إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > مكتبة الأقصى الخثنية > منتدى الدراسات والأبحاث والإصدارات

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 09-28-2010
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي موضوع طرح سابقاً متعلق بأنصار العمل الإسلامي الموحد

الأحزاب في الإسلام
يذهب الكثير من أبناء الجماعات والأحزاب الإسلامية في هذه الأيام إلى وجوب وجود أحزاب في الأُمة ويعتبرونه ظاهرة صحية لا يتم حمل الدعوة الإسلامية إلا من خلالها، بل وأبعد من ذلك قالوا: إنّ دولة الخلافة لا تُقام إلا بحزب.
أمّا الحزب لغة: فهو جماعة الناس، والحزب: الجماعة، والحزب: الطائفة، والحزب: جُند الرجل وأصحابه الذين على رأيه، وهذا يعني أنه لا فرق بين الحزب والجماعة عند من يرى نفسه جماعة لا حزباً، إلا أن يقال بأنّ الحزب أخص من الجماعة، ولم نجد على ذلك أثارة من لغة.
أمّا أبرز الأدلة التي يعتمدون عليها في هذه الدعوى، فقوله تعالى ( ولتكن منكم أُمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأُولئك هم المفلحون) وقاعدة ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وأنّ النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- أقام حزبا في العهد المكي.
أمّا بالنسبة للآية الكريمة فلا علاقة لها بإنشاء أحزاب لا لإقامة خلافة ولا لغيره في الرأي الراجح، وذلك للاعتبارات التالية:
أولا: هذه الآية مدنية لا مكية، أي نزلت في المدينة بعد إقامة الدولة الإسلامية، فلو كان لها علاقة بطريقة إقامة الدولة لنـزلت في العهد المكي لا المدني، فلا يصح إدخالها على هذه الطريقة.
ثانيا: إنّ الآية ظنية الدلالة، فكما أنّ قوله تعالى ( منكم ) تفيد التبعيض عند البعض كالبيضاوي والقرطبي وغيرهما، فإنها تفيد بيان الجنس عند البعض الآخر كأبي جعفر النحاس و الرازي وغيرهما، وهذا يعني أنّ الآية محتملة لهذه الوجوه والاحتمال لا يقوم به استدلال أُصولا، فكيف به وهنالك احتمال يعارضه، فلا تقوم به حجة من باب أولى إلا بمرجح شرعي، وترجيح أن تكون ( منكم ) للبيان لا للتبعيض أقوى لأنها تتفق مع قوله تعالى (كنتم خير أُمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وهذا عامٌّ لكل الأُمة، وتتفق أيضا مع كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضا على جميع المسلمين كما في الحديث الصحيح ( من رأى منكم منكرا فليغيره) فقوله (مَن) في هذا الحديث هي من ألفاظ العموم أيضا، أي كل من رأى بحزب أو بغير حزب، فرداً كان أو جماعة.
ويتفق كونها للبيان لا للتبعيض أيضا مع قوله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ) ومع قوله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) ومع قوله تعالى ( أنّي لا أُضيع عمل عامل منكم ) ومع قوله تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات ) ومع قوله تعالى(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) وإلا فإنها الطامّة الكبرى أن تكون (منكم) في هذه الآيات بمعنى ( بعضكم) أي انه بذلك يُغفر لبعض الصحابة دون بعض، ويَرفع بعض من آمن منهم دون بعض، ويُضيع عمل بعض منهم دون بعض، وأنّ الفتنة تُصيب بعض من ظلم دون بعض، وهذا كله محال، فلم يبق إلا أن تكون ( منكم ) في هذه الآيات لبيان الجنس لا للتبعيض وهذا كله نظير قوله تعالى ( ولتكن منكم أُمّـة).
ثالثا:لو كانت الآية تفيد فرضية إيجاد حزب أو أحزاب، لما خفي ذلك على أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يثبت أنهم -رضي الله عنهم-أنشأوا أحزاباً طيلة حياتهم، ومحال أن يتركوا فرضا فرضه الله تعالى عليهم أو أن يكونوا جهلوه وهم يتلون الآية آناء الليل وأطراف النهار.
فإنْ قيل بأنهم كانوا يشكلون أحيانا مجموعات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كجماعة بلال حين وقفوا لعمر-رضي الله عنهم- يوم أرادوا توزيع السواد.
الجواب عليه:
ليس فيه أنهم أنشأوا أحزاباً بالمفهوم السائد اليوم، أضف إلى ذلك بأنّ عمر-رضي الله عنه- قد دعا عليهم فقال ( اللهم اكفني بلالاً وصحبه ) ولم يُنكر عليه أحد، فلو كان الأمر سائغا أو واجباً لما جاز لعمر أن يدعو عليهم فيستجيب الله له، فإنه لم يمض عليهم عام إلا وقد ماتوا جميعا على ما جاء في سنن البيهقي.
ثم الكلام عن أحزاب سياسية لإقامة الخلافة في الدرجة الأُولى لا عن أي حزب فلا يصح هذا المثال دليلا على فرضية إيجاد الحزب بهذا المفهوم إضافة لما تقدم.
رابعا: على فرض أنّ آية ( ولتكن منكم أُمّـة ) تحتمل أنها للتبعيض وانه لا يوجد ما يعارضها من الاحتمالات، إلا أنه ليس فيها مطلقا أنّ الدولة لا تقوم إلا بحزب، وخصوصاً وإنها مدنية لا مكية أي لا علاقة لها بأحكام الطريقة في كيفية إقامة الدولة.
أمّا بالنسبة لقاعدة ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) فإنها فوق كونها ليست دليلا برأسها بل هي رأي مستنبط كأي رأي اجتهادي آخر، فإنها لا تنطبق على هذه الدعوى وذلك للوجوه التالية:
أولا: لا يوجد أي دليل يدل على أنّ دولة الخلافة لا تقام إلا بحزب فيأخذ الحزب حكم الدولة في الوجوب عملا بالقاعدة المذكورة، فلا هو سبب، ولا هو شرط، ولا هو علة، فلا وجوب فيه، وكل ما قيل فيه هو تأويلات عقلية منطقية خالية من الفقه وأُصوله، فلا ترقى إلى مستوى الأدلة.
ثانيا: إنّ القول بأنّ الخلافة لا تقوم إلا بحزب عملا بهذه القاعدة، فإنه فوق كونه من غير دليل وإنّ القاعدة لا تنطبق عليه، فإنه يصطدم مع الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويصطدم مع الواقع.
أمّا اصطدامه مع الخبر: فذلك خبره -صلى الله عليه وسلم- عن خليفة آخر الزمان محمد بن عبد الله المهدي صاحب الخلافة الثانية على منهاج النبوة، فإنه لم يثبت أنه -رضي الله عنه- يُنشئ حزبا لذلك، بل الذي ثبت أنّ أهل الحل والعقد في الأُمة من أبدال وعصائب ونجباء، يأتون إلى مكة على غير ميعاد فيبايعونه ويُنصّبونه خليفة للمسلمين وهو كاره لذلك، وفي وقت تكون فيه الأُمة على غير إمام، ولا يتعارض هذا مع الحديث المختلف على صحته من أنه-رضي الله عنه- يظهر بعد موت خليفة.
أمّا اصطدام هذه الدعوى مع الواقع: فذلك أنه حينما قتل التتار خليفة المسلمين في العراق (المستعصم بالله)، بقيت الأُمة من غير خليفة لأكثر من ثلاثة أعوام على ما جاء في التاريخ، ولم يثبت أنّ الأُمة أنشأت حزباً أو أحزاباً لذلك، وإنما الذي حصل بالفعل هو أنّ علماء ذلك العصر وأهل الحل والعقد فيه هم الذين نصّبوا عليهم المستنصر بالله خليفة لهم في مصر.
وعليه لو قيل بأنّ قاعدة ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) إنما تنطبق على إيجاد أهل الحل والعقد في الأُمة، لما جانب الصواب، لأنِّ مِنَ المتفق عليه أنّ الخلافة لا تنعقد لأحد إلا ببيعتهم له ولو كان مغتصبا لها.
أمّا بالنسبة للاحتجاج بأنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- قد أقام حزباً لدعوته وهو في مكة.
فالجواب عليه من عدة جوانب أيضا:
أولا: لم يثبت أنّ النبي-صلى الله عليه وسلم- أنشأ حزباً لا بمفهومه اليوم ولا بغير ذلك ثم هو حمل الدعوة، بل الثابت عكس ذلك تماماً، فقد بدأ بحمل الدعوة والإسلام أولاً وبمفرده، مما يعني أنّ الدعوة إلى الله أهم من إنشاء الحزب، ويعني أنه يمكن حملها بدونه، وهذا يتفق مع قوله تعالى ( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) ولم يقل أقيموا أحزابا.
ثانيا: على فرض أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- أقام حزباً على اعتبار قول بعض الصحابة -رضي الله عنهم- عند الوفاة ( غدا نلقى الأحبة محمداً وحزبه) غير أنه لا توجد فيه أية قرينة تدل على الوجوب أو الحصر، سيما وأنه -صلى الله عليه وسلم- قام بأعمال كثيرة، منها المباح ومنها المندوب ومنها الفرض، فلا بد من قرينة شرعية تصرفه إلى إحدى هذه الوجوه، وإلا كان كواقعة الحال لا عموم فيه فلا يقاس عليه.
ثم لو كان إيجاد الحزب في الأُمة فرضاً لأمرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بإيجاده وعدم تركه، ولكن العكس هو الذي حصل كما في الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن حذيفة بن اليمان-رضي الله عنـه- جاء فيه( عليك بجماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) وفي رواية ابن أبي شيبة في مُصنّفه(فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة فالزمه، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فإن لم تر خليفة، فاهرب حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل شجرة) فلم يأمره بإنشاء حزب لا لإقامة دولة ولا لغيره.
ثالثا: إنّ العجب من أصحاب هذه الدعوى ( الدولة لا تقوم إلا بحزب ) إنهم طيلة أكثر من خمسين عاماً خلت وهم يقولون في نشراتهم وإصداراتهم: إنّ الصحابة لم يكونوا مكلّفين بحمل الدعوة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في العهد المكي وإنما حملوها بعد إقامة الدولة في المدينة، وقولهم هذا يعني أنّ الدولة إنما أقامها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحده بمفرده، وهذا كاف للرد على دعواهم وإبطالها.
وعلى ما تقدم ذكره في موضوع مشروعية الأحزاب في الأُمة الإسلامية، فإنّ أكثر ما يمكن قوله فيها: إنه لا يعدو كونها مباحا من المباحات أو مندوبا من المندوبات، هذا إنْ سَلِمَت من العيوب والنقائص وإذا لم يؤد وجودها إلى الحرام، ولا يصل حكمها إلى حد الوجوب أو الفرض أبداً.

غير أننا في أنصار العمل الإسلامي الموحد وانطلاقا من غايتنا وهدفنا وهو توحيد الأُمة بكل أحزابها وجماعاتها على لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلى ما انبثق عنها من قضيا مصيرية مشتركة، تمهيداً للوصول إلى واسطة العقد، فإننا نتعامل مع هذه الأحزاب والجماعات على اعتبار وجودها في الأُمة أمراً واقعاً، فنقول لهم بأنه لا يمكن ولا لأي حزب بمفرده إقامة الخلافة الإسلامية الفريضة الضائعة ولو ادّعى ذلك، لأنّ القدرة والكفاية لم تتحقق ولا في أي حزب من الأحزاب أو الجماعات الموجودة في عالم المسلمين اليوم، إذ لو توفرت القدرة والكفاية وتحققت في أي منها ثم هو لا يقيم الخلافة إلا كان من الآثمين المتخاذلين، ولا نظن أحدا منهم يَزعم ذلك ثم هو لا يقيمها إلا كان من الكاذبين على الأُمة وعلى أتباعه، وعدم توفر القدرة والكفاية والإجزاء ليس فقط في وجود المخالفات الشرعية لدى أي منها، بل أيضا عدم ثقة الأُمة بمجموعها بأي حزب منها منفرداً، فكيف به إذا رفض العمل مع بقية الجماعات والأحزاب ونادى بالطبقية، فهو بلا شك يفقدها، ثم أيضا وجود الاختلافات والنـزاعات والفرقة فيما بينهم، كل ذلك يفقدهم القدرة والكفاية والإجزاء ولو كانوا مجتمعين، فلو تدبروا معنى الكفاية والإجزاء لعلموا أنه لا يمكن لأي منهم منفرداً أن يقيم الخلافة في الأرض، ولو تدبروا معنى أن يكونوا جميعا يداً واحدة على من سواهم ولو في القواسم المشتركة المصيرية والأساسية، لعلموا أنّ النقص أو الضعف أو عدم القدرة في هذا الحزب سَيُكمله الحزب الآخر أو الجماعة الأُخرى وهكذا، وصدق الله العظيم حيث قال ( وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا وشبك بين أصابعه).

وقد وجهنا إلى الأحزاب والجماعات وإلى العلماء في الأُمة عدة نداءات حول الأفكار الوحدوية لعلهم يستخلصون منها العبر فيُقدمون على العمل الوحدوي لتخليص أُمّتهم من براثن الكافر المستعمر الفكرية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، ولإعادة العزة والهيبة التي فقدتها مُنذ قُرابة قرن من الزمن.

واليكم بعضها وأهمها لهذه العجالة:

( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).

(وقل الحق من ربكم ).
(فدوروا مع الإسلام حيث دار ).

( صناعة الأحداث والمواقف).

(الم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله).

(الوحدة الإسلامية طريق إلى الخلافة).

(وحدة الجماعات الإسلامية ليست مستحيلة).

(الدعوة إلى فكر حزبي دعوة إلى الفرقة ).

(فرقة الجماعات والأحزاب الإسلامية فيما بينها حقيقة ماثلة للعيان ).


واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا
في الوقت الذي يجتمع فيه الإنجليز على آل ستيوارت، وفي الوقت الذي يجتمع فيه الأمريكان على آل بوش، وفي الوقت الذي يجتمع فيه اليهود على شارون، وفي الوقت الذي يجتمع فيه الفرنسيون على شيراك، وفي الوقت الذي يجتمع فيه الروس على بوتن، ففي الوقت الذي نجد فيه الكفار قد اجتمعوا لمحاربة المسلمين في كل مكان، نجد الأمة صاحبة المبدأ الخالد غارقة في صراعاتها الحزبية والطائفية، كل حزب بما لديهم فرحون، وكل ذي رأي معجب برأيه، فضاعت الأُمة بين متاهات الأفكار الحزبية الظنية الخلافية، في حين يمكن لهذه الجماعات والأحزاب وسائر الأُمة الاجتماع على عدة قضايا مصيرية لا خلاف فيها ولو كانت خمسة قضايا وترك ما عداها من الأمور الجزئية الظنية للأُمة تتعبد الله فيها حسب مذاهبها.
ألا يسعنا ما وسع الأوائل من أُمتنا، فقد اختلف أبو بكر وعمر في مسائل جزئية ظنية كأحكام الطلاق، وتوزيع الغنائم والمؤلفة قلوبهم، بينما اجتمعوا على أمور مصيرية كمحاربة المرتدين، واختلف الصحابة أيضا في ميراث الجد وفي أحكام الرضاعة، لكنهم اجتمعوا على نشر الإسلام ومحاربة فارس والروم، واختلفوا في طهارة إهاب الميتة إذا دبغ، وفي أحكام الفرائض وفي روث الحيوان، واجتمعوا على تنصيب حاكم واحد لهم بعد موت النبي-صلى الله عليه وسلم- واختلفوا في أحكام البيوع والإجارة واجتمعوا على حُرمة موالاة الكفار الحربيين، وعلى ذلك كله سائر الأُمة على مرّ العصور والدهور، فيكفي الأُمة أن تجتمع ولو على خَمس قضايا مصيرية تظهر فيها وحدتها وقوتها فتُرهب بذلك عدوها المتربص بها الدوائر.
أيتها الأُمة الكريمة: ألا يدعوكم للاستغراب والتعجب والحسرة حال الكفار أهل الصليب كيف يجتمعون على قضاياهم المصيرية، مع أنهم في عقائدهم مختلفون مفرقون بين بروتستانت وأرثوذكس وروم ومفرقون بين ديمقراطي وجمهوري وعمالي، وحال الكفار اليهود كيف يجتمعون على قضاياهم المصيرية، مع أنهم مفرقون بين اسفردي وشكنازي وبارسي، وبين شرقي وغربي وليكود وعمل.
يا خير أُمّة أُخرجت للناس: ألا يدعو للحسرة والعجب اجتماع الكفار في كل مكان على قضاياهم المصيرية مع أنهم بلا قيم، ممزقون اجتماعيا فاسدون أخلاقياً، بينما نحن المسلمون أصحاب المبدأ والقيم والرسالة الخالدة، أعمتنا الخلافات الجزئية الظنية عن الاجتماع على قضايانا المصيرية، فكان ما كان من الفشل في إدراك الغايات وتحقيق ما نَصْبوا إليه حتى الآن، وكأننا لا نقرأ ولا نَفهم قول الله تعالى ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ الله مع الصابرين) فإذا لم يكن التشاحن والتباغض والتدابر لأجل هذا الرأي أو ذاك من الآراء الظنية تنازعا، فما هو التنازع إذن؟!.
أيتها الحركات والأحزاب الإسلامية: أنتم أمل الأُمة وأنتم قادتها في غياب قائدها الموعود، أنتم الذين يقع عليكم وِزْرَ شتات الأُمة بالدرجة الأُولى، وبالتالي مسؤولية جمعها، فالأُمة لن تجتمع على الآراء الفرعية أبدا ولم يحصل أنِ اجتمعت على مرّ التاريخ وليس ذلك عيبا ولا مفروضا، وقد كان الفقهاء مع شدة اختلافاتهم الفقهية مجتمعين على الأمور الأساسية والمصيرية، ولا يحتاج الأمر سوى الإخلاص لله تعالى والحرص على الأمة، وأهم قضية مصيرية للأمة يجب الاجتماع عليها هي قضية إيجاد الخلافة الإسلامية، فوجودها يعتبر حياة ووجوداً للأمة، وعدمها يعتبر موتا وعدما للأمة كما هو حالنا اليوم، ثم يليها القضايا المصيرية الأخرى ،فلا تخذلوا أمتك وتعاونوا فيما بينكم على هذا الأمر الجلل ، واعلموا أنّ الأُمة كما أنها لا تُعطي قيادتها وثقتها لجاهل ولا لجبان ولا لعميل، فإنها كذلك لا تُعطيها لمتعال عليها متكبر مغرور، ولا تُعطيها لمن لا يهتم لها، ولا لمن لا يحنو عليها، ولا لمن لا يرحمها، ولا لمن لا يقيل عثرتها، ولا لمن لا يتعاون معها .
واعلموا أيضا أن إنجاح فكرة العمل الإسلامي الموحد منوط بكم أكثر من غيركم فأنتم الذين تجعلون من هذه الفكرة حقيقة لا خيالا لأنكم وحدكم القادرون على ذلك وبأقل التكاليف، وقد وجهنا لكم الكتاب المذكور آنفا قبل عدة أشهر، فنرجوا أن تستجيبوا لله ولرسوله في هذا المطلب.
فمن هنا الدّرب أيها المسلمون العاملون، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين).
الوحدة الإسلامية طريق إلى الخلافة
منذ بدء الخليقة والاختلاف والتنازع والفرقة بين الناس يعتبر خُلُقاً مذموماً، ومُؤدّاه إلى الفشل، وقد شدّد ديننا الإسلام على ذلك فنهى عنه في أكثر من دليل، على نحو قوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا) وقوله (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) وقوله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقوله عليه الصلاة والسلام (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) وقوله (المسلمون أُمة واحدة من دون الناس.... وهم يد على من سواهم) إلى غير ذلك.
وبما أنّ الوحدة هي الإنفراد لغة، فإنها عكس التعدد، ومن صورها وأمثلتها: أنّ إلهنا واحد سبحانه، وأنّ قرآننا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة، وتاريخنا واحد، وأُمتنا واحدة، وأنّ الخليفة واحد للأُمة الواحدة، وأّن دولتنا واحدة، وأنّ يوم عرفة يوم واحد.
ومن الصور الوحدوية عند الأُمة أو التي تؤدي إلى الوحدة أيضا: التمسك بالقطعي وبالمتفق عليه من الكتاب والسنة.
أيها المسلمون: إنّ إقامة الخلافة الإسلامية هي أحد أفكار الإسلام الأساسية المصيرية الوحدوية، فالاختلاف والتنازع عليها بين الأُمة الواحدة، هو الفشل بعينه، فواقعنا خير دليل بين مؤيد ومعارض وبين موافق على طريقة أو أُسلوب فلان، وبين معارض لها وهكذا، مما جعل الأمر غير مستقر على حال، ناهيك عن العداء والحقد الذي سببه الاختلاف والنـزاع بين المسلمين وأحزابهم وجماعاتهم على هذه القضية وعلى غيرها من القضايا.
أيها الأخوة في الحركات والأحزاب الإسلامية: ألا يكفينا دليلا ما قام به نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم- من توحيد المسلمين قبل إقام دولته رُغم اختلاف قومياتهم ولغاتهم وعاداتهم، فجمع بين العربي والرومي، وبين الفارسي والحبشي، وبين المهاجري والأنصاري، فجعل عقيدتهم واحدة، وهدفهم جميعهم هدفاً واحداً، وغايتهم واحدة، وقائدهم ومرشدهم ورأسهم واحدا، حينها استطاعوا أن ينشئوا دولة للإسلام وللمسلمين، ولكنهم لما تفرقوا إلى فرق وتعددوا إلى قوميات ووطنيات وأحزاب سقطت دولة المسلمين، فلم يعد ما يريده العربي منهم يريده الأعجمي، ولا ما يريده العراقي يريده الشامي، ولا ما يريده التحريري يريده الإخواني وهكذا، فآلت الأُمور إلى ما هي عليه، فما لم يرجعوا كما أرادهم الله ورسوله أُمة واحدة من دون الناس، وكما صنعهم محمد-صلى الله عليه وسلم- دينهم واحد كما قبلتهم واحدة، وهدفهم واحد وغايتهم واحدة وأميرهم واحد، فلا يمكنهم أبداً أن يرفعوا رأساً أو أن يُنشئوا كيانا لجميعهم ما داموا مختلفين فيما بينهم ومع أُمتهم، مائة جماعة على مائة رأس وأمير.
أيها الأخوة: انه فوق كون الوحدة والاجتماع فرضا، وكون الفرقة حراما، فإنّ الوحدة والاجتماع قوة، والفرقة والتعدد ضعف، فالاستعمار الكافر يقول (فرّق تسد) ونحن نقول (جمّع ووحّد تسد) ورحم الله الشاعر حيث قال: تأبى العصي إذا اجتمعن تكسراً، وإذا تفرقن تكسرت آحاداً.
ونحن في أنصار العمل الإسلامي الموحد إذ نهيب مرة تلو المرة بالأحزاب والجماعات الإسلامية وبالعلماء أن يبادروا للعمل للوحدة والاجتماع بين المسلمين، وان لا يقتصروا في ذلك على مجرد الشعارات أو إصدار النشرات وإلقاء الخطب والمحاضرات، وقد زودناهم بمشروع متواضع في هذا الشأن وما عليهم إلا أن يباشروا في تنفيذه، وهو باختصار: إنشاء مجلس أُمة يجمع مندوبين عن كل الجماعات والعلماء للنظر في قضايا الأُمة المستجدة لوضعها على أول أولويات العمل، وعلى رأسها قضية الخلافة والحاكمية، عملا بمفهوم الشورى (وأمرهم شورى بينهم) واقتداء بأصحاب السقيفة وقد كانوا يمثلون أكبر تجمّعين في الأُمة وهما المهاجرون والأنصار، حين اجتمعوا بعد موت النبي-صلى الله عليه وسلم- في السقيفة للنّظر في أهم قضية للأُمة، ولم ينفضّوا حتى بايعوا رجلا منهم ليكون خليفة للمسلمين، وامتثالا لأمر رسول الله-صلى الله عليه وسلم- الذي رواه الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه قال (قلت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرنا ؟ فقال: تُشاوروا الفقهاء والعابدين ولا تجعلونه برأي خاصة)، ثم عملا على إيجاد أهل الحل والعقد الذين لايتم عقد الخلافة لأحد بدونهم، فحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) المقصود منه بيعة الانعقاد على الابتداء لا بيعة الطاعة، لأنه لا بيعة طاعة إلا ببيعة انعقاد، ولا يتم تنصيب خليفة إلا بإيجاد أهل الحل والعقد الذين يتحقق رضا غالبية المسلمين ببيعتهم لمن تحقق فيه شروط انعقاد الخلافة ولوكان الوصول إلى سدة الحكم عن طريق الانقلاب العسكري فلن تنعقد الخلافة لأحد إلا ببيعتهم له، وإلا وقعت الفتنه، وهذا يعني أنه لابد من عقد المجلس المشار إليه لاختيارهم، كي يباشروا في اختيار وتنصيب خليفة للمسلمين كما حصل مع أهل الحل والعقد في سقيفة بني ساعدة (فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
(يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
هل صحيح أنّ وحدة الجماعات والأحزاب الإسلامية أمر مستحيل
أم أنّ الجماعات والأحزاب لا تريد الوحدة ؟!!.
يَعتَبر البعض أنّ مقياس صحة أي فكرة أو أي دعوة هو قبول الناس لها أو رفضهم إياها أو إمكانية تنفيذها على أرض الواقع أو عدمه.
والصحيح أنّ هنالك عدة قضايا رفضها الكثير من الناس أو قُل استبعدوا تنفيذها أو إيجادها في المعترك، غير أنّ هذا منهم لا يعني شيئا، لأنها من الفروض الشرعية الثابتة التي يجب عليهم وجوبا شرعيا تطبيقها وتنفيذها، فمن ذلك: (وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية)، (وإيجاد الحاكمية لله في الأرض عن طريق نظام الخلافة)، (وتحرير فلسطين)، (وفتح روما)، (وأن لا يُجعل للكافر على المؤمنين سبيلا وذلك بالتخلص من ربقة الأمريكان واليهود والإنجليز وسائر دول الكافر المستعمر)، أضف إلى هذه القضايا، قضية وحدة المسلمين وجماعاتهم وأحزابهم.
وبما أنّ الوحدة أمر شرعه الله سبحانه كسائر الأمور آنفا، معناه أنّ الله الحكيم يُكلِّف بالممكن لا بالمستحيل، فالذي يقول باستحالة تطبيق هذه القضايا أو باستحالة وجودها، إنما يعترض بذلك على تشريعها، وكأنه أحكم من الحكيم سبحانه، فلو قال المعترض بدلا من اعتراضه هذا: بأن الجماعات الإسلامية لا تريد أن تتوحد، ولا أن تجتمع على رجل واحد يكون الخليفة المنتظر على اعتبار ما سيكون، لما جانب الصواب، فنحن في أنصار العمل الإسلامي الموحد طلبنا منهم منذ أعوام أن يتوحدوا وأن يجتمعوا ويُنشئوا مجلس شورى لهم يجمع مندوبين عنهم للنظر في قضايا الأُمة المستجدة وفي القواسم المشتركة بين الجماعات والأحزاب تمهيدا للوحدة والاجتماع المطلوب، ولكنهم للأسف كل حزب بما لديهم فرحون.
إلا أنه لا بد من أسباب منعتهم من تلبية نداء الشارع للوحدة والاجتماع، فإنْ كانت شرعية يُعذروا، وإنْ كانت غير ذلك، أثموا وأوردوا أُمتهم الهلاك بسبب الفرقة، فإنْ أسأنا الظن بهم وبتصرفاتهم وأقوالهم أهلكناهم، وإنْ أحسنّا الظن بهم نقول: إنّ سبب استحالتهم لهذه الوحدة كما يدّعون راجع عندهم أنّ لكل حزب فكرته وطريقته في الدعوة، وانه لا يمكنهم والحالة هذه أنْ يتفقوا على فكرة واحدة أو طريقة واحدة أو أمير واحد!!.
الجواب على هذا التصور وهذا الادّعاء من وجوه:
أولا: يستبعدون وحدتهم واجتماعهم على رجل واحد منهم يختارونه بأنفسهم يوحد كلمتهم وهدفهم وعملهم ليكون الخليفة المنتظر يعمل الجميع لهذا الهدف!!، فماذا سيفعلون إذا أُقيمت الدولة ووُجد الخليفة عن غير طريقهم، فهل سيستبعدون وحدتهم واجتماعهم عليه وانصهارهم جميعا تحت رأيه ورايته بسبب دعواهم تلك؟!!!، أم تراهم ينتظرون أنْ يُقادوا بالحديد والنار؟!!.
ثانيا: إنّ الوحدة والاجتماع والأُلفة أمر شرعي نصّ عليه الكتاب والسنة، قال الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) وقال (ولا تنازعوا فتفشلوا) وقال ( وانّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وقال (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وقال (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) وقوله (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) وقال عليه الصلاة والسلام (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) وقال (إنما هلك من قبلكم الفرقة) وقال (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وقال (ولا تختلفوا فإنّ من قبلكم اختلفوا فهلكوا) وقال ( ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا) وقال (المسلمون أُمة واحدة من دون الناس ) إلى غير ذلك من النصوص وهي تفيد الوجوب في عمومها وخصوصها، فلو كانت الوحدة والأُلفة والاجتماع أمراً مستحيلا لكان ذلك تكليفا بالمحال وبما لا يطاق، وهذا تأباه شريعة الحكيم سبحانه.
فإن قيل بأنّ هذه الأدلة لعموم الأُمة لا لخصوص الجماعات أو الأحزاب!.
الجواب: إنّ الجماعات والأحزاب جزء من الأُمة وهم داخلون تحت عموم الخطاب فيشملهم التكليف، ثم هم الذين يُمثلون فرقة الأُمة أو اجتماعها ووحدتها في أيام سادت فيها القومية والوطنية والعلمانية والديمقراطية وغيرها من الأفكار المستوردة والغريبة عن ديننا.
ثالثا: لم نطلب من الجماعات والأحزاب أن ينصهروا في حزب واحد حتى يستبعدوا ذلك ويستغربوه، وإنما كان مطلبنا وحدة عمل وتنسيق حول الأفكار الأساسية والمصيرية المتفق عليها عند الجميع وهي وفيرة جدا، على نحو: (تحريم موالاة الكفار) (ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) (ووجوب إيجاد الحاكمية لله تعالى في المعترك) (والحفاظ على العقيدة الإسلامية من الزيادة عليها أو النقصان منها) (وأن لا يُجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا) (وفردية القيادة في الإسلام) (وفرْضية الجهاد في سبيل الله) (ونصرة المظلوم) (ووجوب موالاة المسلمين والنصح لهم) (وإحياء مبدأ الشورى بين المسلمين ومحاربة الإرهاب الفكري)، هذا هو مطلبنا وهو ممكن وليس مستحيلا إذا توفرت لديهم الرغبة الحقيقية في ذلك تمهيدا للوصول إلى واسطة العِقد.
رابعا: منهم من يستبعد وحدة الجماعات الإسلامية، في حين يتهافت على ما يُسمى الوحدة الوطنية أو القومية، ومن المشايخ والعلماء أيضا ممن يستبعد أو يرفض هذه الوحدة، نجده يتهافت على ما يُسمى وحدة الأديان، ومنهم من يستبعد هذه الوحدة أيضا ويعتبرها صدٌّ عن سبيل الله رجما بالغيب لمجرد أنها خالفت هواه، ومنهم من يستبعدها في حين ينادي بوحدة الحزب الواحد علما أنهم يدّعون بأنْ لا وحدة إلا بدولة، إنّ هذا منهم يعني وجود دخن في هذه الأحزاب والجماعات الرافضة لهذه الوحدة الشرعية.
لذا فعلى الأُمة الإسلامية أن تقول رأيها فيهم وبصراحة، وأن يكون رأياً حاسما لا مداهنة فيه لعلهم يرجعون.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا).
فدوروا مع الإسلام حيث دار
أحيانا كثيرة يُظن بالجماعات والأحزاب الإسلامية ظن السوء حينما تفتي إحداها فتوى بغير دليل، أو بإفهام أتباعها أن كل من يخالف فتواها فهو مخالف للإسلام، وبالتالي تضيع الأُمة في متاهاتهم واختلافاتهم وتنشغل بفتواهم عن الانشغال بالقضايا المصيرية، كانشغالهم بإباحة الربا وتحريمه، أو بإباحة الشركات المساهمة وتحريمها، أو بإباحة موالاة الحاكم وتحريمها، أو بإباحة تعدد الأحزاب وتحريمها، أو بإباحة الكفاح المسلح وتحريمه، أو بإباحة سماع الغناء والمصافحة وتحريمها، أو بإباحة دخول البرلمانات وتحريمها، أو بإباحة الجمعيات الخيرية وتحريمها، إلى غير ذلك من المسائل.
إنّ أدب الاختلاف يقتضي إذا كان رأي المخالف عن شبهة دليل فلا يصح أن يُعنّف أو يُفسّق، ومن أدبه أيضا أنّ المخالف لرأيك لا يعتبر مخالفا للحكم الشرعي ما دام لديه شبهة دليل، ولم يخالف القطعي أو المتفق عليه.
أيها العلماء يا قادة الأحزاب والجماعات: إلى متى سنظل منشغلين ببعضنا عن أعدائنا وكأنه لا شغل لنا إلا ذاك ؟!، إلى متى سنظل ندور حول أنفسنا وحول جماعاتنا وأحزابنا ولا ندور حول إسلامنا وقرآننا وقضايانا المصيرية، إنّ الدوران حول الأشخاص والأحزاب كل جماعة وكل حزب بأتباعه، يعني الفرقة والاختلاف بين أبناء الأُمة، لأنّ معظم آراء هذه الجماعات إن لم يكن جميعها متباينة مختلفة فيما بينها، ولا يحق لأي منها الادّعاء بأنه صاحب الحق وما عداه فهو باطل، لأنّ جميع آرائهم المختلف عليها ظنية تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب، والكل يُؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب الشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
إنّ أدب الحوار بين الجماعات الإسلامية يقتضي أنْ لا يدّعي أحدها الأحقية دون غيره سيما في الآراء الظنية، أما القطعي فهو ليس رأيا لأحد دون أحد، بل هو الشرع وهو الإسلام الذي طلب في الحديث (فدوروا مع الإسلام حيث دار) ،أما آراء الجماعات والمشايخ فلا يعدو كونها آراءً فقهية أو آراءً إسلامية، وليست إسلاماً، وإلا لتعدد الإسلام والشرع بالنسبة للشخص الواحد في الحكم الواحد في آن واحد ، وهذا هو عين الاضطراب والتناقض الذي نُزّهت عنه الشريعة الإسلامية.
إنّ الملاحظ أنّ إنكار الجماعات بعضهم على بعض في معظم الأحيان إن لم يكن جميعها عند بعضهم، آت من حيث مخالفتهم لبعضهم، لا من حيث مخالفتهم للنص الشرعي، وكأنهم في صراع تنافسي مصلحي ليس لله فيه شيء، إذ لو كان لله ما صح الإنكار ما دام ظنيا وعليه شبهة دليل يحتمل معها الصواب، إلا أن يكونوا جهلاء ولا نظن بهم ذلك.
أيها الأخوة في الحركات الإسلامية : ألم يأنِ لكم أن تدركوا أنّ المنكر هو ما كان مخالفاً للقطعي وللمتفق عليه، لا ما خالف ظنياً ولا ما خالف حزباً أو جماعة ما، فليكن غضبكم لله وحده، وليس لأحزابكم وآرائكم، وليكن غضبكم لمخالفة ما جاء عن طريق الوحي لا لما قيل بالاجتهاد والرأي، وليكن شعاركم مع بعضكم رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، حينها تحترمكم الأُمة وتثق بكم زيادة.
أيها الأخوة في الحركات والأحزاب الإسلامية: إنّ الأُمة أمانة في أعناقكم أنتم وحدكم، فلا تُضيعوها في متاهاتكم واختلافاتكم التي لا فائدة ولا طائل منها، وتنازلوا عن كبريائكم ولو قليلا، وتشاوروا أمر دينكم فيما بينكم وارتقوا إلى مستوى المسؤولية عن أُمتكم الواحدة في كل مكان، ذات القبلة الواحدة والقرآن الواحد والنبوة الواحدة، لعلكم تخرجون لها بقيادة واحدة من بينكم تقودها إلى هدف وغاية واحدة، حينها يمكنكم مواجهة الكافر أياً كان نوعه وجنسه واعتداؤه، لأنّ الوحدة قوة والتعدد ضعف، والاجتماع رحمة والفرقة عذاب، ونحن في أنصار العمل الإسلامي الموحد نرى وبتواضع شديد أنه يجب على الجماعات والأحزاب الإسلامية أن تبني جسورا فيما بينها قائمة على أساس المحبة والإخاء والمشاورة (إنما المؤمنون أخوة) (وأمرهم شورى بينهم) وإلا فلا يمكننا مواجهة الكفار ونحن غارقون في خلافاتنا، كلٌ يزعم أنه الفرقة الناجية وما عداه فهو في الجحيم، قال الله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا).
ألم يأنِِِِِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق
ايها المسلمون: في الوقت الذي يجتمع فيه أئمة الكفر بجميع مللهم لمحاربة المسلمين ورميهم عن قوس واحدة في أفغانستان وفي العراق، في الشيشان وفي فلسطين، وفي كل مكان، نجد الأُمة صاحبة المبدأ الواحد وصاحبة القيم الرفيعة غارقة في صراعاتها الفئوية والإقليمية والحزبية، لا تكاد تجتمع ولا حتى على قضية مصيرية واحدة، فضاعت الأُمة بين متاهات الأفكار والآراء الحركية والحزبية الخلافية الظنية، والتي ما وجدت الحركات الإسلامية أصلا من أجلها، بل من أجل رفع المعاناة والذلة عن الأُمة بإعادة سلطانها وحاكمية ربها إلى معترك الحياة.
أيها المسلمون: ألا يدعوكم للاستغراب والتعجب والحسرة حال الكفار أهل الصليب وغيرهم كيف يجتمعون على قضاياهم المصيرية، مع أنهم في عقائدهم وانتماآتهم الحزبية مختلفون متنازعون، ألا يدعوكم للحسرة والعجب اجتماع الكفار في كل مكان على قضاياهم المصيرية، مع أنهم بلا قيم، ممزقون اجتماعيا فاسدون أخلاقيا، بينما نحن المسلمون أصحاب المبدأ والقيم والرسالة الخالدة أعمتنا الخلافات الجزئية الظنية عن الاجتماع على قضايانا المصيرية، فكان ما كان من الفشل في إدراك الغايات وتحقيق ما نصبوا إليه حتى الآن، وكأننا لا نقرأ ولا نفهم قول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقوله (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا).
أيها المسلمون: ألا يسعنا ما وسع الأوائل من أُمتنا، ثم نلتفت إلى قضايانا المصيرية الواحدة، ففي حين اختلف الصحابة رضي الله عنهم في مسائل جزئية ظنية كأحكام الطلاق وتوزيع الغنائم والمؤلفة قلوبهم، كانوا مجتمعين على أمور مصيرية كمحاربة المرتدين، وفي حين اختلافهم في ميراث الجد والكلالة وأحكام الرضاعة، كانوا مجتمعين على نشر الإسلام ومحاربة فارس والروم، وفي حين اختلافهم في طهارة إهاب الميتة إذا دُبغ، وفي أحكام الفرائض وفي نجاسة روث الحيوان، اجتمعوا على تنصيب حاكم واحد لهم بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي حين اختلافهم في أحكام البيوع والإيجارات كانوا مجتمعين على حرمة موالاة الكفار الحربيين، وعلى ذلك كله كانت أُمتنا على مرّ عصورها المزدهرة، فيكفي الأُمة أن تجتمع ولو على خمس قضايا مصيرية تظهر فيها وحدتها وتجمعها فترهب بذلك عدوها المتربص بها الدوائر، أمّا سائر القضايا الظنية وغير المصيرية، فتترك للأُمة تتعبد الله فيها حسب مذاهبها ومشاربها ويطبق فيها شعار أئمة المسلمين الأوائل (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
أيها الأخوة قادة ومقودين في الجماعات والأحزاب الإسلامية، أيها العلماء أيها المفكرون: أنتم أمل الأمة، وأنتم قادتها في غياب قائدها الموعود، أنتم الذين يقع عليكم وِزْر شتات الأُمة في الدرجة الأولى، وبالتالي مسؤولية جمعها وتوحيدها، وخصوصا على قضاياها المصيرية، فالأُمة لن تجتمع على الآراء الفرعية والظنية أبدا، ولم يحصل أن اجتمعت عليها على مرّ عصورها سيما بعد انقطاع النبوة، ولا حتى مع وجود دولتها اللهم إلا طاعة للإمام لأنّ رأيه يرفع الخلاف، وليس ذلك عيبا ولا مفروضا، واعلموا أيها الإخوة: أنّ فقهاء الأُمة الأوائل مع شدة اختلافهم كانوا مجتمعين على الأُمور الأساسية والمصيرية، حالهم في ذلك كحال أصحاب النبي -صلى الله علية وسلم- فلا يحتاج الأمر منكم سوى الإخلاص لله تعالى والحرص على الأُمة لا على الذات حتى تكونوا مثلهم، واعلموا أنّ الوحدة والاجتماع من أسباب النصر، وأن الفرقة والاختلاف من أسباب الهزيمة وأهم قضية أساسية مصيرية مركزية يجب الاجتماع عليها هي إعادة الحاكمية لله في الأرض بتطبيق شرعه، فوجودها يعتبر حياة ووجوداً للأُمة، وعدمها يعتبر عدماً وموتاً للأُمة كما هو حالها اليوم، ثم يليها القضايا المصيرية الأخرى.
أيها المسلمون في كل مكان: وحّدوا تقودوا، وجمّعوا تسودوا، فانه لا يخفى على أحد منكم أنّ ضعف الأُمة يكمن في فرقتها وأنّ قوتها في وحدتها وتجمعها، ألا ترون أنّ عدد الأُمة أكثر من ألف مليون مسلم وأنّ عدد دويلاتها أكثر من خمسين، وأنّ عدد جماعاتها وأحزابها يفوق الخمسين أيضا ومع ذلك فهي غير قادرة على صَدّ أصغر عدوان عليها، كل ذلك لأنها مُفرّقة قوميا ووطنيا وطائفيا وحزبيا وحركيا، فما لم يرجع المسلمون كسابق عهدهم أُمة واحدة من دون الناس، يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، رغم اختلاف ألسنتهم وأوطانهم وألوانهم، فلن يستطيعوا حتى على تحرير فلسطين وتخليصها من أصغر أُمة في الوجود وأقلها شأنا وعددا بين الأُمم والشعوب المتحضرة، فضلا عن القضايا الأساسية المصيرية الكبيرة، وما لم تترك الجماعات والأحزاب الإسلامية خلافاتهم ونزاعاتهم جانباً وخصوصاً الحركية والحزبية منها، وأن يجتمعوا جميعا على رجل واحد يختارونه منهم وفق المعايير الشرعية، يقودهم لإقامة خلافتهم الراشدة الموعودة على منهاج النبوة، فلن يستطيعوا أن يعيدوا حاكمية ربهم المغيبة منذ أكثر من ثمانين عاما إلى المعترك، وتخليص أمتهم من ربقة الاستعمار بكل أصنافه في كل مكان، ولن يعدموا حيلة ولا وسيلة لهذه الغاية الجليلة إذا توفرت لديهم الرغبة الحقيقية لها، أما بقية المسلمين فعليهم أن يعملوا مع العاملين لحمل هذه الجماعات والأحزاب على توحيد صفّهم ونبذ خلافاتهم وجمعهم على رجل واحد مهما أبدوا من معاذير، لأنهم إن تركوهم هلكوا وهلكوا جميعا وإن أخذوا على يدهم نجوا ونجوا جميعا، فاللهم وفق المسلمين كي يجتمعوا على كلمة سواء.

وقل الحق من ربكم
إن الناظر في واقع المسلمين منذ مئة عام تقريبا يجد أنّ واقعهم من سيء إلى أسوأ، قتل وتشريد وفقر وذلة وضياع، فلا دار لهم ولا حكم لدينهم، قضاياهم ومصائرهم بيد أعدائهم، ومن حق كل مسلم أن يسأل: لم كل هذا؟ أليس في الأُمة رجل رشيد؟ أليس فيها قادة مخلصون؟. إنّ عدد الأُمة أكثر من مليار نسمة، أحزابها أكثر من مئة حزب وجماعة، مشايخها وعلماؤها يعدون بالآلاف، فَلِمَ هذا الضياع وهذه الفرقة وهذا التشرذم؟ فإنه لم يحصل للمسلمين على مرّ العصور أن كانوا بهذا الواقع الأليم، لذا لا بد من جواب صريح ومُقنع وصائب على هذه التساؤلات لعلنا ندرك غايتنا وننقذ أُمتنا.
فإن قيل بأنّ الجواب هو غياب دولة الإسلام، قلنا: فيه ما فيه من الصواب، ولكننا عُدنا إلى نفس السؤال، لأنّ غياب الدولة من المصائب التي نزلت بالأُمة منذ مائة عام، وحتى اليوم لم تقم الدولة، فأين الخلل؟ فإن قيل: لم يُردِ الله بعد، قلنا فكل شيء بمشيئة الله وإرادته سبحانه ولكنه قال (إن تنصروا الله ينصركم) وقال (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) وقال (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) فأين يقع الخلل، هل يقع على الأُمة، أم على الدُّعاة، أم على الوعد؟
فإن قيل بأنّ سبب الضياع هو غياب فريضة الجهاد، قلنا فيه ما فيه من الصواب، ولكننا عدنا إلى نفس السؤال: لم غاب الجهاد من حياة الأُمة؟ فإن قيل: بسبب حُبّ الدنيا وكراهية الموت، فالسؤال ما الذي جعل الأُمة تُحب الدنيا وتكره الموت؟ فإن قيل: بأنّ السبب هو بعد المسلمين عن دينهم أو عدم فهمهم له، فالجواب: لم؟! والمشايخ والأحزاب منتشرة في كل مكان في الأمة، تُعلِّم وتُربي وتُثقف، فأين الخلل إذن؟
ونحن في أنصار العمل الإسلامي الموحد نرى والله أعلم، أن الخلل يكمن في ضعف ثقة المسلمين بالله وبأحكامه، وهذا ملاحظ في اعتمادهم على غير الله في أمورهم، كاعتمادهم على الأسباب المادية فقط، وعلى أُمم وشعوب الأرض في قضاياهم ومصائرهم كما في فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان وفي غير مكان، فضعف عندهم مفهوم أنّ الله وحده النّاصر ووحده الرازق ووحده المعزّ والمذل، والظاهر أنه نتج من ضعف ثقتهم بالدُّعاة والأحزاب وهذا ملاحظ في عدم انصياعهم لما يقولون، فكم من خطبة وكم من درس وكم من إصدار في تحريم موالاة الكفار، غير أنّ معظم الأُمة غارقة في موالاتهم، وكم من خطبة ودرس وإصدار في وجوب العمل لإقامة دولة الخلافة ومع ذلك فالغالبية العظمى للأُمة غارقة في القوميات والإقليميات، وكم من خطبة ودرس وإصدار في تحريم انتخاب وتولية من لا يحكم بما أنزل الله، وكم من خطبة ودرس وإصدار في الحلال والحرام وفي الأخلاق وفي البر والإحسان وغير ذلك، إلا أنّ الأُمة في غالبيتها بعيدة لا تلتفت إلى شيء من ذلك.
فإن قيل بأنّ دعوتنا هي دعوة أنبياء وقد حاربهم أقوامهم ولم يسمعوا لهم ونحن كذلك.
الجواب: هذا قياس مع الفارق، حيث إنّ الأنبياء كانوا يدعون كفارا، وأنتم أيها الدّعاة تدعون مسلمين، فالقول دائما إن الخلل في الأمة لا في دعاتها وأحزابها وجماعاتها، دفاعا عن الأحزاب والجماعات، قول فيه ما فيه من التجني على الأُمة، فالأُمة وهي ما زالت على وهنها إذا سمعت أو قرأت قولا أو رأيا للشافعي أو لمالك أو لأي عالم من علماء المسلمين الأوائل، فإنها تُسلم له قوله وتثني عليه خيرا وتدافع عنه وتحارب من يطعن به، فنعود إلى السؤال: فلم لا تثق الأُمة اليوم بدعاتها ومشايخها كثقتها بأولئك العلماء؟!.
أيها الدّعاة يا قادة الأحزاب والجماعات الإسلامية في كل مكان: لقد كان دعاة وقادة الأُمة في الزمن الماضي إذا تكلموا مع الحيوانات والوحوش انصاعت وسمعت لهم وهي لا تعقل، كحديث سُفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الأسد، وحديث عقبة بن نافع مع وحوش الغابة في القيروان، كانت شياطين الجن لا تقترب من الناس كرامة لأحمد بن حنبل، كان ملوك الكفار يهابون علماء المسلمين، كهيبة ملك الروم من ابن الباقلاني، كان الحكام والسلاطين يخافون علماء المسلمين، كخوف سلاطين مصر من العز بن عبد السلام، وكخوف الرشيد والمنصور من سفيان الثوري، وكخوف غازان التتري من ابن تيمية، كان العلماء ينصحون الحكام ويأمرونهم وينهونهم ويمنعونهم من المنكر فيسمعون لهم ويطيعونهم، وهذا أكثر من أن يُحصى، كانت الأُمراء على أبواب العلماء ولم تكن العلماء على أبواب الأُمراء، فاعتبروا من كل هذا.
أيها الدعاة يا قادة الأحزاب والجماعات: إنّ المشكلة تكمن في عدم وجود الشخصية القيادية التي تثق بها الأُمة الثقة التي تُعيد لها ثقتها بدينها، فالمسلمون بحاجة ماسة إلى قيادة إنسانية يحبونها وتحبهم تعيش معهم عيشا طبيعيا، تخاطب الناس بما يفهمون ولا تُكلفهم إلا ما يطيقون، تصدقهم القول، وتنصح لهم ، وتقوم على رعاية شؤونهم، ليست مُتأثرة بشيء من أفكار السلاطين ولا بفكر المؤسسات والحزبية، ولا بالدنيا وزينتها، تقول الحق ولا تخشى في الله لومة لائم، تدافع عن الأُمة وعن دينها ولا تدافع عن ذاتها، فهذه الصفات القيادية قد غابت وغاب أصحابها عن الوجود منذ زمن ولم يعد موجودا في حياتهم سوى قانون الأحزاب والجماعات والمؤسسات.
إنّ أبرز وأهم عمل تقومون به أيها الأخوة لتعيدوا للأُمة ثقتها بدعاتها وبدينها هو أن تجتمعوا جميعكم بكل أحزابكم وجماعاتكم للتشاور في أمر الأُمة ودينها، متنازلين عن الأنا والحزبية، فتخرجوا للأمة بقيادة إنسانية فردية كما خرج به أصحاب السقيفة الأُولى، لأنّ القيادة الجماعية فوق كونها حراما فإنها أتعبت الأُمة وأشقتها لعقود من الزمن من جراء الاختلافات والتنازع والفرقة الحاصلة بينها، فإذا نجح مسعاكم هذا إن شاء الله تعالى، فسترون حينها كيف ستُضحي الأُمة في سبيل دينها وثقتها بكم وبما أنجزتم لها، وما عدا ذلك ستبقى أحزابكم وجماعاتكم تدور حول نفسها، وستظل الأُمة تراوح مكانها كل حزب بما لديهم فرحون، فتزداد الهوة بينهم وبين الأُمة اتساعا وبعدا، إلى أن يُقيّض الله عز وجل لها القائد الملهم الذي يأسر قلوبها بعلمه وتقواه وورعه وجرأته في قول الحق وبعده عن السلاطين، وحرصه على الأُمة ودينها، فتطيعه وتسمع له فيقودها إلى ما فيه خيرها في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى وما ذلك على الله بعزيز، ففي الحديث الصحيح (إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة عام من يجدد لها دينها).
أيها المسلمون في كل مكان: إنّ الأُمة التي أنجبت خالد وصلاح الدين، أنجبت شرحبيل وقطز، والتي أنجبت الشافعي وابن تيمية، أنجبت الأوزاعي وابن الباقلاني، هذه الأُمة قادرة بإذن الله تعالى على إنجاب أمثال أُولئك فلا تقنطوا من رحمة الله، ولكن عليكم أن تمتثلوا قول ربكم عز وجل (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) واعلموا يقينا أنّ الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر أن يبعث في أُمتنا الحياة من جديد، فثقوا بوعد الله ونصره.



