عرض مشاركة واحدة
 
  #23  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: ثناء ابن باز رحمه الله تعالى على كتـــــــــــــاب فقه الزكاة للشيخ العلامة القرضاوي

شبهات المخالفين

(أ) مذهب الظاهرية في عروض التجارة
مذهب أهل السنة كافة هو إيجاب الزكاة في عروض التجارة (ينسب إلى الشافعي قول قديم بعدم وجوب الزكاة في التجارة، واختلف أئمة المذهب في ذلك فمنهم من قال: له في القديم قولان، ومنهم من قال: لم يثبت خلاف الجديد -انظر: الروضة للنووي:2/16) ولم يخالف في ذلك إلا بعض المتأخرين من أهل الظاهر، كما قال الخطابي، وقد تبنى مذهبهم ودافع عنه ابن حزم في المحلي (الجزء السادس ص233-240) كما أن بعض المضيقين في إيجاب الزكاة في الزمن الأخير، كالشوكاني وصِدِّيق حسن خان: مالوا إليه وأيدوه وسنذكر ما تعلقوا به من شبهات ثم نكر عليها بالإبطال:
1- تعلقوا بقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس على مسلم في عبده ولا فرسه صدقة"، وقوله: "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق"(مر تخريجهما في زكاة الخيل) وظاهر ذلك عدم الوجوب في جميع الأحوال سواء أكانت للتجارة أم لغيرها.
وأجاب الجمهور عن هذه الشبهة: بأن المتأمل في عبارة الحديث يجده بمعزل عما نحن فيه، فهو ينفي الزكاة عن عبده الذي يخدمه، وفرسه الذي يركبه، وكلا الاثنين من الحوائج الأصلية، المعفاة من الصدقة بإجماع المسلمين.
2- وتعلقوا بأن الأصل في مال المسلم: الحرمة، كما أن الأصل براءة الذمم من التكاليف، فلا يصح أن نوجب على الناس في أموالهم ما لم يوجبه الله عليهم في كتاب ولا سُنَّة.
وقد كانت التجارة قائمة في عصره صلى الله عليه وسلم في أنواع مما يتجر به، ولم يرد عنه نقل صحيح يفيد وجوب ذلك قالوا: وحديثا سمرة وأبي ذر لا تقوم بمثلهما حُجَّة لضعفهما ولا سيما في التكاليف التي تعم بها البلوى (انظر الروضة الندية: 1/192-193).
وجوابنا: أنه قد عارض ما ذكروا من الأصول أصول أخرى أفادتها العمومات التي أوجبت في كل مال حقًا، وأفادتها أيضًا الأدلة الخاصة التي استقيناها من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، وإجماع من يعتد به من أهل العلم.
وحديث سمرة بن جندب سكت عنه أبو داود والمنذري وهذا تحسين منهما، وحسنه ابن عبد البر، وقال الشيخ أحمد شاكر، ردًا على ابن حزم: رواته معروفون ذكرهم ابن حبان في الثقات.
وحديث أبي ذر صححه الحاكم وذكر له الحافظ عدة طرق ضعيفة، وقال في إحداها: هذا إسناد لا بأس به.
وقد تأيد الحديثان بالعمومات، وبعمل الصحابة، وإجماع السلف، مع ما يعضدهما من النظر الصحيح والقياس السليم.
3- وشبهة ثالثة ذكرها أبو عبيد عن "بعض من يتكلم في الفقه" قال: إنه لا زكاة في أموال التجارة واحتج بأنه إنما أوجب الزكاة فيها من أوجبها بالتقويم، وإنما يجب على كل مال الزكاة في نفسه، والقيمة سوى المتاع، فأسقط عنه الزكاة لهذا المعنى قال أبو عبيد: وهذا عندنا غلط في التأويل: لأنَّا قد وجدنا السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد يجب الحق في المال ثم يحول إلى غيره مما يكون إعطاؤه أيسر على معطيه من الأصل، ومن ذلك كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاذ باليمن بالجزية "إن على كل حالم (بالغ) دينارًا أو عدله من المعافر"(رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي والدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث مسروق عن معاذ وحسنه الترمذي، وهو جزء من الحديث الذي ذكرناه في زكاة البقر) والمعافر ثياب يمنية، وعدله: قيمته، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم العرض مكان العين (النقد) ثم كتب إلى أهل نجران "أن عليهم ألفي حُلّة في كل عام أو عدلها من الأواقي - يعني من الدراهم" فأخذ العين (أي النقود) مكان العرض.
وكان عمر يأخذ الإبل من الجزية، وإنما أصلها الذهب والورق، وأخذ عليّ بن أبي طالب الإبر والحبال والمسالّ (جمع مسلة) من الجزية، وقد روى عن معاذ في الصدقة نفسها أنه أخذ مكانها العروض، وذلك قوله: "آتوني بخميس أو لبيس -ثياب عندهم- آخذه منكم مكان الصدقة، فإنه أهون عليكم، وأنفع للمهاجرين بالمدينة"، وورد عن ابن مسعود أن امرأته قالت له: إن لي طوقًا فيه عشرون مثقالاً، قال: أدِّي عنه خمسة دراهم، وكانت قيمة كل عشرة دراهم تساوي مثقالاً، قال أبو عبيد: وكل هذه الأشياء قد أخذت فيها حقوق من غير المال الذي وجبت فيه تلك الحقوق، فلم يدعهم ذلك إلى إسقاط الزكاة؛ لأنه حق لازم لا يزيله شيء، ولكنهم قدّروا ذلك المال بغيره، إذ كان أيسر على من يؤخذ منه، فكذلك أموال التجارة، إنما كان الأصل فيها أن يؤخذ الزكاة منها أنفسها، فكان في ذلك عليهم ضرر من القطع والتبعيض؛ لذلك رخَّصوا في القيمة، فعلى هذا أموال التجارة عندنا، وعليه أجمع المسلمون: أن الزكاة فرض واجب فيها، وأما القول الآخر، فليس من مذاهب أهل العلم عندنا، وإنما وجبت الزكاة في العروض والرقيق وغيرها إذا كانت للتجارة وسقطت عنها إذا كانت لغيرها؛ لأن الرقيق والعروض إنما عُفِيَ عنها في السنة إذا كانت للاستمتاع والانتفاع بها، ولهذا أسقط المسلمون الزكاة عن الإبل والبقر العوامل، وأما أموال التجارة فإنما هي للنماء وطلب الفضل، فهي في هذه الحال تشبه سائمة المواشي التي يُطلب نسلها وزيادتها، فوجبت فيها الزكاة لذلك، إلا أن كل واحدة منها تزكي على سنتها فزكاة التجارات على القيم، وزكاة المواشي على الفرائض (المقادير المفروضة) فاجتمعتا في الأصل على وجوب الزكاة، ثم رجعت كل واحدة في الفرع إلى سنتها" (الأموال ص427 وما بعدها).
وبهذا نعلم أن قول جمهور الأمة، هو القول الصواب، وأن الزكاة في عروض التجارة فريضة لازمة، وأن شبهات المخالفين لا تقف على قدميها أمام حجج الجمهور، وإجماع الصحابة وخير القرون.

(ب) مذهب الإمامية
وذهب فقهاء الإمامية إلى أن الزكاة لا تجب في أموال التجارة، بل تُستحب على الأصح عندهم (المختصر النافع في فقه الإمامية ص54).
ولكن لهم رأيًا آخر في أرباح التجارة، وهو وجوب الخُمس فيها (أعني في الأرباح لا في رأس المال) مستدلين بقوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مَّن شَيْءٍ فَأنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (الأنفال:41) وقالوا: إن كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات والكنوز وغيرها، يُطلق عليها في عرف اللغة اسم: الغُنْم والغنيمة، ولم يوجبوا الخُمس في أرباح التجارة إلا فيما فضل منها عن مؤونة السنة له ولعياله، قال في "جواهر الكلام" في عدّ ما يجب فيه الخُمس: "الخامس ما يفضل عن مؤونة السنة على الاقتصاد له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات بلا خلاف معتد به" (جواهر الكلام: 2/126) وهو -بالتعبير الحديث- ضريبة على صافي الدخل بنسبة (20) بالمائة.
قال أهل السنة: المراد بقوله: (مَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءْ)(الأنفال:41) ما بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما يُغنم بالقتال، لا لكل ما يُطلق عليه اسم الغنيمة، وبدلالة سياق الآية نفسها، ولو بقي على عمومه: لا ستلزم وجوب الخُمس في المواريث ونحوها، وهو خلاف الإجماع، وما استلزم الباطل: باطل (انظر الروضة الندية: 1/219).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس