عرض مشاركة واحدة
 
  #6  
قديم 10-22-2011
خلافة خلافة غير متواجد حالياً
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 56
افتراضي رد: حزب التحرير، نشأته وسيرته ،ملف الوثائق والنشرات, أرشيف لوثائق انطلاق مسيرة حزب التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

فكرة الحزب


فكرة الحزب هي ما تبنّاه من الفكرة الإسلامية ، حسب طريقته في الفهم وشرطه في التبني . والفكرة الإسلامية هي العقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من أحكام وما يُبنى عليها من أفكار .
ولبيان أهمية الفكرة بالنسبة لحزب التحرير ليس هناك ما هو أفضل مما ذكره الحزب في نشرة أصدرها بتاريخ 23/4 / 1974م، جاء فيها:
((والحزب يقوم على الفكرة وحدها . أي على مبدأ الإسلام حسب فهمه هو لأفكاره وأحكامه . فالفكرة وحدها هي التي يقوم عليها ، فهي سرّ حياته ، وهي وحدها التي تجعله حياً ، وتجعل حياته دائمة بل خالدة . فهو لا يقوم على الأشخاص مهما أوتوا من العلم والجاه والقوة ، ولا يهتم بكثرتهم أو قلّتهم ، ولا يقوم على تأييد الناس له ، قلّ هذا التأييد أو كَثُر ، ولا يقوم على ما يوفر له القدرة على العمل ، مهما كانت هذه القدرة مغرية بالتسهيل والتيسير والتقدم والارتفـاع . ولا يقوم على ما يقرّبه من الحكم أو يسهّل له أن يتولاه ، وإنما يقوم على شيء واحد هو الفكرة .
ويعتبر هذه الفكرة سرّ حياته ، أي روحه التي يحيى بها ، والتي إذا فقدها مات ، فالفكرة هي أساس وجوده . وهي أساس حياته وأساس سيره . ولذلك يُعنى بالفكرة وحدها ، ويوجّه همّه كله نحو الفكرة ، ويعتبر جلَّ أعماله متعلقاً بالفكرة سواء من حيـث التبني ، أو من حيث النشر ، أو من حيث التطبيق ، أو من حيث ما يلزم لبناء المجتمع ، أو يستلزم إقامة الدولة ، أو يقتضي إنهاض الأمة ، أو يستوجب حمل الرسالة إلى العالم . وإذا كان يَعمل لإقامة الدولة ، وبناء المجتمع ، وإنهاض الأمة ، وحمل الرسالة إلى العالم ، فإنما يعمل بالفكرة ، ومن أجل الفكرة : فالفكرة هي كل شيء في حزب التحرير )) .
والحزب لم يتبنَّ الفكرة الإسلامية بشكل إجمالي ، وإنما بشكل تفصيلي ، لأنّ تبنّي الفكرة الإسلامية بشكل إجمالي لا يجعله حزباً متميزاً ، كما لا يحدد هويته بدقة . ومع تبنيه الفكرة الإسلامية بشكل تفصيلي ، فإنه اقتصر في تبنيه على ما يلزمه منها للعمل الذي ينهض به ، أي بالقدر الذي يلزمه كحزب سياسي يريد إيجاد فكرته في المجتمع وتجسيدها في العلاقات . فهو تبنّى ما يلزمه لأداء مهامّه من إنهاض الأمة ، وبناء المجتمع ، وإقامة الدولة ، وحمل رسالة الإسلام للعالم .
ولذلك فإنه لم يتبنَّ في العقائد إلا ما كانت أعماله تستوجب التبني فيها ، ولم يتبنَّ في العبادات إلا ما كان لا بدّ منه لنشر الأفكار كأحكام الجهاد . ولم يتبنَّ في التشريع إلا ما كان أخذه للسلطة يستوجبه ، وهو وإن كان قد تبنى في نظام الحكم ، فإنه لم يتبنَّ في العقوبات ، كما لم يتبنَّ إلا النزر اليسير في المعاملات . فالحزب ليس مذهباً من المذاهب ، ولا هو طريقة من الطرق ، كما أنه ليس مجتهداً من المجتهدين .
ونظراً لما أصاب الفكرة الإسلامية خلال قرون الانحطاط من عوامل التغشية والحرف والتضليل ، سواء نتيجة لجهل المسلمين أو لكيد أعدائهم ، فقد أخذ الحزب على عاتقه توضيح الفكرة وبلورتها وتنقيتها من كل شائبة لحقت بها ، حتى تعود صافية واضحة نقية ، كما نزل بها الوحي .
ومن أجل ذلك ، وَجَد الحزب أنه لا بدّ له من تبني طريقة معيّنة في الفهم ، وجعلها شرطاً في تبنيه للعقائد والأحكام والأفكار . وطريقته في الفهم تتمثل في مجموعة من القواعد الضوابط التي جعلها قيداً في أخذه للعقائد والأحكام والأفكار . وطريقته في التبني هي أخْذ الفكرة عن المجتهد على شرط الحزب ، أي وفق طريقته في الفهم، ثم تبنيها وإلزام كل شاب في الحزب بتبنيها .
فبالنسبة للأفكار المتعلقة بالعقائد فإنه لا يتبناها إلا إذا قام الدليل القطعي على صحتها و صدقها ، سواء أكان هذا الدليل مما جاء به الوحي أم كان دليلاً عقلياً حسب فهم الحزب لمعنى العقل .
وعلى هذا الأساس تبنى الحزب أن العقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى .
والإيمان هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل . فلا بدّ في الإيمان من الدليل ، لأنه بدون دليل لا يكون إيماناً . ولا بدّ أن يكون الدليل قطيعاً حتى يتأتى في التصديق الجازم ، لأنه إن كان ظنياً فلا يفيد سوى مجرّد التصديق وليس التصديق الجازم .
وقد تبنى الحزب حُرْمة أخذ العقيدة وكل ما هو من العقائد من الدليل الظني ، استناداً للنهي الجازم عن أخذها بالظن . والأدلة على حرمة أخذ العقائد بالظن عديدة : منها قوله تعالى : { إنْ يًتَّبعون إلا الظنّ وإنْ هُم إلا يَخْرُصون } ، وقوله سبحانه : { وما يَتَّبِعُ أكثرهم إلا ظنّاً إنّ الظنّ لا يُغني من الحق شيئاً } ، وقوله : { وما لهم به من علم إنْ يَتَّبِعون إلا الظنّ } ، وغير ذلك من الآيات قطعية الثبوت والدلالة .
واستناداً لهذه الأدلة ، فإنه يحرم على المسلم أن يبني عقيدته على الظن ، أو يعتقد بأي فكر عقيدي استناداً لدليل ظني ، وهو إنْ فعل ذلك كان آثما .
فدليل العقائد إما أن يكون نصّاً جاء به الوحي قطعي الثبوت والدلالة ، وإما أن يكون العقل .
والعقل عند الحزب ، ويرادفه الفكر والإدراك ، هو نقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقة يفسَّر بواسطتها الواقع . ولذلك لا بدّ من وجود واقع وحواس ودماغ ومعلومات سابقة تكفي لتفسير الواقع حتى يحصل العقل أو الفكر أو الإدراك ، ويتصل بفهم الحزب لمعنى العقل موضوع آخر ، وإن كان لا علاقة له بكون العقل من الأدلة على العقائد ، ألا وهو كيفية فهم النصوص الفكرة . إذ يَشترط الحزب أن تُتلقى تلقياً فكرياً ، سواء كانت هذه النصوص مقروءة أو مسموعة . والتلقّي الفكري عند الحزب هو أن يَفهم المتلقي معاني الجمل كما تدل عليه لا كما يريدها مَنْ صدرت عنه أو مَنْ تلقاها أن تكون .
وفهم النصوص الفكرية لا يتأتى إلا بوجود معلومات سابقة عنها في ذهن المتلقي ، وأن تكون هذه المعلومات السابقة في مستوى الفكر الذي يُراد فهمه ، بحيث يدرك المتلقي واقع هذه الفكر إدراكاً يحدّده ويميّزه عن غيره ، ويعطي الصورة الحقيقية عنه .
والفكر يُتلقى لفهمه واتخاذ موقف منه . فإما أن المتلقي يصدّقه وعندها يأخذه ، وإما أنه لا يصدّقه وعندها إما أن ينبذه أو يحاربه لأن الفكر لا يُتلقى لمجرد المعرفة .
وتصور الفكر تصوراً صحيحاً هو الذي يعصم الفكر من الزلل والانحراف ، ويجعل المرء يقرر موقفه منه تقريراً صحيحاً . فالأفكار الخاطئة أو المنحرفة لا يقف ضررها عند حدّ أخذ المرء لها ، بل قد تصرفه عن أعمال أساسية في حياته ، وقد تجعله يزلّ وينحرف ، أو يضلّ ضلالاّ كبيراً .
والأصل في المسلم ، وحامل الدعوة من باب أولى أن يأخذ الأفكار أو ينبذها أو يحاربها بقياسها على العقيدة ، أي بجعله العقيدة قاعدة فكرية له . وهو قبل أن يقيس الفكر على العقيدة لا بدّ له من معرفة أن الفكر حقيقة أم لا ، فإن كان حقيقة ، أي له واقع ينطبق عليه ، قاسه على العقيدة ، وإلا فإنه لا حاجة لقياسه على العقيدة ، لأنه إما أن لا يكون فكراً على الإطلاق لأنه لا واقع له ، وإما أنه فكر خاطئ ، أي لا ينطبق على واقعه تمام الانطباق.
وبقياس الفكر على العقيدة يُنظر ، فإن وافق العقيدة يُؤخذ ، وإن كان يتناقض أو يتعارض معها أو مع ما ينبثق عنها ، فلا يُؤخذ ، فإما أن يُنبذ أو يُحارب .
والعقل هو الذي تَوصَّل بشكل قطعي إلى أن للإنسان والكون والحياة خالقاً خلقها جميعاً ، وإلى أن القرآن من عند الله ، وإلى أن محمداً رسول الله . وصَلُحَ العقل لأن يكون الدليل القطعي على هذه الركائز الثلاث للعقيدة لأنها مما يقع تحت الحس أو يُلمس أثره بالحس ، ولذلك كان بمقدور العقل إصدار حكمه القطعي عليها . أما باقي أدلة العقيدة فقد جاء بها الوحي نصوصاً قطعية الثبوت والدلالة . باستثناء موضوع القضاء والقدر ، أي تحديد المقصـــود بعبارة (( وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى )) ، كجزء من العقيدة ، فإنّ هذا الموضوع عقلي .
هذا بالنسبة لما تبناه الحزب في العقائد حسب طريقته في الفهم ، أما بالنسبة للأحكام الشرعية ، فإن الحزب يفرّق بين أمرين : أصول الأحكام ، والأحكام العملية ( أي الفرعية ) .
فبالنسبة لأصول الأحكام تبنّى الحزب أنها شأنها شأن العقائد لا تُؤخذ إلا عن يقين ، أي يجب أن تستند إلى أدلة قطعية حتى تُعتبر أصولاً للأحكام .
وهكذا حصر الحزب أصول الأحكام ( أو الأدلة الإجمالية ) في أربعة : الكتاب والسنّة والإجماع والقياس . فهذه الأدلة الأربعة هي وحدها التي قام الدليل القطعي على اعتبارها أدلة . وكما يُطلق عليها أصول الأحكام يُطلق عليها كذلك أصول الفقه .
وأما الأحكام الشرعية العملية ( أو الفروعية ) ، فإن الحزب تبنى أنها يجوز أخذها من الأدلة الظنية ، ولا يُشترط فيها القطع ، بل تكفي فيها غلبة الظن .
والدليل الظني قد يكون قطعي الثبوت ظني الدلالة ، كقوله تعالى { أو لا مستم النساء } ، أو ظني الثبوت قطعي الدلالة ، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( لا وصيّة لوارث )) ، أو ظني الثبوت والدلالة كقوله صلى الله عليه وسلم (( لا طلاق ولا إعتاق في إغلاق )) . فهذه هي أنواع الأدلة الظنية ، وهي كلها تصلح للاستدلال على الأحكام الشرعية العملية أو الفروعية .
وإذا كان الدليل الظني من السنّة فإن الحزب يشترط فيه أن يكون من نوع الحديث الصحيح أو الحسن ، حسب فهمه هو للصحيح والحسن ، وإن خالف رأي بعض علماء الحديث في ذلك .
والحزب لا يكتفي بفهم النصوص عند الاستدلال بها ، وإنما يشترط إلى جانب فهمها انطباقها على الواقع . ولذلك فإنه يَدرس الواقع دراسة اجتهاد ، ويَدرس النص دراسة اجتهاد ، ثم يطبِّق الحكم الذي استنبطه من النص على الواقع الذي درسه ، فإن انطبق عـليه أخذه ، وإنْ لم ينطبق عليه تركه وبحث عن الحكم الذي ينطبق عليه حتى يجده ، فإنْ انطبق عليه تبناه ، وإنْ لم ينطبق عليه ولم يعرف حكماً ينطبق على هذا الواقع فإنه إما أن لا يتبناه ، وإما أن يتبنى أنه ليس من أحكام الإسلام . ومن أجل دقة فهم الأحكام وضبط هذا الفهم . تبنى الحزب قواعد وتعاريف شرعية تنطبق عليها طريقته في الفهم وطريقته في التبني .
فمن القواعد الشرعية التي تبناها الحزب كضوابط قاعدة ( الأصل في الأفعال التقيـد بالحكم الشرعي ) ، وقاعدة ( الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يَردْ دليل التحريم ) ، وقاعدة ( ما لا يتم الواجب إلا بـه فهـو واجب) ، وغيرها كثير .
ومن التعاريف الشرعية ، وهي شأنها شأن القواعد الشرعية عبارة عن أحكام شرعية ، تعريفه للحكم الشرعي بأنه ( خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع ) ، وتعريفه للجهاد بأنه ( بذل الوُسْع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد ونحو ذلك ) ، وتعريفه للفقه بأنه ( علم بالمسائل الشرعيــة العملية المستنبَطة من أدلتها التفصيلية ) وتعريفه للسبب بأنه ( ما يلزم من وجوده وجود ومن عدمه عدم ) ، وغير ذلك من التعاريف الشرعية .
وقد ميّز الحزب بين الأحكام والأفكار ، فبيّن أن الأحكام يجب أن تنبثق عن العقيدة ، أي أن تُؤخذ مما جاء به الوحي ، فُيستدل عليها من الكتاب أو السنّة أو مما أرشدا إليه من إجماع أو قياس . وأما الأفكار فإنه لا يُشترط فيها انبثاقها عن العقيدة ، فهي قد تنبثق عن العقيدة ، كما هو شأن الأفكار العقيدية الواردة في النصوص ، وقد تُبنى عليها وهو الأعمّ الأغلب في الأفكار . ومعنى بناء الأفكار على العقيدة جعل العقيدة قاعدة فكرية وقياس الأفكار عليها ، فما وافق العقيدة يُؤخذ وما تناقض أو تعارض معها أو مع ما ينبثق عنها لا يُؤخذ .
ففكرة ( أن النهضة هي الارتقاء الفكري ) فكرة لم تنبثق عن العقيدة ، ولم تَرِد في النصوص الشرعية ، ولكنها فكرة لها واقع يصدّقها وتوافق العقيدة عند قياسها عليها ، ولذلك فإنها تُبنى على العقيدة .
ومثلما تبنى الحزب قواعد وتعاريف شرعية فإنه تبنّى كذلك مصطلحات وتعاريف وقواعد فكرية .
والمراد بالمصطلحات تكرار استعماله لألفاظ أو عبارات معيّنة لتقتصر دلالالتها على معان محددة . كاستعماله لكلمة ( المبدأ ) ، وعبارة ( الكون والإنسان والحياة ) ، ومصطلح الفكرة ، ومصطلح ( الطريقة ) ، و ( الجو الإيماني ) ، و ( القيــــادة الفكرية ) ، و ( وجهة النظر في الحياة ) و ( والإحساس الفكري ) ، و ( منطق الإحساس ) وغيرها من المصطلحات .
ومن التعاريف تعريفه للعقيدة بأنها ( فكرة كليّة عن الكون والإنسان والحياة ، وعما قبل الحياة الدنيا وعما بعدها ، وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها ) ، وتعريفه للمبدأ بأنه ( عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام ) ، وتعريفه للمجتمع بأنه ( مجموعة من الناس بينهم علاقات دائمية ) ، وغير ذلك من التعاريف .
ومن القواعد الفكرية المتبناة قاعدة ( الأسلوب يقرره نوع العمل ) ، ( والفكر يجب أن يَسبق العمل وأن يكون الفكر والعمل من أجل تحقيق غاية ) ، و ( الإدارة يجــــب أن تتسم بالسهولة واليسر والسرعة في الإنجاز ) ، و ( الصلاحية فردية والعمل جماعي ) ، وغيرها .
والإسلام فكرة وطريقة من جنس فكرته ، فالفكرة هي العقيدة والمعالجات المنبثقة عنها ، والطريقة هي الأحكام المتعلقة بكيفية تنفيذ المعالجات ، وكيفية المحافظة على العقيدة وكيفية حمل الدعوة .
ومثلما يحرص الحزب على الفكرة فإنه يَحرص على الطريقة ، لتظل هي الأخرى نقية صافية لا تشوبها شائبة .
وحَمْل الدعوة من أحكام الطريقة ولذلك يجب التقيد بهذه الأحكام في حملها ، سواء في الدور المكي أو المدني . ومصدر هذه الأحكام هو القرآن وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكما لا يصح أن نأخذ عن الرسل الآخرين في أحكام الفكرة ، فإنه لا يجوز الأخذ عنهم في أحكام الطريقة ، بل يُؤخذ من كتاب الله ومن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط ، لأن الرسول عليه السلام وحده القدوة والأسوة . وأي أخذ عن غير الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكام الطريقة يُعتبر أخذاً عن غير الإسلام .
وقد بيّن الحزب أحكام الفكرة وأحكام الطريقة ، فحكم تحريم الخمر من الفكرة ، وحكم إقامة الحدّ على شارب الخمر من أحكام الطريقة ، والنطق بالشهادتين من أحكام الفكرة ، وقتل المرتد من أحكام الطريقة ، وتحريم سرقة المال من أحكام الفكرة وقطع يد السارق من أحكام الطريقة .
وفي مجال حمل الدعوة ، فإن الاقتصار على الناحية الفكرة في الدور المكّي من أحكام الطريقة ، وحمل الدعوة بالجهاد في الدور المدني من أحكام الطريقة أيضاً . كذلك فإن مراحل السير في حمل الدعوة من أحكام الطريقة .
ويجب التمييز عند البحث في أحكام الطريقة بين ما هو من الطريقة وبين ما هو من الأساليب . فما كان من الطريقة يجب التقيد به وعدم الانحراف عنه ، لأن الطريقة أحكام شرعية مستمدة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والتقيد بها فرض والانحراف عنها معصية ، أما الأساليب فإنها باعتبارها غير متعلقة بوجهة النظر في الحياة فإنها كلها مباحة ما لم يَرِد دليل على حرمة أسلوب منها . والأساليب هي الكيفية غير الدائمة للقيام بالعمل. ومثل الأساليب الوسائل التي هي عبارة عن الأدوات المادية التي يستعان بها في تنفيذ العمل . فهي باعتبارها أشياء كلها مباحة إلا إذا ورد دليل على حرمة شيء منها .
ولأجل ذلك لا بدّ من التمييز بين الطريقة وبين الأساليب والوسائل . كما ينبغي أن تكون الأساليب والوسائل واقعية وعملية . ومعنى واقعية أن تعالج واقعاً موجوداً بالفعل ، ومعنى عملية أن توضَع لمباشرة العمل بها على الفور.
وحين يتبنّى الحزب أساليب معينة لأداء أعمال حمل الدعوة فيجب التزام هذه الأساليب ، وذلك لأنها متبناة ، لا لأي شيء آخر . ولذلك فإنه مثلما يحرص الحزب على الفكرة والطريقة فإنه يحرص كذلك على الأساليب المتبناة ما لم يظهر خطؤها . فإذا ظهر خطؤها فإنه يتركها ويتبنى غيرها مثلما يترك فهمة لأي فكر من الفكرة أو الطريقة إذا ظهر خطؤه .
والحزب يرى أنه لا اجتهاد في تنفيذ الأساليب المتبناة ، تماماً مثلما يرى أنه لا اجتهاد في أي فكر متبنّى . ذلك أن الاجتهاد في مثل هذه الحالة إما خطأ فادح إن كان بغير قصد ، وإما انحراف مقصود إن كان عن تعمد وإصرار .
هذا عرض موجز لفكرة الحزب ، ولطريقته في الفهم ، وطريقته في التبني ، إضافة إلى بيان أن سير الحزب في حمل الدعوة يستند إلى ما جاء في القرآن وإلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم دون غيره من الرسل ، وبيان حرص الحزب على الأساليب المتبناة .
وقد بقيت مواضيع في مسألة التبني لا بدّ من بلورتها ولفت النظر إليها .
أولها أنه قبل تبني الحزب لأي فكر وأي حكم وأي رأي يمرّ ما يُراد تبنيه بثلاثة أدوار : أولها الدراسة ، وثانيها التفكير ، وثالثها البحث والتتبع ، وبعد ذلك يخرج الرأي للشباب والناس فكراً متبنى .
ومع ذلك ، فإن الحزب يقول إن رأيه صواب يحتمل الخطأ ، وخلافه خطأ يحتمل الصواب ، وذلك حتى ينفي القداسة عن الرأي الذي يتبناه الحزب . ولكن ينبغي أن يتذكر الجميع أن الأصل في الرأي المتبنى أنه صواب ، والخطأ مجرد احتمال .
ولهذا لا يجوز لأمير الحزب أن ينتقل من رأي تبناه الحزب إلى غيره هكذا دون تفسير ، بل يجب عليه أن يبيّن بوضوح وجلاء خطأ الرأي السابق ، كما يجب أن يبيّن وجه الصواب في الرأي الجديد .
والثانية أن الأمير لا يجوز له أن يتبنى على غير شرط الحزب في التبني كما جرى بيانه في هذا الموضوع . فلا يجوز له أن يتبنى مثلاً على أساس المصالح المرسلة ، ولا على أساس أن ( شرع مَنْ قبلنا شرعُُ لنا ) . صحيح أن الأمير صاحب الصلاحية في التبني ، ولكن ذلك مقيَّد بالتزام طريقة الحزب في الفهم وطريقته في التبني .
والثالثـة أن أمير الحزب لا يجوز له أن يتبنى في ما التزم الحزب بعدم التبني فيه ، أو فيما لا حاجة له للتبني فيه. وذلك كالتزام الحزب بعدم التبني في بعض مسائل العبادات كالصوم والصلاة والحج ، أو فيما لا يلزم للحزب لأداء مهامه التي ينهض بها ، كالدراسات أو الأبحاث التي لا شان لها بهذه المهام ، أو فيما هو من قبيل الحث على التضحية أو العمل أو التحلي بقيم رفيعة معينة . وطبعاً لا يعني ذلك عدم إصدار الحزب شيئاً في هذه الأمور ، وإنما المقصود عدم تبني ما يصدره فيها .
والرابعة أن تَقيَّد الشباب لا يَقتصر على المتبنى ، بل يجب أن يتقيدوا بتنفيذ جميع أحكام الإسلام سواء كانت متبناة أو غير متبناة . فالحزب لا يتبنى في أحكام الصلاة ، ولكنه لا يقبل بين صفوفه من لا يُصلي .
والخامسة أن ما يتبناه الحزب مُلزِم لكل شاب ، يستوي في ذلك أمير الحزب وشابُُ تم تحزيبه بالأمس .
فكل شاب يتبنى كل حكم وكل فكر وكل رأي تبناه الحزب ، وإذا لم يتبن رأياً واحداً أو فكراً واحداً أو حكماً واحداً فإنه يخرج من الحزب ولا يصبح جزءاً منه ، لأن عضويته في الحزب مرهونة بتبني كل ما تبناه الحزب.
والتبني لا يقتل الإبداع لدى الشباب كما يتوهم البعض ، بل هو الذي يوجِد لديهم ذخيرة للتفكير فيها ومحاكمتها مما يفتح لديهم آفاق الإبداع .
هذا فضلاً عن كون التبني هو الذي يجعل الحزب حزباً سياسياً متميزاً عن غيره ، وهو الذي يجعل كُلاً فكرياً شعورياً بالفعل .
بهذا يكتمل موضوع فكرة الحزب . فقد تم توضيح جوهرها ، وقواعد وضوابط الفهم والتبني التي التُزِمَتْ فيها ، كما جرى التركيز على بيان أهميتها والأولوية التي ينبغي أن تكون لها عند الحزب والشباب .
وهذه الأولوية التي تناساها بعض الشباب ، وصاروا يضعون الأشخاص قبلها ، ما كانت بحاجة إلى كل هذا البيان لولا سنوات الهبوط الطويلة التي مرت على الحزب ، بحيث صار الحزب ، وهو أداة النهضة ، بحاجة إلى إنهاض .
إذ نتيجة لكون القيادة السابقة لم يكن لديها الحد الأدنى من الوعي اللازم لقيادة الحزب حتى تحافظ على نقاء الفكرة وصفائها وبلورتها ، وتَحُول دون إدخال أي شوائب عليها أو تمييعها ، نتيجة لذلك اختلّت الأولويات . وكان من الطبيعي أن يحدث ما حدث لأن واقع القيادة ينعكس على الحزب والشباب .
غير أنه من فضل الله على الحزب أن جمهرة كبيرة من شبابه لم تستسلم للهبوط ، وبقيت متيقظة ، وأدركت ما يعانيه الحزب والشباب ، وسبب هذه المعاناة ، وطريقة علاجها .
فعملية التصحيح وإن تولاها في البداية أشخاص معدودون إلا أنها جاءت تعبيراً صادقاً عما في نفوس مئات الشباب الواعين المخلصين في سائر المناطق الحزبية ، ولذلك سرعان ما انضم هؤلاء الشباب لعملية التصحيح لأنهم كانوا بانتظارها .
وفكرة الحزب هي التي تحدد كل شيء في الحزب . فمن يتمسك بها نقية صافية فهو عضو في الحزب ، ومن لا يكترث بما يصيب هذه الفكرة من تمييع وإدخال شوائب وتغشية ، فإنه ليس في الحقيقة عضواً في الحزب ، بغض النظر عن الناحية الإدارية .
فالذين يُعطون الأولوية لشخص أو أشخاص على الفكرة ليسوا من حزب التحرير في شيء ، ولا قيمة لكثرتهم أو قلّتهم ، حتى لو توهّم بعض الناس أنهم من الحزب .
وذلك بديهي لأن الحزب يقوم على الفكرة وحدها . فهي وحدها الرابط بين شبابه ، وهي وَسَيْر الحزب الأمر المشترك بين الشباب والحزب .
أما الشباب الواعون المخلصون الجادون في حمل الدعوة ، المستعدون للتضحية بالغالي والرخيص للسير بها حتى تحقيق الغاية ، المدرِكون لأهمية الفكرة وأولويتها وحيوية المحافظة على نقائها وصفائها ، الحريصون على عدم انحراف الحزب عن مساره الصحيح ، فهؤلاء هم حزب التحرير ، وهم وحدهم المؤهَّلون لإنهاض الأمة وأخذ قيادتها ، وهم القادرون بعون الله على تحقيق الغاية .


{ وَلَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُه إن الله لَقَوِيُُّ عَزيز }
صدق الله العظيم



حزب التحرير

في 12 من ذي القعدة 1418 هـ
10/3/1998 م
رد مع اقتباس