صناعة الأحداث والمواقف
منذ أكثر من ثمانين عاماً والأُمة الإسلامية تتأثر بالأحداث من حولها ولا تؤثر فيها، وتتأقلم معها ولا تؤقلمها، فلم تعد تقدر على صناعة الأحداث والمواقف، مع أنّ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول (إنما بعثت رحمة مهداة لرفع أقوام وخفض آخرين) فالإسلام بطبيعته يجعل من معتنقه صاحب مبدأ يصنع المواقف والأحداث ويؤثر هو فيها ولا يتأثر بها، وهذا الأمر عرفناه من تاريخ الأُمة الطويل على مدار أكثر من ألف ومائتي عام، كانت الدولة الإسلامية هي التي تصنع المواقف والأحداث في العالم، فتجعل فارس والروم تدور حولها، وكان علماء المسلمين يصنعون المواقف والأحداث، فيجعلون الدولة تدور حولها، وكذلك أهل الحل والعقد في الأُمة كانوا يصنعون المواقف والأحداث، وكان لأهل الشورى أيضا نصيبا فيها وهلم جرا، غير أنّ الأُمة اليوم أصبحت تتأثر بالأحداث وبالمواقف وتدور بفلكها ولو كانت تافهة كالمشاريع الانتخابية في دول الطاغوت هنا وهناك، وأكثر ما يمكن أن تفعله أنها تنتظر الأحداث لتعلق عليها أو تُحللها، حالها في ذلك كحال رجال الصحافة والإعلام.
أيها الأخوة في الجماعات والأحزاب الإسلامية: إنّ صناعة الأحداث والمواقف من أهم شغل الأُمة الإسلامية في هذه الدنيا قال الله تعالى (وكذلك جعلناكم أُمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فالشاهد عادة يؤثر في المشهود عليه بشهادته، ولا يتأثر هو به أو يسير بِفَلَكه، غير أنّ هذه الميزة التي حَبانا الله بها، لم يعد لها وجود في هذه الأيام، بل على العكس تماما، فقد انشغلت الأُمة بما يصنعه الكفار من الأحداث وكأنها ما وجدت إلا لذلك، فمنذ أكثر من ثمانية عقود ونحن فقط نترقب ما يصنعه الأمريكان والإنجليز والروس والألمان وغيرهم، بحجة أننا نريد كشف خططهم، فكشفناها، فماذا تغير؟! لم يتغير شيء للأحسن، بل ازداد الأمر سوءاً، فضاعت فلسطين واستعمر العراق وأفغانستان وسائر بلاد المسلمين.
أيها الأخوة: إنّ موقفا واحداً أو حدثا واحداً مؤثرا في أُمم الكفر يساوي كل أعمالنا الجزئية هنا وهناك، لا نقصد أحداثاً لا تدوم سوى أيام أو أسابيع أو أشهر، بل نقصد أحداثاً ومواقف تُغير مجرى التاريخ وخريطة العالم بأسره.
يا قادة الجماعات والأحزاب: من المفترض أن تكونوا أنتم وحدكم أمل الأُمة وليس حكام هذا الزمان أُولئك، ليس فقط لا يحكمون بما انزل الله، بل يُسهلون للكفار في بلاد المسلمين ويساعدونهم في ترويج عقيدتهم ومبدئهم وأفكارهم بين المسلمين، بل وأكثر من ذلك يسمحون لهم بالتهجم على القرآن الكريم وعلى شخص الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كما في المحطة الفضائية (الحياة) وغيرها، وكأنّ هؤلاء الحكام صمّ بكم عمي لا يسمعون ولا يرون.
أيها الأخوة: يجب أن تعلموا يقينا أنه ليس بمقدور أي جماعة أو حزب بمفرده أن يصنع الأحداث المطلوبة، فالواقع أثبت لكم ذلك، فمنذ هدم دولة الخلافة وحتى الآن والأُمة تراوح مكانها، بل من سيء إلى أسوأ، ألا تكفيكم طيلة مدة نشأتكم لتعلموا أنه لا بد من توحيد الجهود للقيام بالمطلوب.

أيها الأخوة : والله لقد آن الأوان لنصنع لأُمتنا مجدها وعزها من جديد كأُمة واحدة لا فرق بين عراقي وشامي ولا بين تحريري وإخواني، مستذكرين ما صنعه أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يوم السقيفة، ومستذكرين ما صنعه أبو بكر الصديق يوم حروب الردة، ومستذكرين ما صنعه صلاح الدين الأيوبي للقضاء على شاور وفتح بين المقدس، ومستذكرين ما صنعه علماء مصر مع المماليك، ومستذكرين ما صنعه السلطان عبد الحميد في رفضه أن يقتطع فلسطين لليهود، وتاريخ المسلمين حافل بالمواقف والأمجاد.

أيها الأخوة: تذكروا دوما أنّ الأمانة لم تحملها السماوات والأرض، وحملها الإنسان فكان ظلوما جهولا إذ ضيعها ولم يؤدها، ولا نظنّكم قد ندبتم أنفسكم لخدمة ذاتكم ونصرتها، بل لخدمة دينكم ونصرته، فهذه طبيعة المخلصين من أبناء الأُمة الإسلامية، فأصلحوا ذات بينكم وكونوا يدا واحدة على من سواكم، ووحدوا رأيكم وقيادتكم على مصائر أُمتكم، وتجاوزوا خلافاتكم الجانبية، ولكم في أصحاب السقيفة أسوة حسنة، حتى تستطيعوا فعلا قيادة أُمتكم وتخليصها من بلاء الكفار المستعمرين، حينها وبإذن الله ستكونون بأُمتكم قادرين على صناعة المواقف والأحداث والتأثير فيها، وستكون دول الكفر وشعوبها قاطبة في ركاب المسلمين وفي فلكهم، يسيرون حسب ما يريده المسلمون، كما كانوا من قبل، ولن يبقى حينها أي تأثير للكفر وأهله على المسلمين، لا سياسيا ولا عسكريا ولا اقتصاديا ولا ثقافيا (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
الدعوة إلى فكر حزبي دعوة إلى العصبية وإلى الفرقة
يتصور العديد من أبناء الجماعات والأحزاب أنه لابد من فكر خاص لكل جماعة أو حزب يتميز به عن غيره، وأنه إذا لم يكن كذلك فسيندثر الحزب أو الجماعة من الوجود، وكأنّ الحزب أو الجماعة هو الإسلام، ببقائه يبقى الإسلام وبزواله يزول الإسلام !!!.
إنه منذ ما يقرب من قرن من الزمن والأُمة الإسلامية لا تعرف إلا الإسلام الحزبي أو إسلام الجماعات والتكتلات أو قُل الإسلام الحركي، لا إسلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فوقعت الأُمة فريسة للعصبية الحزبية وللفرقة، علما أنّ الله سبحانه قد حذّر من التفرق فقال (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقال (وانّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وقال عليه الصلاة والسلام (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) وهذا يعني أنّ كل ما يؤدي إلى الفرقة فهو حرام ولو كان ذلك بالانتماء إلى الجماعات والأحزاب، فالقاعدة الشرعية (انه ما أدى إلى الحرام فهو حرام).
وبالنظر العميق والدقيق في الواقع الذي نعيشه اليوم نجد أنّ الدعوة إلى الفكر الحزبي هي دعوة إلى الفرقة والعصبية والاختلاف وذلك للحقائق التالية:
1- إنّ نشاط الجماعات والأحزاب من غير استثناء، سواء كان ذلك بإصدار النشرات أو الكتب، أو بالمحاضرات والخطب، هو لنشر أفكارهم فقط، ويشترطون على كل نشيط من أتباعهم أن يصبّ كل نشاطه لأجل جماعته أو حزبه ليس غير.
يأخذون من الإسلام ما يوافق مصلحة حزبهم أو جماعتهم ويتركون ما عداه دون أي اعتبار لقوة الدليل أو للراجح منه.
يعتبر كل حزب وكل جماعة منهم أنها الفرقة الناجية والطائفة المنصورة الظاهرة، وما عداها فهو هالك، وذلك منهم رجما بالغيب.
لا يحضر هذا الحزب لذاك محاضرته أو درسه، وإنْ حضره فللتشويش والطعن والغمز واللمز.
يدّعي كل حزب وكل جماعة منهم الأعلمية والأفضلية لنفسه على غيره، رجما بالغيب، كـي لا يعمل مع من هو أدنـى منه مستوى بزعمه.
طاعتهم لأُمرائهم وأحزابهم تفوق طاعتهم لربهم ولسنة نبيه، بحجة وجوب طاعة الأمير، وكأنه خليفة المسلمين، أو كأنه لا يوجد في الأُمة من يفهم الإسلام مثل فهم مشايخهم وأمرائهم له.
إنّ الفكر الحزبي مدعاة إلى تعطيل فرض الاجتهاد، حيث يجعل الفرد منهم يدور ضمن قمقم قوانين ومتبنى الجماعة أو الحزب فقط، مما يمنعه أيضا من قبول رأي الغير أو دليله ولو كان صحيحا أصح من رأيه لمجرد أنه يخالف قانون ومتبنى الجماعة أو الحزب.
يعتبر كل حزب وكل جماعة أنّ قوانينها وما تتبناه من أحكام هو المقياس لتصرفات أتباعها، فمن خالفها يعتبر خارجا عن هذه الجماعة أو ذلك الحزب، وربما أخرجوه من الإسلام، ولو كان أتقى وأعلم شخص في هذا الوجود، ومن ضمن هذه القوانين نبذ المخالفين لها من الجماعات الأُخرى واحتقارهم وعدم نصرتهم ولو تعرضوا للأذى والفناء .
لقد وصل الأمر ببعضهم أن يقول بأنه (لو نزلت في القرآن آية كُتب فيها اسم هذا الحزب أو ذاك ما آمنت بها)، وقال آخرون بأنّ (قراءة كُتب الحزب أو الجماعة أولى من قراءة القرآن الكريم)، وقال آخرون (إنّ أتباعهم مثل صحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أو أفضل منهم، عِلماً أنهم لا شيء) أفَهَلْ تستحق هذه الحزبية الثقة والإتّباع ؟!!!.
وعلى ما تقدم أيها المسلمون في كل مكان ندعوكم نحن أنصار العمل الإسلامي الموحد إلى نبذ الدعوة إلى الحزبية والى التمايز، وندعوكم إلى الدعوة إلى الأُلفة والوحدة والاجتماع لعل الله ينظر إلينا فيرحمنا، فقد اعتبر الله ورسوله التحزُّب والتشيُّع سببا للهلاك، قال الله عز وجل (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض) وقال (إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) وروى ابن ماجة في سننه عن ثوبان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (وإني سألت الله عز وجل ثلاثا: أن لا يسلط على أُمتي جوعا فيهلكهم به عامّة، وان لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض).

والشّيع لغة كما في لسان العرب: الفِرَق، أي يجعلكم فرقا مختلفين، وشَيعتُ فلانا، وشيّعه على رأيه وشايعه، أي تابعه وقواه، والشيعة: الذين يتبع بعضهم بعضا وليس كلهم متفقين.
وفي تفسير الطبري عن ابن عباس -رضي الله عنه-: شِيعاً يعني أحزابا.
وروى الحاكم في المستدرك وصححه على شرطه عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لن تُفتن أُمتي حتى يظهر فيهم التمايز والتمايل والمعامع، قلت يا رسول الله ما التمايز؟ قال: التمايز: عصبية يُحدثها الناس بعدي في الإسلام) وفي فردوس الديلمي بلفظ (لا تهلك أُمتي حتى يكون بينهم التمايل والتمايز).
جاء في لسان العرب وغريب الحديث لابن الأثير في معنى التمايز: أي يتحزبون أحزابا، ويتميز بعضهم من بعض، ويقع التنازع.
وفي الفردوس: والتمايز: يتميز بعضهم من بعض يتحزبون أحزابا بوقوع العصبية.
وقال أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في خطبة له كما في شعب الإيمان للبيهقي (إلزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا) وتلا قوله تعالى (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا).
وقال الإمام الطبري على حديث حذيفة (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ) قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام، فافترق الناس أحزابا، فلا يَتّبعُ أحدا في الفُرقة، ويَعتزلُ الجميع إن استطاع ذلك، خشية من الوقوع في الشر).
اللهم ألا هل بلغنا اللهم فاشهد.

فرقة الجماعات الإسلامية حقيقة ماثلة للعيان
يظن بعض السذج والبسطاء من أتباع الجماعات والأحزاب أنه لا فرقة ولا اختلاف بين الجماعات والأحزاب، متذرعين بأنهم لا يشاهدون كل عشرة منهم يقبضون في أعناق بعضهم بعضا.
وهذا منهم لأنهم لايعرفون ما الاختلاف ولا ما الائتلاف، ولا يعرفون ما الفرقة ولا ما الاجتماع، فلا يشترط أن يتضاربوا أو أن يتشاجروا أو أن يقتل بعضهم بعضا حتى تثبت الفرقة بينهم.
ويبدو أنهم لا يعرفون أنّ الاختلاف في الفروع وهو جائز شرعاً إذا أدى إلى التدابر والتقاطع والتشاحن والغيبة والسباب والطعن في العدالة، يعني أنه يؤدي إلى الفرقة وهي مذمومة شرعاً بالنّص القطعي(ولا تفرّقوا) (ولا تنازعوا) (ولا تدابروا) (ولا تقاطعوا) وحدّث عن هذا بين الجماعات ولا حرج، فهذا يتّهم هذا بالعمالة والجاسوسية، وهذا يتّهم هذا بالجهل، وهذا يُسفّه هذا، وفي معظم الأحيان يكون الصراع بينهم تنافسياً مصلحيا، وليس لإحقاق الحق وإبطال الباطل.
ويكفي أنْ تثبت تفرقهم-ولا نقول اختلافهم-في مسألة أو اثنتين لندلل على هذه الحقيقة ولو لم يقتتلوا، كتفرقهم في موضوع الانتخابات البرلمانية في مصر والأردن وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، بين مُسفّه وطاعن ومُجهّل ومُكفّر، وتفرقهم في موضوع موالاة حكام هذا الزمان وهم لا يحكمون بما أنزل الله، وتفرقهم في حكم تعدد الأحزاب، وتفرقهم في مشروعية الجمعيات الخيرية والنقابية، وفي مشروعية الشركات المساهمة من بنوك وغيرها، وتفرقهم في مواضيع هامشية لا تقدم الأُمة ولا تؤخرها بين الأُمم والشعوب، كموضوع مصافحة المرأة الأجنبية، وموضوع سماع الغناء، وإرخاء اللحية، ولبس العمامة، إلى غير ذلك.
تلك هي الجماعات والأحزاب التي جعلت الإسلام عنواناً وبرنامجا لها والتي كانت في يوم من الأيام أمل الأُمة في الخلاص، ها هي الفرقة ونُصرة الذات تُهْلكها وتُرْديها إلى الهاوية.
وأقل من ذلك مما يدل على فرقة هذه الأحزاب والجماعات، وهو كائن إذا استمر وجوده ألا وهو عدم تطبيق مبدأ الشورى بين المسلمين وبينهم، وخصوصا في قضاياهم الأساسية والمصيرية والمركزية، فمبدأ الشورى إنْ لم يرفع النـزاع والفرقة من بين المسلمين وخصوصا بين قادة الأحزاب وأُمرائها، فإنها تُقللها، حيث إنّ مبدأ الشورى يقوم على أُسسٍٍ حِكمية من شأنها رفع الفرقة والنـزاع من بين المسلمين وتُقربهم من بعضهم بعضا.
ومن أهم هذه الأُسس:
إنّ الشورى عادة وضرورة تكون عند اختلاف الآراء وفي القضايا المصيرية على وجه الخصوص.
إنّ مبدأ الشورى يَقضي على الاستبداد بالرأي.
إنّ مبدأ الشورى أُلفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب وأبعد من الزلل والخطأ.

إنّ مبدأ الشورى رحمة للأُمة، فمن شاور منهم لم يعدم رشداً ومن تركها لم يعدم عناءً.
ويكفي دليلا عليه قول الله تعالى (وأمرهم شُورى بينهم) وقوله (وشاورهم في الأمر).
وقد كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يُشاور أصحابه مع أنه صاحب وحي من الله، فقد شاور يوم بدر والخندق وأُحد والحديبية وفي حادثة الإفك وغير ذلك، وكذلك كان مذهب الصحابة- رضي الله عنهم-ولم يتركوه أبدا، بل وقد جعلها عمر-رضي الله عنه- في أهم قضية للأُمة وهي الخلافة من بعده.
وأكثر من ذلك: فقد جعل الله تعالى الشورى سورة في القرآن العظيم لأهميتها، وجعلها من صفات المؤمنين حيث قال سبحانه (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شُـورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون).
وعلى هذا يكون حكمها حكم سائر الصفات المذكورة في الآية بدلالة الاقتران، ولأنها عَطف خَبر على خَبر.
أيها الإخوة في الأحزاب والجماعات، أيها العلماء في أُمة الإسلام في كل مكان: والله لقد آن لكم أن تنفضوا عنكم نصرة الذات، وأن تنصروا دينكم وأُمتكم مهما كلف الأمر، وأهم أمر وأبسطه تقومون به، أن تسعوا لوحدة الأُمة واجتماعها وأُلفتها عملياً، لأنّ الوحدة والاجتماع قوة، وأنّ الفرقة والنّـزاع ضعف، فإنكم إن لم تفعلوا فسيأتي الله بقوم غيركم لهذه المهمة ثم لا يكونوا أمثالكم، يُحبهم ويُحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين لا يخافون في الله لومة لائم، ونظنهم المهدي وقومه كما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن المهدي يظهر في وقت الاختلاف والفتن.
اللهم ألا هل بلغنا اللهم فاشهد، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رد مع اقتباس
 
 
  #2  
قديم 09-28-2010
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: موضوع طرح سابقاً متعلق بأنصار العمل الإسلامي الموحد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نائل أبو محمد مشاهدة المشاركة
الأحزاب في الإسلام



صناعة الأحداث والمواقف
منذ أكثر من ثمانين عاماً والأُمة الإسلامية تتأثر بالأحداث من حولها ولا تؤثر فيها، وتتأقلم معها ولا تؤقلمها، فلم تعد تقدر على صناعة الأحداث والمواقف، مع أنّ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول (إنما بعثت رحمة مهداة لرفع أقوام وخفض آخرين) فالإسلام بطبيعته يجعل من معتنقه صاحب مبدأ يصنع المواقف والأحداث ويؤثر هو فيها ولا يتأثر بها، وهذا الأمر عرفناه من تاريخ الأُمة الطويل على مدار أكثر من ألف ومائتي عام، كانت الدولة الإسلامية هي التي تصنع المواقف والأحداث في العالم، فتجعل فارس والروم تدور حولها، وكان علماء المسلمين يصنعون المواقف والأحداث، فيجعلون الدولة تدور حولها، وكذلك أهل الحل والعقد في الأُمة كانوا يصنعون المواقف والأحداث، وكان لأهل الشورى أيضا نصيبا فيها وهلم جرا، غير أنّ الأُمة اليوم أصبحت تتأثر بالأحداث وبالمواقف وتدور بفلكها ولو كانت تافهة كالمشاريع الانتخابية في دول الطاغوت هنا وهناك، وأكثر ما يمكن أن تفعله أنها تنتظر الأحداث لتعلق عليها أو تُحللها، حالها في ذلك كحال رجال الصحافة والإعلام.
أيها الأخوة في الجماعات والأحزاب الإسلامية: إنّ صناعة الأحداث والمواقف من أهم شغل الأُمة الإسلامية في هذه الدنيا قال الله تعالى (وكذلك جعلناكم أُمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فالشاهد عادة يؤثر في المشهود عليه بشهادته، ولا يتأثر هو به أو يسير بِفَلَكه، غير أنّ هذه الميزة التي حَبانا الله بها، لم يعد لها وجود في هذه الأيام، بل على العكس تماما، فقد انشغلت الأُمة بما يصنعه الكفار من الأحداث وكأنها ما وجدت إلا لذلك، فمنذ أكثر من ثمانية عقود ونحن فقط نترقب ما يصنعه الأمريكان والإنجليز والروس والألمان وغيرهم، بحجة أننا نريد كشف خططهم، فكشفناها، فماذا تغير؟! لم يتغير شيء للأحسن، بل ازداد الأمر سوءاً، فضاعت فلسطين واستعمر العراق وأفغانستان وسائر بلاد المسلمين.
أيها الأخوة: إنّ موقفا واحداً أو حدثا واحداً مؤثرا في أُمم الكفر يساوي كل أعمالنا الجزئية هنا وهناك، لا نقصد أحداثاً لا تدوم سوى أيام أو أسابيع أو أشهر، بل نقصد أحداثاً ومواقف تُغير مجرى التاريخ وخريطة العالم بأسره.
يا قادة الجماعات والأحزاب: من المفترض أن تكونوا أنتم وحدكم أمل الأُمة وليس حكام هذا الزمان أُولئك، ليس فقط لا يحكمون بما انزل الله، بل يُسهلون للكفار في بلاد المسلمين ويساعدونهم في ترويج عقيدتهم ومبدئهم وأفكارهم بين المسلمين، بل وأكثر من ذلك يسمحون لهم بالتهجم على القرآن الكريم وعلى شخص الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كما في المحطة الفضائية (الحياة) وغيرها، وكأنّ هؤلاء الحكام صمّ بكم عمي لا يسمعون ولا يرون.
أيها الأخوة: يجب أن تعلموا يقينا أنه ليس بمقدور أي جماعة أو حزب بمفرده أن يصنع الأحداث المطلوبة، فالواقع أثبت لكم ذلك، فمنذ هدم دولة الخلافة وحتى الآن والأُمة تراوح مكانها، بل من سيء إلى أسوأ، ألا تكفيكم طيلة مدة نشأتكم لتعلموا أنه لا بد من توحيد الجهود للقيام بالمطلوب.

أيها الإخوة في الأحزاب والجماعات، أيها العلماء في أُمة الإسلام في كل مكان: والله لقد آن لكم أن تنفضوا عنكم نصرة الذات، وأن تنصروا دينكم وأُمتكم مهما كلف الأمر، وأهم أمر وأبسطه تقومون به، أن تسعوا لوحدة الأُمة واجتماعها وأُلفتها عملياً، لأنّ الوحدة والاجتماع قوة، وأنّ الفرقة والنّـزاع ضعف، فإنكم إن لم تفعلوا فسيأتي الله بقوم غيركم لهذه المهمة ثم لا يكونوا أمثالكم، يُحبهم ويُحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين لا يخافون في الله لومة لائم، ونظنهم المهدي وقومه كما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن المهدي يظهر في وقت الاختلاف والفتن.
اللهم ألا هل بلغنا اللهم فاشهد، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الصفحات الأولى من البحث لمن لم يكن متابع :
http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=10714
رد مع اقتباس
 
 
  #3  
قديم 02-12-2011
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: موضوع طرح سابقاً متعلق بأنصار العمل الإسلامي الموحد

السبت 9 ربيع الأول 1432
رد مع اقتباس
 
 
  #4  
قديم 03-18-2011
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: موضوع طرح سابقاً متعلق بأنصار العمل الإسلامي الموحد

الجمعة 13 ربيع الثاني 1432
رد مع اقتباس
 
 
  #5  
قديم 03-19-2011
ابو البراء الشامي ابو البراء الشامي غير متواجد حالياً
عضو مرابط
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 823
افتراضي رد: موضوع طرح سابقاً متعلق بأنصار العمل الإسلامي الموحد

كلام للأسف لم ينطلق من منطلق الانتصار لدين الله وانما الانتصار لللنفس

الشويكي يعلم انه لن تقوم للامة فائمة دون عمل سياسي مع تكتل سياسي
وفي كتاب الخلاص يبرز فهمه واضحا لضرورة العمل الجماعي وفيه رد على كثير من النقاط التي يثيرها هنا
ولكنه الهوى
وما ادراك ما الهوى
الشويكي ينتصر لنفسه ولو على حساب الاسلام
ولو كان في ذلك خدمة للانظمة الخائنة العميلة
واذا به يتحول الى صف التخريب والتعطيل والشخير بانتظار المهدي


ويا اخ نائل من هو المستفيد من هذا الكلام غير الانظمة المعطلة لدين الله والمحاربة له؟

هل يوجد شخص فيه بقية تقوى ويدرك ان تغيير المجتمعات لا يتم الا بعمل جماعي ثم هو يحارب العمل الجماعي بالتلاعب بدين الله ؟
ثم ان الشويكي يحارب عمل الجماعات وفكرته التي يجمع عليها الناس هي فكرة جماعة
مثل الاخوة السلفية يحاربون عمل الجماعات وهم جماعة وبعدها يقولون لا .............نحن السلف

فمن هم من التفوا حول الشويكي ؟ لعلهم السلف رقم 2
رد مع اقتباس
 
 
  #6  
قديم 04-22-2011
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: موضوع طرح سابقاً متعلق بأنصار العمل الإسلامي الموحد

الجمعة 19 جمادى الأولى 1432
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:14 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.