عرض مشاركة واحدة
 
  #18  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفنيد أدلة المانعين من وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون

تفنيد أدلة المانعين من وجوب الزكاة في مالالصبي والمجنون


( أ ) أما ما استدل به المانعون للوجوب من قوله تعالى: (خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(التوبة: 103) من أن التطهير لا يكون إلا بإزالة الذنوب ولا ذنب على الصبي والمجنون. فيجاب عنه بأن التطهير ليس خاصًا بإزالة الذنوب، بل يشمل تربية الخُلُق وتنمية النفس على الفضائل، وتدريبها على المعونة والرحمة، كما يشمل تطهير المال أيضًا، فمعنى "تطهرهم": تطهر مالهم.
ولو سلمنا أنه خاص بما ذكروا، فإنما نص عليه نظرًا لأنه الشأن في الزكاة، أو الغالب، كما قال النووي
(قال في المجموع: الغالب أنها تطهير، وليس ذاك شرطًا، فإنا اتفقنا على وجوب زكاة الفطر والعُشر في مالهما وإن كان تطهيرًا في أصله: 5/330)
. وهذا لا يستلزم ألا تجب إلا لذلك اللون من التطهير - وأن ذلك هو السبب الوحيد لمشروعيتها، فقد أجمع العلماء على أن للزكاة سببًا آخر، وهو سد خلة الإسلام، وسد خلة المسلمين، والصبي والمجنون من أهل الإسلام.
(ب) وأما حديث: "رفع القلم عن ثلاثة" فالمراد -كما قال النووي- رفع الإثم والوجوب. ونحن نقول: لا إثم عليهما، ولا تجب الزكاة عليهما، بل تجب الزكاة في مالهما، ويطالب بإخراجها وليهما، كما يجب في مالهما قيمة ما أتلفاه، ويجب على الولي دفعها (انظر: المجموع - المرجع المذكور، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير: 2/493 - 494، ومقارنة المذاهب ص 49)
.
ورفع القلم عنهما لم يسقط حقوق الزوجات وذوي القربى عنهما، فلماذا يسقط حق المسكين وابن السبيل؟
(ج)
وأما استدلالهم بأن الزكاة عبادة كالصلاة، ولهذا قرن القرآن بينهما، والعبادة تحتاج إلى نية، والصبي والمعتوه ليسا من أهلها، وقد سقطت الصلاة عنهما فلتسقط الزكاة أيضًا.
فالجواب: إننا لا ننكر أن الزكاة عبادة، وأنها شقيقة الصلاة، وأنها أحد أركان الإسلام، ولكننا نقول: إنها عبادة متميزة بطابعها المالي الاجتماعي، فهي عبادة مالية تجري فيها النيابة، حتى تتأدى بأداء الوكيل، ولذا يجري فيها الجبر والاستحلاف من العامل عليها، وإنما يجريان في حقوق العباد، كما أنه يصح توكيل الذمي بأداء الزكاة عند الحنفية، والذمي ليس من أهل العبادة.
قال ابن حزم - ردًا على من قال: إنها فريضة لا تجزئ إلا بنية -: نعم، وإنما أمر بأخذها الإمام والمسلمون بقوله تعالى
: (خذ من أموالهم صدقة) فإذا أخذها من أمر بأخذها بنية أنها الصدقة أجزأت عن الغائب والمغمي عليه والمجنون والصغير ومن لا نية له (المحلى: 5/206)
.
والخلاصة أن الزكاة عبادة مالية تجري فيها النيابة، والولي نائب الصبي فيها، فيقوم مقامه في إقامة هذا الواجب، بخلاف العبادات البدنية كالصلاة والصيام، فإنها عبادات شخصية لا يجوز فيها التوكيل والإنابة، ولابد أن يباشرها الإنسان بنفسه، إذ التعبد فيها واضح باحتمال المشقة البدنية، امتثالاً لأمر الله تعالى.
وأما سقوط الصلاة عنهما فليس هناك تلازم بين الفريضتين بحيث تثبتان معًا وتزولان معًا. فإن الله لم يفرض الفرائض كلها على وجه واحد يثبت بعضها بثبوت بعض ويزول بعضها بزوال بعض
(انظر الأم للشافعي: 2/24 - ط. بولاق). ولا يلزم من سقوط الصلاة سقوط الزكاة (لأنه لا يسقط فرض أوجبه الله تعالى أو رسوله، إلا حيث أسقطه الله تعالى أو رسوله ولا يسقط فرض من أجل سقوط فرض آخر، بالرأي الفاسد بلا نص قرآن ولا سنة) (المحلى: 5/206)
.
وما أعدل ما قال أبو عبيد في هذا المقام: "إن شرائع الإسلام لا يقاس بعضها ببعض، لأنها أمهات، تمضي كل واحدة على فرضها وسنتها"
(الأموال ص 545، وقد بسط أبو عبيد، الكلام في الفرق بين الفريضتين فأحسن)
.
"إن الصلاة إنما هي حق الله عز وجل على العباد فيما بينهم وبينه، وإن الزكاة شيء جعله الله حقًا من حقوق الفقراء في أموال الأغنياء"
(الأموال ص 455)
.
وأما مصلحة الصبي والمجنون فتقابلها مصلحة الفقراء والمساكين، ومصلحة الدين والدولة، ومع هذا لم يهدر الشرع مصلحتهما بإيجاب الزكاة في مالهما، فإن الزكاة إنما تجب في المال النامي بالفعل أو ما من شأنه أن ينمي، ولو لم ينم بالفعل. كما أنها لا تجب إلا في المال الفاضل عن الحوائج الأصلية لماله كله، وقد ذهب بعض فقهاء الحنفية إلى أن النقود التي يحتاج إليها صاحبها للنفقة الضرورية لا تجب فيها الزكاة وإن بلغت نصابًا وحال عليها الحول، لأنها كالمعدومة - كما سيأتي في الباب الثالث
(في شرط "الفضل عن الحوائج الأصلية" من الفصل الأول من الباب الثالث)
- وهذا ما نختاره بالنسبة للصبي والمجنون اللذين لا يملكان إلا نقودًا لا تزيد على نفقتهما الضرورية إلى وقت البلوغ بالنسبة للصبي، وإلى العمر الغالب لأمثال المجنون.
وهنا جملة أمور ينبغي أن ننبه عليها:
*أولاً:
أن الصبي ليس مفروضًا أن يكون يتيمًا حتى تدخل العاطفة في الحكم في هذه القضية، فقد يرث المال عن أمه، أو يملكه بطريق الهبة أو الوصية من جد أو قريب أو غريب، ولهذا نرى أن العنوان الأصدق لهذه المسألة هو: "الزكاة في مال الصبي" لا في "مال اليتيم". ولنذكر أنها قد تكون ألوفًا أو عشرات الألوف أو مئات الألوف من الجنيهات أو الدنانير.
*ثانيًا: أن الأحاديث والآثار قد نبهت الأوصياء على وجوب تثمير أموال اليتامى حتى لا تلتهمها الزكاة، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس فقال: "ألا من ولي يتيمًا له مال فليتجر له فيه ولا يتركه فتأكله الصدقة"(رواه الترمذي والدارقطني)
.
وفي حديث يوسف بن ماهك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"ابتعثوا بأموال اليتامى لا تُذْهبها الصدقة"(تقدم قريبًا)
.
فواجب على القائمين بأمر اليتامى أن ينموا أموالهم، كما يجب عليهم أن يخرجوا الزكاة عنها.
نعم، إن في هذين الحديثين ضعفًا من جهة السند أو الاتصال ولكن يقويهما:
أولاً: أن هذا المعنى قد روي من عدة طرق يقوي بعضها بعضًا (بل صحح الحافظ العراقي بعض طرقه، كما ذكرنا)
.
وثانيًا:
أنه قد صح عن بعض الصحابة ما يوافقهما.
وثالثًا: أن الأمر بالاتجار في أموال اليتامى هو الملائم لقوله تعالى: (وارزقوهم فيها واكسوهم)(النساء: 5)
ولم يقل: ارزقوهم "منها".
ورابعًا:
أنه يوافق منهج الإسلام العام في اقتصاده، القائم على إيجاب التثمير، وتحريم الكنز.
والخطاب في الأحاديث المذكورة يتوجه إلى أولياء اليتامى خاصة، وإلى جماعة المسلمين وأولي الأمر فيهم عامة، فالواجب على الجماعة المسلمة ممثلة في الحكومة أن ترعى أموال هؤلاء اليتامى، وتطمئن إلى حسن تنميتها، وتضع من التشريعات، وتقيم من الضمانات، ما يكفل لمال اليتيم بقاءه ونماءه حتى لا تأكله الزكاة إلى جوار النفقة.
*ثالثًا:
أن المجتمع الإسلامي لا يضيع فيه يتيم ولا ضعيف، فلا خشية إلا على اليتيم إذا افترضنا أن أمواله لم تنم -كما أمرت الأحاديث وأشار القرآن- وأن الزكاة بمضي السنين قد أكلتها.
نعم، لا خشية عليه، لأنه في كفالة أقاربه الموسرين أولاً، ثم في كفالة الدولة ثانيًا، قال تعالى:
(يسألونك ماذا ينفقون، قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل، وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)(البقرة: 215)
.
(ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب)(البقرة: 177)
.
(واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (الأنفال: 41)
.
(ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)(الحشر: 7)
.
ففي أموال الأفراد نصيب لليتامى إذا أنفقوه زكاة أو شيئًا بعد الزكاة، وفي مال الدولة - من الزكاة أو الغنيمة أو الفيء - جزء لليتامى، عناية من الله بهم، ورعاية لضعفهم. وقد قال عليه السلام
: "أنا أولى بكل مسلم من نفسه، من ترك مالاً فلورثته ومن ترك دَيْنًا أو ضياعًا (يعني أولادًا ضائعين لقلة مالهم وصغر سنهم) فإليَّ وعليَّ" (متفق عليه)
.
وإذا كان اليتيم في كفالة المجتمع المسلم فلا محل للخوف عليه أن يهمل أو يضيع إذا كان من غير مال.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس