عرض مشاركة واحدة
 
  #4  
قديم 10-22-2011
خلافة خلافة غير متواجد حالياً
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 56
افتراضي رد: حزب التحرير، نشأته وسيرته ،ملف الوثائق والنشرات, أرشيف لوثائق انطلاق مسيرة حزب التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان إلى شباب حزب التحرير


أيها الشباب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
فإنه لا يخفى عليكم ما آل إليه حال الحزب من انحدار بلغ حدّ الكارثة.
فالعمل لتحقيق الغاية متوقف تماماً، وما يَصدر عن الحزب من آراء وأفكار وأحكام متبنّاة أو غير متبنّاة في الحضيض، وحتى الناحية الإدارية لم تَسلم من التخبط والفساد.
أما توقف العمل لتحقيق الغاية، فواضح لكم كل الوضوح، حيث انشغل الشباب في السنوات الأخيرة فيما يَصدر عن القيادة من ترّهات يحاولون تصحيحها دون جدوى، وجَعلت القيادة مهمتها الأساس والرئيسة محاولة إخراس الشباب دون حل الإشكالات التي يثيرونها، فهي تتصدى لكل من يتساءل عن أي رأي أو فكر أو حكم يصدر عنها بالتوبيخ تارة، وبالإنذار تارة أخرى، وبالعقوبات القاسية في معظم الأحيان، دون إعطاء أي تفسيرٍ شافٍ، ودون تحقيق مع الشباب في أسباب العقوبات، التي غالباً ما تكون مبنيّة على تهيؤات لا أساس لها من جانب بطانة الأمير. وقد أدى هذا إلى انكفاء الحزب على نفسه، وإلى بلبلة الشباب، ودفعهم للإحباط، وإضافة إلى ذلك، تخلت القيادة عن دورها الطبيعي في رسم الخطط والأساليب للأعمال الحزبية المنتجة، التي من شأنها أن تمكّن الحزب من البروز في المجتمع كأمل للأمّة، وبالتالي أخذ قيادتها لإحداث التغيير وتحقيق الغاية.
وأما فيما يتعلق بما تصدره القيادة من آراء وأفكار وأحكام، فإنه أُسّ البلاء، والدليل على مكمن الداء.
أما أنه أُسّ البلاء، فلأن ما تصدره هو الذي أدى إلى بلبلة الشباب وانكفاء الحزب على نفسه.
وأما أنه الدليل على مكمن الداء، فلأن ما يَصدر يدل دلالة واضحة على جهل القيادة، وعجزها، وانحرافها.
ففي الناحية السياسية، لم يَصدر عن القيادة منذ سنوات عديدة أي تحليل سياسي، يستند إلى الواقع، أو حتى يرقى إلى درجة وصفه بأنه تحليل سياسي. وحين يطالب الشباب بتفسير للتحليلات السياسية تأتيهم تأويلات أسخف مما تساءلوا عنه، بحيث صار معروفاً حتى للناس، ناهيك عن الشباب، أن بعض ما يصدر في الصحف من تحليلات أرقى بكثير من تحليلات الحزب التي لم تعد تستند إلى فكر سياسي أو إلى معلومات صحيحة، أو إلى واقع يشير إليها من قريب أو بعيد. وتتميز صياغة هذه التحليلات بركاكتها، بل إن بعضها لم يكن يتضمن أي رأي. وإن تضمّن رأياً لا تلبث الأحداث والوقائع المستجدة أن تدحضه وتبيّن مدى بعده عن الصواب. وما ذلك إلا لأن من يكتب هذه التحليلات لا يتقيد بثوابت الحزب في الفكر السياسي والرأي السياسي، وإنما يَصدر عن تهيؤات في ذهنه ما أنزل الله بها من سلطان. فهو يضع الرأي في ذهنه أولاً وقبل تحليل الوقائع والأحداث في ضوء المعلومات المتوفرة، ثم يأخذ بعد ذلك في البحث عن أي شيء يسند هذا الرأي مهما كان هذا الشيء ضعيفاً، فإن لم يجد شيئاً لفّقه، كما حصل في نشرة أوسلو ونشرة المعاهـدة الأردنية، اللتين تلاعب فيهما فيما استدل به من نصوص، ووقائع، وأوقات الأحداث، وحتى مناصب الأشخاص، بحيث اجتزأ من النصوص، وقفز عن عبارات منها ليجعل النص يُعطي عكس معناه في الحقيقة. وجاء بنصّ ورد في موضوع وجعله دليلاً على موضوع آخر لا صلة به بموضوع النص.
فهو في النشرتين استدل بنصوص من كتابين لبيريز قفز فيها عن العبارات التي تدل على علم أميركا بمفاوضات أوسلو، كما استدل على أن أميركا لم يكن لها دور في المعاهدة الأردنية بقول بيريز ((لم يكن يد للأمريكيين))، ومع أن هذه العبارة واردة فعلاً في أحد كتابي بيريز، إلا أنها واردة في موضوع آخر لا شأن له بالمعاهدة الأردنية، حيث أوردها بيريز في معرض حديثه عن إحدى جلسات المفاوضات متعددة الأطراف، التي كادت أن لا تنعقد ثم انعقدت ولم يكن للأميركيين يد في انعقادها على حد قول بيريز. ولكي يدلل على أن (( الخيار الأردني )) ظلَّ قائماً حتى بعد ((فك الارتباط)) فإنه زَوَّر ((تاريخ فك الارتباط)) هذا، فجعله عام 1987م بدلاً من تاريخه الحقيقي وهو عام 1988م. وبالنسبة لمناصب الأشخاص فإنه خلع على دينيس روس، الذي كان يومها (ولا يزال) مجرد مساعد لوزير الخارجية، منصب مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، حتى يدلل على تكذيبه لمحمود عباس في النص الذي أورده من كتابه وبيَّن فيه أن الجانب الأمريكي أخفى معلومات مفاوضات أوسلو عن روس. فهو أعطى روس هذا المنصب الرفيع ليدلل على أن مثله لا يمكن أن تخفى عنه مفاوضات أوسلو.
فكاتب النشرتين ظن أن الشباب لا يتابعون الأحداث، ولا يقرءون الكتب ذات الصلة بها، ولذلك لفَّق وزوَّر وكذب ظناً منه أن الشباب كالأمير لا يتابعون ولا يقرءون، ولكنه فوجئ بوعي الشباب ويقظتهم ومتابعتهم. فما أن صدرت النشرتان حتى انهالت الشكاوى من الشباب على ديوان المظالم تطالب بمحاسبة الأمير على إصداره التلفيق والكذب والتزوير الذي كتبه أحد رجال مكتبه، كما تطالب بكف يد هذا الرجل عن كتابة التحليلات السياسية، ومنعه من تولّي أية مسؤولية حزبية بعد أن ثبت كذبه وتلفيـقه وتزويره.
غير أن الأمير لم يُرسِل لديوان المظالم مِنْ هذه الشكاوى العديدة إلا شكوى واحدة، ظناً منه ومن كاتب النشرتين أن هذه الشكوى هي الأضعف، نظراً لأنها تتعلق فقط بأمانة نقل النصوص.
وحين نظر ديوان المظالم في الشكوى على مدى يزيد عن شهر، فإنه خرج بقرار أن الكاتب ((جانَبَ أمانة النقل)) أي أنه لم يكن أميناً في نقل النصوص، بل تعمّد التلاعب فيها لخدمة رأيه ولفّق وزوّر وكذب.
وبدلاً من أن يكون لهذا القرار نتيجته الطبيعية، وهي كفّ يد كاتب النشرتين عن كتابة أي تحليل سياسي بعد ذلك باسم الحزب، ومَنْعِه من تولي أية مسؤولية في الحزب، لأن الأمانة شرط شرعي ضروري في كل مسؤولية حزبية، فإن الأمير خالف القانون الإداري الذي يُفترض أن يَلتزم به، خاصة وأنه هو الذي أصدره، وأبقى الكاتب عضواً في مكتبه، كما أبقاه مسؤولاً عن كتابة الرأي السياسي للحزب. ولم يكتف بذلك، بل إنه وبطانة السوء من حوله عزلوا رئيس ديوان المظالم من مسؤوليته، وعيّنوا مكانه رئيساً آخر من محاسيبهم.
وأما ما صدر عن القيادة من أفكار وأحكام، فإنكم ولا شك عانيتم الكثير في إرسال التساؤلات وأحياناً الاعتراضات والشكاوى للقيادة، ولم يأتكم إلا الأجوبة غير الشافية أو التوبيخ، أو العقوبات.
ولعل أبرز ما صدر في هذا الشأن موضوعان: أولهما نشرة النقابات والجمعيات الخيرية، التي تسببت بمجزرة من الفصل والعقوبات الأخرى لشباب وذلك قبل أن تضطر القيادة لسحبها بعد أن أصر جميع الشباب تقريباً على رفضها.
وكان حريّاً بالقيادة، بعد سحبها النشرة، أن تلغي العقوبات التي أوقعتها بالشباب بسببها، ولكنها لم تفعل وكأنّ هذه القيادة مشحونة بروح الانتقام، وليس بالرعاية.
والغريب أن هذه النشرة تضمنت في بدايتها اعترافاً من القيادة بأن النقابات والجمعيات الخيرية ((بضاعة غربية))، أي أنها من النظام الرأسمالي وليست من الإسلام، ومع ذلك تجرأت على إصدارها، وحاولت إلزام الشباب بها، رغم اعترافها هذا، ولم تكتف بذلك بل عاقبت كل من عارضها وطالب بسحبها بحجج مختلفة.
وأما الموضوع الثاني الذي أصدرته القيادة، وتبنّته على الفور ووقفت في وجه جميع الشباب الذين عارضوه وطالبوا بإلغاء تبنّيه بكلّ صلف وقسوة ووحشية، مستغلة صلاحياتها في إيقاع العقوبات على الشباب، ومتناسية أن الرابطة الحزبية في الحزب فكرية وليست هذه الصلاحيات، فإنه كتاب محمود عويضة (أبي أياس) الذي صدر بعنوان ((حمل الدعوة: واجبات وصفات)).
فقد كشف هذا الكتاب مدى الهوّة التي تفصل بين شباب الحزب وبين القيادة، ومدى جهل هذه القيادة بطريقة الحزب في التبني، وفيما يُتبنّى ولا يُتبنّى، فضلاً عن جهلها بحقيقة الفكرة والطريقة، وبالكثير من الأفكار الأساسية للحزب، ونقول جهل القيادة، على افتراض الإخلاص وحسن النيّة.
فَمِنْ أعراف الحزب الراسخة أنه لا يتبنّى إلا الآراء والأفكار والأحكام اللازمة للعمل قبل الخلافة أو للتطبيق بعد إقامة الدولة، ولذلك لا بد من توحيد مفاهيم الشباب حولها ليعلموا على جعل جمهرة الأمّة تتبناها، وذلك كأحكام النظام الاقتصادي وباقي الأنظمة، وكالأفكار الأساسية للحزب الواردة في نظام الإسلام وفي التكتل والمفاهيم، وكالفكر السياسي والآراء السياسية المتصلة به في كتابي مفاهيم سياسية ونظرات سياسية. أما الكتب التي أصدرها الحزب لزيادة معلومات الشباب، وإثرائهم فكريا، وتوسيع دائرة ثقافتهم، من مثل كتاب نقض الاشتراكية الماركسية، والسياسة الاقتصادية المثلى، والتفكير، وسرعة البديهة، وغيرها، فإن الحزب لم يتبنّها لأن الأصل حصر المتبنّى في أضيق نطاق، وكان المفروض أن لا يتم تبني كتاب حمل الدعوة، خاصة وأنه لم يؤلّفه الأمير، لأن موضوعه أريد به حث الشباب على القيام بأعمال الدعوة والاستعداد لتقديم التضحيات (مع أنه أدى إلى العكس). وأمور الحث والوعظ والتوجيه وما إليها ليست من قبيل ما يُتبنى، وهذا أمر بديهي عند الشباب الواعين.
فتبني هذا الكتاب كشف جهل الأمير وبطانته لما يُتبنى وما لا يُتبنّى، كما كشف جهلهم بأن ما يُبتنى وخاصة في العقائد والأحكام الشرعية يجب أن يستدل عليه بأدلة مأخوذة من الأدلة والإجمالية (الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس)، فإن كانت على العقائد فيجب أن تكون قطعية. وإن كانت على الأحكام الشرعية فيجب أن تكون راجحة.
كذلك فإن من أعراف الحزب الراسخة أنه إذا خرج من تبنّ إلى آخر. أن لا يكتفي بذكر التبني الجديد، بل لا بد له من بيان خطأ التبني السابق، ورجحان التبني الجديد.
ونظراً لكثرة ما تضمنه الكتاب من أخطاء، وانحرافات ومخالفات للشرع ولأساسيات الحزب، فإننا نكتفي بذكر بعض الأمثلة:
ففي الصفحة (5) من مقدمة الكتاب، وفي معرض حديث المؤلف عن الأنبياء والرسل السابقين عليهم السلام، يقول ((فَمَن حَمَلَ الدعوة مِن بَعدهم اقتداء بهم وامتثالاً لأمرهم...)) فهذا النص يجعل أوامر الأنبياء والرسل السابقين مصدراً من مصادر التشريع، فضلاً عن جعلهم القدوة للمسلمين في حمل الدعوة. وهذا ضلال ما بعده ضلال لأنه يناقض النصوص الشرعية القطيعة، كما يناقِض الأساسيات البديهية للحزب، التي يَعلَمها الشباب علم اليقين، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو وحده قدوتنا، حيث يقول تعالى:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، وشرائع الرسل السابقين خاصة بأقوامهم {لكلٍّ جعلنا منكم شِرْعَةً ومِنهاجا}، بينما يطالبنا المؤلف بجعل أوامر الأنبياء والمرسلين شريعة لنا، لأن هذا هو معنى ((وامتثالاً لأمرهم)). فهذا القول يعني أن نضيف للفكرة الإسلامية ما ليس منها، ومن أساسيات ما تبناه الحزب منذ نشأته أن ما ليس من الإسلام لا يؤخذ ولا يجوز إضافته للفكرة حتى تظل نقية، بل إن الحزب يقول إن شَرْعَ من قبلنا ليس شرعاً لنا وهو ما يقول به جميع الفقهاء الثقات.
فمعنى أن نقتدي بموسى أو بعيسى عليهما السلام، وأن نمتثل لأوامرهما، هو أن ندعو لاعتناق اليهودية والنصرانية، وأن نتقيد بما ورد فيهما من أحكام، مع أن الإسلام جاء ناسخاً لهاتين الديانتين ولشريعتيهما، وذلك بديهي لدى عامة المسلمين، ناهيك عـن الشباب، اللهم إلا من بعض العملاء والمنافقين الذي يقولون بوحدة الأديان وبمقولة أبناء إبراهيم، وما إلى ذلك من ترّهات باطلة لا تنطلي على أحد.
ولا يقال إن المؤلف لم يقصد ذلك، لأنه في الصفحة (30) من الكتاب يقول، في معرض حديثه عن ضرورة الاقتداء بالرسل السابقين والامتثال لأمرهم،: ((والدليل على ما نقوله قوله تعالى في سورة يوسف {لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثاً يُفترَى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدىً ورحمة لقوم يؤمنون}. فقد بيّن سبحانه أن هذه القصص: تصديق للإسلام وتفصيل كل شيء وأنها هدى ورحمة لنا، فإنّ علينا تعلمها للاهتداء بها والاسترشاد بهديها})). إلى هذا الحد بلغ المؤلف من الجهل في تفسير آيات القرآن، مع أن قوله تعالى: {ما كان حديثاً يُفترى...} إلى آخر الآية، هو إخبار عن القرآن بأنه تفصيل لكل شيء، والهدى والرحمة للمؤمنين، ولا يعني بأية حال قصص الأنبياء والرسل السابقين.
إن جهل المؤلف ليس في مثل فظاعة جهل الأمير الذي أكد أكثر من مرّة أنه قرأ الكتاب ثلاث مرات فلم يجد فيه غلطة واحدة! ألم يقرأ هذه الآية في الكتاب ويقرأ تفسير المؤلف لها؟ ويقول الكتاب في الصفحة (28): ((فإننا ولا شك مطالَبون بتعلم آيات القرآن كلها وتعليمها والعمل بها، ومنها آيات القصص، وإلا لما كان لإيرادها الكثيف في القرآن معنى)). مع أن الآية التي استدل بها فيما بعد {لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب...} تدل بشكل قطعي لا لبس فيه على أن الله سبحانه وتعالى ذكر لنا آيات القصص للعِظة والعبرة.
وفي هذا الموضوع يقول الحزب في كتاب الشخصية ـ الجزء الأول وفي الصفحة 314: ((نعم إنّ القرآن قصّ علينا تاريخ بعض الأنبياء وبعض الأمم الأخرى للعِظة بالنسبة للإيمان وطاعة الله وبيان عاقبة من يعصيه، لا لنتخذ أخبارهم وأعمالهم منهجاً للســير بحسبه)). كما يقول في مكان آخر: ((ولكن معنى الإيمان بهم هو التصديق بنبوّتهم ورسالتهم وبما اُنزِل عليهم من كتاب وليس معنى الإيمان بهم اتّباعهم)).
وأما استدلال المؤلف بقوله تعالى: {فبهداهم اقتده}، واعتبار هذا النص دليلاً على وجوب الاقتداء بالرسل السابقين واتّباعهم من جانب المسلمين وحَمَلة الدعوة، فهو دلالة أخرى على جهل المؤلف بمعاني الآيات، وبما تبنّاه الحزب، الذي بيّن أن المقصود بقوله تعالى: {هداهم} الوارد في الآية هو أصل التوحيد ثم يوضّح ذلك فيقول إن الآية لا تطلب الاقتداء بهم وإنما بهداهم والفرق كبير وواضح.
ولا يكتفي الكتاب بتشويه الفكرة، وإفقادها نقاءها، بإضافة ما ليس من الإسلام إليها، بل يتعدى ذلك إلى الطريقة أيضاً، حيث يقول (29) : ((بعبارة أخرى فإن قصص الأنبياء والمرسَلين ما هي إلا نماذج لكيفية حمل الدعوة إلى الأمم المختلفة))، كما يقول في الصفحة (30) : ((فإن المسلم يحتاج إلى الوقوف على عدد من النماذج لكيفية حمل الدعوة إلى جميع الأقوام والأمم فَحَبَانا رب العالمين بنماذج عدة لكيفية حمل الدعوة التي تصلح لحامل الدعوة في التسلح بها والاستفادة منها)). فهو هنا يتجاهل أن أحكام الطريقة لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة، وبالتحديد من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجعل من قصص الأنبياء والمرسَلين السابقين نماذج لحمل الدعوة، وبالتالي يجعل هذا القصص مصدراً تشريعياً للطريقة أيضاً.
إن المرء لا يستغرب أن يقع الجاهل في الضلال، ولكن الغريب أن يظل مصرّاً على التمسك بهذا الضلال بعد أن بُيِّن له الحق، وذلك لا ينطبق على المؤلف وحده وإنما على الأمير بالدرجة الأولى، حيث هو الذي تبنّاه، وهو الذي رَدَّ بالرفض على كل من اعترَض على أي شيء في الكتاب.
والحزب يتبنّى أن الحكمة والعلّة يجب أن يكون على كل منهما دليل من نص شرعي، ولا يجوز الاستدلال على أي منهما بتقدير الإنسان، أو بتصورات العقل، أو بالقضايا المنطقية، وذلك طبيعي لأن العلة هي الباعث على الحكم، فإذا لم يبيِّن لنا الله هذا الباعث فلا يجوز لنا أن ندّعي أننا نعرفه، لأنه من اختصاصه سبحانه، فإنْ ذَكَرَه أخذناه وإلا فإن الحكم لا يكون معلَّلاً. ومثلما يقال عن العلة يقال عن الحكمة. فالحكمة هي مقصد الله سبحانه وتعالى من تطبيق الحكم، أي النتيجة التي أراد أن تترتب على هذا التطبيق. ومراد الله لا يعلمه إلا هو، فإنْ ذَكَرَه لنا أخذناه، وإلا فإننا لا يجوز لنا أن نلتمس للحكم حكمة، لأن في ذلك ادعاء بأننا مطّلعون على أمر يتعلق بذات الله دون أن يخبرنا عنه. وقد ورد في كتاب الشخصية ـ الجزء الثالث موضوع بارز وموسع (من الصفحة 359 حتى الصفحة 366) يقول الحزب فيه إنه لا يجوز الادعاء بمعرفة أية حكمة لم يَرِدْ فيها وحي من الله. فالحكمة هي الغاية التي أرادها الله من تشريع الحكم، وهي لا تكون إلا بنص شرعي لأننا يستحيل علينا عقلاً وشرعاً الاطلاع على حكمة لم يَرِد بها وحي، لأن الحكمة من اختصاصه تعالى.
غير أن الكتاب يورد العديد من الحِكَم التي لم يَرِد بها نص، وإنما فرضها المؤلف من عنده، مدّعياً بذلك أنه يعلم ما لم يخبرنا به الله. ففي الصفحة (38) يقول المؤلف ((أما الحكمة من هذا فهي أن كل نبي ورسول....)) ويقول في الصفحة (22) : ((هذه هي الحكمة وهذا هو القصد من استعمال لفظ التدبُّر))، وهاتان الحكمتان كغيرهما من الحِكَم التي أوردها المؤلف في الكتاب لا دليل عليهما من النصوص الشرعية التي جاء بها الوحي، وإنما يَستدل المؤلف على كل الحِكَم التي جاء بها بقضايا منطقية مضلِّلة. وكَمَثَل على طريقة التفكير المنطقية التي اتّبعها المؤلف في استنباط الحِكَم قوله في الصفحة (28) : ((ونحن نعلم أن الله سبحانه لا يأتي بحرف في كلمة في آية في سورة من القرآن إلا لحكمة ولغرض، فما الحكمة من ذِكر هذا القدر الكبير من قصص الأنبياء والمرسلين في القرآن المجيد؟))، وبعد سلسلة من القضايا المنطقية يضيف: ((نحن مطالَبون بالقصص ومأمورون بحملها للناس))، ثم يضيف ((فكما نحن مطالَبون بالعبادات، ومطالَبون بأحكام المعاملات والعقود، ومطالَبون بسائر الأحكام الشرعية تعلّماً وتعليماً وعملاً فإننا ولا شك مطالَبون بتعلم آيات القرآن كلها وتعليمها والعمل بها، ومنها آيات القصص وإلا لما كان لإيرادها الكثيف معنى)). فهو يعتمد على المنطق الذي يراه، فما دام القرآن فيه الكثير من آيات القصص فلا بد أن ذلك لحكمة، ثم لا يلبث أن يقدِّر هذه الحكمة منطقياً ويدّعي أن المقصود هو تعلّمها والعمل بها، متجاهلاً بذلك ما سبق أن بيّنّاه من أن الله بيَّن لنا أن ذكر القصص في القرآن إنما هو للعظة والعبرة. فهو في سيره وراء المنطق يتجاوز حدوده البشرية، ويدّعي معرفة ما لم يكشفه لنا رب العزّة، خارجاً بذلك عما تبنّاه الحزب واستدل عليه بالآيات القطعية، ومخالفاً ما تبناه الحزب كذلك من أن الحكمة لا يجوز أن تؤخذ من غير النص الشرعي.
