عرض مشاركة واحدة
 
  #9  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433

ملابس النساء:
أما عن ملابس النِّساء، ففي الحقيقة هذه الملابس تعدَّدتْ وتطورتْ باستمرار؛ لأنَّ الحديث عنها يحتاج إلى عِدَّة مجلَّدات على حدِّ قول أحد المؤرِّخين المعاصرين[65].

ومع هذا سنُجمِل الحديثَ بالشكل الذي يُعطينا السِّماتِ العامة التي ميَّزت ملابسَ النساء في ذلك العصْر، ومدى عناية المرأة بملابسها.

وأول ما يسترعى الانتباهَ في ملابس النساء: أنَّها تميَّزت بالاحتشام، وهو ما لَفَت أنظار بعض الرحَّالة الأوربيِّين الذين زاروا القدس في ذلك العصر.

وقد جرتْ عادة النساء أن يضعنَ على وجوههن "الخمار"، وهو بُرْقع أسود شفَّاف يسمح للمرأة أن ترى الناس، ولا يرى أحدٌ وجهَها، أو "النِّقاب" أو "القناع" الذي يغطِّي الوجه، ولا تظهر منه العينان، ويكون شفَّافًا، أبيض اللون غالبًا مطرَّز بحرير أسود، أو له حاشية زرقاء، أو زيتية اللون، ويرتدين فوقَ رؤوسهنَّ قُبَّعة، وهي غطاء للرأس يقمن بصنعه يدويًّا، وتتدلَّى منه عصابتان مِن القُماش الأبيض الطويل، أو "الطاقية" التي يبلغ ارتفاعُها حوالي ثلثي ذراع، لها قِمم على شكل قباب مستديرة أو مسطَّحة، من الصوف أو الحرير، أو الجوخ بألوان مختلِفة، لكنَّ أكثرَها شيوعًا اللون الأزرق[66].

وجرتِ العادةُ أن ترتدي النِّساء "قمصانًا" كانتْ ترى من تحت ملابسهنَّ الخارجية، من هذه القمصان ما عُرِف باسم "البهطلة"، والقميص، له فتحةُ عُنق دائريَّة، وبدون فتحة أماميَّة، وقد اختلفتْ أطواله باختلاف رغبات النساء فيه، وكانتْ أكمامه تتراوح بيْن الاتِّساع والضِّيق، لكن الاتساع يوحي بالغِنَى.

وقد صُنعتْ هذه القمصان من الكَتَّان أو القطن، أو الحرير المشتهر الإسكندراني، وألوانه بيْضاء أو زرْقاء، أو "شمط" مختلفة بين الأزرق والأبيض، وبعض النِّساء كنَّ يطرزنَ قمصانهنَّ، وبعضهنَّ الآخَر يلبسنَ أنواعًا من القمصان البندقيَّة المكبوسة؛ أي: "البليسية"[67].

وكان القميص يُلبس مع "المئزر"، وهو نوعٌ مِن السراويل التي تصل إلى الركبتين، وتعتبر ثوبًا داخليًّا، وعندما كانتْ تلفُّه المرأة حولَ وسطها وأرجلها، ويغطي حتى أواسط الأرجل، ويغلب عليه اللونُ الأسود، وهو أقصر من "الإزار" الذي هو عبارةٌ عن مُلاءة متَّسعة فضفاضة من قماش غير مطرَّز، تلفها المرأةُ حولَ جسدها،؛ وكان "الإزار" بالنسبة للمسلمات أبيضَ اللون، بينما المسيحيات يكون الإزار أزرق اللون لهن، واليهوديات أصفر اللون، والسامريات أحمر اللون، ويُشدُّ حولَ الإزار حزامٌ عرف باسم "الزُّنَّار"[68].

وفي الرِّيف حل "الجلباب" محلَّ "الإزار"، والجلبابُ عبارةٌ عن ثوب تغطي به المرأة صدرَها وظهرَها وجميعَ جسدها، بل وتلتحف به النساء من الرأس إلى القَدمين حين يُرِدْنَ الخروج من منازلهنَّ، وهو من ملابس المرأة الخارجية الفضفاضة.

كما نسمع أنَّ بعضهنَّ كنَّ يرتدينَ "الحبرة"، وهي عبارة عن ثوب خارجي، واسع مخطَّط، أو أزرق على الغالب، وفي بعض المناطق حولَ بيت المقدس هي عبارة عن "ملاءات" ملونة بأصفر وأحمر، ومِن اللون الأبيض فقط.

وتضع المرأةُ على رأسها في الأفراح والمناسبات السارَّة نوعًا من "العصائب" تعلق بها سلاسل معدنية، تُعْرَف باسم "شنبر"، وكانت المتزوِّجات يتلفعنَ به، ويربطنَه من الوراء، أمَّا الأرامل فكُنَّ يعصبنَ عليه المناديل[69].

