عرض مشاركة واحدة
 
  #19  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي موازنة وترجيح

موازنة وترجيح


هذه هي الأدلة التي استند إليها القائلون بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون وهم جمهور الأمة - كما رأينا - من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. والواقع أنها أدلة قوية بموازنة أدلة المخالفين:
( أ )
فعموم النصوص لكل صغير وكبير، وعاقل ومجنون. دليل سليم لا مطعن فيه. فإن الله فرض للفقراء والمساكين وسائر المستحقين حقًا في أموال الأغنياء، وهذا مال غني، ولم تشترط النصوص أن يكون هذا الغني بالغًا عاقلاً. مع شدة عناية الشارع بحفظ أموال اليتامى، فمن أراد التخصيص فعليه الدليل، وأين هو؟
(ب)
ثم حديث يوسف بن ماهَك الآمر بتنمية أموال اليتامى حتى لا تستهلكها الزكاة حديث صحيح السند ظاهر الدلالة. نعم هو حديث مرسل، ولكنه عضده العموم. وقوّتْه الشواهد، كما أيدته أقوال الصحابة رضي الله عنهم. ومثل ذلك حديث أنس الذي رواه الطبراني (وصححه العراقي) وأقره الهيثمي (وحسنه ابن حجر والسيوطي).
(ج) ولا ريب أن أقوال الصحابة - أمثال عمر وعلي وعائشة وابن عمر وجابر - إذا اتفقت في موضوع كهذا، يكثر وقوعه وتعم به البلوى، وخاصة في ذلك المجتمع الذي قدم الشهداء تلو الشهداء، وكثر فيه اليتامى، كان لها دلالتها واعتبارها في هذا المقام، ولا يسع عالمًا إهدار أقوالهم التي أجمعت على هذا الأمر، مع قرب عهدهم بالرسول وكمال فهمهم عنه، ومعرفتهم بالقوارع التي أنزلها الله في شأن أموال اليتامى. والحق أنه لم يصح عن أحد من الصحابة القول بعدم وجوب الزكاة في مال اليتيم. وما روي عن ابن مسعود وابن عباس فهو ضعيف لا يحتج بمثله (انظر مرعاة المفاتيح للعلامة المباركفوري: 3/25)
.
( د )
وإذا نظرنا إلى المعنى المعقول في تشريع الزكاة تبين لنا أنها حق الفقراء والمساكين والمستحقين في مال الأغنياء، والصبي والمجنون أهل لوجوب حقوق العباد المالية عليهما، فهما أهل لوجوب الزكاة أيضًا.
أما أن الزكاة حق من حقوق العباد، فلأنها داخلة في قوله تعالى:
(والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم)(المعارج: 24 - 25)، وأيضًا قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) الآية (التوبة:60)
، والإضافة بحرف اللام "للفقراء" تقتضي الاختصاص بجهة الملك، إذا كان المضاف إليه من أهل الملك كالفقراء ومن عطف عليهم.
ومما يدل على أن الزكاة حق من حقوق المال: قول الخليفة الأول في محاورته لعمر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال" كما ثبت في الصحيحين.
وأما أن الصبي والمجنون أهل لوجوب حقوق العباد في ملكهما؛ فهذا ثابت باتفاق، إذ الصغر والجنون لا يمنعان حقوق الناس، ولهذا يجب في مالهما ضمان المتلفات، وتعويضات الجنايات، ونفقات الزوجات والأقارب ونحوها
(انظر: بدائع الصنائع: 2/4-5، ورد المحتار: 2/4)
.
ومن هنا نقول: إن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون بالشروط التي سنوضحها في المال الذي تجب فيه الزكاة، ومنها: الفضل عن الحوائج الأصلية. .
وبهذا الشرط تخرج النقود المحتاج إليها في النفقة اللازمة لهما؛ لأنها غير فاضلة عن حاجتهما.
بهذا كله يتبين لنا رجحان مذهب الأئمة الثلاثة على مذهب الحنفية. وبخاصة أنهم أوجبوا العُشر في مال الصبي والمجنون، وأوجبوا زكاة الفطر في مالهما، ولم يوجبوا الزكاة عليهما فيما عدا ذلك من الأموال.
والقياس يقتضي: أن من وجب العشر في زرعه وجبت الزكاة في سائر أمواله. ولا فرق بين ما يدل عليه قوله تعالى:
(وآتوا حقه يوم حصاده)(الأنعام: 141)، وقوله: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)(الذاريات: 19)
.
كما لا فرق بين ما يدل عليه قوله عليه السلام:
"فيما سقت السماء العُشر"، وقوله: "في الرقة - الدراهم المضروبة - ربع العشر"
.
فتفرقه الحنفية بين الزروع والثمار والأموال الأخرى، وقولهم: إن الغالب في الأولى معنى المؤنة دون الثانية تفرقة ليس لها أساس معقول ولا منقول.
ومن ثَمَّ اشتد ابن حزم في النعي على هذه التفرقة فقال: "ليت شعري، ما الفرق بين زكاة الزرع والثمار وبين زكاة الماشية والذهب والفضة" ؟؟‍‍ !!.
فلو أن عاكسًا عكس قولهم فأوجب الزكاة في ذهبهما وفضتهما وماشيتهما وأسقطها عن زرعهما وثمرتها، أكان يكون بين الحكمين فرق في الفساد"؟
(المحلى: 5/205)
.
وقال ابن رشد: وأما من فرق بين ما تخرجه الأرض وما لا تخرجه، وبين الخفي والظاهر في الأموال (ويريد بالظاهر: الماشية والزرع والثمر): فلا أعلم له مستندًا في هذا الوقت
(بداية المجتهد: 1/209 - ط. مصطفى الحلبي).

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس