عرض مشاركة واحدة
 
  #10  
قديم 03-03-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن

والأمة الإسلامية، رُغْمَ كل ما حل بها، فإن عوامل وحدتها أقوى من عوامل فرقتها. إن عوامل الوحدة هي العقيدة التي تفسر الكون والإنسان والحياة وتبين علاقة هذه الأشياء بما قبلها وما بعدها، والتي تعطي نظاماً للحياة، وهي متوفرة بتمامها وكمالها في الإسلام.
والمسلمون يؤمنون بالإسلام وبنبيه وبرسالته. وتاريخ الإسلام تاريخ لهم جميعاً، وسيرة نبيِّهم أسوة لهم يتذاكرونها ويحرصون عليها، ورجالات الإسلام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، رضي الله عنهم، رجالاتهم. وهم جميعاً يمارسون شعائر الإسلام معاً، والأحكام الشرعية التي توحدهم لا تحصى. فكلهم ينتظرون رمضان معاً ويصومونه معاً، وتهوي أفئدتهم إلى البلد الحرام، يتوجهون إليه في زمن واحد وأيام واحدة، بل في ساعات واحدة، يلتقون من كافة أطراف الأرض يقومون بالشعائر نفسها، ويرددون الأقوال نفسها، يطوفون ويدعون وينحرون ويشدّون الرحال إلى مسجد رسول الله  للصلاة فيه وللتسليم على الرسول في المدينة المنورة أرض أول دولة إسلامية، ويتذكرون ويتذاكرون بدء دعوته وإصراره وصبره ونصره، ويعودون إلى بلادهم وذويهم يحدثون بالأخبار نفسها ويتلقون التهاني. فحال المسلمين واحدة في كل أنحاء العالم، ويرتفع فيهم أذان: (الله أكبر) بالطريقة نفسها والمنهج نفسه، وكلهم يتوقون إلى وحدة الأمة، وإلى عز الإسلام والمسلمين، وإلى تحرير المسجد الأقصى وفلسطين وسائر بلاد المسلمين. هذا غيض من فيض، وهو حال المسلمين في كل أنحاء العالم. ومن شذ منهم ممن استحوذ عليه الشيطان فشرذمة ارتدت على أعقابها فشذوذها إلى النار.
نعم إن الإسلام عقيدة عقلية وأفكار وأحكام تصنع أمة حقيقية واحدة، وتصهر أي شعب أو قوم ليكونوا جزءاً من الأمة ومن جنسها.
فلا يُغَرَّنَّ أحد بأكاذيب أهل الكفر والضلال ومزاعمهم، ولا بالإعلام المزوِّر أو التاريخ المزوَّر الذي يرفع الأنذالَ الأرذالَ ويحط الكرامَ الخيار.
إن سبب هذه التجزئة وهذه الهزائم هو وجود هذه الأنظمة وأجهزتها وأباطيلها. والوحدة الإسلامية تقوم على أنقاض هذه الأنظمة الطاغوتية، والمسلمون يملكون طاقة عظيمة لتحقيقها، وهي كامنةٌ اليوم بفعل الظلم والفتك والتضليل.
خذ مثلاً مشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم تجاه ما يجري للمسلمين في أفغانستان والشيشان وكوسوفا وفلسطين وغيرها... وأقول مشاعرهم ولا أقول أعمالهم، لأنهم يملكون مشاعرهم وأحاسيسهم وإيمانهم، ولكنهم لا يملكون قوتهم وإرادتهم، فهذه مسلوبة وهي بأيدي أنظمة الكفر وشياطين الإنس. ولذلك رأينا المسلمين في كل أنحاء العالم يتوقون ويتحرقون لنصرة إخوانهم في كل مكان يتعرضون فيه للظلم والأذى. وقد رأيناهم في كل أنحاء العالم الإسلامي يثورون ويزمجرون يريدون نصرة إخوانهم في القدس وفلسطين أثناء انتفاضة المسجد الأقصى، ولكنهم كالأسود المكبَّلة، يزمجرون داخل أقفاص هؤلاء الحكام العملاء الخونة، أعداءِ الأمة، المشاركين في ذبح المسلمين وإذلالهم وفي تضييع بلادهم ومقدساتهم، وقد رأيناهم يشاركون الأميركان والإنجليز ورؤوس الكفر ضد العراق حرباً وحصاراً... ويتجاهلون ذبح المسلمين في شتى البقاع.
إن الأمثلة والشواهد كثيرة، وكلها تؤكد حتمية وحدة الأمة الإسلامية التي لا يقف في طريقها إلا هذه الأنظمة الكاذبة الدعية التي تتحول إلى كلاب مسعورة إذا أدركت الأمة حقائق الإسلام واستعدت للتضحية في سبيلها.
إقامة الدولة الإسلامية:
أما التضليل باستحالة إقامة الدولة الإسلامية واستمرارها، فالكفار لا يدّخرون في سبيل ذلك وسعاً. فيختلقون الأباطيل عن مفاسد الخلافة ويطمسون الحقائق ويزوّرون التاريخ ويبطشون بالدعاة، ويركزون عَبْرَ إعلامهم المضلِّل على فُرقة المسلمين وضعفهم، وعلى إمكانيات الكفار وقواهم الهائلة. ويجعلون من بعض عملائهم الذين رفعوا شعارات إسلامية للتضليل، وأوقعوا المسلمين في هزائم وتراجعات، يجعلون منهم نماذج بارزة وقيادات تحريف للإسلام وانحراف بالمسلمين، ما يساعدهم على تيئيس المسلمين وإشاعة أجواء الإحباط.
وإذا تمكن اليأس من قلوب بعض المسلمين فسينصرفون عن هذا العمل ولن يعملوا على إقامة الدولة الإسلامية.
ولما كانت النصوص الشرعية دالّة على عودة دولة الإسلام وسلطانه وعزه، فإن المسلمين يصدّقون بهذه العودة، ولكنا نلاحظ في الذين تمكن منهم اليأس أنهم يقولون إن هذا ليس في عصرنا، ولكن بعد مئات السنين أو بعد أجيال أو عندما يأتي المهدي... وهذا بدوره يساهم في الإحباط، وتروّج له الأنظمة بإعلامها وعملائها، ومن هؤلاء العملاء علماء السلاطين ومفتو الأنظمة، وعلماء الشاشات التلفزيونية المعتمَدون من هذه الأنظمة، الذين يوجهون أو يضللون المسلمين للاهتمام بشؤونهم الخاصة وبعباداتهم فقط. أما الدولة الإسلامية فهي مِنّة من الله تأتي عندما يريد دون عمل من الناس، وأما معاداة الأنظمة اليوم فهي من قبيل الجهل أو الإرهاب. ومن هؤلاء أيضاً (العلماء !) أو الحركات التي تزعم أنها إسلامية، وتقوم بأعمال التأييد للأنظمة والسكوت على منكراتها، وتقدم لها الولاء وتتظاهر بالمعارضة في أمور تافهة، وتسوِّغ أعمالها بحجج مثل المصلحة، أو العجز والواقعية، وبذلك كله، وبغيره، ينحرف المسلمون عن فكرة الدولة الإسلامية والعمل لإيجادها ويرضون ببدائل تزيد الضلال ضلالاً، والضعف ضعفاً وتضيف إلى الهزائم هزائم جديدة.
ولذلك لا بد أن يدرك المسلمون حقائق الواقع وحقائق الشرع، وأن يَزِنوا كل فكر أو منهج أو رأي أو رجُل بميزان الحق.
إن تطـبيق الإسـلام وحمل دعوته فرض. وهذا غير ممكن إلا بكيان سياسي يؤمن به ويطبقه ويمنع من الخروج عليه أو الانتقاص من سيادته. أضف إلى ذلك أن وجود هذا الكيان هو جزء من أحكام الإسلام. وقد حرم الإسلام تطبيق أي نظام أو قانون غير مأخوذ من الإسلام، وجعل ذلك احتكاماً إلى الطاغوت. والرضى به كفر. قال تعالى: ألم تَرَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به ويريد الشـيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً (سورة النساء 60).
والأنظمة القائمة اليوم في العالم الإسلامي كلها من المنكر، بل هي رأس المنكر. ويجب شرعاً هدمها وإزالتها لتقام على أنقاضها الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، التي هي دولة واحدة لكل المسلمين في العالم، قال : «من خلع يداً من طاعةٍ لقيَ اللّـهَ يومَ القيامة لا حُجّة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية» (رواه مسلم)، وقال أيضاً: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصـاكم أو يفـرّق جماعـتـكم فاقـتـلـوه»، وقال: «إنه سـتـكون هَنـات وهنـات، فمن أراد أن يفرق هذه الأمة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان» (رواهما مسلم وأبو داود والنسائي).
وتطبيق الإسلام وحمل دعوته لا يمكن إلا بقوة تؤمِّن سنداً وحماية للتطبيق والدعوة. ومجموع الكيان السياسي الذي يطبق الإسلام مع القوة التي تحافظ عليه وتحميه هو الدولة.
فالدولة الإسـلامية هي الكيان السياسي الذي يقوم بتطبيق الإسلام في الداخل، ونشره في العالم عن طريق الدعوة والجهاد. أي أن الدولة الإسلامية هي الكيان التنفيذي لإقامة الدين الإسـلامي كاملاً. ولذلك فإيجـاد الدولـة الإســلامية يعـني بإجمـال إيجاد أمرين:
الأول: إيجاد رأي عام يسوده الإيمان بالإسلام ويمتلك وعياً عاماً على وجوب الالتزام به وتطبيقه وإيجاد دولته وحمايتها.
والثاني: إيجاد قوة أو سلطة تحقق تطبيق الإسلام وحمايته وتمكينه من نشر دعوته في العالم.
وهذان الأمران هما محور العمل الإسلامي الجاد لإقامة الدولة الإسلامية، وهما محور الصراع مع الكفر وأنظمته وزبانيته.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن العمل على إيجاد القوة لتطبيق الإسلام قبل إيجاد وعي عام عليه في المجتمع، وأجواء له واستعداد لتطبيقه. وكذلك لا يمكن إعلان دولة إسلامية قبل وجود رأي عام إسلامي يريد وجودها ويدعمه، ويراها حقاً وواجباً وحلاً صحيحاً لواقعه وقضاياه. ولا يقال إن المسلمين موجودون وهم الأمة الإسلامية قاطبة وعقيدتهم إسلامية، لأن المطلوب أن يكونوا مسلمين واعين على الإسلام، غير مضللين بشأن وجوب تطبيقه أو وجوده السياسي أو شكل هذا الوجود. فإذا كان المسلمون ينادون بوطنياتهم أو قومياتهم أو بفصل الدين عن الحياة أو بالديمقراطية... وينخدعون بحكامهم أو بأنظمتهم أو بعلماء السلاطين أو ما شابه ذلك، فهم بذلك غير جاهزين ومخدوعون بأباطيل تفقدهم طاقتهم الإسلامية الروحية الهائلة.
فإذا وُجِدَ الوعي العام الصحيح بشأن إقامة الدولة الإسلامية، وصار استئناف الحياة الإسلامية ووجود الدولة الإسلامية مطلباً للمسلمين، وجب حينئذٍ إيجاد القوة التي يُقام بها كيان دولة الإسلام، ويُزال سند الكفر وقوته، ويطبق الإسلام.
وهذا يعتمد على مدى انتشار الفكرة الإسلامية، وفكرة وجود دولة تطبقها. وهذا يحتم على حَمَلَة الدعوة للإسلام، أي لإيجاد دولة الخلافة، أن تكون أفكارهم ومشاعرهم ومواقفهم متعاونة في كافة أنحاء العالم، والعالم الإسلامي بشكل خاص، والعالم الذي يحضِّرون لإقامة دولة الخلافة فيه بشكل أخص. وهذا بدوره يوجب وجود حزب سياسي إسلامي يجعل إقامة الدولة الإسلامية أي الخلافة، هدفاً له، ويتخذ أفكاراً وأحكاماً شرعية موحدة له، ويعمل لإيجادها في الأمة وإيجاد وعي عام عليها وأجواء لها، ويجب أن يستمر في ذلك ليجعلها مفاهيم ومطلباً للأمة الإسلامية وخاصة في المجال أو الأماكن التي يحددها لتكون نقطة ارتكاز للدولة الإسلامية.
أما الأمر الثاني وهو القوة الانقلابية وإمكانياتها، فإنه يشترط فيها القدرة على حماية تطبيق الإسلام من الداخل والخارج واستمرار هذا التطبيق. وبمقدار النجاح في تحقيق الأمر الأول يكون النجاح في تحقيق الأمر الثاني.
وهذا كله ليس مستحيلاً كما يصوِّر شياطين الأنظمة وأسيادهم وعملاؤهم، بل إن معظم هذه الأنظمة الكافرة الموجودة لم تصل إلى الحكم إلا عن طريق انقلابات أو قوى عسكرية فرضت نفسها على الناس، والفارق فيها أنها لم تكن تعتمد على أفكار المواطنين وقواهم، وإنما كانت، وما زالت، تستند إلى قوى دول كافرة استعمارية. ولذلك فأمثال هذه الدول الطاغوتية لم تحتجْ إلى عمل سياسي في الأمة لتحميلها أفكاراً ما، لأنها استندت إلى قوى من خارج الأمة فكانت عميلة وخائنة. أما الدولة الإسلامية فتستند إلى قوى المسلمين، ولذلك وجب العمل السياسي لتحميل الأمة الفكر الإسلامي الذي يدفعها لتقديم الولاء للخلافة والتضحية في سبيلها. وحتى تكون الدولةُ إسلاميةً حقاً وتمتلك إرادتها، فيجب أن يكون المسلمون هم مصدر قوتها وأداة حفظها وحمايتها.
ونكرر القول: إن الدولة الإسلامية هي كيان تنفيذي للإسلام. ولا يمكن تنفيذ شيء في الدنيا إلا بقوة قادرة على ذلك. ولإيجاد هذه القوة قد تتعدد الآراء. والواقع أنه قد كثرت التجارب، منها الساذج ومنها غير ذلك، ومنها المخلص ومنها غير ذلك. والضروري المحتَّم أنه لا بد من الاعتناء بهذا الأمر والتفكير فيه بإخلاص وصدق مع دوام التمسك بالهدف من إيجاد هذه القوة. فليس المطلوب، مثلاً، إيصال حزب أو حركة أو جماعة أو رجل إلى الحكم، وإنما المطلوب هو إيصال الإسلام إلى الحكم وتطبيق الإسلام، والحكم بما أنزل الله، وإقامة الدين الإسلامي كاملاً من غير تحريف أو تنازل بحجة الظروف أو التطوير أو التجديد أو ما شاكل.
والعمل لإيجاد هذه القوة، وهو الأمر الثاني، يعني الحصول عليها من مصادرها ومواقع وجودها المختلفة في الأمة، ودفعها بالعقيدة وبأفكار الإسلام لتكون خادمةً للإسلام وتطبيقه وحمل دعوته. فلا تُطلَب هذه القوة حيث لا توجد، فلا تطلب من المستضعفين من المسلمين، ولا يُركن في ذلك إلى أعداء الإسلام والمسلمين أو الخونة ومواضع الريبة.
هذا البحث عن القوة وطلبها لتكون خادمة لتطبيق الإسلام وخاضعة لأحكامه هو ما يسمى طلب النصرة. وهو يعني القيام بتغيير انقلابي وتطبيق الإسلام في المجال الذي يحصل فيه إعطاء النصرة تطبيقاً كاملاً شاملاً.
وهذا الطريق عملي وفعَّال، ولا سبيل غيره شرعاً، ولا سبيل غيره عملياً، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبه أعلن الدولة الإسلامية. أما كيفية إيجاد هذه القوة أو النصرة، وكيفية حصول النبي  عليها، وهو جانب أهمله المسلمون بفعل تضليل الأنظمة وعملائها وبخاصة (علماء) السلطة ووعاظ السلاطين، فهذا ما سنبينه بالتفصيل في الحلقة التالية إن شاء الله.

تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدِّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً (سورة النور 55).
وقال عزَّ من قائل: ونريد أن نمنَّ على الذين اسـتـضـعفـوا في الأرض ونجعلـهم أئمـة ونجعلـهم الوارثين  ونمكِّـنَ لهم في الأرض ونُريَ فرعونَ وهامانَ وجنودَهما منهم ما كانوا يحذرون (سورة القصص 5ــ6).
رد مع اقتباس