانُوا هَكَذَا" وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ؟ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: "الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ".
وفي رواية ثالثة عند أحمد صححها أحمد شاكر قال: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُغَرْبَلُونَ فِيهِ غَرْبَلَةً، يَبْقَى مِنْهُمْ حُثَالَةٌ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا" وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ وَتَدَعُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ".
قلتُ: حديث عبد الله بن عمرو هذا أخرجه أبو داود وصححه الحاكم والألباني وحسنه المنذري ورواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ص: "كيف أنت يا عبد الله بن عمرو إذا كنت في حثالة من الناس؟..." الحديث.
ومعنى مرجت اضطربت، واضطراب عهود الناس وأماناتهم وضعفها وخفتها واضح كل الوضوح، حتى غدا هو الأصل، وصار حفظ العهود والأمانات غريبا نادرا. وعليه جاز ترك تغيير المنكر.
3. حديث أبي ثعلبة الخشني عند الترمذي وقال حسن غريب، وعند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة:105). قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالَ: "بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: "بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ".
قلتُ: منذ أن غزتنا أفكار الكفر من رأسمالية واشتراكية وقومية ووطنية، وصارت المنفعة والمصلحة هي المقياس للأعمال، رأينا الشح المطاع والهوى المتبع والدنيا المؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه حتى لو كان كفرا بواحا. وصار أكثر الناس يبيعون دينهم بدنياهم بل وبدنيا غيرهم لقاء عرض من الدنيا قليل.
في هذا الوضع الذي لم تمر به الأمة في يوم من الأيام طُلب منا أن نهتم بخاصة أنفسنا ونترك العوام، وهذا يعني ترك تغيير المنكر، والحديث يؤكد ذلك بوصفه هذه الأيام بأنها أيام الصبر، والذي يشبه القبض على الجمر، حيث تكون الامتحانات كبيرة والصابرون الثابتون على الحق غرباء قليلون. فليحرص الباحث عن رضوان الله سبحانه على أن يكون من الغرباء.
4. حديث حذيفة عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي قال: أخبرنا أبو عبد الله الصفار ثنا محمد بن إبراهيم ثنا الحسين بن حفص ثنا سفيان عن الصلت بن بهرام عن منذر بن هوذة عن خرشة بن الحر قال: قال حذيفة س: "كيف أنتم إذا انفرجتم عن دينكم انفراج المرأة عن قبلها لا تمنع من يأتيها؟ قال: فقال رجل: قبح الله العاجز. قال: "بل قبحت أنت".
هذا الحديث له حكم المرفوع وليس رأيا لحذيفة، أعني الإخبار عن الانفراج عن الدين. ورأي حذيفة أن المنفرج عن الدين في زمن الانفراج غير مذموم، وذلك لأنه عاجز عن الدفع, وهذا والله أعلم ينطبق على هذه الأيام، والانفراج عن الدين يشمل ترك تغيير المنكر.
5. حديث ابن مسعود عند سعيد بن منصور في سننه قال: نا خالد بن عبد الله عن يونس عن الحسن عن ابن مسعود في قوله ﻷ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (المائدة:105) قال: "ليس هذا أوانها، تقولونها ما قبلت منكم، فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم".
قلتُ: الأمثلة على الرد لا تحصى قطعا، فهناك رد من الأفراد، وهناك رد من الأمراء السفهاء الصبيان وأعوانهم، ورد الأفراد هين في الغالب، أما رد أمراء الفرقة وأعوانهم فإنه يصل إلى النفي والسجن وحتى القتل، كما ورد في حديث معاذ عند أحمد بن منيع وقال البوصيري رجاله ثقات عن رسول الله ص قال: "...ألا إنه سيكون عليكم أمراء إن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم...". وإذا ثبت الرد بنوعيه جاز ترك تغيير المنكر.
وحديث ابن مسعود هذا رواه عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الحسن أن ابن مسعود س سأله رجل عن قول الله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة:105) فقال: "إن هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة، ولكنه قد يوشك أن يأتي زمانها، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا -أو قال: فلا يقبل منكم- فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل".
قال ابن كثير ورواه أبو جعفر الرازي، عن الربيع عن أبي العالية، عن ابن مسعود في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} الآية، قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن الله يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية. قال: فسمعها ابن مسعود فقال: مَهْ، لم يجئ تأويل هذه بعد، إن القرآن أنزل حيث أنزل ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله ص، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي ص بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه آي تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار. فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة ولم تلْبَسوا شِيعًا، ولم يَذُق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا. فإذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبسْتُم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه، عند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية.
وهذه الرواية رواها ابن جرير في التفسير قال: حدثنا هناد قال حدثنا ليث بن هارون قال حدثنا إسحاق الرازي عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن عبد الله بن مسعود... ورواها أيضا البيهقي في السنن الكبرى وابن أبي حاتم في تفسيره.
6. حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا شبابة بن سوار قال حدثنا الربيع بن صبيح عن سفيان بن عقال قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه، فإن الله تعالى ذكره يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؟ فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي، لأن رسول الله ص قال: "ألا فليبلِّغ الشاهد الغائبَ"، فكنَّا نحن الشهودَ وأنتم الغُيَّب، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم.
7. حديث رجل من أصحاب رسول الله ص: روى ابن جرير في تفسيره قال: حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة قال حدثنا أبو مازن رجل من صالحي الأزد من بني الحُدَّان قال: انطلقت في حياة عثمان إلى المدينة، فقعدت إلى حلقة من أصحاب رسول الله ص، فقرأ رجل من القوم هذه الآية {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، قال: فقالَ رجلٌ من أسنِّ القوم: دَعْ هذه الآية، فإنما تأويلها في آخر الزمان.
قلتُ: إن عدم تغيير المنكر لا يعني القعود عن العمل لإيجاد دار الإسلام بإقامة الخلافة الموعودة على المنهاج، التي يمكن فيها تغيير المنكر، بل يجب تركيز جهود كل المخلصين على العمل بشكل جاد لاقامة الخلافة على منهاج النبوة التي وعدنا بها، وإيجاد الجماعة على إمام. ومن المقطوع به أن هذا لن يكون إلا بوجود مؤمنين يعملون الصالحات كما في آية الوعد.

رد مع اقتباس
 
 
  #8  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة الثالثة والعشرون

الحزب لا يدخل على السفهاء بل يعتزلهم ولا يشتغل بمحاسبتهم


الأمراء السفهاء الصبيان لا يجوز الدخول عليهم ويجب اعتزالهم، والأدلة على ذلك ما رواه:
• البخاري عن حذيفة بن اليمان يقول: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ص عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ. قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ. قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. فَقَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا. قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ.
قلتُ: قوله ص: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا" واضح في ايجاب اعتزالهم لأن السفهاء هم أمراء الفرقة على اختلاف ألسنتهم.
• أحمد باسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري عن النبي ص قال: تَكُونُ أُمَرَاءُ تَغْشَاهُمْ غَوَاشٍ أَوْ حَوَاشٍ مِنْ النَّاسِ، يَظْلِمُونَ وَيَكْذِبُونَ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَيُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَيُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ.
• أحمد باسناد صحيح عن جابر بن عبد الله أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُمَرَاءٌ سَيَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي، مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِحَدِيثِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِحَدِيثِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَأُولَئِكَ يَرِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ... الحديث.
قلتُ: مجرد الإعانة على الظلم حرام، ومجرد تصديق الحديث الكاذب حرام، والمراد بتصديقه تحسينه كأنه صدق. فيكون مجرد الدخول عليهم حراما وإن لم يتكلم ولم يعن.

المسألة الرابعة والعشرون

الإدارة


أولاً: تشكيل الحزب: يتكون الحزب من:
• الأمير: ويشترط فيه أن يكون رجلا حرا عاقلا عدلا مجتهدا قد بلغ الأربعين، وإمارته خاصة وليست عامة.
• المقرئون والمفقهون: ويشترط فيهم أن يكونوا من القراء رجالا ونساء، حاملي فقه أو فقهاء، أو من أهل التفسير أو الحديث أو اللغة. والأمير يقريء ويفقه كما كان ص يفعل بأصحابه.
• الدارسون: ويشترط فيهم أن يكونوا مسلمين قد بلغوا سن التمييز على الأقل.
• المعاونون في طلب النصرة وهم بضعة أعضاء يختارهم الأمير لمرافقته أثناء طلبه للنصرة كما فعل ص عندما اصطحب أبا بكر وعليا.
ثانيا: قوانين إدارية متعلقة بالتثقيف:
• يكون التدريس في حلق أسبوعية داخل البيوت أو المساجد أو غيرها بعد الفجر أو العصر.
• تفصل حلق النساء عن حلق الرجال.
• لا تطول مدة الحلقة خشية الملالة.
• يختار المدرس كتابا من تصنيفه أو تصنيف غيره في العقيدة أو السيرة أو التفسير أو الحديث أو الفقه أو اللغة.
• أي كتاب يدرس يجب أن يؤخذ فيه إذن الأمير، وللأمير أن يصدر قائمة بالكتب التي تصلح للدراسة فيها.
• من صنف كتابا ينشر باسمه.
• الكتب لا توزع مجانا.
• لا يشغل الحزب نفسه بالتحليلات السياسية ولا بالدعاية والإعلام.
• يجوز للحزب أن يصدر مجلة فقهية أو فكرية لا يكتب فيها إلا الفقهاء.


ثالثًا: المالية:
• مالية الحزب ذاتية.
• يجوز أن يكون في الحزب متفرغون يفرض لهم بقدر حاجتهم منهم الأمير.
رابعًا: أمور أخرى:
• ليس في الحزب انتخابات وكل ما يتعلق بها فهو للأمير يستعمل من يشاء.
• ليس في الحزب عقوبات إدارية إلا الفصل بعد اليأس من العلاج.



خاتمة


المسلمون في هذه الأيام متفرقون تائهون، حيارى مستذلون، ضللهم الكفار والمنافقون وأعوانهم عن السبيل الذي ينهضهم ويرجعون فيه إلى الله، فكتبت هذه العجالة لأبين لهم الطريق الصواب في التغيير، راجيا المولى ﻷ أن يجعله من العلم النافع. وكان الانتهاء من كتابته بخط يدي في السابع والعشرين من شعبان عام ألف وأربعمائة وثلاثين للهجرة. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
عبد الرحمن العقبي




انتهى الكتاب بحمد الله
رد مع اقتباس
 
 
  #9  
قديم 06-12-2012
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي أبو عبد الله، إنه لشرف لمنتدانا أن تكون بيننا، فنحن نفتقر لمن يكتب في زمن إنتشر فيه من ينقل.

وجزاك الله كل خير ونفع بك

أهلا وسهلا وعلى الرحب والسعة
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #10  
قديم 06-17-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة admin مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

أخي أبو عبد الله، إنه لشرف لمنتدانا أن تكون بيننا، فنحن نفتقر لمن يكتب في زمن إنتشر فيه من ينقل.

وجزاك الله كل خير ونفع بك

أهلا وسهلا وعلى الرحب والسعة
لا زيادة على هذا الكلام ...
على الرحب والسعة
وننتظر الجديد قبل شهر رمضان إن شاء الله .
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:06 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.