ومثل ذلك يقال عن سائر الحِكَم التي أوردها في كتابه، كحكمة انفراد الرسول صلى الله عليه وسلم بالآيات التنزيلية دون سائر الرسل (مفسراً الآيات بأنها المعجزات مع أنها ليست كذلك)، وحكمة خلق الكون، وحكمة استعمال لفظ التدبر مع آيات القرآن وعدم استعمالها مع الآيات الكونية.
وسبق للحزب أن بيَّن خطر التماس العِلل والحِكَم من غير النصوص الشرعية، فذلك ما أدى بالبعض إلى اعتبار المصلحة علّة أو حكمة. وإلى القول بالتالي بالمصالح المرسَلة واعتبارها من القواعد الشرعية، الأمر الذي أدى بعلماء السلاطين إلى أن يحلّوا ما حرّم الله، ويحرّموا ما أحلّه، دون أي اعتبار للشرع.
ولعل أوضح ما خاض فيه الكتاب وتبنّاه الأمير بشكل مخالف لما تبناه الحزب، مع أنه يُعتبر من الأساسيات البديهية لدى الشباب، هو استدلاله بالظني على العقائد والغيبيات. فقد استدل بنصوص شرعية ظنية في موضوع الطائفة الظاهرة، وخرج من هذه النصوص، وبطريقة التفكير المنطقية إياها، إلى أن حزب التحرير هو الطائفة الظاهرة. والحزب كما يعلم الجميع ليس فئة منفصلة عن الأمة، بل هو جزء من الأمة. وقد حذّر شبابه أشد التحذير من الانفصال عنها، باعتبار ذلك لا يؤدي إلا إلى الإخفاق. والاستدلال بالظني على الغيبيات مناقِض لما تبناه الحزب، ومع ذلك فإننا لو افترضنا جواز الأخذ بالظني في العقائد والغيبيات، فما رأي مؤلف الكتاب والأمير الذي تبنّاه في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المستدَل به على الطائفة الظاهرة ((لا تزال)) وهو قول يعني أن هذه الطائفة الظاهرة مستمرة منذ أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث وحتى قيام الساعة؟ فكيف يكون ذلك وحزب التحرير لم يوجَد إلا في النصف الثاني من القرن العشرين؟ وأين هذه الطائفة قبل وجود حزب التحرير؟
هذا غيض من فيض مما ورد في الكتاب من أخطاء، بعضها إذا أصر عليه مدّعيه يُعتبر خطيئة، وبعضها يُعتبر من الضلال. وهناك الكثير من الأخطاء التي لم نأتِ على ذكرها، كقول المؤلف بأخذ ((ما لا يتعارض مع الأفكار والأحكام الشرعية)) رغم تحذير الحزب من ذلك في كتاب ((كيف هُدِمَت الخلافة))، وفي نشرة أصدرها في 7/8/1966 بعنوان: ((ما يوافق الإسلام وما لا يخالف الإسلام كلها أحكام كفر وليست من أحكام الإسلام)). ومن ذلك جهل المؤلف والأمير بأن الصفات والأخلاق ما هي إلا ثمرة التقيد بالأحكام الشرعية، وجهلهما بمفهوم الخير والشر (في الصفحة 105) رغم أن هذا المفهوم موضَّح بكل جلاء في كتاب مفاهيم حزب التحرير. ومن الأخطاء ما خاض فيه المؤلف في موضوع التدبّر والتفكّر، وتفرّد الإنسان بالعقل والخلط بين الإيمان والعمل، والقول بأن الآية الواحدة في القرآن معجزة، مع أن الله لم يذكر ذلك في القرآن، بل بيّن أن السورة معجزة، وهذا ما تبنّاه الحزب، والقول بأن كلمة ((آية)) تعني معجزة، مع أن الحزب تبنّ‍ى أن معناها العلامة الدالة على شيء، وهذا ما قال به سائر المفسّرين. ومن الأخطاء ادعاؤه بأن إعجاز القرآن قُصِدَ به إثبات وجود الله، مع أن العرب كانوا يؤمنون بوجود الله، وإعجاز القرآن كان لإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، بدليل قوله تعالى: {قل لمن الأرض ومَن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكّرون * قل من ربّ السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون الله قل أفلا تتقون}.
هذه الأخطاء وغيرها كثير لا تدل على جهل المؤلف وحده، وإنما تدل قبل كل شيء على جهل الأمير الذي تبنّى الكتاب، وأصرّ على تبنّيه وادّعى أنه لا يتضمن غلطة واحدة رغم كل ما بيّنه الشباب له في اعتراضاتهم وتساؤلاتهم من أخطاء. فقد ظل الأمير رغم كل ذلك مصرّاً على التمسك بتبنّي الكتاب، واعتبار كل من يفنِّد ما فيه أو من يعارِض تبنّيه، بأنه عاجز عن فهم الكتاب، فضلاً عن التوبيخ الذي وجّهه لبعض من فَنَّد أو عارض، والعقوبات التي أنزلها بالكثيرين بسبب هذا الكتاب.
والخلاصة أن هذا الكتاب فوق ما فيه من أخطاء كثيرة دلّ بشكل قاطع لا شُبْهة فيه على أن من كتبه ومن تبنّاه يجهلان الأفكار والأحكام والقواعد الشرعية الأساسية في الحزب، كما يجهلان معنى نقاء الفكرة، وحقيقة أن الطريقة أحكام شريعة لا يجوز أن تؤخذ إلا من الكتاب والسنة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحرم أن يضاف سواء للفكرة أو للطريقة أي شيء من غير الإسلام. ولا يقال هنا إن الأخذ من آيات القصص ليس أخذاً من غير الإسلام، لأن هذه الآيات موجودة في القرآن الكريم. لا يقال ذلك لأن القرآن الكريم وردت فيه آيات كثيرة على سبيل الإخبار، ونحن لسنا مطالَبين بتنفيذ ما في هذه الآيات، سواء كانت من قصص الأنبياء والمرسَلين أو أخبار الأمم السابقة، أو غير ذلك، فبعض الآيات تحدثت عن إبليس، وبعضها تحدث عنه الكفر الصراح كقوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله}، بل إن الله نهانا عن اتّباع اليهود والنصارى بقوله سبحانه: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملّتهم}، حيث جاء الإخبار هنا للنهي.
فالقرآن الكريم اشتمل على آيات طلب منا الإيمان بمضمونها أو تنفيذ ما جاء فيها من أحكام، كما اشتمل على آيات أخرى لا يجوز الإيمان بمضمونها أو تنفيذ ما جاء فيها، لأنها أخبرتنا عن كفر الناس أو معصيتهم.
وآيات القصص كلها إنما هي للعبرة، كما أخبرنا الله تعالى، حيث قال في سورة يوسف: {لقد كان في قصصهم عـبرة لأولى الألباب}.
ومثلما يحرم على الأمير تبنّي هذا الكتاب، لما تضمنّه من مخالفات للشرع ولما تبنّاه الحزب، فإنه يحرم عليه إلزام الشباب بتبنّيه، كما يحرم على أي شاب أن يتبنّاه بعد أن تبيّن له ما فيه من مخالفات شرعية وحزبية.
ولا عذر للأمير في هذا التبني، لأن الشباب في أسئلتهم وتساؤلاتهم واعتراضاتهم بيّنوا ما في الكتاب من مخالفات بشكل تفصيلي، ومع ذلك فإنه ظلّ مصرّاً على تبنّي الكتاب والادّعاء بخلوّه من الأخطاء، الأمر الذي لا يشير إلى جهله فقط، وإنما إلى عجزه وانحرافه كذلك.
هذا عن الكتاب، أما فيما يتعلق بالتخبط والفساد الإداري في الحزب، فحدِّث ولا حرج. فالمسؤوليات لا توكَل لمن هم أهل لها، وإنما للمحاسيب والأزلام الذين يَقبلون أن تكون صِلاتهم الشخصية ببطانة الأمير فوق المسؤولية الحزبية ومقتضياتها. وقد أدى هذا الفساد إلى ارتباك الأجهزة الحزبية، واضطراب الشباب، لأن المسؤولين عاجزون عن أداء مهامهم الحزبية على الوجه الصحيح، واستغلّوا صلاحياتهم في تنفيذ نزوات بطانة الأمير، وتصيّد الواعين المخلِصين، مما سمَّم الجو الحزبي، وجعل الشباب يفقدون الثقة بأمانة المسؤولين وبالحزب. ولعل أوضاع الحزب في الأردن وما آلت إليه مؤخراً أوضح دليل على هذه المسألة.
وفي ضوء كل هذه الحقائق التي بَيَّنت بشكل لا لبس فيه عجز الأمير عن رسم الخطط والأساليب لتحريك الشباب للقيام بمهمة الحزب الأساسية التي من شأنها تحقيق غايته، وإشغاله الشباب بدلاً من ذلك بإصدارات سياسية وفكرية وفقهية بلبلتهم مما جعل الحزب ينكفئ على نفسه، وإقراره للفساد والتخبط الإداري الذي تمارسه بطانته بتفويض منه، إضافة إلى إصراره على الاعتماد على هذه البطانة التي شكا منها معظم الشباب وطالبوه بإبعادها، والاستعانة بغيرها من الطاقات الكثيرة الرائعة المتوفرة في الحزب، رغم أن هذه البطانة عَرَفَ عنها الأمير الكثير مما لا يصّح السكوت عليه، كانشغالها بتفسير الأحلام، وباستحضار الأرواح والجن وحتى الملائكة كما زَعمَت، وكفساد ذمتها المالية، وقبولها هدايا بآلاف الدولارات من شباب تحت إمرتها، فإن الأمير يكون قد قَصَّر وخان الأمانة، وفَقَدَ ثقة الشباب، وأصبح مستحقّاً للعزل، ويحرم على أي شاب أن يظل موالياً له وسائراً في الحزب تحت إمرته.
والسؤال المهم والحاسم هو كيف يتم عزل الأمير؟
صحيح أن القانون الإداري تضمّن آلية لعزل الأمير، ولكن هذه الآلية صمّمها الأمير وبطانته بحيث لا تؤدي إلى عزله حتى لو ثبت عجزه أو فسقه أو انحرافه، لأن المعنيين بهذه الآلية هم في غالبيتهم من محاسيب الأمير وبطانته.
فهل يجوز أن يَحُول القانون الإداري دون تنفيذ ما هو واجب شرعاً؟
والجواب على ذلك أن الشباب حين انضمّوا للحزب أقسموا على أن يكون كل منهم ((حارساً أميناً للإسلام))، وهذا يوجِب على الجميع أن لا يجعلوا الشكليات الإدارية تَحُول دون تنفيذ الفرض. فما دام الأمير واجب العزل فيجب أن يُعزَل سواء بالطريقة الإدارية أو بغيرها.
وحرمة استمرار السير وراء هذا الأمير واضحة لا لبس فيها لأنه تبنَّى من غير الإسلام، وخالف الأساسيات الحزبية، وظلّ مصرّاً على هذا التبني بعد أن جاءه فيه البلاغ المبين. ولا يقال إن من لا يَثق بالأمير ولا يَقبل بتبنّي ما تبنّاه الأمير من مخالفات للشرع ولما تبنّاه الحزب من آراء وأفكار وأحكام أساسية عليه الخروج من الحزب. لا يقال ذلك لأن أمير الحزب الحالي هو شأننا جميعاً أصبح عضواً في الحزب بعد أن أقسم على الالتزام بما تبنّاه الأمير المؤسس رحمه الله. فالحزب ليس ملكه، وإنما هو مؤتَمَن على إمارة الحزب، فإما أن يؤدي مهامه على الوجه الصحيح، وإما أن يعتزل من نفسه، أو يُجبر على ذلك.
وقد حاول العديد من قياديي الحزب المخلصين نصحه بالتخلي عن إمارة الحزب بعد أن رفض التخلي عن بطانته، ورفض إلغاء ما تبنّاه مما يخالف أحكام الشرع وما تبناه الحزب من أساسيات. ولكنه رغم كبر سنه وضعفه لم يستجب لأحد.
وفي ضوء رفضه التخلي الطوعي عن إمارة الحزب. ورفضه التخلي عن بطانة السوء من حوله، ورفضه إلغاء ما يخالف الشرع وأساسيات الحزب مما تبنّاه، وفي ضوء استحالة عزله بحسب الإداريات والآليات الواردة في القانون الإداري. فإنه لا يبقى لعزله سوى طريقة واحدة، وهي أن يتولى الشباب أنفسهم هذه المهمة.
ولا يقال إن عزل أمير الحزب لا يجوز لأنه أشبه بشق عصا الطاعة على الخليفة. لا يقال ذلك، لأن إمارة الحزب إمارة خاصة، بينما إمارة الخليفة عامة، ولا قياس. فأمير الحزب كأمير السفر كل منهما أمير خاص، بينه وبين مَنْ هُم تحت إمرته عهد وشروط، فإذا نقض العهد، أو أخل بالشروط فإنّ من هُم تحت إمرته يصبحون في حِلّ من عهده.
فأمير السفر إذا اشتَرَط عليه من هُم تحت إمرته أن يتوقف في مكان ما أثناء السفر ورفض التوقف فإنهم يصبحون في حِلّ من إمرته، وفي هذه الحالة يمكنهم عزله وتولية أمير آخر من بينهم مكانه، وعلى الأمير الجديد أن يتقيّد بشروطهم. ومثل ذلك يقال عن أمير الحزب، فإن العهد الذي بيننا وبينه أن يلتزم بالفكرة والطريقة كما تبنّاهما الأمير المؤسس، وأن لا يضيف إليهما ما هو مـن غير الإسلام، وأن يسير بالحزب نحو غايته، فإنْ أخلّ بذلك بأنْ تبنّى من غير الإسلام وأصرّ على تبنّيه، أو عجز عن تسيير الحزب على الوجه الذي يجعل الحزب يتلبس بما من شأنه تحقيق غايته، فإن الشباب يصبحون في حِلّ من إمارته، وعليهم في هذه الحالة عزله وتولية غيره مكانه.
ولا يجوز في هذا المقام الاستدلال بالنصوص الواردة بشأن الأمير العام على أمير الحزب الذي هو أمير خاص. فقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من رأى من أميره شيئاً فكرهه فَلْيَصْبِر عليه فإنّ من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية" خاص بالأمير العام، أي الخليفة أو الحاكم، لأن لفظ الجماعة الوارد في الحديث يعني جماعة المسلمين، ولا يعني أي جماعة خاصة كجماعة السفر أو جماعة الحزب. ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"تَسمَع وتُطيع وإن ضَرَبَ ظهرك وأخَذ مالك". فالحاكم وحده الذي له صلاحية إيقاع العقوبات المادية والبدنية على الأفراد أو أخذ أموالهم. ونفس الشيء على قوله صلى الله عليه وسلم:"مَن خلع يداً من طاعة الله..."، كما ينطبق على ما جاء في حديث عبادة بن الصامت من قوله صلى الله عليه وسلم:"وأن لا نُنازِع الأمر أهله، قال إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان"، فقوله "أن لا ننازع الأمر أهله" متعلق بالحكم. تماماً مثل قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. وبناءً على هذا لا يجوز القول بأن طاعة أمير الحزب واجبة حتى يُظهِر الكفر البواح، لأن هذا متعلق بالحاكم وحده.
فأمير الحزب يفقد الحق في الطاعة كما يفقد شرعية إمرته إذا أخل بالعهد الذي بيننا وبينه، فلم يَجعل الحزب يقوم بالأعمال، التي من شأنها تحقيق الغاية، أو إذا تبنّى ما يخالِف الإسلام، أو يخالف أساسيات الحزب، ورَفَضَ العدول عن ذلك.
وقد ورد في الجامع الصغير للسيوطي (الجزء الثاني صفحة 22) حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه:"ستكون عليكم أمراء من بعدي يأمرونكم بما لا تعرِفون بما تُنكِرون فليس أولئك عليكم بأئمة". فإذا كان الأمر كذلك فيما يتعلق بالأمـير العام، فمن باب أولى أن ينطبق مضمون الحديث على الأمير الخاص.

وعلى هذا الأساس تَدَاعى الكثيرون من قياديي الحزب ونابهيه في مختلف المناطق الحزبية ودَرَسوا واقع الحزب، وواقع الأمير وبطانته، وقرروا بالإجماع اختيار قيادة مؤقتة للحزب تتولى تسيير الأمور ريثما يقوم الشباب باختيار أمير دائم لهم.
وقد قررت القيادة المؤقتة للحزب ما يلي:

أولاً: عزل عبد القديم زلوم عن إمارة الحزب وفصله من الحزب نهائياً.
ثانياً: إعفاء محمود عويضة (أبي أياس) من جميع مسؤولياته وفصله من الحزب نهائياً.
ثالثاً: إعفاء محمد صبري موسى (أبي عماد) من جميع مسؤولياته وفصله من الحزب نهائياً.
رابعاً: إعفاء عبد الحليم زلوم من جميع مسؤولياته وفصله من الحزب نهائياً.
خامساً: إلغاء تبني كتاب ((حمل الدعوة: واجبات وصفات)) واعتباره كأن لم يكن.
سادساً: إلغاء نشرة أوسلو ونشرة المعاهدة الأردنية واعتبار كل منهما كأن لم تكن.
سابعاً: إلغاء العقوبات التي أصدرها الأمير المعزول بحق الشباب بسبب نشرة النقابات والجمعيات الخيرية أو بسبب كتاب ((كتاب حمل الدعوة: واجبات وصفات))، ودعوة هؤلاء الشباب لاستئناف العمل مع الحزب.
ثامناً: دعوة جميع مسؤولي المناطق الحزبية التي لم يتم الاتصال بها حتى الآن، وجميع شباب الحزب في هذه المناطق، لإعلان تأييد عزل الأمير، والسير مع القيادة المؤقتة.
تاسعاً: تشكيل الأجهزة الرئيسية للحزب، وتعيين مسؤولين عامين لمختلف المناطق الحزبية في المجال وخارجه.
عاشراً: الشروع فوراً بوضع الخطط والأساليب للشباب لاستئناف العمل الحزبي على وجهه الصحيح، وبما من شأنه أن يحقق الغاية.

أيها الشباب:
إن واقع الحزب الحالي وكل الإحباطات التي عانيتم منها في ظل القيادة السابقة ستنتهي بعون الله، بفضل توفيقه تعالى ثم بفضل همّة وإخلاص كل واحد منكم. ونعني بالإخلاص الإخلاص لله أولاً ثم للحزب.
لقد كان لوقفتكم العقيدية الواعية والشجاعة في وجه انحراف القيادة المعزولة وفسادها الأثر الحاسم في نجاح عملية تصحيح مسار الحزب، وانتشاله من الوهدة التي تردّى فيها. فتمسّككم بنقاء الفكرة والطريقة، وعدم رضوخكم للوعيد والتهديد، وارتفاعكم الشامخ إلى مستوى التحدي، كل ذلك دلّ بالدرجة الأولى على إخلاصكم الخالص لله ثم للحزب، كما دلّ على الوعي الذي ينبغي أن يتحلّى به شباب حزب التحرير، وعلى الجرأة في أسمي صورها. فهذه الوقفة بكل أبعادها هي التي أدت بعون الله وتوفيقه إلى النجاح المنقطع النظير في عملية التصحيح.
إن أولوياتنا كما بيّنها الأمير المؤسس رحمه الله هي: الفكرة فالحزب فالدولة. فالأساس هي الفكرة، والحزب إذا حافظ على نقاء الفكرة، وظلت واضحة ومبلورة عند شبابه، يستطيع أن يُنهِض الأمّة، ويحقق الغاية، ويقيم الدولة إذا ما توفرت له قيادة تتميز بالإخلاص الخالص، وبالتفاني، والقدرة على رسم الخطط والأساليب للأعمال الحزبية المنتجة، وإذا ما دَأبَت هذه القيادة على إصدار الآراء والأفكار والأحكام بعد إعطائها حقها من الدراسة والبحث والفكر، بحيث يتجلى فيما يصدر الإبداع الذي افتقدناه منذ حوالي عشرين عاما، وإذا ما تجاوب الشباب مع هذه القيادة وأدّوا ما عليهم من واجبات.
فالفكرة النقية هي سر حياة الحزب، والحزب هو الأمل لإنقاذ الأمة بإقامة الخلافة، والخلافة هي الأمل لإنقاذ العالم بأسره بإذن الله.
والقيادة مهما أوتِيَت من قدرات، ومهما كان إخلاصها خالصاً، ومهما تفانت في أداء مهامها، فإنها عاجزة لوحدها عن تحقيـق الغاية، ما لم تُحسِن الاستفادة من طاقات الشباب الفكرية والفقهية والسياسية والإدارية وغيرها. وبِقَدْرِ ما تُدرك القيادة هذه الناحية، وبقدْر استجابة الشباب بالعطاء، بقدرْ ما نتقدم نحو الخلافة.
ولذلك فإن الحزب لا يقول لكم اطمئنوا فإن كل شيء على ما يرام، وإنما يدعوكم للكدّ والعمل والمشاركة التامة في كل الجهود التي تُبذَل لتحطيم العقبات التي تعترض سبيلنا، مهما كلف ذلك كل واحد منا من تضحيات.
وجائزتنـا الكبرى ليست تحقيق الغاية وحسب، وإنما هي بالدرجة الأولى وقبل ذلك وفوقه رضوان الله الذي نأمل أن نناله جميعاً.


{وَلَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُه إنّ اللّه لَقَوِيُُّ عَزيز} صدق الله العظيم


حزب التحرير

20 من جمادى الآخرة 1418 هـ
22/10/1997 م

آخر تعديل بواسطة خلافة ، 10-22-2011 الساعة 08:18 PM
رد مع اقتباس