عرض مشاركة واحدة
 
  #28  
قديم 12-06-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق 11-20 من 65

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق 11-20 من 65






يقال: برى القلم إذا أصلحه وجعله موافقاً لغرض معين. ومنها ألفاظ تدل على إيجاد شيء بعينه وأنها تكاد تكون غير متناهية. ومنها ألفاظ تدل على إيجاد النوع الفلاني لأجل الحكمة الفلانية، فإذا خلق المنافع سمي نافعاً، وإذا خلق الألم سمي ضاراً، وإذا خلق الحياة سمي محيياً، وإذا خلق الموت سمي مميتاً، وإذا خصهم بالإكرام سمي براً لطيفاً، وإذا خصهم بالقهر سمي قهاراً جباراً، وإذا أقلّ العطاء سمي قابضاً، وإذا أكثر سمي باسطاً، وإذا جازى الذنوب بالعقاب سمي منتقماً، وإذا ترك ذلك الجزاء سمي عفوّاً غفوراً رحماناً رحيماً، وإذا حصل المنع والإعطاء في المال سمي قابضاً باسطاً، وإذا حصلا في الجاه والحشمة سمي خافضاً رافعاً.

وأما الصفات السلبية فمنها ما يعود إلى الذات كقولنا إنه ليس جوهراً ولا جسماً ولا مكانياً ولا زمانياً ولا حالاً ولا محلاً ولا مفتقراً إلى شيء غيره، تعالى في ذاته وفي صفاته، وإنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. ومنها ما يعود إلى الصفات، ولا يخفى أن كل صفة من صفات النقص يجب تنزيه الله عنها، وذلك إما راجع إلى أضداد العلم كنفي النوم

{ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } [البقرة2: 255]

وكنفي النسيان

{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [مريم19: 64]

وكنفي الجهل

{ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ } [سبأ34: 3]

وكأن لا يمنعه العلم ببعض المعلومات عن العلم بغيره لا يشغله شأن عن شأن. وإما راجع إلى أضداد القدرة ككونه منزهاً في أفعاله عن التعب والنصب

{ وَمَا مَسَّنَا مِن لُغُوبٍ } [ق50: 38]

وإنه لا يحتاج في فعله إلى الآلات وتقديم المادة والمدّة

{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [النحل16: 40]

وأنه لا يتفاوت في قدرته القليل والكثير

{ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَو هُوَ أَقْرَبُ } [النحل16: 77]

وأنه لا تنتهي قدرته

{ إِن يَشَأ يُذْهِبْكُم وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } [إبراهيم14: 19]

وإما راجع إلى صفة الوحدة كنفي الأنداد والأضداد

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى42: 11]
{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِن إِلَهٍ } [المؤمنون23: 91]

أو إلى صفة الاستغناء

{ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ } [الأنعام6: 14]
{ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ } [المؤمنون23: 88]

ومنها ما يعود إلا الأفعال لا يخلق الباطل

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } [ص: 27]

لا يخلق اللعب

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ } [الأنبياء21: 16]

لا يخلق للعبث

{ أَفَحَسِبْتُم أَنَّمَا خَلَقْنَاكُم عَبَثاً } [المؤمنون23: 115]

لا يرضى بالكفر، لا يريد الظلم، لا يحب الفساد لا يؤذي من غير سابقة جرم
{ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُم إِن شَكَرْتُم وَءَامَنتُم } [النساء4: 147]

لا ينتفع بطاعات المطيعين ولا يتضرر بمعاصي المذنبين


-11-

{ إِن أَحْسَنتُم أَحْسَنتُم لِأَنفُسِكُم وَإِن أَسَأْتُم فَلَهَا } [الإسراء17: 7]

ليس لأحد أن يعترض عليه في أفعاله وأحكامه

{ لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُم يُسْئَلُونَ } [الأنبياء21: 23]
{ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } [آل عمران3: 9]

ومن أسماء السلوب القدوس والسلام لأنه منزه وسالم من نقائص الإمكان. ومنها العزيز وهو الذي لا يوجد له نظير أو لا يغلبه شيء، والحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة ولا يمنع من إيصال الرحمة، والصبور الذي لا يعاقب المسيء مع القدرة عليه، وربما يفرق بينهما بأن المكلف يأمن العقوبة في صفة الحليم دون صفة الصبور. وأما الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية فمنها: القادر والقدير والمقتدر والمالك والملك ومالك الملك والمليك والقوي وذو القوة ومعانيها ترجع إلى القدرة ومنها ما يرجع إلى العلم

{ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِن عِلْمِهِ } [البقرة2: 255]
{ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [التغابن64: 18]
{ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة2: 29]
{ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } [المائدة5: 109]
{ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام6: 124]
{ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُم كُنتُمْ تَخْتَانُونَ } [البقرة2: 187]
{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [النحل16: 19]
{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأَسْمَاءَ } [البقرة2: 31]

ولم يرد علامة وإن كان يفيد المبالغة لأن ذلك بتأويل أمة أو جماعة. والخبير يقرب من العليم وكذا الشهيد إذا فسر بكونه مشاهداً لها، وإذ أخذ من الشهادة كان من وصف الكلام. والحكمة تشارك العلم من حيث إنه إدراك حقائق الأشياء كما هي وتباينه بأنها أيضاً صدور الأشياء عنه كما ينبغي. واللطيف قد يراد به إيصال المنافع إلى الغير بطرق خفية عجيبة، والتحقيق أنه الذي ينفذ تصرفه في جميع الأشياء. ومنها ما يرجع إلى الكلام

{ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } [النساء4: 164]
{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً } [الشورى42: 51]
{ وَإِذ قَالَ رَبُّكَ } [البقرة2: 30]
{ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } [ق50: 29]
{ وَمَن أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً } [النساء4: 122]
{ إِنَّمَا أَمْرُهُ } [يس36: 82]
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُم } [النساء4: 58]
{ وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً } [النساء4: 122]
{ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } [النجم53: 10]
{ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } [النساء4: 147]
{ وَكَانَ سَعْيُكُم مَشْكُوراً } [الدهر76: 22]

وذلك أنه أثنى على عبده بمثل قوله

{ كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } * { وبالأسحار هم يستغفرون } [الذاريات51: 17 - 18]

وهذا صورة الشكر. ومنها ما يرجع إلى الإرادات

{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ } [البقرة2: 185]

رضي الله عنهم أي صار مريداً لأفعالهم

{ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة5: 54]
{ والله يحب المطهرين } [التوبة9: 108]

يريد إيصال الخير إليهم

{ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } [الإسراء17: 38].

الأشعرية: الكراهية عبارة عن إرادة عدم الفعل. المعتزلة: له صفة أخرى غير الإرادة. ومنها ما يرجع إلى السمع والبصر

{ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [طه20: 46]
{ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الإسراء17: 1]
{ لَّا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ } [الأنعام6: 103]

وأما الصفات الإضافية مع السلبية فكالأول لأنه مركب من معنيين: أحدهما أنه سابق على غيره، والثاني لا يسبق عليه غيرهن وكالآخر فإنه الذي يبقى بعد غيره ولا يبقى بعد غيرهن، وكالقيوم فإنه الذي يفتقر إليه غيره ولا يفتقر إلى غيره، والظاهر إضافة محضة وكذا الباطن، أي أنه ظاهر بحسب الدلائل باطن بحسب الماهية.


-12-

وأما الاسم الدال على مجموع الذات والصفات الحقيقية والإضافية والسلبية فالإله، ولا يجوز إطلاق هذا اللفظ في الإسلام على غير الله وأما الله، فسيأتي أنه اسم علم. وقد بقي ههنا أسماء يطلقها عليه تعالى أهل التشبيه ككونه متحيزاً أو حالاً في المتحيز استبعاداً منهم أنه كيف يكون موجود خالياً عن كلا الوصفين وهو عند أهل التقديس محال للزوم الافتقار، اللهم إلا أن يقال استصحاب المكان لا يستلزم الافتقار إلى المكان ومنها العظيم والكبير وهما متقاربان لقوله تعالى في موضع

{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة2: 255]

وفي آخر

{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } [سبأ34: 23]

وقد يفرق بينهما بأنه ورد " الكبرياء ردائي و العظمة إزاري " والرداء أرفع من الإزار. وأيضاً اختص تحريم الصلاة بالله أكبر دون الله أعظم. ولا ريب أن إطلاق العظمة والكبر على الله تعالى بحسب الحجمية والمقدار كما للأجسام محال للزوم التبعيض والتجزئة. ومنها العلي والمتعالي، فإن العلو بالمعنى المستلزم للتمكن محال على الله فإما أن يراد بمثل هذه الألفاظ مزيد الرتبة والشرف على الممكنات، وإما أن يقال: إنا نطلق هذه الأسماء للإذن الشرعي فنكل معانيها إلى مراد الله تعالى، وإما أن نستمد في إدراكها بضرب من الكشف والعيان. (العاشر في الأسماء المضمرة) قال عز من قائل:

{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا } [طه20: 14]

ولا يصح لغيره هذا الذكر إلا حكاية. وما جاء من قول بعض أهل الكمال: أنا من أهوى ومن أهوى أنا. إشارة إلى كمال المحبة وغاية إرادة الاتصاف بصفة المحبوب وفناء إرادته في إرادته، وقال:

{ لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء21: 87]

ولا يصح هذا إلا من العبد بشرط الحضور والمشاهدة. وقال

{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } [البقرة2: 255]

وإنما يصح هذا من الغائبين. واعلم أن درجات الحضور مختلفة بالقرب والبعد وكمال التجلي ونقصانه، فكل حاضر غائب بالنسبة إلى ما فوق تلك الدرجة، ورب غائب حاضر كما قيل:

أيا غائباً حاضراً في الفؤادسلام على الغائب الحاضر


وفي لفظة " هو " أسرار عجيبة منها: أن العبد إذا قال: يا هو فكأنه يقول: ما للتراب ورب الأرباب؟ وما المناسبة بين المتولد من النطفة والدم وبين الموصوف بالأزلية والقدم؟ فلهذا ينادي نداء الغائبين ويقول: يا هو. ومنها أنه إذا قال: يا هو فقد حكم على كل ما سوى الله تعالى بأنه نفي محض، لأنه لو حصل في الوجود شيئان لكان قوله " هو " صالحاً لهما جميعاً فلا يتعين النداء. ومنها إذا قال: يا رحمن فكأنه يتذكر رحمته أو يطلب رحمته، وكذا إذا قال: يا كريم وغيره من الصفات.

-13-

فأما إذا قال: " يا هو " فكأنه استغرق في بحر العرفان وفني عما سوى الذات. ومنها إذا قال: " يا هو " فكأنه يقول: أجلّ حضرتك أن أمدحك، وأثني عليك بسلب نقائص المخلوقات عنك وهي صفات الجلال نحو: لا جسم ولا جوهر ولا عرض ولا في المحل، أو بإسناد كمالات الممكنات إليك وهي صفات الإكرام ككونه مرتباً للموجودات على النحو الأكمل، بل لا أمدحك ولا أثني عليك إلا بهويتك من حيث هي. ومنها أن هذا الذكر يفيد أن المنادي بسيط محض لا طريق إلى تصوره إلا بالإشارة العقلية. ومنها أن العبد كأنه دهش حتى ذهل عن كل ما يوصف به مالكه إلا عن هذه الإشارة. ولاختصاص هذا الذكر بهذه الأسرار ذكر الغزالي لا إله إلا الله توحيد العوام، ولا إله إلا هو توحيد الخواص. وذلك أن قوله " لا هو " معناه كل شيء هالك، وقوله " إلا هو " معناه إلا وجهه. ومن جملة الأذكار الشريفة: يا هو يا من لا هو إلا هو، يا أزل يا أبد يا دهر يا ديهور يا من هو الحي الذي لا يموت. ولقد لقنني بعض المشايخ من الذكر: يا هو يا من هو هو يا من لا هو إلا هو يا من لا هو بلا هو إلا هو. فالأول فناء عما سوى الله، والثاني فناء في الله، والثالث فناء عما سوى الذات، والرابع فناء عن الفناء عما سوى الذات.

الحادي عشر في بقية مباحث الأسماء

اختلفوا في أسماء الله تعالى توقيفية أم لا. فمال بعضهم إلى التوقيف لأنا نصف الله تعالى بكونه عالماً ولا نصفه بكونه طبيباً وفقيهاً ومستيقناً، فلولا أن أسماءه توقيفية لوصف بمثلها وإن كان على سبيل التجوز. القائلون بعدم التوقيف احتجوا بأن أسماء الله تعالى وصفاته مذكورة بالفارسية والتركية وأن شيئاً منها لم يرد في القرآن ولا في الأخبار، مع أن المسلمين أجمعوا على جواز إطلاقها. والجواب أن عدم التوقيف في غير اللغة العربية لا يوجب عدمه في العربية، وبأن الله تعالى قال:

{ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف7: 180]

وكل اسم دل على صفات الكمال ونعوت الجلال كان حسناً ويجوز إطلاقه. والجواب أنه يجوز ولكن بعد التوقيف لم قلتم إنه ليس كذلك؟ والغزالي فرق بين اسم الذات وبين أسماء الصفات فمنع الأول وجوّز الثاني. واعلم أنه قد ورد في القرآن ألفاظ دالة على معانٍ لا يمكن إثباتها بالحقيقة في حق الله تعالى منها: الاستهزاء

{ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم } [البقرة2: 15]

والاستهزاء مذموم لكونه جهلاً

{ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَن أَكُونَ مِنَ الْجَـهِلِينَ } [البقرة2: 67].

ومنها المكر

{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } [آل عمران3: 54]

ومنها الغضب


-14-

{ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } [الفتح48: 6]

ومنها التعجب

{ بَل عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } [الصافات37: 12]

فيمن قرأ بضم التاء. والتعجب حالة للقلب تعرض عند الجهل بسبب الشيء ومنها التكبر

{ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ } [الحشر59: 23]

ومنها الحياء

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } [البقرة2: 26]

والحياء تغير يعرض للقلب والوجه عند فعل شيء قبيح. والقانون في تصحيح هذه الألفاظ أن يقال لكل واحدة من هذه الأحوال أمور توجد معها في البداية وآثار تصدر منها في النهاية مثاله: الغضب حالة تحصل في القلب عند غليان دمه وسخونة مزاجه، والأثر الحاصل منها في النهاية إيصال الضرر إلى المغضوب عليه. فالغضب في حقه تعالى محمول على الأثر الحاصل في النهاية لا الأمر الكائن في البداية، وقس على هذا. قيل: إن لله تعالى أربعة آلاف اسم، ألف منها في القرآن والأخبار، وألف في التوراة، وألف في الإنجيل، وألف في الزبور. وقد يقال: ألف آخر في اللوح المحفوظ ولم يصل ذلك إلى البشر وهذا غير مستبعد، فإن أقسام صفات الله تعالى بحسب السلوب والإضافات لا تكاد تنحصر، وكل من كان اطلاعه على آثار حكمة الله تعالى في تدبير العالم العلوي والعالم السفلي أكثر كان اطلاعه على أسماء الله أكثر. وإن قلنا: إن له بكل مخلوق اسماً وكذا بكل خاصية ومنفعة فيه كمنافع الأعضاء والحيوان والنبات والأحجار، خرجت الأسماء عن حيز العد والإحصاء كما قال عز من قائل:

{ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [إبراهيم14: 34]

فإن قلت: إنا نرى في كتب العزائم أذكاراً غير معلومة ورقى غير مفهومة وقد تكون كتابتها أيضاً غير معلومة، فما بال تلك الأذكار والرقى؟ قلت: لا نشك أن تلك الكلمات إن لم تدل على شيء أصلاً لم تفد، وإن دلت فأحسن أحوال تلك الكلمات أن تكون شيئاً من هذه الأدعية. ولا ريب أن الأذكار المعلومة أدخل في التأثير من قراءة تلك المجهولات، إلا أن أكثر الناس إذا قرأوا هذه الأذكار المعلومة ولم يكن لهم نفوس مشرقة تجذب بهم إلى عالم القدس ويلوح عليهم أثر الإلهيات، لم يكد يظهر عليهم شروق أنوارها ولهذا قد ورد " رب تال للقرآن والقرآن يلعنه " نعوذ بالله من هذه الحالة. أما إذا قرأوا تلك الألفاظ المجهولة ولم يفهموا منها شيئاً وحصلت عندهم أوهام أنها كلمات عالية، استولى الفزع والرعب على قلوبهم فيحصل لهم بهذا السبب نوع تجرد عن الجسمانيات وتوجه إلى الروحانيات فتتأثر نفوسهم وتؤثر، وهذا وجه مناسب في قراءة الرقى المجهولة. واعلم أن بين الخلق وبين أسماء الله تعالى مناسبات عجيبة، والنفوس مختلفة والجنسية علة الضم، فكل اسم يغلب معناه على بعض النفوس فإذا واظب صاحبه على ذلك الاسم كان انتفاعه به أسرع والله الموفق. حكي أن الشيخ أبا النجيب البغدادي كان يأمر المريد بالأربعين مرة أو مرتين بقدر ما يرى مصلحته فيه، ثم يقرأ عليه الأسماء التسعة والتسعين.


-15-
وكان ينظر إلى وجهه فإن رآه عديم التأثر عند قراءتها عليه قال له: اخرج إلى السوق واشتغل بمهمات الدنيا فإنك ما خلقت لهذا الطريق، وإن رآه تأثر مزيد تأثر عند سماع اسم خاص أمره بالمواظبة على ذلك الذكر وقال: إن أبواب المكاشفات تنفتح عليك من هذا الطريق. وذلك أن الرياضة والمجاهدة لا تغلب النفوس عن أحوالها الفطرية، ولكنها تضعف بحيث لا تستولي على الإنسان ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " " الأرواح جنود مجندة " " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " فهذا تمام البحث عن مطلق الأسماء. (الثاني عشر في الأبحاث المختصة باسم الله) المختار عند الخليل ومتابعيه وعند أكثر الأصوليين والفقهاء أن هذا اللفظ ليس بمشتق ألبتة، وأنه اسم علم له سبحانه وتعالى. لأنه لو كان مشتقاً لكان معناه معنى كلياً لا يمنع نفس مفهومه من وقوع الشركة فيه، وحينئذ لا يكون قولنا " إلا الله " موجباً للتوحيد المحض. فلا يدخل الكافر بقوله: " أشهد أن لا إله إلا الله " في الإسلام كما لو قال: " أشهد أن لا إله إلا الرحمن " أو " إلا الملك " لا يدخل بذلك في الإسلام بالاتفاق. وأيضاً الترتيب العقلي ذكر الذات ثم تعقيبه بالصفات نحو: زيد الفقيه الأصولي النحوي. ثم إنا نقول: الله الرحمن الرحيم العالم القادر ولا نقول بالعكس، فدل ذلك على أن " الله " اسم علم. وقراءة من قرأ

{ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } * { اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } إبراهيم14: 1-2]

بخفض اسم الله ليست لأجل أن جعله وصفاً وإنما هو للبيان، فوازنه وزان قولك: " مررت بالعالم الفاضل الكامل زيد ". وأيضاً قال تعالى:

{ هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم19: 65]

وليس المراد به الصفة والإلزام خلاف الواقع، فوجب أن يكون المراد اسم العلم وليس ذلك إلا الله. حجة القائلين باشتقاقه قوله عز من قائل

{ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ } [الأنعام6: 3]

فإنه لا يجوز أن يقال هو زيد في البلد وإنما يقال هو العالم في البلد. قلنا: لم لا يجوز أن يكون ذلك جارياً مجرى قولك " هو زيد الذي لا نظير له في البلد "؟ قالوا: لما كانت الإشارة ممتنعة في حقه تعالى، كان اسم العلم له ممتنعاً. وأيضاً العلم للتمييز ولا مشاركة فلا حاجة إلى التمييز. قلنا: وضع العلم لتعيين الذات المعينة ولا حاجة فيه إلى الإشارة الحسية، ولا يتوقف على حصول الشركة، وكأن النزاع بين الفريقين لفظي، لأن القائلين بالاشتقاق متفقون على أن الإله مشتق من أله بالفتح إلاهة أي عبد عبادة، وأنه اسم جنس كالرجل والفرس يقع على كل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا، وكذلك السنة على عام القحط والبيت على الكعبة والكتاب على كتاب سيبويه.

-16-

وأما " الله " بحذف الهمزة فمختص بالمعبود الحق لم يطلق على غيره. وينبغي أن يكون المراد من كون الله تعالى معبوداً كونه مستحقاً ومستأهلاً لأن يعبده كل من سواه كما يليق بحال العابد، فإن اللائق بحال المعبود لا يقدر عليه أحد من المخلوقات. ولا يخفى أن الاستحقاق والاستئهال حاصل له أزلاً وأبداً، فيكون إلهاً أزلاً وأبداً وإن كل من سواه عابد له بقدر استعداده وعلى حسب حاله، حتى النبات والجماد والكافر والفاسق

{ وَإِن مِن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم } [الإسراء17: 44]
{ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا ءَاتِي الرَّحْمَـنِ عَبْداً } [مريم19: 93]

والعبد الصالح من يعبد الله تعالى لذاته لا لغرض رغبة في الثواب ورهبة من العقاب، حتى لو فرض حصول المرغوب أو فقد المرهوب لم يكن عابداً، ومع ذلك فينبغي أن يقطع النظر عن عبادته أيضاً.


وقيل: اشتقاقه من ألهت إلى فلان أي سكنت إليه. فالنفوس لا تسكن إلا إليه تعالى، والعقول لا تقف إلا لديه، لأن الكمال محبوب لذاته

{ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } * { الَّذِينَ ءَامَنُوا } [الرعد13: 28 - 29]

وقيل: من الوله وهو ذهاب العقل سواء فيه الواصلون إلى ساحل بحر العرفان والواقفون في ظلمات الجهالة وتيه الخذلان. وقيل: من لاه ارتفع لأنه تعالى ارتفع عن مشابهة الممكانات ومناسبة المحدثات.

وقيل: من أله في الشيء إذا تحير فيه، لأن العقل وقف بين إقدام على إثبات ذاته نظراً إلى وجود مصنوعاته، وبين تكذيب لنفسه لتعاليه عن ضبط وهمه وحسه، فلم يبق إلا أن يقر بالوجود والكمال مع الاعتراف بالعجز عن إدراك كنه الجلال والجمال، وههنا العجز عن درك الإدراك إدراك.

وقيل: من لاه يلوه إذا احتجب، لأنه بكنه صمديته محتجب عن العقول. فإنا إنما نستدلّ على كون الشعاع مستفاداً من الشمس بدورانه معها وجوداً وعدماً وشروقاً وأفولاً، ولو كانت الشمس ثابتة في كبد السماء لما حصل اطمئنان يكون الشعاع مستفاداً منها، ولما كان ذاته تعالى باقياً على حاله وكذا الممكنات التابعة له، فربما يخطر ببال الضعفاء أن هذه الأشياء موجودة بذواتها فلا سبب لاحتجاب نوره إلا كمال ظهوره، فالحق محتجب والخلق محجوب.

وقيل: من أله الفصيل إذا ولع بأمه، لأن العباد مولعون بالتضرع إليه في البليات

{ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُنِيبِينَ إِلَيْه } [الروم30: 33]

هذا شأن الناقصين، وأما الكاملون فهو جليسهم وأنيسهم أبداً. شكا بعض المريدين كثرة الوسواس فقال الشيخ: كنت حدّاداً عشر سنين وقصاراً عشراً وبواباً عشراً.

-17-

فقيل: وكيف وما رأينا منك؟ قال: القلب كالحديد ألينه بنار الخوف عشراً، ثم شرعت في غسله عن الأوضار والأوزار عشراً، ثم وقفت على باب القلب عشراً أسل سيف " لا إله إلا الله " فلم أترك حتى يخرج منه حب غير الله ويدخل فيه حب الله، فلما خلت عرصة القلب من غيره وقويت فيه محبته سقطت من بحر عالم الجلال قطرة من النور فغرق القلب فبقي في تلك القطرة وفني عن الكل ولم يبق فيه إلا محض سر " لا إله إلا الله ".

وقيل: من أله الرجل يأله إذا فزع من أمر نزل به فألهه أي أجاره. والمجير للخلائق من كره المضارّ هو الله

{ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ } [المؤمنون33: 88]

ومن لطائف اسم الله أنك إذا لم تتلفظ بالهمزة بقي " الله "

{ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [الفتح48: 4]

فإن تركت من هذه البقية اللام الأولى بقيت البقية على صورة " له "

{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } [البقرة2: 255]

وإن تركت اللام الباقية أيضاً بقي الهاء المضمومة من " هو "

{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص112: 1]

والواو زائدة بدليل سقوطها في التثنية والجمع هما هم. هذا بحسب اللفظ، وأما بحسب المعنى فإذا دعوت الله به فكأنك دعوته بجميع الصفات بخلاف سائر الأسماء ولهذا صحت كلمة الشهادة به فقط والله تعالى أعلم.


(الثالث عشر فيما يتعلق بالرحمن الرحيم) الرحمن فعلان من رحم، والرحيم فعيل منه واشتقاقه من الرحمة وهي ترك عقوبة من يستحقها أو إرادة الخير لأهله. وأصله الرقة والتعطف ومنه الرحم لرقتها وانعطافها على ما فيها. واختلف في منع صرف رحمن إذ ليس له مؤنث على فعلى كعطشى، ولا على فعلانة كندمانة، فمن شرط في منع صرف فعلان صفة وجود فعلي صرفه، ومن شرط فيه انتفاء فعلانة لم يصرفه، وإذا تساقط الدليلان للتعارض فللصرف وجه، وهو أن الأصل في الأسماء الصرف ولمنع الصرف وجه وهو القياس على أخوته من بابه نحو: عطشان وغرثان. وزعم قوم أنهما بمعنى واحد كندمان ونديم، وجمع بينهما للتأكيد والاتساع كقولهم جاد مجدّ قال طرفة.

متى أدن منه ينأ عني ويبعد


وقال قوم: الرحمن أشد مبالغة استدلالاً بالزيادة في اللفظ على الزيادة في المعنى. قالوا: ولهذا جاء رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا، وربما يقال رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، لأن رحمته في الدنيا عمت المؤمن والكافر والبر والفاجر، وفي الآخرة اختصت بالمؤمنين. فالرحمن خاص اللفظ عام المعنى والرحيم بالعكس. أما خصوص الرحمن فمن حيث لا يسمى به إلا الله تعالى لأنه من الصفات الغالبة كالدبران والعيوق، وأما عمومه فمن حيث إنه يشمل جميع الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع.
-18-

وأما عموم الرحيم فاشتراك تسمية الخلق به، وأما خصوصه فرجوعه إلى اللطف بالمؤمنين والتوفيق. الضحاك: الرحمن بأهل السماء حيث أسكنهم السموات وطوقهم الطاعات وأنطق ألسنتهم بأنواع التسبيحات وجنبهم الآفات وقطع عنهم المطامع واللذات، والرحيم بأهل الأرض حيث أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب. فقال عكرمة: الرحمن برحمة واحدة والرحيم بمائة رحمة كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن لله تعالى مائة رحمة وإنه أنزل منها رحمة واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه فيها يتعاطفون وبها يتراحمون وأخر تسعاً وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة " قال ابن المبارك: الرحمن الذي إذا سئل أعطى، والرحيم الذي إذا لم يسأل غضب. قال صلى الله عليه وسلم: " من لم يسأل الله يغضب عليه " الرحمن بالنعماء وهي ما أعطى وحبا، والرحيم باللأواء وهي ما صرف وزوى. الرحمن بالإنقاذ من النار

{ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ءَامِنِينَ } [الحجر15: 46]

الرحمن الراحم القادر على كشف الضر، والرحيم الراحم وإن لم يقدر على كشف الضر. وتسمية مسيلمة الكذاب بالرحمن تعنت منهم واقتطاع من أسماء الله تعالى. قال عطاء: ولذلك قرنه الله تعالى بالرحيم لأن هذا المجموع لم يسم غيره. وإنما قدم الرحمن وهو الأعلى على الرحيم، والعادة التدرج من الأدنى إلى الأعلى، لأن الرحمن يتناول عظائم النعم وأصولها، فإردافه بالرحيم كالتتمة ليتناول ما دق منها ولطف. واعلم أن الأشياء التي أنعم الله تعالى بها على الخلق أربعة أقسام:


الأول: ما يكون نافعاً وضرورياً معاً وذلك في الدنيا التنفس، فإنه لو انقطع لحظة واحدة مات، وفي الآخرة معرفة الله فإنها إذا زالت عن القلب لحظة واحدة مات القلب واستوجب عذاب الأبد.

الثاني: أن يكون نافعاً لا ضرورياً كالمال في الدنيا وكسائر العلوم والمعارف في الآخرة.

الثالث: أن يكون ضرورياً لا نافعاً كالآفات والعلل ولا نظير لهذا القسم في الآخرة

الرابع: أن لا يكون نافعاً ولا ضرورياً كالفقر في الدنيا والعذاب في الآخرة. وبالجملة فكل نعمة أو نقمة دنيوية أو أخروية فإنما تصل إلى العبد أو تندفع عنه برحمة الله تعالى وفضله من غير شائبة غرض ولا ضميمة علة، لأنه الجواد المطلق والغني الذي لا يفتقر، فينبغي أن لا يرجى إلا رحمته ولا يخشى إلا عقابه. (الرابع عشر في نكت شريفة). الأولى: كل العلوم تندرج في الكتب الأربعة، وعلومها في القرآن، وعلوم القرآن في الفاتحة، وعلوم الفاتحة في " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وعلومها في الباء، من بسم الله، وذلك أن المقصود من كل العلوم وصول العبد إلى الرب، وهذه الباء للإلصاق، فهو يوصل العبد إلى الرب وهو نهاية المطلب وأقصى الأمد.
-19-

وقيل: إنما وقع ابتداء كتاب الله تعالى بالباء دون الألف، لأن الألف تطاول وترفع والباء انكسار وتساقط ومن تواضع لله رفعه الله.

الثانية: مرض موسى عليه السلام واشتد وجع بطنه، فشكا إلى الله فدله على عشب في المفازة فأكله فعوفي بإذن الله، ثم عاوده ذلك المرض في وقت آخر فأكل ذلك العشب فازداد مرضه، فقال: يا رب أكلته أوّلاً فاشتفيت به وأكلته ثانياً فضرني. فقال: لأنك في المرة الأولى ذهبت مني إلى الكلأ فحصل فيه الشفاء. وفي الثانية: ذهبت منك إلى الكلأ فازداد المرض. أما علمت أن الدنيا كلها سم وترياقها اسمي.

الثالثة: باتت رابعة ليلة في التهجد والصلاة، فلما انفجر الصبح نامت فدخل السارق دارها وأخذ ثيابها، وقصد الباب فلم يهتد إلى الباب فوضعها فوجد الباب، وفعل ذلك ثلاث مرات فنودي من زاوية البيت: ضع القماش واخرج فإن نام الحبيب فالسلطان يقظان.

الرابعة: كان بعض العارفين يرعى غنماً فحضر في غنمه الذئب ولا يضر أغنامه، فمر عليه رجل وناداه متى اصطلح الغنم والذئب؟ قال الراعي: من حين اصطلح الراعي مع الله.

الخامسة: روي أن فرعون قبل أن ادعى الألوهية قصد أو أمر أن يكتب باسم الله على بابه الخارج، فلما ادعى الألوهية وأرسل الله إليه موسى ودعا فلم ير به أثر الرشد قال: إلهي كم أدعوه ولا أرى به خيراً، فقال تعالى: يا موسى لعلك تريد إهلاكه، أنت تنظر إلى كفره وأنا أنظر إلى ما كتبه على بابه. والنكتة أن من كتب هذه الكلمة على بابه الخارج صار آمناً من الهلاك وإن كان كافراً، فالذي كتبه على سويداء قلبه من أول عمره إلى آخره كيف يكون حاله!؟

السادسة: سمى نفسه رحماناً ورحيماً فكيف لا يرحم؟ روي أن سائلاً وقف على باب رفيع فسأل شيئاً فأعطي قليلاً فجاء بفأس وأخذ يخرب الباب، فقيل له: لم تفعل؟ قال: إما أن تجعل الباب لائقاً بالعطية أو العطية لائقة بالباب. إلهي كما أثبت في أول كتابك صفة رحمتك فلا تجعلنا محرومين من فضلك.

السابعة: إذا اشترى العبيد شيئاً من الدواب أو المتاع وضعوا عليه سمة الملك لئلا يطمع فيه العدوّ، فالله تعالى يقول: عبدي عدوّك الشيطان فإذا شرعت في عمل وطاعة فاجعل عليها سمتي وقل: { بسم الله الرحمن الرحيم }.

الثامنة: اجعل ذكر الله قرينك حتى لا تبعد عنه في أحوالك. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خاتماً إلى أبي بكر وقال: اكتب فيه " لا إله إلا الله " فدفعه إلى النقاش وقال: اكتب فيه " لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " فكتب النقاش ذلك، فأتى أبو بكر بذلك الخاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأى النبي فيه " لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق " فقال: يا أبا بكر ما هذه الزوائد؟ فقال: يا رسول الله ما رضيت أن أفرق اسمك من اسم الله فما رضي الله أن يفرق اسمي عن اسمك.
-20-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس