عرض مشاركة واحدة
 
  #8  
قديم 10-22-2011
خلافة خلافة غير متواجد حالياً
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 56
افتراضي رد: حزب التحرير، نشأته وسيرته ،ملف الوثائق والنشرات, أرشيف لوثائق انطلاق مسيرة حزب التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم


عزل الأمير


لوحظ في المناقشات التي دارت بين الشباب ، عقب إعلان القيادة المؤقتـة عزل عبد القديم زلوم عن إمارة الحزب ، أنه قد جرى فيها خلط بين ثلاث مسائل : طاعة الأمير ، واستحقاق الأمير للعزل ، وآلية عزل الأمير .
والصحيح أن مسألة استحقاق الأمير للعزل ، شأنها شأن المسألتين الأخريين ، مسألة منفصلة ، وينبغي أن لا تُخلط بغير أسباب استحقاقه للعزل . وهي الأسباب التي فصَّلها بيان إعلان العزل ، وأولها وأهمّها عجز الأمير المعزول عن تسيير الحزب على نحو يؤدي لتحقيق غاية الحزب . وهذا السبب وحده كافٍ لجعل الأمير مستحقاً للعزل ، ولجعل الإجراء الذي اتُخِذَ بحقه مُسوَّغاً .
فالحزب ينهض بأداء فرضين . أولهما هو وجوب وجود فئة أو طائفة أو حركة أو جماعة أو تنظيم أو حزب في الأمة ينطبق عليه مدلول قوله تعالى { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } . وهذا الفرض على الكفاية ، وقد تم تحقيقه بمجرد وجود الحزب في المجتمع ، وقيامه بالدعوة إلى الخير ( الذي هو الإسلام ) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن الفرض هنا منصب على ذلك فقط وليس على تحقيق أية غاية أخرى .
وأما الفرض الثاني الذي ينهض به الحزب ، فهو العمل لإقامة الخلافة . وهذا الفرض جاء من القاعدة الشرعية المتبنّاة (( ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب )) . فالعمل لإقامة الخلافة فرض على جميع المسلمين ، ومَنْ لا يعمل منهم لتحقيق هذه الغايـة آثم حتى تتحقق . صحيح أن الفرض هنا أيضاً فرض على الكفاية ، ولكن الفرض لا يتحقق بمجرد وجود الحزب في الأمّة ، بل لا بدَّ له من أن يحقِّق الغاية . ولما كانت الغاية لم تتحقق بعد ، فإنّ كل مَنْ لا يعمل مع حزب التحرير في الوقت الحاضر آثم . نظراً لعدم وجود حزب غيره يعمل لإقامة الخلافة حسب الطريقة الشرعية لذلك . وسقوط الإثم عن شباب حزب التحرير آتٍ من تلبُّس الحزب بالعمل الذي من شأنه أن يؤدي لتحقيق الغاية . فإذا لم يكن الحزب مُتلبساً بالعمل الذي من شأنه تحقيق الغاية فإن الإثم لا يسقط عن شبابه ، كما أن العمل معه لا يعود مجزئاً . والتلبس بالعمل الذي من شأنه تحقيق الغاية لا يكفي فيه الدعوة إلى الإسلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل لا بد من أن يَرسم الحزب الخطط ويَضع الأساليب للأعمال التي من شأنها أن تؤدي لتحقيق الغاية ، سواء على صعيد طلب النصرة أو على صعيد أخذ قيادة الأمة .
وواقع الحال أن الحزب في ظل القيادة المعزولة لم يعد متلبساً بالعمل الذي من شأنه تحقيق الغاية في السنوات الأخيرة . وهو أمر لم يكن يخفى على معظم الشباب ، ناهيك عن المطّلعين على بواطن الأمور في الحزب . ويكفي الإشارة في هذا المقام إلى إشغال القيادة السابقة الشباب فيما أصدرته من كتب ونشرات مخالِفة للشرع ولما تبنّاه الحزب ، مما جعل الحزب يتقوقع على نفسه ، وينشغل عن العمل في الأمة .
هذا السبب وحده كاف لجعل عزل الأمير واجباً . ولذلك صار لا بد من عزله ، وإعادة الحزب إلى المسار الصحيح ، والتلبّس بالعمل الذي من شأنه تحقيق الغاية .
ومع ذلك ، فإن هناك أسباباً أخرى تضافرت مع هذا السبب ، وجعلت قرار العزل أكثر إلحاحاً . وهذه الأسباب موضَّحة كذلك في البيان . ومن بينها تبني أحكام وأفكار أدخلت على الفكرة والطريقة اللتين تبناهما الحزب ما يخالف الشرع ، ويتناقض مع صفائهما ونقائهما . هذا فضلاً عن الأمور الأخرى التي أتى عليها البيان .
وينبغي أن لا يغيب عن ذهن أي شاب أن الحزب جماعة خاصة ، وهي ليست جماعة المسلمين ، وإن كان أعضاء هذه الجماعة الخاصة جزءاً من جماعة المسلمين .
فالحزب ككيان تنطبق عليه الأحكام الشرعية التي تنطبق على الجماعة الخاصة ، كما ينطبق على أميره ما ينطبق على أمير الجماعة الخاصة ، وليس ما ينطبق على خليفة المسلمين .
والجماعة الخاصة هي عدد من المسلمين بلغ ثلاثة فأكثر بينهم أمر مشترك . وهذا الأمر المشترك قد يكون السفر ، وقد يكون عملاً ما اجتمعوا عليه ، واتفقوا على شروط أو ضوابط له ، كعمل الحزب .
والجماعة الخاصة يجب أن يكون لها أمير ، كما دلّ على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم برواية عبد الله بن عمر : " لا يَحِلّ لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمّروا عليهم أحدهم " .
وكوْن الجماعة الخاصة لها أمير يعني وجوب طاعة هذا الأمير . فالأمير سواء أكان أميراً عامّاً كالخليفة ، أميراً خاصاً كأمير الحج ، وقائد السرية ، وأمير الحزب ، طاعته واجبة في الشأن الذي أمِّر فيه ، لأن طاعة الأمير هي تُدخل الناس في الجماعة ، وترك طاعته تُخرجهم منها ، سواء أكانت هذه الجماعة جماعة المسلمين أو جماعة خاصة كالحزب .
غير أن الخليفة وإن كان قد وُلِيَ برضى المسلمين ، إلا أن بقاءه خليفة لا يعتمد على رضاهم ، بل يبقى خليفة ما دام حاله لم يتغير على نحو يوجِب عزله ، وما دام ملتزماً بالحكم بالإسلام ولم يُظهِر الكفر البواح . فإمارة الخليفة دائمية .
وهذا لا ينطبق على الأمير الخاص . فالجماعة التي ولّته إمارتها لها أن تعزله إذا فقدت الثقة به ، سواء أمرها بمعصية أم لم يفعل ذلك .
والدليل على ديمومة إمارة الخليفة حديث عبادة بن الصامت كما أورده البخاري حيث قال : " دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة في مَنشطنا ومكرهنا وعُسرنا ويُسرنا وأثَرَةٍ علينا وأن لا ننازِع الأمر أهله إلا أنْ تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان " .
فهذا الحديث دلَّ على أن الخليفة يبقى خليفة ما دام يحكم بالإسلام ولا يُظهِر الكفر البواح ، وطاعته واجبة ما لم يأمر بمعصية ، وهذا الطبع إذا لم يتغير حاله على نحو يوجِب عزله . فالخليفة يبقى خليفة بغض النظر عن رضى الرعية أو سخطها ، وسواء وثقت بـه أم لم تثق ، ما دام يحكم بالإسلام ولم يتغير حاله على نحو يوجِب عزله .
أما الأمير الخاص ، فإن الأدلة الشرعية بحقه لا تدل على شيء من ذلك ، ولم تمنع هذه الأدلة عزله إذا فَقَدَ رضى الجماعة أو ثقتها ، أو أخلَّ بالشرط أو العهد الذي بينه وبين الجماعة . وكوْن الحزب مستمراً في عمله قبل قيام الخلافة وبعده لا يعني ولا يقتضي دوام إمارة أميره لا عقلاً ولا شرعاً . فالفرض منصبّ على أن يكون له أمير ، وليس أميراً معيّناً .
فأمير الحزب يبقى أميراً برضى الشباب وثقتهم ، وما دام قائماً على رعاية الأمر المشترَك لأعضاء الحزب وفق العهد الذي بينه وبين الشباب . فإذا اختل شيء من ذلك فللشباب حق عزله ، لأنه إنما صار أميراً برضاهم ، وبقاؤه أميراً عليهم منوط بهذا الرضى إلى جانب التزامه بالعهد الذي بينه وبين الشباب . وهذا تحقيق لمناط إمارة الجماعة الخاصة وليس حكماً عقلياً ، وبالتالي لا يَرِد طلب الدليل على هذا التفصيل .
فالشارع لم يُحرِّم على الجماعة الخاصة عزل أميرها ولم يوجِب طاعته في حال تقصيره ، أو عجزه عن القيام بواجباته ، أو تغييره في صفة الأمر المشترك الذي اجتمعوا عليه .
وفي حزب التحرير هناك عهد بين الشباب وبين الأمير إنْ نقضه استحق العزل . والعهد الذي بين الشباب والأمير هو أن يلتزم بالفكرة والطريقة كما تبنّاهما الحزب منذ تأسيسه ، وأن يعمل على تلبّس الحزب بالأعمال التي من شأنها تحقيق الغاية . ويجب على الشباب في حالة وفاء الأمير بقسطه من العهد أن يطيعوه ، وينفّذوا أوامره وأوامر من يفوّضهم من المسؤولين ، حسبما هو مُتبنى في الناحية الإدارية . أما إذا أخلّ الأمير بشيء من عهده مع الشباب ، سواء على صعيد تبني ما لا ينبثق عن العقيدة أو يُبنى عليها ، أو على صعيد رسم الخطط والأساليب التي من شأنها تحقيق الغاية ، فإنَّ الشباب في هذه الحالة في حِلّ من عهده ، ولهم عزله ، ويكون هذا العزل واجباً عليهم إذا هو عجز عن رسم الخطط والأساليب التي تجعل الحزب متلبساً بالعمل الذي من شأنه تحقيق الغاية . وذلك لأن العمل لإقامة الخلافة هو الفرض الذي ينهض به الحزب وأنشئ من أجله ، فإذا لم يتلبّس بالعمل الذي من شأنه أن يؤدي لتحقيق هذا الفرض ، فإن العمل معه لا يعود مجزئاً .
وأما إذا تبنى من الآراء والأفكار والأحكام ما يحرم على الشباب تبنيه ، فإن عزله يصبح واجباً عليهم كذلك ، لأن القاعدة الشرعية تقول (( الوسيلة إلى الحرام محرمّة )) . ففي هذه الحالة ، فإنّ تبني الأمير ملزِم لشباب ، فإنْ كان ما تبنّاه مما يحرم تبنّيه ، فمعنى ذلك أنه يُلزمهم بتبني الحرام ، الأمر الذي ينبغي أن يعترضوا عليه وأن يرفضوه ، وأن يظلوا يراجعونه فيه حتى يرجع عن تبنّيه . فإن لم يرجع عن تبنّي الحرام وجب عليهم عزله ، حتى لا يقعوا هم أنفسهم في إثم تبني الحرام .
وهكذا فإنّ عزل الأمير السباق كان واجباً : أولاً لعجزه عن جعل الحزب يتلبّس بالعمل الذي من شأنه تحقيق غاية الحزب ، وهي إقامة الخلافة ، وثانياً لأنه تبنّى أحكاماً وأفكاراً من غير الإسلام حسب فهم الحزب وتبنّيه لما ينبثق عن الفكرة الإسلامية أو يُبنى عليها . ولا يقال هنا إن الأحكام التي تبنّاها قال بها فقهاء آخرون . لا يقال ذلك لأن الحزب تبنى أن هذه الأحكام ليست من الإسلام وإن قال بها أولئك الفقهاء استناداً إلى قاعدة (( شرع مَنْ قبلنا شرع لنا )) ، التي فنّدها الحزب وبيَّن أنها خاطئة ، وتمسّك بقاعدة (( شرع مَنْ قبلنا ليس شرعاً لنا )) . فهذا التبني يُخرجه من الحزب لأنه خرج به عما تعهّد بالالتزام به من الأحكام التي تبنّاها الحزب . وتبنّى ما هو من غير الإسلام لا يُخرجه من الإسلام ، ما دامت لديه شبهة دليل . ونحن لا نقول بخروجه من الإسلام ، وإنما بخروجه من الحزب .
وفي حالة وجوب عزل الأمير يُنظر في كيفية عزله . فإن كانت قوانين الحزب الإدارية تُتيح عزله ، تُفعَّل هذه القوانين بحيث يتم عزله بحسبها .
أما إن كانت القوانين الإدارية لا تُتيح عزله ، فإنه لا قيمة لها في هذه الحالة ، ويجب عزله دون التقيّد بها وذلك لأن القوانين الإدارية هي من الأساليب التي تَدخل تحت عموم المباح ما لم تؤدِّ إلى الحرام . فإن أدّت إلى الحرام فلا يجوز التقيّد بها ، لأنها تصبح وسيلة إلى الحرام ، والوسيلة إلى الحرام محرّمة .
وهكذا جرى عزل الأمير السابق . فالشباب تبيَّن لهم أنه مستحق العزل ، ووجدوا أن القوانين الإدارية الخاصة بعزله ( أي آلية عزل الأمير ) لا تُتيح عزله ، فتخطّوها والتزموا بالحكم الشرعي الذي يوجِب عزله لأن السير خلفه حرام .
ولا يَرِد هنا موضوع الطاعة . فالطاعة لكل أمير سواء أكان أميراً عامّاً أم أميراً خاصاً من البديهيات . والطاعة لا تَرِد حين يكون الأمر متعلقاً بحرمة السير وراء الأمير .
ولا يقال هنا إنّ عزله بغير الأسلوب الإداري من شأنه أن يؤدي إلى شقّ الحزب ، وذلك لأن الشاب الذي يبقى سائراً خلف الأمير الواجب العزل آثم ، كما أنه لا يعود عضواً في الحزب ، وبالتالي فإن الحزب في هذه الحالة لا صلة له بالأمير الواجب العزل أو بمن بقي سائراً خلفه ، وإنما الحزب هو الذين عزلوا الأمير وعيّنوا غيره ، وهؤلاء لا انشقاق بينهم .
والمسلم أي مسلم لا يًنظر إلى عاقبة الفعل إن كان واجباً . فهو يذهب للجهاد حيث قد يُستشهَد ، مما قد يؤدي ، وخاصة في هذا الزمن ، إلى ضياع عائلته ، وإقدام بعض أفرادها على ارتكاب الحرام . فلا يقال في هذه الحالة إنه ما كان له أن يقوم بما فرضه الله عليه لأن ما قام به قد يؤدي إلى الحرام . فقاعدة (( الوسيلة إلى الحرام محرمَّة )) إنما تنطبق على الأعمال المباحة وليس الواجبة .
فالمسلم يجب أن يقوم بالفرض ، حتى وإن كان هناك احتمال بأن يؤدي قيامه به إلى مآلات محرَّمة . وأبسط مثل على ذلك هو حمل الدعوة ، الذي قد يؤدي إلى دخول حامل الدعوة للسجن ، وبالتالي ضياع عائلته ، واحتمال ارتكاب بعض أفرادها الحرام . فهل تكون هذه النتيجة المحتملة مانعاً من قيامه بالفرض ؟ الجواب قطعاً بالنفي .
وفي الحالة التي نحن بصددها من وجوب عزل الأمير ، فإنّ إثم شقّ الحزب يقع على من بقوا مع الأمير المعزول، لأنهم تقاعسوا عن أداء الفرض الذي هو عزل الأمير ، كما أن بقاءهم معه ، وهو على الوضع الذي بيّنّاه ، هو الذي أدى إلى شقّ الحزب ، إن كان يجوز اعتبار ما هو حاصل في الحزب الآن انشقاقاً .
هذا توضيح كافٍ لما حصل في الحزب . فالموضوع ليس موضوع الطاعة ، وإنما هو موضوع استحقاق الأمير للعزل ، ووجوب قيام الشباب بعزله . فمن تبيّن له وجوب عزله لا يجوز له طاعته ، ولا السير وراءه .
وبعد أن تبيّن وجوب عزله بكل جلاء ، لا يجوز أن يبقى أحد من الشباب مع الأمير المعزول .
كذلك فإن الموضوع ليس الالتزام بقوانين الحزب الإدارية ، لأن هذه القوانين لا يجوز أن تحُول دون تحقيق الفرض . فإنْ حالتْ دونه يجب تجاهلها وعزل الأمير بأية طريقة ممكنة يجيزها الشرع ، وإن لم يَنُص عليها القانون الإداري .
والخلط بين وجوب عزل الأمير ، وبين طاعته ، وآلية عزله في القانون الإداري ، هو الذي أدى إلى البلبلة ، وتردّد بعض الشباب في الانضمام للحزب . وبعد هذا البيان الواضح للموضوع كله لم يعد هناك عذر لأحد في البقاء خارج الحزب .
والبديهية التي غابت عن أذهان البعض أننا في الحزب نتكتّل حول فكرته ، وليس حول شخص أو أشخاص . فإذا وُضِعَ الشاب أمام خيار التمسك بالفكرة أو التمسك بأمير معيّن ، فإن موقفه يجب أن يكون محسوماً لصالح التمسك بالفكرة التي هي الرابط الأساس بين شباب الحزب .


حزب التحرير

في 2 شبعان 1418 هـ
2/12/1997 م
رد مع اقتباس