عرض مشاركة واحدة
 
  #69  
قديم 12-07-2011
طالب عوض الله طالب عوض الله غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 246
Exclamation رد: مجموعة طالب عوض الله ( الجزء الر ابع ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا يعني تطبيق الشريعه

م. موسى عبد الشكور

الحلقه الرابعه :

قلنا ان النظر الى الاشياء المحسوسة التي يعيها الانسان يؤكد وجود خالق خلقها ودبّرها أي أوجد الاشياء من عدم بعد أنْ لم تكن موجودة. فكل كوكب من الكواكب ونجم من النجوم في هذا الكون، وكل جانب في الانسان، وكل مظهر من مظاهر الحياة، يقدم الدليل تلو الدليل، وبصورة قطعية لا تحتمل الشك، على وجود الله الخالق المدبر. ذلك لأن هذه الاشياء محتاجه الى غيرها سواء في ذاتها او صفاتها او مساراتها او نظمها وانها مخلوقه



هذا بالنسبة للعقل، أما بالنسبه للشرع،" فان النصوص التي وردت لمجرد التأكيد ان هذه الرسالة السماوية تعتمد على العقل طريقاً للايمان، حتى اذا ثبت أنها جاءت من عند الله، ازداد المؤمن بها ككل وكجزئيات ايماناً على ايمان " فقد نظر القرآن الكريم، "المصدر الأول للاسلام"، فقد ظهر من الآيات العديدة المؤكدة لهذا المعنى. ففي سورة آل عمران، آية 190، نجد قوله تعالى "إن في خلق السموات والارض، واختلاف الليل والنهار، لآيات لأولي الألباب". مما يستثير العقول لتدبّر هذه الاشياء الكونية وما فيها من نقص في ذواتها، وعجز في تحركاتها وقدراتها، واحتياج فيها لغيرها. كما نجد في سورة الروم، آية 22، قوله تعالى "ومن آياته خلق السموات والارض، واختلاف ألسنتكم وألوانكم"، مما يضيف بعض جوانب الانسان الى مظاهر الكون في استثارة التفكير والتدبّر واستعمال العقل. ونجد هذا في قوله تعالى في سورة الغاشية، آيات من 17 الى 20 "أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت، والى السماء كيف رفعت، والى الجبال كيف نصبت، والى الارض كيف سطحت". والآيات 5 و 6 و 7، فقد لفتت النظر الى الانسان وحده. إذ يقول تعالى "فلينظر الانسان ممَّ خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب" .. فهذه الآيات وأمثالها تطالب الانسان أن لا يمرّ بالاشياء المحسوسة من حوله دون تفكر وتمعّن وتدبّر سواءا فيها او في كل ما يتعلق بها. لأنه بذلك يصل الى الاستدلال القاطع بأن الخالق المدبر موجود، ويكون استدلاله قاطعاً لأنه استند الى اشياء يقع عليها الحس فيصل الى نتائج قطعية وحتمية. الأمر الذي يجعل الايمان بالله ليس ايمان الشك وانما الايمان الراسخ بعد أن أجهد العقل بكل تجرّد ونزاهة واستخدم الأدلة والبينات العقلية والحسية بكل دقة وأمانة. وليس ايمانا موروثا من الاباء



وبالرغم من هذه النتائج القطعية في الايمان العقلي الا انه يبقى جانبان مهمان لا بد من تسليط الضوء عليهما حتى لا يشوشا على هذا الايمان القطعي. ألا وهما تدخل الفطرة والوجدان فيه، وقصور العقل عن إدراك غير المحسوسات لان العقل لا يستطيع البحث الا في الواقع الذي يقع عليه حسه أي حواسه الخمسه

وبالرغم من هذه النتائج القطعية في الايمان العقلي الا انه يبقى بين أيدينا جانبان مهمان لا بد من تسليط الضوء عليهما حتى لا يشوشا على هذا الايمان القطعي. ألا وهما تدخل الفطرة والوجدان فيه، وقصور العقل عن إدراك غير الحسّيات وغير المعقولات.

والفطرة هي طبيعة الانسان التي خلقه الله عليها من كونه كائناً حياً لديه غرائز وحاجات عضوية تدفعه للقيام بالاعمال . كما لديه عقل يوجّه تلك الغرائز والحاجات ويضبطها لتسير وفق مسارات معينة. وهذا العقل وتلك الغرائز والحاجات العضوية تحكمها حدود معينة لا تتجاوزها لا في ذاتها ولا في مهماتها. ومن هنا قيل ان الفطرة البشرية تقرّ بالبداهة بأن الانسان عاجز وناقص ومحتاج لغيره، وهي بالتالي تقرّ بأن الانسان مخلوق لخالق.

