عرض مشاركة واحدة
 
  #7  
قديم 03-03-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن

السبت 10 ربيع الثاني 1433

لقد أخفى الطواغيت والعملاء والخونة حقيقتهم البشعة وغطوها بالأقوال الجميلة والشعارات المزخرفة، وعمدوا إلى من يكشف زيفهم، وزيف شعاراتهم وأسسهم الفكرية، فعملوا على خنق صوته وكمِّ فيه كي لا تظهر الحقيقة، وعلى إشاعة الاتهامات الباطلة عنه ومعاملته بالحديد والنار والقتل والسجن. وتلك أيضاً إحدى حقائق أو سنن الصراع بين الحق والباطل. فذلك رسول الله  اتهمه زعماء الكفر والباطل بأنه شاعر وبأنه كاهن وبأنه ساحر، وبأنه يعلّمه بشر، وبأنه يتلو من أساطير الأولين، وعذبوه وعذبوا أصحابه، ووثب زعماء الكفار من كل قبيلة على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم. نعم تلك سنة من سنن الصراع بين الحق والباطل.
ومن تضليلات شياطين الإنس والجن ما يوحون به ويصوِّرونه من أن النهضة هي اللحاق بهم، وأخذ مناهجهم في الفكر والثقافة، ويساعدهم في ذلك الحكام العملاء ووسائل الإعلام والتعليم والمبهورون بهم من أبناء الأمة. وبذلك يصبح الكافر المستعمر مثلاً أعلى للمستعْمَرين. ويلهث هؤلاء لتكريس استعماره لهم ظانين أنهم يحاربونه. فمثلاً: يقولون إن شرط النهضة والتقدم والنمو هو الاستقرار الاقتصادي، وإن هذا يقاس بمتوسط دخل الفرد. والحياة الإنسانية الكريمة تقاس بهذا الدخل الذي يرسمون له حداً أدنى. ولتحقيق الاستقرار الاقتصادي لا بد من تنويع مصادر الدخل أو القيام بمشاريع معينة. وهكذا يطبق أتباع إبليس وذريته أضاليلهم على بلادنا وأمتنا. وأدواتُهم في ذلك حكامنا وعملاؤهم والمبهورون بهم من علمانيين وفسقة، يوجهون نصائحهم لكل بلد أو جماعة بالشكل الذي يحفظ مصالحهم، ويسلخ أمتنا عن عقيدتها ودينها.
جاء في القاموس السياسي الذي وضعه أحمد عطية الله: «الدولة النامية أو الدولة المتخلفة دولة لم تبلغ بعد مرحلة الاستقرار الاقتصادي الذي يعني أن متوسط دخل الفرد فيها دون المستوى اللائق بحياة إنسانية كريمة تحت ظروف بيئة هذا الإقليم... وقد درج رجال الاقتصاد والسياسة على تعيين حد أدنى لدخول الأفراد إذا انخفضت عنه اعتبرت الدولة متخلِّفة أو نامية... فالمشكلة الكبرى التي تواجه الدول النامية وهي رفع مستوى المعيشة ما زالت قائمة بالرغم من الجهود التي تبذلها بعضها... إن أهم ما يعترض نجاح خطط التنمية في الدولة المتخلفة والنامية أن الاقتراض من الدول المتقدمة يتم بشروط غير ملائمة... بالإضافة إلى مشكلة تزايد السكان في أكثر الدول المتخلفة والنامية» ص537.
وبهذه الأفكار والتعريفات الفاسدة، وبهذا التضليل تصبح مشكلة المسلمين أو غايتهم ليس تحرير بلادهم من الكفر وتطبيق دينهم وحمله إلى الناس، وليس مواجهة الكافر المستعمر وطرده، وإنما هي التنمية الاقتصادية، وإذا صدّق المسلمون هذا، فيجب عليهم الاستعانة بهذا المستعمر لأنه خبير ومتقدم اقتصادياً، فيضع لهم الخطط ويقدم لهم النصائح.
فعلى سبيل المثال: دولة مثل السعودية ركنت بتوجيهات حكامها إلى الأميركان وغيرهم من الكفار، ونصحها هؤلاء بأن عليها أن تعدد مصادر الدخل حتى تنهض، فلا يصح أن تحصر اعتمادها على البترول. وإذا أردنا أن نعدد مصادر الدخل في السعودية فبدل أن يكون الهدف إنشاء الصناعات الحديثة والمتقدمة، ينصحنا الشيطان الحريص علينا بأن سنة التقدم والتطور يجب أن تبدأ بالزراعة. وهكذا كان؛ فقامت السعودية ـ بمساعدة أهل التضليل ـ بوضع مشاريع استصلاح الصحارى وزراعتها، وزرعت القمح. وكانت النتيجة إنتاج القمح بتكاليف أضعاف مضاعفة عن سعره في الأسواق، ولكن، بما أن هذا ضروري لأجل النهضة، استمرت الدولة بتشجيع الزراعة، وأغرت الناس بأنها تشتريه منهم بأكثر من تكاليفه الباهظة، فلجأ الناس إلى استيراده أو تهريبه أو شرائه من الأسواق بسعره الطبيعي ثم بيعه للدولة. فأي عقل هذا الذي اقتنع بهذا التخطيط، وبأن هذا هو طريق النهضة ؟ أليس في هذا تعطيل للسمع والبصر والعقل ؟
أما في بلاد أخرى تصلح للإنتاج الزراعي كالسودان أو العراق أو سوريا أو غيرها، فهذه تبقى أرضها جرداء قاحلة، ولأجل التقدم والنهوض عليها أن تقوم بمشاريع أخرى تتعلق بالبنية التحتية أو محو الأمية، أو أعمال الخدمات. وينصحها أهل التضليل بخبرتهم بالقيام بمشاريع مكلفة تحتاج لقروض ويضعون الخطط لسنوات. وتمر السنوات، وإذا هذه المشاريع فاشلة خاسرة. وفوائد الديون تنوء تحت عبئها الشعوب. ويأتيك شياطين الإنس والجن وأتباعهم ليقسموا إنهم لمن الناصحين، وإن خططهم ناجحة ومضمونة، ولكنها لم تثمر لسبب آخر، وهو زيادة السكان، فإذا أردنا أن ننجح في خطط التنمية والنهوض، فإن ذلك متوقف على تقليل الولادات. وهكذا تتيه الشعوب وتدخل في دوامةٍ أخرى من دوامات الضلال والتردي. وتصرف الجهود والأموال لأجل إنجاح عملية تحديد النسل.
ومن خطط تنويع مصادر الدخل ورفع المستوى الاقتصادي تنشيط قطاع السياحة والخدمات، ولذلك فعلينا أن نشجع الفن ونقيم المعاهد الفنية ومسارح الرقص والخلاعة ونشجع استثمار الشطآن للبلاجات وأن نشجع الرذيلة والتفلُّت من أهداب الفضيلة والأخلاق بحجة التطور والتقدم. وأن نعيد بناء البنية التحتية ونضع التشريعات والقوانين التي تضمن للأجانب حقوقهم وتشجعهم على الاستثمار.
ولأجل استمرار عملية التضليل، وتعمية الناس عن حقيقة حكامهم وخططهم، خاصة وأن الأمة بدأت تتحسس عملية النهضة وتدرك حقيقتها، وأخذت الصحوة الإسلامية بالظهور والانتشار، يعمد شياطين الإنس والجن إلى تحريف أفكار الإسلام ومفاهيمه، وإلى تسويغ الكفر وتشريعاته وقوانينه بفتاوى ضالة. ولذلك نرى بعض حكامنا يحاولون إضفاء صفة الإيمان والإسلام على أنفسهم. ويستعملون في ذلك (العلماء !) الذين باعوا دينهم بدنياهم. وتُسَخَّر في ذلك أجهزة الإعلام لتسوِّغ الكفر وتزينه، وفي حين تمتلئ السجون بالعلماء والدعاة الذين يرجون رضا الله، ترى علماء السلاطين ووعاظهم، على الشاشات الأرضية والفضائية وفي المناسبات السلطانية، يقدمون الولاء للعملاء الكفرة والفسقة. ويوجهون الناس إلى القبول بهذه الأنظمة وسياساتها وخططها. فيضللون المسلمين عن حقيقة الغاية أو الفكرة الإسلامية، ويسوِّغون لهم واقع التجزئة والانقسام، ويفتون بجواز الصلح والسلام مع دولة يهود الغاصبة، ويروجون لما يلهي الأمة عن العمل لتحقيق الغاية الإسلامية، ويلهونها بأفكار كلامية ومواعظ مملولة، ويعملون كمعاول هدم في الأمة، فيصورون لها أن تحقيق الغاية الإسلامية وإقامة الخلافة هو أمر بعيد المنال، أو عفا عليه الزمن، أو أنه مِنَّة من الله تأتي دون عمل، أو أنه لا يمكن إلا بمجيء المهدي، فما على المسلمين إلا مصالحة الحكام والرضا بهم وإرضاؤهم إلى أن يأتي المهدي. وأما الذين يكشفون حقيقتهم وحقيقة أسيادهم، فهم يروّجون، بمساعدة إعلام أسيادهم، أن هؤلاء جهلة وإرهابيون أو عملاء وأصحاب مطامع شخصية.
إن على الأمة أن تدرك اليوم حقيقة هؤلاء (العلماء !) وأمثالهم من المفتين ووعاظ السلاطين مثلما أدركت حقيقة الحكام الذين يستعملونهم. فهم سواء في تزيين الباطل والترويج له، وفي إخفاء الحقائق والتعمية عليها. وإذا كانت الصحوة الإسلامية قد أجبرت الكفار وعملاءهم على إعطاء قسط للإسلام في أجهزة الإعلام، وسمحت بشهرة ما لبعض العلماء، فهي إنما تحرف الإسلام وتغير مفاهيمه وتنشر الضلال باسم الإسلام، وتلمّع من العلماء أولئك السذج الجهلاء والجبناء والضالين. أما المخلصون فهم خَطَر ويجب القضاء عليهم.
هذه الأمثلة من التضليل هي غيض من فيض. وما علينا إلا أن ننظر اليوم إلى النتائج. البلاد من أغنى البلاد ولكن أهلها من أفقر الناس. أهل البلاد حَمَلَة أعظم فكر في الدنيا، وهو وحده الفكر الصحيح، ولكنهم يستجْدون التشريعات من أهل الباطل ويتغنون بثقافتهم وبتقليدهم. أهل البلاد من أعز البشر وأكثرهم استعداداً للموت في سبيل الله، ولكن يذلُّهم أذل البشر من يهود وأشياعهم. المتعلمون و حَمَلَة الشهادات العليا بالملايين ولكنهم عاطلون عن العمل. أمة تزيد على المليار وثلث المليار، أمة واحدة، والأصل أنها دولة واحدة، ولكنها تزيد على خمسين دويلة، خلافاتها وصراعاتها أكبر منها، والـحَكَمُ في ذلك أميركا وفرنسا وبريطانيا، شياطين الإنس. أرض زراعية تطعم أضعاف أضعاف العالم ولكنها معطلة. متعلمون وعلماء وعقول بالآلاف بل بالملايين يستجدون وظيفة أو قبولاً في أميركا أو السويد أو ألمانيا...، مليارات كثيرة وذَهَبٌ كثير ولكن في بنوك الكفر يتمتع بها أتباع إبليس وذريته، علماء وأئمة ومصلون لا يحصَوْن ولا يعدون ولكن غثاء كغثاء السيل...
نعم، إنها النتيجة الحتمية لتعطيل الفكر وأخذ (الحقائق) من أهل الباطل. يَعِـدُهم الشيطان ويمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً (سورة النساء 120). ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين (سورة يونس 60). وكل هذا التضليل مترافق مع التعمية عن الحقائق، فزعماء الباطل حريصون على أن لا يتنبه المسلمون إلى حقيقة النهضة كيف تحصل. ولذلك فهم حريصون على أن لا تلتفت الأمة إلى عقيدتها وشريعتها. عقيدتها التي هي التفسير الصحيح وحده للأشياء. والتي هي أول عوامل وحدتها وأعظمها، وشريعتُها التي هي مصدر معالجات كل مشاكلها، وهي من أهم عوامل وحدتها أيضاً، وهي التي توجه الناس إلى الحكم الصحيح وتوحدهم في نظرتهم، فتعيّنُ لهم من هو العدو ومن هو الصديق، وما هو الحسن وما هو القبيح، وتأمرهم بأن يتمسكوا بالحقائق كما هي.
إن الأعداد الهائلة للمسلمين اليوم، وأراضيهم الواسعة، وثرواتهم التي لا تنضب وملياراتهم التي لا تحصى كانت عليهم نِقمة بدل أن تكون نعمة. فالنهوض ليس بالمال والثروة وليس بالاقتصاد، وليس بكثرة العلماء.
وعندما كان المسلمون يحملون عقيدتهم حملاً فكرياً وسياسياً استطاعوا بسنوات قليلة أن يكونوا أعظم وأكبر أمة في العالم، وأن يكونوا الدولة الأولى في العالم. وهذا يدلنا على أهمية وجود فكر أساسي ينبثق منه نظام أو أنظمة وقوانين تعالج كل ما ينشأ من حاجات أو مشكلات، في الواقع أو في النفس. فكيف إذا كان هذا الفكر صادقاً وصحيحاً ومطابقاً لحقائق الأشياء والوقائع كما هو الإسلام. قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدىً فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى  ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى  قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً  قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى  وكذلك نجزي من أسـرف ولم يؤمـن بآيـات ربـه ولعذاب الآخـرة أشـد وأبقى (سورة طه 123-127).
إن طريق التغيير والنهوض تبدأ بالنظر والتفكير بحقائق الكون والإنسان والحياة، أي بالوعي الفكري وبالتمسك بالحقائق والتنبه للمغالطات التي تصرف عن الحقائق وتوقع في الضلال. وهذا التمسك بالحقائق طريق إلى الإيمان، وطريق بعد ذلك إلى إدراك كل الوقائع على حقيقتها، وهو ميزان لكل الناس ولكل المواقف ولكل الطروحات.
ورحم الله الشيخ تقي الدين النبهاني حيث قال: «لا بد من تصـحـيح المفـاهيـم للأشـياء عند الناس كافة» (التكتل الحـزبي ص20). وقال: «لا بد من لفت النظر إلى أمرين: أحدهما: المغالطات التي تحصل في الحقائق، والثاني: المغالطات التي تصرف عن الحقائق... ولذلك لا بد من الانتباه للمغالطات ولا بد من التمسك بالحقائق والقبض على الحقيقة بيد من حديد، ولا بد من العمق في الفكر والإخلاص في التفكير للوصول إلى الحقائق» (التفكير ص88).
فعلى المسلمين أن يتنبهوا لما يروَّج بينهم من أفكار وآراء ومناهج وخطط وتعريفات وأن ينقدوها ويمحصوها ليركلوا الخطأ والبـاطـل منـهـا. قـال تعـالى: قل انظـروا ماذا في السـماوات والأرض (سورة يونس 101). وقال: قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونُـرَدُّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هـدى الله هو الهـدى وأُمرنا لنسـلم لرب العـالمين (سورة الأنعام 71).
رد مع اقتباس