عرض مشاركة واحدة
 
  #26  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي زكاة الثروة الزراعية - مقدمة

مقدمة

كان من أجلّ نِعَم الله على الإنسان: أن مهّد له هذه الأرض، وجعلها صالحة للإنبات والإثمار، وأجرى سننه الكونية بذلك، فجعلها المصدر الأول لرزق الإنسان ومعيشته، وقوام بدنه حتى إن بعض الاقتصاديين في الغرب نادوا بفرض ضريبة واحدة على الأرض الزراعية دون غيرها، باعتبارها المصدر الرئيسي لمعيشة البَشر.
وهذا لمن تأمل بعين بصيرته محض فضل الله تعالى، فهو الذي سخّرها وجعلها ذلولاً وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها، وجعل فيها معايش لهذا النوع المكرَّم: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ، قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الأعراف:10) ولو عرفنا شيئًا قليلاً مما تحتاج إليه البذرة من النبات كي تحيى وتنمو وتثمر، من أسباب وشروط ومن سنن وقوانين لعرفنا العجب العجاب من فضل الله علينا وعلى الناس.
ليست كلّ تربة تصلح للإنبات، فلا بدّ من تربة خاصة تحتوي على العناصر اللازمة لتغذية البذرة، فمَن ذا الذي خلق التربة الأرضية مشتملة على العناصر المطلوبة للنبات؟ ولا بدَّ من ماء يسقي البذرة وإلا ماتت فمَن ذا الذي أجرى سنته بإنزال الماء من السحاب أو تفجيره ينابيع في الأرض، وجعله فيها بقدر، حتى لا يغرق الخلق ويهلك الحرث والنسل؟
ولا بد من غاز يستنشقه النبات، فمن ذا الذي أودع هذا الغاز في الهواء؟ أو من الذي علَّم النبات أن يستنشق ثاني أكسيد الكربون الذي يلفظه الإنسان والحيوان؛ ليقوم بين المملكة الحيوانية والمملكة النباتية هذا التبادل الرائع الفريد؟!
ولا بد للنبات من ضوء وحرارة معينة، لو زادت كثيرًا لاحترق، ولو نقصت كثيرًا لذوى وهلك، وما وُجدت حياة نباتية ولا غيرها، فمن الذي خلق الشمس وسخرها، وأودع فيها هذه الخصوصية وجعلها على هذه المسافة المعينة من الأرض، بحيث لا تهلك الكائنات الحية عليها من البرودة المفرطة إذا بعدت، أو الحرارة المفرطة إذا قربت؟ (راجع في هذا الكتاب القيم: "العلم يدعو إلى الإيمان" ترجمة محمود صالح الفلكي).
ثم من الذي جعل في البذرة الساكنة الجافة قابلية الحياة والنمو والتكاثر؛ بحيث تصبح النواة نخلة باسقة طلعها نضيد، وتنبت حبة القمح سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة؟
إنه الله تعالى هو الذي صنع هذا كله وقدَّره فأحسن التقدير، ودبّره فأتقن التدبير، ولا غرو أن امتن بذلك على عباده في آيات كثيرة من كتابه، ورد الفضل فيه إلى أهله، مثل قوله تعالى: (أفرأيتم ما تحرثون؟ ءأنتم تزرعونه أم نحن الزَّارعون؟! لو نشاء لجعلناه حطامًا فظللتم تفكَّهون إنَّا لمغرمون بل نحن محرومون) (الواقعة:63-67).
وقوله تعالى: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون، وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين، وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم، وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين) (الحجر:19-22).
وقوله تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه، أنَّا صببنا الماء صبًا، ثم شققنا الأرض شقًا، فأنبتنا فيها حبًا، وعنبًا وقضبًا، وزيتونًا ونخلاً، وحدائق غلبًا، وفاكهة وأبًا، متاعًا لكم ولأنعامكم)(عبس:24-32).
وقوله تعالى: (وآيةٌ لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبًا فمنه يأكلون، وجعلنا فيها جنَّاتٍ من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون، ليأكلوا من ثمرهِ وما عملته أيديهم، أفلا يشكرون)(يس:33-35).
أجل ..إن ما تخرجه الأرض من زرع وثمر إنما هو من فضل الله ومن عمل يده سبحانه لا من عمل أيدينا القاصرة، هو الزارع المنبت حقيقة لا نحن الزارعون فلا عجب أن يطالبنا سبحانه بالشكر على هذه النعمة السابغة التي جاءتنا عفوًا صفواَ، وأكلنا منها هنيئًا مريئًا (ليأكلوا من ثمرهِ وما عملته أيديهم، أفلا يشكرون)؟
أجل ..(أفلا يشكرون؟) وأول مظاهر هذا الشكر: هو أداء الزكاة مما خرج منها وفاءً ببعض حقه سبحانه، ومواساة للمحتاجين من خلقه، وإسهامًا في نصرة دينه، وهذه الزكاة هي المعروفة في الفقه الإسلامي باسم "العُشر" (وهو الشائع عند الحنفية، ومن الغريب أن بعضهم زعم أن تسميته زكاة مجاز، أو على قول الصاحبين، لاشتراطهما النصاب والبقاء بخلاف قول الإمام، قال المحقق ابن الهمام: وليس بشيء، إذ لا شك أنه زكاة حتى يُصرف مصارفها، غاية ما في الباب: أنهم اختلفوا في إثبات بعض شروط لبعض أنواع الزكاة ونفيها، وهذا لا يُخرجه عن كونه زكاة ...فتح القدير:2/2) أو زكاة "الزروع والثمار" أو زكاة "المعشرات".
وهذه الزكاة تمتاز عن زكاة الأموال الأخرى من مواش ونقود وعروض تجارة، بأنها لا يُشترط فيها حولان الحول، بل تجب بمجرد الحصول عليها، إذ هي نماء الأرض وغلتها، فحيث وُجِدت تحقق النماء الذي هو عِلة وجوب الزكاة، فهي -بتعبير العصر- ضريبة على الإنتاج والريع الناتج من استغلال الأرض.
أما الزكاة في الأموال السالفة فهي ضريبة على رأس المال نفسه، نما أم لم ينم.
وسنفصِّل أحكام هذا الفصل في المباحث التالية:
المبحث الأول: أدلة وجوب الزكاة في الزروع والثمار.
المبحث الثاني: الحاصلات الزراعية التي تجب فيها الزكاة.
المبحث الثالث: اعتبار النصاب وما يتعلق به.
المبحث الرابع: مقدار الواجب وتفاوته.
المبحث الخامس: تقدير الواجب بالخرص وما يتعلق به.
المبحث السادس: ماذا يُترك لأرباب الزرع والثمر؟
المبحث السابع: اقتطاع الديون والنفقات وتزكية الباقي.
المبحث الثامن: زكاة الأرض المستأجرة.
المبحث التاسع: اجتماع العُشر والخراج
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس