عرض مشاركة واحدة
 
  #76  
قديم 02-17-2014
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل

ففي تاريخ دمشق الكبير عن أبي الصلت سليم الحضرمي قال: "شهدنا صفين فإنا على صفوفنا وقد حلنا بين أهل العراق وبين الماء فأتانا فارس على برذون مقنعاً بالحديد فقال السلام عليكم فقلنا وعليك، قال: أين معاوية؟ قلنا: هو ذا، فأقبل حتى وقف ثم حسر عن رأسه، فإذا هو الأشعث بن قيس الكندي، فقال: الله الله يا معاوية في أُمة محمد صلى الله عليه وسلم، هبوا أنكم قتلتم أهل العراق، فمن للبعوث والذراري؟ أم هبوا أنا قتلنا أهل الشام، فمن للبعوث والذراري؟ الله الله، فإن الله يقول {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأُخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} فقال له معاوية: فما الذي تريد؟ قال: أن تخلوا بيننا وبين الماء، فوا الله لتُخلن بيننا وبين الماء أو لنضعنّ سيوفنا على عواتقنا ثم نمضي حتى نرد الماء أو نموت دونه، فقال معاوية لأبي الأعور وعمرو بن سفيان: خل بين إخواننا وبين الماء، فقال الأعور لمعاوية كلا والله لا نخلي بينهم وبين الماء، فعزم عليه معاوية حتى خلى بينهم وبين الماء، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى كان الصلح بينهم، ثم انصرف معاوية إلى الشام بأهل الشام، وعلي إلى العراق بأهل العراق" .
فهذه الرواية تعتبر من أصح ما روي في موضوع الماء، وحتى التي زعم فيها أنهم اقتتلوا على الماء فوق كونها كذباً لأنها من طريق أبي مخنف لوط بن يحيى شيخ كذبة المؤرخين ، فإنه ليس فيها أنه كان قتال إبادة، ففيه عن شاهد عيان للوقعة "ثم أشهد أنهم خلوا لنا عن الماء فما أمسينا حتى رأينا سُقاتنا وسُقاتهم يزدحمون على الشريعة وما يؤذي إنسان إنساناً" .
وفي تاريخ الطبري عن أبي عبد الرحمن السلمي "وكنا إذا تواعدنا من القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم" .
وفي مستدرك الحاكم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء وهؤلاء في عسكر هؤلاء" .
وفي تاريخ دمشق عن بكار بن بلال "إنه لما بلغ أهل الشام يوم صفين مقتل عمار بن ياسر، فنادى مُنادِ أهل الشام أصحاب علي: إنكم لستم بأولى بالصلاة على عمار منّا، قال: فتواعدوا عن القتال حتى صلوا عليه جميعاً" .
ومن الروايات الدالة أيضا على أنه لم يكن قتال في تلك المعركتين بتلك الضخامة التي زعمها كذبة المؤرخين ما رواه اسحق بن راهويه والحاكم في المستدرك والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة واللفظ له بسند صحيح أن رجلاً من أهل صفين لعن أهل الشام فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تسبوا أهل الشام جمعاً غفيراً، فإن فيهم قوماً كارهون لما ترون، وإن فيهم الأبدال" ، فإن هذا الحديث عن علي رضي الله عنه يرد كل ما نُسب إليه من روايات فيها تحريض على قتال أهل الشام وسبهم، إضافة إلى أنها من طريق كذبة المؤرخين كما قد علمت.
فلا يقول بعد كل هذه الروايات في علاقاتهم في هذه الحرب المزعومة أنهم اقتتلوا قتال إبادة وقتال أعداء لا قتال فتنة إلا جاهل أو مغرض حاقد، هذا على فرض التسليم أنه حصلت معركة لا شجار، وأن بضعة من الصحابة شاركوا فيها، خصوصاً وأن كل ما روي في كونها معركة طاحنة، وفي عدد الجيش وفي عدد قتلاهم الهائل، كله كذب كما قد علمت آنفاً، والحمد لله على براءة الصحابة مما نسبه إليهم الحاقدون.

رد مع اقتباس