عرض مشاركة واحدة
 
  #31  
قديم 12-08-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق 41-50 من 65

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق 41-50 من 65






والطاعة تتضمن صلاح المعاش والمعاد

{ مَن عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل16: 97]

فعلى الناس أن يطيعوا ملوكهم، وعلى الملوك أن يطيعوا مالك الملك حتى تنتظم أمور معاشهم ومعادهم لما وصف نفسه بأنه " ملك يوم الدين " أظهر للعالمين كمال عدله بنفي الظلم تارة

{ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } [ق50: 29]

وبثبوت العدل أخرى

{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } [الأنبياء21: 47]

فلا خلة للملك أعم نفعاً وأتم وقعاً من أن يكون عادلاً. ومن هنا تظهر البركة في العالم أو ترتفع إن كان السلطان عادلاً أو جائراً. يحكى أن أنوشروان خرج يوماً إلى الصيد وانقطع عن عسكره واستولى عليه العطش، فرأى بستاناً فيه رمان. فلما دخله قال لصبي فيه: أعطني رمانة، فأعطاه فعصرها وأخرج منها ماء كثيراً، فشربه وأعجبه ذلك، فعزم على أن يأخذ ذلك البستان من مالكه. ثم قال لذلك الصبي: أعطني رمانة أخرى، فأعطاه فعصرها فخرج منها ماء قليل فشربه فوجده عفصاً. فقال: أيها الصبي، لم صار الرمان هكذا؟ فقال الصبي: فلعل ملك البلد عزم على الظلم فلشؤم ظلمه صار هكذا، فتاب أنوشروان في قلبه وأناب، وقال للصبي: أعطني رمانة أخرى فعصرها فوجدها أطيب من الأولى فقال للصبي: لم بدلت هذه الحالة؟ فقال: لعل الملك تاب عن ظلمه. فلما وجد أنوشروان مقالة الصبي مطابقة لأحواله في قلبه تاب بالكلية، فكان من ميامن عدله أن ورد في حقه قول نبينا صلى الله عليه وسلم " ولدت في زمن الملك العادل ".


الثالثة: كونه مالكاً وملكاً معناه أنه قادر على ترجيح جانب وجود الممكنات على عدمها، وأنه قادر على نقلها من صفة إلى صفة كما يشاء من غير مانع ولا منازع. وعلى قضية الحكمة والعدالة فهو الملك الحق وأنه ملك يوم الدين أيضاً، لأن القدرة على إحياء الخلق بعد إماتتهم والعلم بتلك الأجزاء المتفرقة من أبدان الناس لا يختص به أحد غيره، فإذا كان الحشر والنشور لا يتأتى إلا بعلم يتعلق بجميع المعلومات وقدرة تنفذ في كل الممكنات، فلا مالك ليوم الدين إلا الله. فإن قيل: لا يكون مالكاً إلا إذا كان المملوك موجوداً لكن القيامة غير موجودة فينبغي أن يقال " مالك يوم الدين " بالتنوين بدليل أنه لو قال: أنا قاتل زيد كان إقراراً، ولو قال: أنا قاتل زيداً كان تهديداً. قلنا: لما كان قيام القيامة أمراً حقاً لا يجوز الإخلال به في الحكمة، جعل وجوده كالشيء القائم في الحال. ولو قيل: من مات فقد قامت قيامته زال السؤال.

الرابعة: قالت القدرية: إن كان الكل من الله فثواب الرجل على ما لم يعمله عبث وعقابه على ما لم يفعله ظلم، فيبطل كونه مالكاً ليوم الدين.

-41-

قلنا: خلق الجنة وخلق اهلاً لها، وخلق النار وخلق أهلاً لها، وذلك أن له صفة لطف وصفة قهر كما ينبغي لكل ملك. فخلق لكل صفة مظهراً ولا يسأل عما يفعل، لأن كل سؤال ينقلب فهو باطل.

الخامسة: في هذه السورة من أسماء الله تعالى خمسة: الله، الرب، الرحمن، الرحيم، المالك. كأنه يقول: خلقتك أولاً فأنا الله، ثم ربيتك بأصناف النعم فأنا الرب، ثم عصيت فسترت عليك فأنا الرحمن، ثم تبت فغفرت لك فأنا الرحيم، ثم أجازيك بما عملت فأنا مالك يوم الدين وذكر الرحمن الرحيم مرة في التسمية ومرة أخرى في السورة دليل على أن العناية بالرحمة أكثر منها بسائر الأوصاف، ومع ذلك عقبها بقوله " مالك يوم الدين " كيلا يغتروا بها. ونظيره

{ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ } [غافر40: 3].


السادسة: الحمد والمدح والتعظيم فيما بين الناس إنما يكون لكونه كاملاً في ذاته وإن لم يكن له إحسان إليك، وإما لكونه محسناً إليك، وإما رجاء وطمعاً في المستقبل، وإما خوفاً ورهبة، فكأنه سبحانه يقول: إن كنتم تعظمون للكمال الذاتي فاحمدوني فإني أنا الله، وإن كنتم تعظمون للإحسان السالف فأنا رب العالمين، وإن كنتم تعظمون للإحسان المترقب فأنا الرحمن الرحيم، وإن كنتم تعظمون رهبة عن العقاب فأنا مالك يوم الدين.

الثامن: في فوائد قوله " إياك نعبد ".

الأولى: لا شك أن تقديم المفعول مفيد للاختصاص أي لا نعبد أحداً سواك والحاكم فيه الذوق السليم. واستحقاق هذا الاختصاص لله تعالى ظاهر، لأن العبادة عبارة عن نهاية التعظيم فلا تليق إلا لمن صدر منه غاية الإنعام وهو الله تعالى. وذلك أن للعبد أحوالاً ثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل. أما الماضي فقد كان معدوماً فأوجده

{ وَقَد خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَم تَكُ شَيْئاً } [مريم19: 9]
{ أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ } [الأنعام6: 122]
{ وَكُنتُم أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُم } [البقرة2: 28]

وكان جاهلاً فعلمه

{ أَخْرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُم لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً } [النحل16: 78]

ثم أسمعه وأبصره وأعقله

{ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ } [الملك67: 23]

فهو إله بهذه المعاني. وأما الحاضر فحاجاته كثيرة، ووجوه افتقاره غير محصورة من أول عمره إلى آخره مع انفتاح أبواب المعصية وانخلاع ربقة الطاعة، فهو رب رحمن رحيم من هذه الوجوه. وأما المستقبل فأموره المتعلقة بما بعد الموت وأنه مالك يوم الدين بهذه الحيثية، فلا مفزع للعبد في شيء من أحواله إلا إليه، فلا يستحق عبادة العبد إلا هو. وأيضاً ثبت بالدلائل القاطعة وجوب كونه تعالى عالماً قادراً جواداً غنياً حكيماً إلى غير ذلك من الصفات الكمالية، وأما كون غيره من الفلكيات والطبائع والنفوس كذلك فمشكوك فيه وإن كنا نجزم بأنه لا تأثير لها فوجب طرح المشكوك والأخذ باليقين، فلا معبود بالحق إلا الله سبحانه، وأيضاً العبودية ذلة ومهانة، فكلما كان المولى أشرف وأعلى كانت العبودية أهنأ وأمرأ.


-42-

ولما كان الله تعالى أشرف الموجودات وأعلاها وأولاها بالصفات العلى، فعبوديته أولى، وأيضاً كل ما سوى الواجب الغني ممكن فقير، والفقير مشغول بحاجة نفسه فلا يمكنه إفادة غيره. فدافع الحاجات هو الله فلا يستحق العبادة إلا هو

{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } [الإسراء17: 23].


الثانية: تقديم ذكر الله تعالى يورث الخشية والمهابة حتى لا يلتفت في العبادة يميناً وشمالاً بخلاف العكس. (يحكى) أن واحداً من المصارعين الأستاذين صارع بعض من هو دونه ولا يعرفه، فصرع الأستاذ مراراً فقيل له: فلان الأستاذ فانصرع في الحال وما ذاك إلا لاحتشامه بعد عرفانه. وأيضاً ذكره تعالى أوّلاً مما يورث العبد قوة يسهل بها عليه ثقل العبودية فوجب تقديمه، كما أن من أراد حمل ثقيل يقدم عليه دواء أو غذاء بعينه على ذلك، كما أن العاشق يسهل عليه جميع الآلام عند حضور معشوقه. وأيضاً

{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُم طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ } [الأعراف7: 201]

فالنفس إذا مسها طائف الشيطان من الكسل والغفلة والبطالة طلع لها جلال الله من مشرق " إياك نعبد " فتصير مبصرة مستعدة لأداء حق العبودية. وأيضاً إن بدأ بالعبادة فض إبليس قلبه أن المعبود من هو فيلقي في نفسه وساوس، أما إذا غير هذا الترتيب وقال: " إياك نعبد " كان بعيداً عن احتمال الشرك. وأيضاً الواجب لذاته متقدم في الوجود فيناسب أن يكون مقدماً في الذكر. وأيضاً المحققون نظرهم على المعبود لا على العبادة، وعلى المنعم لا على النعمة، ولهذا قيل لبني إسرائيل

{ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ } [البقرة2: 40]

ولأمة محمد

{ فَاذْكُرُونِي } [البقرة2: 152]

فذكر المعبود عندهم أولى من ذكر العبادة.


الثالثة: النون في قوله " نعبد " فيه وجوه من الحكمة منها: أنه تشريف من الله تعالى للعبد حيث لقنه لفظاً ينبئ عن التعظيم والتكريم كقوله حكاية عن نفسه

{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ } [يوسف12: 3]

كأنه قال: لما أظهرت عبوديتي ولم تستنكف أن تكون عبداً ليّ جعلناك أمة

{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } [النحل16: 120]

ومنها أنه لو قال: إياك أعبد كان إخباراً عن كونه عبداً فقط، ولما قال: " إياك نعبد " صار معناه إني واحد من عبيدك، ولا ريب أن الثاني أدخل في الأدب والتواضع. ومنها أن يكون تنبيهاً على أن الصلاة بالجماعة أولى قال صلى الله عليه وسلم: " التكبيرة الأولى في صلاة الجماعة خير من الدنيا وما فيها " وههنا نكتة وهي أن الإنسان إذا أكل الثوم أو البصل فليس له أن يحضر الجماعة كيلا يتأذى منه جاره، وإذا كان ثواب الجماعة لا يفي بهذا القدر من الإيذاء فكيف يفي بما هو أكثر من ذلك إيذاء للمسلمين من الغيبة والتهمة والنميمة والسعاية وسائر أنواع الظلم؟ ومنها أن يكون المراد أعبدك والملائكة معي والحاضرون بل جميع عبادك الصالحين.


-43-

ومنها أن المؤمنين إخوة فكأن الله تعالى قال: لما أثنيت عليّ بقولك { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين } ارتفعت منزلتك عندنا، فلا تقتصر على إصلاح حالك بل عليك بالسعي في إصلاح حال جميع إخوانك فقل: { إياك نعبد وإياك نستعين }. ومنها أن العبد يقول: إلهي عبادتي مخلوطة بالتقصير وإني أخلطها بعبادة جميع العابدين، فلا يليق بكرمك أن تميز بين العبادات، ولا أن ترد الكل وفيها عبادة الأنبياء والأولياء بل الملائكة المقربين. وهذا كما أن الرجل إذا باع من غيره عشرة أعبد، فالمشتري إما أن يقبل الكل أو يرد الكل وليس له أن يقبل البعض دون البعض في تلك الصفقة.

الرابعة: من عرف فوائد العبادة طاب له الاشتغال بها وثقل عليه الاشتغال بغيرها لأن الكمال محبوب لذاته وأكمل أحوال الإنسان اشتغاله بخدمة مولاه، فإنه يستنير قلبه بنوره ويشرق عليه من جماله ولهذا قد ورد " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " وأيضاً التكاليف أمانة

{ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ } [الأحزاب33: 72]

وأداء الأمانة واجب عقلاً وشرعاً

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [النساء4: 58]

وأداء الأمانات من أحد الجانبين سبب لأدائها من الجانب الآخر. قال بعض الصحابة: أتى أعرابي باب المسجد فنزل عن ناقته وتركها ودخل المسجد وصلى بالسكينة والوقار ودعا بما شاء فتعجبنا، فلما خرج لم يجد الناقة فقال: إلهي أديت أمانتك فأين أمانتي؟ قال الرواي: فزدنا تعجباً، فلم يمكث حتى جاء رجل على ناقته وقد قطع يده وسلم الناقة إليه. " وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: يا غلام احفظ الله في الخلوات يحفظك في الفلوات " وأيضاً الاشتغال بالعبادة انتقال من عالم الغرور إلى دار السرور، وركون من الخلق إلى حضرة الحق، وذلك يوجب كمال اللذة والبهجة. (يحكى) عن أبي حنيفة أن حية سقطت من السقف وتفرق الناس وهو في الصلاة فلم يشعر بها. ووقعت الأكلة في بعض أعضاء عبد الله بن الزبير واحتاجوا إلى قطع ذلك العضو فقطع وهو في الصلاة ولم يشعر به. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان حين يشرع في الصلاة كانوا يسمعون من صدره أزيزاً كأزيز المرجل. ومن استبعد فليقرأ قوله تعالى

{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } [يوسف12: 31]

فإذا كان لجمال البشر مثل هذا التأثير فكيف جلال الله وعظمته إذا تجلى على قلب الموحد العابد؟! وقد تحدث الحيرة والدهش عن رؤية بعض السلاطين فكيف إذا كان الوقوف بين يدي رب العالمين؟! واعلم أن العبادة لها ثلاث درجات، لأنه إما أن يعبد الله رغبة في ثوابه أو رهبة من عقابه، ويختص باسم الزاهد حيث يعرض عن متاع الدنيا وطيباتها طمعاً فيما هو أشرف منها وأدوم، وهذه مرتبة نازلة عند المحققين.


-44-

وإما أن يعبد الله تشرفاً بعبادته أو بقبول تكاليفه أو بالانتساب إليه، وهذه مرتبة متوسطة وتسمى بالعبودية. وإما أن يعبد الله لكونه إلهاً ولكونه عبداً له، والإلهية توجب العزة والهيبة، والعبودية تقتضي الخضوع والذلة، وهذه أعلى الدرجات وتسمى بالعبودية وإليها الإشارة بقول المصلي: أصلي لله فإنه لو قال: أصلي لثواب الله أو هرباً من عقابه فسدت صلاته. (يحكى) أن عابداً في بني إسرائيل اعتزل وعبد الله تعالى سبعين سنة، فأرسل الله تعالى إليه ملكاً فقال: إن عبادتك غير مقبولة فلا تشق على نفسك ولا تجاهد، فأجاب العابد بأن الذي عليّ هو العبودية وإني لا أزال أفعل ما عليّ، فأما القبول وعدم القبول فموكول إلى المعبود. فرجع الملك فقال الله: بم أجاب العابد؟ فقال: أنت أعلم يا رب، إنه قال كذا وكذا. فقال الله تعالى: ارجع إليه وقل له: قبلنا طاعتك بسبب ثبات نيتك. والتحقيق أن إثبات نسبة الإمكان هو قصارى مجهود العابدين ونهاية مطامح أبصار العارفين. وفي العبادة انشراح صدور المؤمنين وإنها عاقبة حال المتقين. قال عز من قائل

{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } * { فَسَبِّح بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السَّاجِدِينَ } * {وَاعْبُد رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر15: 97 - 99]

ولأن العبودية أشرف المقامات. مدح الله تعالى نبيه في قوله

{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } [الإسراء17: 1]

وافتخر عيسى بذلك أول ما نطق فقال:

{ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ } [مريم19: 30]

وكان عليّ يقول: كفاني فخراً أن أكون لك عبداً وكفاني شرفاً أن تكون لي رباً. اللهم إني وجدتك إلهاً كما أردت، فاجعلني عبداً كما أردت. ومنهم من قال: العبودية أشرف من الرسالة، فبالعبودية ينصرف من الخلق إلى الحق، وبالرسالة ينصرف من الحق إلى الخلق، وبالعبودية ينعزل عن التصرفات، وبالرسالة يقبل على التصرفات، ولهذا نال شرف التقدم في قول الموحد " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله "

{ لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } [النساء4: 172].


التاسع: في فوائد قوله { وإياك نستعين }.

الأولى: لا شك أن للعبد قدرة بها يتمكن من الفعل والترك، وإنما يحصل الرجحان بمرجح. ولو كان ذلك المرجح من عند العبد عاد التقسيم، فلا بد أن ينتهي إلى الله تعالى. وأيضاً كل الخلائق يطلبون طريق الحق مع استوائهم في القدرة والعقل والجد والطلب، ولا يفوز به إلا بعضهم، فليس ذلك إلا بإعانة الحق.

-45-

وأيضاً قد يطلب الإنسان حاجة من غيره ويدافعه مدة مديدة ثم يقضي حاجته، فإلقاء تلك الداعية في القلب ليس إلا من الله، فثبت أنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله. وتظهر فائدة الاستعانة في أنه ربما جعل الله تعالى ذلك واسطة إلى نيل المطلوب كالشبع الحاصل عقيب أكل الطعام ونحوه، فيسقط اعتراض الجبري والقدري فافهم. الثانية: لقائل أن يقول: الاستعانة على العمل إنما تحسن قبل الشروع فيه لا بعده، فهلا قدّمت الاستعانة على ذكر العبادة؟ والجواب كأنه يقول: شرعت في العبادة فأستعين بك على إتمامها حتى لا يمنعني مانع ولا يعارضني صارف، فإن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن. وأيضاً إن قيل: الاستعانة مطلقة تتناول كل مستعان فيه فذكر العبادة كالوسيلة إلى طلب الإعانة على الحوائج وتقديم الوسيلة مناسب.

الثالثة: لا أريد بالإعانة غيرك إقتداء بالخليل صلى الله عليه وسلم حيث قيد نمروذ يديه ورجليه ورماه إلى النار فجاءه جبرائيل وقال: هل لك حاجة؟ فقال له: أما إليك فلا. قال: فاسأل الله. قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي. وهنا نكتة وهي أن المؤمن في الصلاة مقيدة رجلاه عن المشي، ويداه عن البطش، ولسانه إلا عن القراءة والذكر، فكما أن الله قال

{ قُلْنَا يَنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء21: 69]

فكذلك تقول له نار جهنم: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي.


الرابعة: لا أستعين غيرك لأن الغير لا يمكنه إعانتي إلا إذا أعنته، فأنا أقطع الواسطة ولا أنظر إلا إلى إعانتك.

الخامسة: " إياك نعبد " تورث العجب بالعبادة فأردفه بقوله " وإياك نستعين " لإزالة ذلك.

السادسة: ههنا مقامان: معرفة الربوبية ومعرفة العبودية، وعند اجتماعهما يحصل الربط المذكور في قوله

{ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُم } [البقرة2: 40]

أما معرفة الربوبية فكمالها مذكور في قوله { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين } فانتقال العبد من العدم السابق إلى الوجود يدل على كونه إلهاً، وحصول الفوائد للعبد حال وجوده يدل على كونه رباً رحماناً رحيماً، وأحوال معادة تدل على أنه مالك يوم الدين، وأما معرفة العبودية فمبدؤها " إياك نعبد " وكمالها " إياك نستعين " في جميع المطالب، وإذا تم الوفاء بالعهدين ترتبت عليه الثمرة وهو قوله: " اهدنا " إلى آخره. وهذا ترتيب لا يتصور أحسن منه.


السابعة: في الالتفات الوارد في السورة وجوه: منها أن المصلي كان أجنبياً عند الشروع في الصلاة، فلا جرم أثنى على الله بالألفاظ الغائبة إلى قوله: { مالك يوم الدين }. ثم الله تعالى كأنه يقول: حمدتني وأقررت بأني إله، رب العالمين، رحمن رحيم، مالك يوم الدين، فنعم العبد أنت يا عبد. رفعنا الحجاب وأبدلنا البعد بالقرب فتكلم بالمخاطبة وقل " إياك نعبد ".

-46-

ومنها أنه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه تلك الصفات العظام من كونه رباً لا يخرج شيء من ملكوته منعماً على الخلق بأنواع النعم - جلائلها ودقائقها - مالكاً للأمر كله في العاقبة، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بغاية الخضوع والاستعانة في المهام، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات فقيل " إياك " يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة، ليكون الخطاب أدل على أن العبادة له لذلك التميز الذي لا تحق العبادة إلا به. ومنها أن الدعاء بالحضور أولى كما أن الثناء في الغيبة أوقع وأحرى، وهكذا فعل الأنبياء عليهم السلام

{ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } [الأعراف7: 23]
{ رَبِّ هَب لِي حُكْماً } [الشعراء26: 83]
{ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً } [طه20: 114]
{ رَبِّ أَرِنِي } [الأعراف7: 143]
{ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ } [الأنبياء21: 89]

ومنها أنه إذا شرع في الصلاة نوى القربة فأثنى على الله بما هو أهله، فاستجاب الله دعاءه في تحصيل تلك القربة ونقله إلى مقام الحضور من مقام الغيبة.


الثامنة: اعلم أن المشركين طوائف، منهم من اتخذ إلهه من الأجسام المعدنية كالحجر والذهب والفضة والنحاس، ومنهم من اتخذه من النبات كالشجر المعين، ومنهم من اتخذه من الإنسان كعبدة المسيح وعزير، ومنهم من اتخذه من الأجسام البسيطة، إما السفلية كعبدة النار وهم المجوس، أو العلوية كعبدة الشمس والقمر وسائر الكواكب. ومنهم من قال: مدبر العالم نور وظلمة وهم الثنوية، ومنهم من قال: الملائكة عبارة عن الأرواح الفلكية ولكل إقليم روح من الأرواح الفلكية يدبره وكذا لكل نوع من أنواع هذا العالم، فيتخذون لتلك الأرواح صوراً وتماثيل ويعبدونها وهم عبدة الملائكة. ومنهم من قال: للعالم إلهان، أحدهما خير وهو الله، والآخر شرير وهو إبليس. إذا عرفت ذلك فنقول: قد مر أن " الحمد لله " يتضمن التسبيح له وسائر الصفات منبئة عن سبب إثبات جميع أنواع " الحمد لله " " وإياك نعبد " يدل على التوحيد المحض والبراءة من كل ما يعبد من دون الله، وأن الله أكبر من جميع المعبودين، فيقوم مقام قوله " لا إله إلا الله والله أكبر " " وإياك نستعين " يدل على قوله " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " فثبت أن سورة الفاتحة مشتملة إلى هنا على الذكر المشهور " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ".

العاشر في فوائد قوله { اهدنا الصراط المستقيم }.

الأولى: سئل أن طلب الهداية من المؤمن وهو مهدي تحصيل للحاصل. وأجيب بأن المراد منه صراط الأولين في تحمل ما يشق، وكان تحمل المشاق العظيمة لأجل مرضاة الله تعالى.

-47-

يحكى أن نوحاً عليه السلام كان يضرب في كل يوم مرات بحيث يغشى عليه وكان يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. وأيضاً إن في كل خلق من الأخلاق طرفي إفراط وتفريط هما مذمومان، والحق هو الوسط والصواب. فالمؤمن بعد أن عرف الله بالدليل صار مهتدياً، لكنه لا بد مع ذلك من حصول الملكات والأخلاق الفاضلة التي هي وسط بين الطرفين ومستقيم بين المنحرفين. ففي القوة الشهوية طرف الإفراط فجور وطرف التفريط خمود وهما مذمومان، والوسط وهو استعمالها في مواضعها على قضية العدالة والشريعة محمود وهو العفة، وكذا في القوة الغضبية طرفا التهور والجبن مذمومان والوسط وهو الشجاعة محمود، وفي القوة النفسانية الجربزة والبله مذمومان والوسط وهو الحكمة محمود. وبالجملة فإنه يحصل من توسيط استعمال القوة الشهوية الحياء والرفق والصبر والقناعة والورع والحرية والسخاء، ومن توابع السخاء الكرم والإيثاء والعفو والمروءة والمسامحة، ويلزم من توسط استعمال القوة الغضبية كبر النفس وعلو الهمة والثبات والحلم والسكون والتحمل والتواضع والحمية والرقة، ومن توسط استعمال القوة النطقية الذكاء وسرعة الفهم وصفاء الذهن وسهولة التعلم وحسن التعقل والتحفظ والتذكر، ويحصل من كمال التوسط في القوى الثلاث كمال العدالة ويتبعها الصداقة والألفة والوفاء والشفقة وصلة الرحم والمكافأة وحسن الشركة والتسليم والتوكل وتعظيم المعبود الحق وملائكته وأنبيائه وأولي الأمر والانقياد لأوامرهم ونواهيهم. والتقوى تكمل هذه المعاني وتتممها، ولأن القوة النطقية ذاتية للإنسان، والشهوية والغضبية حصلتا له بواسطة التعلقِ البدني، فكمال التوسط في النطقية أن يستعملها بحيث لا يمكن أزيد منها. وكمال التوسط في الأخريين أن يستعملهما بحيث لا يمكن أقل من ذلك ليفضي إلى تحصيل سعادة الدارين. وأيضاً العلم النظري يقبل الزيادة بمعنى تواصل أوقاته وقلة الفترات، وبمعنى زيادة الأدلة فليس من علم بدليل كمن علم بأدلة، فلا موجود من أقسام الممكنات إلا وفيه دلالة على وجود الله وعلمه وقدرته، وجوده ورحمته وحكمته. وربما صح دين الإنسان بالدليل الواحد وبقي غافلاً عن سائر الدلائل فكأنه يقول: عرفنا إلهنا ما في كل شيء من كيفية دلالته على ذاتك وصفاتك وعلمك وقدرتك. وأيضاً قد يراد بالصراط المستقيم الاقتداء بالأنبياء، وهو أن يكون الإنسان معرضاً عما سوى الله مقبلاً بكلية قلبه وفكره وذكره على الله، حتى لو أمر بذبح ولده لأطاع كالخليل، ولو أمر أن يذبح لانقاد كإسماعيل، ولو أمر بإلقاء نفسه في البحر امتثل كيونس، ولو أمر بتلمذة من هو أعلم منه بعد بلوغه أعلى منصب ائتمر كموسى مع الخضر. وعن خباب قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه ويجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصدّه ذلك عن دينه.

-48-

وأيضاً كأن العبد يقول: الأحباب يدعونني إلى طريق، والأعداء إلى طريق ثانٍ، والشيطان إلى ثالث. وكذا القول في الشهوة والغضب والاعتقادات والآراء، والعقل ضعيف، والعمر قصير، والقضاء عسير، فاهدني هذا الطريق السوي الذي لا أزيغ به. حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه كان يسير إلى بيت الله، فإذا أعرابي على ناقة له. فقال: يا شيخ إلى أين؟ فقال: إلى بيت الله. قال: كأنك مجنون، لا أرى لك مركباً ولا زاداً والسفر طويل! فقال إبراهيم: إن لي مراكب كثيرة ولكنك لا تراها. قال: وما هي؟ قال: إذا نزلت عليّ بلية ركبت مركب الصبر، وإذا أسديت إليّ نعمة ركبت مركب الشكر، وإذا ألم بي القضاء ركبت مركب الرضا، وإذا دعتني النفس إلى شيء علمت أن ما بقي من العمر أقل مما مضى. فقال الأعرابي: سر بإذن الله فأنت الراكب وأنا الراجل. وقيل: الصراط القرآن أو الإسلام وليس بشيء، إذ يصير المعنى اهدنا صراط المتقدمين، مع أنه لم يكن لهم قرآن ولا إسلام، اللهم إلا أن يراد أصول هذه الشريعة وقوانينها كما قال

{ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه } [الأنعام6: 90].

وعن علي كرم الله وجهه: ثبتنا على الهداية كقوله

{ رَبَّنَا لَا تُزِغ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذ هَدَيْتَنَا } [آل عمران3: 8]

فكم من عالم يزل ومهتد يضل. وفي اختيار لفظ الصراط دون الطريق أو السبيل، تذكير للصراط الذي هو الجسر الممدود بين طرفي جهنم، سهل الله تعالى علينا عبوره ووروده.


الثانية: إنما قبل " اهدنا " بلفظ الجمع لأن الدعاء متى كان أعم كان إلى الإجابة أقرب، ولهذا قال بعض العلماء لتلميذه: إذا قلت قبل القراءة " رضي الله عنك، وعن جماعة المسلمين " فإياك وأن تنساني في قولك " وعن جماعة المسلمين " فإن ذلك أوقع عندي من قولك " رضي الله عنك " ، لأن هذا تخصيص بالدعاء ويجوز أن لا يقبل، وأما قولك " وعن المسلمين " فإنه أرجى لأنه لا بد أن يكون في المسلمين من يستحق الإجابة، وإذا أجاب الله دعاء في البعض فهو أكرم من أن يرده في الباقي. ومن هنا ورد في السنة أن يصلي على النبي صلى الله علبه وسلم قبل كل دعاء وبعده، لأن الدعاء في الطرفين مستجاب ألبتة لأنه في حق النبي صلى الله عليه وسلم فيستجاب الوسط بتبعية ذلك لا محالة. وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم: " ادعوا الله بألسنة ما عصيتموه بها. قالوا: يا رسول الله، ومن لنا بتلك الألسنة؟ قال: " يدعو بعضكم لبعض لأنك ما عصيت بلسانه وهو ما عصى بلسانك " " وأيضاً " الحمد لله " شامل لحمد جميع الحامدين، و " إياك نعبد " لعبادة الجميع، " وإياك نستعين " لاستعانة الكل، فلا جرم لما طلب الهداية طلبها للكل كما طلب الاقتداء بالصالحين جميعاً في قوله: { صراط الذين أنعمت عليهم } والفرار من الطالحين جميعاً في قوله: { غير المغضوب عليهم ولا الضالين }.

-49-
وإذاكان كذلك في الدنيا يرجى أن يكون كذلك في الآخرة


الثالثة: الخط المستقيم أقرب خط يصل بين النقطتين، والعبد عاجز فلا يليق بضعفه إلا الطريق المستقيم. وأيضاً المستقيم واحد وما سواه معوجة يشبه بعضها بعضاً في الاعوجاج، فكان أبعد من الخوف وأقرب إلى الخلاص. وأيضاً ميل الطباع إلى الاستقامة أكثري فلهذه الأسباب سئل الصراط المستقيم.

الحادي عشر في فوائد قوله { صراط الذين أنعمت عليهم }.

الأولى: حد النعمة بأنها المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، لأنه لو قصد الفاعل منفعة نفسه أولاً على جهة الإحسان لم يكن نعمة فلا يستحق الشكر. ثم نقول: كل ما يصل إلى الخلق من نفع أو دفع ضر فهو من الله تعالى لقوله

{ وَمَا بِكُم مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [النحل16: 53]

ولأن الواصل من جهة غير الله ينتهي إليه أيضاً لأنه الخالق لتلك النعمة، وكذلك للمنعم ولداعية ذلك الإنعام فيه. والنعم الواصلة إلينا بطاعاتنا هي أيضاً من الله تعالى لأنها بتوفيقه وإعانته بأن أتاح الأسباب وأزاح الأعذار. وأول نعمة من الله تعالى على عبيده نعمة الحياة التي بها يمكن الانتفاع بالمنافع والاحتراز عن المضارّ قال تعالى:


الثانية: هل لله تعالى على الكافر نعمة أم لا؟ أنكر ذلك بعض أصحابنا لوجوه منها: قوله { صراط الذين أنعمت عليهم } فإنه لو كان له على الكفار نعمة لزم طلب صراط الكفار لأن المبدل منه وهو الصراط المستقيم في حكم المنحى. والجواب أن قوله { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } يدفع ذلك، ومنها قوله

{ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنفُسِهِم إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً } [آل عمران3: 178]

والجواب أنه لا يلزم من أن لا يكون الإملاء خيراً ونعمة لهم أن لا يكون أصل الحياة وسائر أسباب الانتفاع نعمة، فإن الإملاء تأخير النقمة بعد ثبوت استحقاقها، فما قبل هذه الحالة لا يكون كذلك. على أن نفس الإملاء أيضاً تمتيع حالي

{ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ } [البقرة2: 126]

وليس هذا كمن جعل السم في الحلواء على ما ظن، وإنما هو كمن ناول شخصاً حلواء لذيذة غير مسمومة ولكن ذلك الشخص لفساد مزاجه أو لاستعماله الحلواء لا كما ينبغي أفسد مزاج الحلواء أيضاً وصيره كالسم القاتل بالنسبة إليه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:

-50-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس