عرض مشاركة واحدة
 
  #7  
قديم 02-03-2010
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: قرأت لك : ذكرى لخير امة أخرجت للناس

صفحات من الكتاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا يجوز أن يكون للمسلمين أكثر من جماعة

الجماعة لا تكون إلا على رجل واحد هو إمام دار العدل، ولا يجوز أن يكون للمسلين إلا إمام واحد، وبالتالي فلا يجوز أن يكون لهم إلا جماعة واحدة، هم الذين اجتمعوا على إمام دار العدل. والأدلة على عدم جواز وجود أكثر من إمام السنة والإجماع.
روى مسلم والبخاري عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي  قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم". ووجه الاستدلال في الحديث وارد في قوله : "فوا ببيعة الأول فالأول" يعني فوا ببيعة من يبايع أولاً أما الذي يبايع بعده فلا تفوا له. أي أن بيعة الأول صحيحة وبيعة الثاني باطلة.
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله : "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما".
وروى مسلم أيضاً عن عرفجة قال: سمعت رسول الله  يقول: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه"، وفي رواية له عند مسلم أيضاً قال عرفجة: سمعت رسول الله  يقول: "إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان".
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله : "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم. وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضاً وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر". فهذه الأحاديث الثلاثة تأمر بقتل من يعمل على شق العصا وتفريق الجماعة ومنازعة الخليفة الأول.
وقال ابن حزم: "اتفقوا على أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان ولا في مكانين ولا في مكان واحد". وهذا الاتفاق عند ابن حزم يشمل الصحابة لأنه يشترط في إجماع أو اتفاق كل عصر أن لا يتقدم عليه في تلك المسألة خلاف، وهذا يشمل الصحابة. وما ذكره ابن تيمية من خلاف للكلاميين فإنه لا ينقض إجماع الصحابة لأنه وقع بعد عصرهم. والصحابة اتفقوا في السقيفة على أنه لا يكون أميران ولا سيفان في غمد. ثم اتفقوا بعد وفاة عمر على تأمير واحد من الستة. ونقل النووي في شرحه على صحيح مسلم هذا الاتفاق فقال: "واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا" وقال في موقع آخر: "أنه لا يجوز عقدها لخليفتين وقد سبق قريباً نقل الإجماع فيه".
وفي هذه الأيام السود من تاريخ خير أمة غابت الجماعة على إمام وتفرقت الأمة إلى أكثر من ستين فرقة، وهي ستبلغ الثلاثاً والسبعين فرقة التي أخبر عنها رسول الله  في حديث أبي هريرة عند أحمد وصححه أحمد شاكر وابن ماجة وأبي داود والترمذي وقال حسن صحيح وصححه المنذري والسيوطي قال أبو هريرة قال رسول الله : "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".
هذه الفرق هي التي ذكرها رسول الله  في حديث حذيفة المتفق عليه وأمرنا باعتزالها كلها وفي هذا الحديث قال حذيفة: "... فقلت هل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت يا رسول الله صفهم لنا، قال نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم فقلت فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك". وفي هذا الحديث فقه كبير منه أن جماعة المسلمين لا تكون إلا واحدة والإمام لا يكون إلا واحداً، ومنه أن التفرق يبدأ والمسلمون لهم جماعة، ويستمر بعد غيابها، وهذا ما حصل عندما بدأ أمراء الفرقة بالانفصال عن الجماعة التي كانت متجسدة في الدولة العثمانية على دخن فيها، وكانوا يسمون هذا التفرق استقلالاً، والله حسيبهم على إفكهم وباطلهم. ثم استمر هذا التفرق بل التفريق إلى يومنا هذا وسيستمر حتى يبلغ الكتاب أجله، أي حتى تبلغ الفرق ثلاثاً وسبعين، وبعد ذلك تكون الجماعة الثانية.
وينبغي التنبيه إلى أن أمره  باعتزال هذه الفرق كلها لا يتنافى مع وجوب العمل لإيجاد الجماعة على إمام، ولا يتعارض معه، فالحديث يأمر باعتزال الفرق ولا ينهى عن العمل لإيجاد الجماعة على إمام، وفي هذا الحديث رد واضح على القائلين بإصلاح هذه الفرق، فدعاة الإصلاح يخالفون الأمر بالاعتزال، وهم آثمون بتقربهم إلى أمراء الفرقة وعدم اعتزالهم إياهم، لأن الأمر بالاعتزال جازم، وهناك قرينتان على أنه جازم، الأولى وصفه  إياهم بأنهم دعاة على أبواب جهنم، والثانية أمره بأن يعض على أصل شجرة إمعاناً في اعتزالهم. وأمراء الفرقة هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم هم الذين سماهم  بالسفهاء والصبيان وهم الذين لا يستنون بسنة محمد  ولا يهتدون بهديه، روى أحمد بإسناد صححه الزين ورواه ابن حبان والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري عن النبي  قال: "تكون أمراء تغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ومن لم يدخل عليهم ويصدقهم بكذبهم ويعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه". وفي رواية عند أحمد صححها الزين وقال الهيثمي رجال أحمد والبزار رجال الصحيح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله  قال: "يا كعب بن عجرة أعيذك بالله من إمارة السفهاء، قال وما ذاك يا رسول الله؟ قال: أمراء سيكونون من بعدي من دخل عليهم فصدقهم بحديثهم وأعانهم على ظلمهم فليسوا مني ولست منهم ولم يردوا علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بحديثهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وأولئك يردون علي الحوض. يا كعب بن عجرة الصلاة قربان والصوم جُنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. يا كعب بن عجرة لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت، النار أولى به. يا كعب بن عجرة الناس غاديان فغاد بائع نفسه وموبق رقبته، وغاد مبتاع نفسه ومعتق رقبته". فأمراء الفرقة الكذبة الظلمة السفهاء ينبغي أن يعتزلهم كل مبتاع لنفسه معتق رقبته، وأن لا يدخل عليهم فإن الدخول فيه مظنة التصديق والإعانة.
كما يجب التفريق بين شرار الأئمة وبين السفهاء، فشرار الأئمة طاعتهم واجبة وهم أئمة ولا ينابذون ما أقاموا الصلاة، أما السفهاء فلا طاعة لهم ولا يعاملون معاملة الأئمة ولا كرامة، ويجب خلعهم واستبدال الأئمة بهم. روى مسلم عن عوف بن مالك عن رسول الله  قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة. وإذا رأيتم من شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة".
والسفهاء يختلفون عن الخلافة الجبرية، وقد ذكرهم أنس باسم الطواغيت بعد الجبرية فقد أخرج أبو عمرو الداني عن أنس موقوفاً قال: إنها نبوة ورحمة ثم خلافة ورحمة ثم ملك عضود ثم جبرية ثم طواغيت. فالسفهاء هم الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، أما الخلفاء العتاة الذين خلافتهم جبرية فإنهم كانوا يحكمون بما أنزل الله. وهم بنو عثمان. أما الطواغيت السفهاء فلا يجوز أن نطلق عليهم أنهم جبرية، لأن الجبرية خلافة وقد مضى زمانها، ونحن الآن في إمرة السفهاء أعاذنا الله منهم وعجَّل بالخلافة على منهاج النبوة.
وقد يظن ظان أن الخلافة على منهاج النبوة تأتي عقب الخلافة الجبرية مباشرة أخذاً من حديث حذيفة، ولذلك فإنه يعتبر إمرة السفهاء هي الخلافة الجبرية، فيضطر إلى تذكير جبرية فيقول ثم تكون ملكاً جبرياً، ولكن الحديث لا يصف الملك بأنه جبري وإنما يخبر عن الخلافة خبراً ثانياً بأنها تكون ملكاً جبرية، كقولنا: ثم كانت خلافة أبي بكر قصيرة على منهاج النبوة، فقصيرة خبر أول وعلى منهاج النبوة خبر ثانٍ. ومثل جبرية لفظ "عاضاً" قبلها فإن هذا اللفظ ليس وصفاً للملك وإنما هو خبر ثان، لكنه كلفظ يستوي فيه المذكر والمؤنث، فيقال ملك عاض وخلافة عاض. فالحديث كله لا يخرج عن تعداد أدوار الخلافة الأربعة، الأول والرابع منها خلافة على منهاج النبوة والثاني الخلافة العاض وهم الأمويون والعباسيون، والثالث الخلافة الجبرية وهم العثمانيون. والمقصود أنهم عتاة جبابرة كما ورد في حديث أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة ومعاذ قالا: حدثنا رسول الله  فجعلا يتذاكرانه قالا: "إنه بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ثم كائن خلافة ورحمة ثم كائن ملكاً عضوداً، ثم كائن عتواً وجبرية وفساداً في الأمة يستحلون الحرير والخمور والفروج والفساد في الأمة ينصرون على ذلك ويرزقون أبداً حتى يلقوا الله". قال الحافظ في المطالب العالية هذا حديث حسن. والذي يدل في هذا الحديث على أن الجبرية خلافة أمران تأنيث جبرية في كل طرق هذا الحديث عند البيهقي والطبراني وأبي يعلى وابن عبد البر، والثاني أنه في كل طرق الحديث يقول "ينصرون" وهكذا كان حال العثمانيين في الغالب حتى سمي الجيش بأنه الجيش الذي لا يغلب، أما أمراء الفرقة السفهاء فإننا لم نر على أيديهم أي نصر، فالأمة في عهدهم لا ترى إلا الهزائم والنكسات، من أقصى إندونيسيا إلى المحيط الأطلسي، ومن أذربيجان إلى الهند والسودان. وأيضاً فإنه  قال في حديث أبي هريرة المتفق عليه: "وسيكون خلفاء فيكثرون"
وهذا يشمل الخلافة العاض والخلافة الجبرية، ولو اقتصر على خلافة المنهاج لم يكثروا، فلا بد من اعتبار خلافة الملك بنوعيها خلافة حتى تتحقق الكثرة، ولا يجوز الاقتصار على الأمويين والعباسيين دون العثمانيين لأن كلتيهما خلافة ملك والتفريق بينهما تحكم بلا دليل. فالعثمانيون خلفاء وليسوا طواغيت سفهاء، وإن كانوا من شرار الأئمة، أو من الجبابرة العتاة. فالعاض والجبرية كلتاهما خلافة ولكن على غير المنهاج. ومحمد الفاتح كان قبل نقل الخلافة إلى بني عثمان، أي لم يكن خليفة.
وهنا يثور سؤال وهو أن الخلافة العثمانية قد انتهت، وجاء بعدها أمراء الفرقة ولم تأت الخلافة على منهاج النبوة، فلماذا لا نقول إن الخلافة العاض تشمل الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية، وما نحن فيه اليوم هو الجبرية، وبعده تأتي الخلافة على منهاج النبوة. والجواب على هذه الشبهة أن الجبرية وصف مؤنث للخلافة لا للملك. وأيضاً حرف العطف (ثم) يفيد التراخي كما في قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، ووجه الاستدلال بهذه الآية أن هناك أموراً كثيرة تحدث بين الإحياء الأول والإماتة كأن يرزقنا ويزوجنا وينصرنا ويبتلينا وغير ذلك، وكذلك ما بين الإماتة والإحياء الثاني تحصل أمور كثيرة مثل السؤال في القبر وأكل الدود لأجسادنا وتفقؤ بطوننا ورمّ عظامنا وغير ذلك. فحديث الرسول  المرفوع لم يخرج عن أدوار الخلافة، بينما الموقوف على أنس ذكر الطواغيت ولم يذكر الخلافة الثانية على منهاج النبوة. فالراجح والله أعلم أن الجبرية هي الخلافة العثمانية وقد انقضت، ونحن في إمرة السفهاء ونسأل الله أن يجعلنا من العاملين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة وأن يعيذنا من إمرة السفهاء ويعجِّل الخلافة على المنهاج.

رد مع اقتباس