رد: 033 - سورة الأحزاب
الآية : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } [40 / الأحزاب / 33 ]
جاء في كتاب :
بديع القرآن لأبي الأصبع المصري :
باب التلفيف :
وهو عبارةٌ عن إخراجِ الكلامِ مَخرجَ التعليم بحكمٍ ، أو بأدبٍ لمْ يُردْ المتكلِمُ ذِكرَهُ ، وإنما قصدَ ذِكرَ حُكمٍ خاص داخلٌ في عموم الحكمِ المذكور الذي صرَّحَ بتعليمهِ . وبيانُ هذا التعريف أنْ يسألَ السائلُ عن حكمٍ هو نوعٌ من أنواعِ جنسٍ تدعو الحاجة إلى بيانِها ( كُلِّها أو أكثرِها ، فيعدلُ المسئول عن الجواب ِ الخاصِّ عمَّا سُئِلَ عنهُ منْ تبيينِ ذلكَ النوعِ ، ويُجيبُ بجوابٍ عامٍّ يتضمنُ الإبانةَ على الحكمِ المسئولِ عنهُ منْ تبيينِ ذلكَ النوعِ ، ويُجيبُ بجوابٍ عامٍّ يتضمنُ الإبانةَ على الحكمِ المسئولِ عنهُ ، وعنْ غيرهِ بدعاءِ الحاجةِ إلى بيانه ) كقوله تعالى : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } [40 / الأحزاب / 33 ] . فإن هذا الكلام جاءَ جواباً عنْ سؤالٍ مُقدَّرٍ ، وهو قولُ قائلٍ : أترى محمداً أبا زيدٍ بنَ حارثةٍ ؟ فأتى الجوابُ يقولُ : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } [40 / الأحزاب / 33 ] ، وكانَ يكفيْ فيْ الجوابِ قولُهُ : ماْ كانَ محمدٌ أباْ زيدٍ لوْ أرادَ الجوابَ عنْ نفسِ السؤال فقط ، فلمْ يُرد ذلكَ لقصورهِ عنْ بلوغِ المعنى المُرادِ ، فإنَّ المُرادَ أنْ يُرشَّحَ فيْ الجوابِ للإخبارِ بإنَّ محمداً صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خاتَمُ النبيينَّ، ولاْ يتمُّ هذاْ الترشيحُ حتىْ ينفيَ أُبوَّتَهُ لأحدٍ منْ الرجالِ ، فلذلكَ عَدَلَ عنْ الجوابِ الخاصِّ إلىْ الجوابِ العامِّ لِيُفيدَ هذاْ الترشيحُ التمهيدَ للمعنىْ المُرادِ ، فإنَّهُ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ لاْ يكونُ خاتَمَ النبيينَ إلا بشرطِ ألا يكونَ له ولدٌ منْ الرجالِ ، لأنهُ لوْ كانَ لهُ ولدٌ منْ الرجالِ ـ أعني قدْ بلغَ ـ لكانَ نبياً ، وإذا كانَ كذلكَ فلا يَصدُقُ عليهِ أنْ يكونَ خاتَمَ النبيينَ / فَالتَفَ المعنى الخاصُّ في المعنى العامِّ ، فأفادَ نفيَ الأُبوَّةَ الكُليَّةَ لأحدٍ من الرجالِ ، وفي ذلكَ نفيُ الأُبوَّةِ لزيدٍ ، فإنْ قِيلَ فقدْ حصلَ المُرادُ من قولِهِ تعالى : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } [40 / الأحزاب / 33 ] فما فائدةُ بقيةِ الكلامِ الذي جاءَ بلفظِ الاستدراكِ ؟ قلتُ : ( لو اقتصرَ على ما قبلَ الاستدراكِ لكانَ الحُكمُ غيرَ مُعللٍ ، فيكونُ المعنى ناقصاً لأنَّهُ يَرِدُ عليهِ قولُ القائلِ : وَلِمَ لا يكونُ أبا أحدٍ من الرجالِ ، وما في ذلكَ من الغضاضةِ وقدْ كانَ للأنبياء ِ ـ صلواتُ اللهِ عليهمُ ـ أبناءٌ ، فَيُقالُ ذلكَ لأنَّ اللهَ سبحانهُ اختصَ محمداً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ بمرتبةٍ لمْ يختصَّ بها أحداً من الأنبياءِ ، إذا سبقَ في علمهِ أنََّهُ أولُ الأنبياءِ خلقاً وآخرهمُ بعثاً ليأتيَ يومَ القيامةِ شاهداً لمُ بالتبليغِ ، لأنَّ الأمَمَ يومً القيامةِ تَجْحَدُ أنبياءَهمُ التبليغَ ، فتشهدُ هذه الأمَّةُ على الأمَمِ بتبليغِ أنبيائهمُ لهمُ ما أُمُرُوا بتبليغهِ ، لِمَا يعلمونَ من قِصَصِهِمُ التي علموها من كتابِهِمُ ، ويشهدُ رسولُ اللهِ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ لأمتِهِ بالصدقِ ، ومصداقُ ذلكَ قولُهُ تعالى : { وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } [ 78 / الحج / 22 ] . ولَمَا كانَ الأمرُ كذلكَ احتاجَ الكلامُ إلى تتمةٍ تتضمنُ الإخبارَ بأنَّهُ رسولُ اللهِ لِيرشِّحَ ذلكَ الإخبارُ إلى قولِهِ : { وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } [40 / الأحزاب / 33 ] . إذ لا يَخْتِمُ النبيينَ إلا نبيٌّ ، وَعَدَلَ عن لفظةِ نبيِّ إلى رسولٍ لِتَوَخِي الصدقِ في الخبرِ وزيادةً في المدحِ ، لأنَّهُ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ رسولٌ ، وكلُ رسولٍ نبيِّ ولا ينعكسُ على أحدِ القولينِ ، وهذا تلفيفٌ بعدَ تلفيفٍ ، فالأولُ ؛ دلَّ عليهِ دلالةَ تضَمُّنٍ ، والثاني لَمَّا صَرَحَّ فيه بعدَ التعريضِ جاءتْ دلالتُهُ دلالةَ مُطابقةٍ لِيَفْهَمَ المُخاطَبُ المعنى بغيرِ كُلْفَةٍ ، ويشتركُ في فهمِهِ الخواصُّ والعوامُّ ؛ وهذا نهايةُ البلاغةِ .
__________________
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) } البقرة
أستغفر الله العظيم رب العرش العظيم
|