عرض مشاركة واحدة
 
  #6  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي


المسألة الثالثة عشرة

طلب النصرة من عمل الحزب


من رجح عنده أن الطريق لإقامة الخلافة وإيجاد الجماعة على إمام وإيجاد دار الإسلام هي الطريق التي سلكها النبي ص في إيجاد دار الإسلام فعليه أن يطلب النصرة من الجهات التي لديها القوة والمنعة ولا يعتمد على قوى حزبه الذاتية لأنه ص بحث عن المنعة وطلب ممن وجدها عندهم أن يمنعوه وأصحابه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم وأزواجهم وأبناءهم. والأدلة على ذلك ما رواه:
• أحمد باسناد صحيح: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ: مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي؟ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ. حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ أَوْ مِنْ مُضَرَ -كَذَا قَالَ- فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ فَيَقُولُونَ: احْذَرْ غُلَامَ قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنُكَ. وَيَمْشِي بَيْنَ رِجَالِهِمْ وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ يَثْرِبَ فَآوَيْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ ائْتَمَرُوا جَمِيعًا، فَقُلْنَا: حَتَّى مَتَى نَتْرُكُ رَسُولَ اللَّهِ ص يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ؟ فَرَحَلَ إِلَيْهِ مِنَّا سَبْعُونَ رَجُلًا حَتَّى قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ حَتَّى تَوَافَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ. قَالَ: تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَالنَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَأَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا تَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمْ الْجَنَّةُ. قَالَ: فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ مِنْ أَصْغَرِهِمْ فَقَالَ: رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ فَإِنَّا لَمْ نَضْرِبْ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ص، وَإِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنَّ تَعَضَّكُمْ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ جَبِينَةً فَبَيِّنُوا ذَلِكَ، فَهُوَ عُذْرٌ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ. قَالُوا: أَمِطْ عَنَّا يَا أَسْعَدُ فَوَاللَّهِ لَا نَدَعُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ أَبَدًا وَلَا نَسْلُبُهَا أَبَدًا. قَالَ: فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ، فَأَخَذَ عَلَيْنَا وَشَرَطَ وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ.
• الطبراني باسناد قواه الحافظ في الفتح: حدثنا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بن سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بن عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص فِي أَصْلِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ الأَضْحَى، وَنَحْنُ سَبْعُونَ رَجُلا، قَالَ عُقْبَةُ: إِنِّي لأَصْغَرُهُمْ سِنًّا فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ص، فَقَالَ: "أَوْجِزُوا فِي الْخُطْبَةِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ كُفَّارَ قُرَيْشٍ"، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَلْنَا لِرَبِّكَ، وَسَلْنَا لِنَفْسِكَ، وَسَلْنَا لأَصْحَابِكَ، وَأَخْبِرْنَا مَا لَنَا مِنَ الثَّوَابِ عَلَى اللَّهِ ﻷ وَعَلَيْكَ، فَقَالَ: "أَمَّا الَّذِي أَسْأَلُ لِرَبِّي أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي أَسْأَلُ لِنَفْسِي فَإِنِّي أَسْأَلُكُمْ أَنْ تُطِيعُونِي أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، وَأَسْأَلُكُمْ لِي وَلأَصْحَابِي أَنْ تُوَاسُونَا فِي ذَاتِ أَيْدِيكُمْ، وَأَنْ تَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَلَكُمْ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةُ وَعَلَيَّ"، قَالَ: فَمَدَدْنَا أَيْدِيَنَا فَبَايَعْنَاهُ.
• البيهقي في دلائل النبوة بإسناد قال عنه ابن كثير جيد قوي: أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الفقيه قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن الفضل الفحام قال: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي قال: حدثنا عمرو بن عثمان الرقي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه عبيد بن رفاعة قال: قدمت روايا خمر فأتاها عبادة بن الصامت فحرقها وقال: إنا بايعنا رسول الله ص على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا فيه لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله ص إذا قدم علينا يثرب بما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة، فهذه بيعة رسول الله ص بايعناه عليها.
• البيهقي باسناد حسنه الحافظ: حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الفقيه الشاشي قال: حدثنا الحسن بن صاحب بن حميد الشاشي قال: حدثني عبد الجبار بن كثير الرقي قال: حدثنا محمد بن بشر اليماني، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: حدثني علي بن أبي طالب، من فيه قال: لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله ص أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، وأبو بكر س، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر س وكان مقدما في كل خير، وكان رجلا نسابة فسلم، وقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة. قال: وأي ربيعة أنتم؟ أمن هامها أم من لهازمها؟ فقالوا: من الهامة العظمى، فقال أبو بكر س: وأي هامتها العظمى أنتم؟ قالوا: من ذهل الأكبر. قال: منكم عوف الذي يقال له: لا حر بوادي عوف؟ قالوا: لا. قال: فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار، ومانع الجار؟ قالوا: لا. قال: فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء، ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا. قال: فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا. قال: فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة؟ قالوا: لا. قال: فمنكم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا. قال: فمنكم أصحاب الملوك من لخم؟ قالوا: لا. قال أبو بكر: فلستم من ذهل الأكبر، أنتم من ذهل الأصغر. قال: فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له دغفل حين تبين وجهه، فقال: إن على سائلنا أن نسله والعبو لا نعرفه أو نجهله. يا هذا، قد سألتنا فأخبرناك، ولم نكتمك شيئا، فممن الرجل؟ قال أبو بكر: أنا من قريش، فقال الفتى: بخ بخ، أهل الشرف والرياسة، فمن أي القرشيين أنت؟ قال: من ولد تيم بن مرة، فقال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة. أمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر، فكان يدعى في قريش مجمعا؟ قال: لا، قال: فمنكم -أظنه قال- هشام الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف؟ قال: لا، قال: فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء؟ قال: لا، قال: فمن أهل الإفاضة بالناس أنت؟ قال: لا. قال: فمن أهل الحجابة أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل السقاية أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل النداوة أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل الرفادة أنت؟ قال: فاجتذب أبو بكر س زمام الناقة راجعا إلى رسول الله ص فقال الغلام: صادف در السيل درا يدفعه، يهضبه حينا، وحينا يصدعه، أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش قال: فتبسم رسول الله ص. قال علي: فقلت: يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة قال: أجل أبا حسن ما من طامة إلا وفوقها طامة، والبلاء موكل بالمنطق قال: ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر فسلم، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر س إلى رسول الله ص فقال: بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر الناس، وفيهم مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان مفروق قد غلبهم جمالا ولسانا، وكانت له غديرتان تسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلسا، فقال أبو بكر س: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لنزيد على ألف، ولن تغلب ألف من قلة. فقال أبو بكر: وكيف المنعة فيكم؟ فقال المفروق: علينا الجهد ولكل قوم جهد. فقال أبو بكر س: كيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله، يديلنا مرة ويديل علينا أخرى، لعلك أخا قريش. فقال أبو بكر س: قد بلغكم أنه رسول الله ألا هو ذا، فقال مفروق: بلغنا أنه يذكر ذاك، فإلى ما تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله ص فجلس وقام أبو بكر س يظله بثوبه، فقال رسول الله ص: "أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله، وكذبت رسله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد"، فقال مفروق بن عمرو: وإلام تدعونا يا أخا قريش، فوالله ما سمعت كلاما أحسن من هذا، فتلا رسول الله ص: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إلى {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام:151-153)، فقال مفروق: وإلام تدعونا يا أخا قريش زاد فيه غيره فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض، ثم رجعنا إلى روايتنا قال: فتلا رسول الله ص: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل:90)، فقال مفروق بن عمرو: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة، فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا، فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش إني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر أنه زلل في الرأي، وقلة نظر في العاقبة، وإنما تكون الزلة مع العجلة، ومن ورائنا قوم نكره أن يعقد عليهم عقد، ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر. وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنى بن حارثة: سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين صريين اليمامة، والسمامة، فقال رسول الله ص: "ما هذان الصريان؟" فقال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا، وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله ص: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال النعمان بن شريك: اللهم فلك ذلك قال: فتلا رسول الله ص: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا | وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (الأحزاب:45-46)، ثم نهض رسول الله ص قابضا على يدي أبي بكر وهو يقول: يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها، بها يدفع الله ﻷ بأس بعضهم عن بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم. قال: فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله ص قال: فلقد رأيت رسول الله ص وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم.
• أحمد باسناد صحيح: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عُثْمَانَ يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ص يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي ﻷ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مِنْ هَمْدَانَ. قَالَ: فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَحْقِرَهُ قَوْمُهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالَ: آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ ثُمَّ آتِيكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ. قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ.


المسألة الرابعة عشرة

المنعة المطلوبة في الدولة منعة دولية


المطلوب في المنعة أو فيمن تطلب منهم النصرة أن يستطيعوا منع الدولة من أي عدوان دولي، لا من مجرد الاعتداءات المحلية أو الإقليمية. ودليل ذلك ما رواه:
• أحمد باسناد صحيح: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ ابْنُ أَخِيكَ يَشْتِمُ آلِهَتَنَا، يَقُولُ وَيَقُولُ وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ فَانْهَهُ. قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، وَكَانَ قُرْبَ أَبِي طَالِبٍ مَوْضِعُ رَجُلٍ، فَخَشِيَ إِنْ دَخَلَ النَّبِيُّ ص عَلَى عَمِّهِ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ ص لَمْ يَجِدْ مَجْلِسًا إِلَّا عِنْدَ الْبَابِ فَجَلَسَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ قَوْمَكَ يَشْكُونَكَ، يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ. فَقَالَ: يَا عَمِّ إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ. قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا. قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: فَقَامُوا وَهُمْ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} (ص:5-8).
قلتُ: في رواية الماوردي في الحاوي أنه ص قال: "تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم". ودينونة العرب وملك العجم أو أداؤهم الجزية لا يكون إلا بدولة قوية تستطيع أن تمنع نفسها من كل دول العالم، بل تغزوهم فيؤدون الجزية إن لم يسلموا.
• البيهقي باسناد حسنه الحافظ: حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الفقيه الشاشي قال: حدثنا الحسن بن صاحب بن حميد الشاشي قال: حدثني عبد الجبار بن كثير الرقي قال: حدثنا محمد بن بشر اليماني، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: حدثني علي بن أبي طالب، من فيه قال: لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله ص أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، وأبو بكر س... ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر فسلم، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من شيبان بن ثعلبة... فقال المثنى بن حارثة: سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين صريين اليمامة، والسمامة، فقال رسول الله ص: "ما هذان الصريان؟" فقال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا، وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله ص: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه...
قلتُ: إن رسول الله ص لم يقبل أخذ النصرة وقبول المنعة من جهة العرب دون الفرس، فردَّ على عرض المثنى أن يؤويه وينصره من قبل العرب فقط دون الفرس بأن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، وفي هذا دلالة واضحة على أن المنعة المطلوبة في الدولة هي منعة دولية.
وعليه فإنه لا يجوز للحزب الذي يعمل لتحقيق وعد الله أن يكتفي بإيجاد دولة لا سيادة لها، أو دولة قابلة للحياة، أو جمهورية محدودة بحدود معينة وطنية أو قومية. بل يجب عليه أن يعمل على إقامة دولة تسود الكرة الأرضية وتنقذ البشرية مما هي فيه، وتخرجها من الظلمات إلى النور.


المسألة الخامسة عشرة

التبني


المُراد بفكرة التبني أن يكون الرأي الذي يراه الأمير هو رأي كل فرد من أفراد الحزب مجتهدا كان أو مقلدا، إذا رأى الأمير أن هذا الرأي لازم لسير الحزب، وكل فرد ملزم باتخاذ هذا الرأي رأيا له. وهذه الفكرة على عمومها فيها تضييق على المنتمين للحزب وأخص المجتهدين منهم، وهي ما كانت في يوم من الأيام إلا لرسول الله ص وحزبه. أما الأحزاب التي نشأت فيما بعد فإنها ربما نشأت على فكرة أساسية واحدة كفكرة الإمامة أو فكرة مرتكب الكبيرة. وربما أضاف الحزب إلى هذه الفكرة الأساسية عددا من الأفكار تميز بها كالعدل والتوحيد والمنزلة بين المنزلتين، وهكذا. ثم إن المتتبع لهذه الأحزاب يجد أنها تضم في صفوفها كثيرا من الأفراد المختلفي المذاهب. فتجد في حزب المعتزلة مثلا السيرافي الحنفي وعبد الجبار الشافعي وأبو الفرج الشيرازي الظاهري، وهكذا.
وفيما يلي بيان موجز لبعض الأحزاب والأفكار الأساسية التي قامت عليها:
أولاً: الرافضة:
قال الأشعري في مقالات الإسلاميين: وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر. وهم مجمعون على أن النبي ص نص على استخلاف علي ابن أبي طالب باسمه وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي ص. وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف، وأنها قرابة، وأنه جائز للإمام في حال التقيّة أن يقول أنه ليس بإمام، وأبطلوا جميعا الاجتهاد في الأحكام، وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس، وزعموا أن عليا كان مصيبا في جميع أحواله، وأنه لم يخطئ في شيء من أمور الدين إلا الكاملية.
ثانيًا: الخوارج:
قال الأشعري في مقالات الإسلاميين: جماع رأي الخوارج: أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب أَنْ حَكَّم. وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا. وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات فإنها لا تقول ذلك. وأجمعوا على أن الله يعذب أصحاب الكبائر عذابًا دائمًا إلا النجدات.


ثالثًا: المعتزلة:
أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين:... فهذه أصول المعتزلة الخمسة التي يبنون عليها أمرهم قد أخبرنا عن اختلافهم فيها وهي: التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإثبات الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أقول: من الطبيعي أن يكون لكل حزب مجموعة من الأفكار الأساسية يتحزب حولها أفراده، ويتميز بها الحزب عن غيره. ولا حاجة لتكثير المتبنيات بحيث تشمل العقائد والعبادات والمعاملات والعقوبات، لأنه حينئذ يكون خلطًا بين المذهب والحزب. فلا علاقة لزكاة الحلي أو تأجير الأرض البيضاء للزراعة أو قبلة الأجنبية أو رجم الزاني المحصن أو بر الوالدين أو الكذب على الزوجة أو حكم جلد الخنزير المدبوغ أو بيع المصراه وغير ذلك لا ينبغي أن يكون من الأفكار أو الأحكام التي يلزم بها الأمير أفراد حزبه. ولو نظرنا إلى الحزب الذي أنشأه ص في مكة لوجدنا أنه كان بعيدا عن الخلافات الفقهية تماما، بحكم وجوده ص على رأسه أولا، وبحكم عدم نزول أكثر الأحكام الشرعية آنذاك. والذي يميز الحزب في العادة هو الغاية التي يسعى لتحقيقها والطريقة التي يرسمها لتحقيق غايته. وهاتان الفكرتان، أعني الغاية وطريقة تحقيقها لا تحتاجان إلى كثير من المتبنيات. وسيظهر هذا جليا إن شاء الله في المسألة التالية عند بحث الحزب المجزئ في أيامنا هذه، الأيام التي محيت فيها دار الاسلام من الوجود بهدم الخلافة وغياب الجماعة على إمام.


المسألة السادسة عشرة

الحزب المجزيء


الحزب المجزيء عندي هو الحزب الذي يتوفر فيه شرطان:
الأول: أن تكون غايته إيجاد الجماعة على إمام بإقامة خلافة على منهاج النبوة.
الثاني: أن تكون طريقته في تحقيق الغاية هي طريقة محمد ص في إقامة الدولة وإيجاد دار الإسلام الأولى.
والخلافة على منهاج النبوة لا تكون إلا بالبيعة لرجل مسلم بالغ عاقل حر مجتهد قرشي قادر على القيام بأعباء الخلافة.
ويهمني هنا بيان الأدلة على شرطي الاجتهاد والنسب القرشي، أما غيرهما فأدلتها معروفة. فدليل الاجتهاد الاجماع:
• روى الدارمي باسناد حسن عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: تَطَاوَلَ النَّاسُ فِى الْبِنَاءِ فِى زَمَنِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ الأَرْضَ الأَرْضَ، إِنَّهُ لاَ إِسْلاَمَ إِلاَّ بِجَمَاعَةٍ، وَلاَ جَمَاعَةَ إِلاَّ بِإِمَارَةٍ، وَلاَ إِمَارَةَ إِلاَّ بِطَاعَةٍ، فَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفَقْهِ كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ كَانَ هَلاَكاً لَهُ وَلَهُمْ.
فعمر اعتبر سيادة الفقيه حياة، وسيادة غير الفقيه هلاكا، ولم يُنكر عليه منكر فكان إجماعًا.
والفقه في زمن عمر عندما قال هذا الكلام كان يُراد به الاجتهاد، والفقيه يُراد به المجتهد. وظل هذا هو المعنى المقصود حتى نُقل في العصور المتأخرة إلى حامل الفقه أو حافظ الفقه، وهذا مخالف للسنة والإجماع.
أما السنة فما رواه:
• أحمد بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ.
• الترمذي وقال حسن صحيح عن عبد الله بن مسعود قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ص يَقُولُ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ.
• أحمد بإسناد صحيح عن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى فَقَالَ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِمْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرَائِهِ.
• البخاري عن أبي بكرة أنه ص قال: "... فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ...".
• أحمد باسناد حسن عن أنس عن رسول الله ص قال: نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَحَمَلَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ﻷ، وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ.
• الحاكم في المستدرك وقال الذهبي على شرط مسلم عن النعمان بن بشير قال: خطبنا رسول الله ص فقال: نضر الله وجه امرئ سمع مقالتي فحملها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله تعالى، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين.
وأما الإجماع فحكاه:
• ابن حجر الهيثمي في تطهير الجنان واللسان قال: فقد أجمعت الأمة أهل الأصول والفروع على أن الفقيه في عُرف الصحابة والسلف الصالح وقرون آخرين بعدهم هو المجتهد المطلق.
وبهذه الأدلة من السنة والإجماع يثبت أن الفقيه هو المجتهد عند الصحابة فلزم أن يكون الخليفة مجتهدا. وقد روى الاجماع على شرط الاجتهاد فيمن يُبايع للخلافة:
• الجويني في الغياثي: فأما العلم، فالشرط أن يكون الإمام مجتهداً بالغاً مبلغ المجتهدين، مستجمعاً صفات المفتين، ولم يُؤْثَر في اشتراط ذلك خلاف.
• الجويني في الإرشاد: من شرائط الإمام أن يكون من أهل الاجتهاد بحيث لا يحتاج إلى استفتاء غيره في الحوادث وهذا متفق عليه.
• الباقلاني في التمهيد: وأما ما يدل على أنه يجب أن يكون من العلم بمنزلة ما وصفناه فأمور منها إجماع الأمة على ذلك ممن قال بالنص والاختيار.
فيتبين مما سبق ثبوت اشتراط كون الخليفة مجتهدا بالاجماع من الصحابة، وذلك عندما أجمعوا على أن سيادة الفقيه حياة وسيادة غير الفقيه هلاك، وثبت اجماعهم أيضا على أن الفقيه هو المجتهد.
فإن قيل إن كون الخليفة مجتهدا هو مندوب وليس بواجب قلتُ إن وصف عمر لسيادة غير الفقيه بأنها هلاك قرينة على الجزم، فيكون هذا الشرط واجبا.
وأما الأدلة على شرط النسب القرشي فالسنة وإجماع الصحابة.
أما السنة فما رواه:
1. البخاري: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ. فَغَضِبَ فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا تُوثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالْأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ".
2. البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ".
3. البخاري: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س: أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ. وَالنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ".
4. مسلم: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ".
5. مسلم: وحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ص: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ".
6. أحمد بإسناد صححه الزين: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ".
7. أحمد بإسناد صححه الزين والألباني: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُبَشِّرٍ مَوْلَى أُمِّ حَبِيبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَتَّابٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لَأَخْبَرْتُهَا مَا لِخِيَارِهَا عِنْدَ اللَّهِ ﻷ".
8. أحمد بإسناد صححه الزين وقال الحافظ سنده جيد: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ الرَّحَبِيَّ قَالَ حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ الْمَقْرَائِيُّ عَنْ أَبِي حَيٍّ عَنْ ذِي مِخْمَرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي حِمْيَرَ فَنَزَعَهُ اللَّهُ ﻷ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُ فِي قُرَيْشٍ وَ سَ يَ عُ و دُ إِ لَ يْ هِ مْ" وَكَذَا كَانَ فِي كِتَابِ أَبِي مُقَطَّعًا وَحَيْثُ حَدَّثَنَا بِهِ تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِوَاءِ.
9. أحمد باسناد صححه الألباني وقال الهيثمي رواه أحمد وفي الصحيح طرف منه ورجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر. وقال ابن المنذر: هذا الحديث حسن وإن كان فيه انقطاع فإن حميد بن عبد الرحمن بن عوف لم يدرك أيام الصديق، وقد يكون أخذه عن أبيه أو غيره من الصحابة وهذا كان مشهورا بينهم.
قال أحمد: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَأَبُو بَكْرٍ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ: فَجَاءَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا، مَاتَ مُحَمَّدٌ ص وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَتَقَاوَدَانِ حَتَّى أَتَوْهُمْ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أُنْزِلَ فِي الْأَنْصَارِ وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ شَأْنِهِمْ إِلَّا وَذَكَرَهُ، وَقَالَ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ". وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: "قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ". قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: "صَدَقْتَ، نَحْنُ الْوُزَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْأُمَرَاءُ".
10. الترمذي: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَال سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ يَقُولُ: كَانَ نَاسٌ مِنْ رَبِيعَةَ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ: لَتَنْتَهِيَنَّ قُرَيْشٌ أَوْ لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ فِي جُمْهُورٍ مِنْ الْعَرَبِ غَيْرِهِمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: كَذَبْتَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "قُرَيْشٌ وُلَاةُ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
قُلتُ: هذا الحديث صححه الألباني.
11. الحاكم في المستدرك: أخبرنا أحمد بن سلمان الفقيه ببغداد ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي ثنا الصعق بن حزن ثنا علي بن الحكم البناني عن أنس بن مالك س قال: قال رسول الله ص: "الأمراء من قريش ما عملوا فيكم بثلاث: ما رحموا إذا استرحموا، وأقسطوا إذا قسموا، وعدلوا إذا حكموا". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.
قُلتُ: وافقه الذهبي. وقال الألباني: وإنما هو على شرط مسلم وحده، فإن الصعق هذا إنما أخرج له البخاري خارج الصحيح. والحديث عزاه الحافظ العراقي في تخريج الاحياء للذهبي والحاكم باسناد صحيح.
12. أحمد باسناد صححه العراقي وحسنه الحافظ وقال أبو نعيم هذا حديث مشهور ثابت وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَهْلِ أَبِي الْأَسَدِ عَنْ بُكَيْرٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَجَاءَ النَّبِيُّ ص حَتَّى وَقَفَ فَأَخَذَ بِعِضَادَةِ الْبَابِ فَقَالَ: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ وَلَكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، مَا إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا وَإِذَا عَاهَدُوا وَفَّوْا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
13. أحمد باسناد صححه الزين: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا سُكَيْنٌ حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ص قَالَ: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا، وَإِذَا عَاهَدُوا وَفَوْا، وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
14. أحمد باسناد صححه الزين: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا سُكَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ أَبِي الْمِنْهَالِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَإِنَّ فِي أُذُنَيَّ يَوْمَئِذٍ لَقُرْطَيْنِ قَالَ: وَإِنِّي لَغُلَامٌ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ إِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ أَنِّي أَصْبَحْتُ لَائِمًا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، فُلَانٌ هَاهُنَا يُقَاتِلُ عَلَى الدُّنْيَا وَفُلَانٌ هَاهُنَا يُقَاتِلُ عَلَى الدُّنْيَا -يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ- قَالَ: حَتَّى ذَكَرَ ابْنَ الْأَزْرَقِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ لَهَذِهِ الْعِصَابَةُ الْمُلَبَّدَةُ الْخَمِيصَةُ بُطُونُهُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَفِيفَةُ ظُهُورُهُمْ مِنْ دِمَائِهِمْ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، لِي عَلَيْهِمْ حَقٌّ وَلَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ مَا فَعَلُوا ثَلَاثًا: مَا حَكَمُوا فَعَدَلُوا وَاسْتُرْحِمُوا فَرَحِمُوا وَعَاهَدُوا فَوَفَوْا فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
15. أحمد بإسناد صححه أحمد شاكر وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي قَرِيبٍ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ لَيْسَ فِيهِمْ إِلَّا قُرَشِيٌّ، لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ صَفْحَةَ وُجُوهِ رِجَالٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ وُجُوهِهِمْ يَوْمَئِذٍ. فَذَكَرُوا النِّسَاءَ فَتَحَدَّثُوا فِيهِنَّ، فَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ، حَتَّى أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْكُتَ. قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَإِنَّكُمْ أَهْلُ هَذَا الْأَمْرِ مَا لَمْ تَعْصُوا اللَّهَ فَإِذَا عَصَيْتُمُوهُ بَعَثَ إِلَيْكُمْ مَنْ يَلْحَاكُمْ كَمَا يُلْحَى هَذَا الْقَضِيبُ لِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ. ثُمَّ لَحَا قَضِيبَهُ فَإِذَا هُوَ أَبْيَضُ يَصْلِدُ".
16. أحمد باسناد وصححه الزين: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ أَوْ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِيكُمْ وَإِنَّكُمْ وُلَاتُهُ، وَلَنْ يَزَالَ فِيكُمْ حَتَّى تُحْدِثُوا أَعْمَالًا، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ ﻷ عَلَيْكُمْ شَرَّ خَلْقِهِ فَيَلْتَحِيكُمْ كَمَا يُلْتَحَى الْقَضِيبُ".
17. أحمد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات وصححه الزين: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: "الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ وَالْحُكْمُ فِي الْأَنْصَارِ وَالدَّعْوَةُ فِي الْحَبَشَةِ وَالْهِجْرَةُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ بَعْدُ".
قلتُ: هذا الحديث أخرجه البخاري بلفظه في التاريخ الكبير.
18. أحمد وصححه الألباني والسيوطي وأحمد شاكر: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مَرْيَمَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "الْمُلْكُ فِي قُرَيْشٍ وَالْقَضَاءُ فِي الْأَنْصَارِ وَالْأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ وَالسُّرْعَةُ فِي الْيَمَنِ". وَقَالَ زَيْدٌ مَرَّةً يَحْفَظُهُ: "وَالْأَمَانَةُ فِي الْأَزْدِ".
19. أحمد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات وقال الألباني للحديث شواهد يصح بها ويقوى، وقال المنذري في الترغيب والترهيب رواه أحمد ورواته ثقات: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَوْفٌ وَحَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ حَدَّثَنِي عَوْفٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ عَنْ أَبِي كِنَانَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى بَابِ بَيْتٍ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ الْبَابِ ثُمَّ قَالَ: "هَلْ فِي الْبَيْتِ إِلَّا قُرَشِيٌّ؟" قَالَ: فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَيْرُ فُلَانٍ ابْنِ أُخْتِنَا. فَقَالَ: "ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا دَامُوا إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا وَإِذَا قَسَمُوا أَقْسَطُوا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ".
20. الحاكم في المستدرك وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم اسناده جيد ولكنه روي عن علي موقوفا وقال الدارقطني هو أشبه: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان ثنا أبو حاتم الرازي ثنا الفيض بن الفضل البجلي ثنا مسعر بن كدام عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي بن أبي طالب س قال: قال رسول الله ص: "الأئمة من قريش أبرارها أمراء أبرارها، وفجارها أمراء فجارها، ولكل حق فآتوا كل ذي حق حقه، وإن أمرت عليكم عبدا حبشيا مجدعا فاسمعوا له وأطيعوا ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه، فإن خير بين إسلامه وضرب عنقه، فليقدم عنقه فإنه لا دنيا له ولا آخرة بعد إسلامه".
