عرض مشاركة واحدة
 
  #27  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: ثناء ابن باز رحمه الله تعالى على كتـــــــــــــاب فقه الزكاة للشيخ العلامة القرضاوي

أدلة وجوب الزكاة في الزروع والثمار


أولاً - من القرآن
(أ) أما الكتاب فقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تُغمضوا فيه)(البقرة:267) والأمر بالإنفاق للوجوب، وقد جعله الله تعالى من مقتضى الإيمان، والقرآن كثيرًا ما يعبر عن الزكاة بالإنفاق، قال الجصاص: قوله تعالى: (أنفقوا) المراد به: الصدقة، والدليل عليه قوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) يعنى: تتصدقون، ولم يختلف السلف والخلف في أن المراد به الصدقة (أحكام القرآن للجصاص:1/543).
(ب) وقال تعالى: (وهو الذي أنشأ جناتٍ معروشات وغير معروشات(الجنات: البساتين، ومعروشات: ما عرش الناس من الكروم، وغير معروشات: غير مرفوعات، مبنيات: لا ينبته الناس ولا يرفعونه، ولكن الله يرفعه وينبته وينميه -الطبري:12 / 156 - طبع المعارف)والنَّخل والزرع مختلفًا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابهْ، كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده)(الأنعام:141).
ذهب كثير من السلف إلى أن المراد بــ "الحق" هنا هو الزكاة المفروضة العُشر أو نصف العُشر.
روى أبو جعفر الطبري بسنده عن أنس بن مالك في تفسير الآية قال: الزكاة المفروضة.
وعن ابن عباس من أكثر من طريق قال: العُشر ونصف العُشر، وفي رواية عنه قال: يعني بحقه: زكاته المفروضة، يوم يُكال ويُعلم كيله.
وروى أيضًا عن جابر بن زيد والحسن وسعيد بن المسيب ومحمد ابن الحنفية وطاووس وقتادة والضحاك: أنه الزكاة أو الصدقة المفروضة أو العُشر ونصف العشر (تفسير الطبري:12/158-161) تختلف العبارات والمقصود واحد.
قال القرطبي: ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك في تفسير الآية، وبه قال بعض أصحاب الشافعي (القرطبي:7/99) وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة وأصحابه (بدائع الصنائع:2/53).
وقال آخرون: كان هذا شيئًا أمر الله به المؤمنين قبل أن تُفرض عليهم الصدقة المؤقتة (المحددة)، ثم نسخته الصدقة المعلومة: العُشر أو نصف العُشر.
روى ابن جرير بسنده عن ابن عباس في تفسير الآية قال: نسخها العُشر ونصف العُشر.
وروى مثله عن محمد ابن الحنفية عن إبراهيم النخعي، وفي رواية عن إبراهيم قال: "هذه السورة مكية، نسخها العُشر ونصف العُشر".
وعن سعيد بن جبير قال: هذا قبل الزكاة، فلما نزلت الزكاة نسختها.
وعن الحسن قال: نسختها الزكاة.
وعن السدي: كانوا إذا مر بهم أحد يوم الحصاد أو الجذاذ، أطعموه منه، فنسخها الله عنهم بالزكاة، وكان فيما أنبتت الأرض العُشر ونصف العُشر.
ونحوه عن عطية العوْفي (تفسير الطبري:12/168-170).
ذكر ابن جرير هذه الآثار، ورجح بعدها القول بأن الآية منسوخة، مؤيدًا ذلك بأن الزكاة المفروضة في الحب لا يُمكن إيتاؤها يوم الحصاد، بل بعد الدياس والتذرية والتنقية.
وكذلك صدقة الثمر لا تؤخذ إلا بعد الجفاف، كما أن قوله تعالى في الآية: (وَلا تُسرفوا)(الأنعام:141) لا وجه له إذا فُسِّر الحق بالعُشر ونصفه، لأنه مقدار محدد يتولى أخذه ولاة الأمر، فكيف ينهى رب المال عن الإسراف (تفسير الطبري:12/170-173) فهذا الحق إذن حق آخر غير الزكاة، وإذا لم يكن في المال حق سوى الزكاة، فهذا الحق منسوخ، فإنها نسخت كل حق سابق في المال.
والغريب من شيخ المفسرين ابن جرير أن يختار القول بأن الآية منسوخة، مع تحريه في قبول النسخ، ورده على كثير من دعاوى النسخ في آيات أُخر، مع أن النسخ لا يُلجأ إليه إلا عند التعارض التام بين نصين، بحيث يستحيل إعمال كل منهما، فهل العلاقة بين قوله تعالى: (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، والأحاديث الصحيحة التي فرضت العُشر أو نصفه - علاقة التضاد والتعارض التام؟ أم هي علاقة المجمل بالمفصَّل؟ والمبهم بالمفسَّر؟