ومِن أكثرِ الملابس النِّسائيَّة انتشارًا في ذلك العصر "القباء"، إذ لا تخلو منه وثيقة من وثائِق الإرْث، وهو نوعٌ من الرداء المحكَم المشابه للقفطان، يصل في طوله إلى منتصف عضلة الساق، مشقوق في مقدمته ومغلَق عند صدرِه، وكان ينسج من القُطن أو الصُّوف أو الحرير، وأما ألوانه: فالأبيض، وهو الأكثر شيوعًا، وأحيانًا يكون اللَّوْن الأزرق أو الأخضر أو الأحمر، وهذا القباء كان يتمُّ صنعه محليًّا مِن خامات محلية، وبعضه الآخر كان يتمُّ صنعه من قماش مستورَد من قبرص أو بلاد الدولة العثمانيَّة، وبعضه الآخر كان يتمُّ تزيينه بفرو سِنجاب قبرصي[70].

كذلك كانت "الغِلالة" - بكسر الغَيْن - من أكثر الملابس انتشارًا في ذلك العصر، ويُقصد بها الملابس الحريريَّة الرقيقة الداخليَّة، أو المصنوعة من المنسوجات الرقيقة.

أضف إلى ذلك ملابسَ الرأس، التي كانت عاملاً مشتركًا بين جميع نِساء ذلك العصر، ولكنَّها اختلفتْ من حيث جودتُها، ونوعُ قماشها وزينتها باختلاف الطبقات الاجتماعيَّة، والأحوال الاقتصاديَّة، نذكر منها على سبيل المِثال لا الحَصْر "العصابة"، وهي طرْحة من الحرير مربَّعة الشكل لها حاشيةٌ حمراءُ أو صَفْراء، وهي تُطوى بصورة منحرِفة، ثم تُلَّف على الرأس، وتتدلَّى من الخَلْف، وقد تزين بالحلي والجواهر، وقد كانتْ بيضاء اللون ومطرزة بأحمر أو أصفر.

• ومنها: "الشعرية"، وهي عصابة مِن قماش خفيف تُعصَب بها الرأس، مصنوعة من الشَّعْر، وخاصة شَعْر الحصان، وتُغطي العيون، وتكون فوق "النِّقاب" أو "الخمار"، وتتدلَّى فوق العيون حتى لا تُرى عيون النساء.

و"الشعريات" التي وجدْناها في الوثائق كانتْ منسوجةً من الصوف أو القطن أو الحرير، بألوانها البيضاء والزرقاء، ويبدو أنَّها تكون مع "العصابة" قطعة واحدة، فقد تكون "شعرية بيضاء"، أو "بصوف أزرق"، وأخرى "بحرير أزرق"، وغيرها "بقطن أبيض".

• ومن أغطية الرأس أيضًا: "القناع"، وهي أغطية اتَّخذتها النساء للرأس والوجه معًا، وقد تُغطي بها رأسَها وجسدَها؛ لإضفاء محاسنها، وتثبَّت على الرأس بقطعة قماش، وكانتِ الأقنعة تنسج من قماش العصائب، وتجعل لها حواشٍ من الكتَّان الأزرق.

• ومنها: "المناديل" التي استخدمتْها النِّساء على مختلف طبقاتهنَّ، وتكون كبيرةً أو صغيرة، وقد وُجِدَ في وثائق التَّرِكات أنواعٌ مختلفة من المناديل، منسوجة من الكَتَّان أو الحرير، وألوانها الأبيض والأزرق والأحمر، مطرزة، ولها حواشٍ مختلفة بيضاء وحمراء، وسوداء وزرقاء، وكموني أو أصفر[71].

كما ينبغي أن نُشيرَ إلى أنَّ نساء الحُكَّام كنَّ يرتدين حلَّة مذهبة، يصل عدد قطعها إلى خمسَ عشرةَ قطعة، فكان غطاء الرأس وحْدَه يتكوَّن من أربع قطع، تلبس وَفقًا لترتيب معيَّن بحيث يغطي الرأس، ويتدلَّى طرف أحد القطع، حتى يصلَ إلى الأرْض من جهة الظهر.

وباقي الملابس تتكوَّن مِن رداءين من الحرير، وقميص مُذهب بأكمام قصيرة وسروال، ومُلاءة واسعة لتغطية كلِّ تلك الثياب.

وكانتْ ملابس باقي نساء دُور الحكَّام تقلُّ مكوناتها تبعًا لمكانة المرأة، وتتراوح ما بيْن حُلَّة مذهبة وحلَّة حريرية، كما كانتْ هناك ملابس خاصَّة بالجواري، لعلَّ الهدف منها إبراز مفاتنهنَّ؛ لِيكُنَّ متعةً للناظرين.

وكانت بعض النساء يلبسنَ الثياب الموشاة بحرير دمياط، وديبق تنيس، ويبدو أنَّ هذا النَّوْع من الثياب كان خاصًّا بالمرأة الثرية[72].

كذلك تنبغي الإشارة إلى أنَّ بعض الملابس التي استخدمتْها المرأة في ذلك العصر، قد توارثتْها عبرَ عصور سابقة على ذلك العصر، مثل "الغلالة"، التي جاء أوَّل ذِكْر لها في أوراق مِن البردي ترجع إلى القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، كما أنَّ الكثيرات مِن النساء قُمنَ بتطوير وابتكار أشكال جديدة من الملابس ما بيْن فضفاضة وضيقة[73].

ومِن السِّمات الواضحة كذلك في ملابس نِساء ذلك العصر أنَّ كلَّ طبقة من طبقات المجتمع كان لها ملابسُها الخاصَّة بها، وتختلف إلى حدٍّ ما عن ملابس الطبقات الأخرى مِن جهة الشكل والنوع والجودة، بل ونوْع المنسوجات المستخدَمة في صناعتها.

وكان لكلِّ مناسبة ملابسُ معيَّنة تعكس حالَ المرأة النفسيَّة، فكان للأفراح ثيابٌ تناسبها، وللأحزان ثياب تناسبها، وللأعياد ملابس تناسبها، وهي التي تميَّزت بالألوان الزاهية المزركشة[74].

كما أنَّ هذه الملابسَ كانت في حالة تطوُّر مستمر، ساعَدَ عليها توافرُ المواد اللازمة لصناعتها من ناحية، والصِّلات التجارية مع العراق وفارس وبلاد العرب، والشرق الأقصى والغرب الأوربي مِن ناحية أخرى، مما جَعَل نساءَ ذلك العصر في مصر والشام بوجه عام، والقُدس بوجه خاص على عِلم بتطوُّر الملابس وصناعتها في بلادِهم وخارجها، أضِف إلى هذا تأثير الجواري على سائِر النِّساء في ابتكار كثيرٍ مما نطلق عليه اليوم اسم "الموضة"[75].

أمَّا عن ملابس الأقدام "الأحذية" الخاصَّة بالنِّساء، فقد اشتهر منها ثلاثة أنواع، وهي "الخف"، وهو نوعٌ من الحِذاء العالي المرتفع الكَعْب، المصنوع من الجِلْد أو غيره كالجوخ، وألوانه بَيْضاء أو سماقيَّة؛ أي: كلون نبات السماق.

ومنها: "النعل"، وهو يُشبِهُ الصندل العادي، ويزين وجهه عادةً بحرير.
ومنها: "المشاية"، وهو ضَرْب من النِّعال الخفيفة تصنع من القطيفة "المخمل"، أو الجلد الأسود[76].
ومنها: "الحِذاء" الذي يبلغ منتصفَ الساق أبيض اللون، أو أحمر اللون.
كما كانتِ النساء يرتدينَ في أرجلهنَّ داخلَ المنازل "القباقيب" و"الزرابيل"، والزرابيل هي نوعٌ من الخِفاف تلبسه الجواري.

وينبغي أن نشيرَ إلى أنَّه كان هناك نوعٌ من الخِفاف تُحْدِث صوتًا عند المشي بها، ممَّا يلفت أنظارَ الرجال إلى المرأة، وكان هذا يُعدُّ من الأمور المنافية للآداب، التي تستوجِب تدخلَ المحتسب لمنْع النِّساء مِن ارتداء هذا النوع من الخفاف، وتحذير الأساكِفة من صُنْعه[77].

والحقيقة: أنَّ المصادر التاريخيَّة والوثائق لم تُشِر من قريب أو بعيد إلى معاقَبة النساء في القُدس لمخالفتهنَّ التعليماتِ الخاصةَ بمنْع النساء من ارتداء هذا النوع من الخِفاف، مثلما حَدَث من معاقبة بعضهنَّ لمخالفة التعليمات الخاصة بالملابس في مُدن مثل القاهرة ودمشق، وحلب وغيرها، وتعليق تماثيل على صورة نِساء، وعليهنَّ القمصان الطوال، وذلك لتذكُّر النساء وتخويفهنَّ.

كما لم يحدثْ أنَّ المنادين كانوا يطوفون شوارعَ القدس محذِّرين النساء من لبس هذه الأخفاف - كما حَدَث لبعض الأزياء في تلك المدن - وحتى مع ذِكْر بعض المصادر أنَّ "القباقيب" كانت تُصنع من الذهب، وترصَّع بالجواهر ما لم يتدخَّل أحدٌ لمنع مثل هذا الإسراف والتَّرف الزائد[78].



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYYSb3tp
رد مع اقتباس