21. الطبراني في الأوسط والصغير والدعاء وقال الهيثمي رجاله ثقات: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم أبو مسلم الكجي، بمكة سنة ثلاث وثمانين ومائتين، حدثنا معاذ بن عوذ الله القرشي، حدثنا عوف، عن أبي صديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قام رسول الله ص على بيت فيه نفر من قريش، فأخذ بعضادتي الباب ثم قال: "هل في البيت إلا قرشي؟" قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال: "ابن أخت القوم منهم". ثم قال: "إن هذا الأمر لا يزال في قريش ما إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا أقسموا أقسطوا، ومن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
22. الحافظ في المطالب العالية: وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ صَالِحِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ ثنا هَارُونُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثنا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمِ بْنِ أَبِي قُتَيْلَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيِي بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عروة قال: أقحمت عَلَيْنَا السَّنَةُ نَابِغَةَ بْنَ جَعْدَةَ وَنَحْنُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ س بمكة فوقف بعدما صَلَّى الصُّبْحَ بِالنَّاسِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ:
حَكَيْتُ لَنَا الصِّدِّيقَ لَمَّا وَلِيتَنَا وَعُثْمَانَ وَالْفَارَوُقَ فَارْتَاحَ مُعْدِمُ
أَتَاكَ أَبُو لَيْلَى يُشَقُّ بِهِ الدُّجَى دُجَى اللَّيْلِ جَوَّابُ الْفَلَاةِ عَثَمْثَمُ
لَتَرْفَعَ مِنْهُ جَانِبًا ذَعْذَعَتْ بِهِ صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالزَّمَانُ الْمُصَمْصَمُ
فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ س: امْسِكْ عَلَيْكَ أَبَا لَيْلَى فَإِنَّ الشِّعْرَ أَهْوَنُ وَسَائِلِكَ عَلَيْنَا أَمَّا صَفْوَةُ مَالِنَا فَلِآلِ الزُّبَيْرِ، وَأَمَّا عَفْوَتُهُ فَإِنَّ بَنِي أَسَدٍ تَشْغَلُنَا عَنْكَ، وَلَكِنْ لَكَ فِي مَالِ اللَّهِ حَقَّانِ: حَقٌّ بِرُؤْيَتِكَ رَسُولَ اللَّهِ ص، وَحَقٌّ بِشِرْكَتِكَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ. وَأَمَرَ أَنْ تُوَقَّرَ لَهُ الرِّكَابُ حَبًّا وَتَمْرًا، فَجَعَلَ أَبُو لَيْلَى يُعَجِّلُ وَيَأْكُلُ مِنَ التَّمْرَ وَالْحَبَّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ س يَقُولُ لَهُ: لَقَدْ بَلَغَ بِكِ الْجَهْدُ أَبَا لَيْلَى. فَلَمَّا قَضَى نَهْمَتَهُ قَالَ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "مَا وَلِيَتْ قُرَيْشٌ فَعَدَلَتْ، وَاسْتُرْحِمَتْ فَرَحِمَتْ، وَحَدَّثَتْ فَصَدَقَتْ، وَوَعَدَتْ خَيْرًا فَأَنْجَزَتْ، فَأَنَا وَالنَّبِيُّونَ عَلَى الْحَوْضِ فَرطٌ لِلْقَاصِفِينَ". قَالَ: وَالْقَاصِفُونَ الَّذِينَ يُرْسِلُونَ الْمَاءَ عَلَى الْحَوْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: الْمَالُ الْإِبِلُ.
23. حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، ثنا محمد بن بكار بن بلال، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله ص: "الملك في قريش، ولهم عليكم حق، ولكم عليهم مثله، ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
24. ابن أبي عاصم في السنة: ثنا أبو صالح هدية بن عبد الوهاب، ثنا النضر بن شميل، ثنا شعبة، عن حبيب بن الزبير، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: كنا نجالس عمرو بن العاص نذاكره الفقه. فقال رجل من بكر: لتنتهين قريش، أو ليجعلن الله هذا الأمر في جمهور من جماهير العرب. فقال عمرو بن العاص: كذبت، سمعت رسول الله ص يقول: "الخلافة في قريش إلى قيام الساعة".
25. عبد الرزاق في مصنفه باسناد صححه الحافظ في الفتح: أخبرنا معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة أن رسول الله ص قال: "لا تعلموا قريشا وتعلموا منها، ولا تتقدموا قريشا ولا تتأخروا عنها، فإن للقرشي قوة الرجلين من غيرهم" يعني في الرأي.
26. البيهقي في السنن الكبرى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِى خُطْبَةِ أَبِى بَكْرٍ س قَالَ: وَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ، قَدْ بَلَغَكُمْ ذَلِكَ أَوْ سَمِعْتُمُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص، وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، فَنَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ إِخْوَانُنَا فِى الدِّينِ وَأَنْصَارُنَا عَلَيْهِ. وَفِى خُطْبَةِ عُمَرَ ص بَعْدَهُ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ص أَوْ مَنْ سَمِعَهُ مِنْكُمْ وَهُوَ يَقُولُ: "الْوُلاَةُ مِنْ قُرَيْشٍ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ". فَقَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الأَنْصَارِ: بَلَى، الآنَ ذَكَرْنَا. قَالَ: فَإِنَّا لاَ نَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ إِلاَّ بِهَذَا، فَلاَ تَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الأَهْوَاءُ فَلَيْسَ بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ.
قال الحافظ في التلخيص الحبير عند حديثه على حديث "الأئمة من قريش": "وقد جمعت طرقه في جزء مفرد عن نحو من أربعين صحابيا". وقال في الفتح: "الْعَدَد الْمُعَيَّن لَا يُشْتَرَط فِي الْمُتَوَاتِر، بَلْ مَا أَفَادَ الْعِلْم كَفَى... وَبَيَّنْت أَنَّ أَمْثِلَته كَثِيرَة: مِنْهَا حَدِيث مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَالْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَرَفْع الْيَدَيْنِ، وَالشَّفَاعَة وَالْحَوْض وَرُؤْيَة اللَّه فِي الْآخِرَة، وَالْأَئِمَّة مِنْ قُرَيْش وَغَيْر ذَلِكَ".
وأما الإجماع ففيما يلي بعض من حكاه، بالإضافة إلى بعض مستنداته:
1. الباقلاني في التمهيد: ويدل على ما قلناه إطباق الأمة في الصدر الأول من المهاجرين والأنصار بعد الاختلاف الذي شجر بينهم على أن الامامة لا تصح إلا في قريش. وقول سعد بن عبادة لأبي بكر وعمر عند الاحتجاج بهذه الأخبار وادكاره بها: "نحن الوزراء وأنتم الأمراء" فثبت أن الحق في اجتماعها وأنه لا معتبر بقول ضرار وغيره ممن حدث بعد هذا الاجماع.
2. الطبري في التبصير: فقالت الأنصار لقريش منا أمير ومنكم أمير. فقال خطيب قريش: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فأقرت الأنصار بذلك، وسلموا الأمر لقريش، ورأوا أن ذلك الذي قال خطيب قريش صواب. ثم لم ينازع ذلك قريشًا أحد من الأنصار بعد ذلك إلى يومنا هذا... وكان الخبر قد تواتر بالذي ذكرناه من فعل المهاجرين والأنصار، وتسليمهم الخلافة والإمرة لقريش، وتصديقهم خطيبهم "نحن الأمراء وأنتم الوزراء" من غير إنكار منهم، إلا من شذَّ وانفرد بما كان عليه التسليم لما نقلته الحجة عن رسول الله ص من أن الإمامة لقريش دون غيرها، كان معلوما بذلك أن لا حظ لغيرها فيها.
3. الخطيب البغدادي في أصول الدين: ودليل أهل السنة على أن الإمامة مقصورة على قريش قول النبي ص: "الأئمة من قريش"، ولهذا الخبر سلمت الأنصار الخلافة لقريش يوم السقيفة. فحصل الخبر وإجماع الصحابة دليلين على أن الخلافة لا تصلح لغير قريش. ولا اعتبار بخلاف من خالف الاجماع بعد حصوله.
4. أبو نعيم في الإمامة: لا خلاف بين المسلمين أن الخلافة في قريش والأئمة منهم.
5. ابن العربي في عارضة الأحوذي: ولا تخرج الخلافة عن قريش لقول النبي ص: "قريش ولاة هذا الأمر في الخير والشر إلى يوم القيامة". وعلى ذلك أجمعت الصحابة حين بينه أبو بكر في يوم السقيفة. فإن قيل فقد روى أبو عيسى وغيره عن أبي هريرة "لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجل من الموالي يقال له جهجاه" وكذلك جاء في الصحيح: "لن تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه" قلنا: هذا إنذار من النبي ص بما يكون من الشر في آخر الزمان في تسور العامة على منازل أهل الاستقامة، ليس خبرا عما ينبغي.
6. عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم: هذه الأحاديث –وما في معناها في هذا الباب- حجة أن الخلافة لقريش، وهو مذهب كافة المسلمين وجماعتهم. وبهذا احتج أبو بكر وعمر على الأنصار يوم السقيفة، فلم يدفعه أحد عنه. وقد عدها الناس فى مسائل الإجماع، إذ لم يؤثر عن أحد من السلف فيها خلاف قولاً ولا عملاً قرنا بعد قرن إلا ذلك وإنكار ما عداه. ولا اعتبار بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنها تصح فى غير قريش. ولا بسخافة ضرار بن عمرو فى قوله: إن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهوان خلعه إذا وجب ذلك، إذ ليست له عشيرة تمنعه. وهذا كله هزء من القول ومخالفة لما عليه السلف وجماعة المسلمين.
7. الغزالي في فضائح الباطنية: نسب قريش لا بد منه لقوله ص: "الأئمة من قريش" واعتبار هذا مأخوذ من التوقيف ومن إجماع أهل الأعصار الخالية على أن الإمامة ليست إلا في هذا النسب. ولذلك لم يتصد لطلب الإمامة غير قرشي في عصر من الأعصار.
8. الجويني في الغياثي: فأما الصفات اللازمة، فمنها النسب، فالشرط أن يكون الإمام قرشياً، ولم يخالف في اشتراط النسب غيرُ ضرار بنِ عمرو، وليس ممن يُعْتَبَر خلافُه ووفاقُه.
9. النووي في شرح صحيح مسلم: هَذِهِ الْأَحَادِيث وَأَشْبَاههَا دَلِيل ظَاهِر أَنَّ الْخِلَافَة مُخْتَصَّة بِقُرَيْشٍ، لَا يَجُوز عَقْدهَا لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرهمْ، وَعَلَى هَذَا اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع فِي زَمَن الصَّحَابَة، فَكَذَلِكَ بَعْدهمْ، وَمَنْ خَالَفَ فِيهِ مِنْ أَهْل الْبِدَع أَوْ عَرَّضَ بِخِلَافٍ مِنْ غَيْرهمْ فَهُوَ مَحْجُوج بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة.
10. الآمدي في أبكار الأفكار: وقد احتج أصحابنا ومن تابعهم باجماع الصحابة... وتلقت الأمة ذلك بالقبول، وأجمعوا على اشتراط القرشية ولم يوجد له نكير فصار إجماعا مقطوعًا به.
11. الماوردي في الأحكام السلطانية: النَّسَبُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ.
12. الإيجي في المواقف في معرض كلامه عن حديث الرسول ص "الإئمة من قريش": ثم إن الصحابة عملوا بمضمون هذا الحديث وأجمعوا عليه فصار قاطعا.
13. زين الدين العراقي في طرح التثريب: الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة.
14. البخاري عن عائشة: ...وَاجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ. فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ.
15. البخاري عن ابن عباس: ...فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ... وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ ص أَنَّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ... فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ... فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ... فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ الْآنَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنْ الِاخْتِلَافِ، فَقُلْتُ ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَارُ....
16. البزار وقال اسناده حسن عن عمر قال: والله ما وفينا لهم كما عاهدناهم عليه، إنا قلنا لهم: إنا نحن الأمراء وأنتم الوزراء، ولئن بقيت إلى رأس الحول لا يبقى لي عامل إلا أنصاري.
17. أحمد عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف باسناد صححه الألباني وقال الهيثمي رواه أحمد وفي الصحيح طرف منه ورجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر. وقال ابن المنذر: هذا الحديث حسن وإن كان فيه انقطاع فإن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أيام الصديق، وقد يكون أخذه عن أبيه أو غيره من الصحابة وهذا كان مشهورًا بينهم. قَالَ: ... فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ... وَقَالَ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ"، وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: "قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ". قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: صَدَقْتَ، نَحْنُ الْوُزَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْأُمَرَاءُ.
18. البيهقي وقال ابن كثير بإسناد صحيح محفوظ عن أبي سعيد الخدري: "... فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ س فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ الإِمَامَ يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ ص. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ س فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ. ثُمَّ أَخَذَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوه...".
19. موسى بن عقبة في مغازيه وهي أصح المغازي كما قال الحافظ: عن أبي سعيد الخدري أن الْأَنْصَار قَالُوا: أَوَّلًا نَخْتَار رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَإِذَا مَاتَ اِخْتَرْنَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار، فَإِذَا مَاتَ اِخْتَرْنَا رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَذَلِكَ أَبَدًا فَيَكُون أَجْدَر أَنْ يُشْفِق الْقُرَشِيّ إِذَا زَاغَ أَنْ يَنْقَضّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ وَكَذَلِكَ الْأَنْصَارِيّ. قَالَ: فَقَالَ عُمَر: لَا وَاَللَّه لَا يُخَالِفنَا أَحَد إِلَّا قَتَلْنَاهُ.
20. الطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح: الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لغيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة ومن بعدهم. ومن خالف فيه من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة.
21. ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري: ومما يدل على كون الإمام قرشيا اتفاق الأمة في الصدر الأول وبعده من الأعصار على اعتبار ذلك فى صفة الإمام قبل حدوث الخلاف في ذلك، فثبت أن الحق فى اجتماعها وإبطال قول من خالفها.
22. القرطبي في المفهم: قد أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصحُّ لغير قريش، ما خلا الإمامة الكبرى، فهي المقصودة بالحديث قَطْعًا.
23. ابن قدامة في روضة الناظر: وقد أجمع الصحابة على قتال مانعي الزكاة بعد الخلاف. وعلى أن الأئمة من قريش وعلى إمامة أبي بكر بعد الخلاف.
24. القرافي في شرح تنقيح الفصول: لنا أن الصحابة اختلفوا في أمر الإمامة ثم اتفقوا عليها.
25. الرازي في المحصول: المسألة الثالثة: يجوز حصول الاتفاق بعد الخلاف، وقال الصيرفي: لا يجوز. لنا إجماع الصحابة على إمامة ابي بكر س بعد اختلافهم فيها.
قُلتُ: الأحاديث التي مرت تفيد التواتر، وقد صرح بتواترها الحافظ. وهي تدل دلالة قاطعة على أن الإمامة في قريش. فيكون شرط النسب من المسائل المقطوع بها في ثبوتها ودلالتها ولا يسوغ فيها الاختلاف، والخلاف فيها شذوذ، بل إنه باطل. والدليل على ذلك إجماع الصحابة. قال الماوردي في الحاوي: "إِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ، بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ". وقال الشيرازي في اللمع: "وأما إذا اختلفت الصحابة على قولين ثم اجتمعت على أحدهما نظرت، فإن كان ذلك قبل أن يبرد الخلاف ويستقر كخلاف الصحابة لأبي بكر س في قتال مانعي الزكاة وإجماعهم بعد ذلك، زال الخلاف وصارت المسألة بعد ذلك إجماعا بلا خلاف".
وروى البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ س قَالَ:... إِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَمَنْ اسْتَخْلَفُوا بَعْدِي فَهُوَ الْخَلِيفَةُ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. فَسَمَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ...
فهذا عمر س يحصر المرشحين للخلافة بستة كلهم من قريش، ولم يُنكر عليه عربي ولا عجمي فكان إجماعا لا يجوز خلافه بعد الإجماع الذي حصل في السقيفة. وقد أجمع العلماء على أن الصحابة إذا أجمعوا على رأي فلا يجوز لمن بعدهم أن يحدثوا رأيا. قال الماوردي في الحاوي: إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ كَانَ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَانٍ مُحَرَّمًا. ففي السقيفة اختلفوا على قولين، فليس لمن بعدهم أن يحدثوا ثالثا إجماعا. وهنا أجمعوا على قول واحد فيحرم على من بعدهم أن يأتي بقول ثانٍ.
وعليه فإن ما قاله ضرار والنظام ومن وافقه من الخوارج قول باطل لأنه مخالف لما استقر عليه إجماع الصحابة، فلا اعتبار بخلاف من جاء بعدهم وخالف إجماعهم، وجوّز الإمامة في غير قريش، أعني الخلافة على المنهاج.
وأيضا فإن من قال الخلافة في قريش أولى منها في غيرهم وهو قول الكعبي قول باطل، قال الخطيب في أصول الدين: "وزعم الكعبي أن القرشي أولى بها من الذي يصلح لها من غير قريش، فإن خافوا الفتنة جاز عقدها لغيره". فهو يعتبر شرط النسب شرط أولوية أي شرط كمال أو شرط افضلية. وهذا كلام مردود لأنه مسبوق باجماع الصحابة. على أنه لا يجيز انعقادها لغير القرشي ابتداء وإنما أجازها عند خوف الفتنة.
وفيما يلي عرض للقرائن الدالة على أن شرط النسب القرشي شرط إجزاء وانعقاد لا مجرد شرط كمال وأفضلية:
أ‌- قوله ص في حديث معاوية عند البخاري "لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ". وهذه الجملة متصلة بالجملة التي سبقتها وهي "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ" وبيان ذلك:
1) أن البيهقي روى هذا الحديث ولفظه "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِى قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ فِيهِ أَحَدٌ إِلاَّ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ" فهذه الرواية فيها زيادة لفظ "فيه" اي في الأمر، فتكون الجملة الثانية مؤكدة للأولى لا منفصلة عنها، وليس النهي عن مطلق معاداة بل النهي هنا مقيد بالنهي عن معاداة قريش في الأمر.
2) قوله ص في الحديث "مَا أَقَامُوا الدِّينَ" يدل دلالة واضحة على أن المنهي عنه هو المعاداة لقريش في الأمر لا مطلق معاداة، لأن إقامة الدين لا يتمكن منها إلا من كان الأمر بيده. ولو كان النهي عن المعاداة لا علاقة له بالأمر لما لزم أن يقال "مَا أَقَامُوا الدِّينَ". أي لو كان النهي عن المعاداة مطلقا غير مقيد بالأمر لما قال ص هذا القيد الذي هو إقامة الدين، فمطلق المعاداة لا يلزمه هذا القيد، وهذا واضح.
3) إن "لا" في الحديث عاطفة، عطفت جملة على جملة، ومن المعلوم أن "لا" العاطفة يتعاند متعاطفاها، كقولنا الكافر عدو لا تجوز موالاته، فالعداوة والموالاة متعاندتان، وكذلك جملتا الحديث والمعنى قريش خلفاؤكم انصحوا لهم لا تعادوهم، وحرف "لا" عندما يكون للعطف يفيد التوكيد باتفاق أئمة اللغة. قال القرافي في الذخيرة: واتفق أئمة اللغة على أن "لا" في العطف للتأكيد.
ب‌- قول أبي بكر في حديث أبي سعيد الخدري الصحيح الذي يرويه البيهقي: "جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ" وعدم المصالحة معناه الحرب، ولا يمكن أن يكون ذلك لمجرد شرط كمال وأفضلية.
ت‌- قول عمر في حديث أبي سعيد الخدري الذي يرويه موسى ابن عقبة في مغازيه: "لَا وَاَللَّه لَا يُخَالِفنَا أَحَد إِلَّا قَتَلْنَاهُ" ولا يمكن أن يصل الأمر بقريش إلى قتل المخالف لو كان شرط النسب شرط كمال وأفضلية فقط.
ث‌- قول الصحابي الأنصاري في حديث عمر عند أبي يعلى وابن حبان: "فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْل أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا يَكُون فِيهِ حَرْب". وفي هذا الحديث: "اُخْرُجْ إِلَيَّ يَا اِبْن الْخَطَّاب، فَقُلْت: إِلَيْك عَنِّي فَإِنَّا عَنْك مَشَاغِيل -يَعْنِي بِأَمْرِ رَسُول اللَّه ص-، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْر، فَإِنَّ الْأَنْصَار اِجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَة بَنِي سَاعِدَة فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْل أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا يَكُون فِيهِ حَرْب". ولا يمكن أن تكون الحرب على مجرد شرط كمال وأفضلية.
ج‌- روى أبو داود باسناد صححه الألباني: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ...".
وروى أحمد باسناد صححه الزين عن حذيفة قال: قال رسول الله ص: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ".
يفهم من مجموع هذين الحديثين أن الخلافة على المنهاج هي أفضل أنواع الخلافة لأنها على منهاج النبوة، وتليها الخلافة العاض وهي الخلافة التي يستخلف فيها الأبناء، وتليها الخلافة الجبرية ويجتمع فيها أمران تخالف فيهما منهاج النبوة وهما استخلاف الأبناء وكونها غير قرشية. ومخالفة المنهاج يمكن اعتبارها قرينة على أن اشتراط النسب واجب، وإن كانت هذه القرينة أضعف من القرائن التي سبقتها.
هذه خمس قرائن تدل على أن شرط النسب في الخلافة مطلوب شرعا طلبا جازما، فهو مما يجب توفره في الخليفة، وليس هو من المندوب.
وكلمة "الأمر" الواردة في عدد من الأحاديث المذكورة يُراد بها الخلافة فقط ولا يُراد بها مطلق ولاية الأمر، وقد مرّ ما قاله القرطبي في المفهم: "قد أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصحُّ لغير قريش، ما خلا الإمامة الكبرى، فهي المقصودة بالحديث قَطْعًا". والأدلة على أن المراد بالأمر الخلافة ما يلي:
أ‌- حديث عتبة بن عبد السلمي أن النبي ص قال: "الخلافة في قريش...".
ب‌- حديث عمرو بن العاص: سمعت رسول الله ص يقول: "الخلافة في قريش...".
ت‌- حديث أنس وأبي برزة وعلي أن رسول الله ص قال: "الأئمة من قريش".
ووجه الاستدلال في الأحاديث السابقة أنها تفسر الأمر بأنه الخلافة والإمامة.
ث‌- حديث جابر بن سمرة عند مسلم قال: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ ص فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً". قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ خَفِيَ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ".
وهذا الحديث من أبلغ الأدلة على أن الأمر هو الخلافة، إذ أنه ص بعد أن قال: "إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي" قال: "حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً". فهذا نص في موضوع الأمر.
ج‌- حديث عائشة عند البخاري وفيه: "وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا...".
فهذا علي يفهم الأمر أنه الخلافة ويخطب به أمام الصحابة ولم ينكروا عليه.
ح‌- حديث عبد الله بن عباس عند البخاري وفيه: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ س خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا. فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: "أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى رَسُولَ اللَّهِ ص سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ، إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا...".
والدلالة هنا في فهم علي والعباس للأمر بأنه الخلافة، فإن قيل كيف تكون الخلافة في قريش ولا يعلم العباس وعلي، قيل إنهما كانا يتساءلان إن كانت الخلافة في بني هاشم أم فيهم وفي غيرهم من قريش، فلا تعارض.
خ‌- حديث ابن عباس عن عمر عن أبي بكر عند البخاري أنه قال: "مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ...".
وهذا أبو بكر أيضا يستعمل لفظ "الأمر" بمعنى الخلافة.
د‌- حديث معاوية عند البخاري حيث يقول: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ...".
وفهم معاوية أن الأمر هو الخلافة، وليس مطلق ولاية أمر.
ذ‌- حديث المسور عند البخاري وفيه: "أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ...".
فهذا عبد الرحمن يستعمل الأمر بمعنى الخلافة على مسمع من الخمسة فلم ينكروه.
ر‌- حديث عمر عند أحمد وفيه: "قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حِرْصًا سَيِّئًا وَإِنِّي جَاعِلٌ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ...".
ز‌- حديث جابر بن عبد الله عند أحمد وصححه الحاكم والذهبي أن رسول الله ص قال: "أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ". قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص قُلْنَا: أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللَّهِ ص، وَأَمَّا ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ ص مِنْ نَوْطِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ ص.
س‌- فسر ابن حجر في فتح الباري "الأمر" في أكثر من موضع على أنه الخلافة.
قلتُ: الألف واللام في لفظ الأمر الوارد في الأحاديث هي "أل العهد". وقد ورد هذا اللفظ وأريد به معان أخرى، والسياق هو الذي يدل على المراد. وقد تبين في حديث جابر بن سمرة المار ذكره أنه ص فسر الأمر بالخلافة وأن عددا من الصحابة فهموه كذلك، وذكر القرطبي أن الأمة مجمعة على ذلك. فلم يبق مجال للقول بأن المراد بهذا اللفظ مطلق ولاية الأمر فيشمل الإمارة بنوعيها العامة والخاصة. فهذا الفهم مخالف لقوله ص في حديث جابر بن سمرة ومخالف لفهم الصحابة ومخالف لما فهمته الأمة.
وتأميره ص غير قريش إمارة خاصة لا خلاف فيه، ولكنه لا يصلح دليلا على استخلافه إياهم، ورسول الله ص لم يستخلف مطلقا فكيف يُقال أنه استخلف محمد بن مسلمة، وعدم استخلافه ص ثابت في الصحيح. وأدلة الامارة الخاصة لا تصلح للامارة العامة. أما ما ورد في كتب السير أنه ص استخلف محمد بن مسلمة على المدينة، فقد ورد أنه استخلف غيره ومنهم: أبو لبابة، وابن أم مكتوم، وعثمان، وزيد بن حارثة، ونميلة بن عبد الله، وأبو رهم الغفاري، وعبد الله بن رواحة، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وسعد بن معاذ، وسباع بن عرفطة وغيرهم. وورد أنه استخلف عتاب بن أسيد على مكة. كما ورد لفظ "واستعمل" مكان "واستخلف". فالقول أنه ص استخلف محمد بن مسلمة، أي ولاه خليفة له لبينما يرجع من المعركة، ولم يوله واليا على المدينة كلام غريب لا أجد فيما اطلعت عليه من المصادر نصا يحتمله.
وأما قوله ص لبني عامر "الأمر لله يضعه حيث يشاء" فإن الله قد بيّن أنه وضعه في قريش، وشاء أن يكون فيهم، وقد مرّت الأحاديث التي تثبت ذلك، فلم يبق في هذا الحديث دلالة على أنه قرينة تصرف الأمر إلى الندب. بل فيه دلالة على أن المراد بلفظ الأمر هنا هو الخلافة، لأنه ص قال هذا الحديث جوابا لبيحرة بن فراس عندما سأله: "أيكون لنا الأمر من بعدك؟".
وأخيرًا فإن القول بأن لفظ "قريش" لقب لا مفهوم له كلام صحيح، ولكن الدلالة ليست في هذا اللفظ وإنما في عموم قوله ص "الأئمة". قال الحافظ في الفتح: "قَالَ اِبْن الْمُنِير: وَجْه الدَّلَالَة مِنْ الْحَدِيث لَيْسَ مِنْ جِهَة تَخْصِيص قُرَيْش بِالذِّكْرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَفْهُوم لَقَبٍ، وَلَا حُجَّة فِيهِ عِنْد الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنَّمَا الْحُجَّة وُقُوع الْمُبْتَدَأ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّة لِأَنَّ الْمُبْتَدَأ بِالْحَقِيقَةِ هَاهُنَا هُوَ "الْأَمْر" الْوَاقِع صِفَة لِهَذَا وَهَذَا لَا يُوصَف إِلَّا بِالْجِنْسِ، فَمُقْتَضَاهُ حَصْر جِنْس الْأَمْر فِي قُرَيْش، فَيَصِير كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أَمْرَ إِلَّا فِي قُرَيْش، وَهُوَ كَقَوْلِهِ "الشُّفْعَة فِيمَا لَمْ يُقْسَم". وَالْحَدِيث وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَر فَهُوَ بِمَعْنَى الْأَمْر كَأَنَّهُ قَالَ اِئْتَمُّوا بِقُرَيْشٍ خَاصَّة، وَبَقِيَّة طُرُق الْحَدِيث تُؤَيِّد ذَلِكَ، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الصَّحَابَة اتَّفَقُوا عَلَى إِفَادَة الْمَفْهُوم لِلْحَصْرِ". انتهى.
ونحن موعودون بخلافة على منهاج النبوة، أي بخلافة يتوفر فيها شرط النسب، فمن عمل لخلافة لا يتوفر فيها شرط النسب فهو عامل لخلافة ملك جبرية، أي أنه يعمل لغير موعود الله. وبذلك يكون حزبه غير مجزيء حتى يغير رأيه إلى اشتراط النسب القرشي في الخلافة الموعودة القادمة التي هي على منهاج النبوة.
رد مع اقتباس