إن الاحتمال الأخير هو الظاهر بوضوح لكل من تأمل العلاقة بين النصوص، وينبغي ألا يغرنا ما ذكره الطبري من الآثار عن ابن عباس وغيره من السلف: أن الحق المأمور به في الآية نسخه العُشر والزكاة المعلومة، فمن المعلوم أن النسخ في اصطلاح المتأخرين -بمعنى رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر- أخص من النسخ في عُرف الصحابة والتابعين وأتباعهم، فقد كان يدخل فيه ما سمى فيما بعد: تخصيص العام، وتقييد المطلق، وتفسير المبهم، وتفصيل المجمل ونحوها.
قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات: "الذي يظهر من كلام المتقدمين: أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين، فقد كانوا يطلقون على تقييد المطلق نسخًا، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخًا، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخًا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل متأخر نسخًا، لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد" (الموافقات:3/75).
وقال المحقق ابن القيم: "ومراد عامة السف بالناسخ والمنسوخ، رفع الحكم بجملته تارة -وهو اصطلاح المتأخرين- ورفع دلالة العام والمطلق وغيرها تارة، إما بتخصيص أو تقييد مطلق وحمله على المقيد وتفسيره وتبيينه حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخًا، لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد، فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه، ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يُحصى وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على اصطلاح الحادث المتأخر" (إعلام الموقعين:1/28،29-طبع المنيرية).
وقد أحسن ابن كثير حين عقب على القول بالنسخ في هذه الآية فقال: "وفي تسمية هذا نسخًا نظر؛ لأنه قد كان شيئًا واجبًا في الأصل، ثم إنه فصل بيانه وبين مقدار المخرج وكميته، قالوا: وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة والله أعلم" (ابن كثير:2/182).
وبهذا يظهر لنا: أن الآثار التي ذكرت أن الحق في الآية منسوخ بالعُشر لا تعارض الرأي الأول الذي يقول: إن المراد بالحق في الآية هو العُشر.
وبه نفهم كيف روى كلا القولين عن ابن عباس وابن الحنفية والحسن؛ لأن الظاهر من تفسيرهم الحق: بالعُشر أو نصفه - مع علمهم بأن السورة مكية - أنهم يعنون: أن الإجمال فيه بُيِّن بعد الهجرة بالمقادير التي بينتها الزكاة، كأمثالها من الآيات المكية، التي ورد فيها وصف المؤمنين بإيتاء الزكاة، مع أنها لم تكن حددت وبينت بعد.
وما قيل من أن الزكاة لا يتيسر إيتاؤها يوم الحصاد، فهذا صحيح في بعض المزروعات كالقمح، أما الخضراوات والفاكهة كالعنب والرطب والزيتون والرمان - وهي الأربعة التي ذكرها الله في الآية مع الزرع - فيمكن تزكيتها يوم الحصاد، أي يوم القطع والجني.
وأول بعض العلماء إيتاء الحق بمعنى العزم عليه (انظر تفسير الفتوحات الإلهية - حاشية الجمل:2/99- طبع عيسى الحلبي).
أما النهي عن الإسراف، فيمكن صرفه إلىالأكل في قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر) (الأنعام:141).
ثانيًا - من السُنَّة
وأما السنة:
(أ) فروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا: العُشر، وفيما سقى بالنضح : نصف العشر"(قال في المنتقى: رواه الجماعة إلا مسلمًا، لكن لفظ النسائي وأبي داود وابن ماجه: "أو كان بعلاً" بدل "عثريًا" ..نيل الأوطار:4/139، 140- طبع العثمانية).
والمراد بالعثريِّ: ما يشرب بعروقه من الأرض من غير سقي.
(ب) وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : "وفيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سُقي بالساقية نصف العشور"(رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال: الأنهار والعيون - المصدر نفسه).
(جـ) وجاءت أحاديث أخرى في تحديد نصاب الزروع والثمار، وفي بعث السعاة وغير ذلك.
ثالثًا - الإجماع
وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة على: وجوب العُشر أو نصفه فيما أخرجته الأرض في الجملة، وإن اختلفوا في التفاصيل (بدائع الصنائع:2/54).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس