عرض مشاركة واحدة
 
  #85  
قديم 04-01-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي ثالثاً: بلوغ النصاب

ثالثاً: بلوغ النصاب
لم يفرض الإسلام زكاة في أي قدر من المال النامي، وإن كان ضئيلاً، بل اشترط أن يبلغ المال مقدارًا محددًا يسمى "النصاب" في لغة الفقه، فقد جاءت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإعفاء ما دون الخمس من الإبل، والأربعين من الغنم، فليس فيهما زكاة، وكذلك ما دون مائتي درهم من النقود الفضية (الوَرِق)، وما دون خمسة أوسق من الحبوب والثمار، والحاصلات الزراعية (ستأتي الأحاديث المبينة للأنصبة في الفصول القادمة).
قال شيخ الإسلام الدهلوي
(هو الإمام العلامة مجدد الإسلام في الهند أحمد بن عبد الرحيم المعروف بلقب: شاه ولي الله، ولد سنة 1114هـ، وتوفي سنة 1176هـ صاحب "حجة الله البالغة" وغيرها من المؤلفات القيمة. انظر ترجمته مفصلة في "نزهة الخواطر" للسيد عبد الحي الحسني: 6/398-415- ترجمة رقم (760)، وكذلك في "تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند" لمسعود الندوي ص 129 وما بعدها، وفي "موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه" للسيد أبي الأعلى المودودي ص 101-121. وانظر الأعلام للزركلي: 1/144-145) .
في بيان الحكمة من هذه المقادير:
"إنما قدر من الحب والتمر خمسة أوسق، لأنها تكفي أقل أهل بيت إلى سنة. وذلك لأن أقل البيت الزوج والزوجة وثالث -خادم أو ولد بينهما- وما يضاهي ذلك من أقل البيوت. وغالب قوت الإنسان رطل أو مُدٌّ من الطعام، فإذا أكل كل واحد من هؤلاء ذلك المقدار كفاهم لسنة، وبقيت بقية لنوائبهم أو إدامهم.
"وإنما قدّر من الورق خمس أواق (مائتي درهم) لأنها مقدار يكفي أقل أهل بيت سنة كاملة إذا كانت الأسعار موافقة في أكثر الأقطار. واستقرئ عادات البلاد المعتدلة في الرخص والغلاء تجد ذلك.
"وإنما قدّر من الإبل خمس ذود، وجعل زكاته شاة، وإن كان الأصل ألا تؤخذ الزكاة إلا من جنس المال، وأن يجعل النصاب عددًا له بال؛ لأن الإبل أعظم المواشي جثة، وأكثرها فائدة: يمكن أن تُذبح، وتُركب، وتُحلب، ويُطلب منها النسل، ويُستدفأ بأوبارها وجلودها. وكان بعضهم يقتني نجائب قليلة تكفي كفاية الصرمة. وكان البعير يسوَّي في ذلك الزمان بعشر شياه، وبثمان شياه، واثنتي عشرة شاة، كما ورد في كثير من الأحاديث فجعل خمس ذود في حكم أدنى نصاب من الغنم، وجعل فيها شاة"
(حجة الله البالغة: 2/506)
. أ. هـ.
واشتراط النصاب في مال الزكاة مُجْمَع عليه بين العلماء، في غير الزروع والثمار والمعادن، ويرى أبو حنيفة أن في قليل ما أخرجت الأرض وكثيره العُشر، وكذلك روي عن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز وغيرهما: أن في عشر حِزم من البقل تخرجها الأرض حزمة منها صدقة واجبة.
ولكن جمهور العلماء يرون النصاب شرطًا لا بد منه لوجوب الزكاة في كل مال، يستوي في ذلك الخارج من الأرض وغيره من المال، وحُجَّتهم في ذلك حديث: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" وهو ما يقتضيه القياس على الأموال الأخرى، من الأنعام والنقود وعروض التجارة. .
والحكمة في اشتراط النصاب واضحة بيَّنة، وهي أن الزكاة إنما هي ضريبة تؤخذ من الغني مواساة للفقير، ومشاركة في مصلحة الإسلام والمسلمين، فلا بد أن تؤخذ من مال يحتمل المواساة، ولا معنى لأن نأخذ من الفقير ضريبة، وهو في حاجة إلى أن يُعان، لا أن يُعين، ومن ثَمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -:
"لا صدقة إلا عن ظهر غنى"رواه البخاري معلقًا. والإمام أحمد موصولاً كما سيأتي في الشرط الرابع
.
ومن هنا اتجه التشريع الضريبي الحديث إلى إعفاء ذوي الدخل المحدود من فرض الضرائب عليهم، رفقًا بهم، ومراعاة لحالهم، وعدم مقدرتهم على الدفع، وهو ما سبقت به شريعة الله منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس