عرض مشاركة واحدة
 
  #1  
قديم 10-08-2011
المحرر السياسي المحرر السياسي غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 106
افتراضي الأفكار الفردية وضررها على الفرد والمجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم
الأفكار الفردية وضررها على الفرد والمجتمع

وجد بين الناس بفعل التأثر بالحضارة الغربية والأفكار الرأسمالية أفكار خطيرة أثرت على حياة الناس وأثرت على سيرهم في التحرر من الغرب والانعتاق من هيمنته عليهم. وأخطر هذه الأفكار على الإطلاق هي الأفكار الفردية، وبفعل هذه الأفكار وُجدت فكرة الزعامة، ووُجدت فكرة الإصلاح الفردي، ووُجدت فكرة تغيير الأشخاص من الحكم لإصلاح الحكم بأشخاص غيرهم، ووُجدت فكرة العداء الفردي، ووجدت فكرة التقدم الفردي في الحياة، ووُجدت فكرة البحث في الأشخاص بدل البحث في الأفكار، ووجدت الأنانية الفردية وتركزت الأثرة في النفوس، كما وجدت فكرة العمل الفردي والدعوة الفردية. ولقد تفشت في الأمّة المفاهيم الفردية أي الاهتمام بالفرد نتيجة تطبيق المبدأ الرأسمالي، فسادَ فيهم المثل الشائع (اللهم نفسي) وصارت تجري على ألسنتهم الأقوال التي تحث على عدم المسؤولية عن غيرهم فتجد الشخص يقول (مالي وما لغيري)، وتركزت هذه الأفكار عند الناس حتى أصبحت سجية عند الكثير من أبناء المسلمين، مما أضعف تصورهم عن العمل لإيجاد الإسلام في معترك الحياة، وتعمق بفعل هذه الأفكار اليأس والإحباط، والشعور بالعجز، وسقط كثير من أبناء المسلمين في شرك تأثير الأفكار الغربية.
والذي أدى إلى التأثر بالأفكار الفردية هو عدم تصور المسلمين لقضيتهم التصور الصحيح الذي يضعهم على الطريق المؤدية إلى تحقيقها، فمثلا كثير من المسلمين يظن أن الأفراد المفكرين الذين ينشأون في الأمّة هم الذين ينهضون بها وهم الذين يوجِدون الدولة والمجتمع، وقد يُستشهَد في هذا المجال بالأنبياء وبالمصلحين فإنهم أفراد نهضوا بأممهم، والحقيقة أن الأفراد بصفتهم الفردية ليس لهم كيان، والأمّة في مجموعها كيان، والدولة كيان، فلا يمكن أن يؤثر في كل منهما إلا كيان أقوى منهما، له الصفة الكيانية المركبة من عوامل يربط بينها رابط يجعلها تشكل كياناً، فالفرد مهما بلغت قدرته لا يمكن أن يؤثر في كيان مهما بلغ ضعفه، فلا يؤثر في الكيان إلا الكيان. ومثلا أشيع بين المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم عمل في سعيه لإنهاض قومه وإقامة الدولة الإسلامية على تربية أصحابه تربية فردية، وبالتالي فإن السبيل إلى النهوض بالمسلمين هو تربيتهم فرديا حتى تستغرق جميع المسلمين وبذلك ينشأ المجتمع المسلم، في حين كان الرسول ينزل عليه القرآن فيبلغّه للناس، ومن يلازمه يعلمه أحكامه، ومن ملازمته له يعرف سلوكه ويذكره إذا رأى أي انحراف أو تقصير. فعمله كان التبليغ العام وتعليم من يلازمونه ثم تذكيرهم، ولم يكن عمله التربية الفردية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المجتمع ليس مؤلفاً من أفراد كما يتوهم الكثيرون، وإنما الأفراد أجزاء في الجماعة، والذي يجمع بين هؤلاء الأفراد في المجتمع أجزاء أخرى هي الأفكار والمشاعر والأنظمة. ولذلك تُبعث الدعوة لتصحيح الأفكار والمشاعر والأنظمة، وهذه دعوة جماعية ودعوة للمجتمع لا للأفراد. وما إصلاح الأفراد إلاّ ليكونوا أجزاء في كتلة جماعية تحمل الدعوة إلى المجتمع.ذلك أن إصلاح الفرد لا يمكن أن يصلح المجتمع، بل لا يمكن أن يصلحه هو إصلاحاً دائمياً، وإنما يكون إصلاح الفرد بإصلاح المجتمع، فمتى أُصلح المجتمع أُصلح الفرد.
ومثلا يرى كثير من الناس أن تغيير الواقع يكون فقط بتغيير الحكام، فإذا عملنا على أخذ الحكم من هؤلاء الحكام فإننا نستطيع تغيير المجتمع، مع أن تغيير المجتمع يحتاج إلى تغيير الأفكار والمشاعر السائدة عند الجماعة والمجتمع وتغيير الأنظمة التي تنظم علاقات المسلمين، وتغيير الحكام يكون طبيعيا لتغير النظرة إلى المصالح بفعل تغيير الأفكار والمشاعر التي يحملها الناس عن مصالحهم في المجتمع. ومثلا يتصور كثيرون أن مسألة وجود الدولة الإسلامية لا يحتاج إلى عمل جماعي، بل إن بضعة أفراد قادرون على أخذ الحكم وتولي زمامه. إلا أنه لا يمكن أخذ السلطة بقصد إعادة بناء المجتمع على أسس جديدة إلا إذا كان أخذ السلطة هذا يعني العمل الجماعي الذي يرمي إلى تغيير المجتمع ورفع عقلية ونفسية الأمّة، وفقدت من نفوس الساعين لأخذ السلطة النظرية الفردية، وجرى تقييد طموح الأفراد بشكل يؤدي إلى أن يتجه هذا الطموح إلى النواحي الجماعية. فالعمل الفردي يمكن أن يأخذ السلطة ولكنه لا يمكنه أن يأخذها بقصد بناء المجتمع على أسس جديدة، إذ لا يمكن ذلك إلا بعمل جماعي تنتفي منه الفردية انتفاءً تاماً وتتحقق فيه أنه يرمي إلى تغيير نوع العلاقات القائمة بين الناس ويرمي إلى رفع عقلية الأمّة ونفسيتها. ولهذا كانت طريقة أخذ السلطة بقصد إعادة بناء المجتمع على أسس جديدة أشق من أخذها لإصلاح المجتمع الموجود أو لمجرد الأخذ، ومن هنا كانت تتطلب جهداً أضخم ومدة أطول.
ومثلا كثير من المسلمين يرى أن الواجب المتعلق به هو أن يصلح نفسه ويصلح أهل بيته فقط، ولا يلزمه العمل لإصلاح المجتمع، وأنه إذا قام بإصلاح نفسه وأهل بيته فإن ذلك يكفيه وسينجيه من عذاب الله، ويصل البعض بهم إلى الاستدلال بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون } على أن الواجب المتعلق به هو أن يصلح نفسه وأهل بيته، مع أن الآية تدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تدل على تركه أبدا، قال عبد الله بن المبارك : هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمرعوف والنهي عن المنكر، فإنه تعالى قال :{ عليكم أنفسكم } يعني عليكم أهل دينكم ولا يضركم من ضل من الكفار، وخطب أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال : إنكم تقرأون هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } وتضعونها في غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب ".
ولم يقتصر تأثر المسلمين بالأفكار الفردية على الأمثلة السابقة، بل إن أخطر ما تأثر به المسلمون من الأفكار الفردية هو الأنانية الفردية التي ترسخت بين الناس. أما كون الأنانية الفردية هي من أخطر الأفكار التي تأثر بها المسلمون من المبدأ الرأسمالي فذلك واضح من أن الأفكار الفردية هي من الأفكار المنحطة لأنها تتعلق بالذات، أما الأنانية الفردية فإنها فضلا عن كونها تتعلق بالذات فإنها تؤصل الأثرة في النفوس، وتبعد عنها التضحية والإقدام، وتشل حركة الجماعة والمجتمع، بل تجعل المجتمع غابة جانية يأكل القوي فيها الضعيف. وهذه الفكرة من الأفكار الأساسية في الفكرة الرأسمالية، ذلك أن الرأسمالية تقوم على الفردية، وتقدس الفردية، وعنها انبثقت الحريات الفردية، حرية العقيدة وحرية التملك والحرية الشخصية وحرية الرأي، فنتج عن هذه الأفكار الفساد الظاهر الذي يعيشه الغرب والذي تكتوي بناره الإنسانية جمعاء.
وكم جرت هذه الفكرة على الأمة من بلايا ورزايا، وكم أذهبت من جهود لأنهاض الأمة وإخراجها من الحال الذي هي فيه، فالفرد الذي يراه الناس أمة إذا ما انحرف أو تخاذل، كم سينحرف معه ممن يثقون به ؟؟، ورئيس الدولة الذي يهدر كرامة أمته ويقضي على الرجولة في شعبه، في سبيل بقائه في سدة الحكم أو متوسدا النعيم الذي هو فيه، كم يكون قضى هذا على أجيال وجهود وآمال ؟؟.
وهكذا أصبحت الأفكارالفردية تغزو العقول شيئا فشيئا حتى ترسخت عند الكثيرين من أبناء المسلمين دون أن يلتفتوا إلى خطورة هذه الأفكار ومدى تأثيرها على حياتهم واندفاعهم ليعيدوا بناء حياتهم على أساس الإسلام، ساعين للتحرر من نير الاستعمار بكل صوره وأشكاله.
والأفكار الفردية بما فيها الأنانية الفردية من أخطر الآفات على الجماعة والمجتمع، ومن شأنها أن تقوض أركان الجماعة والمجتمع. وإذا ما تفشت هذه الأفكار في المجتمع، فإن إنهاض هذا المجتمع يحتاج إلى جهد أكبر مما لو لم تكن هذه الأفكار مسيطرة فيه، ولذلك لا بد من علاج تفشي الأفكار الفردية علاجا جماعيا حتى تقلع من المجتمع وحتى يسار في طريق النهضة بشكل جماعي.
أما كيف تعالج الأفكار الفردية في المجتمع، فإن ذلك يكون ببيان فسادها وخطرها على الجماعة والمجتمع، وبيان حقيقتها البشعة حتى ينفر الناس منها، كما أنه يجب أن تحارب هذه الأفكار من خلال العمل على إثارة روح التضحية والإيثار وضرب الأمثلة الواقعية والتاريخية للأمة حتى توجد نماذج حية من تاريخ المسلمين وحاضرهم على أهمية البذل والتضحية والعطاء، والإهتمام بالآخرين والمسؤولية عن غيرهم.
لذلك كان من الواجب بيان أن الأنانية الفردية انبثقت عن المبدأ الرأسمالي، والرأسمالية مبدأ فردي، يرى أن المجتمع مكون من أفراد، ولا ينظر للمجتمع إلا نظرةً ثانويةً، ويخص نظرته بالفرد، ولذلك يجب أن تضمن الحريات للفرد. وهو بتقديسه للفرد إنما يركز في الأفراد الأنانية الفردية ويجعل النظرة للفرد هي أساس العلاقات في المجتمع. بينما ينظر الإسلام للجماعة باعتبارها كلاً غير مجزأ، وينظر للفرد باعتباره جزءاً من هذه الجماعة غير منفصل عنها. ولكن كونه جزءاً من الجماعة لا يعني أن جزئيته هذه كجزئية السن في الدولاب، بل يعنى أنه جزء من كل، كما أن اليد جزء من الجسم. ولذلك عني الإسلام بهذا الفرد بوصفه جزءاً من الجماعة، لا فرداً منفصلاً عنها، بحيث تؤدي هذه العناية للمحافظة على الجماعة، وعني في نفس الوقت بالجماعة لا بوصفها كلاً ليس له أجزاء بل بوصفها كلاً مكوناً من أجزاء هم الأفراد، بحيث تؤدي هذه العناية إلى المحافظة على هؤلاء الأفراد كأجزاء، قال صلى الله عليه وآله وسلم " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فان تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وان أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جمـيعاً ".
ولم تقف نظرة الإسلام إلى الفرد والجماعة عند هذا الحد، بل جعل الإسلام الإيثار من الخصال الممدوحة والتي جاء القرآن يمدح المؤمنين لاتصافهم بهذه الصفة قال تعالى { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُم".
رد مع اقتباس