فالفطرة الانسانيه تتدخّل في الايمان فلا شك ان الخالق المدبر مما ترشد اليه فطرة الانسان السوية وطبيعته النقية التي كما أسلفنا تعلن عن حقيقة الذات الانسانية وما فيها من نقص وعجز واحتياج في ذاتها وصفاتها الى الخالق المدبر. ولكن الخطورة في ترك الفطرة مصدراً يحتَكَم اليه وحده في الايمان تكمن في كونها تعتمد على الوجدان وحده في ذلك. والوجدان لا يجوز ان يكتفى به في الايمان، لأنه مجموعة من المشاعر والعواطف التي تزدحم بالخيالات والأوهام، مما يضفي على الايمان ما يسمى بالحقائق، وما هي الا أوهام. مما يقود المؤمن الى الكفر او الضلال .. وإلا فمن أين جاءت عبادة الاصنام، ومن أين ازدحمت في النفوس الخرافات والترّهات. انها نتيجة لخطأ الوجدان الذي تُرك وحده سبيلا للايمان، فأضاف لله سبحانه صفات تتناقض مع الألوهية، كأن تكون له سبحانه اعضاء كالبشر، او يمكن تجسّده في مادة كإنسان او حيوان، أو يمكن التقرب منه بعبادة مادة من اشياء الكون او المخلوقات الحية. وذلك كله يوقع في الكفر او الشرك إن لم يقف عند الأوهام والخرافات التي تتنافى مع الايمان السليم. ولهذا نرى كيف ان الاسلام ألزم باستخدام العقل مع الوجدان، وعدم ترك الوجدان وحده في ذلك. وأوجب على الانسان المسلم ان يستعمل عقله ويجعله الحكم في الايمان بالله تعالى، ولم يقبل منه التقليد في ذلك. والا فما معنى قوله تعالى "إن في خلق السموات والارض، واختلاف الليل والنهار، لآيات لأولي الألباب".

وأما قصور العقل عن ادراك ما فوق الحسيات والعقليات، وكيف يحتكم اليه مع هذا القصور في الايمان بالله تعالى. فهذا القول فيه خلط في ادراك حقيقة مهمة العقل في الايمان. صحيح ان العقل عاجز عن ادراك ما وراء الحسيات والعقليات لأن قدراته لا تتجاوز هذه الحدود، ولذلك لا يمكنه ادراك ذات الله تعالى، لأنه سبحانه وراء الحسيات من كون وانسان وحياة. ولكن مهمة العقل في الايمان محصورة في وجود الخالق،- وليس ادراك او بحث ما هيه الخالق- وهو وجود مدرَك تبعاً لإدراك وجود المخلوقات الداخلة في حدود إدراكه. ولا علاقة لمهمة العقل بذات الخالق لأنها وراء العقل والحس. وهكذا تذهب هذه الشبهة وتنتفي ليس بإلغائها فقط بل بجعلها سبباً من اسباب قوة الايمان ذاته. وذلك لأن هذا الادراك التام لوجوده تعالى قد تحقق عندما جعلنا ايماننا به سبحانه عن طريق العقل. وكذلك تحقق الشعور اليقيني بوجوده تعالى عندما ربطنا بين الشعور والعقل عند هذا الادراك، ولم نترك الشعور بمفرده. وهو الحال الذي يزيدنا ايماناً على ايمان ويجعلنا نسلّم بكل ما قصّر عقلنا عن إدراكه ما دام لا يملك الا المقاييس البشرية في قدرته لإدراك ما قصر عنه، كإدراك ذات الله تعالى او ادراك بعض المخلوقات كالملائكة والجن، ما دام ايماننا بوجود هذه المخلوقات قد جاء عن طريق ثبت أصله بالعقل.

اما انه يجب اجتماع العقل مع الفطرة للاقرار بوجود الخالق فان ذلك خشية أن يقف الايمان عند الجانب العاطفي او الوجداني او الغرزي، دون ان يشمل العقل. ولذلك قيل بعدم الاحتكام الى الوجدان وحده في الايمان، بل لا بد من مصاحبة العقل له ليأمن الزلل والوقوع في الكفر او الضلال.

ويتشكل الوجدان من مجموعة العواطف والمشاعر والميول التي تمارس الغرائز والحاجات العضوية وظائفها من خلالها. فغريزة التدين كإحدى الغرائز لديها ما يناسبها من هذه المشاعر، من تقديس وتعظيم وعبادة، فتبعاً لتداخل مشاعر الغرائز الاخرى مع مشاعر التدين، وهي كلها في كيان واحد، فانه يحصل الاختلاط على الانسان في الامور. فغريزة البقاء، وحبها للذات وميلها للدفاع عن النفس ورغبتها في التمتع بالحياة وأشيائها، تقوم بدفع الانسان للدفاع عن نفسه عندما يتخيل ان شيئاً من المخاطر يهدد هذا البقاء، او ان شيئاً يحفظه، فيجعله موضع تقديس وعبادة، وكما يحصل في تقديس بعض الحيوانات او مظاهر الكون. وهذا ظاهر حتى الآن لدى بعض الشعوب .التي تعبد الببقر او اشمس او القديسين. ومن هنا كان لا بد من تدخل العقل ليمنع هذه الخيالات او الاوهام من أن تبعد الايمان عن الطريق المستقيم.

اما بالنسبه للعقل البشري فهو مخلوق وقاصر ولكنه قادرا على ادراك وجود الخالق المدبر فكان طريقاً للايمان. وأما قصوره عن ادراك ذات الخالق فلا صلة له بالايمان ما دام الايمان بوجود الخالق وليس بحثا في ذاته. ومن هنا كان ادراك ان العقل مقصر عن ادراك ذات الخالق مدعاة للاطمئنان بصحة استخدام العقل كطريق للايمان بالوجود

والعقل عاجز عن ادراك ما يتجاوز حدود الاشياء الحسية والامور العقلية، لأن ادراكه محصور بحدود هذه الاشياء، ويحتاج ان يكون الشيء محسوساً حتى يدركه، وأن يكون الأمر معقولاً حتى يدركه لأن عملية الادراك في العقل لا تنجز مهمتها الا اذا انتقل الشيء المحسوس الى الدماغ بواسطة جهاز الحواس في الانسان ثم يجري العقل أي الربط بين هذا الشيء المحسوس والمعلومات المختـزنة سابقاً لدى العقل، وعندها يصدر عنه ادراك للشيء فيصدر حكمه عليه بأنه كذا او كذا

__________________
[