قال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) (السجدة32: 16)، وقال (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ *وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات51: 17-18)، ويقول (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (الزمر39: 9)، فقيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يديه، عاكفة على مناجاته، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات، وهذا هو الوقت المناسب، فالله يتنزل للسماء الدنيا للقائهم، قال صلى الله عليه وسلم (يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) (صحيح البخاري)، وقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد} [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني]. وقال النبي في شأن عبد الله بن عمر: {نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل} [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً. وقال النبي: {في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها} فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: {لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام} [رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني]. وقال: {أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس} [رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني]. وقال: {من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين} [رواه أبو داود وصححه الألباني]. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر. وذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: {ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه!!} [متفق عليه]. وقال: {أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل} [رواه مسلم].
صلاة الفجر في جماعة
رتب الشارع الحكيم على المحافظة عليها أجوراً لم ينلها غيرها.. فصاحب صلاة الفجر محاط بالفضائل، ومبشر بعظيم البشائر، فمنذ خروجه من بيته لأداء الصلاة والبشائر تنهال عليه من كل جانب، قال عليه الصلاة والسلام: (بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) (رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني). وإذا أدى سنة الفجر فهي خير من الدنيا وما فيها. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) (رواه مسلم). يعني سنة الفجر. وحين يجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، (ومن جلس ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة، وصلاتهم اللهم اغفر له اللهم ارحمه) (رواه أحمد). حتى إذا ما أقيمت الصلاة وشرع في أدائها فيا للفوز والأجر، ويا لعظيم الفضل وجليل البُشر. ها هو يقف بين يدي الله وتشهد له ملائكة الله، قال تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلَى غَسَقِ الَّيلِ وَقُرءَانَ الفَجرِ إِنَّ قُرءَانَ الفَجرِ كَانَ مَشهُوداً) (الإسراء:78). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر) قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم (إن قرآن الفجر كان مشهوداً) (متفق عليه). وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلّى الصبح في جماعة فكأنما صلّى الليل كله) (رواه مسلم). وقال عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) رواه الإمام أحمد المسند 2/424، وهو في صحيح الجامع 133، وقال: (من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته) ومعنى في ذمة الله: أي في حفظه وكلاءته سبحانه، "من كتاب النهاية 2/168" والحديث رواه الطبراني 7/267، وهو في صحيح الجامع رقم 6344، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي، فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون) رواه البخاري الفتح 2/33، وفي الحديث الآخر: (أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة، في جماعة) رواه أبو نعيم في الحلية 7/207، وفي السلسلة الصحيحة 1566. وفي الحديث الصحيح: (من صلّى البردين دخل الجنة) رواه البخاري الفتح 2/52. والبردان الفجر والعصر. وقال عليه الصلاة والسلام: (لن يلج النار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) (رواه مسلم). يعني الفجر والعصر. ويرجى لمن حافظ عليها وعلى صلاة العصر الفوز برؤية الجبّار جلّ وعلا، فعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله علين وسلم، إذا نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: (أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) (متفق عليه). يعني العصر والفجر. قال الحافظ ابن حجر: (قال العلماء: ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند الرؤية، أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما، ورفع الأعمال، وغير ذلك، فهما أفضل الصلوات، فناسب أن يجازي المحافظ عليهما بأفضل العطايا، وهو النظر إلى الله تعالى). ولا ينقطع الفضل بانقضاء الصلاة، ولا ينتهي بانتهائها، لكنه ما يزال في أجر عظيم وفضل كبير، تحيطه عناية الله، وتستغفر له ملائكة الله، فعن علي كرم الله وجهه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلّى الفجر ثم جلس في مصلاه صلّت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه) (رواه أحمد).
إنتظار الشروق
فإذا ما قويت عزيمته، وغلب نفسه، وجلس حتى تشرق الشمس فقد فاز بأجر حجة وعمرة. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) (صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ، برقم: (6346). ولا تزال البشائر تتوالى عليه، ولا يزال حفظ الله مبذولاً إليه، فعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلّى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم) (رواه مسلم). ومعنى من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، أي أن من إعتدى على مسلم صلى الفجر في جماعة، فقد أعتدى على مسلماً في حماية الله، وهذا ذنبٌ عظيم، وعندما يطلبه سبحانه وتعالى بجزاء هذا الذنب فإنه سيدركه بكل ما لديه حتى يفلس، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم. الله أكبر، أرأيتم كم للمحافظ على هذه الصلاة من خير وفضل، وكم يضيع المتخلف عن صلاة الفجر من عظيم الأجر، نعم، إنه لا يحرم من هذا الفضل إلا محروم، ويا ليت الأمر ينتهي عند التفريط في الفضل، والحرمان من الأجر؛ ولكن يترتب على التهاون في الصلاة مزالق عظيمة، وعواقب وخيمة.
صلاة الضحى
صلاة الضحى تكون بعد شروق الشمس وخروج وقت الكراهة سواء ذكر الله بعد الفجر أو رقد فهي صلاة مستقلة بنفسها وهي غير صلاة الشروق. ولا يلزم المواضبة عليها ولا يأثم من تركها. وقد جاء في صحيح البخاري (1076) حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم وما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط وإني لأسبحها)، (سبحة الضحى) أي نافلته، وهي صلاة الضحى. سميت بذلك لما فيها تسابيح. كما وجاء فيه (1124) حدثنا مسلم بن إبراهيم أخبرنا شعبة حدثنا عباس الجريري هو بن فروخ عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر). وفي الصحيحة (1114) حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سيف سمعت مجاهدا يقول (أتى بن عمر رضى الله تعالى عنهما في منزله فقيل له هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل الكعبة قال فأقبلت فأجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج وأجد بلالا عند الباب قائما فقلت يا بلال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة قال نعم قلت فأين قال بين هاتين الاسطوانتين ثم خرج فصلى ركعتين في وجه الكعبة قال أبو عبد الله قال أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بركعتي الضحى وقال عتبان غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضى الله تعالى عنه بعد ما امتد النهار وصففنا وراءه فركع ركعتين). وقد جاء في صحيح مسلم (719) حدثنا شيبان بن فروخ. حدثنا عبدالوارث. حدثنا يزيد (يعني الرشك) حدثتني معاذة؛ أنها سألت عائشة رضي الله عنها: (كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى؟ قالت: أربع ركعات. ويزيد ما شاء). وعليه فإن صلاة الضحى سنة وليست بواجبه، ومن تركها فلا إثم عليه مطلقاً سواء تركها دائماً أو تركها في بعض الأيام أو داوم عليها مدة تم تركها كل ذلك سواء وليس هناك. وجاء في صحيح مسلم (720) حدثنا عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي. حدثنا مهدي (وهو ابن ميمون) حدثنا واصل مولى أبي عيينة عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الدؤلي، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال (يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة. فكل تسبيحة صدقة. وكل تحميدة صدقة. وكل تهليلة صدقة. وكل تكبيرة صدقة. وأمر بالمعروف صدقة. ونهي عن المنكر صدقة. ويجزئ، من ذلك، ركعتان يركعهما من الضحى).
ولا ننسى ما إجتمع لنا أيضا من أعمال لها أجرها العظيم كذبح الأضاح وصلاة العيد وصلة الرحم والرفق والشفقة على الصغير وإحترام الكبير وغيرها كثير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آلة وصبحة وسلم.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
آخر تعديل بواسطة admin ، 11-27-2009 الساعة 03:10 AM