عرض مشاركة واحدة
 
  #2  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة الثالثة

إقامة الخلافة وإيجاد الجماعة فرض


إيجاد الجماعة على إمام فرض، وأدلته الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103)، فالله سبحانه يأمر المؤمنين بالاعتصام بحبله حال كونهم جميعا، و"جميعا" حال ومعناها الجماعة، والدليل على ذلك قوله ص في حديث عرفجة عند مسلم: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ". فإن اعتصموا بحبله سبحانه فرادى لم يجزئهم لأن المطلوب هو الاعتصام في حال كونهم جميعا على رجل واحد، هذا الرجل الواحد هو الإمام ولا تكون الجماعة على غيره بدليل قوله ص في حديث حذيفة المتفق عليه: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ"، والإمام هو الخليفة وهو أمير المؤمنين.
والطلب في هذه الآية جازم والقرينة على ذلك قوله تعالى في نفس الآية {وَلَا تَفَرَّقُوا}، فلم يكتف سبحانه بالأمر بالجماعة حتى نهى عن الفرقة. وهناك قرائن تفيد أن الطلب في هذه الآية جازم، هذه القرائن موجودة في عدد من الأحاديث التي سنأتي على ذكرها إن شاء الله في دليل السنة، مثل قوله ص: "فَاقْتُلُوهُ"، "مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"، "ثلاثة لا تسأل عنهم"، "ومن شذ شذ إلى النار"، "فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"، "والفرقة عذاب".
فهذه الآية تدل دلالة قطعية على وجوب إيجاد الجماعة على إمام، فهذا هو الدليل الأول وهو قطعي.
وأما الدليل من السنة فقد ورد في الأحاديث التالية:
1. حديث ابن عباس المتفق عليه قال: قَالَ رسولُ اللهِ ص: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".
2. حديث عرفجة عند مسلم: قالَ رَسُولَ اللَّهِ ص: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ".
3. حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله ص: "مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".
4. حديث فضالة الصحيح عند أحمد وغيره عن رسول الله ص أنه قال: "ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَعَصَى إِمَامَهُ وَمَاتَ عَاصِيًا..." الحديث.
5. حديث حذيفة المتفق عليه وفيه: "... قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ..." الحديث.
6. حديث عبد الله بن مسعود عند البخاري قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ".
7. حديث عمر عند الترمذي وقال حسن صحيح غريب قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِينَا، فَقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي... عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ".
8. حديث ابن عمر عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن رسول الله ص، قال: "من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه". قال ص: "ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية".
9. حديث الحارث الأشعري عند الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، قَالَ النَّبِيُّ ص: "وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالْجِهَادُ وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ..." الحديث.
10. حديث أبي ذر بإسناد صحيح عند أبي داود قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ".
11. حديث زيد بن ثابت عند ابن ماجة باسناد صحيح قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ". زَادَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ: "ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ".
12. حديث أبي الدرداء عند الدارمي باسناد صحيح قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ دُعَاءَهُمْ مُحِيطٌ مِنْ وَرَائِهِمْ".
13. حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عند أحمد بإسناد صحيح قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ص عَلَى الْمِنْبَرِ: "مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ".
14. حديث جبير بن مطعم عند ابن ماجة باسناد صحيح قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى فَقَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ".
15. حديث أنس عند أحمد بإسناد حسن أن رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَحَمَلَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ".
16. عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عاصم بن عبيد الله بن عاصم قال: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن رسول الله ص قال: "... من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية، ومن نكث العهد فمات ناكثا لعهده جاء يوم القيامة لا حجة له".
17. الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي عن حذيفة قال: سمعت رسول الله ص يقول: "من فارق الجماعة واستذل الإمارة لقي الله ولا حجة له عند الله".
18. الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ص: "الصلاة المكتوبة إلى الصلاة المكتوبة التي بعدها كفارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة والشهر إلى الشهر -يعني من شهر رمضان إلى شهر رمضان- كفارة لما بينهما". ثم قال بعد ذلك: "إلا من ثلاث". فعرفتُ أن ذلك من أمرٍ حَدَثٍ، فقال: "إلا من الإشراك بالله ونكث الصفقة وترك السنة". قلتُ: يا رسول الله أما الإشراك بالله فقد عرفناه، فما نكث الصفقة وترك السنة؟ قال: "أما نكثُ الصفقة أن تبايع رجلا بيمينك ثم تختلف إليه فتقابله بسيفك، وأما ترك السنة فالخروج من الجماعة".
19. ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله ص أنه قال: "آمركم بثلاث، وأنهاكم عن ثلاث: آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وتعتصموا بحبل الله جميعا ولا تتفرقوا، وتطيعوا لمن ولاّه الله أمركم. وأنهاكم عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
20. ابن حبان في صحيحه عن معاوية قال: قال رسول الله ص: "من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية".
21. مسلم عن عبد الله بن عمر: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".
هذه واحد وعشرون حديثا عن سبعة عشر صحابيا كلها تأمر بالجماعة، فيمكن القول بأن إيجاد الجماعة على إمام فرض بهذا الدليل المتواتر من السنة.
وأما الإجماع ففيما يأتي عدد من العلماء الذين حكوا الإجماع على وجوب إيجاد الجماعة، وأقوال بعض الصحابة التي يمكن أن تكون مستندا له:
• البخاري عن المسور قال: وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي، حَتَّى إِذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ، قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنْ اللَّيْلِ فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ...
• البخاري عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ فَإِنِّي أَكْرَهُ الِاخْتِلاَفَ حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي.
• ابن بطال في شرح صحيح البخاري: روى ابن سيرين قال: لما قتل عثمان ط، أتيت أبا مسعود الأنصارى، فسألته عن الفتنة، فقال: عليك بالجماعة، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة، والجماعة حبل الله، وإن الذى تكرهون من الجماعة هو خير من الذى تحبون من الفرقة.
• الدارمي باسناد حسن عن تميم الداري قال: تَطَاوَلَ النَّاسُ فِى الْبِنَاءِ فِى زَمَنِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ الأَرْضَ الأَرْضَ، إِنَّهُ لاَ إِسْلاَمَ إِلاَّ بِجَمَاعَةٍ، وَلاَ جَمَاعَةَ إِلاَّ بِإِمَارَةٍ، وَلاَ إِمَارَةَ إِلاَّ بِطَاعَةٍ، فَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفَقْهِ كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ كَانَ هَلاَكاً لَهُ وَلَهُمْ.
• البيهقي في الشعب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "قَضْمُ الْمِلْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَكَلِ الْفَالَوْذَجِ فِي الْفُرْقَةِ".
• الطبري في التاريخ عن الوليد بن جميع، قال: قال عمرو بن حريث لسعيد بن زيد: أشهدت وفاة رسول الله ص؟ قال: نعم، قال: فمتى بويع أبو بكر؟ قال: يوم مات رسول الله ص كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة.
• ابن عبد البر في التمهيد: عن الأوزاعي قال: كان يُقال خمسٌ كان عليها أصحاب محمد والتابعون لهم بإحسان: لزوم الجماعة وإتباع السنة وعمارة المساجد وتلاوة القرآن والجهاد في سبيل الله.
• الماوردي في الحاوي: فَتَمَّتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَهَا فِي جَهَازِهِ، لِئَلَّا يَكُونُوا فَوْضَى عَلَى غَيْرِ جَمَاعَةٍ لِتَنْطَفِئَ بِهَا فِتْنَةُ الِاخْتِلَافِ.
• عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن أبان قال: أخبرني سلام المكي عن عبد الله بن رباح قال: دخلت أنا وأبو قتادة على عثمان وهو محصور، فاستأذناه في الحج فأذن لنا. فقلنا: يا أمير المؤمنين! قد حضر من أمر هؤلاء ما قد ترى، فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالجماعة. قلنا: فإنا نخاف أن تكون الجماعة مع هؤلاء الذين يخالفونك، قال: الزموا الجماعة حيث كانت.
• الطبري في التبصير في معالم الدين: وكان الخبر قد تواتر بالذي ذكرناه من فعل المهاجرين والأنصار وتسليمهم الخلافة والإمرة لقريش.
• الإيجي في المواقف في معرض كلامه عن حديث الرسول ص "الإئمة من قريش": ثم إن الصحابة عملوا بمضمون هذا الحديث وأجمعوا عليه فصار قاطعا.
• الآمدي في أبكار الأفكار: والمعتمد فيه لأهل الحق ما ثبت بالتواتر من إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي ص على امتناع خلو الوقت عن خليفة وإمام...
• الجويني في الغياثي: أما أصحاب رسول الله ص فرأوا البدار إلى نصب الإمام حقا، فتركوا لسبب التشاغل به تجهيز رسول الله ص ودفنه مخافة أن تتغشاهم هاجمة محنة.
• الخطابي في معالم السنن: فالاستخلاف سنة اتفق عليها الملأ من الصحابة، وهو اتفاق الأمة لم يخالف فيه إلا الخوارج والمارقة الذين شقوا العصا وخلعوا ربقة الطاعة.
• ابن حزم في الفصل: اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة فرض واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله ص، حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم. وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد، وهم المنسوبون إلى نجدة بن عمير الحنفي القائم باليمامة.
• الخطيب البغدادي في أصول الدين: فقد اجتمعت الصحابة على وجوبها ولا اعتبار بخلاف الفوطي والأصم فيها مع تقدم الإجماع على خلاف قولهما.
• ابن عبد البر في الاستذكار: وقد أجمع المسلمون على الاستخلاف فيمن يقيم لهم أمر دينهم ودنياهم.
• الماوردي في الأحكام السلطانية: وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم.
قلتُ: هذا الدليل من إجماع الصحابة ثابت قطعا وهو متواتر على وجوب إيجاد الجماعة على إمام.
فتكون الأدلة الثلاثة من الكتاب والسنة والإجماع قطعية الثبوت والدلالة على هذه المسألة. وإني لأعجب من هذه الأمة تكتلات وأفرادا كيف يقعدون عن العمل لهذا الفرض الذي تقام به الفروض, مع أن الصحابة نصبوا أبا بكر في اليوم الذي مات فيه رسول الله ص، واستخلف أبو بكر عمر قبل موته وبايعت الصحابة عثمان في صبيحة اليوم الثالث.
فالعمل لإيجاد الخلافة فرض لا يسوغ الاختلاف فيه، ولا يسقط إلا بأحد أمرين: بإقامة الخلافة فعلا أو بالتلبس بالعمل لإقامتها، وفي غيابها لا يسقط الفرض عن أحد إلا بعذر شرعي.


المسألة الرابعة

نوعا الخلافة


الخلافة نوعان: خلافة على منهاج النبوة وخلافة ملك. ودليل ذلك السنة، ومنها:
• حديث سفينة عند أحمد بإسناد صحيح قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَامًا ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُلْكُ"، قَالَ سَفِينَةُ أَمْسِكْ، خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ ط سَنَتَيْنِ وَخِلَافَةَ عُمَرَ ط عَشْرَ سِنِينَ وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ ط اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَخِلَافَةَ عَلِيٍّ ط سِتَّ سِنِينَ ن. وفي رواية أبي داود عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ -أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ-.
• حديث حذيفة عند أحمد بإسناد صحيح قال: قال رسول الله ص: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ".
أقولُ: الخلافة الأولى التي على المنهاج استمرت ثلاثين عاما من السنة الحادية عشرة إلى الحادية والاربعين للهجرة، حيث صارت الجماعة على معاوية وكانت بداية الملك العاض. واستمرت خلافة الملك العاض إلى نهاية الخلافة العباسية عام 923 للهجرة حيث بدأت الخلافة العثمانية التي استمرت إلى عام 1342 للهجرة حيث هدمها الإنجليز وعملاؤهم.
فيمكن تقسيم الخلافة إلى نوعين: خلافة على منهاج النبوة، وخلافة ملك. وخلافة الملك نوعان: خلافة عاض وخلافة جبرية، هكذا قسمها ص في حديث حذيفة المار. ولا بد من بيان الفرق بين هذه الأنواع، فأقول:
الخلافة على المنهاج –أي على منهاج النبوة-، وتتوفر فيها كل الشروط المطلوبة في الخليفة وهي الإسلام والبلوغ والعقل والعدالة والنسب القرشي والذكورة والاجتهاد وسلامة الحواس. وهذه الشروط كلها كانت متوفرة في الخلفاء الراشدين.
أما خلافة الملك بنوعيها فإنها تختلف عن الخلافة على منهاج النبوة، فالخلفاء الراشدون كانوا جميعا مجتهدين بينما خلفاء الملك أكثرهم مقلِّدون.
ومن المعلوم أن عدالة الراشدين مقطوع بها، وعدالة غيرهم تحتاج إلى إثبات. ومع هذا الاختلاف في العدالة والاجتهاد فإن النبي ص سماها خلافة ملك ولم يسمها خلافة فسق ولا خلافة مجروحين ولا خلافة مقلدين أو عوام، وإنما سماها خلافة ملك، مما يدلُّ على أن الفرق بينها وبين الخلافة على المنهاج كائن في الشبه بينها وبين الملك. فإذا نظرنا في الملوك وجدناهم يحكمون بهواهم، أما خلفاء الملك فكانوا يحكمون بالإسلام، إذا لا بد من أن يكون وجه الشبه في الاستخلاف، لأن النظام الملكي وراثي، فهل الاستخلاف وراثة؟ هذا ما يحتاج إلى بيان.
فأصل الاستخلاف جائز شرعا، فعله أبو بكر على مسمع من الصحابة ولم ينكروه، فكان عمر خليفة باستخلاف أبي بكر إياه، ومعاوية استخلف يزيد ابنه، فما الفرق بين الاستخلافين؟
والجواب أن أبا بكر من بني تيم واستخلف عمر من بني عدي، بينما استخلف معاوية ابنه، فمعاوية عضَّ على الخلافة وجعلها في ذريته بينما لم يفعل ذلك لا أبو بكر ولا عمر. فعمر استخلف واحدا من ستة كلهم ليسوا من بني عدي مع أن ختنه سعيد بن زيد كان من العشرة المبشرين بالجنة، ولم يجعله مع الستة لأنه من بني عدي رهط عمر. فالفرق الذي بينته السنة بين خلافة المنهاج وخلافة الملك متعلق بالنسب المشعر بأن الخلافة وراثة.
بقي أن أبين الفرق بين خلافة الملك العاض وخلافة الملك الجبرية، إذ هما مشتركتان في وراثة الخلافة التي جعلتها من هذه الناحية أشبه بالملك. والفرق والله أعلم أن خلافة الملك العاض تمسكت بالخلافة في ذرية الخليفة مع أنها لم تخرجها من قريش، بينما خلافة الملك الجبرية أخذوها جبرا عن أهلها الذين هم قريش. ولذلك فإن الخلافة العاض تشمل الأمويين والعباسيين، والخلافة الجبرية تشمل العثمانيين ومستقبلا تشمل القحطاني الذي ورد ذكره في حديث معاوية عند البخاري، وذلك بعد انتهاء الخلافة الموعودة وهي الخلافة على منهاج النبوة.
وهنا يثور سؤال وهو أنه ص قال في حديث حذيفة: "ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ". فلم تأت الخلافة التي على المنهاج بعد الخلافة الجبرية. والجواب أن "ثم" تفيد التراخي الذي يمكن أن يصل إلى آلاف السنين، والشاهد على ذلك قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة:28).
وما نحن فيه اليوم هو إمرة السفهاء الصبيان التي طبقت الأرض بمعنى أنهم لا يهتدون بهديه ص ولا يستنون بسنته وهم أمراء الفرقة دعاة الضلالة الذين على أبواب جهنم. والخلافة على المنهاج كائنة بعدهم، وعلى وجه التحديد بعد أن تبلغ فرق أمة الإسلام ثلاثا وسبعين فرقة، فالتفرق سينتهي عند هذا الحد حيث توجد الجماعة على إمام. هذا وعد من الله سأبينه إن شاء الله في المسألة التالية.
رد مع اقتباس