عرض مشاركة واحدة
 
  #16  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي القائلون بعدم وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون

القائلون بعدم وجوب الزكاة في مال الصبيوالمجنون


وإذا كان العلماء قد أجمعوا على وجوب الزكاة في مال المسلم البالغ العاقل، فإنهم قد اختلفوا في مال الصبي والمجنون: هل تجب فيه الزكاة أم لا تجب حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون؟
هنا يختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا، نستطيع أن نردهم فيه إلى فريقين رئيسيين:
1-
فريق من لا يرى وجوب الزكاة في مالهما إما مطلقًا أو في بعض الأموال.
2-
وفريق من يرى وجوب الزكاة في أموالهما جميعًا.
القائلون بعدم وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون
( أ ) روى أبو عبيد عن أبي جعفر الباقر والشعبي أنهما قالا: ليس في مال اليتيم زكاة (الأموال ص 435). وروى ابن حزم مثل قولهما عن النخعي وشريح (المحلى: 5/205).
(ب) ورُوِيَ عن الحسن أنه قال: "ليس في مال اليتيم زكاة إلا في زرع أو ضرع (الأموال: ص 453)
.
وقد ذكر ابن حزم في "المحلى" عن ابن شبرمة مثل قوله
(المحلى: 5/205)
.
(ج) وفي "الأموال" عن مجاهد قال: كل مال لليتيم ينمى - أو قال: كل شيء من بقر أو غنم أو زرع أو مال يُضارب به فزكِّه، وما كان له من صامت لا يُحرَّك (لا يستثمر) فلا تُزكِّه حتى يدرك فتدفعه إليه (الأموال ص 453)
. وخرج اللخمي - من علماء المالكية - قولاً بسقوط الزكاة عن الصبي، حيث لا ينمى ماله من حكم المال المعجوز عن تنميته. كالمدفون الذي ضل عنه صاحبه ثم وجده.
وكالمال الموروث الذي لم يعلم به وارثه إلا بعد حول أو أحوال. ورده ابن بشير بأن العجز في مسألة الصبي من قِبَلِ الملك. ولا خلاف أن من كان عاجزًا من المكلفين عن تنمية ماله تجب عليه الزكاة. بخلاف ما إذا كان عدم النماء من قبل المال وقال ابن الحاجب: تخريج اللخمي النقد المتروك على المعجوز عن إنمائه ضعيف. أ هـ
(شرح الرسالة لابن ناجي: 1/328)
.
( د )
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الزكاة في زرعه وثمره فقط، أما بقية الأموال فلا (بدائع الصنائع: 2/4).
قال ابن حزم: ولا نعلم أحدًا تقدمه إلى هذا التقسيم، ولكن صاحب "البحر الزخار" - من كتب الزيدية -حكى ذلك عن زيد بن علي، وجعفر الصادق
(البحر الزخار:2/142 - ط. مطبعة السعادة سنة 1948). وهما معاصران لأبي حنيفة (قتل زيد سنة 122هـ، وتوفي جعفر سنة 148هـ وفيه قال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه منه رضي الله عنه. أما أبو حنيفة فوفاته سنة 150هـ)
.
والعجيب أن ما ذهب إليه الأئمة -زيد والصادق والناصر من آل البيت- يخالف ما صح عن علي رضي الله عنه: أنه كان يزكي أموال بني أبي رافع وهم أيتام. وسئل في ذلك زيد -رضي الله عنه- فقال: نحن آل البيت ننكر هذا
(الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير: 2/416)
.
أدلة هؤلاء
( أ ) نظر هؤلاء العلماء إلى الاعتبار الثاني الذي ذكرناه من قبل، وهو أن الزكاة عبادة محضة كالصلاة، والعبادة تحتاج إلى نية، والصبي والمجنون لا تتحقق منهما النية، فلا تجب عليهما العبادة ولا يخاطبان بها، وقد سقطت الصلاة عنهما لفقدان النية، فوجب أن تسقط الزكاة بالعلة نفسها (انظر رد المحتار: 2/4)
.
(ب) يؤكد هذا من السنة قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق" (قال النووي: هذا الحديث صحيح رواه أبو داود والنسائي في كتاب الحدود من سننهما من رواية علي بن أبي طالب بإسناد صحيح. ورواه أبو داود أيضًا في الحدود، والنسائي وابن ماجة في كتاب الطلاق من رواية عائشة بإسناد حسن. انظر المجموع: 6/253)
، ورفع القلم كناية عن سقوط التكليف، إذ التكليف لمن يفهم خطاب الشارع، والصِغَر والجنون والنوم حائل دون ذلك.
(ج) ومما يؤيد هذا القول الآية الكريمة: (خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (التوبة 103)
إذ التطهير إنما يكون من أرجاس الذنوب، ولا ذنب على الصبي والمجنون حتى يحتاجا إلى تطهير وتزكية، فهما إذن خارجان عمن تؤخذ منهم الزكاة.
والحق أن الأدلة الثلاثة المذكورة، لا تصلح لأن يحتج بها الحنفية ومن شابههم ممن قال بوجوب الزكاة في بعض مال الصبي دون بعض، كما هو مروي عن مجاهد والحسن وابن شبرمة وغيرهم.
إنما يصلح أن يحتج بها الباقر والشعبي والنخعي وشريح، ممن لم يوجب الزكاة في أي مال للصبي والمجنون.
( د )
ثم هناك اعتبار المصلحة التي يرعاها الإسلام في سائر أحكامه، ومصلحة الصغير والمجنون هنا تقتضي إبقاء مالهما عليهما، خشية أن تستهلكه الزكاة، لعدم تحقق النماء الذي هو علَّة وجوب الزكاة وذلك لأن الصغير والمجنون ضعيفان لا يستطيعان القيام بأمر أنفسهما وتثمير أموالهما، وقد يخشى من تكرار أخذ الزكاة كل عام منهما أن تأتي عليهما فيتعرضا لذل الحاجة، وهوان الفقر.
ولعل هذا هو السر فيما ذكرناه عن مجاهد من وجوب الزكاة في مالهما النامي بنفسه كالزروع والمواشي، أو الذي ينمى بالعمل والتثمير، كالنقود التي يتجر بها عن طريق المضاربة ونحو ذلك.
وكذلك ما جاء عن الحسن البصري وابن شبرمة أنهما لم يستثنيا من زكاة مال الصغير إلا ذهبه وفضته خاصة، أما الثمار والزروع والمواشي ففيها الزكاة، إذا النماء متحقق في الثمار والزروع والمواشي، أما النقود من ذهب وفضة فليست مالاً ناميًا في ذاته إذ هو جماد لا يقبل النمو وإنما يُرصد للنماء بالتجارة والاستثمار، وهذان -الصبي والمجنون- لا قدرة لهما على تنمية ولا استثمار، فأعفيا من الزكاة في هذا النوع من المال.

القائلون بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون
ذهب إلى وجوب الزكاة في سائر أموال الصبي والمجنون عطاء وجابر بن زيد، وطاوس ومجاهد والزهري من التابعين، ومن بعدهم ربيعة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والحسن بن صالح وابن أبي ليلى، وابن عيينة وأبو عبيد وأبو ثور، وهو مذهب الهادي والمؤيد بالله من الشيعة، وهو قول عمر وابنه وعلي وعائشة وجابر من الصحابة رضي الله عنهم. ولم يستثن هؤلاء ما استثناه مجاهد أو الحسن وابن شبرمة أبو حنيفة.
أدلة القائلين بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون
استند هؤلاء إلى عدة أدلة:
1-
استندوا - أولاً - إلى عموم النصوص من الآيات والأحاديث الصحيحة التي دلت على وجوب الزكاة في مال الأغنياء وجوبًا مطلقًا، ولم تستثن صبيًا ولا مجنونًا.
وذلك كقوله تعالى:
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(التوبة: 103)
. قال أبو محمد بن حزم: فهذا عموم لكل صغير وكبير وعاقل ومجنون، لأنهم كلهم محتاجون إلى طُهرة الله تعالى لهم وتزكيته إياهم، وكلهم من الذين آمنوا.
ومثل هذا: حديث وصية معاذ حين أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وفيه:
"فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"
. والصبيان والمجانين ترد فيهم الزكاة، إذا كانوا فقراء، فلتؤخذ منهم إذا كانوا أغنياء.
قال ابن حزم: فهذا عموم لكل غني من المسلمين، وهذا يدخل فيه الصغير والكبير إذا كانوا أغنياء
(المحلى لابن حزم: 5/201، 202)
.
2- واستدلوا - ثانيًا - بما رواه الشافعي بإسناده عن يوسف بن ماهَك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ابتغوا في مال اليتيم - أو في أموال اليتامى - لا تذهبها - أولا تستهلكها - الصدقة"
.
وإسناده صحيح - كما قال البيهقي والنووي - ولكن يوسف بن ماهك تابعي لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحديثه مرسل، ولكن الشافعي عضد هذا المرسل بعموم النصوص الأخرى، وبما صح عن الصحابة من إيجاب الزكاة في مال اليتيم
(المجموع: 5/329، والسنن الكبرى: 4/107، والروض النضير: 2/417)
.
وروى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"اتّجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة" قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (الجزء الثالث صفحة 67): أخبرني سيدي وشيخي: أن إسناده صحيح - يعني بشيخه: الحافظ زين الدين العراقي - (رمز له السيوطي في "الجامع الصغير" -المطبوع منفردًا- الحلبي ومعه شرحه: فيض القدير - بعلامة الصحة، ولكن يبدوا أن الرمز محرف. فقد ذكر شارحه -المناوي في الفيض- بأن السيوطي أشار إليه في الأصل "جمع الجوامع" بقوله: وصحح. وأما هنا فرمز لحسنه، وهو فيه متابع للحافظ ابن حجر فإنه انتصر لمن اقتصر على تحسينه فقط "فيض القدير: 1/108")
.
وروى الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
"من ولي يتيمًا فليتّجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة"
وفي سنده مقال.
وصح هذا المعنى موقوفًا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
وروى البيهقي عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال:
"ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة". قال البيهقي: هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر (السنن الكبرى: 4/107، وانظر المجموع: 5/329)
. والمراد بالصدقة: "الزكاة" كما صرحت بذلك بعض الروايات.
ووجه الاستدلال بالحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الأوصياء على اليتامى خاصة والمجتمع الإسلامي عامة: أن يعملوا على تنمية أموال اليتامى -وكذلك المجانين- بالتجارة وابتغاء الربح، وحذَّر من تركه دون تثمير ولا استغلال فتأكله الصدقات وتستهلكه، ولا ريب أن الصدقة إنما تأكله بإخراجها، وإخراجها لا يجوز إلا إذا كانت واجبة؛ لأنه لا يجوز للولي أن يتبرع بمال الصغير وينفقه في غير واجب، فيكون قربانًا له بغير التي هي أحسن
(انظر مقارنة المذاهب في الفقه للشيخين محمود شلتوت ومحمد السايس ص 48 - طبعة سنة 1953م، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير: 2/493)
.
وقد أمر الله ألا نقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده
(كما جاء في الآية 152 من سورة الأنعام، والآية 34 من سورة الإسراء)
.
3-
واستندوا - ثالثًا - إلى ما صح عن الصحابة في هذه القضية.
فقد روى أبو عبيد البيهقي وابن حزم إيجاب الزكاة في مال الصبي عن عمر وعلي وعبد الله بن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله
(انظر الأموال لأبي عبيد ص 448 وما بعدها، والسنن الكبرى ص 107 وما بعدها، والمحلى: 5/208، وأيضًا مصنف ابن أبي شيبة: 4/24، 25، والتلخيص لابن حجر ص 176، وأضاف النووي في المجموع: (5/329): الحسن بن علي أيضًا ولم نعد ابن مسعود لضعف الرواية عنه كما في سنن البيهقي والمجموع والتلخيص. ورأيه: "أن يحصى الولي ما يجب في مال اليتيم من الزكاة، فإذا بلغ أعلمه، فإن شاء زكى وإن شاء لم يزك"). ولم يُعرف لهم مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - إلا رواية ضعيفة عن ابن عباس لا يحتج بها (المحلى: 5/208، والمجموع: 5/329، وسبب الضعف: انفراد ابن الهيعة بها وهو ضعيف)
.
4-
واستندوا - رابعًا - إلى المعنى المعقول الذي من أجله فُرِضت الزكاة.
قالوا: إن مقصود الزكاة سد خلة الفقراء من مال الأغنياء، شكرًا لله تعالى وتطهيرًا للمال، ومال الصبي والمجنون قابل لأداء النفقات والغرامات، فلا يضيق عن الزكاة
(المجموع: 5/330)
.
قالوا: إذا تقرر هذا، فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما لأنها زكاة واجبة، فوجب إخراجها كزكاة البالغ العاقل. والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه. ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون، فكان على الولي أداؤه عنهما، كنفقة أقاربه. وتعتبر نية الولي في الإخراج، كما تعتبر النية من رب المال
(المغني المطبوع مع الشرح الكبير: 2/494)
.
وقال بعض المالكية: إنما يؤمر الولي بإخراج الزكاة عن الصبي إذا أمن أن يتعقب فعله، وجعل له ذلك، وإلا فلا وإذا أخرجها أشهد عليها، فإن لم يشهد فقد قال ابن حبيب، إن كان مأمونًا صدق
(شرح الرسالة لابن ناجي: 1/328)
.
وإذا خشي الولي أن يطالبه الصبي بعد البلوغ، أو المجنون بعد الإفاقة، بغرامة ما دفع من مالهما، بناء على مذهب أبي حنيفة ومن وافقه، فينبغي - كما اقترح بعض المالكية - أن يرفع الأمر لقاض - يرى وجوب الزكاة في مالهما، حتى يحكم له بلزوم الزكاة لهما، فلا يستطيع قاض بعد ذلك أن ينقض هذا الحكم؛ لأن الحكم الأول رفع الخلاف
(حاشية الصاوي على الدردير ص 206).

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس