إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #21  
قديم 12-26-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق

تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }


قلت: الهدايةُ في الأصل: الدلالة بلطف، ولذلك تُستعمل في الخير، وقوله:

{ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } [الصَّافات37: 23]

على التهكم، والفعل منه (هَدَى) بالفتح، وأصله أن يُعدى باللام، أو " إلى " ، فَعْومل هنا معاملة:

{ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ } [الأعرَاف7: 155].

والصراط لغة: الطريق، مشتق من سَرَط الطعامَ إذا ابتعله، فكأنها تبتلع السابلةَ؛ أي المارَّة به، وَقُلِبَتْ السين صاداً لتطابق الطاء في الإطباق، وقد تُشَمُّ زاياً لقرب المَخرج، و { المستقيم }: الذي لا عوج فيه، والمراد به طريق الحق المُوصَّلة إلى الله.


يقول الحقّ جلّ جلاله: مُعلماً لعباده كيف يطلبونه، وما ينبغي لهم أن يطلبوا، أي: قُولوا { اهدنا } أي: أَرشِدْنا إلى الطريق المستقيم، الموصلة إلى حضرة النعيم، والطريقُ المستقيم هو السيرُ على الشريعة المحمدية في الظاهر، والتبرِّي من الحول والقوة في الباطن، أو تقول: هو أن يكون ظاهرُك شريعةً وباطنك حقيقة، ظاهرك عبودية وباطنك حرية، الفرق على ظاهرك موجود والجمع في باطنك مشهود، وفي الحكم: " متى جَعَلَك في الظاهر ممتثلاً لأمره وفي الباطن مستسلماً لقهره، فقد أعظم المِنَّة عليك ".

فالصراط المستقيم الذي أمرَنَا الحقُّ بطلبه هو: الجمع بين الشريعة والحقيقة، والمفهوم من قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفَاتِحَة: 5]، ولذلك وصلَه به، فكأن الحق - سبحانه - يقول: " يا عبادي احمدوني ومجدوني وأفردوني بالقصد وخُصُّوني بالعبادة، وكونوا في ظاهركم مشتغلين بعبادتي، وفي باطنكم مستعينين بحولي وقوتي، أو كونوا في ظاهركم متأدبين بخدمتي، وفي باطنكم مشاهدين لقدرتي وعظمة ربوبيتي ".

وقال سيّدنا عليّ - كَرَّمَ الله وجهه -: (الصراط المستقيم هنا القرآن). وقال جابر رضي الله عنه: (هو الإسلام) يعني الحنيفية السمحاء وقال سهل بن عبد الله: (هو طريق محمد صلى الله عليه وسلم). يعني اتباعَ ما جاء به. وحاصله ما تقدم من إصلاح الظاهر بالشريعة والباطن بالحقيقة، فهذا هو الطريق المستقيم الذي من سلطه كان من الواصلين المقربين مع النبيين والصدِّيقين.

فإن قلت: إذا كان العبدُ ذاهباً على هذا المنهاج المستقيم، فكيف يطلب ما هو حاصل؟ فالجواب: أنه طلب التثبيت على ما هو حاصل، والإرشاد إلى ما هو ليس بحاصل، فأهل مقام الإسلام يطلبون الثبات على الإسلام، الذي هو حاصل، والترقي إلى مقام الإيمان الذي ليس بحاصل، على طريق الصوفية، الذين يخصون العمل الظاهر بمقام الإسلام، والعمل الباطن بمقام الإيمان، وأهلُ الإيمان يطلبون الثبات على الإيمان الذي هو حاصل، والترقي إلى مقام الإحسان الذي ليس بحاصل، وأهل مقام الإحسان يطلبون الثبات على الإحسان، والترقي إلى ما لا نهاية له من كشوفات العرفان

{ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَليمٌ } [يُوسُف12: 76].


وقال الشيخ أبو العباس المرس رضي الله عنه: { اهدنا الصراط المستقيم } بالتثبيت فيما هو حاصل، والإرشاد فيما ليس بحاصل، ثم قال: عمومُ المؤمنين يقولون: { اهدنا الصراط المستقيم } أي: بالتثبيت فيما هو حاصل، والإرشاد لما ليس بحاصل، فإنه حصل لهم التوحيد وفاتَهُم درجات الصالحين، والصالحون يقولون: { اهدنا الصراط المستقيم } معناه: نسألك التثبيت فيما هو حاصل والإرشاد إلى ما ليس بحاصل، فإنهم حصل لهم الصلاح وفاتهم درجات الشهداء، والشهداءُ يقولون: { اهدنا الصراط المستقيم } أي بالتثبيت فيما هو حاصل والإرشاد إلى ما ليس بحاصل، فإنهم حصلت لهم الشهادة وفاتهم درجات الصديقين، والصديقون يقولون: { اهدنا الصراط المستقيم } أي: بالتثبيت فيما هو حاصل والإرشاد إلى ما ليس بحاصل، فإنهم حَصل لهم درجات الصديقين وفاتهم درجات القطب، والقطبُ يقول: { اهدنا الصراط المستقيم } بالتثبت فيما هو حاصل والإرشاد إلى ما ليس بحاصل، فإنه حصل له رتبة القطبانية، وفاته علم ما إذا شاء الله أن يطلعه عليه أطلعه.

هـ.
-1-



وقال بعضهم: الهدايةُ إما للعين وإما للأثرِ الدالَّ على العين، ولا نهاية للأولى، قلت: فالأولى لأهل الشهود والعِيان، والثانية لأهل الدليل والبرهان، فالهداية للعين هي الدلالةُ على الله. والهداية للأثر هي الدلالة على العمل، " مَنْ دَلَّكَ على الله فقد نصحك، ومن دلَّك على العمل فقد أتعبك ". وإنما كانت الأولى لا نهاية لها؛ لأن الترقي بعد المعرفة لا نهاية له. بخلاف الدلالة على الأثر فنهايتها الوصول إلى العين، إن كان الدالُّ عارفاً بالطريق.

قال البيضاوي: وهداية الله تتنوَّعُ أنواعاً لا يحصيها عد

{ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحصُوهَآ } [إبراهيم14: 34]

لكنها تنحصر في أجناس مترتبة:


الأول: إِفاضَةُ الُقُوَى التي بها يتمكنُ المرء من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة.

الثاني: نَصْبُ الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد، وإليه الإشارة بقوله:


الثالث: الهدايةُ بإرسال الرسل وإنزال الكُتُب، وإياها عني بقوله:


الرابع: أن يكشف عن قلوبهم السرائر ويُرِيَهُمْ الأشياءَ كما هي بالوحي والإلهام والمنامات الصادقة. وهذا يختص بِنَيْله الأنبياءُ والأولياءُ، وإياه عني بقوله:

{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام6: 90]،
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العَنكبوت29: 69].


فالمطلوب: إما زيادةُ ما مُنحوه من الهدى والثباتُ عليه، أو حصولُ المراتب المترتبة عليه، فإذا قال العارفُ الواصل عَنَى بقوله: أرشدنا طريق السير فيك، لتمحُوَ عنا ظلماتِ أحوالنا، وتُمِيطَ غواشِيَ أبداننا، لنستضيء بنور قدسك فنراكَ بنورك. هـ.

قلت: قوله الرابع... الخ، في عبارته قَلَقٌ واختصار، والصواب أن يقول: الرابعُ - أن يكشف عن قلوبهم الظُّلَمَ والأغيار، ويُشرق عليها الأنوار والأسرار، ويُريهم الأشياء كما هي بالوحي والإلهام، وباستعمال الفكرة في عظمةِ الملك العلاَّم، حتى تستولي أنوارُ المعاني على حِسِّ الأواني، ثم يقول: وهذا قسم يختصّ بنيله الأنبياء والأولياء.

وقوله: فإذا قال العارف... الخ، الصواب أن يقول: فإذا قاله المريد السائر؛ لأن الواصل انمحت عنه الظلماتُ كلها والغواشي وسائرُ الأكدار؛ لأن الله تعالى غطَّى وصفه بوصفه ونعته بنعته، فلم يَبْقَ له وصفٌ ظُلماني. وأيضاً قوله: [أرشدنا إلى طريق السير] إنما يناسب السائر دون الواصل؛ لأن الواصل ما بَقِيَ له إلا الترقي، ولا يُسمى في اصطلاح الصوفية [السير] إلا قبلَ الوصول. والله تعالى أعلم.
-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #22  
قديم 12-26-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) مصنف و مدقق



{ اهدنا الصراط المستقيم } قال الطريق ومعرفة الإِمام قال وحدثني أبي عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله الصراط المستقيم قال هو أمير المؤمنين عليه السلام ومعرفته والدليل على أنه أمير المؤمنين قوله { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم } وهو أمير المؤمنين عليه السلام في أم الكتاب وفي قوله الصراط المستقيم قال وحدثني أبي عن القاسم (القسم ط) بن محمد بن سليمان بن داود المنقري عن جعفر (حفص ط) بن غياث قال وصف ابوعبد الله عليه السلام الصراط فقال الف سنة صعود وألف سنة هبوط وألف سنة حدال وعنه عن سعدان بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الصراط فقال هو أدق من الشعر واحد من السيف فمنهم من يمر عليه مثل البرق ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس ومنهم من يمر عليه ماشياً ومنهم من يمر عليه حبوا ومنهم من يمر عليه متعلقاً فتأخذ النار منه شيئاً وتترك منه شيئاً قال وحدثني أبي عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام انه قرأ اهدنا الصراط المستقيم صراط من انعمت عليهم وغير المغضوب عليهم ولا الضالين قال المغضوب عليهم النصاب والضالين اليهود والنصارى وعنه عن ابن أبي عمير عن ابن اذينه عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله غير المغضوب عليهم وغير الضالين قال المغضوب عليهم النصاب والضالين والشكاك والذين لا يعرفون الإمام قال وحدثني أبي عن الحسين (الحسن ط) بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن إبليس أن أنيناً لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله على حين فترة من الرسل وحين أنزلت أم الكتاب.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #23  
قديم 12-26-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق

تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق

{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }


المعنى:

معناه بيان الصراط المستقيم، إذ كان كل طريق من طرق الحق صراطاً مستقيماً. والمعنى صراط من أنعمت عليهم بطاعتك.

القراءة

وقرأ حمزء بضم الهاء من ذلك: وفي أيديهم " وإليهم " حيث وقع. وروى الدوري عنه بضم الهاء في قوله:


{ فَعَلَيْهِم غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ } (النحل16: 106)

وقرأ يعقوب بضم كل هاء قبلها ياء ساكنة في التثنية وجمع المذكر والمؤنث، نحو: " عليهما " وفيهما " عليهن " و " فيهن " ، وضمّ ميم الجمع ووصلها بواو في اللفظ ابن كثير وأبو جعفر. وعن نافع فيه خلاف كثير. وعن غيره لا نطول بذكره، وهو مذكور في كتب القراءات. فمن قرأ بكسر الهاء وإسكان الميم قال: إنه أمن من اللبس إذا كانت الألف في التثنية قد دلت على الاثنين ولا ميم في الواحد، فلما لزمت الميم الجمع حذفوا الواو وأسكنوا الميم طلباً للتخفيف. وحجة من قرأ " عليهم " انهم قالوا ضم الهاء هو الأصل لأن الهاء إذا انفردت من حرف متصلٍ بها قيل: " هم فعلوا " ومن ضم الميم إذا لقيها ساكن بعد الهاء مكسورة قال: لمّا احتجت إلى الحركة رددت الحرف إلى أصله فضممت وتركت الهاء على كسرتها، لأنه لم تأت ضرورة تحوج إلى ردها إلى الأصل ومن كسر الميم فالساكن الذي لقيها، والهاء مكسورة ثم اتبع الكسرة الكسرة.


الاعراب

(والذين) في موضع جرٍ بالاضافة، ولا يقال في الرفع (اللذون)، لأنه إسم ليس يتمكن. وقد حكي اللذون شاذا، كما قيل الشياطون، وذلك في حال الرفع ولا يقرأ به، وقرأ صراط من أنعمت عليهم: عمر بن الخطاب وعبد الله بن زبير، وروي ذلك عن أهل البيت عليهم السلام. والمشهور الأول. والنعمة التي أنعم بها على المذكورين وإن لم تذكر في اللفظ فالكلام بدل عليها لا لما قال: إهدنا الصراط المستقيم، وبيّنا المراد بذلك، ثم بيّن أن هذا صراط من أنعمت عليهم بها، فلم يحتج إلى إعادة اللفظ كما قال النابغة الذبياني:

كأنك من جمال بني أقيشيقعقع خلف رجليه بشن


لما قال جمال بني أقيش قال يقعقع، ومعناه جمل يقعقع خلف رجليه، ونظير ذلك كثيراً جداً.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #24  
قديم 12-26-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق 1-11

تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق 1-11



(بيان)

قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } الخ؛ أما الهداية فيظهر معناها في ذيل الكلام على الصراط، وأما الصراط فهو والطريق والسبيل قريب المعنى، وقد وصف تعالى الصراط بالاستقامة ثم بيَّن أنه الصراط الذي يسلكه الذين أنعم الله تعالى عليهم، فالصراط الذي من شأنه ذلك هو الذي سُئِل الهداية إليه وهو بمعنى الغاية للعبادة أي: إن العبد يسأل ربه أن تقع عبادته الخالصة في هذا الصراط.

بيان ذلك: ان الله سبحانه قرر في كلامه لنوع الإِنسان بل لجميع من سواه سبيلاً يسلكون به إليه سبحانه فقال تعالى:

{ يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ } [الإنشقاق84: 6]. وقال تعالى:
{ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } [التغابن64: 3]. وقال:
{ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ } [الشورى42: 53].

إلى غير ذلك من الآيات وهي واضحة الدلاله على أن الجميع سالكوا سبيل، وانهم سائرون إلى الله سبحانه.


ثم بيَّن: أن السبيل ليس سبيلاً واحداً ذا نعتٍ واحد بل هو متشعب إلى شعبتين، منقسم إلى طريقين، فقال:

{ أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت41: 44]

فبيّن: أن غاية الذين لا يؤمنون في مسيرهم وسبيلهم بعيدة.


فتبيَّن: أن السبيل إلى الله سبيلان: سبيل قريب وهو سبيل المؤمنين، وسبيل بعيد وهو سبيل غيرهم، فهذا نحو اختلاف في السبيل وهناك نحو آخر من الاختلاف، قال تعالى:

{ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِأَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ } [الأعراف7: 40].

ولولا طروق من متطرق لم يكن للباب معنى فهناك طريق من السفل إلى العلو، وقال تعالى:

{ وَمَن يَحْلِل عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَد هَوَى } [طه20: 81].

والهوي هو السقوط إلى أسفل، فهناك طريق آخر آخذ في السفالة والانحدار، وقال تعالى:

{ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَد ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } [البقرة2: 108]،

فعرَّف الضلال عن سواء السبيل بالشرك لمكان قوله: فقد ضلّ، وعند ذلك تقسم الناس في طرقهم ثلثه أقسام: من طريقه إلى فوق وهم الذين يؤمنون بآيات الله ولا يستكبرون عن عبادته، ومن طريقه إلى السفل، وهم المغضوب عليهم، ومن ضل الطريق وهو حيران فيه وهم الضالون، وربما اشعر بهذا التقسيم قوله تعالى: { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضَّالِّين }.

-1-

والصراط المستقيم لا محالة ليس هو الطريقين الآخرين من الطرق الثلاث، أعني: طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين فهو من الطريق الأول الذي هو طريق المؤمنين غير المستكبرين إلاَّ أن قوله تعالى:

{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة58: 11].

يدل على أن نفس الطريق الأول أيضاً يقع فيه انقسام.


وبيانه: أن كل ضلال فهو شرك كالعكس على ما عرفت من قوله تعالى:

{ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَم يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُهْتَدُونَ } [الأنعام6: 82]،

وهو ظاهر من ترتيب الاهتداء والأمن من الضلال أو العذاب الذي يستتبعه الضلال على ارتفاع الظلم ولبس الإِيمان به، وبالجملة الضلال والشرك والظلم أمرها واحد وهي متلازمة مصداقاً، وهذا هو المراد من قولنا: إن كل واحد منها مُعرف بالآخر أو هو الآخر، فالمراد المصداق دون المفهوم.


إذا عرفت هذا علمت أن الصراط المستقيم الذي هو صراط غير الضالين صراط لا يقع فيه شرك ولا ظلم البته كما لا يقع فيه ضلال البته، لا في باطن الجنان من كفر أو خطور لا يرضى به الله سبحانه، ولا في ظاهر الجوارح والأركان من فعل معصية أو قصور في طاعة، وهذا هو حق التوحيد علماً وعملاً إذ لا ثالث لهما وماذا بعد الحق إلاَّ الضلال؟ وينطبق على ذلك قوله تعالى:

{ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَم يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُهْتَدُونَ } [الأنعام6: 82]،

وفيه تثبيت للأمن في الطريق ووعد بالاهتداء التام بناءً على ما ذكروه: من كون اسم الفاعل حقيقة في الاستقبال فليفهم، فهذا نعت من نعوت الصراط المستقيم.


ثم إنه تعالى عرف هؤلاء المنعم عليهم الذين نسب صراط المستقيم إليهم بقوله تعالى:

{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً *وَلَو أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُم أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } [النساء4: 65-66].

فوصفهم بالثبات التام قولاً وفعلاً وظاهراً وباطناً على العبودية لا يشذ منهم شاذ من هذه الجهة ومع ذلك جعل هؤلاء المؤمنين تبعاً لأولئك المنعم عليهم، وفي صف دون صفهم لمكان مع ولمكان قوله:


-2-

{ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } [النساء4: 69]

ولم يقل: فأولئك من الذين.

ونظير هذه الآية قوله تعالى:

{ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِم لَهُمْ أَجْرُهُم وَنُورُهُم } [الحديد57: 19].

وهذا هو الحاق المؤمنين بالشهداء والصديقين في الآخرة، لمكان قوله: عند ربهم، وقوله: لهم أجرهم.


{ فأُولئك } (وهم أصحاب الصراط المستقيم) أعلى قدراً وأرفع درجة ومنزلة من هؤلاء وهم المؤمنون الذين أخلصوا قلوبهم وأعمالهم من الضلال والشرك والظلم، فالتدبر في هذه الآيات يوجب القطع بأن هؤلاء المؤمنين و (شأنهم هذا الشأن) فيهم بقية بعد، لو تمت فيهم كانوا من الذين أنعم الله عليهم، وارتقوا من منزلة المصاحبة معهم إلى درجة الدخول فيهم ولعلّهم نوع من العلم بالله، ذكره في قوله تعالى:

{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة58: 11].

فالصراط المستقيم أصحابه منعم عليهم بنعمة هي أرفع النعم قدراً، يربو على نعمة الإِيمان التام، وهذا أيضاً نعت من نعوت الصراط المستقيم.


ثم إنه تعالى على أنه كرر في كلامه ذكر الصراط والسبيل لم ينسب لنفسه أزيد من صراط مستقيم واحد، وعد لنفسه سبلاً كثيرة، فقال عزّ من قائل:

{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا } [العنكبوت29: 69].

وكذا لم ينسب الصراط المستقيم إلى أحد من خلقه إلاَّ ما في هذه الآية { صراط الذين أنعمت عليهم } الآية ولكنه نسب السبيل إلى غيره من خلقه، فقال تعالى:

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } [يوسف12: 108]. وقال تعالى:
{ سَبِيلَ مَن أَنَابَ إِلَيَّ } [لقمان31: 15]. وقال:
{ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } [النساء4: 115]،

ويعلم منها: أن السبيل غير الصراط المستقيم فإنه يختلف ويتعدد ويتكثر باختلاف المتعبدين السالكين سبيل العبادة بخلاف الصراط المستقيم كما يشير إليه قوله تعالى:


وأيضا قال تعالى:

{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُشْرِكُونَ } [يوسف12: 106].

فبين أن من الشرك (وهو ضلال) ما يجتمع مع الإِيمان وهو سبيل، ومنه يعلم أن السبيل يجامع الشرك، لكن الصراط المستقيم لا يجامع الضلال كما قال: ولا الضالين.


والتدبر في هذه الآيات يعطي أن كل واحد من هذه السبل يجامع شيئاً من النقص أو الامتياز، بخلاف الصراط المستقيم، وإن كلا منها هو الصراط المستقيم لكنه غير الآخر ويفارقه لكن الصراط المستقيم يتحد مع كل منها في عين أنه يتحد مع ما يخالفه، كما يستفاد من بعض الآيات المذكورة وغيرها كقوله:
-3-

{ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } [يس36: 61]. وقوله تعالى:
{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } [الأنعام6: 161].


فسمى العبادة صراطاً مستقيماً وسمى الدين صراطاً مستقيما وهما مشتركان بين السبل جميعاً، فمثل الصراط المستقيم بالنسبة إلى سبل الله تعالى كمثل الروح بالنسبة إلى البدن، فكما أن للبدن أطواراً في حياته هو عند كل طور غيره عند طور آخر، كالصبي والطفولية والرهوق والشباب والكهولة والشيب والهرم لكن الروح هي الروح وهي متحدة بها والبدن يمكن أن تطرأ عليه أطوار تنافي ما تحبه وتقتضيه الروح لو خليت ونفسها، بخلاف الروح فطرة الله التي فطر الناس عليها، والبدن مع ذلك هو الروح أعني الإِنسان، فكذلك السبيل إلى الله تعالى هو صراط المستقيم إلاَّ أن السبيل كسبيل المؤمنين وسبيل المنيبين وسبيل المتبعين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو غير ذلك من سبل الله تعالى، ربما اتصلت به آفة من خارج أو نقص لكنهما لا يعرضان الصراط المستقيم كما عرفت أن الإِيمان وهو سبيل ربما يجامع الشرك والضلال لكن لا يجتمع مع شيء من ذلك الصراط المستقيم، فللسبيل مراتب كثيرة من جهة خلوصه وشوبه وقربه وبعده، والجميع على الصراط المستقيم أو هي هو.

وقد بيّن الله سبحانه هذا المعنى، أعني: اختلاف السبل إلى الله مع كون الجميع من صراطه المستقيم في مثل ضربه للحق والباطل في كلامه، فقال تعالى:

{ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَت أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَو مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ } [الرعد13: 17].

فبين: أن القلوب والأفهام في تلقي المعارف والكمال مختلفة، مع كون الجميع متكئة منتهية إلى رزق سماوي واحد، وسيجيء تمام الكلام في هذا المثل في سورة الرعد، وبالجملة فهذا أيضاً نعت من نعوت الصراط المستقيم.


وإذا تأملت ما تقدم من نعوت الصراط المستقيم تحصل لك أن الصراط المستقيم مهيمنٌ على جميع السبل إلى الله والطرق الهادية إليه تعالى، بمعنى أن السبيل إلى الله إنما يكون سبيلاً له موصلاً إليه بمقدار يتضمنه من الصراط المستقيم حقيقة، مع كون الصراط المستقيم هادياً موصلاً إليه مطلقاً ومن غير شرط وقيد، ولذلك سمّاه الله تعالى صراطاً مستقيماً، فإن الصراط هو الواضح من الطريق، مأخوذ من سرطت سرطاً إذا بلعت بلعاً، كأنه يبلع سالكيه فلا يدعهم يخرجوا عنه ولا يدفعهم عن بطنه، والمستقيم هو الذي يريد أن يقوم على ساق فيتسلط على نفسه وما لنفسه كالقائم الذي هو مسلط على أمره، ويرجع المعنى إلى أنه الذي لا يتغير أمره ولا يختلف شأنه، فالصراط المستقيم ما لا يتخلف حكمه في هدايته وإيصاله سالكيه إلى غايته ومقصدهم قال تعالى:
-4-

{ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ *إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } [الحجر15: 41-42].

أي هذه سنَّتي وطريقتي دائماً من غير تغيير، فهو يجري مجرى قوله:

{ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً } [فاطر35: 43].

وقد تبيّن مما ذكرناه في معنى الصراط المستقيم أُمور.


أحدها: أن الطرق إلى الله مختلفة كمالاً ونقصاً وغلاءً ورخصاً، في جهة قربها من منبع الحقيقة والصراط المستقيم كالإِسلام والإِيمان والعبادة والإِخلاص والإِخبات، كما أن مقابلاتها من الكفر والشرك والجحود والطغيان والمعصية كذلك، قال سبحانه:

{ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُم أَعْمَالَهُم وَهُم لَا يُظْلَمُونَ } [الأحقاف49: 19]

وهذا نظير المعارف الإِلهية التي تتلقاها العقول من الله فإنها مختلفة باختلاف الاستعدادات ومتلونة بألوان القابليات على ما يفيده المثل المضروب في قوله تعالى:


وثانيها: أنه كما أن الصراط المستقيم مهيمن على جميع السبل، فكذلك أصحابه الذين مكنهم الله تعالى فيه وتولى أمرهم وولاهم أمر هداية عباده حيث قال:

{ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } [النساء4: 69]. وقال تعالى:
{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ } [المائدة5: 55]. والآية

نازلة في أمير المؤمنين علي عليه السلام بالأخبار المتواترة وهو عليه السلام أول فاتح لهذا الباب من الأمة وسيجيء تمام الكلام في الآية.


وثالثها: أن الهداية إلى الصراط يتعين معناها بحسب تعيّن معناه، وتوضيح ذلك أن الهداية هي الدلالة على ما في الصحاح، وفيه أن تعديتها لمفعولين لغة أهل الحجاز، وغيرهم يعدونه إلى المفعول الثاني بإلى، وقوله هو الظاهر، وما قيل: إن الهداية إذا تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها، فهي بمعنى الإِيصال إلى المطلوب، وإذا تعدت بإلى فبمعنى إراءة الطريق، مستدلاً بنحو قوله تعالى:

{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَن أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ } [القصص27: 56]

حيث أن هدايته بمعنى إراءة الطريق ثابتة فالمنفى غيرها وهو الإِيصال إلى المطلوب قال تعالى:

{ وَلَهَدَيْنَاهُم صِرَاطاً مُسْتَقِيماً } [النساء4: 66]. وقال تعالى:
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الشورى42: 52].

فالهداية بالإِيصال إلى المطلوب تتعدى إلى المفعول الثاني بنفسها، والهداية بإراءة الطريق بإلى، وفيه أن النفي المذكور نفي لحقيقة الهداية التي هي قائمة بالله تعالى، لا نفي لها أصلاً، وبعبارة أُخرى هو نفي الكمال دون نفي الحقيقة، مضافاً إلى أنه منقوض بقوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون:

-5-

{ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُم سَبِيلَ الرَّشَادِ } [غافر40: 38].

فالحق أنه لا يتفاوت معنى الهداية باختلاف التعدية، ومن الممكن أن يكون التعدية إلى المفعول الثاني من قبيل قولهم دخلت الدار.

وبالجملة فالهداية هي الدلالة وإراءة الغاية بإراءة الطريق وهي نحو إيصال إلى المطلوب، وإنما تكون من الله سبحانه، وسنته سنة الأسباب بإيجاد سبب ينكشف به المطلوب ويتحقق به وصول العبد إلى غايته في سيره، وقد بيَّنه الله سبحانه بقوله:

{ فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَح صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ } [الأنعام6: 125]. وقوله:
{ ثمَّ تَلِينُ جُلُودُهُم وَقُلُوبُهُم إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي
بِهِ مَن يَشَاءُ
}
[الزمر39: 23].

وتعدية قوله تلين بإلى لتضمين معنى مثل الميل والاطمئنان، فهو إيجاده تعالى وصفاً في القلب به يقبل ذكر الله ويميل ويطمئن إليه، وكما أن سبله تعالى مختلفة، فكذلك الهداية تختلف باختلاف السبل التي تضاف إليه فلكل سبيل هداية قبله تختص به.


وإلى هذا الاختلاف يشير قوله تعالى:

{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }[العنكبوت29: 69].

إذ فرق بين أن يجاهد العبد في سبيل الله، وبين أن يجاهد في الله، فالمجاهد في الأول يريد سلامة السبيل ودفع العوائق عنه بخلاف المجاهد في الثاني فإنه إنما يريد وجه الله فيمده الله سبحانه بالهداية إلى سبيل دون سبيل بحسب استعداده الخاص به، وكذا يمده الله تعالى بالهداية إلى السبيل بعد السبيل حتى يختصه بنفسه جلّت عظمته.


ورابعها: أن الصراط المستقيم لما كان أمراً محفوظاً في سبل الله تعالى على اختلاف مراتبها ودرجاتها، صح أن يهدي الله الإِنسان إليه وهو مهدي فيهديه من الصراط إلى الصراط، بمعنى أن يهديه إلى سبيل من سبله ثم يزيد في هدايته فيهتدي من ذلك السبيل إلى ما هو فوقها درجة، كما أن قوله تعالى: { اهدنا الصراط } (وهو تعالى يحكيه عمّن هداه بالعبادة) من هذا القبيل، ولا يرد عليه: أن سؤال الهداية ممن هو مهتد بالفعل سؤال لتحصيل الحاصل وهو محال، وكذا ركوب الصراط بعد فرض ركوبه تحصيل للحاصل ولا يتعلق به سؤال، والجواب ظاهر.

وكذا الإِيراد عليه: بأن شريعتنا أكمل وأوسع من جميع الجهات من شرائع الأمم السابقة، فما معنى السؤال من الله سبحانه أن يهدينا إلى صراط الذين أنعم الله عليهم منهم؟ وذلك أن كون شريعة أكمل من شريعة أمٌر، وكون المتمسك بشريعة أكمل من المتمسك بشريعة أمر آخر وراءه، فإن المؤمن المتعارف من مؤمني شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم (مع كون شريعته أكمل وأوسع) ليس بأكمل من نوح وإبراهيم عليهما السلام مع كون شريعتهما أقدم وأسبق، وليس ذلك إلاَّ أن حكم الشرائع والعمل بها غير حكم الولاية الحاصلة من التمكن فيها والتخلق بها، فصاحب مقام التوحيد الخالص وإن كان من أهل الشرائع السابقة أكمل وأفضل ممن لم يتمكن من مقام التوحيد ولم تستقر حياة المعرفة في روحه ولم يتمكن نور الهداية الإِلهية من قلبه، وإن كان عاملاً بالشريعة المحمدية التي هي أكمل الشرائع وأوسعها، فمن الجائز أن يستهدي صاحب المقام الداني من أهل الشريعة الكاملة ويسأل الله الهداية إلى مقام صاحب المقام العالي من أهل الشريعة التي هي دونها.
-6-

ومن أعجب ما ذكر في هذا المقام، ما ذكره بعض المحققين من أهل التفسير جواباً عن هذه الشبهة: أن دين الله واحد وهو الإِسلام، والمعارف الأصلية وهي التوحيد والنبوّة والمعاد وما يتفرع عليها من المعارف الكلية واحد في الشرائع، وإنما مزية هذه الشريعة على ما سبقها من الشرائع هي أن الأحكام الفرعية فيها أوسع وأشمل لجميع شؤون الحيوة، فهي أكثر عناية بحفظ مصالح العباد، على أن أساس هذه الشريعة موضوع على الاستدلال بجميع طرقها من الحكمة والموعظة والجدال الأحسن، ثم أن الدين وإن كان ديناً واحداً والمعارف الكلية في الجميع على السواء، غير أنهم سلكوا سبيل ربهم قبل سلوكنا، وتقدموا في ذلك علينا، فأمرنا الله النظر فيما كانوا عليه والاعتبار بما صاروا إليه هذا.

أقول: وهذا الكلام مبنى على أصول في مسلك التفسير مخالفة للأصول التي يجب أن يبتنى مسلك التفسير عليها، فإنه مبني على أن حقائق المعارف الأصلية واحدة من حيث الواقع من غير اختلاف في المراتب والدرجات، وكذا سائر الكمالات الباطنية المعنوية، فأفضل الأنبياء المقربين مع أخس المؤمنين من حيث الوجود وكماله الخارجي التكويني على حد سواء، وإنما التفاضل بحسب المقامات المجعولة بالجعل التشريعي من غير أن يتكي على تكوين، كما أن التفاضل بين الملك والرعية إنما هو بحسب المقام الجعلي الوضعي من غير تفاوت من حيث الوجود الإِنساني هذا.

ولهذا الأصل أصل آخر يبنى عليه، وهو القول بأصالة المادة ونفي الأصالة عمّا وراءها والتوقف فيه إلاَّ في الله سبحانه بطريق الاستثناء بالدليل، وقد وقع في هذه الورطة من وقع، لأحد أمرين: إما القول بالاكتفاء بالحسِّ اعتماداً على العلوم المادية وإما إلغاء التدبر في القرآن بالاكتفاء بالتفسير بالفهم العامي.

وللكلام ذيل طويل سنورده في بعض الأبحاث العلمية الآتية أن شاء الله تعالى.

وخامسها: أن مزية أصحاب الصراط المستقيم على غيرهم، وكذا صراطهم على سبيل غيرهم، إنما هو بالعلم لا العمل، فلهم من العلم بمقام ربهم ما ليس لغيرهم، إذ قد تبيّن مما مرّ: أن العمل التام موجود في بعض السبل التي دون صراطهم، فلا يبقى لمزيتهم إلاَّ العلم، وأما ما هذا العلم؟ وكيف هو؟ فنبحث عنه إن شاء الله في قوله تعالى:
-7-

{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر35: 10]،

فالذي يصعد إليه تعالى هو الكلم الطيب وهو الاعتقاد والعلم، وأما العمل الصالح فشأنه رفع الكلام الطيب والامداد دون الصعود إليه تعالى، وسيجيء تمام البيان في البحث عن الآية.


(بحث روائي)

في الكافي عن الصادق عليه السلام في معنى العبادة قال: العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله خوفاً، فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا الله عزّ وجل حباً، فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة.

وفي نهج البلاغة: أن قوماً عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.

وفي العلل والمجالس والخصال، عن الصادق عليه السلام: أن الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفاً من النار فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكني أعبده حباً له عز وجل فتلك عبادة الكرام، لقوله عزّ وجلّ: { وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون }. ولقوله عزّ وجلّ: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ، فمن أحب الله عزّ وجلَّ أحبه، ومن أحبه الله كان من الآمنين، وهذا مقام مكنون لا يمسه إلاَّ المطهرون.

أقول: وقد تبيّن معنى الروايات مما مرّ من البيان، وتوصيفهم عليهم السلام عبادة الأحرار تارة بالشكر وتارة بالحب، لكون مرجعهما واحداً، فإن الشكر وضع الشيء المنعم به في محله، والعبادة شكرها أن تكون لله الذي يستحقها لذاته، فيعبد الله لأنه الله، أي لأنه مستجمع لجميع صفات الجمال والجلال بذاته، فهو الجميل بذاته المحبوب لذاته، فليس الحب إلاَّ الميل إلى الجمال والانجذاب نحوه، فقولنا فيه تعالى هو معبود لأنه هو، وهو معبود لأنه جميل محبوب، وهو معبود لأنه منعم مشكور بالعبادة يرجع جميعها إلى معنى واحد.

وروي بطريق عامي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: { إِيَّاك نعبد } الآية، يعني: لا نريد منك غيرك ولا نعبدك بالعوض والبدل: كما يعبدك الجاهلون بك المغيبون عنك.

أقول: والرواية تشير إلى ما تقدم، من استلزام معنى العبادة للحضور وللإِخلاص الذي ينافي قصد البدل.

وفي تحف العقول عن الصادق عليه السلام في حديث: ومن زعم أنه يعبد بالصفة لا بالإِدراك فقد أحال على غائب، ومن زعم أنه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد لأن الصفة غير الموصوف، ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر بالكبير، وما قدروا الله حق قدره.
-8-

الحديث.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام في معنى قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم } يعني أرشدنا إلى لزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى جنّتك، والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك.

وفي المعاني أيضاً عن علي عليه السلام: في الآية، يعني، أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به في ماضي أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.

أقول: والروايتان وجهان مختلفان في الجواب عن شهبة لزوم تحصيل الحاصل من سؤال الهداية للمهدي، فالرواية الأولى ناظرة إلى اختلاف مراتب الهداية مصداقاً والثانية إلى اتحادها مفهوماً.

وفي المعاني أيضاً عن علي عليه السلام: الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلو، وارتفع عن التقصير واستقام، وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنّة.

وفي المعاني أيضاً عن علي عليه السلام: في معنى { صراط الذين } الآية: أي: قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك، لا بالمال والصحة، فإنهم قد يكونون كفاراً أو فساقاً، قال: وهم الذين قال الله:

{ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّنَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } [النساء4: 69].

وفي العيون عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " قال الله عزّ وجل: قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد: { بسم الله الرَّحمن الرَّحيم } قال الله جلَّ جلاله بدأ عبدي باسمي، وحق عليَّ أن أتمم له أموره، وأبارك له في أحواله، فإذا قال: { الحمد لله رب العالمين } ، قال الله جلَّ جلاله: حمدني عبدي، وعلم أن النعم التي له من عندي وأن البلايا التي دفعت عنه بتطولي، أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، وإذا قال: { الرَّحمن الرَّحيم } ، قال الله جلَّ جلاله: شهد لي عبدي أني الرَّحمن الرَّحيم أُشهدكم لأوفرن من رحمتي حظه ولأجزلن من عطائي نصيبه، فإذا قال: { مالك يوم الدين } ، قال الله تعالى: أُشهدكم، كما اعترف بأني أنا المالك يوم الدين، لأسهلن يوم الحساب حسابه، ولأتقبلن حسناته ولأتجاوزن عن سيئآته، فإذا قال: { إِيَّاك نعبد } ، قال الله عزّ وجلَّ: صدق عبدي، إياى يعبد أُشهدكم لأثيبنه على عبادته ثواباً يغبطه كل من خالفه في عبادتة لي، فإذا قال: { وإِيَّاك نستعين } ، قال الله تعالى: بي استعان عبدي وإليَّ التجأ، أُشهدكم لأعيننه على أمره، ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه، فإذا قال: { اهدنا الصراط المستقيم } ، إلى آخر السورة، قال الله عزّ وجلَّ: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، وقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمّل وآمنته مما منه وجل "

-9-

أقول: وروى قريباً منه الصدوق في العلل عن الرضا عليه السلام، والرواية كما ترى تُفسر سورة الفاتحة في الصلاة فهي تؤيد ما مرّ مراراً أن السورة كلام له سبحانه بالنيابة عن عبده في ما يذكره في مقام العبادة وإظهار العبودية من الثناء لربه وإظهار عبادته، فهى سورة موضوعة للعبادة، وليس في القرآن سورة تناظرها في شأنها وأعني بذلك:

أولاً: أن السورة بتمامها كلام تكلم به الله سبحانه في مقام النيابة عن عبده فيما يقوله إذا وجه وجهه إلى مقام الربوبية ونصب نفسه في مقام العبودية.

وثانياً: أنها مقسمة قسمين، فنصف منها لله ونصف منها للعبد.

وثالثاً: أنها مشتملة على جميع المعارف القرآنية على إيجازها واختصارها، فإن القرآن على سعته العجيبة في معارفه الأصلية وما يتفرع عليها من الفروع من أخلاق وأحكام في العبادات والمعاملات والسياسات والاجتماعيات ووعد ووعيد وقصص وعبر، يرجع جمل بياناتها إلى التوحيد والنبوة والمعاد وفروعاتها، وإلى هداية العباد إلى ما يصلح به أولاهم وعقباهم، وهذه السورة كما هو واضح تشتمل على جميعها في أوجز لفظ وأوضح معنى.

وعليك أن تقيس ما يتجلى لك من جمال هذه السورة التي وضعها الله سبحانه في صلاة المسلمين بما يضعه النصارى في صلاتهم من الكلام الموجود في إنجيل متى: (6 - 9 - 13) وهو ما نذكره بلفظه العربي، " أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض، خبزنا كفافنا، أعطنا اليوم، واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا، ولا تدخلنا في تجربة ولكن نجّنا من الشرير آمين ".

تأمل في المعاني التي تفيدها ألفاظ هذه الجمل بعنوان أنها معارف سماوية، وما تشتمل عليه من الأدب العبودي، إنها تذكر أولاً: أن أباهم (وهو الله تقدس اسمه) في السماوات!! ثم تدعو في حق الأب بتقدس اسمه وإتيان ملكوته ونفوذ مشيئته في الأرض كما هي نافذة في السماء، ولكن من الذي يستجيب هذا الدعاء الذي هو بشعارات الأحزاب السياسية أشبه؟ ثم تسأل الله إعطاء خبز اليوم ومقابلة المغفرة بالمغفرة، وجعل الاغماض عن الحق في مقابل الاغماض، وماذا هو حقهم لو لم يجعل الله لهم حقاً؟ وتسأله أن لا يمتحنهم بل ينجيهم من الشرير، ومن المحال ذلك، فالدار دار الامتحان والاستكمال وما معنى النجاة لولا الابتلاء والامتحان؟.

ثم العجب مما ذكره بعض المستشرقين من علماء الغرب وتبعه بعض من المنتحلين: أن الإِسلام لا يربو على غيره في المعارف، فإن جميع شرائع الله تدعو إلى التوحيد وتصفية النفوس بالخلق الفاضل والعمل الصالح، وإنما تتفاضل الأديان في عراقة ثمراتها الاجتماعية!!

(بحث آخر روائي)

في الفقيه وتفسير العيّاشي عن الصادق عليه السلام قال: الصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام.
-10-

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام قال: هي الطريق إلى معرفة الله، وهما صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأما الصراط في الدنيا فهو الإِمام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمُه في الآخرة فتردى في نار جهنم.

وفي المعاني أيضاً عن السجاد عليه السلام قال: ليس بين الله وبين حُجّته حجابٌ، ولا لله دون حجته سترٌ، نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم ونحن عيبة علمه، ونحن تراجمة وحيه ونحن أركان توحيده ونحن موضع سره.

وعن ابن شهراشوب عن تفسير وكيع بن الجراح عن الثوري عن السّدي، عن اسباط ومجاهد، عن ابن عباس في قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم } ، قال: قولوا معاشر العباد! أرشدنا إلى حب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.

أقول: وفي هذه المعاني روايات أُخَر، وهذه الأخبار من قبيل الجري، وعد المصداق للآية، واعلم أن الجري (وكثيراً ما نستعمله في هذا الكتاب) اصطلاحٌ مأخوذ من قول أئمة أهل البيت عليهم السلام.

ففي تفسير العياشي عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية، ما في القرآن آيةٌ إلاَّ ولها ظهر وبطن وما فيها حرفٌ إلاَّ وله حدٌّ، ولكل حدٍ مُطَّلَعٌ؛ ما يعني بقوله: ظهر وبطن؟ قال: ظهره تنزيله وبطنه تأويله، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بَعدُ، يجري كما يجري الشمس والقمر، كلما جاء منه شيء وقع؛ الحديث.

وفي هذا المعنى روايات أُخَر، وهذه سليقة أئمه أهل البيت فإنهم عليهم السلام يُطبقون الآية من القرآن على ما يقبل أن ينطبق عليه من الموارد وان كان خارجاً عن مورد النزول، والاعتبار يساعده، فإن القرآن نُزِّلَ هدىً للعالمين يهديهم إلى واجب الاعتقاد وواجب الخلق وواجب العمل، وما بيَّنه من المعارف النظرية حقائق لا تختص بحال دون حال ولا زمان دون زمان، وما ذكره من فضيلة أو رذيلة أو شرعه من حكم عملي لا يتقيد بفرد دون فرد ولا عصر دون عصر لعموم التشريع.

وما ورد من شأن النزول (وهو الأمر أو الحادثة التي تعقب نزول آية أو آيات في شخص أو واقعة) لا يوجب قصر الحكم على الواقعة لينقضي الحكم بانقضائها ويموت بموتها لأن البيان عامٌّ والتعليل مطلقٌ، فإن المدح النازل في حق أفراد من المؤمنين أو الذم النازل في حق آخرين معللاً بوجود صفات فيهم، لا يمكن قصرُهما على شخص مورد النزول مع وجود عين تلك الصفات في قوم آخر بعدهم وهكذا، والقرآن أيضاً يدل عليه، قال تعالى:

{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَه } [المائدة5: 16] وقال:
{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ *لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِن خَلْفِهِ} [فصلت41: 41-42]. وقال تعالى:
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر13: 9].

والرواياتُ في تطبيق الآيات القرآنية عليهم (ع) أو على اعدائهم أعني: روايات الجري، كثيرةٌ في الأبواب المختلفة، وربما تبلغ المئين، ونحن بعد هذا التنبيه العام نترك إيراد أكثرها في الأبحاث الروائية لخروجها عن الغرض في الكتاب، إلاَّ ما تعلّق بها غرض في البحث فليتذكر.

-11-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #25  
قديم 12-27-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }


فى معاملاتنا مع اهل مملكتنا والكثرات الخارجة من مملكتنا بالتّوسط بين افراط التنصّر وتفريط التّهوّد فانّ الافراط وهو التّجاوز عن الطّريق بعد الوصول اليه يمنعنا عن مشاهدة جمالك بعد ما منحتنا بها، والتّفريط ايضاً يقصّر بنا عن الحضور لديك. والهداية هى ارائة الطّريق سواء كانت مع الايصال الى المطلوب او الى الطّريق او مجرّدة عنهما، وسواء عديّت بنفسها او بالى او بالّلام، والصّراط بالصّاد والسّراط بالسّين والزراط بالزّاء الطّريق وقرء هاهنا بالصّاد والسّين والصّراط الظّاهر ظاهر ومستقيمه معلوم والمستوى منه ما كان فى حاقّ الوسط او مستقيماً وقد يقال المستقيم للطّريق الّذى يكون على اقرب الخطوط الى المقصود وهكذا المستوى والطّريق فى الحركات الاينيّة هو المسافة بين مبدء الحركة ومنتهاها سواء صارت جادّة وطريقاً فى الارض او لم تصر، وهكذا الحال فى الحركات الوضعيّة ويكون المسافة وحدودها فى هاتين الحركتين موجودة قبل الحركة وامّا الحركات الكيفيّة والكمّيّة والجوهريّة فالطّريق فيها وهى مراتب الكيف والكمّ الطّارئة على الجسم المتحرّك ومراتب الصّور الجوهريّة المتعاقبة على الجوهر المتحرّك غير موجود لا قبل الحركة ولا بعدها بل هو كالحركة القطعيّة الّتى لا وجود لها لا قبل الحركة ولا بعدها بل وجودها يكون فى الذّهن بسبب رسم وصول المتحرّك الى حدود المراتب امراً متّصلاً وحدانيّاً فيه والموجود من الطّريق فيها هو مرتبة من الكيف او الكّم او الجوهر الّتى وجودها كالحركة التّوسطيّة عين قوّة عدمها وتكوّنها عين قوّة تصرفها ولذلك اشكل الامر على كثير من اهل النّظر فى بقاء موضوع محفوظ فى هذه الحركات خصوصاً فى الحركات الكميّة والجوهريّة بناء على انّ الجسم التّعليمىّ منتزع عن الجسم الطّبيعى وبتبدّله يتبدّل الجسم الطّبيعىّ وبتبدّله يتبدّل الموضوع وهكذا الحال فى توارد الصّور الجوهريّة فى الحركات الجوهريّة والحقّ انّ الموضوع محفوظ بكمّ ما وصورة ما محفوظين فى ضمن الكمّيّات والصّور الواردة بحافظ شخصىّ غيبىّ ومادّة باقية بكمّ ما وصورةٍ ما فانّ الاتّصال الوحدانىّ مساوٍ للوحدة الشخصيّة وكل مكوّن من الجماد والنّبات والحيوان متحرّك من اوّل تكوّنه فى الكيف والكمّ بل فى الصّور الجوهريّة حتّى ينتهى الى كماله الّلائق بنوعه او شخصه وهذا معنى كون الكون فى التّرقى فانّ الحركة خروجٌ تدريجاً من القوّة الى الفعل والخروج من القوّة الى الفعل معنى التّرقّى وكلّ من هذه خروجه من القوّة الى الفعل من اوّل تكوّنه الى كماله الّلائق به يكون على الصّراط المستقيم والفعليّات الّلائقة به ان لم يمنعه مانع ولم يعقه عائق سوى الانسان من افراد الحيوان فانّه بحسب استكمال بدنه يخرج على الصّراط المستقيم الّلائق بنوعه وشخصه ان لم يعقه عائق وبحسب استكمال نفسه ايضاً يخرج من القوّة الى الفعل على الصّراط الّلائق بنوعه وشخصه ما لم يحصل له استقلال فى اختياره فاذا حصل له استقلال فى اختياره وحان اوان تمرينه وتكليفه فقد يخرج من القوى الى الفعليّات الّلائقة بنوع الانسان من دون حصول فعليّة مخالفة لنوعه متخلّلة بين تلك الفعليّات حتّى يصل الى آخرة فعليّاته وهى مقام الاطلاق والولاية الكليّة وعلويّة علىّ (ع) وهذا نادر وكثيراً ما يخرج من القوى الى الفعليّات الّلائقة به بتخلّل فعليّات غير لائقة به فيكون خروجه الى الفعليّات لا على الصّراط المستقيم الانسانىّ بل قد يعوّد صراطه الى غير الفعليّات الّلائقة به وقوله تعالى

-1-

{ وَنُقَلِّبُهُم ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } (الكهف18: 18)

اشارة الى هؤلاء الّسّلاك، وقد يخرج الانسان الى الطّرق المعوجّة والفعليّات الغير الّلائقة به من دون فعليّة لائقة به فقد ينتهى فى تلك الفعليّات فيصير أخسّ من البهائم او السّباع او الشّيطان وقد يقف فيمسخ بصورة الفعليّة الّتى وقف عليها ولمّا كان الصّراط المستقيم الانسانىّ ادقّ الامور بحيث لا يمكن لكلّ بصير تمييزه، وأحدّ الامور بحيث لا يمكن لكلّ سالك سلوكه من غير زلّة الى احد الطّرفين، وأخفى الامور بحيث لا يمكن لكلّ مدركٍ ادراكه وكان الاشخاص مختلفين فى السّير عليه بحسب فطرتهم وبحسب الاسباب والمعاونات الخارجة وصف بأنّه أدقّ من الشّعر وأحدّ من السّيف وانّه مظلم يسعى النّاس عليه على قدر انوارهم ولكون تلك الفعليّات الّلائقة بالانسان صور مراتب انسانيّة الانسان ومحفوفة بفعليّات الافراط والتّفريط الّتى هى انموذجات الجحيم ومخرجة للانسان فى كلّ مرتبة وفعليّة من صورة من صور مراتب النّيران وموصلة الى صورة مرتبة من مراتب الجنان ورد انّ الصّورة الانسانيّة هى الطّريق المستقيم الى كلّ خير والجسر الممدود بين الجنّة والنّار؛ وانّ الصّراط ممدود على متن جهنّم، ولمّا كان السّلوك على الصّراط الانسانىّ والخروج من القوى الى الفعليّات الانسانيّة مستلزماً للتّوسط بين الافراط والتّفريط فى الاعمال البدنيّة والاحكام الشّرعيّة وفى الاعمال القلبيّة يعنى الاخلاق النّفسيّة والاحوال الطّارئة وفى الاوصاف العقليّة والعقائد الدينيّة وكان التّوسّط فى ذلك مستلزماً للسّلوك على الصّراط الانسانىّ فسّر الصّراط بالتّوسط فى الاعمال والاحوال والاخلاق والعقائد والتّوسّط فى الاعمال مثل التّوسط فى الاكل والشّرب المشار اليه بقوله تعالى { كلوا واشربوا } فانّه اباحةٌ للاكل والشّرب او استحباب او وجوب ومنع عن الامساك { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } فانّه منع صريحاً عن الافراط، ومثل التّوسط فى الانفاقات المشار اليه بقوله تعالى

{ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } [الإسراء17: 29]،

ومثل قوله تعالى فى الصّدقات الواجبة او المستحبّة

{ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } [الأنعام6: 141]،

ومثل قوله تعالى فى الصّلاة او فى مطلق العبادات البدنيّة

{ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } [الإسراء17: 110]،

والتّوسط فى الاحوال كالتّوسط بين الجذب والسّلوك الصّرف، والتّوسط بين القبض والبسط، والتّوسط بين الخوف والرّجاء، والتّوسط فى الاخلاق كالتّوسط بين الشره والخمود المسمّى بالعفّة، والتّوسط بين التّهوّر والجبن المسمّى بالشجاعة، والتّوسط بين الجزبرة والبلاهة المسمّى بالحكمة، والتّوسط بين الظلم والانظلام المسمّى بالعدالة، والتّوسّط فى العقائد كالتّوسط بين التّنزيه المحدّد والتّشبيه المجسّم فى الحقّ الاوّل تعالى شأنه، والتّوسط بين حصر النّبى (ص) والامام (ع) على المرتبة الجسمانيّة واعلائهما الى مرتبة الآلهة فى اعتقاد النّبوّة والامامة، والتّوسط بين الجسمانيّة الطّبيعيّة والروحانيّة الصّرفة فى اعتقاد المعاد وطبقات الجنان ولذّاتها ودركات النيران وآلامها، ولمّا كان الخارج الى الفعليّات الانسانيّة والسّالك على الصّراط المستقيم يصير متحقّقاً بتلك الفعليّات فاذا بلغ الى مقام من مقامات الآلهه وصار به نبيّاً او خليفة وصار بنفسه طريقاً وصراطاً مستقيماً من مقام بشريّته ومقامات روحانيّته وصار ولايته الّتى هى البيعة معه والاتّصال به بنحو مخصوص وكيفيّة خاصّة طريقاً انسانيّاً لانّها طريق الى روحانيّته وروحانيّته طريق حقيقة الى الله صحّ ما ورد عن الصّادق (ع) من انّها الطّريق الى معرفة الله وهما صراطان صراط فى الدّنيا وصراط فى الآخرة فامّا الصّراط فى الدّنيا فهو الامام المفترض الطّاعة؛ من عرفه فى الدّنيا واقتدى بهديه مرّ على الصّراط الّذى هو جسر جهنّم فى الآخرة، ومن لم يعرفه فى الدّنيا زلّت قدمه عن الصّراط فى الآخرة فتردى فى نار جهنّم، وما ورد عنه انّ الصّراط امير المؤمنين (ع) وزيد فى خبرٍ: ومعرفته، وما ورد انّه معرفة الامام (ع) وما ورد من قولهم: نحن الصّراط المستقيم وصحّ ان يقال انّ بشريّة الامام ومعرفة بشريّته من دون معرفة نورانيّته والاتّصال ببشريّته والبيعة معه طريق الى الطّريق الى الله وانّ الطّريق الى الله هو نورانيّة الامام (ع) ومعرفتها والاتّصال بها ويسمّى الاتّصال بالامام (ع) ومعرفته بحسب نورانيّته عند الصّوفيّة بالحضور والفكر واوّل مرتبة ذلك الاتّصال والمعرفة هو ظهور الامام بحسب مقام مثاله على صدر السّالك الى الله وليس المراد بهذا الفكر والحضور ما اشتهر بين مرتاضى العجم من جعل صورة الشيخ نصب العين بالتّعمّل وان كان ورد عن ائمّتنا (ع) الاشعار بمثل هذا المعنى فانّه ورد عن الصّادق (ع) وقت تكبيرة الاحرام تذكّر رسول الله (ص) واجعل واحداً من الائمّة (ع) نصب عينيك، فانّه تقيّد بالصّورة وشبيه بعبادة الاصنام بل المراد انّ السّالك ينبغى ان يجلو مرآة قلبه بالذّكر والاعمال المأخوذة من شيخه، فاذا اجتلى الذّهن وقوى الذّكر وخلا القلب من الاغيار ظهر الشّيخ بمثاله على السّالك فانّ الذّكر المأخوذ منه نازلة وجوده فاذا قوى تمثّل بصورته واذا ظهر الشّيخ بمثاله على السّالك فانّ الذّكر المأخوذ منه نازلة وجوده فاذا قوى تمثّل بصورته واذا ظهر الشّيخ بمثاله رفع كلفة التّكليف عنه والتذّ بحضوره عند محبوبه ورأى انّ كلّ ما يرد عليه انّما هو من محبوبه فيلتذّ بها ولو لم يكن ملائماً لانّه يراها من محبوبه وحينئذٍ قد يكون ظهور الشّيخ بنحو ظهور المباين الخارج على المباين، وقد يكون بنحو الحلول فى وجوده، وقد يكون بنحو الاتّحاد، وقد يكون بنحو فناء السّالك وبقاء الشّيخ وحده وللسّالك فى كلّ من المراتب مراتب ودرجات وحالات وورطات مهلكات اذا اغتّر وخرج من تصرّف الشّيخ ومن عرض حاله عليه فانّه كثيراً يغتّر بما يشاهده من غير تميّز ويعتقد ما عاينه من غير عرض على بصير حتّى يبيّن له سالمه عن سقيمه فيظهر منه ما لا يرضيه الشّرع من مثل انّى انا الله، وليس فى جبّتى سوى الله ويظهر منه اعتقاد الحلول والاتّحاد والوحدة الممنوعة والاباحة والالحاد فى الّشريعة المطهّرة، ولمّا كان السّالك على الفعليّات الانسانيّة يصير الفعليّة الاخيرة صورة له وسائر الفعليّات تصير كالمادّة وشيئيّة الشيئ بصورته لا بمادّته صحّ اضافة الطّريق اليه باعتبار انّه الفعليّة الاخيرة وصحّ تفسيره به باعتبار انّه متحقّق بجميع الفعليّات، ولمّا كانت السّورة تعليماً للعباد كيف يحمدونه ويلتجؤن اليه ويدعونه فقوله تعالى اهدنا تلقين لكلّ العباد ان يدعوه للهداية فمعنى اهدنا بالنّسبة الى غير المسلم دلّنا على الطّريق الّذى هو النّبىّ الّذى هو الطّريق اليك او اوصلنا اليه وبالنّسبة الى المسلم دلّنا على الطّريق الّذى هو الولىّ الّذى يؤمن به او اوصلنا او ابقنا على الصّراط الّذى هو الاسلام باختلاف نظره فانّه ان كان ناظراً الى اسلامه وراضياً به فالمعنى أدمنا، وان كان ملتفتاً الى انّ الاسلام طريق الى الايمان فالمعنى دلّنا او أوصلنا الى الايمان، وبالنّسبة الى المؤمن الغير الحاضر عند شيخه بحسب نورانيّته أدمنا على الطّريق او أوصلنا او دلّنا بحسب اختلاف نظره وبالنّسبة الى الحاضر عند شيخه بحسب نورانيّته أدمنا او اذهب بنا على الطّريق، وبهذه الاعتبارات اختلفت الاخبار فى تفسير " اهدنا " ولمّا كان السّلوك على الصّراط المستقيم الانسانىّ لا يحصل الاّ بالولاية والولاية هى النّعمة الحقيقيّة وبها يصير الاسلام نعمة ابدل تعالى عنه قوله تعالى { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.


-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #26  
قديم 12-27-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير فرات الكوفي/ فرات الكوفي (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير فرات الكوفي/ فرات الكوفي (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق



{ اهْدِنا الصِّراطَ المْستَقيمَ، صِراطَ الذِّينَ أنْعَمْتَ عَلَيهمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيهمْ وَلا الضّالّينَ }

قال: حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني عبيد بن كثير قال: حدثنا محمد بن مروان قال: حدثنا عبيد بن يحيى بن مهران العطار قال: حدثنا محمد بن الحسين عن أبيه عن جدّه:

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [في قوله عز وجل. ص] [ { إهدنا الصراط المستقيم } " دين الله الذي نزل به جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم.ب،ر] { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين } قال: شيعة عليّ الذين أنعمت عليهم بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام لم تغضب عليهم ولم يضلّوا ".


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #27  
قديم 12-27-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }


ما لم يكن عندنا من الدين حتى يتم عندنا، والذين اهتدوا زادهم هدى، ويزيد الله الذين اهتدوا هدى، أو أدمنا عليه، والأصل اهدنا الصراط، أو إلى الصراط، والمراد هدى البيان، أو هدى الإيصال بأن نقيم عليه، ولا نموت على خلافه، أو التوفيق للعمل والتقوى.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #28  
قديم 12-27-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 1-7

تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 1-7


{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }


الهداية تطلق على الدلالة، وخصها بعضهم بالدلالة المصحوبة باللطف وأُجيب عما عساه يتجه إلى هذا من سؤال عن قول الله تعالى:

{ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات37: 23]

الذي تنافي الهداية فيه اللطف المزعوم بأن الآية واردة مورد التهكم على حد

{ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [التوبة9: 34]

وكما قال الشاعر:-

وخيل قد دلفت لها بخيلتحية بينهم ضرب وجيع


والهداية في القرآن ذات مدلولات متعددة، فلذلك تأتي تارة مسنداً فعلها إلى الله وحده ومنفيا عمن سواه، كما في قوله تعالى في خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم:

{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى42: 52]

وإسناده إلى النبيين من قبله كما في قوله عزّ من قائل:

{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [الأنبياء21: 73]

وإسناده إلى القرآن في قوله سبحانه:

{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء17: 9]

وتأتي تارة محصورة في المؤمنين وحدهم دون الكافرين كما في قوله سبحانه في وصف القرآن:

{ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة2: 2] وقوله:
{ هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } [النمل27: 2] وقوله:
{ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } [لقمان31: 3]

وقوله سبحانه في وصف المؤمنين:

{ وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } [الحج22: 24] وقوله:
{ وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت29: 69] وقوله:
{ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } (التغابن64: 11) وقوله:
{ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد47: 17] وقوله:
{ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ *سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } [محمد47: 4- 5] وقوله:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } [يونس10: 9] وقوله في النبيين:
{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [الأنعام6: 90]

وتأتي تارة شاملة للمؤمنين والكفار كما في قوله سبحانه:

{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [الإنسان76: 3] وقوله:
{ وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [البلد90: 10]

بل تأتى تارة نصا في الكفار وحدهم كما في قوله سبحانه:

وقد استظهر أصحابنا رحمهم الله من هذا أن الهداية تنقسم إلى قِسمين: هداية بيان، وهداية توفيق، فهداية البيان تعم المؤمن والكافر ويُحمل عليها نحو قوله تعالى: { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } ، وأما هداية التوفيق فهي محصورة في المؤمنين، ويُحمل عليها نحو قوله عز وجل: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } ، وهداية البيان يصح إسناد فعلها إلى غير الله تعالى كما في قوله: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } فإن المراد بهدايته صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم دعاؤه إليه المقرون ببيان معالمه، أما هداية التوفيق فليست من مقدور البشر وإنما هي من مقدور القادر على كل شيء الذي يصرف القلوب كيف يشاء، وإذا نظرنا إلى الآيات التي أوردناها وجدنا أن الهداية أوسع مدلولا وأكثر تشعبا مما ذكره أصحابنا، فمدلولها يشمل هداية الدين وغيرها، ومتعلقها الإِنسان المخاطب بهداية الدين وغيره من المخلوقات، لذلك أميل إلى ما قاله بعض أئمة التفسير في القديم والحديث في تفسير الهداية وتقسيمها إلى أقسام:-

الأول: هداية الوجدان الطبيعي والإِلهام الفطري، وتكون للإِنسان وغيره منذ الولادة، فالمولود يشعر بحاجته إلى الغذاء فيصرخ طالبا له بفطرته، ويُلهم امتصاص الثدي بمجرد وصوله إلى فيه.
-1-

الثاني: هداية الحواس والمشاعر، وهي تتميم للهداية المذكورة في القسم الأول، وهي أيضا مشتركة بين الإِنسان وغيره، بل غير الإِنسان أكمل فيها وفيما قبلها منه فإن حواس الحيوان وإلهامه تكمل له بعد ولادته بقليل، أما الإِنسان فإنه يتدرج فيها في زمن طويل، ولذلك لا تظهر عليه عقب الولاده علامات إدراك الأصوات والمرئيات، وعندما يبصر لا يمكنه تحديد المسافات فيرى البعيد قريبا وتحدثه نفسه بأن يمد إليه يده وهذا الغلط في الحس لا ينفك عن الإِنسان حتى بعد نموه وكماله، ألا تراه يرى النجم نقطة في السماء وهو قد يكون أكبر من الأرض بملايين المرات، وهذان القسمان داخلان في عموم قوله تعالى:


الثالث: هداية العقل وهي خاصة بالإِنسان من بين الكائنات الحية المستقرة في الأرض وهذا لأن الإِنسان ينوء بثقل أمانة الخلافة في الأرض وهو كائن اجتماعي تتوقف مصالحه على التعارف والتفاهم بين بني جنسه ولم يعط من قوة المشاعر الباطنة والظاهرة ما يكفيه للقيام بما تقتضيه الحياة الاجتماعية كما أعطى النحل والنمل فإن الله قد وهبها من الإِلهام الفطري ما يكفيها لأن تعيش مجتمعه يؤدي كل واحد منها وظيفة العَمَل لجميعها ويؤدي الجميع وظيفة العمل للواحد، وهذا سبب الترابط بين أفرادها ووجود النظام فيما بينها.

أما الإِنسان فلم تكن له هذه الخاصية ولم يتوفر له هذا الإِلهام، ومع ذلك فهو يتميز عنها بما منحه من شرف الخلافة في الأرض والسيادة فيها، وقد وهبه الله في مقابل ذلك هداية العقل التي هي أقوى من هداية الحس والمشاعر، فإن العقل هو الذي يصحح أخطاء الحواس والمشاعر ويكشف عن أسباب هذه الأخطاء، فعندما يرى البصر الكبير صغيرا على البعد، ويرى العود المستقيم معوجا في الماء، ويذوق الصفراوي الحلو فيحس منه المرارة يحكم العقل في ذلك فيفند هذه الأخطاء ويبين أسبابها، وحمل بعضهم على هذه الهداية قول الله سبحانه

{ وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [البلد90: 10].


الرابع: هداية الدين، فإن العقل وحده لا يستطيع أن يقوّم سلوك الإِنسان المعوج، ويهدي فكره المنحرف فإن الخطأ يتسلط عليه كما يتسلط على الحس، وقد يتأثر عقل الإِنسان بالجو الذي يعيش فيه، والمحيط الذي يتربى وسطه، فيستحسن ما يستقبحه غيره، ويستقبح ما يستحسنه سواه، وقد تستعلى عواطفه أو رغباته على العقل فتطمس نوره وتوهن قواه، ولذلك ينساق كثير من الناس - مع ما أتوه من قوة التفكير - وراء شهواتهم وعواطفهم، غير مبالين بالمصير الذي تؤديهم إليه، بل يسخّرون أحيانا طاقاتهم العقلية والحسية للوصول إل ما يهدفون إليه من مقاصد دنيئة، بدلا من استخدام العقل فيما يؤول إلى سعادة الإِنسان الشخصية والنوعية، ولا تقف رغبات الإِنسان عند حد معين، ولذلك كثيرا ما تفضي به إلى التطاول إلى ما فيه يد غيره، وعدم المبالاة بإمتهان كرامة بني جنسه، فيؤدي الأمر إلى التنازع والتدافع والتقاتل والتفاني، ولا تغني تلك الهدايات شيئا، وهذا أمر مشاهد حتى في الشعوب والأمم التي تعد نفسها أرقى من غيرها حضارة، ولا أدل على ذلك مما يحصل أحيانا في سلسلة الحروب الدولية، من إبادة شعوب أو استرقاقها، واهلاك الحرث والنسل بالوسائل العلمية، التي تستخدمها عقول ضلت سبيل الرشد وأخفقت في بناء مجتمع بشري ينعم بالسعادة والهناء والإِستقرار، ومن ثم كان الإِنسان بحاجة إلى هداية أسمى من الهدايات السابقة الذكر تملأ القلب خشية من سلطة غيبية أعلى وأجل من تصورات البشر ومدارك العقول والأفكار، وتضع حدودا للأعمال ورسوما لكل ما تتطلبه حياة الإِنسان فلا يعدو أحد على غيره، كما تصل الإِنسان بالغيب الذي يتطلع إليه وما هو ببالغه إلا من طريق هذه الهداية.
-2-

هذا وقد أودع في غريزة كل إنسان الشعور بهذه القوة الغيبية التي لا يحاط بها علما، والتي تهيمن على الوجود كله وإليها يرد الإِنسان بفطرته كل ما لا يعرف له سببا لأنها هي التي تهب كل موجود ما يكون به قوام وجوده، كما أودع في غريزة كل أحد بأن هذه الحياة الدنيا ليست هي الحياة النهائية التي يحياها الإِنسان ولذلك يتطلع كل أحد إلى حياة أوسع منها.

والهدايات الثلاث السابقة لا تصل إلى تحديد ما يجب على الإِنسان لذي القوة الغيبية الذي خلقه في أحسن تقويم وسخر له ما يحتاج إليه كما لا تصل إلى تحديد ما تكون به السعادة في الحياة الأخرى، ومن هنا كانت ضرورته إلى الدين وإفتقاره إلى توجيهه، والهدايات الثلاث السابقة مشتركة بين البر والفاجر، ويرى بعض المفسرين أنها يشار إليها جميعا بقوله تعالى:

{ وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [البلد90: 10]

وبعضهم يرى دخول الهداية الرابعة ضمن الإِشارة وهذه الهداية الرابعة - أعني هداية الدين - قد يشارك فيها الفاجر إذا فسرت بالبيان دونما إذا فسرت بالتوفيق كما أسلفنا من قبل، وهداية التوفيق تنقسم إلى ثلاث مراتب:-


المرتبة الأولى: التوفيق لقبول الحق والعمل به وإليها الإِشارة بنحو قوله عز وجلَّ:
-3-

{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [البقرة2: 272].

المرتبة الثانية: التوفيق للإِستمرار على الحق والإِستزادة منه، وإليها الإِشارة بنحو قوله تعالى:

{ وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت29: 69]

فإن الجهاد نفسه لا يكون إلا بهداية توفيقية من الله سبحانه، وقوله:

{ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد47: 17]

واختُلف في هذه الهداية، هل هي مكتسبة من العبد نظراً إلى العمل يسببها؟ نحو الجهاد الوارد في قوله عزَّ وجل: { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا } ، أو هي هبة من الله لعبده نظرا إلى أن الله هو الذي أفاضها عليه، والاختلاف باختلاف الاعتبارات ليس غير، ولذلك تصح نسبة إكتسابها إلى العبد كما تصح نسبة هبتها إلى الله تعالى.


المرتبة الثالثة: التوفيق لجوار الله سبحانه في جنات عدن وإليها الإِشارة بقوله عز وجل:

{ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ *سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ *وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } [محمد47: 4- 6] وقوله:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [يونس10: 9]

وهذه هي أسمى مراتب الهدايات وأرقى منازل المهتدين، وجميع الهدايات السابقة سُلّم للصعود إليها، ووسائل للحصول عليها.


والأصل في كلمة هدى أن تستعمل بمعنى الإِمالة - هكذا نقل القرطبي في تفسيره - واستدل له بقوله تعالى:

{ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } [الأعراف7: 156]

أي ملنا، وبحديث عائشة في الصحيحين: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهادى بين رجلين " أي يتمايل من المرض، ومنه الهدية لأنها تمال من مِلك إلى مِلك والهَدْيُ للحيوان الذي يساق إلى الحرم، لأنه يمال به من مكان إلى مكان، وفي الاستدلال لذلك بقوله تعالى: { إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } نظر فإنه من هاد يهود وليس من هدى يهدي.


ويتعدى فعل الهداية إلى المفعول الثاني بنفسه كما في هذه الآية، وفي قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام:

{ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } [مريم19: 43]

ويتعدى إليه باللام نحو قوله سبحانه حكاية عن أهل الجنة:


وللعلماء آراء في التفرقة بين معنى الهداية إن تعدت بِنَفْسِها إلىالمفعول الثاني ومعناها إن تعدت إليه بحرف. ولم تقم أدلة على صحة آرائهم بل قامت على دحض بعضها لذلك استغنيت عن ذكرها. وَطلبُ الهداية هنا محمول على طلب المزيد منها، أو على طلب التوفيق للاستمرار عليها لأن الإِنسان عرضة للخطأ والضلال والتأثر بالمؤثرات الداخلية والخارجية، وبهذا يجاب عما لو سُئل:

أليس مَن حمد الله بمحامده، ووصفه بصفاته، وخصه بالعبادة والإِستعانة مهتديا؟ فلماذا يطلب منه الهداية؟ وهل هو إلا تحصيل حاصل؟..

والصراط الطريق ومنه قول الشاعر:
-4-

أمير المؤمنين على صراطإذا اعْوجَّ الموارد مستقيم


وقول الآخر:

وطِئْنَا أرضهم بالخيل حتىتركناهم أذل من الصراط


وأصله السراط بالسين لأنه يسترط السابلة أي يبتلعها، أو يسترطه السابل بالقطع، ولذلك سمي لَقَمًا لأنه يلتقم السالك، أو يلتقمه السالك وأُبدلت السين صادا لمكان الطاء.

روى الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } بالصاد، وروى البخاري في تاريخه وسعيد بن منصور وعبد بن وحميد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ { السراط المستقيم } بالسين، والقراءة بالسين أخرجها ابن الأنباري عن ابن كثير، أحد القراء السبعة والرواية عنه مختلفة، فقد روى عنه أيضا الصاد والمضارعة بينها وبين الزاي، وأخرج ابن الأنباري أيضا عن حمزة أنه كان يقرأ (الزراط) بالزاي الخالصة، قال الفرّاء: وهي لغة لعذرة وكلب وبني القين، وهذه القراءة رواها الأصمعي عن أبي عمرو، وذكر ابن عطية وأبو حيان في تفسيرهما عن بعض اللغويين، أنه قال ما حكاه الأصمعي من هذه القراءة خطأ منه، إنما سمع أبا عمرو يقرأ بالمضارعة فتوهمها زايا، ولم يكن الأصمعي نحويا فيؤمن على هذا.

ثم ذكر أن هذا الكلام حكاه أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد، وقد مر أن هذه القراءة أسندها ابن الأنباري إلى حمزة، وهو أحد القراء السبعة، وأنها لغة عذرة وكلب وبني القين، فتخطئة بعض اللغويين للأصمعي في نقلها عن ابي عمرو تسرّع منه، وأبو حيان الذي نقل هذه التخطئة كما نقلها ابن عطية نقل من بعد عن ابي جعفر الطوسي، وهو أحد أئمة التفسير من الشيعة الإِمامية، أنه قال: " الصراط بالصاد لغة قريش، وهي اللغة الجيدة وعامة العرب يجعلونها سينا، والزاي لغة عذرة وكعب وبني القين " والجمهور قرأوا بالصاد.

وللمفسرين أقوال في معنى الصراط ترجع إلى ما قاله ابن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وهو كذلك في لغة جميع العرب.

قيل: هو القرآن، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير عن علي كرم الله وجهه مرفوعا، ورواه ابن جرير موقوفا عليه، ويشهد له ما رواه أحمد والترمذي عن علي مرفوعا في فضائل القرآن، " وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم " وقد تقدم الحديث بتمامه في مقدمة التفسير، وهذا القول أخرجه ابن المنذر ووكيع وعبد بن وحميد وأبو بكر الأنباري والحاكم وصححه، والبيهقي عن ابن مسعود.

وقيل هو الإِسلام أخرجه وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه، عن جابر بن عبد الله ونص ما رووا عنه أنه قال: (هو دين الإسلام وهو أوسع مما بين السماء والأرض)، وأخرج نحوه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك عن ابن مسعود وناس من الصحابة وروى ابن جرير عن محمد بن الحنفية أنه قال: هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو الإِسلام، رواه عنه ابن جرير ايضا، ويشهد لهذا التفسير قول الله تعالى:
-5-

{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [الأنعام6: 161]

كما يشهد له ما اخرجه أحمد والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شُعَب الإِيمان عن النوّاس ابن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتّحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تَفَرّقوا، وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإِنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإِسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم " قال ابن كثير: - بعدما أورد بعض أسانيد الحديث - وهو إسناد حسن صحيح.

وقيل: هو السُّنَّة ذكره بعض المفسرين عن بعض الصحابة.

وقيل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمرو، أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن عساكر عن عاصم الأحول عن أبي العالية، وجاء فيه عن عاصم الأحول أنه ذكر للحسن البصري تفسير أبي العالية فقال: صدق ابو العاليه ونصح، وأخرج الحاكم وصححه عن أبي العالية عن ابن عباس مثله.

قال قطب الأئمة رحمه الله في الهيميان: " ويُقدر مضاف أي اهدنا اتِّباعهم، وفيه تكلف بعيد، وتجوز تسمية أشخاصهم طريقا ووجهه أنهم واسطة إلى الجنة لمن اقتدى بهم ممن أنعم الله عليه، وعلى هذا الأخير يكون الخطاب لغيره صلى الله عليه وسلم وغير أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، قيل: وهو قوي في المعنى ".

وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر القرطبي في تفسيره عن الفضيل بن عياض أنه قال: هو طريق الحج، قال القرطبي: وهذا خاص والعموم أولى.

وهذه الأقوال كلها ما عدا الأخير متحدة في المعنى وإن اختلفت في اللفظ، فإن الإِسلام يتمثل في تعاليم القرآن وهديه، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه وهدى أصحابه رضي الله عنهم، فلا يختلف تفسير من فسره بالقرآن عن تفسير من فسّره بالإِسلام أو السنة أو الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وإنما اختلفت العبارات لإِختلاف الإِعتبارات، وقد أوردنا سابقا كلام ابن تيميه، الذي أوضح فيه أن مثل هذا لا يُعد خلافا، وانتقد الفخر الرازي تفسير الصراط المستقيم بالإِسلام أو القرآن نظرا إلى أن قوله تعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } بدل من { ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } والبدلية تقتضي صحة حلول البدل محل المبدل منه، فكأنه قيل: إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، والأمم السابقة لم يكن لها القرآن والإِسلام، ورد عليه أبو حيان في البحرالمحيط بأن هذا لا يتأتي له إلا إذا صح أن الذين أنعم الله عليهم هم متقدمون، قال: " وستأتي الأقاويل في تفسير الذين أنعم الله عليهم ": ورد الألوسي على الفخر بما حاصله أن الفخر نفسه اختار فيما اختار من الوجوه التي ارتضاها أن الصراط المستقيم هو الوسط بين طرفي الإِفراط والتفريط في كل الأخلاق وفي كل الأعمال، وأكد ذلك بقوله تعالى:
-6-

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [البقرة2: 143]

قال الألوسي: " فياليت شعري ماذا يقول لو قيل له لو لم يكن هذا للمتقدمين من الأمم، وتلونا عليه الآية التي ذكرها، وسبحان من لا يُرد عليه ".

هذا وقد تقدم ما يدل على صحة تفسير الصراط المستقيم بالإِسلام من القرآن والحديث، ومما يؤكد ذلك قول الله تعالى:

{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام6: 153]

ولا معنى لما يقوله الفخر، من أن الأمم لم يكن لها إسلام، فإن الإِسلام لم تختص به هذه الأمة فحسب، بل هو مشترك بينها وبين جميع الأمم، التي اتبعت هدى أنبيائها فإن المرسلين ما بعثوا لتفريق الدين بل بعثوا لجمعه وتوحيده، وينص على ذلك قول الله تعالى:

{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [الشورى42: 13]

وإذا كانت شرائع النبيين قد اختلفت باختلاف الظروف التي واجهوها، وأحوال الأمم التي بعثوا فيها، فإن أصول دينهم لم تختلف، إذ لم يأت رسول إلا ويدعو إلى توحيد الله وعدم إشراك غيره في العبادة، وهذا هو الإِسلام عينه. ومما يدل على ما قلناه قول الحق سبحانه

{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [آل عمران3: 67]

وقد حكى الله عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أنهما كانا يقولان - وهما يرفعان قواعد البيت العتيق -:

{ رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [البقرة2: 128] وقال عز وجل:
{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ *إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ *وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } (البقرة2: 130-132)
-7-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #29  
قديم 12-27-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق

تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }


تهيأ لأصحاب هذه المناجاة أن يسعوا إلى طلب حظوظهم الشريفة من الهداية بعد أن حمدوا الله ووصفوه بصفات الجلالة ثم أتبعوا ذلك بقولهم: { إياك نعبد وإياك نستعين } الذي هو واسطة جامع بين تمجيد الله تعالى وبين إظهار العبودية وهي حظ العبد بأنه عابد ومستعين وأنه قاصر ذلك على الله تعالى، فكان ذلك واسطة بين الثناء وبين الطلب، حتى إذا ظنوا بربهم الإقبال عليهم ورجَوا من فضله، أفضوا إلى سُؤَل حظهم فقالوا: { اهدنا الصراط المستقيم } فهو حظ الطالبين خاصة لما ينفعهم في عاجلهم وآجلهم، فهذا هو التوجيه المناسب لكون الفاتحة بمنزلة الديباجة للكتاب الذي أُنزل هدى للناس ورحمة فتتنزل هاته الجملة مما قبلها منزلة المقصد من الديباجة، أو الموضوع من الخطبة، أو التخلص من القصيدة، ولاختلاف الجمل المتقدمة معها بالخبرية والإنشائية فصلت هذه عنهن، وهذا أَوْلى في التوجيه من جعلها جواباً لسؤال مقدر على ما ذهب إليه صاحب «الكشاف».

والهداية الدلالة بتلطف ولذلك خصت بالدلالة لما فيه خير المدلول لأن التلطف يناسب من أريد به الخير، وهو يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه لأن معناه معنى الإرشاد، ويتعدى إلى المفعول الثاني وهو المهدى إليه بإلى وباللام والاستعمالان واردانِ، تقول هديته إلى كذا على معنى أوصلته إلى معرفته، وهديته لكذا على معنى أرشدته لأجل كذا:

{ فَاهْدُوهُم إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } [الصافات37: 23]،
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } [الأعراف7: 43]

وقد يعدى إلى المفعول الثاني بنفسه كما هنا على تضمينه معنى عرف قيل هي لغة أهل الحجاز وأما غيرهم فلا يعديه بنفسه وقد جعلوا تعديته بنفسه من التوسع المعبر عنه بالحذف والإيصال. وقيل الفرق بين المتعدي وغيره أن المتعدي يستعمل في الهداية لمن كان في الطريق ونحوه ليزداد هدى ومصدره حينئذٍ الهداية، وأما هداه إلى كذا أو لكذا فيستعمل لمن لم يكن سائراً في الطريق ومصدره هُدى، وكأن صاحب هذا القول نظر إلى أن المتعدي بالحرف إنما عدي لتقويته والتقوية إما أن يقصد بها تقوية العامل لضعفه في العمل بالفرعية أو التأخير، وإما أن يقصد بها تقوية معناه، والحق أن هذا إن تم فهو أغلبي على أنه تخصيص من الاستعمال فلا يقتضي كون الفعل مختلف المعنى لأن الفعل لا تختلف معانيه باعتبار كيفية تعديته إلا إذا ضمن معنى فعل آخر، على أن كلاً من الهُدَى والهداية اسم مصدر والمصدر هو الهَدْي. والذي أراه أن التعدية والقصور ليسا من الأشياء التي تصنع باليد أو يصطلح عليها أحد، بل هي جارية على معنى الحدث المدلول للفعل فإن كان الحدث يتقوم معناه بمجرد تصور من قام به فهو الفعل القاصر وإن كان لا يتقوم إلا بتصور من قام به ومن وقع عليه فهو المتعدي إلى واحد أو أكثر، فإن أشكلت أفعال فإنما إشكالها لعدم اتضاح تشخص الحدث المراد منها لأن معناها يحوم حول معان متعددة.

-1-

وهدَى متعد لواحد لا محالة، وإنما الكلام في تعديته لثان فالحق أنه إن اعتبر فيه معنى الإراءة والإبانة تعدى بنفسه وإن اعتبر فيه مطلق الإرشاد والإشارة فهو متعد بالحرف فحالة تعديته هي المؤذنة بالحدث المتضمن له.

وقد قيل إن حقيقة الهداية الدلالة على الطريق للوصول إلى المكان المقصود فالهادي هو العارف بالطرق وفي حديث الهجرة: «إن أبا بكر استأجر رجلاً من بني الديل هادياً خِريتاً» وإن ما نشأ من معاني الهداية هو مجازات شاع استعمالها. والهداية في اصطلاح الشرع حين تسند إلى الله تعالى هي الدلالة على ما يرضي الله من فعل الخير ويقابلها الضلالة وهي التغرير.

واختلف علماء الكلام في اعتبار قيد الإيصال إلى الخير في حقيقة الهداية فالجمهور على عدم اعتباره وأنها الدلالة على طريق الوصول سواء حصل الوصول أم لم يحصل وهو قول الأشاعرة وهو الحق. وذهب جماعة منهم الزمخشري إلى أن الهداية هي الدلالة مع الإيصال وإلا لما امتازت عن الضلالة أي حيث كان الله قادراً على أن يوصل من يهديه إلى ما هداه إليه، ومرجع الخلاف إلى اختلافهم في أصل آخر وهو أصل معنى رضى الله ومشيئته وإرادته وأمره، فأصحاب الأشعري اعتبروا الهداية التي هي من متعلق الأمر، والمعتزلة نظروا إلى الهداية التي هي من متعلق التكوين والخلْق، ولا خلاف في أن الهداية مع الوصول هي المطلوبة شرعاً من الهادي والمهدي مع أنه قد يحصل الخطأ للهادي وسوء القبول من المهدي وهذا معنى ما اختار عبد الحكيم أنها موضوعة في الشرع لقدر المشترك لورودها في القرآن في كل منهما قال:


والهداية أنواع تندرج كثرتها تحت أربعة أجناس مترتبة: الأول إعطاء القوى المحركة والمدركة التي بها يكون الاهتداء إلى انتظام وجود ذات الإنسان، ويندرج تحتها أنواع تبتدىء من إلهام الصبي التقام الثدي والبكاء عند الألم إلى غاية الوجدانِيَّات التي بها يدفع عن نفسه كإدراك هول المهلكات وبشاعة المنافرات، ويجلب مصالحه الوجودية كطلب الطعام والماء وذودِ الحشرات عنه وحك الجلد واختلاج العين عند مرور ما يؤذي تجاهها، ونهايتها أحوال الفكر وهو حركة النفس في المعقولات أعني ملاحظة المعقول لتحصيل المجهول في البديهيات وهي القوة الناطقة التي انفرد بها الإنسان المنتزعة من العلوم المحسوسة.

الثاني نصب الأدلة الفارقة بين الحق والباطل والصواب والخطأ، وهي هداية العلوم النظرية. الثالث الهداية إلى ما قد تقْصُر عنه الأدلة أو يفضي إعمالها في مثله إلى مشقة وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب وموازين القسط وإليها الإشارة بقوله تعالى في شأن الرسل:
-2-

{ وَجَعَلْنَاهُم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [الأنبياء21: 73].

الرابع أقصى أجناس الهداية وهي كشف الحقائق العُليا وإظهار أسرار المعاني التي حارت فيها أَلباب العقلاء إما بواسطة الوحي والإلهام الصحيح أو التجليات، وقد سمى الله تعالى هذا هدى حين أضافه للأنبياء فقال:


ولا شك أن المطلوب بقوله { اهدنا } الملقَّن للمؤمنين هو ما يناسب حال الداعي بهذا إن كان باعتبار داع خاص أو طائفة خاصة عندما يقولون: اهدنا، أو هو أنواع الهداية على الجملة باعتبار توزيعها على من تأهل لها بحسب أهليته إن كان دعاء على لسان المؤمنين كلهم المخاطبين بالقرآن، وعلى كلا التقديرين فبعض أنواع الهداية مطلوب حصوله لمن لم يبلغ إليه، وبعضها مطلوب دوامه لمن كان حاصلاً له خاصة أو لجميع الناس الحاصل لهم، وذلك كالهداية الحاصلة لنا قبل أنْ نسألها مثل غالب أنواع الجنس الأول.

وصيغة الطلب موضوعة لطلب حصول الماهية المطلوبة من فعل أو كف فإذا استعملت في طلب الدوام كان استعمالها مجازاً نحو:

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ءَامِنُوا } [النساء4: 136]

وذلك حيث لا يراد بها إلا طلب الدوام. وأما إذا استعملت في طلب الدوام للزيادة مما حصل بعضُه ولم يحصل بعضه فهي مستعملة في معناها وهو طلب الحصول لأن الزيادة في مراتب الهداية مثلاً تحصيل لمواد أخرى منها. ولما كان طلب الزيادة يستلزم طلب دوام ما حصل إذ لا تكاد تنفع الزيادة إذا انتقض الأصل كان استعمالها حينئذٍ في لازم المعنى مع المعنى فهو كناية. أما إذا قال: { اهدنا الصراط المستقيم } من بلَغَ جميع مراتب الهداية ورقَى إلى قمة غاياتها وهو النبي صلى الله عليه وسلم فإن دعاءه حينئذٍ يكون من استعمال اللفظ في مجاز معناه ويكون دعاؤه ذلك اقتباساً من الآية وليس عين المراد من الآية لأن المراد منها طلب الحصول بالمزيد مع طلب الدوام بطريقة الالتزام ولا محالة أن المقصود في الآية هو طلب الهداية الكاملة.


والصراط الطريق وهو بالصاد وبالسين وقد قرىء بهما في المشهورة وكذلك نطقت به بالسين جمهور العرب إلا أهل الحجاز نطقوه بالصاد مبدلة عن السين لقصد التخفيف في الانتقال من السين إلى الراء ثم إلى الطاء قال في «لطائف الإشارات» عن الجعبري إنهم يفعلون ذلك في كل سين بعدها غين أو خاء أو قاف أو طاء وإنما قلبوها هنا صاداً لتُطابقَ الطاء في الإطباق والاستعلاء والتفخم مع الراء استثقالاً للانتقال من سفل إلى علو ا هـ. أي بخلاف العكس نحو طَسْت لأن الأول عمل والثاني ترك. وقَيسٌ قلبوا السين بين الصاد والزاي وهو إشمام وقرأ به حمزة في رواية خلف عنه. ومن العرب من قلب السين زاياً خالصة قال القرطبي: وهي لغة عُذرة وكلب وبني القَيْن وهي مرجوحة ولم يُقرأ بها، وقد قرأ باللغة الفصحى (بالصاد) جمهور القراء وقرأ بالسين ابن كثير في رواية قنبل، والقراءة بالصاد هي الراجحة لموافقتها رسم المصحف وكونها اللغة الفصحى.
-3-

فإن قيل كيف كتبت في المصحف بالصاد وقرأها بعض القراء بالسين؟ قلت إن الصحابة كتبوها بالصاد تنبيهاً على الأفصح فيها، لأنهم يكتبون بلغة قريش واعتمدوا على علم العرب فالذين قرأوا بالسين تأولوا أن الصحابة لم يتركوا لغة السين للعلم بها فعادلوا الأفصح بالأصل ولو كتبوها بالسين مع أنها الأصل لتوهم الناس عدم جواز العدول عنه لأنه الأصل والمرسوم كما كتبوا المصيطر بالصاد مع العلم بأن أصله السين فهذا مما يَرجِع الخلاف فيه إلى الاختلاف في أداء اللفظ لا في مادة اللفظ لشهرة اختلاف لهجات القبائل في لفظ مع اتحاده عندهم.

والصراط اسم عربي ولم يقل أحد من أهل اللغة أنه معرب ولكن ذَكر في «الإتقان» عن النقاش وابن الجوزي أنه الطريق بلغة الروم وذكر أن أبا حاتم ذكر ذلك في كتاب «الزينة» له وبنى على ذلك السيوطي فزاده في «منظومته في المعرب».

والصراط في هذه الآية مستعار لمعنى الحق الذي يبلغ به مدركه إلى الفوز برضاء الله لأن ذلك الفوز هو الذي جاء الإسلام بطلبه.

والمستقيم اسم فاعل استقام مطاوع قومته فاستقام، والمستقيم الذي لا عوج فيه ولا تعاريج، وأحسن الطرق الذي يكون مستقيماً وهو الجادة لأنه باستقامته يكون أقرب إلى المكان المقصود من غيره فلا يضل فيه سالكه ولا يتردد ولا يتحير.

والمستقيم هنا مستعار للحق البين الذي لا تخلطه شبهة باطل فهو كالطريق الذي لا تتخلله بُنَيَّات، عن ابن عباس أن الصراط المستقيم دين الحق، ونقل عنه أنه ملة الإسلام، فكلامه يفسر بعضُه بعضاً ولا يريد أنهم لقنوا الدعاء بطلب الهداية إلى دين مضى وإن كانت الأديان الإلٰهية كلها صُرُطاً مستقيمة بحسب أحوال أممها يدل لذلك قوله تعالى في حكاية غَواية الشيطان:


فالتعريف في (الصراط المستقيم) تعريف العهد الذهني، لأنهم سألوا الهداية لهذا الجنس في ضمن فرد وهو الفرد المنحصر فيه الاستقامة لأن الاستقامة لا تتعدد كما قال تعالى:

{ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ } [يونس10: 32]

ولأن الضلال أنواع كثيرة كما قال:

{ وَلَو أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ } [المائدة5: 100]

وقد يوجه هذا التفسير بحصول الهداية إلى الإسلام فعلمهم الله هذا الدعاء لإظهار منته وقد هداهم الله بما سبق من القرآن قبل نزول الفاتحة ويهديهم بما لحق من القرآن والإرشاد النبوي. وإطلاق الصراط المستقيم على دين الإسلام ورد في قوله تعالى:

{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً } [الأنعام6: 161].


والأظهر عندي أن المراد بالصراط المستقيم المعارف الصالحات كلها من اعتقاد وعمل بأن يوفقهم إلى الحق والتمييز بينه وبين الضلال على مقادير استعداد النفوس وسعة مجال العقول النيرة والأفعال الصالحة بحيث لا يعتريهم زيغ وشبهات في دينهم وهذا أولى ليكون الدعاء طلب تحصيل ما ليس بحاصل وقت الطلب وإنَّ المرء بحاجة إلى هذه الهداية في جميع شؤونه كلها حتى في الدوام على ما هو متلبس به من الخير للوقاية من التقصير فيه أو الزيغ عنه.
-4-

والهداية إلى الإسلام لا تُقْصَر على ابتداء اتباعه وتقلده بل هي مستمرة باستمرار تشريعاته وأحكامه بالنص أو الاستنباط. وبه يظهر موقع قوله: { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } مصادفاً المحز.
-5-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #30  
قديم 12-27-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-2



وقوله تعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.

لم يبين هنا من هؤلاء الذين أنعم عليهم. وبين ذلك في موضع آخر بقوله:


تنبيهان

الأول: يؤخذ من هذه الآية الكريمة صحة إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. لأنه داخل فيمن أمرنا الله في السبع المثاني والقرآن العظيم. - أعني الفاتحة - بأن نسأله أن يهدينا صراطهم. فدل ذلك على أن صراطهم هو الصراط المستقيم.

وذلك في قوله: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ، وقد بين الذين أنعم عليهم فعد منهم الصديقين. وقد بين صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر رضي الله عنه من الصديقين، فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم.. الذين أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى صراطهم فلم يبق لبس في أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه على الصراط المستقيم، وأن إمامته حق.

الثاني: قد علمت أن الصديقين من الذين أنعم الله عليهم. وقد صرح تعالى بأن مريم ابنة عمران صديقة في قوله:

{ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } [المائدة5: 75] الآية -

وإذن فهل تدخل مريم في قوله تعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة: 7] أو لا؟


الجواب: أن دخولها فيهم يتفرع على قاعدة أصولية مختلف فيها معروفة، وهي: هل ما في القرآن العظيم والسنة من الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها مما يختص بجماعة الذكور تدخل فيه الإناث أو لا يدخلن فيه إلا بدليل منفصل؟ فذهب قوم إلى أنهن يدخلن في ذلك. وعليه: فمريم داخلة في الآية واحتج أهل هذا القول بأمرين:

الأول: إجماع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجمع.

والثاني: ورود آيات تدل على دخولهن في الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها، كقوله تعالى في مريم نفسها:

{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً } [البقرة2: 38] الآية -

فإنه تدخل فيه حواء إجماعاً. وذهب كثير إلى أنهن لا يدخلن في ذلك إلا بدليل منفصل. واستدلوا على ذلك بآيات كقوله:

{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُم وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } [الأحزاب33: 35] وقوله تعالى:
{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ } [النور24: 30]، ثم قال:
{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } [النور24: 31] الآية -

فعطفهن عليهم يدل على عدم دخولهن. وأجابوا عن حجة أهل القول الأول بأن تغليب الذكور على الإناث في الجمع ليس محل نزاع.

-1-

وإنما النزاع في الذي يتبادر من الجمع المذكر ونحوه عند الإطلاق. وعن الآيات بأن دخول الإناث فيها. إنما علم من قرينة السياق ودلالة اللفظ، ودخولهن في حالة الاقتران بما يدل على ذلك لا نزاع فيه.

وعلى هذا القول: فمريم غير داخلة في الآية. وإلى هذا الخلاف أشار في مراقي السعود بقوله:

وما شمول من للأنثى جنفوفي شبيه المسلمين اختلفوا


وقوله: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }.

قال جماهير من علماء التفسير { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } اليهود و { ٱلضَّآلِّينَ } النصارى. وقد جاء الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه. واليهود والنصارى وإن كانوا ضالين جميعاً مغضوباً عليهم جميعاً، فإن الغضب إنما خص به اليهود، وإن شاركهم النصارى فيه، لأنهم يعرفون الحق وينكرونه ويأتون الباطل عمداً، فكان الغضب أخص صفاتهم. والنصارى جهلة لا يعرفون الحق، فكان الضلال أخص صفاتهم.

وعلى هذا فقد يبين أن { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } اليهود. قوله تعالى فيهم:

{ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ } [البقرة2: 90] الآية -

وقوله فيهم أيضاً:

-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:13 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.