عرض مشاركة واحدة
 
  #24  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي شروط الزكاة في مال التجارة

شروط الزكاة في مال التجارة



التجارة -كما عرّفها بعض الفقهاء- هي كسب المال ببدل هو مال (رد المحتار: 2/18).
ومال التجارة هو: ما يُعد لهذا الكسب عن طريق البيع والشراء.
وعرّفه بعضهم بقوله: هو ما يُعد للبيع والشراء لأجل الربح (مطالب أولى النهى جـ 2/96).
فليس كل ما يشتريه الإنسان من أشياء وأمتعة وعروض يكون مال تجارة، فقد يشتري ثيابًا للبسه، أو أثاثًا لبيته، أو دابة أو سيارة لركوبه، فلا يسمى شيء من ذلك عرض تجارة، بل عرض "قنية" بخلاف ما لو اشترى شيئًا من ذلك بقصد بيعه والربح منه.
فالإعداد للتجارة يتضمن عنصرين: عملاً ونيَّة، فالعمل هو البيع والشراء، والنيَّة هي قصد الربح/ فلا يكفي في التجارة أحد العنصرين دون الآخر (انظر الدر المختار ورد المحتار : 2 / 18 - 19، وبلغة السالك، وحاشيته : 1 /224).
لا يكفى مجرد النيَّة والرغبة في الربح دون ممارسة التجارة بالفعل (هذا هو قول الجمهور، وذهب ابن عقيل وأبو بكر من الحنابلة إلى أن عرض القنية يصير للتجارة بمجرد النية، وحكوه رواية عن أحمد لقوله فيمن أخرجت أرضه خمسة أو سق، فمكثت عنده سنين، لا يريد بها التجارة، فليس عليه زكاة، وإن كان يريد التجارة، فأعجب إلى أن يزكيه، لأن نية القنية في عرض التجارة كافية في جعله للقنية، فكذلك نية التجارة، بل أولى؛ لأن الإيجاب يغلب على الإسقاط احتياطًا، ولأنه أحظ للمساكين فاعتبر، ولحديث سمرة في إخراج الصدقة مما يُعَد للبيع، وهذا داخل في عمومه، وردوا على هذا القول بأن القنية هي الأصل، والتجارة فرع عليها، فلا ينصرف إلى الفرع بمجرد النية، كالمقيم ينوي السفر، لا يصير مسافرًا بمجرد النية ..انظر المغني - المطبوع مع الشر -: 2/631، وانظر شرح الرسالة للعلامة المالكي زروق::1/325) لا يكفي الممارسة بغير النية والقصد.
ولو اشترى شيئًا للقنية كسيارة ليركبها، ناويًا أنه إن وجد ربحًا باعها، لم يعد ذلك مال تجارة (انظر الدر المختار وحاشيته:2/19) بخلاف ما لو كان يشتري سيارات ليتاجر فيها ويربح منها، فإذا ركب سيارة منها واستعملها لنفسه حتى يجد الربح المطلوب فيها فيبيعها، فإن استعماله لها لا يخرجها عن التجارة، إذ العبرة في النية بما هو الأصل، فما كان الأصل فيه الاقتناء والاستعمال الشخصي: لم يجعله للتجارة مجرد رغبته في البيع إذا وجد ربحًا، وما كان الأصل فيه الاتجار والبيع: لم يخرجه عن التجارة طروء استعماله.
أما إذا نوى تحويل عرض تجاري معين إلى استعماله الشخصي، فتكفي هذه النية عند جمهور الفقهاء لإخراجه من مال التجارة، وإدخاله في المقتنيات الشخصية غير النامية.
وشرط بعضهم هنا شرطًا آخر، وهو عدم قيام المانع المؤدي إلى "الثَّنَى" (المرجع نفسه ص18) في الزكاة، وهو أخذ الزكاة مرتين في عام واحد، وهو الذي يسميه رجال الضرائب "الازدواج" وفسر ابن قدامة "الثَّنَى" بأنه: إيجاب زكاتين في حول واحد بسبب واحد (المغني: 2/629) وقد جاء في الحديث: "لا ثِنَى في الصدقة" (الأموال ص 375).
وعلى هذا لو اشترى أرضًا زراعية للتجارة، فزرعها وأخرجت ما يجب فيه العُشر، اكتفى بزكاة العُشر عن الخارج، ولم تجب زكاة التجارة عن الأرض نفسها، حتى لا تتكرر الزكاة في مال واحد وخالف بعض الفقهاء، فغلبوا زكاة التجارة، وذهب بعضهم إلى القول بإيجاب الزكاتين (انظر الدر المختار ورد المحتار: 2/19، والمغني ص630) بناء على أن سبب هذه غير سبب تلك، فلا يُعد ذلك ثنَى، وسنعود إلى هذا بعد.
إذا عرفنا مال التجارة: ما هو؟ فقد بقي علينا أن نعرف شروط زكاته.
ورأس مال التاجر: إما نقود، أو سلع مقومة بالنقود، فأما النقود فلا كلام فيها، وأما السلع والعروض فيُشترط لوجوب الزكاة فيها ما يُشترط لزكاة النقود، من حولان الحول، وبلوغ النصاب المعين، والفراغ من الدَّيْن، والفضل عن الحوائج الأصلية، وقد رجحنا أن نصاب النقود في عصرنا الآن ما يعادل قيمة 85 جرامًا من الذهب.
ولكن متى يُعتبر كماله النصاب؟
هل يُعتبر في آخر الحول فقط؟
أو يُعتبر كماله في جميع الحول من أوله إلى آخره؟
أو يُعتبر في أول الحول وآخره دون ما بينهما؟
أقوال ثلاثة للفقهاء
أولها: وهو قول مالك ونص الشافعي في الأم: أنه يُعتبر في آخر الحول فقط؛ لأنه يتعلق بالقيمة، وتقويم العرض في كل وقت يشق، فاعتبر حال الوجوب، وهو آخر الحول، بخلاف سائر الزكوات؛ لأن نصابها من عَيْنها فلا يشق اعتباره (المجموع:1/55).
القول الثاني: اعتبار النصاب في جميع الحول، فمتى نقص النصاب في لحظة منه، انقطع الحول؛ لأنه مال يُعتبر له النصاب والحول فوجب اعتبار كمال النصاب في جميع أيام الحول كسائر الأمور التي يُعتبر فيها ذلك، وهذا قول الثوري وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر (المغني: 3/32 وما بعدها).
والثالث: اعتبار النصاب في أول الحول وآخره دون ما بينهما، فإذا تم النصاب في الطرفين وجبت الزكاة، ولا يضر نقصه بينهما، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه، وحجته ما ذُكر في القول الأول: أن التقويم في جميع الحول يشق؛ لأنه يحتاج إلى أن يعرف قيمة السلع التي عنده في كل وقت ليعلم أتبلغ نصابًا أم لا وفي ذلك من الحرج والمشقة ما فيه، فعفى عنه إلا في أول الحول وآخره فصار الاعتبار به.
فلو مَلَك سلعة قيمتها دون النصاب فمضى نصف الحول -وهي كذلك- ثم زادت قيمة النماء بها، أو تغيرت الأسعار فبلغت نصابًا، أو باعها بنصاب، أو مَلَك في أثناء الحول عرضًا آخر، أو نقودًا تم بها النصاب: ابتدأ الحول من حينئذ، فلا يُحتسب بما مضى عند الجمهور.
أما عند مالك، وكذا الشافعي حسب نصه في الأم: فالحول ينعقد على ما دون النصاب، ولا يُشترط النصاب إلا في آخر الحول، فإذا بلغ في آخره نصابًا زكّاه (المغني: 3/31 وما بعدها).
ومن هنا رووا عن مالك قوله: إذا كانت له خمسة دنانير (وهي ربع النصاب) فاتجر فيها، فحال عليها الحول، وقد بلغت ما تجب فيه الزكاة: يزكيها (المغني: 2/31 ومابعدها).
والمختار عندي: هو قول مالك والأصح عند الشافعية (كما في الروضة: 2/267) لأن اشتراط حولان الحول على النصاب لم يقم عليه دليل، ولم يجيء به نص صحيح مرفوع، فإذا اكتمل النصاب عند الحول وجب الاعتبار به، واعتبر ابتداء السنة الزكوية للمسلم، وكلما جاء هذا الموعد من كل سنة: زكّى ما عنده إذا بلغ نصابًا، ولا يضر النقصان في أثناء السنة.
وإذا كانت الحكومة هي التي تجمع الزكاة من التجار، فإنها تحدِّد موعدًا كالمحرَّم من كل عام، فمَن وجد عنده النصاب في هذا الموعد أخِذت منه الزكاة، وإن كان نصابه لم يكمل إلا منذ شهر أو شهرين.
وهذا ما كان يحدث في زكاة المواشي، في عهد النبوة والراشدين، فقد كان السعاة يأخذون الزكاة مما حضر من المال إذا بلغ نصابًا، ولا يسألون متى تم هذا النصاب وكم شهرًا له؟ ويكتفون بتمامه عند أخذ الزكاة، ثم لا يأخذون منه زكاة إلا بعد عام قمري كامل.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس