الموضوع: دعوة الحق
عرض مشاركة واحدة
 
  #3  
قديم 06-28-2009
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: دعوة الحق


تمهيد

خلق الله آدم عليه السلام ، وأسكنه الجنة ، وحذره من أن يأكل من شجرة من أشجارها ثم خلق له حواء لتكون له زوجة وأنيساً وأغوي الشيطان حواء أن تأكل وزوجها من الشجرة التي حرم الله أن يأكلا منها ، فأكلت حواء وأعطت رجلها فأكل معها ، وكانت هذه أول خطيئة للإنسان ، يعصى بها الله خالقه ، وكان أن أخرج الله آدم وزوجه من الجنة ، وأنزلهما إلى الأرض ، جزاء لمعصيتهما .
وكان من آدم وحواء ، كل من قابيل وهابيل ، وقتل قابيل أخاه هابيل ، وكان هذا قتلاً لنفس بغير حق ؛ كان خطيئة أخرى للإنسان ، وكانت خطيئة بشعة فظيعة في جرمها .
وتوالى نسل آدم وبنيه بعد ذلك على الأرض ، وبتوالى هذا النسل ، توالت الخطيئة هي الأخرى ، وكثر الشر ، واستشرى الفساد في الأرض ، ولم يكن الله ليرضي عن ذلك .
ومن هنا بدأت رسالات السماء إلى بني آدم ، لتنهاهم عن الشر والفساد ، ولتدعوهم إلى كل خير ، وإلى عبادة الله خالقهم ، وخالق كل شيء ، وشاء الله أن يطهر الأرض من الفساد بتطهيرها من المفسدين ، فأوحى إلى نوح عليه السلام أن يصنع فلكاً ، يأخذ فيه بنيه وأهله الصالحين معه ، فكان من نوح ما أمره به ربه ، وأغرق الله الأرض بمن عليها ، يطهرها ممن عاثوا فيها فساداً .
وتوالى النسل بعد ذلك على الأرض ، وكان إبراهيم الخليل عليه السلام ، وكانت زوجته سارة عاقراً ، فأعطته جارية تدعى هاجر ، أنجبت له ابنه إسماعيل ثم كان له من زوجته سارة بعد ذلك ابناً أسماه إسحق وكان عهدا من الله لإبراهيم أن يبارك نسله ، وفرض الختان على كل ذكر من هذا النسل .
ويوماً ما ، امتحن الله إيمان إبراهيم ، فأوحى إليه أن يذبح ابنه وحيده الذي يحبه ، وكم كان صعباً على أب أن يطلب منه ذلك ، ولكن إيمان إبراهيم وطاعته لربه جعلاه ينصاع لأمره ، حتى إذا ما هَمَ إبراهيم بذبح ابنه وحيده الذي يحبه منعه الله ، وفدا ابنه بذبح عظيم ، وكرر عهده له أن يباركه ونسله لأنه لم يمنع ابنه عنه .
وتوالى نسل بني آدم بعد ذلك على الأرض ، وتوالت معه الشرور والآثام ، وتوالت أيضاً رسالات السماء إلى بني آدم ، تنهاهم عن الشر ، وتدعوهم إلى الخير والمحبة وعبادة الله ، خالقهم وخالق كل شيء ، وتوالى بالرسالات الرسل الأنبياء ، إلى موسى عليه السلام ، الذي به عرفت التوراة كتاب الله المنزل عليه ، إلى المسيح عليه السلام ، الذي به عرف الإنجيل ، كتاب الله أيضاً .
وكان المسيح عليه السلام صريحاً واضحاً ، فإنه لا يقيم ديناً جديداً بين الناس ، بل يكمل الدين الذي بدأه الرسل من قبله ، فقد قال : ( لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض بل لأكمل ) وبهذا عرف من اتبعوا المسيح أن دينهم ليس ما أتي به المسيح عليه السلام فحسب ، بل ومعه كل ما نزل على الرسل من قبله ، ولذا جعلوا من كل ما نزل قبل المسيح عليه السلام ، جزءاً من كتابهم المقدس الذي به يؤمنون .
ثم كان بعد ذلك ، محمد عليه السلام ، وآمن المسلمون بأنه رسول الله ، وبأن القرآن قد أوحى به إليه من الله سبحانه وتعالى ، وكما دعا المسيح عليه السلام أتباعه إلى الإيمان بالأنبياء الذين سبقوه وبما نزل عليهم ، جاء القرآن صريحاً وقاطعاً في هذا المعني حيث يقول : (( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون )) وبذا كان الإيمان بالرسل السابقين وبرسالاتهم فرضاً على المسلمين حتى أنه لا يكون مسلماً من لا يؤمن برسالة أي منهم .
وهكذا كان الإسلام والمسيحية يلتقيان معاً على الإيمان بجميع الرسل والرسالات السابقة ويؤمن المسلمون والمسيحيون على السواء كذلك بالمسيح عليه السلام وبرسالته ، ويلتقيان معاً أيضاً على الدعوة إلى كل خير ، إلى الحق والعدل ، إلى كل القيم وأسمي المثل إلى البر ، إلى المحبة ، إلى الوفاء ، إلى الإخلاص ، إلى نبذ كل الشر ، إلى الإيمان بالحياة الأخرى ، إلى الإيمان بأن الحياة الدنيا هي دار الفناء وأما الحياة الأخرى فهي دار البقاء والخلود ، وفيها تجزي كل نفس عما أتته في دنياها ، فإن كل خيراً كانت لها الجنة ، وإن كان شراً كان لها العذاب جزاء لما جنت يداها.
وتلتقي المسيحية والإسلام قبل كل ذلك ، ويجتمعان على الدعوة إلى عبادة الله الواحد ، الذي لا إله إلا هو سبحانه خالق كل شيء ، رب العالمين ، سبحانه وتعالى رب الكون جميعاً ، بكل ما فيه من حياة أو جماد ، سبحانه وتعالى منه كل شيء ، وإليه كل شيء ، وإليه الأمر جميعاً .
وعلى هذا اللقاء الرائع العظيم بين المسيحية والإسلام ، والذي كان حقيقاً بأن يجعل منهما ديناً واحداً يؤمن به الناس جميعاً ، مسيحيين كانوا أو مسلمين ، فاللقاء بينهما كما يتبين من القرآن ، لقاء وحدة ، إذ حتم على المسلمين أن يؤمنوا بجميع الرسل قبل محمد عليه السلام ، وبكل ما نزل عليهم من الله ربهم ورب العالمين ، بما في ذلك المسيح عليه السلام ورسالته ، فكيف إذن تختلف المسيحية والإسلام ، وهما يلتقيان على الإيمان بالمسيح وبرسالته وبكل الرسل قبله وبرسالتهم ولكن مع ذلك ، وبرغم هذا اللقاء الكامل ، فإن المسيحية والإسلام يبدوان بين الناس اليوم كأبعد ما يكونان عن أن يلتقيا.
والغريب في هذا الأمر ، أن أسباب التباعد لا تقوم على رفض المسيحيين الإيمان بمحمد عليه السلام وبرسالته ، وإنما تقوم في حقيقة الأمر على الخلاف حول معتقدات المسيحيين أنفسهم في المسيحية نفسها وليس في الإسلام ، فمن العجيب أن يكون هذا الخلاف ، مع اتفاق كل من المسلمين والمسيحيين على الإيمان بالمسيح وبرسالته ، ومع ما هو مفروض في المسلمين من إيمانهم بكل ما صدر عن المسيح ، وهو ما يعتقد المسيحيون أنهم قد استخلصوا منه معتقداتهم .
والنظر إلى الأسباب التي سببت هذا التباعد بني المسيحية والإسلام ، رغم اللقاء الرائع الذي نجده بينهما ، يكشف عن أن هذا التباعد يستحيل معه أي لقاء إلا أن يعدل أتباع أي من الدينين عن الإيمان بالمعتقدات التي سببت هذا الخلاف وأنتجت ذاك التباعد .
أما الأسباب الرئيسية التي سببت كل هذا التباعد فإنها تنحصر في أمرين أولهما هو الخلاف حول صلب المسيح عليه السلام ، وثانيهما ، هو الخلاف حول طبيعة المسيح عليه السلام .
والخلاف حول صلب المسيح يبدو غاية في الغرابة ، فالتاريخ قد سجل أن المسيح عليه السلام قد قبض عليه وحوكم وصلب في عهد بيلاطس البنطي ، وكاتبوا الأناجيل قد سجلوا صلب المسيح على أنه حقيقة مسلمة وعلى أساس من التسليم بصلب المسيح كحقيقة مؤكدة لا ريب فيها بني المسيحيون معتقداتهم الدينية ، ولكن ، بعد حوالي ستة قرون ، جاء محمد عليه السلام بالقرآن ، يقول بأنه من الله ، وفي القرآن يقول الله أن المسيح عليه السلام لم يصلب ، ولكن توفاه الله ورفعه إليه ، وينظر المسيحيون في عجب ، بل ربما في رثاء وإشفاق ، إلى هذا الدين الجديد يقول على لسان الله أن المسيح لم يصلب ولكن توفاه الله إليه ، فالصلب كحقيقة ربما لم تعد تحتمل عندهم أي نقاش ، فأني لأحد أن ينفيها نفياً قاطعاً ، بعد التسليم بها ، ووضوحها للمسيحيين وغير المسيحيين على السواء ، وعلى مدى يقرب من ستة قرون ، ولعل هذا النفي وحده عندهم كاف لتكذيب هذه الرسالة التي دعا إليها محمد عليه السلام ، أما المسلمون فيؤمنون بأن القرآن من عند الله ، وهو وحده سبحانه وتعالى يعلم الجهر وما يخفي ، وإذا كان الذي استقر عند الناس طوال ما يقرب من ستة قرون أن المسيح قد صلب ، فإن الله إذا نفي بعد ذلك في قرآنه الكريم صلب المسيح ، فإنه يكون لم يصلب فعلاً وتكون هذه هي الحقيقة وحدها مهما بدا خلافاً لها ، لأن الله لا يخطئ أبداً ، ولكن الناس جميعاً يمكن أن يخطئوا ، ولذا ، فمهما كان هناك من إجماع على أن المسيح قد صلب ، فإنه لم يصلب فعلاً ولكن رفعه الله إليه ، ما دام الله قد قال ذلك (1) على الإطلاق ، وذلك بعكس المسيحيين الذين يؤمنون بالمسيح كآله فيقولون عنه فيما يسمي بقانون الإيمان :
( ونؤمن برب واحد ، يسوع المسيح ابن الله الوحيد ، المولود من الآب قبل كل الدهور ، نور من نور ، إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق ، مساو للأب في الجوهر الذي به كان كل شيء ، هذا من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا ، نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومريم العذراء ، وتأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي ، وتألم وقبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب ، وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين أبيه ، وأيضاً يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات ، الذي ليس لملكه انقضاء ).
فهذه الألوهية التي يؤمن بها المسيحيون للمسيح عليه السلام ليست صحيحة على الإطلاق عند المسلمين الذين ينفون هذه الألوهية نفياً تاماً .
واستمرار أسباب التباعد بين المسيحية والإسلام على هذا النحو ، هو استمرار لاستحالة اللقاء بينهما ، ومع ذلك فإن المسيحيين والمسلمين على السواء يبدون معذورين في تمسكهم بالأسباب التي تبقي على هذا التباعد ، فالمسيحية إنما تبدو وكأنها لم تقم إلا على أساس من صلب المسيح وألوهيته ، فهذا ما ذكر في الأناجيل والرسائل التي يتداولونها إلى اليوم ويؤمنون بأنها كتبت بوحي وإرشاد من الروح القدس ، أي من الله حسب اعتقادهم في الروح القدس ، وبالتالي فإن عدم الإيمان بألوهية المسيح أو صلبه يكون عندهم بمثابة الكفر بالمسيحية ، أما الإسلام ، فسنده الأول هو القرآن ، والذي يؤمن المسلمون بأنه منزل من عند الله ، ولقد نفي القرآن صلب المسيح أو ألوهيته ، ومن ثم ، فالإيمان بغير ذلك ، إنما هو تكذيب لما ورد في القرآن عنه وبالتالي نفي لكون القرآن من عند الله ، وبذلك يفقد الإسلام دعامته الأساسية والتي تقوم على كون القرآن منزلاً من لدن الله (1) ، الأمر الذي لن ينتهي إلا بهدم الإسلام نفسه كدين سماوي ، وهذا بالطبع مالا يتصوره المسلمون ، ولذلك يؤمنون بأن المسيح عليه السلام لم يصلب وينفون عنه الألوهية نفياً قاطعاً .
ويقف الباحث عن الحقيقة حائراً ، فإن الحقيقة لا يمكن إلا أن تكون واحدة ، فأما أن المسيح عليه السلام يكون قد صلب وأما أنه لم يصلب ، وأما أن يكون قد صلب ولم يصلب معاً فهذا محال ، ثم أنه أما أن يكون هو الله وأما أنه ليس هو الله ، أما أن يكون هو الله وليس هو الله في آن واحد فهذا محال ، فما هي الحقيقة بين كل ذلك ، هل هو قد صلب حقاً أم لم يصلب ، وهل هو الله حقاً أم هو ليس إلهاً على الإطلاق .
ومما يزيد الأمر عجباً وتعقيداً ، أن المسيحيين حين يكتبون عن المسيح فيقولون أنه قد صلب وأنه هو الله ، فإنما يقولون بأنهم لا يذكرون غير الحقيقة ، بل أنهم ليؤمنون حقاً بأنهم لا يذكرون غير الحقيقة ، والمسلمون كذلك ، فإنهم حين يقولون بأن المسيح عليه السلام لم يصلب وبأنه ليس إلهاً ، فإنما يقولون أيضاً بأنهم لا يذكرون غير الحقيقة ، بل إنهم ليؤمنون حقاً بأنهم لا يذكرون غير الحقيقة ، ولكن ، المحال أن تكون الحقيقة في جانب كلا الطرفين على السواء ، فإلي أي الجانبين تقف الحقيقة ، أو ما هي الحقيقة ، فعلها لا تقف إلى جانب أي منهما.
والواقع ، أن الحقيقة هي ما يهدف إليه كل إنسان ، فلا نتصور إنساناً يسعي إلى غير الحقيقة ، أو يستهدف ما عداها ، وإيمان الإنسان ، إنما هو الإيمان بما يوقن أنه الحقيقة ، وما دام أن أساس الإيمان اتفاقه مع الحقيقة ، فلا يقبل من إنسان أبداً أن يخشى الحقيقة أو أن يرفضها ، فما دام موقناً بأن ما يؤمن به هو ما يطابق الحقيقة فأي عذر له لكي يرفضها أو يخشاها ، ما دام أن وصوله إليها لن يعني إلا تأكيد إيمانه إن صح ، أو تصحيحه إن لم يصح ، ولهذا كانت الحقيقة ، والحقيقة وحدها ، بين المسيحية والإسلام ، هي عنوان هذا البحث وموضوعه وهدفه وغايته .
وإذا قلنا أن الحقيقة بين المسيحية والإسلام هي موضوع هذا البحث وهدفه وغايته ، فإن حقيقة المسيحية بالذات هي التي سأتناولها بالبحث ، لأن المسيحيين والمسلمين على السواء يتفقون على الإيمان بالمسيح وبرسالته وبكل ما دعا إليه ، فإذا كانت حقيقة المسيحية تناقض ما قال به الإسلام ، كأن تكون الحقيقة أن المسيح عليه السلام قد صلب أو أنه هو الله ، لكان في ذلك ما يهدم الإسلام كدين من عند الله ، وإن كان يبقي بعد ذلك لزوم إقناع المسلمين من جديد بالمسيحية ، لأن السند في إيمانهم بها إنما كان هو القرآن والإسلام نفسه ، أما لو كانت حقيقة المسيحية تطابق ما قال به الإسلام ، كأن تكون الحقيقة أن المسيح لم يصلب وأنه ليس إلهاً وإنما هو إنسان رسول بشر ، لكان في ذلك أقوى دعامة للإسلام يتحتم معها على المسيحي الحق أن يؤمن به ، ولن يكون في ذلك أي هدم للمسيحية حينئذ ، وإنما على العكس سيكون ذلك إحياء للمسيحية الحقة ، وإزالة لما عاق المسيحية والإسلام طوال قرون عديدة عن المضي معاً في وحدة كاملة متكاملة ، متساندة في الدعوة إلى الإله الواحد الذي لا إله إلا هو ، دافعين معاً تيار الآخذ في الانتشار ، حتى كاد أن يطوى تحت لوائه شعوباً بكاملها .
على أن يثور التساؤل ، فكيف سنعرف أن ما نصل إليه هو الحقيقة ، هل بأن نقول أننا إنما نستهدف الحقيقة ، وأننا إنما نؤمن بأن ما نقوله هو ما يتفق مع الحقيقة ، بالطبع لا ، فلقد وجدنا أن هذا هو ما يقوله – صراحة أو ضمناً – كل كاتب مسيحي في تأييده لمعتقداته ومحاولته إثباتها ، وهو أيضاً ما يقوله – صراحة أو ضمناً – كل كاتب مسلم في تأييده لمعتقداته ومحاولته إثباتها ، ومع ذلك فإنهم دائماً ينتهون ، وبالرغم مما يصرحون به ، إلى طرفي نقيض ، بل أكثر من هذا ، فما أسهل أن يقال عن الكاتب الذي ينتهي إلى إثبات معتقداته وتأييدها من أنه إنما تحيز لدينه ، بل حتى هذا الذي ينتهي إلى تأييد معتقدات أتباع الدين الآخر الذي لا يعتنقه لا يسلم من أن يجرح فيقال عنه أنه إنما باع دينه بدراهم معدودات .
ولهذا ، فليس من سبيل للحكم على أي بحث إلا للبحث نفسه ، لمنهج البحث ، لسبيل الكاتب في البحث ، فالبحث إنما يتحدث بنفسه عن نفسه ، فيكشف عما إذا كان كاتبه يستهدف الحقيقة وحدها أم لا . ويكشف منهجه وسبيله للقارئ عما إذا كان الكاتب قد اتبع المنهج الصحيح والسبيل الحق إلى الحقيقة وحدها أم لا. وليكون بعد ذلك ، من ضمير القارئ ، كل قارئ ومن يقينه واطمئنانه بل ومن متابعته البحث بنفسه ، ومراجعته للكاتب قدر استطاعته في كل ما يقوله أو ينقله ، ومن إيمانه بكل ما هو حق ليكون من كل ذلك الحكم العدل فيما ينتهي إليه البحث وفيما يختم القارئ على نفسه بعده أن يؤمن به ما دام قد اطمأن إلى أنه إنما يطابق الحقيقة.
بل أن هذا هو ما تحتمه حرية العقيدة ذلك المبدأ الذي لا يختلف اثنان على الإيمان والتمسك به فالإنسان في عقيدته إنما يجب أن يكون حراً مختاراً فلا يؤمن إلا بما يقتنع عن حرية واختيار بأنه يطابق الحقيقة فالعقيدة إذا ما فقدت الحرية أو الاختيار فقدت مفهومها كعقيدة ولذا فالطريق إليها يجب أن يكون أساسه الحرية والاختيار وقوامه الضمير الواعي واليقين والاطمئنان والإيمان بكل ما هو حق .
وعلى هذا الأساس ، وعلى أساس من كل ما تقدم ، على أساس من استهداف الحقيقة وحدها ، ومن ترك للبحث ، لمنهجه وسبيلي فيه ، ومن الاحتكام إلى ضمير كل قارئ ، مسيحياً كان أو مسلماً وإلى يقينه واطمئنانه ، وإيمانه بكل ما هو حق ومتابعته بنفسه لكل ما أكتب ومراجعته لكل ما أنقله أقيد هذا البحث سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يهديني والقارئ فيه إلى الحقيقة وحدها.
وعلى أساس من الحقيقة التي قد ننتهي إليها مع القارئ ، يمكننا أن نستكشف معاً دعوة الحق وأن نتبين معاً مضمونها .


رد مع اقتباس