عرض مشاركة واحدة
 
  #5  
قديم 03-03-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن

السبت 10 ربيع الثاني 1433


(2)
طريق التغيير والنهوض
منذ أن انبثق فجر الإسلام والصراع بين الإيمان والكفر على أشده. لم يقف يوماً ولن يقف سواء أسُمِعَ فيه صليل السيوف أو هدير الطائرات أم لم يسمع.
بل إن الصراع بين الحق والباطل قد بدأ واشتد منذ خلق الله آدم وعلَّمه وأمره ونهاه فكان أمر الله ونهيه هو الحق، وكل ما خالفه أو صرف عنه هو الباطل.
لقد خلق الله آدم وزوجه وقال له: ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (سورةالأعراف 7). ولكن زعيم الضلال والباطل وَسْوَسَ لهما وأزلهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين  وقاسمهما إني لكما من الناصحين (سورة الأعراف 20ــ21) فكانت هذه أول عملية تضليل، وكان الله قد علَّم آدم أن الشيطان عدو له: وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدوٌّ مبين (سورة الأعراف 22).
إن دعوة الحق والإيمان تقوم على كشف الحقائق والتمسك بها، وعلى تمييز الصواب من الخطأ في كل مسألة أو قضية. فحقائق الأشياء هي التي تؤدي إلى الإيمان. ولذلك جاء الطلب إلى الإنسان في آيات كثيرة لينظر ويفكر في المخلوقات ليعرف الحقائق ويتمسك بها. فحقائق الأشياء هي التي تؤدي إلى معرفة الحق والصواب وتعصم من الزلل والخطأ، ومما يُبنى على ذلك من اتباع سُـبُل الشيطان.
قال تعالى: فلينظر الإنسان ممَّ خلق (سورة الطارق 5)، وقال: فلينظر الإنسـان إلى طعامه (سورة عبس 24)، وقال: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (سورة الغاشية 17)، وقال: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسـهم حتى يتبين لهـم أنه الحق (سورة فصلت 53)، وقال: وفي الأرض آيات للموقنين  وفي أنفسكم أفلا تبصرون (سورة الذاريات 20ــ21)، وقال: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثَّ فيها من كل دابَّةٍ وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (سورة البقرة 164). وغير ذلك كثير من الآيات التي تدعو إلى النظر والتفكُّر.
ومَن جعل الحقائق أساساً لتفكيره، وبنى على ذلك بناءً سليماً فإن الله يوفقه للوصول إلى الحق. فالدعوة إلى الحق تزداد ثباتاً ويقيناً كلما ظهرت وتوضحت الأشياء على حقيقتها، والإسلام عندما طلب من الناس الإيمان، لم يطلب منهم أن يؤمنوا بشيء يتناقض مع الحقائق، أو لا يُبنى عليها بناءً سليماً.
فعندما أمر الله الناس أن يؤمنوا بالملائكة وبالكتب والرسل وباليوم الآخر وبالجنة والنار، وكل ما لا يمكن للعقل أن يستقل بالتثبت منه، فإنه لم يطلب ذلك إلا بعد أن أرسل رسولاً يخبرهم بهذه الحقائق التي لا تقع تحت الحس ولا تخضع للتفكير والنظر.
وعندما أرسل سبحانه وتعالى نبيه محمداً وسائر أنبيائه عليهم جميعاً الصلاة والسلام ليخبر الناس بالحقائق التي لا يمكنهم التوصل إليها بالعقل، وليخبرهم بأوامر الله ونواهيه، فإنه لم يرسل رجلاً ينطبق عليه ما ينطبق على كل رجل آخر من حيث الصدق والكذب أو النسيان أو الخطأ أو ما شابه ذلك، وإنما أرسل مع أنبيائه ورسله ما يدل على أنهم أنبياء ورسل، وما يمكِّن العقل من التوصل إلى استحالة احتمال الخطأ أو الكذب عليهم، فيما يبلّغونه عن الله تعالى. فأرسل معهم آيات محسوسة تشكل حقائق يستحيل معها أو بها إلا أن يكونوا صادقين، حقائق يؤدي إدراكها إلى معرفة الحق، ويؤدي التمسك بها إلى الإيمان وإلى سلوك سبيل الحق. فأرسل مع عيسى عليه السلام معجزات محسوسة لمن دعاهم تُحيل أن يكون غير مؤيد من الله. فأحيا الميت وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وكانت له آيات أخرى.
وكذلك حصل مع سيدنا موسى عليه السلام، حيث أرسل، سبحانه وتعالى، معه آيات كثيرة كانقلاب العصا أفعى وفلْقِ البحر وتفجير عيون الماء، ويده التي خرجت من جيبه بيضاء من غير سوء بإذن الله.
وكذلك ما حصل مع نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد جعل له معجزات كثيرة، منها المعجزة الخالدة، القرآن الكريم الذي تحدى به الناس إلى يوم القيامة أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا وما زالوا عاجزين. فدل هذا على النفي القاطع لاحتمال عدم الصدق أو ما شاكله.
وهذه المعجـزات واقعـة تحت الحـس ويؤدي النظـر والتفكير فيها إلى القطع بالصدق، فيلزم عقلاً التصديق بكل ما جاء به الأنبياء، ومن ذلك ما جاءوا به من الغيبيات التي لا تخضع للبحث العقلي.
وهكذا خاطبت الآيات العقل داعية إلى اعتماد الحقائق، وطالبت المعاندين بالبراهين بعد أن دعت إلى النظر في الحقائق والوقائع المحسوسة، فقال تعالى: وإن كنتم في ريب مما أنزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين  فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أُعدتْ للكافرين (سـورة البقـرة 23). ولذلك فإن القرآن يدعو إلى النظر في واقع المخلوقات وإدراك حقائقها للتوصل بناءً على ذلك إلى الحق والصواب في كل قضية. ويقرر الحقائق المطلقة إن الدين عند الله الإسلام (سورة آل عمران 19). ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (سورة آل عمران 85).
والأسـاس الذي يسـتـنـد إليـه أهل الإيمان والحق في الصراع بين الحق والباطل هو حقائق الكون والإنسـان والحياة، وحقائق دين الإسلام.
والدعوة إلى الحق يهمها بيان الأشياء والوقائع على حقيقتها. والدعوة إلى الباطل يهمها التعمية عن الحقائق وإدخال المغالطات عليها كي تخدع الحواس أو تفسد النظر الصحيح والتفكير السليم، وكي يُتَوَهَّمَ الباطل حقاً والحق باطلاً. ويهمها تزيين الباطل وتجميله والإغراء به كي يُقبل. وهذا ما صَوَّرَته الآية الكريمة: وكذلك جعلنا لكل نبيٍّ عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غروراً (سورة الأنعام 112). وهكـذا فعـل إبلـيس عنـدما استـزل آدم عليه السـلام: فدلاّهما بغرور (سورة الأعراف 22)، فأزلهما الشيطان (سورة البقرة 36).
إن الحقيقة الماثلة والواضحة، والتي تختصر جوهر الصراع بين الحق والباطل هي أن أهل الباطل يزيّنون المغالطات والأضاليل والأخطاء، ويصورون أنها هي الحقائق، وهي سنن الكون والحياة، وسنن التقدم والتطور والنهضة، وهي الغياث والأمل والخلاص. ويعمدون إلى الحقائق فيشوهونها ويصورونها أباطيل ومخادعات أو أنها مستحيلات أو وهم وسراب...، ويعملون لتضليل الناس بمزاعمهم. قال تعالى: وإذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم (سورة الأنفال 48). وقال: قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد (سورة غافر 29). ويشوهون الحقائق: إذ يقول الظالمون إن تتّبعون إلا رجلاً مسحوراً (سورة الإسراء 47)، وقال تعالى: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يُعلِّمه بشر (سورة النمل 103)، وقال: فقال إن هذا إلا سحر يؤثر  إن هذا إلا قول البشر (سورة المدثر 24ــ25)، وقال: فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي (سورة هود 27)، وقال: حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين (سورة الأنعام 25).
إن من أبرز علامات الانحطاط وأخطرها، سواء على الأفراد أو الجماعات، التمسك بالأخطاء والأوهام والأباطيل وظنها حقائق وجعلها مفاهيم، فإذا صارت مفاهيم فستبنى عليها الأفكار؛ وسيبنى عليها السلوك والأعمال، التي تؤدي إلى اليأس والفشل والوقـوع في شـراك العـدو، وهذا هو الخـسـران ويتـولد عنـه حيرة واستسلام ومزيد من التردّي والانحطاط.
خذ مثلاً: الشعوب العربية والشعوب المسلمة في بلدان العالم الإسلامي، التي صدقت زعماءها وأكاذيبهم وتضليلاتهم عندما ادعوا أنهم يسعون إلى الوحدة العربية والوحدة الإسلامية، وإلى طرد الاستعمار وتحرير البلاد والعباد والقضاء على التخلف والقضاء على دولة يهود.
لم تدرك الأمة وشعوبها حينذاك أن حكامها أعداء لها ولدينها، وليسوا من جنسها وأنهم كذابون مخادعون، لم تدرك الأمة هذه الحقائق، فصدَّقتهم وصفَّقت لهم. ونلاحظ أن النتائج كانت بعكس الأهداف، فقد ازداد التخلف والفقر وتكرست الفرقة والتجزئة، والبلاد مرشحة لمزيد من الانقسام والشرذمة، وبدل طرد الاستعمار أقامت الدول الاستعمارية قواعد عسكرية كثيرة وأحكمت قبضتها على بلاد المسلمين. وسيطرت الدول الكبرى بشركاتها وقواتها وتشريعاتها على البلاد والعباد. وبدل تحرير فلسطين تم الاعتراف بدولة يهود وبحقها في الوجود الآمن، واتسعت رقعة الاحتلال، وصار كل فرد من أبناء الأمة الإسلامية يشعر كل يوم بامتهان كرامته وبخضوعه لعدوه.
نعم، إنه لخطير أن تُنَصِّبَ على نفسك حاكماً تعطيه قيادتك وتثق به، وهو في الحقيقة عدو لك. ولذلك كان مهماً إدراك حقيقة هؤلاء المتزعمين، وكذلك إدراك القناعات والمفاهيم التي تستعمل ليوزن بها الرجال والأعمال، فإذا كانت باطلة وخطأ فسـتؤدي إلى الثقة بالفاسدين واتباعهم في ضلالهم. وإن كانت صحيحة فستؤدي إلى كشفهم وكشف أعمالهم. لقد صدّقت الأمـة الأوهـام والترهـات والأضـاليل فوصـلت إلى ما هي فيــه من ضـعف وذل.
والواجب أن تدرك الأمة الحقائق من خلال البحث والنظر في حقائق الأشياء والوقائع وخصائصها، وفي حقائق الأهداف والشعارات المرفوعة، وفي حقائق المواقف والأعمال المتخذة والجارية، وليس من خلال النتائج التي تصل إليها بعد الدخول في تجارب الانقياد للرجال أو تجارب الاتباع للأفكار، لأن هذا يخرجها من هزيمة إلى هزيمة أكبر، ومن الانقياد لعدوٍّ ماكر إلى الانقياد لعدوٍّ أمكر. أولا يرَون أنهم يُفتنون في كل عامٍ مرةً أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكّرون التوبة 126.
رد مع اقتباس