عرض مشاركة واحدة
 
  #7  
قديم 04-26-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: الشيخ محمد العملة - أبو السائد - يرحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
" بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم "

أبو السَّائد ....... الإمامُ الغائبُ الحاضر

إنَّ الحمدَ لله نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ سيدَنا وإمامَنا ومولانا محمدًا عبدُ الله ورسوله ، وصفيُّه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمَّة وكشف الغمَّة وتركنا على محجة بيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه أجمعين ، وعلى من دعا بدعوته واستن بسنته واقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين ، أما بعد :

فلعلَّ ذاك الاسمَ لا يعرفه البعض أو غفل عنه آخر أو نسيه آخرون ، لكنَّ الكثيرَ لا يجهلون ذاك الإمامَ الذي أسكبهم عند دعائه العبرات وألان بتلاوته القلوب القاسيات آتاه ربـُّنا من الفضائل والكرامات ما رفع له بها الدرجات ، فعند الحديث عن المسجد الأقصى ومسرى نبينا - صلوات الله وسلامه عليه – يُسارع الى الذهن إمامُه الخاشع وعند تلاوة الذكر الحكيم لا تغفلُ عن ذاك القارئ البارع ، وعند الوقوف على مكارم الأخلاق فأنعم بجامع لها متواضع ، قد تـُرفع عن ذكره الأقلام ، أو تجف عند ذاك الصحائف ، أو لربما تخلو منه المنابر، لكن حسبه أن يذكرَه ربُّنا في ملئه الأعلى ، وأن يخطه الأقصى إماما بكى وأبكى ، أحبه حبًا جمّا ، وما كان ليبخل عليه مالا ونفسًا ودمًا فأحبَّه الأقصى وروادُه وبكى عند فراقه جمادُه .

ذلكم هو إمام المسجد الأقصى وصاحب الشمائل التي لا تـُحصى ، الشيخ محمد حمدان العملة " أبو السائد " والذي ما كنت لأخط بيميني كاتبا عن ذاك النجم الساطع والكوكب اللامع رفعا لمقداره أو تعظيما لشآنه ، بل أنا من يـُرفع بذلك قدرُه ويـُجل أمرُه ، وما أرى نفسي أهلا للحديث عنه ، إلا أنه شيء من اقتباس أثر الصالحين وبيان قدر الأئمة الميامين

المولد والنشأة

ولد الشيخ – رحمه الله – عام 1957 في بلدة بيت أولا قضاء الخليل ، وبقي فيها حتى أنهى دراسته الجامعية حاصلا على درجة البكـالوريوس في الهندســـــة المعماريـــة
وكان قد أتمَّ حفظ كتاب الله – عز وجل – لينتقل بعد زواجه عام 1980 إلى العيش في مدينة القدس ، وبدافع شغفه للعلم الشرعي وطموحاته العلمية ؛ أقبل الشيخ – رحمه الله – على طلب العلم في جامعة القدس المفتوحة ليتخرج منها حاملا لشهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية ، وكان الشيخ إماما وواعظا متطوعا في المسجد الأقصى المبارك وبعض مساجد المدينة المقدسة ، إلى أن تمَّ تعينه عام 1998 إماما ومدرسا في المسجد الأقصى المبارك إلى جانب إمامته وخطابته في بعض مساجد القدس ، ولقد عُرف الشيخ – رحمه الله – بصوته الدافئ الجميل والذي يوحي بالخشوع والخضوع للرب الجليل .

ولم يكن الشيخ بمعزل عمّا يتعرض له أئمة المسجد الأقصى من مضايقات إسرائيلية كالاعتقال والاستجواب والإبعاد وغيرها – كما هو حال بعضهم اليوم – حيث تمَّ اعتقاله واستجوابه من قبل الشرطة الإسرائيلية مرات عديدة وذلك بتهمة التحريض ، إلى أن وصل الأمر – كما تروي زوجته – لمطالبته مغادرةَ القدس ، إلا أنَّ الشيخَ لم يرضخ لتلك المطالب وبقي صامدا في أرض النبيين ، حتى أتاه من ربه اليقين .


في رحاب الأقصى

لم يكن الأقصى عند الشيخ – رحمه الله – مُجردَ اسمٍ يتردد ، أو مكانٍ فيه المرء يتعبد ، بل ملك الأقصى وجدانه وجرى في دمائه ، فلا تراه يغيب عن دعائه ، ذاك الدعاء الذي أسر به قلوبَ الآلاف من المصلين ، ولعلَّ ذاك كان متجليا في صلوات القيام من شهر الصيام ، دعاء تكاد منه الجبال تتصدع فتذرف منه العيون وتدمع ، والذي كان يبرز فيه كثرة الدعاء للأقصى بأن يجعله الله عامرا بالإسلام والمسلمين ، عزيزا شامخا إلى يوم الدين ، وذاك ما جسَّده – رحمه الله – في كثير من أفعاله ، فلا زلت أذكر حين كنا صبيانا لم نتجاوز العاشرة من العمر نصلي خلفه في صلوات التراويح ، حيث كان يتفرغ لنا بين الأذان والإقامة – وهو وقتٌ ثمينٌ عند الشيخ رحمه الله – ليتحدث إلينا ويمازحنا وذاك ليحببنا في الأقصى والقدوم إليه وليشجعنا على ما نحن عليه .

ولم يقتصر دور الشيخ في المسجد الأقصى المبارك على الإمامة فحسب ، بل كان للتدريس فيه حظ وافر ، فقد أنار الشيخ – رحمه الله – مجالسَ العلم في ذلك الصرح العظيم ، تلمس في دروسه الإخلاص في إيصال العلم ، فقد ترفع رحمه الله عن السمعة والرياء وما سعى خلفَ الشهرة والثناء وما عرف قلبُه الكبرَ أو الخيلاء ، فلله دره إماما مخلصا وعالما عاملا .

ويبدو أن الإبداعَ – كغيره من الخصال الطيبة – أبى إلا وأن يلازمَ الشيخ في أموره كلها ، وهذه المرة في النشيد الإسلامي ومدح الحبيب النبي ، ولعلَّ ذاك الحبَّ الشديدَ لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – والذي ملأ فؤادَ الشيخ ، قد جعله يتألق غاية التألق في هذا المضمار ؛ ليغدو بذلك علما من أعلام النشيد الهادف في بيت المقدس ، نشيدٌ ترى فيه الصدقَ في حبِّ النبيِّ المصطفى والحثَّ على البر والتقوى والإسراعِ في رضا المولى ممَّا أنار قلوبَ السامعين ، وأحيى به قلوبَ الغافلين .

ذكرى طيبة

يقول عليه السلام " إذا أحب الله عبدا ، نادى جبريل : إني قد أحببت فلانا ، فأحبه قال : فينادي في السماء ، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض ، فذلك قول الله : (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " ( صححه الألباني

حقا لقد عمَّت محبة أبي السائد كلَّ من عرفه ، وسعى يخطبُ وُدَّه كلُّ مَن سمعه ولعلَّ ما جعله يتربع في قلبِ كلِّ من يـراه ، تلك البشاشة التي لازمت وجهَه والابتسامة التي أبت أن تفارق ثغرَه ، ناهيك عن الأخـلاق الكريمة والمعاملة الطيبة التي على أساسها خالط الشيخُ الناسَ من أئمة ومصلين وغيرهم ، فقد منَّ عليه المولى – عز وجل – بسلامة الصدر ونقاء السريرة وصفاء القلب ، فلم يعرف الحقدُ ولا الضغينة ولا البغضاءُ طريقـَهم إلى قلبه ، ممَّا جعل الناسَ بجميع أطيافهم – إمامَهم ومأمومَهم عالمَهم وعامتـَهم كبيرَهم وصغيرَهم ذكرَهم وأنثاهم – يُثنون على ذاك الشيخ الجليل ولا يذكرونه إلا بخير المقيل ، فيقول فيه فضيلة الشيخ علي عمر العباسي إمام المسجد الأقصى المبارك وواحدٌ مِمَّن رافقوا الشيخ حتى ووري الثرى وسكبوا عند ذلك الموقف العبرات بعد أن اختاره المولى – عز وجل – ليؤمَّ الناسَ في الصلاة على الشيخ – رحمه الله – : (إنَّ ما يعرفه جمهورُ أبي السائد عنه – رحمه الله – أنه كان متميزا في صوته وأدائه ونمطه في قراءة القرآن ، أو النشيد الإسلامي ومدحه للرسول – صلى الله عليه وسلم – ولكن ما قد لا يعرف
جمهورُه عنه – رحمه الله – أنه كان متميزا جدا بين إخوانه من الأئمة الفضلاء .. في خلقه الكريم ، وخاصة صدره الواسع الحليم ، وعشرته الدافئة الحميمة ، ودعابته العذبة الجميلة ، وقلبه الطيب الحنون .. وفي كرمه الكبير ، سواء كان في مطعمه الذي يملكه أو بيته الذي يسكنه .. وفي إصلاحه بين الناس .. وفي طلبه العلم وتعليمه للناس .. وفي خروجه مع أهل الدعوة لتبليغ دين الله ودعوة الناس إليه .. وغير ذلك من صفاته الكريمة – رحمه الله – والتي يضيق المقام بذكرها .. ونسأل الله أن يتقبله في الصالحين ) .


ولقد أخذ قلمُ فضيلة الشيخ يوسف عبد الوهاب أبو سنينة إمامُ وخطيب المسجد الأقصى المبارك ينضحُ بالكلمات التي تدلُّ على عمق تأثره برحيل الشيخ – رحمه الله – وكان مما جاء فيها : ( لقد كان أبو السائد نعم الأخ ونعم الصديق صاحبَ خلق ووفاء وعطاء ، ذا صوت حنون شجي ينمُّ عن خشوع وإنابة ومودة ومحبة وصاحبَ دعاء وبكاء في الصلوات والخلوات ، مداحا لسيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وآل بيته وصحابته ، حافظا لكتاب الله تعالى ، ويوم سمعنا بوفاته أصابنا الحزنُ الشديدُ على فراقه لكنه دائمُ الحضور معنا بروحه الطيبة الطاهرة الزكية ) ويقول مدير المسجد الأقصى المبارك فضيلة الشيخ حسن البراغيثي : ( لقد فقدنا بوفاته أخا عزيزا وإماما فاضلا ، دمثَ الأخلاق ، طيبَ الملقى ، محبا للمسجد الأقصى وأحبابه ، ولقد اشتقنا لصوته الندي في تلاوة القرآن ومدح نبينا العدنان ) .

ويقول فضيلة الشيخ وليد صبحي صيام أحد أئمة المسجد الأقصى المبارك ورفيق الشيخ وأحد أصدقائه المقربين : ( لقد عايشت أبا السائد عن قرب فما وجدته إلا سمحَ المُحَيَّى كريمَ الشمائل ذا خلق عظيم ، ولقد كان قنديلا من قناديل المسجد الأقصى المبارك لم يبخل على الناس بنصيحة ولا موعظة و أحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا ) ومن الكلمات النيرات أيضا ما كان على لسان العالم الزاهدِ وشيخِ الأقصى القائمِ العابدِ الشيخ عبد الكريم الأفغاني – حفظه الله – والذي عندما سألته عن أبي السائد قال بعد أن ملك السكوتُ أمرَه والشخوصُ بصرَه والخفقانُ قلبَه : ( إن الكلماتِ لا تكفي لوصف ما كان يعطيه هذا الرجلُ المبارك والذي كان يتوقد نورا عند مدح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ) .

وكذلك رفاقُ الشيخ في فرقة بيت المقدس للنشيد الإسلامي فيقولون أنهم لم يفقدوا بوفاته مدربا ماهرا ومنشدا بارعا فحسب بل فقدوا أبا رحيما وأخا حميما ، وذاك هو حال سائر من عرفه ، ولعلي أنا شخصيا – وبصفتي واحدا من هؤلاء وممَّن عايشوا الشيخ منذ نعومة أظفارهم – قد فقدت بموته أبا رؤوفا وأخا عزيزا وصاحبا وفيا وشيخا فاضلا فعليه رحمة الله وجعل الجنة دارَه ومأواه .


حسن الخاتمة

لقد عاش الشيخ – رحمه الله – حياة ملؤها البر والتقوى حتى لحظاته الأخيرة ، فقد شاء الله الذي منَّ عليه بحياة الصالحين وسيرة العارفين أن يختمَ له بحسن العمل عند اقتراب الأجل .

فقبل موته بأسابيعَ تـُعدُّ على أصابع اليد الواحدة ، أدَّى شيخنا – رحمه الله – مناسكَ الحج ليعودَ منها مغفورا له كيوم ولدته أمه – بإذن الله – ثم تمضي أيامٌ معدودات لتأتي ليلة الجمعة – الرابعِ من شهر صفر للعام الف وأربعمئة وثلاثين للهجرة ،الموافقِ للثلاثين من شهر كانون ثان للعام ألفين وتسعة للميلاد ( 4 - 2 - 1430 / 30 - 1 - 2009 ) – فيصلي الشيخُ المغرب والعشاء إماما في قبة الصخرة المشرفة، حيث كان له درس بين الصلاتين ، ثم يُمضي الشيخ تلك الليلة الزهراء قائما قانتا لله عز وجل – كما تروي ذلك زوجته – حتى بزغ فجر يوم الجمعة ، خير يوم طلعت عليه الشمس فيصلي الشيخ الفجر إماما ليصبح يومها في ذمة الله تعالى ، ثم يخطب الجمعة ويحث فيها الناس على طاعة ربهم والرجوع إليه ، ويؤم بعدها المصلين في صلاة العصر ، ومن ثم تحين اللحظاتُ الأخيرة قبيلَ مغيب شمس الجمعة ، ليتوضأ الشيخ – رحمه الله – متأهبا ليؤمَّ المصلين في صلاة المغرب في المسجد الأقصى المبارك ، لكنَّ إرادة الله شاءت أن يلقاه في ذلك اليوم المبارك بل وفي أكثر أوقاته فضلا – بين العصر والغروب – ليكون ممَّن وقاهم الله – بإذنه – فتنة القبر، كم
ورد في الحديث الذي حسَّنه الألباني من رواية عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر" فلقد لقي ربَّه يومَ جمعة متوضأ طاهرا مستحضرا خشية الله مستعدا للقائه ، لقاءٌ أراده الشيخ في صلاته كغيره من اللقاءات اليومية ، فأراده الله بقبضه على هذه الخاتمة الزكية ، فتصعد روحُه الطاهرة النقية ، بإذن ربها راضية مرضية ، ليُصلى عليه ظهيرة اليوم التالي في محراب المسجد الأقصى ، ذاك المحراب الذي لطالما أمَّ فيه المصلين ، خاشعا خاضعا لرب العالمين ومن ثم يشيعه آلاف المحبين ، بالدعاء والدمع والأنين ، ليُدفنَ بجوار المسجد الذي أحب

فأيُّ خاتمة نلت سيدي أبا السائد ، حجٌ وجمعة فإمامة وخطابة يرافقها إرشادٌ وموعظة فوضوءٌ وطهارة ومن ثم صلاة على الجثمان في المحراب وجنازة يشيعها آلاف الأحباب ، وكأنَّ إرادة الله شاءت أن يـُجمع ما عاش عليه الشيخ – رحمه الله – طوال حياته في ذلك اليوم ، لتـُتوَّجَ به سيرتـُه الناصعة ، ولعلَّ الأيامَ التي قضاها الشيخ بين حجِّه ولقاء ربه كانت أيامَ حرب غزة والتي أمضاها الشيخ داعيا متضرعا إلى ربه أن يحفظ المجاهدين ويمنَّ عليهم بالنصر والفتح المبين .
رؤيتان صالحتان

ولقد ترك أبو السائد – رحمه الله – أثرَه الشديدَ في نفوس محبيه ، حتى أضحى يرفرف لذكره الفؤاد وتشتاق إليه قلوب العباد ، فلازم طيفه خيالهم ، حتى رأوه في منامهم ولقد صَحَّ عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي أخرجه الشيخان من رواية أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزءٌ من ستة وأربعين جزءا من النبوة" ولو أردت الحديث عما رآه بعض الناس من رؤى خير عن الشيخ لطال الحديث وما اتسع المقال ، لكني اكتفيتُ في هذا المقام بذكر رؤيتين تكمل إحداهما الأخرى لتجسدا معا بشرى خير عظيم ، وجدتها في كتاب الله العزيز الحكيم ، أمَّا أولاهما فكانت في الليلة الأولى لوفاته ، حيث وقف رجل نحسبه من الصالحين ، وقال لجموع المشيعين : ( لقد رأيت الليلة أبا السائد في المنام ، فسألته عن حاله فقال : الحمد لله رب العالمين ) .

أما الثانية فيذكرها لنا أحد أبناء الأقصى الحافظين لكتاب الله فيقول : ( رأيت أبا السائد يجتاز صفوف المصلين في المسجد الأقصى المبارك وكان وجهُه يتلألأ نورا حتى وصل إلى المحراب ، فقلت له : أين كنت يا أبا السائد فقال : خرجت من السجن وقد نلت براءتي ، ثم أمَّ جموعَ المصلين ) لقد حمد الله – عز وجل – الذي أخرجه من سجن الدنيا – والتي هي سجن المؤمن – بما فيها من هم وغم وكرب لينال رضا الله في الآخرة حيث يحكم الله بين العباد ، وتلك عبارة عن رؤى نستأنس بها ونسأل الله أن يكون تأويلها كذلك فكأني أرى مضمون الرؤيتين – وبعد أن كان الشيخ رحمه الله في حياته ممَّن أورثهم الله الكتاب ، حافظا لكلام العزيز الوهاب مسارعا إلى الخيرات بإذن الواحد التواب – أراه في قول ربنا سبحانه من سورة فاطر : ( ثمَّ أَوْرَثنا الكِتابَ الَذِينَ اصْطفَيْنا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتصِدٌ وَمِنهُم سَابِقٌ بِالخَيْراتِ بِإِذنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِيرُ (32) جَنـَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلونَهَا يُحَلـَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤلؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33
وَقَالُوا الحَمْدُ للهِ الذِي أَذهَبَ عَنـَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفورٌ شَكورٌ (34) الذِي أَحَلـَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِنْ فَضلِهِ لا يَمَسُّنا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيهَا لغُوبٌ ) فنحسب الشيخ كذلك ولا نزكي على الله أحدا ، ونسأل الله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، أن يجمعنا به في جنات ونهَر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
ولعلَّ أبا السائد كان من أولئك الأشخاص الذين قد يُغيِّب الموتُ أجسادَهم ، لكنهم يبقون معنا بذكراهم العطرة وسيرتِهم النيرة وبصماتِهم الخيرة ، يتناقلها الناس جيلا بعد جيل وأمة بعد أمة ، فلقد كان لزامًا على كاتب التاريخ أن يُزيِّنَ باسمه صفحتـَـه ، وعلى كل عاشقٍ للمسجد الأقصى ألا ينسى إمامَه وريحانتـَـه ، وعلى كل تالٍ لكتاب الله أن يذكرَ واحدا ممَّن حبَّره ، وعلى كل باحث عن معاني الوفاء والعطاء والصدق والإخلاص ومكارم الأخلاق أن يجد فيه مأربَه ، فيكون أبو السائد بذلك حقا .... الإمامَ الغائبَ الحاضر .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
بقلم: رجائي سعيد الترهي
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس